صورة كاتب ساخر
صورة كاتب ساخر
فتح عينيه !.. استيقظ (نافع) من النوم – مبكراً اليوم - ففتح عينيه.. يا لها من بداية غبية !
ذات مرة ابتدأ قصةً له بعبارة كهذه فكاد النقاد أن يقتلوه لفرط هذه الجريمة !
لكنه الآن بالفعل قد استيقظ .. فتح عينيه .. حاول أن يتمطّى في الفراش فارتطم ذراعه – في غفلةٍ منه - بزوجته النائمة ؛ فأرسلت هي له زمجرةً خفيفة تنذر بالويل القادم !
جميلٌ شعورك أنك ومخلوق (البيوتولا) تنامان يومياً في فراشٍ واحد .
رمى على وجنتها قبلة الصباح الروتينية ثم نهض ليستعد لخوض معارك يومٍ جديد ..
ما الذي يدفعه للتفكير في وجود معارك ؟!!
كيف يُطرح هذا السؤال ؟! .. إن (نافع) كاتب ساخر .. أي أن عدم وجود معارك وأزمات وسلبيات = خراب بيته ..
أي أنه لا بد من حكومة (بايظة) ، وأراضي مُغتصَبة ، وفن هابط ، ومواسير مجاري تعلن عن نفسها .. إن انعدم هذا كله فمم يسخر إذن ؟!
قد يكتب حينها قصة يسخر فيها من الكتّاب الساخرين .. لم يبقَ إلا هذا !
قام حافياً واتجه للصالة ففتح النافذة .. إنها الشمس .. لابد أنها ستشرق اليوم أيضاً .. يا للملل ! .. لماذا تشرق الشمس يومياً في نفس الميعاد ما دام لا دفتر حضور وانصراف هنالك ؟ ولماذا يصر الناس على قول : " صباح الخير " لبعضهم البعض ؟ ولماذا تصر الشغّالة على قهر جيوش القمل بوضع الجاز في رأسها ؟! .. تلك أمورٌ لن يفهمها قط !
ارتدى (شبشبه) وشعر بالشفقة تجاهه .. لو كان هذا الشبشب مواطناً في دولة محترمة ، ولو مُنح ترف التحدث .. لاستغاث بمجلس الأمن ، ولطالب بحق اللجوء السياسي لدولة لا يعرفها أحد غالباً !
ارتداه واتجه للحمام .. الحمام أيضاً ؛ لو كان شخصاً من لحمٍ ودم لتعلم كتابة الشعر ولكتب في (نافع) قصائد هجاء .. ستكون كارثة .. فالحمام لديه الكثير حقاً كي يحكيه .. نسأل الله الستر !
وقف أمام مرآة الحمام واستعد لحلاقة ذقنه .. نظر لها لثانية واحدة وأمسك ماكينة الحلاقة و ... ونحّاها جانباً .. نظر للمرآة مرة أخرى .. أعطاها جانب وجهه الأيسر ليرى إن كان سيبدو هكذا أكثر حكمة .. ثم أعطاها جانب وجهه الأيمن ليبدو أقل حمقاً .. أخرج لسانه مستفزاً .. مستفزاً من ؟! ليس هذا وقته .. رفع حاجبيه .. قطّبهما .. عبَس .. ابتسم .. ضحك وقهقه .. رفع ذقنه .. احولّ .. وضع أنفه مكان أذنه .... كفى !!
عادت ملامحه لعقلها وجالت في ذهنه خواطر عابرة .. أي سحنةٍ هذه ! .. فالح فقط في أن يكتب ويسخر من الناس ! بلا نيلة .. وشعر ذقنه هذا هو الآخر .. شعر ذقنٍ هذا أم حفنة من شويكات الصبّار ؟ .. لو كان هذا الشعر محصول أرضٍ ما لترك الفلاحون الفِلاحة مؤمنين أن (الفيديون) و، (السفر لبلاد برة) خيرٌ لهم وأبقى !
حرّك وجهه كاملاً يمنة ويسرة في حركات سريعة متعاقبة كي ينفض هذه الخواطر ، ويبدأ في حلاقة ذقنه كي يخرج للعمل ..
يدفع نصف عمره كي يعرف علام يوقّره قراؤه ؟!! .. أهذا منظر بني آدم ؟
ثم ... ثم ما مخلوق (البيوتولا) هذا ؟!!!
