Mohamed Ateaa's Blog, page 2

January 22, 2020

متسع من الحزن

(1)
لو كنت أعلم أنه علي أن أقرأ العلامات، ما كان حدث أي شيء، لو كنت أعلم أنه بالقرب وحده يخسر الأنسان نفسه وصفاته الطيبة، لو كنت أعلم أنه علي أن أعرف أن كل أبواب المودة تغلقها أقفال من بؤس بمفاتيح صنعتها السعادة والضحكات التي أتت مرة وحيدة، ولن تتكرر، لما كل العلامات لم تضيء لي معاً كي أعلم أن اقتفاء هذا الأثر مؤلم وهذا الطريق واعر على السير فيه، وأن كل النهنهات المكتومة يوما ما ستجد السبيل وتخرج أسوأ ما في في وجه كل ما صادفتهم في الطريق ورحلت.
لما لم تخبرني العلامات عن الطريق، لما لم تخبرني أن علي إلا أكمل الطريق نحوكما، وأن نهاية الطريق هذا سأكون وحيدًا مفردًا أبحث عن نفسي قبل أن أبحث عنكما، أدور حولي نفسي في دائرة أولها عندي ونهايتها عندكم، تدور الدائرة فتتبدل الأدوار، وتنعكس المعاني، أصبح أنا الشرير في رواية أحدهم، ثم أصبح الشرير الضحية في الرواية التالية، ثم أصبح من عاند القدر في الرواية التالية وهكذا، لا تتوقف العلامات ولا تتوقف الروايات وأنا والله متعب دونكما، متعب وأبحث عن لحظات من راحة في حضور ودود من صديق حضوره دافيء وجميل، من حضور لا استعر أي وجه عندما يأتي ولا اجمل الألفاظ ولا أخاف ولا أحزن ولا أشعر بالفقد ولا بالخسارة ولا بالندم.
(2)
أبحث عن سفر بعيدًا عنكما أبحث عن مطار لا يمر في حدود شوقي إليكم، عن جواز سفر لا يحمل تأشيرة يجب أن تختم في قلبي من بين أصابعكم، عن صورة لا تظهرون فيها، عن خلفية بيضاء أستطيع أن أضع صورتي عليها، أبحث عن خلفية بيضاء وقد ذهبت كل الألوان معكم عندما ذهبتم، أبحث عن خلفية فقط تداري خيباتي الكثير ومرارتي التي تطفح في ابتسامتي، عن خلفية أوزع عليها بعض متاعبي التي لا تتوقف عن الظهور في زوايا ابتسامتي، أبحث حتى عن وجهي الذي يجب أن يظهر في الصورة وعن نفسي التي تتداري خلفكم، فكلما ابتسمت ظهرتم أنتم، وكلما حزنت ظهرت أنا.
لما كل الأحوال متعبة، ولما كل السفرات متعبة، ولما كل الهجر مؤلم بهذا الشكل، ولما كل الخسارات مهلكة ، لما لا تبدو لنا العلامات قبل البدء لنعرف مصيرنا، ولنعرف هل يمكن أن نتحمل كل ذلك الحزن؟ كل ذلك الأحساس المضني بالمرارة والخسارة المدوية، كل شيء قابل للنسيان نعم وكل شيء يقل يوما بعد يوم إلا هذا ، الأحلام تزكي نار الحسرة والخسارة ، الأحلام تعيد لنا الابتسامات ليلا وتستعيدها نهارا تعيد لنا الحيوات ليلا وتهدي لنا الميتات نهارا، تأخذ كل شيء ليلا وتعيدكما لي نهاراً إما هناك حد لهذا المر؟
(3)
كيف يضيق المكان بصاحبه؟ وكيف تحاوط الدوائر والعلامات أصحابها لتبشرهم بعذاب أليم لا يبدو في البدايات ولكنه يترك الكثير من الدماء خلفه والكثير من المشاعر المستهلكة والكثير من القلوب التي تحتاج لقطب وكثير من الخيوط المبللة بالماء حتى يسهل رتق تلك القلوب، القلوب المرتقة لا تلبث أن تعود لنفس الحالة فما رتق مرة لن يتوقف عن أن يتم رتقه ألف مرة، فلعنة الله على العلامات ولعنة الله على الضحكات التي يحتفظ بها وجوهنا ولعنة الله على دمائنا التي لازالت تحمل الود لكما ، والحرارة والدفء عندما نتذكركما.
