ماسبيرو مان

البوست ضمن حملة التدوين ضد حكم العسكر 

عملي السابق بالصحافة دوماً ما يدفعني لعمل مُغامرات صحفية من حين لآخر فقط من أجل نفسي وليس من أجل صحيفة فاسدة تضع مانشيت أحمر كبير لفوز الحزب في الإنتخابات وتتجاهل الشوارع المصبوغة بدماء الثوّار باللون الأحمر ذاته . كانت إحدى مغامراتي بالصدفة البحتة داخل مبني ماسبيرو منذ اسبوع.
أثناء أحداث شارع محمد محمود في آخر نوفمبر الماضي ، كنت متواجدة بالميدان ورأيت بعيني كذب ما يبثه التليفزيون المصري ولم أندهش – ماحنا متعودين بقي من أول الثورة - الغريب اني في نفس اليوم ليلاً جاءني اتصال هاتفي من صديق يعرض عليّ العمل في إحدى الإذاعات داخل ماسبيرو ، رفضت طبعاً واعتبرتها إهانة أن أنضم لهذه المنظومة الفاسدة . لكنه قاله لي فكري قليلا فهي فرصة وأنتِ تستطيعين الحفاظ علي مبادئك في أي مكان .
فكرت قليلاً ، ولكن ليس في العمل ، بل في اكتشاف السر وراء عقلية ماسبيرو . تحدثت لرئيس القناة في الهاتف وحددنا موعد وذهبت في اليوم التالي بعدما أخبرني أن تصريح دخولي جاهز .
من أول هنا هحكي بالعامية .
من بداية الكوبري اللي اتهرى تصوير أيام الثورة وأنا شايفة كمية جيش وشرطة غير طبيعية ، عربيات أمن مركزي ملتصقة ببعضها وعاملة سور قدام بوابة ماسبيرو ، منظر عساكر الأمن المركزي اللي دايما بشوفهم محبوسين جوه العربيات الزرقاء وبيتزاحموا علي حتة نور تدخل من بين السلك اللي في الشبّاك الصغير ، ومن الفراغات الضغيرة جدا بين العربيات شفت عساكر الجيش اللي واقفين عند الباب الداخلي للمبني .
مشيت لحد آخر صف العربيات عشان أعرف أدخل من باب صغير ، بعد ما عديت سلك شائك كتير أوي ، لما شوفته افتكرت الألغام والسلك الشائك اللي بنشوفهم دايما في أفلام حرب 1973 ، افتكرت اسرائيل معرفش ليه ، دخلت ، وحسيت بإحساس الست نادية الجندي وهي داخلة الموساد الإسرائيلي (راجع فيلم مهمة في تل أبيب) ، كمية العساكر والظباط بكثافة غير مسبوقة - أنا دخلت ماسبيرو مرتين بعد الثورة ومكنش فيهم الكمية دي – بعد ما أخدت التصريح ودخلت وطلعت الدور المقصود الي هقابل فيه رئيس القناة اللي هيكلمني عن الشغل . في الأسانسير كان في جُندي من الجيش ، لما طلعت فوق شفت اتنين كمان ، طلعت وسألت إحدى العاملات علي رئيس القناة ، قالتلي تاني مكتب يمين ، رحت لتاني مكتب يمين لقيت غرفة فيها 3 مكاتب لموظفين – فكروني بموظفين شئون الطلبة – سألت عن رئيس القناة قالولي في اجتماع وقعدت استني علي واحد من المكاتب .
دخل موظف فهمت من نظرته اني قاعدة علي مكتبه ، جيت أقوم قالي خليكي خليكي إحنا مفيش ورانا حاجة ! . وقعد يرغي هو وباقي الموظفين اللي في المكتب ، وكل شوية ييجي حد من مكتب تاني ينضم لحلقة الرغي ، منظر عادي جداً إنك تشوفه في مصلحة حكومية (ناقص بس واحدة من الموظفات تقشر بطاطس بدل ماهي قاعدة فاضية ) . فضلت أتابع حوارهم التلاتيناتي لحد ما جه رئيس القناة وقعدنا في مكتب تاني ودي أجزاء من الانترفيو وما بين الأقواس تعليقاتي اللي بقولها لنفسي كنوع من الترويح عن مرارتي :
- انتي بتعرفي تستخدمي شبكة الانترنت ؟- هه ؟(ايه السؤال ده .. تقصد الشبكة العنكبوتية؟ :D..) آه- هايل ، عندك حساب علي موقع فيس بوك ؟- (هو أنا ليه حاسه إني فـ برنامج فكّر مرتين .. تكسب ؟) احم .. آه عندي- وبتستخدميه ؟- (أومال بأجره ؟) ..أيوة يا فندم .- ده انتِ هايلة- (:| ) احم . شكرا ، أنا عندي 5000 واحد هايل علي الأكونت :d- وياتري عندك عنوان بريدي علي الشبكة ؟- حضرتك تقصد e-mail يعني ؟ آه عندي- تعرفي ، البتاع ده كل علاقتي بيه إن بيجيلي عليه ورق بطبعه وأسلمه هنا في الإدارة- ( طلع يعرف البرينتر !.. ظلمت الراجل ) ممممممم- بصي بقي ياستي ، بما إنك مهتمة بالأدب والثقافة وبتكتبي ، فممكن تعملي برنامج هنا عن الكتب أو عن أي حاجة ليها علاقة بالموضوع . بس قوليلي عندك مصادر ؟- آه مصادر بشرية وممكن كمان من الانترنت .- زي  إيه ؟- مواقع أدبية مثلا ، يوتيوب ، كده يعني- ايه التاني ده ؟- تاني ايه ؟ اليوتيوب؟- آه- (يا خيبتك القويّة يا ميار ) ده موقع مختص بالفيديوهات- فعلا ؟ ده انتِ مدهشة- (افتكرت فيلم سمير وشهير وبهير لما كانوا بيقولوا أي حاجة عادية بالنسبالك .. جديدة بالنسبالهم .. عندي صداع مدهششششش ) ممكن كمان نجيب ملفات صوتية لكتّاب وشعراء مسجلين أعمالهم بصوتهم- وده عادي ؟- هو إيه ؟- يعني نعرف نجيبها من غير إذن ؟ إزاي هنوصل للكاتب نفسه ؟- في مليون طريقه نوصل بيها للكاتب ، إيميل وتليفون وفيس بوك وتويتر وجود ريدز ، ده لو عايش طبعاً .- ده انتِ هايلة- (ده أنا هبهرك ) شكراً ، ممكن آخد فكرة عن البرامج اللي بتقدموها ؟- عندنا ياستي برامج كتير ، برنامج مثلا "عزيزي المستمع .. رأيك يهمنا"- ده البرنامج نفسه ؟- لأ ده إسمه- (تصدق بهرتني .. أنا كـ بسمة انبهرت ) اه .. طيب ، وإيه كمان ؟- عندنا برنامج عن الكتب اسمه عالم المعرفة- (وده غير عالم الحيوان؟ .. كيخووووووووو ) اه ، هو أنا ملاحظة إن أسامي البرامج قديمة شوية .. هل ده مقصود ؟- أيوة طبعا إحنا إذاعة ثقافية .- وايه علاقة الثقافة بإنها تبقي قديمة ؟ البني آدم المثقف المفروض يواكب العصر- انتِ بتناقشي كتير وشكلك هتتعبيني ، هو النظام كده ، اللايحة كده- (يااااااااااه لايحة !! .. آخر مرة سمعت الكلمة دي كانت في فيلم أبيض وأسود بتاع مراتي مدير عام ) يا فندم إحنا إعلاميين يعني المفروض إحنا اللي نطور الكلام ده عشان نوصل للناس .- لا مهي الاذاعة عندنا موجهة لفئة معينة من المثقفين .- (الراقدون تحت التراب أكيد صح ؟ :D) وليه نحصر الإذاعة علي مستمعين معينين ، إحنا المفروض نحبب الناس في الثقافة والقراءة مش نعزلهم .- هو النظام كده- (أم النظام بقي ) ممكن أسأل حضرتك سؤال ، قبل ما تبقي رئيس قناة كنت بتشتغل ايه ؟- مذيع- (طب بس متقولهاش في وشي ) واضح !- وكنت بتذيع ايه ؟- برنامج ثقافي للأقاليم
معرفش لو قلت له القلشة المتناولة علي الفيس بوك "ابن الظابط بيطلع ظابط ، ابن المهندس بيطلع مهندس ، ابن الدكتور بيطلع دكتور .. وابن ال**** بيطلع مذيع في التليفزيون المصري" هيندهش؟ . ده كان جزء من الانترفيو . وأظن دلوقتي عرفتوا ليه ماسبيرو كده ، أكيد مش كل أهل ماسبيرو علي نفس الوتيرة دي وأكيد فيهم ناس مثقفة ومتابعة ، ولكن صمتهم جريمة ، وممكن نختصر نقاط الضعف في :
- الإدارة ثم الإدارة ثم الإدارة .. أدعي عليكوا بإيه ؟! الفساد الإداري لا يبدأ بالمدير المرتشي أو الفاسد ولكن يبدأ بالموظف الصغير اللي مش بيشوف شغله (انت اللي بتوطّي عشان كده بيطلع علي قفاك ).
- القوانين والتنفيذ الأعمي ليها وإهمال الإبداع والإبتكار كجزء من المضمون الإعلامي (إيه الكلام الكبير ده ؟!)
- الجهل بالتكنولوجيا والإنترنت كوسيلة إعلامية .
- العمل كـ موظف وليس كـ إعلامي "أنت صانع الرسالة الإعلامية يا تُحفة "!
- وطبعا الكذب وإنكار الحقائق بدلا من الاعتذار و تصحيح المعلومة .
كل اللي فات ده ، لما يجتمع مع نظام عسكري يتعامل مع المواطنين علي أنهم جموع حمقاء يمكن تغييبهم برسائل إعلامية تدمر خلايا العقل ، مع نظام بيمنع دخول شحنة مخدرات بينما لا يمنع دخول أسلحة وقنابل لضرب أبناء الشعب .. أكيد هيخلي قطاع من الشعب مُغيّب ومتبلد الإحساس .
قل لي من فضلك أيها الجندي الشجاع الذي قتل الشيخ عماد عفت وهتك عرض فتاة في الشارع ولم يضرب طلقة في الهواء حتى عندما قُتل رفاقه علي الحدود بأيدي صهيونية ، أيها المذيع الشجيع الفظيع المريع وأيتها المذيعة التي تضع كيلو من مساحيق التجميل ولا تستحي أن تخرج ببلوزة حمراء علي الشاشة ومن هم في مثل عمرك يقتلون في الميدان . أيها الشيخ الذي تسخر من الشهداء وتفتي علي مزاجك ، ما إحساسك وأنت تمارس الدجل علي الهواء مباشرة بتكذيب أعيننا وما رأيناه لكي نصدقك ؟ قل لي يا كل مسئول في هذا البلد شهد قتل خيرة شباب البلد ونبضها الشريف والدم يسيل من الأجساد والعيون . قل لي يا سيادة اللواء الذي أقسم علي حماية الوطن في يوم من الأيام يا من تقول "لم نطلق رصاصة واحدة علي المتظاهرين" .. يا كل من له يد - بالفعل أو بالصمت- في قتل شباب البلد "إحساسك إيه وانت قاتل ؟.. كلمني عن نفسك بصراحة وحاول تكدب عليا ".

