أغلى كوب قهوة في التاريخ


 عانى الكثير منا من أخطاء تسببت فيها جهات عامة وخاصة، لكننا تجاهلناها تارة إيثارا للسلامة، وتارة أخرى يأسا، ومن يئس من الشيء استغنى عنه

 
[image error]

ستيلا لايبك في قاعة المحكمة



في 27 فبراير عام 1992، قامت السيدة الأمريكية ستيلا لايبك (79 عاما) من نيو مكسيكو، بطلب كوب قهوة من نافذة الطلبات الخارجية من مطعم ماكدونالدز للوجبات السريعة برفقة حفيدها الذي كان يقود السيارة. أوقف حفيدها سيارته بعد أن استلمت جدته طلبها؛ لكي تضع الكريم والسكر في قهوتها. وضعت كوب القهوة الورقي بين ركبتيها سعيا لإزالة الغطاء. لكن خلال محاولتها لفتح الغطاء انسكب كوب القهوة بكامله على حضنها. اخترقت القهوة الساخنة ملابسها وتسببت في إصابتها بحروق من الدرجة الثالثة أدت إلى بقائها في المستشفى لمدة ثمانية أيام. وخضوعها إلى عمليات تجميلية، وخسارتها نحو 20% من وزنها، ومراجعتها للمستشفى لمدة عامين.

فكرت ستيلا بعد أن خرجت من المستشفى أن تتواصل مع مطعم (ماكدونالدز)؛ لتعويضها عن المبالغ التي تكبدتها في سبيل العلاج من الحروق التي تعرضت لها، والتي وصلت تكاليفها إلى 18 ألف دولار أمريكي. لكن شركة (ماكدونالدز) رفضت النظر في مطالب ستيلا وعرضت عليها 800 دولار أمريكي فقط.

نقلت ستيلا لأصدقائها رغبتها في رفع دعوى قضائية على شركة (ماكدونالدز). بيد أن أصدقاءها سخروا منها وتهكموا على هذه الفكرة، سائليها أن تنسى الحادثة وتبحث عن مصادر دخل جديدة تغطي مصاريف علاجها.

لم تعبأ ستيلا باقتراح أصدقائها مضت قدما في اتجاه رفع قضية على ماكدونالدز. اتصلت بالمحامي، ريد مورجان، الذي رحب بالتصدي لهذه المهمة وانتزاع التعويض المادي والمعنوي من ماكدونالدز. قدم مورجان لاحقا دعوى في محكمة مقاطعة نيو مكسيكو يتهم فيها ماكدونالدز بـ"الإهمال الجسيم" في بيع قهوة "خطيرة بشكل غير معقول" و"مصنعة بشكل غير مسؤول".

رفضت ماكدونالدز عرض التسوية الذي عرضه المحامي، والذي وصل إلى 90 ألف دولار أمريكي. صعّد مورجان من لهجته وواصل حشد أدلته سعيا وراء الحصول على التعويض المناسب. قدم المحامي أدلة على أن القهوة التي تقدمها ماكدونالدز في تلك الفترة ساخنة جدا وتصل درجة حرارتها إلى 190 فهرنهايت (88 درجة مئوية) مما قد يتسبب في حروق من الدرجة الثالثة، وأكد محامي ستيلا أن درجة الحرارة المناسبة للقهوة ينبغي ألا تزيد عن 140 فهرنهايت (60 درجة مئوية). واستعرض مورجان، خلال المحاكمة، عدة دعاوى رفعها زبائن لمكادونالدز أصيبوا بحروق متفاوتة في فترات مختلفة؛ بسبب تقديمهم قهوة "ساخنة جدا".

صوّتت هيئة المحلفين في 18 أغسطس 1994 على أن ماكدونالدز تتحمل 80% إثر إهمالها وستيلا 20% بسبب عدم حذرها. وعلى ضوء ذلك قررت المحكمة أن تعوض ماكدونالدز السيدة ستيلا بـ 160 ألف دولار أمريكي بسبب إصابتها بحروق من الدرجة الثالثة، و 2.7 مليون دولار تعويضا عن الآثار النفسية والمعنوية التي تعرضت لها جراء الحادثة. لكن ماكدونالدز استأنفت القرار، ثم توصلت مع ستيلا إلى تسوية خارج المحكمة تتمثل في تعويض يقدر بنحو 600 ألف دولار أمريكي مقابل التنازل عن القضية وإغلاق ملفها.
[image error]

أدت الحروق من الدرجة الثالثة التي تعرضت لها ستيلا إلى خفض درجة حرارة القهوة، التي تقدمها ماكدونالدز في فروعها وطريقة تقديمها



هناك من سخر وتهكم على ستيلا في البداية، لكنها في النهاية انتزعت ما يقارب 600 ألف دولار أمريكي في قضية ما زالت محل جدل وتساؤل وإلهام في التاريخ.

ترافق السخرية دائما ولادة الفكرة العظيمة، كما يرافق البرق والرعد سقوط المطر. إنها مؤشر لهطول الغيث. ينبغي أن تسعدنا ولا ترعبنا.

كان بالسهولة بمكان أن تفرط ستيلا بالقضية وتتنازل عن حقها وتسكت كما سكت العشرات قبلها، ولكنها اختارت الخيار الصعب. هذا الخيار تطلب الكثير من الصبر والعمل والمثابرة. لم يمنحها الآلاف من الدولارات فقط، وإنما جعلها تدخل التاريخ أيقونة للكفاح والجدية. النقود تذهب، لكن التاريخ لا يذهب. يرافق الأجيال على مر العصور.

عانى الكثير منا من أخطاء تسببت فيها جهات عامة وخاصة، لكننا تجاهلناها تارة إيثارا للسلامة، وتارة أخرى يأسا، ومن يئس من الشيء استغنى عنه. لو نقرأ التاريخ بتمعن سنجد أن الكثيرين ممن دونوا أسماءهم بمداد من ذهب فيه هم من حاربوا وقاتلوا في سبيل ما يؤمنون به. لن يعانق النجاح من تثبطه كلمة أو تكسره جملة. سيفوز من يجعل الكلمات المثبطة سفنا تقله إلى المكان الذي يشتهيه. الجزر العظيمة تحتاج إلى رحلات طويلة وشائكة لتصل إليها. لكنها تمنحك في النهاية فيئها وظلها وسكونها لتستلقي على ضفافها بسعادة.
عبدالله المغلوث
15 likes ·   •  6 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on April 06, 2012 18:24
Comments Showing 1-6 of 6 (6 new)    post a comment »
dateUp arrow    newest »

message 1: by غـدي (new)

غـدي أذكر هذهِ القصة جيدًا
وأحبها ..

فعلًا من ييأس يبدو كمن استغنى ...

شكرًا لك


message 2: by Sarah (new)

Sarah Al-Otaibi قصة ملهمه جداً ,, تنقصنا ثقافة الحقوق للأسف


message 3: by Ghada ahmad (new)

Ghada ahmad sweetestghada Amazing story as usual:)


message 4: by m2m2m- (new)

m2m2m- هذا القضاء العادل والمنصف هناك وليس هنا للاسف


message 5: by Funka97 (new)

Funka97 مطإلبي اولا
حقوقي في المقدمه
اراء البشر لن اقول في النهايه لأنهإ غير موجووده ولإ انظر اليهإآ



فعلا قصه معبره ..


message 6: by RUEUIT (new)

RUEUIT رائع


back to top