More on this book
Community
Kindle Notes & Highlights
أكثر الشرائط التي كنت أحب سماعها هذا الذي أشرت إليه؛ لم يكن به أي حديث ذي مغزى، كان صوت رضيعة تضحك، تحاول النطق بالكاد وهي تبكي فجأة: ـ بابا أدو (بابا عضو، أي أبي عضني). فيكرر أبي: ـ عضو؟ بابا عضو؟ إنت زعلان؟ لا يا روحي أنا ما أقدرش أزعلك. ثم يدغدغني فأضحك حتى ينقطع نفسي، ثم أبكي فجأة، وأعود لأكرر الشكوى من أنه عضني، حتى أسمع صوت أمي: ـ كفاية. البنت تعبت يا نجم. وهكذا سيداتي آنساتي سادتي، استمرت علاقتي طوال عمري بأبي، يعضني فأبكي ثم يدغدغني فأضحك، بالمعنيَين الحرفي والمعنوي. وأمي تتدخل دومًا: «كفاية. البنت تعبت يا نجم».
لم يمر العام حتى اضطررنا إلى العودة إلى القاهرة، ولم تكن تلك أفضل اختياراتي، فقد كنت أحب زوج أمي الدكتور الراحل عبد الأمير الورد، وكانت أشهر أمنياتي التي أعبر عنها لأمي: «يا ريت نتجمع كلنا أنا وبابا وماما وعمو أمير».
عُدت إلى القاهرة. بدأت الالتحام المباشر مع لاعب الفرورود الرئيسي، الذي طالما سدَّد أهدافًا في مرمى الحياة: أبي، الشاعر الفذ، والأب المثير للجدل، أحمد فؤاد عزت نجم ابن هانم.
طنط وداد متري
أظن، ولا أجزم، أن الأم المتزوجة والمستمرة في زواجها مع والد أطفالها، عليها أن تبذل جهدًا مع زوجها كي يُطعم الأطفال، ويحممهم، ويصطحبهم إلى التمارين، ويذاكر لهم دروسهم. وهو الجهد نفسه الذي ستبذله وهي تقوم بكل ذلك وحدها، لكن المردود على الطفل لن يكون الأفضل وهي تقوم بدور الـ«one woman show». وإذا كانت ترهق نفسها بحثًا عن التقدير، فلن تحصل عليه، لن تحصل عليه، أكرر، لن تحصل عليه، ولكن سيكون حقًّا مكتسبًا. ولست أنا من سأنبئ النساء المصريات عن العبارات المستفزة من قبيل: «إنتِ اللي عاملة في نفسك كده، محدش طلب منك حاجة، اللي يتعبك ما تعمليهوش بدل ما تقعدي تعايرينا، إلخ». إذن فمن الأفضل استثمار الجهد
...more
وأظن، ولا أجزم، أن الأم المطلَّقة عليها أن تبذل جهدًا ليقترب الأطفال من أبيهم، مهما كان هذا الأب. يا ستي، هو السيئ والشرير والأسد الغادر والوحش الكاسر إنسان الغاب طويل الناب، على أبنائه أن يعلموا ذلك ويتقبلوه لأن هذا أبوهم، وربما التعامل في وقت مبكر مع إنسان الغاب طويل الناب بالمحبة القسرية الفطرية التي تفرضها وشيجة البنوة، قد يثري شخصياتهم ويصقل تجاربهم في الحياة ويعلمهم تقبل المختلف والتماس الأعذار للبشر، وهو ما يدعم سلامهم النفسي، إلى حدٍّ ما بالطبع.