خذا قلبي المرتجف دوما والعلامات ولحظات الهلع، خذا ثيابي الدافئة التي لم تحتفظ سوى برائحتكم، خذا كتبي وأوراقي القليلة التي كتبتها ولم أذكر فيها غيركم، خذا العلامات كلها والأحلام، والأمنيات المؤجلة لأنكم لم تكونا هنا، والذكريات التي نسيتها لأنكما لم تمرا بها، خذا حيواتي العالقة وأيامي الباردة ولحظاتي الخاوية ولكن خلصوني من العلامات التي أدمنتها، خلصوني من شباك القدر التي وقعت فيها ولم أنج، خلصوني من كل صفحاتي التي كتبتها ورتبتها لتصبح حكاية تقفي الأثر مؤلمة مثل فقد الأثر ذاته، خلصوني من القلوب التالفة والمشاعر التالفة والذكريات المثقوبة، خلصوني من روحي التي تحن لكم وتئن لكم وتشتاق لكم.
(4)
تتكرر الأيام وتصبح مائعة، تتكرر الذكريات وتصبح أسيرها، تعيد الذكرى نفسها في اليوم ذاته من كل عام، كأن للهجران موعد مقدس لا ينبغي تفويته، وكأن للخسارات مواعيد مع الأقدار تتشابه في كل عام منذ سنة أو ثلاثة أو عشرة سنوات، العلامات هي نفسها، والهجرات هي نفسها، والسخفات هي نفسها، كل شيء يصبح نفسه مجردا منك ومليء بهم.
هناك سأكون للمرة الأخيرة وحيدًا في ضيق، سأنتظركما في متسع من الحزن، ستبدوان من بعيد لامعان مضيئان، سيئان من الداخل وقلوبكما مرتقة، ومشاعركم ستحملونها لشخص جديد يقع في شرك العلامات مرة تلو مرة، ستبدوان جميلان طازجان كأنكما لم تعرفا الحزن ولم تجرباه ولكن في متسعي سأنتظركم، لن أهضم العلامات ولن أنساها سأدونها لتصبح دليلى في كيف أقترب من متسعي أكثر، سأدون كل ما حدث وكل الروايات التالفة التي كنت بطلها، وكل الروايات التي لم تحدث وكنت الشرير فيها وكل الروايات التي أثنت على شري وعلى شخصيتي، سأمر بيدي على الذكريات لأحفظها عن ظهر قلب سأمرر يدي في قلبي لأخرج أخر ما بقى لكما فيه ومنه، وأضع كل ما لديكما في داخلي على شاطيء متسع الحزن لتصبح حدوده خسارتكم.
العابرون ببطء جميلون وملعونين نحن بهم، العابرون ببطء الذين ينتزعون سكينتهم بسرعة أو ببطء فلم يعد يجدي الأمر نفعًا سأترك كل شيء هناك في المتسع، سأترككما هناك مع صوركم وذكراكم ودوائركم التي لا تنتهي ، سأترككما مع علاماتكم التي لا تتوقف عن التكرار واصطياد ضحايا جدد، ساتوقف عن كوني ذلك الشخص الذي يصدق في العلامات وسأتوقف عن كوني الشخص الشرير أو حتى الضحية، سأكمل رحلتى في سلام أو هكذا أتمني.
هناك متسع من الحزن لكل شخص ولكنه بدا ضيق جدا على محبتكما.
-------------------------------------------
نهاية باب ما جاء في الحزن
5 أيام بعد 17 من الشهر الأول من العام الثالث لاختفاء العلامات!
عطية
 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on January 22, 2020 02:29 Tags: و_سأظل_أقتفي_أثرك_و_لا_أصل