* * * *
(نافع) يعمل في وظيفةٍ ما لا تهم معرفتها .. المهم أنه الآن في مكتبه يكتب مقالاً جديداً سيتم نشره في الجريدة التي يعمل صحفياً بها !
ما دخل كتابة المقالات بطبيعة عمله ؟! وكيف يترك مهام وظيفته كي يكتب مقالاً ؟!
مثل هذه النوعية من الأسئلة تجرح إحساسه وتُشعره بالضيق .. هذا بالإضافة إلى أن الكتابة عمل مقدس - لذا فلن يجيب .
فرغ من كتابة المقال ، وأعاد قراءته .. وجد أنه خالي من أية أساليب أو تعابير أو تشبيهات ساخرة .. وإن هذا والله لسُبة في تاريخه الأدبي .. كيف يسمح لجدية الموضوع أن تحجب خفة دمه وظرفه وسخريته عن الظهور .. ما الذنب الذي جناه القراء المساكين كي يُحرموا لذة إبداعه ؟
ألقى ورقة المقال على المكتب في إحباط .. سخريته تتفلت منه .. بات واضحاً أن مستواه في تدهور ؛ عليه أن يعترف بذلك .. بينما منافسه الكاتب الفلاني اللعين الآخر يرتقي درجات السخرية وخفة الدم كأقصى ما يكون .. لا فائدة .. إن الأدب العربي يخسر واحداً من العمالقة بسبب الضغط النفسي لا أكثر .. هذا ظلم !
من سيقول عن الحكومة بعد اليوم أنها فتاة فقدت من يمنعها عن الذهاب إلى الشقق المفروشة ؟! من سواه يستطيع أن ينظر تلك النظرة المستخفة التي تزعزع من ينقده عندما يكون في ندوة لمناقشة أعماله ؟! من بعده سيصف (كوندليزا رايس) بأنها قُلّة ؟!
سخريته تتفلت منه . مستواه في تدهور .
اختنق كشخصٍ استنشق كل (ثاني أكسيد كربون) هذا العالم .. وشهق ثم سقط رأسه على مكتبه مغشياً عليه !
* * * *
أحمد صبري غباشي
نوفمبر - 2007
فتح عينيه !.. استيقظ (نافع) من النوم – مبكراً اليوم - ففتح عينيه.. يا لها من بداية غبية !
ذات مرة ابتدأ قصةً له بعبارة كهذه فكاد النقاد أن يقتلوه لفرط هذه الجريمة !
لكنه الآن بالفعل قد استيقظ .. فتح عينيه .. حاول أن يتمطّى في الفراش فارتطم ذراعه – في غفلةٍ منه - بزوجته النائمة ؛ فأرسلت هي له زمجرةً خفيفة تنذر بالويل القادم !
جميلٌ شعورك أنك ومخلوق (البيوتولا) تنامان يومياً في فراشٍ واحد .
رمى على وجنتها قبلة الصباح الروتينية ثم نهض ليستعد لخوض معارك يومٍ جديد ..
ما الذي يدفعه للتفكير في وجود معارك ؟!!
كيف يُطرح هذا السؤال ؟! .. إن (نافع) كاتب ساخر .. أي أن عدم وجود معارك وأزمات وسلبيات = خراب بيته ..
أي أنه لا بد من حكومة (بايظة) ، وأراضي مُغتصَبة ، وفن هابط ، ومواسير مجاري تعلن عن نفسها .. إن انعدم هذا كله فمم يسخر إذن ؟!
قد يكتب حينها قصة يسخر فيها من الكتّاب الساخرين .. لم يبقَ إلا هذا !
قام حافياً واتجه للصالة ففتح النافذة .. إنها الشمس .. لابد أنها ستشرق اليوم أيضاً .. يا للملل ! .. لماذا تشرق الشمس يومياً في نفس الميعاد ما دام لا دفتر حضور وانصراف هنالك ؟ ولماذا يصر الناس على قول : " صباح الخير " لبعضهم البعض ؟ ولماذا تصر الشغّالة على قهر جيوش القمل بوضع الجاز في رأسها ؟! .. تلك أمورٌ لن يفهمها قط !
ارتدى (شبشبه) وشعر بالشفقة تجاهه .. لو كان هذا الشبشب مواطناً في دولة محترمة ، ولو مُنح ترف التحدث .. لاستغاث بمجلس الأمن ، ولطالب بحق اللجوء السياسي لدولة لا يعرفها أحد غالباً !