أوشكت أن أجهش بالبكاء، فقالت لي في حينها جملة شديدة الغرابة: ـ ما تعيطيش، المسلمين ما يعيطوش. صلي وادعي عليهم، قولي اللهم انتقم منهم وزلزل الأرض من تحت أقدامهم. حفظتِ؟ أنا متأكدة من أنني رأيت أحد الرجال الواقفين وقد جفل حين سمع أمي تلقنني هذا الدعاء. هز رأسه بحركة سريعة تبدو لاإرادية، وزاد تعبير الأسى على وجهه الذي كان متأسيًا بالفعل. حاول هذا الرجل الذي أذكر ملامحه (كان طويلًا، وبشرته خمرية، وشعره خليطًا بين الأبيض والأسود، ويرتدي ملابس مدنية: تيشيرتًا مقلمًا بالعرض بالأبيض والرمادي، وبنطلونًا أسود اللون) أن يحمل الحقيبة عن أمي، فزجرته أمي وهي تقول: ـ لا والله ما تاخد الثواب دا!
في ذلك الوقت كانت أمي ممنوعة من الكتابة بقرار من يوسف السباعي، ومفصولة من عملها بقرار من السيدة أمينة السعيد،
على الوسادة في الليل، عدت للحديث المنتظم مع الله: «يعني هو كده مات؟ يعني ماما هترجع ولَّا إيه؟ أنا ما قلتلكش يموت، بس خلاص، ماما هترجع بقى؟ أكيد طالما عملت كده يبقى هترجعها وسمعتني زي ما خالتي فاطمة قالت إنك بتسمع. ماما قالت لازم نكلمك بأدب، أنا هاقولك «حضرتك» زي ما باقول لماما، طيب؟ لو سمحت رجعلي ماما بقى، ولاحظ إني كل دا ما كلمتش حضرتك في موضوع بابا، أنا باقول لحضرتك هات ماما بس. شكرًا. تصبح على خير».
أبي حين يستيقظ من النوم يكون سيئ الخلق بشكل شنيع، فهو يستيقظ عابسًا، مهمومًا، ويقول لمن حوله: «صباحكم خرا على دماغكم»! حين كبرت، وكنت أبيت في بيت أم زينب، وأرى هذا الصباح «الخرا» على دماغنا، بدأت في القراءة عن أسباب استيقاظ بعض «الذكور» وهم سيئو المزاج، وعلمت أن ذلك يكون عادة بسبب الأحلام السيئة والكوابيس، ووجدت أن ذلك منطقي جدًّا في حالة أبي. لم أسأل أبي قَطُّ عن كوابيسه وأحلامه السيئة، لكنني أفكر الآن، وبعد أن فارقنا، في أن من مر بكل تلك الأهوال فإن الكوابيس «أقل واجب»!
لكن أبي أحيانًا كان يرى أحلامًا يقول عنها المؤمنون بالميتافيزيقا «رؤى»، أي: أحلام تتحقق، أو أحلام تحذيرية. وأذكر أنني كنت أمر بأمر شخصي جلل، ولم أفصح به لأحد، فرأى أبي أن ثعبانًا لدغني، فاستيقظ مفزوعًا وأخبر أم زينب عن الرؤيا وطلب منها أن تسألني عما ألم بي.
وقابلت هناك الفنان سعيد صالح، وكنت سعيدة جدًّا. كان شخصًا شديد اللطف والحنان والأبوة. والغريب أن حضوره لم يغب عنه حتى في الجلسات الخاصة، كان حقًّا مثل الشمس.