January 7, 2020

المشائين في نور غيابك!

أود أن يحبني ظلك!
أن أغلق عيني واستريح في أبعد مسافة ممكنة!
أود أن أصبح جوارك لا بجوارك.
أن أكن غيمة تمطر متى شئتي وترحل متى شئتي!
أود أن أصبح فاكهتك التي تشتهين..وإلا ألتهمك!
أن أصبح بيتك، بل أن أصبح أنت!
أن تظلي صديقتي الوحيدة! التي لا يعلمها عنها أحد!
أن أصبح أنا الأحد الذي تشيرين له دوماً في خطاباتك!
أود أن لا ترسلي لي رسائلك ، بل أن أصبح أنا رسائلك!
أن أصير أنتي عندما تحزنين وتصيرين أنا عندما أبتهج!
أن أضغط زر الأحلام في يدك فتتلون دنيتي وأن اجعلك تصحين على صوتي عندما تنتابك الكوابيس!
أود أن أصبح أحلامك و ألوانك ، عملك الذي تمارسيه وأنفاسك التي لا تتوقف عن السلام على قلبك.
أود أن أصبح محياك ومماتك ومسرتك، أود أن أكون أنا من تصبين عليه لعناتك في الغضب كي لا تطلقيها على غيري.
أن أجعل شاهدة قبري أنه لم يمسس روحك بشر سواي.
ولم يمسسني بعد يد الله غير يدك!
أود أن أكون غيابي وتكونين حضوري وأن تلتهم لحظات الحيرة أيام الغياب!
فسلاماً عليك يوم تجيء ويوم تغيب
ويوم يحضر غيابك ويوم يغيب حضورك
ويوم تؤميء إلى أن ابتعد فاقترب
ويوم تفر منك الحيوات كلها إليك
فتبدأ حياتي لأن ميقاتها قد حان!
--------------
1 like ·   •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on January 07, 2020 10:04 Tags: كطفل_صغير_أفلتته_يد_في_الهواء

January 5, 2020

خطوات قريبة من الحزن وبعيدة عنك!