ارتداه واتجه للحمام .. الحمام أيضاً ؛ لو كان شخصاً من لحمٍ ودم لتعلم كتابة الشعر ولكتب في (نافع) قصائد هجاء .. ستكون كارثة .. فالحمام لديه الكثير حقاً كي يحكيه .. نسأل الله الستر !
وقف أمام مرآة الحمام واستعد لحلاقة ذقنه .. نظر لها لثانية واحدة وأمسك ماكينة الحلاقة و ... ونحّاها جانباً .. نظر للمرآة مرة أخرى .. أعطاها جانب وجهه الأيسر ليرى إن كان سيبدو هكذا أكثر حكمة .. ثم أعطاها جانب وجهه الأيمن ليبدو أقل حمقاً .. أخرج لسانه مستفزاً .. مستفزاً من ؟! ليس هذا وقته .. رفع حاجبيه .. قطّبهما .. عبَس .. ابتسم .. ضحك وقهقه .. رفع ذقنه .. احولّ .. وضع أنفه مكان أذنه .... كفى !!
عادت ملامحه لعقلها وجالت في ذهنه خواطر عابرة .. أي سحنةٍ هذه ! .. فالح فقط في أن يكتب ويسخر من الناس ! بلا نيلة .. وشعر ذقنه هذا هو الآخر .. شعر ذقنٍ هذا أم حفنة من شويكات الصبّار ؟ .. لو كان هذا الشعر محصول أرضٍ ما لترك الفلاحون الفِلاحة مؤمنين أن (الفيديون) و، (السفر لبلاد برة) خيرٌ لهم وأبقى !
حرّك وجهه كاملاً يمنة ويسرة في حركات سريعة متعاقبة كي ينفض هذه الخواطر ، ويبدأ في حلاقة ذقنه كي يخرج للعمل ..
يدفع نصف عمره كي يعرف علام يوقّره قراؤه ؟!! .. أهذا منظر بني آدم ؟
ثم ... ثم ما مخلوق (البيوتولا) هذا ؟!!!
* * * *
(نافع) يعمل في وظيفةٍ ما لا تهم معرفتها .. المهم أنه الآن في مكتبه يكتب مقالاً جديداً سيتم نشره في الجريدة التي يعمل صحفياً بها !
ما دخل كتابة المقالات بطبيعة عمله ؟! وكيف يترك مهام وظيفته كي يكتب مقالاً ؟!
مثل هذه النوعية من الأسئلة تجرح إحساسه وتُشعره بالضيق .. هذا بالإضافة إلى أن الكتابة عمل مقدس - لذا فلن يجيب .
فرغ من كتابة المقال ، وأعاد قراءته .. وجد أنه خالي من أية أساليب أو تعابير أو تشبيهات ساخرة .. وإن هذا والله لسُبة في تاريخه الأدبي .. كيف يسمح لجدية الموضوع أن تحجب خفة دمه وظرفه وسخريته عن الظهور .. ما الذنب الذي جناه القراء المساكين كي يُحرموا لذة إبداعه ؟
ألقى ورقة المقال على المكتب في إحباط .. سخريته تتفلت منه .. بات واضحاً أن مستواه في تدهور ؛ عليه أن يعترف بذلك .. بينما منافسه الكاتب الفلاني اللعين الآخر يرتقي درجات السخرية وخفة الدم كأقصى ما يكون .. لا فائدة .. إن الأدب العربي يخسر واحداً من العمالقة بسبب الضغط النفسي لا أكثر .. هذا ظلم !
من سيقول عن الحكومة بعد اليوم أنها فتاة فقدت من يمنعها عن الذهاب إلى الشقق المفروشة ؟! من سواه يستطيع أن ينظر تلك النظرة المستخفة التي تزعزع من ينقده عندما يكون في ندوة لمناقشة أعماله ؟! من بعده سيصف (كوندليزا رايس) بأنها قُلّة ؟!
سخريته تتفلت منه . مستواه في تدهور .
اختنق كشخصٍ استنشق كل (ثاني أكسيد كربون) هذا العالم .. وشهق ثم سقط رأسه على مكتبه مغشياً عليه !
* * * *
أحمد صبري غباشي
نوفمبر - 2007
Published on May 17, 2011 08:53
•
Tags:
صورة-كاتب-ساخر
date
newest »

message 1:
by
سلمى
(new)
May 19, 2011 04:13PM

reply
|
flag