كنا قد سافرنا إلى الإسكندرية بقافلة كبيرة: أنا وأمي، وطنط شاهندة وبسمة ابنتها، وطنط وداد وعمو سعد وريم وسهيل ابناهما، وطنط محسنة توفيق وأسرتها. أقمنا في شقة في المعمورة، لا أذكر لمن تعود، وربما أجرناها. وقفت طنط وداد ترقب غروب الشمس وتقول: ـ الله! والله هاعيط! وهذه كانت عادة طنط وداد متري. طنط وداد تخرج في نزهة مع أصدقائها، أو تحضر عشاءً في بيت أحد الأصدقاء، فتتمتع بكل شيء وتثني على كل شيء: «الله! شوك ومعالق»، «الله! طبق نضيف»، «الله! بيض مسلوق»، «اللاااااهههه! كوباية نضيفة وفيها شاي»، «يا خبر! دا فيه نعناع كمان!»، «مش معقولة الجمال دا!»، على الرغم من أن الدنيا لم تترك مصابًا لم تُصَب به طنط
...more
أخذني أبي إلى الشاطئ، ولأول مرة تصلني معلومة أنه يجيد السباحة، ولما سألته كيف تعلم السباحة، أجاب بأنه تعلمها في ترعة قريته، فسألته: ـ أمَّال ما جالكش بلهارسيا زي عبد الحليم ليه؟ فقال: ـ جالي وخفيت منها. فقلت: ـ أمَّال عبد الحليم مات وما خفش ليه؟ قال: ـ عشان ربنا يبعتلي واحدة تنبر عليَّ زيك كده يا بومة! فقلت: ـ أنا باسأل عن السبب العلمي. فضحك قائلًا: ـ عايز أمسك وشك أعصره في إيدي يا بنت الكلب!
الحمد لله، قصصت القصة التي كانت تنغص عليَّ ذكرياتي، وسامحهما الله، وقد سامحتهما، ولا بأس من مروري بهذه التجربة، فقد تعلمت منها ألا أفعل مثلهما. وعلى فكرة، «لا نكد في طاعة الله»! وما دام الإنسان أصابه النكد من حمل نفسه على ما يكره، فهذه ليست طاعة يا ماما. وطظ في الناس، أيًّا كان عددهم، وما يكرهون وما يحبون، في مقابل مشاعر ابنتك يا بابا.
عمو إبراهيم منصور(27) (رحمه الله)، وعمو بهاجيجو (بهجت عثمان)(28)، وإبراهيم داود الشاعر الشاب وقتها، ومراد منير المخرج.
ما هو إنتِ يا نوارة عايشة في إفيه مستمر، إنك قلقانة على أبوكِ، ودي حاجة محدش يقدر يعمل قصادها حاجة. مسيرنا نلاقيه. ثم يتضح أنه ذهب إلى السويس أو إلى المنصورة، أو أنه ببساطة جلس وأطال الجلوس في مقام مولانا الإمام الحسين، أو أنه مع أشخاص لا نعلمهم، أو أنه في بيت شخص أو «شخصة» ما، أو في الغالب لا نعلم أين كان ولا يخبرنا هو أين كان.
كنت أحب القراءة منذ الصغر، وقلت لأبي: ـ على فكرة، أنا قريت الأعمال الكاملة لصلاح جاهين، وهو أحسن منك. فقال: ـ طبعًا. ـ لا، مش من قلبك دي. ـ لا، من قلبي. صمت برهة ثم قال: ـ على فكرة، بنت صلاح بتحبني أكتر منه، وقالتله زيك كده. إنتو عيال ولاد كلب!
بالنسبة إليَّ أنا، لماذا أحب سيدنا الحسين؟ هناك مغناطيس مجهول المصدر يعلق القلوب به. أقصد أن فكرة الميلاد على ديانة الإسلام وحدها ليست سببًا كافيًا لهذا التعلق. لقد رأيت عددًا من المسيحيين يزورون الإمام الحسين. هناك عدة خصال يعددها الزائرون في المقام، مثل أنه ثائر، وأنه بطل، وأنه ضحى بنفسه وولده، وأنه قُتل مظلومًا، وأنه حبيب رسول الله، وأنه سبط من الأسباط، وأنه «أحب الله من أحب حسينًا». كل هذا جميل، إلى جانب حقيقة أخرى يعلمها ويرددها مرتادو مقام الإمام: «كل من دخل مكسور خرج مجبور». لكن هذه ليست الأسباب. هذا حب مجهول السبب.