(1)
ما الأكثر وجعاً الحزن؟ أم الندم؟ ما الأكثر إيلامًا لروح أصلا معذبة؟ هل هو العتاب؟ هل الصمت ما يجبر الروح أم ما يكسرها؟ هل الكلمات تعكس ما في داخلنا من حزن دفين! ما الذي يثير للأخرين شفقتهم علينا هل هي تجاربنا التي نحكيها أم تجاربنا التي نحبسها في جدران أرواحنا فلا نحكيها لأحد وتظل حبيسة حتى الموت.
ما الذي يجعل الحزن قريباً بكل تلك الخسة، لماذا ينفرد بنا في الوحدة لا مع الجمع؟ لماذا يظل يرفرف فوق رؤسنا في خفة من أمام من يروننا وفي صخب في داخل أنفسنا، لما لا يكف الحزن عن الوميض في الأعين ويظل متعلقًا في أيدينا لا يود أن نفلته ولا يود أن يفلتنا.
(2)
الخيار الصعب دومًا هو أن تختار بين أن تكون حزينًا وأن تكون وحيدًا عندما تفقد كل اصدقاءك وتحوم حول منك أسراب طيور الوحدة التي لا تكف عن التحليق في عينك، التي تحب رؤيتها وتدمن تلك الرؤية التي تحتل كل مساحات الصور في ذاكرتك وفي عينك وفي ملامحك، الخيار الأكثر صعوبة هو أن تفلت كل شيء لتنجو وتتعافي، لتهزم نفسك بنفسك كي يبدو أنك منتصر وأنت خاسر والله خاسر وضعيف ولكن لعن الله الكلمات التي تودي بالاصدقاء في الجهات البعيدة وتأتي لك بأحفان من الحزن اللطيف الذي لا يتوقف عن أن يكون لطيفا لتعاشره وتدمن عشرته تلك وتحبها.
هل كل الأحزان متشابهة؟ هل كل الرؤوس السوداء التي تراها تبدو من بعيد هي حزن مغفل لم ينضج بعد ينتظر مرورك ليصبح حزنا أكثر بزوغا واكثر حدة واكثر في كل شيء يسيء إليك!
(3)
تذكر رسائلك الماضية التي أرسلتها لنفسك ، تذكر وعودك الواهية وكلماتك المائعة التي لا تسمن ولا تغني من شيء، تذكر كتاباتك التي كتبتها ومررتها، تذكر أحزانك التي لم تمر لأنك لم تكن هنا وتذكر كيف بدأت سنواتك الماضية حزيناً أو غاضبًا، تذكر أن مطلع ثلاث سنوات خلت كانت حزينة وتؤمي لك إلا تحزن، تذكر أنه مع نهاية ثلاث سنوات مضت كانت حزينة وكنت أنت ترفض أن تصدق أن ذلك يتكرر وبشكل مستمر فلما؟
لما الحزن في مطلع الاشياء والاوقات لما ميقات الحزن والغضب ينظبطان وفق ما تريد ووفق ما تشاء، لما تحوم حول رأسي أسئلة الحيرة والشك في كوني شخص سيء لا يريده أحد ولا يود أن يبق بحواره أحد، هل رحلتي تلك وصمتني بذلك، هل الهم من يفعل ذلك ويثيرة أتربة الحيرة في روحي، هل كل خطوة قريبة عني وبعيدة عني تقدمني للحزن لقمة سائغة؟