إذا كان الإعلام فاسد ، فأنت من بيده الريموت ، الاختيار دائماً بيدك ، أنت من ترفض أن تشاهد أحداث الميدان لأنها تؤلمك ، لأنها تُعرّي نفسك أمامك ، لأنك تعلم في قرارة نفسك أنهم أكثر رجولة منك بمراحل ، لأنك بتشد سوستة الترينج وانت قاعد في البيت مرتاح ومتدفي بينما يفتح غيرك صدره للرصاص بكل ثقة . لأنك تعلم أنك لست في نصف أو ربع أو ثلث أو ثمن أو أي نسبة من شجاعة هذا الذي يقف في الميدان ليطالب بحقك ، رغم أنك تسبّه وتهين من قدره وتتهمه بالعمالة والتخوين . لأنك لا تستطيع أن تكون مثله ، لأن جُبنك منعك من أن تكون مثله . لأنك لا تكتفي بأن تكون جباناً فحسب وتصمت ، لكن ضميرك الذي تحاول قتله كلما حاول استفزازك كتمت أنت صوته "بالشتيمة " . أنت لا تختلف كثيراً عن هؤلاء القتلة ، أنت تقتل ضميرك وهم يقتلون أبناء الحُرية . فقط أطلب منك أن تفكر – وانت قاعد ع الكنبة – فيما ستقوله لله عندما يسألك عن إخوانك الذين قُتلوا من أجلك ، من أجل كرامة الإنسان المقدسة في كل الأديان .. ماذا فعلت من أجلهم ؟
1 like ·   •  2 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on December 20, 2011 19:34
Comments Showing 1-2 of 2 (2 new)    post a comment »
dateUp arrow    newest »

message 1: by Ahmed (new)

Ahmed Abd مقال جامد
بس اعتقد لو اتغيرت قايدتهم وبقت موظيفن محترامين الحال ده هيتصلح


message 2: by بسمة (new)

بسمة العوفي أكيد طبعا


back to top