أما أبي، فكان يقول ضاحكًا: «هو اللي دبسني التدبيسة دي هو وأبوه». كان أبي يتعامل مع الإمام الحسين قائلًا: «بتاعنا». فهو كما يراه، ملك دولة الفقراء والمظلومين والمهمشين. وقال إنه كان كثيرًا ما يسأله: «مبسوط مني يا مولانا؟». وكان يقول عنه: «المقتول بالكلمة». ويروي أنه ذات مرة كان حزينًا مهمومًا يواجه خطرًا من ضمن الأخطار التي واجهها كثيرًا، فدخل المقام ونظر إليه وقال غاضبًا: «إنتو تقلتوا إيدكم عليَّ أوي، يتمتوني وفقرتوني ومشتوني على كعوبي وحبستوني وشردتوني وما اشتكتش ولا اتكلمت، وقلت بيحمِّلوا عليَّ محبة، وأنا راضي بالوصال ودا من العشم، بس كده كتير بقى! هو مفيش غير «...» أمي في البلد؟». ثم يروي
...more
حدث زلزال ١٩٩٢، فهدم بيت حوش آدم، ذلك الأثر القديم الذي يعود تاريخه إلى عهد المماليك، وكانت خسارة تاريخية فادحة، فهو بيت يقطنه مصريون منذ أن تم إنشاؤه، وظل يقطنه المصريون جيلًا بعد جيل، وهم يطلون من شرفتهم على بيت شهبندر التجار الفاخر. لا يزال بيت شهبندر التجار قائمًا، أما بيت المواطنين الذي كان يسكنه أبي فلم يحظَ بما حظي به بيت شهبندر التجار من رعاية وترميم فانهار. وهكذا تلاحق التفرقة الطبقية الموتى!
أيوه الحَكم ظلمنا! إنت بتتريق على إيه؟ فقال مبتسمًا بجانب شفتيه: ـ طب ما يظلمكم ولَّا يطلَّع دين أبوكم، ما إنتو تستاهلوا! ثم قام من على كرسيه وهو يصفق ويرقص ويغني نتيجة المباراة وينظر إليَّ مبتسمًا بكيد، فقررت أن أمارس مزايدة رخيصة عليه فقلت: ـ وعامل نفسك بتاع المظاليم وإنت بتدعم الظلم الكروي! فقال: ـ أيوه، كل المظاليم بيشجعوا الأهلي، ما إحنا مش هتييييت في الشارع والكورة كمان! الزمالك دا بتاع البهوات اللي بيطلعوا طلعة الظلم نزهة.
بهذه المناسبة، أحب أن أنوه بأنني كما كنت مصدر إلهام قصيدة «نوارة»، فإنني كنت مصدر إلهام أغنية «حضرة المتهم أبي». في نحو عام ٢٠٠٥ أو ٢٠٠٦، لا أذكر تحديدًا، تزامن وصول سيناريو مسلسل «حضرة المتهم أبي» إلى يد أبي ليكتب مقدمته ونهايته، مع جلستي معه وفوق أذنه وأنا ألومه. كنت أمر بنوبة اكتئاب شديدة، وكنت دومًا أؤنبه، وظللت ألومه لأنه أنجبني، ولأنه يتعامل مع الإنجاب بلا اكتراث، ولأنه تزوَّج فولدت زوجاته بنات كلهن تعيسات، إلخ.
نازل وانا ماشي ع الشوك برجليا وانت السبب يابا يا اللي خِليت بيا لا فرشتلي بستان ولا حتى بر أمان أعيش عليه إنسان والدنيا في إيديا وانا لما جيت م الغيب العدل كان كيفي والحق كان مطمعي والحب كان سيفي دقيت على الأبواب لقتني في السرداب غابة من الأنياب مسنونة حواليا مع الأسف يابا الدنيا دي غابة ملناش مكان فيها يا عيني يا وعدي ع المغرمين بعدي والطيبين فيها ثم كتب رده في أغنية النهاية في المسلسل: حقك على عيني يا ابني يا نور عيني لاجل الوفا بديني لك عندي بعض كلام أنا كنت واحداني والدنيا واخداني عايز ونيس تاني يقاسمني في الأحلام غريب وأنا في بلدي جبتك تكون سندي انصفني يا ولدي واصبر على الأيام
ولقد قالت ذات يوم لسعاد حسني، كما روت هي، إن علي بدرخان يفسد أخلاق نجم. وذكرت أن سعاد حسني، التي كانت صديقتها في تلك الفترة، ضحكت وقالت: «علي بيفسد أخلاق نجم؟»، فأجابتها أمي مؤكدة على ذلك بحيثيات ما زالت مقتنعة بها حتى الآن، من بينها أن علي بدرخان لديه سيارة!