هل علي أن أحزن وأنا أتعافي؟ هل علي أن أتعافي أصلا، هل ينمو مكان الندبة شيء؟ هل ينمو مكان الندبة وردة سوداء؟ هل ينبت في القلب شيء أصلا وهو يحمل ندبة لا تلتئم؟ هل كل الخطوات البعيدة عني تقربني لشيء وهل كل السفر الذي لا أعرفه وينتظرني سيعيد لي شيء مما شعرت به وأنا على أطراف الوجع والهم، هل كل ذلك الحزن يتبعه خزى؟ هل كل الخزى الذي أشعر به ويستعر في أطرافي وفي رأسي ويؤلمني أكثر من الحزن ذاته سيدوم؟ إلا لعنة الله على القريبين من الحزن والبعيدين عنه والمنصتين له.
(4)
كيف كانت حياتك قبل أن تحزن؟ قبل أن تستمر رحلتك؟ قبل أن توجع نفسك أصلا؟ هل كانت سعيدة؟ هل منذ أن غادرت باب البشارة ولعنتها؟ ومنذ أن أنهيت باب التيه وغادرته، حملت قدرا من سعادة قط؟ هل لازمك الحزن كل ذلك العمر ولن ينضب؟ هل لم يتوقف الملح الذي يحضر في الأحلام فيفسدها؟ هل لم يتوقف طعم المرارة في فمك في رحلتك وفي سيرك، هل لازالت الأسرار نفسها، هل فسدت الوعود والكلمات فباتت تؤلم كل ما تذكرها؟
لما علي أن أكمل طريقي حزينا ما الذي ينتظرني في رحلتي وما الذي سيحدث أن تجاهلت الأثر، ما الذي يحدث أن وأدت الأثر ذاته ودفنته في صحراء أبرد من قلوب الأصدقاء الذين لم يعودوا موجودين، الذين اختفوا في أوقات ثم عادوا ليرتابوا في وجودنا وفي حقيقتنا، الذين أضرموا النار في خيمتنا وثقبوا سفينة النجاة الوحيدة لأنهم غضبي ولم نقدرهم جيداً، لأنهم ارتحلوا ومن ثم تذكروا أن هناك من نسوهم فقرروا أن يعودوا لهم ولكن بكثير من العتاب والتراب الذي يحمله السفر، بكثير من الحيرة والأسئلة التي لا يجدون إجابات لها فيسألوننا نحن وما المسئول أعلم من السائل فلعن الله الأثنان معاً.
(5)
كل خطوة قريبة من الحزن هي خطوة بعيدة عني وكل خطوة بعيدة عني هي خطوة أبعد عنك، وكل خطوة قريبة من الحزن هي قريبة من الانعتاق وقريبة من الانفلات والتعافي، هل سنشفي منكم؟ لا أعرف؟ هل سنمرض مجدداً وتتلف أرواحنا؟ لا أعرف؟ هل سيشفي الحزء الحزين في الروح والندبة التي في القلب؟ لا أعرف ولكن على المسيرة وليس على الوصول، علي السعي وليس على التتمة، على المضي في الأمر وليس تمام الأمر، علي أن أظل حياً لأعبر هذا الباب اللعين الموغل في داخلي، وعلي أن أسير والحزن يتساقط مني في الأروقة التي لا تتوقف عن دفعي خارجها علي أن أصلب حزني في خارج هذا الباب لالتفت لما قد يحدث فعل ما قد يحدث يغير من الأمر شيء وأنسى حزنكما وندبتكما التي لم تتوقف عن إيلام قلبي منذ بدأت رحلتي وحتى عندما تنتهي.
-------------------------
باب ما جاء في الحزن
عطية
التدوينة العاشرة في السنة العشرين بعد الالف الثانية
 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on January 05, 2020 03:00 Tags: و_سأظل_أقتفي_أثرك_و_لا_أصل

January 2, 2020

عيناي لم تخلقا لأن يسكنها الحزن

(1)
تتسرب اللحظات الدافئة بشكل بارد وأسرع من اللحظات التي لا نود أن نتذكرها، تتسرب في هدوء دون أن نعي أو نتذكر أننا نؤلم أنفسنا بما يحدث، ولكن أليس الألم هو نوع من أنواع التعلم!
الدروس القاسية مفهوم أنها قاسية ولكن الدروس الهادئة كيف نصنفها؟ كيف نصنف أننا نستوعبها عن طريق تسربها مننا؟ دون ضعف أو دون غضب ودون حتى كراهية! تتسرب كما نسمع الموسيقي فنستمتع باللحن ثم ننساه بعد ثوان! أليست الموسيقي تفعل ذلك؟ إليست الذكريات الطيبة تفعل ذلك. لا يتوقفان عن التسرب بين أيدينا في كل وقت وفي أي مكان.
(2)
أعتقد أننا لا نملك مع معطيات الزمن الحالي مساحات للدهشة أكثر من التي مررنا بها، بتنا مدهشين بشكل لا نصدقه، لا مباليين بشكل معتاد، نلفظ الجمال والمودة ونرى فيهما ثمن بخس لا نستطيع دفعه وأن احببنا أن ندفع ثمنه حتى تسرب مننا.
(3)
الدروس التي لا ندفع ثمنها لا نتذكرها جيدًا وكوننا تلاميذ مجتهدون لا ننفك أن نراجع الدرس مرة تلو الآخرى لأن الدروس الجيدة مائعة لا نتذكرها جيدًا قبل أن نراجعها مرات كثيرة، وتتسرب الدروس الجيدة بين أيدينا وتتسرب من أعيننا التي تسكنها الدهشة أو تغادرها ويسكنها الهدوء ويغادرها ثم يسكنها الحزن ويقبع فيها فهناك أعين تليق بالحزن ولا يليق بها غيره وهناك أفئدة يتسرب منها كل شيء إلا الخوف.
(4)
أنا أرسل لنفسي في العام القادم رسالة مبهمة الملامح، أن كل شيء سيمر، لا يبق بعد الذوبان شيء، لا يبق من الذكريات طيبة شيء، ستمهد الطرق كما أعتدت، وستغلبك الدهشة أنك تخطيت كل ذلك، وأن ما مر كان عليه أن يمر، وأن الهدوء بعد انتهاء الإعصار هو جبن أكثر منه شجاعة، وأن تحملك لتبعات خيارك حكمة وأن خيارك نفسه هو شجاعة، وأن مرارة الإنفلات مائعة، وأن الذكريات المؤلمة لم تعد مؤلمة لأنها باتت باهتة، فذكر نفسك أن كل شيء سيمر وأن لم يمر فأتركه أنت وأكمل طريقك.
(5)
هناك دروب لم تسر فيها بعد، وهناك كنزًا خفيًا في نفسك لم تكتشفه بعد، وهناك طعوم من كل شيء كانت محجوبة عنك، أكمل طريقك، أفسح قليلا للهم الذي يرافقك كي يرتحل وحيدًا ، أفسح بعض الملامح للذئب كي يعد مجددًا، قل للنسيان كلمتك الأخيرة أنه يجب عليه أن يجرب نفسه، وللخوف أن يشعر بما يفعله بالبشر، وبالحزن الذي سيسكن عيون الأخرين لسنوات قادمة، وتحرر أنت من براثن خوفك الذي لم يعد موجودًا كذكرياتك المائعة التي وأن كنت تهرب منها بالوقوع فيها، سيأتي يوما تكف أنت عن الهرب، وتكف هي عن ملاحقتك لأن كل شيء يمر، وكل الأشياء الحزينة الملفتة للنظر والمثيرة للدهشة لم تعد كذلك وأن عيناك لم تخلق لأن يسكنها الحزن.
أكمل رحلتي التي بدأتها معك، ولن أكملها معك، لأنني ساتوقف عن تقفي الأثر فالأثر فاسد والرحلة مهلكة، لا الكنز في الرحلة معك ولا في الطريق لك، لا الكنز في المعرفة ولا الذكريات، الكنز في التعافي، أخر ما يتعافي في البشر هي أعينهم، روحهم تطيب وأجسادهم تطيب ولكن يعشش كثيرا الهم في أعينهم، كل الأمنيات والذكريات تتسرب من الأعين، يندهش الناس عندما يرون أن أعينهم لا تكف عن الوميض، يغمضون أعينهم ليروا، لا تحتاج لأن تغمض عيناك لترى ما حدث، وكيف حدث، لا تحتاج لتغمض عيناك لأن تتعلم أن الدروس تكرر نفسها، والأحداث تكرر نفسها وأن من يملك عيناك ويسكب كل رؤياك في كل وقت قد ينجح في إتلاف الأثر ودفنه في تلابيب صحراء لا يعرفها أحد ولن يعرفها أحد بعد.
(6)