فتطوع أحد الجيران، واسمه الأستاذ جمال الرملي، ومعه السيدة زوجته، حين علم بالقبض عليَّ من حارس العقار، وقال لها: ـ يا أستاذة، البيت والتلفون تحت أمرك، وإن شاء الله تطمني عليها، ادي تلفوني لأي حد، يتصلوا بيكي عليه. وهو من استقبل البشرى على تلفونه بأنني مقبوض عليَّ، وصعد إلى أمي متهللًا: ـ اطمني يا أستاذة اطمني، مقبوض عليها بس. كان الأستاذ جمال الرملي موظفًا بالجامعة، ولا تربطه بالسياسة أي علاقة من قريب أو بعيد، لكنه كان جارًا، وكان يقوم بما يراه واجبًا على الجار... وعشان كده مصر يا ولاد حلوة الحلوات
وهكذا، ظلت أمي وطنط شاهندة تتناوبان على مأمور القسم، وهو لا يجيب إلا بـ: «معنديش تعليمات»، «مش في إيدي»، «ما أقدرش». أين أبي؟ لم أسأل. كل ما كان يشغلني هو أمي، وقلقها، ودموعها التي تخفيها. الحقيقة أن أمي عودتني ألا أطالب أبي بشيء. «ما جاء منه نقبله، وما لم يجئ لا نحاسبه عليه»، هكذا قالت نصًّا.
أنا فقد نجحت في كل المواد عدا مادة الـ«comprehension»، والترجمة الحرفية لهذه الكلمة: «الفهم»! رسبت في الفهم. لم أنتبه إلى رمزية هذا الرسوب إلا الآن وأنا أكتب هذه السطور.
بدأت أشعر بالاكتئاب، وأبكي أكثر مما كنت أبكي في السابق، وازدادت الكوابيس عليَّ. وصلت إلى مرحلة من اليأس والإرهاق والتعب إلى درجة أنني سمحت لأمي أن تأخذني إلى مقام السيدة نفيسة بلا مقاومة مني ومن دون ترديد الهراء حول عبادة القبور والبدع الصوفية والممارسات الشركية. كانت المرة الأولى التي دخلت فيها إلى السيدة نفيسة. لم أخرج كما دخلت. وكانت بداية علاقتي بها التي أسأل الله ألا تنقطع. حكيت لأبي عما انتابني وما رأيت وما سمعت عند السيدة نفيسة، ولن أرويه هنا، فتهلل وجهه وقام وعانقني وقال: ـ مدد يا آل البيت! حمد الله على السلامة يا بنت الكلب! دا إنتِ طلعتِ دين أمي!
وهذا لا يعني أنني توقفت عن «تطليع دين أمهما»، أبي وأمي يعني. فقد انتقلت من مرحلة السلفية، إلى مرحلة عمرو خالد. أريد أن أرضي الله حتى لا يحبسني مرة أخرى، وعمرو خالد لا يطلب مني أن أهجر أصدقائي وأحبابي المسيحيين، أو أتوقف عن سماع فيروز. حلو دا. يلَّا بينا. اشتريت شرائط عمرو خالد، وبدأت أسمعها بصوت عالٍ في البيت. قالت أمي: ـ يا ساتر يا رب! إيه الصوت الرهيب دا؟ مين الست دي؟ بتصوَّت كده ليه؟ ـ يا ماما دا عمرو خالد، اسمعي كلامه كده، كلامه حلو... ـ يييييي! يا رب ارحمني بقى! أحسن يا ماما! مش دكتورة رضوى قالتلك مكتئبة، وإنتِ قلتيلها لأ؟ طب أهو.