هناك أمور كثيرة لم نفعلها معاً، وهناك أمور أكثر لم نتحدث حولها، دوما نردد بأننا خلقنا للخيبة ولفقدان الأمل، أنا لم أخلق لذلك، دوما ما تكون صباحات الأخرون ثقيلة بعكسي أنا لم أخلق لذلك، لم أخلق للحزن ولا للهم، حتى وأن رافقني الهم أنا الذي طلبت مرافقته وطلبت الكتابة عنه والحديث حوله فقط لتمرير ما أعرفه لأخرين، أنا لم أخلق إبدا للحزن ولا لأن يسكن روحي كل ذلك الخراب الذي في داخل الأخرين، أترفع على أن أكون وسادة أحدهم، أو كتفه، أو وردته التي يحتاجها في حزنه، ليس علي أن أكمل الطريق البائس لأخره كي أثق أن ذلك الطريق في نهايته نهايتي، في إكماله شيء لم أخلق لأجله، وأن الدروس التي تعلمتها تكفيني كي لا أكررها إبداـ فأنا لم أخلق لكل هذا النزاع، ولا الخوف ولا الأشياء الفارغة التي يدور في فلكها الأخرون، لدي حيوات أخرى لأعيشها لدي كتبي التي لم أقرأها بعد وكتبي التي لم أكتبها بعد، لدي ضحكاتي التي ستستمر في النمو لتحيط بخراب روحي وترممه، لدي بسماتي التي أرسلها في وجه من أعرف ووجه من لا أعرف، لدي رحلاتي التي علي أن أخطط لها وأرتب بدلاً من مساءات الخيبة المثقلة لهم، حقائبي ، أن لا أصبح وسادة أحدهم وأنا أملك أن أكون حياة أحدهم، وصنو روحه، دون أن أكون ثقيلا ولا سمجاً ولا ساكنا للحزن في عيني.
(7)
في غض البصر عن الأثر شجاعة، وفي ترك الطريق المترب إليك والمليء بأشواك من كلمات يرميها الأخرون لتثمر شجر لا ينمو وزهور سوداء كليالي كثيرة مهدت لها بغضبك ورفضك لتبعات الخيار، ولعنات كثيرة أمطرتها فلم تثمر عن أن تصبح غيمة وحيدة لا تمطر إبدا، ولا تق شر نار لا تضيء ولكنها تحرق، تحرق الأوراق والكلمات والذكريات البائسة، تحرق كل شيء لأن يصبح أرضا خراب لتبدأ من جديد، وتعيد ترتيب خيبات المساء والكلمات القليلة التي تعلمتها من الدروس المائعة، والصباحات اللعينة التي تسير في الطرقات بلا صاحب، والكتب الماثلة التي تحتاج لأن يقرأها أحدهم لما فيها من الملل أو باعثا له، هناك الكثير من الذي عليك أن تفعله كي تتخلص من الحزن الذي سيسكن الأعين لفترة أتمنى فعلا إلا تطول، أن تتوقف عن التمني مثلا أو التلصص على الحروف التي تحملها العصافير وأن تتمني إن كل شيء سيصبح جيدا فور أن تغمض عينيك، فتجد الفصاحة في عينك، والتعبير بين يديك، الشخوص التي رويتها يوما ما ستحكي قصتك، واللعنات التي أمطرتها سترتد عليك وفي بؤس، عليك تقبل ذلك، وأن تزرع من خراب روحك أرضا طيبة ليسكنها أخرون، لتجعل من أخرين وسائد تصلح لراحتك، ومنصات لراحتك، ونغبشات لجنونك المستعر، عليك أن ترتب المساء للأحلام المهدورة التي تدور حول ذاتها، وتتوقف عن الاستماع للموسيقي ذاتها، والأغاني ذاتها، لأن اللعنة ستكون حاضرة والدروس التي تعلمتها ستعلمك أن من أحببته حقاً كره الطريق إليك وكرهت الطريق إليه، وأن الأثر فاسد والرحلة مؤلمة فلما؟
(8)
أرسل لك في بداية العام القادم الجديد، مودتي وتحياتي لما مررت به، واهنئك على كتابك أو روايتك أو أي ما ستقدمه لتنسى، وأعدك بأن أتمنى لك الخير دوما لتجده في طريقك أينما سررت، وأتمنى لك ليال هادئة هانئة، وأن يصاحب الخير روحك بدلا من الخراب، وأن تتوقف عن إصدار اللعنات التي لا تستفاد منها، وأن تحل على روحك الرحمة والسلام وأن تعرف من الأشياء أبسطها، وأن تمارس من الخوف أخفه، وأن ترتحل كثيرًا لتنسى ولتتسرب الذكريات بين يديك أسرع، وأن تتوقف عن تعلم الدروس فتكرار نفس الدرس مرض، والوقوع في فخ الأثر لعنة، وأن تعرف طرقًا أكثر ليناً ومودة، وأن يمنحك من يبدل الحزن الذي في عينك بهدوءا يشوبه الكثير من المودة التي فقدناها في الطريق.
إليك مودتي عل حزنك ينسيك من يسكن الأعين ويخف من الحدة ويسرب روحك ويسري عنها في المساءات الطويلة والليالي البيضاء التي لا تراها كذلك.
أبق بالخير وأنتظرتي في عام قادم، سأدهشك كما أعتدت دوماً.
عل العصفور يجد الوقت الذي يذاكر فيه درسه!!
---------------
الكتاب الثاني الذي لم أكن لأكمله ولكن لأنه لي ففعلت!!
عطية
أول تدوينة في 2020 ومرسلة ل2021
عل العامان معاً يصبحان نسخة أفضل من العامين السابقين
لتتنزل رحمتك ويسكن عيني السلام
1 like ·   •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on January 02, 2020 00:34 Tags: و_سأظل_أقتفي_أثرك_و_لا_أصل