وممكن تشوفهم في وسط المدينة إذا مر جنبك أتومبيل سفينة قفاهم عجينة كروشهم سمينة جلودهم بتضوي دماغهم تخينة سنانهم مبارد تفوت في الجليد مفيش سخن بارد بياكلوا الحديد
«الدستور» تجربة صحفية فريدة دشنها الأستاذ إبراهيم عيسى ومعه مجموعة من الشباب آنذاك، على رأسهم بلال فضل، وحمدي عبد الرحيم، وأكرم القصاص، ونجلاء بدير، وحنان كمال (رحمها الله)،
كان أبي في المستشفى بسبب إحدى الجلطات التي أصابته (لقد أصيب بجلطات كثيرة في المخ وكان دومًا ما يقول: «الجلطة جات تدور ع المخ ما لقتهوش مشيت»)، فحضر حسين أخو أم زينب (رحمه الله)، وقال لأبي نصًّا:
في يوم من الأيام، ذهبت إلى إحدى دور الرعاية، وقمت بتوزيع الأشياء، وبالطبع، تلقين الأولاد دروسًا عن الأخلاق والدين وحسن الخلق، ونهيهم عن الفواحش التي يقترفونها، و... و... و... حتى قاطعني مراهق في أثناء تناوله الوجبة، قائلًا: ـ باقولك يا أبلة، ما تخلصي الوعظة بتاعتك دي خلينا نتسمم اللقمة اللي إنتِ جايباها! إنتِ أصلًا جاية تاخدي ثواب على قفانا! لو إحنا مش موجودين ما كنتيش إنتِ بقيتِ ست المحسنة! وإنتِ تخشي الجنة عشان بتاعة ربنا، وإحنا نخش النار عشان حرامية و«...». بووووووم. ضربت أنفي بعنف والله. هذا المراهق الذي قال لي ذات مرة: ـ أنا النهارده سمعت شريط ديني عن واحد اسمه «المسير البغال» (المسيح
...more
كنا في «محمد محمود» لا نعلم متى سينتهي ذلك! ولماذا لا ينتهي! نحن لا نريد المواجهات. اتصل بي الأستاذ إبراهيم عيسى، وقال: ـ يا نوارة، إيه اللي بيحصل عندك؟ ـ مجزرة يا أستاذ إبراهيم! حد يلحقنا! ـ اقتراحك؟ ـ الإخوان ينزلوا معانا، هما عدد، لو نزلوا عددهم يحمينا والضرب يقف! ـ حالًا هاكلم خيرت الشاطر وأرجعلك. كان الأستاذ إبراهيم عيسى يتحدث «بعشم»، لأنه طالما ساند خيرت الشاطر في أثناء تعرضه لمحاكمات عسكرية، وكان يظن أن له «خاطر». غاب الأستاذ إبراهيم. اتصلت به. أرسل إليَّ الأستاذ إبراهيم رسالة خجلى: «خيرت ما بيردش عليَّ!».
عادل حسين، صحفي مصري وناشط سياسي معارض. انتقل من الماركسية إلى الإسلامية. الأخ الأصغر لأحمد حسين، مؤسس حزب مصر الفتاة (١٩٣٣). قاوم عادل حسين الاحتلال البريطاني لمصر منذ صباه، واعتُقل مرتين في أثناء حكم جمال عبد الناصر بسبب نشاطه السياسي: الأولى من ١٩٥٣ إلى ١٩٥٦. تخرج في قسم الجيولوجيا بكلية العلوم جامعة القاهرة في عام ١٩٥٧، ثم اعتُقل مرة أخرى من ١٩٥٩ إلى ١٩٦٤. واعتُقل في عهد مبارك وقت أن كان رئيسًا لتحرير جريدة «الشعب».