October 2, 2019

الكثير من الغبار الذي يسكنه الحزن

(1)
لو أنه حزنًا أقل!
لو أنه همًا ينتهي فلا يبدأ أو وجعًا يبرأ بدواء أو بسخاء في عاطفة أو خواء يتبع جلسة تشيع ود وتشبع نفوسنا مودة لو أنه حزنًا أقل ما كنت شاركت غريب سرك الذي ينقض ظهري ويظهر في عبراتي التي تخنق صوتي فلا ألفظك ولا يلفظني الصوت ولا كنت فتشت سر شري الكامن وسحري اللامع الذي يطفئ اللون في عيني ويخفي الابتسامة التي تظهر في جانب فمي!
لو أنه وجعًا أقل ما كانت روحي التي التوت وانا احكى عنك وما كنت تلفظت قصتك ضمن قصص لعالم لا أعرفه كأنها ليست سرديتي وليست سرديتك كأنها سردية لشخص لا يعرفني وأعرفه لشخص لا أملك أن أقص أمره ولكنه يملك.
لو أنه وهمًا أقل وجذبًا أشد وجنونًا أكثر وحنانا أقل ما كانت زوايا تصويري تحنو لك وما كانت ألف ابتسامة ابتسمها كل يوم، لك نصفها، وتملكين النصف الأخر، وما ملكت أن اقتلع ابتسامتك من وجهي دون أن اخلع قناع السعادة من وجهي ليظهر وجهي الحزين الذي شاركته مع الغريب في سخرية قدر لم يملك سوى أن يقدمني وقصتك في مسرح لم يكن فيه سوى ثلاثتنا انا اسرد قصتك وأحزن لها وانت تعصر قلبي بيدك تبتسم والغريب يسمع ولا يدري ما الذي عليه فعله ولما!
لو أنه موتًا أقل لكانت حيواتي السابقة ذات فائدة ولو كانت الدروس السابقة مائعة فالدروس القادمة ماكرة حتى لو كان مكرك أقل! لو أنها سخرية أقل ما كان الغريب شاركني ما يميزني وما كنت شاركتني أنت الغربة عنك ولكن القدر يسخر عندما نريده إلا يفعل ذلك ولا يفعل ذلك عندما ننتظر منه ذات الفعل!
الكثير من الذكريات التي نستدعيها بالكلمات والكثير من الكلمات التي تستعيد لنا حيوات فائتة وحيوات كنا نحلم أن نكونها ونعيشها وأبت هي أن تفعل ذلك. سكن التراب الحزن وسكن الحزن الأمل وسكن الأمل في صحراء مقفلة لا حد لها ولا وصول فهل من طريق إلى أن أحتاط منك فلا أحزن ثانية؟ ولا أمر ثانية في طريقي للألم دون أن أراك أو أصحبك معي في طريقي الذي لا أعرفه ولكنك تعرفه!
(2)
لو أنه قيدًا أقل!
لا أدري من يملأ الجزء الفارغ بداخلي بنظراتك في كل ليلة كي يتسنى لي أن أعبرها، ولا اتخيل كم الكلمات التي تتساقط من نظرتك الحالمة في صورتك التي تبعدني عنك خمس آلاف ابتسامة وذراع واحد يضم كتفي إلى سقف كفايتك فتنهار الكلمات لتشكل حلم يتبخر في صباح الخير منك افتقدتك!
الحيرة التي تسكن أعين العصافير التي هوى قائدها وضل والتي تغمر أسراب الأسماك التي تبحث عن وطنها الضائع فتختار يداك لتدلهما على الطريق الحيرة التي تسكن الماء الذي ينسكب على وجهي صباحًا لأنني لا أحمل نفسي على أن أتركه معك وأذهب وترحمني أنت ألا أصبح بلا وجه وقد أصبحت بلا وطن.
لو لم تكن أنت! ولو لم أكن انا ممن كتب عليهم الحيرة في إن يغمضوا أعينهم فتتعدد الأماكن التي يمكن الذهاب إليها ولكن في كل مرة يختاروك فقط أنت! لو لم تكن أنت من الذين سقطوا مننا في الرحلة قبل أن نصل لخط النهاية، الذين سلكوا طرقًا أخرى واعتقدنا أننا عند الختام سنلتقي – ثم لم نجدهم هناك ولم نجد الطاقة لنسأل أين ذهبوا؟ ولا كيف ذهبوا؟
ولماذا اعتقدنا أن كل الطرق تؤدي إلى هناك؟ ما دمت أنت لست هناك! هل نحن الواصلون حقًا؟ وهذا خط النهاية؟ أم أنهم وصلوا أيضًا إلى نهايتهم؟ التي ليست لنا؟ وما هي النهاية أصلًا؟ ولماذا يستاؤون عندما نعاملهم بالمثل ونخبرهم أن تلك النهاية ليست لنا ولكنها لهم؟
(3)
لو أنها غربة أقل!
لو أنها حبكة أقل من أن تصبح غريب في قصة أغرب في بلدة غريب تسمعها أذان شخص يستكشف ما وراء قصتك ويحاول أن يفطن إلى أن هناك نسق ما يكمن وراء كل شيء وأن القدر لا ينسج الصدف إلا ليروي حكمة أو يصنع حكمة قد لا تظهر لك وقد يمكر فتبدو أن تظهر لك، ولكن السخرية الحقيقة أن أصبح أنا الراوي الغريب وتصبح أنت البطل وتسير الأقدار فقط لأروي ماذا تفعل أنت وتتحكم العقًد وتصبح أنت النقطة للنور ونهاية السرد وبدايته! لو أن حضورك أقل وطئة ولو أن سيرتك أقل عذوبة ولا تدمي ولو حروفك لحين أكتبها لا تنهل من دمي ولا تستعصي علي كي أخفف عنها فتخفف عني الحمل والشدةً لو أنها غربة أقل وتيهًا وشجنًا أقل لكانت الروايات انتهت قبل أن تبدأ وكانت الملامح تنُسى بعد سويعات قليلة من اللقاء ولكن ملامح الحزن تبقى أطول من ملامح الفرح ونصال الذكريات المؤلمة تدلنا على الطريق.

باب ما جاء في الحزن

من ثلاثية الهم
الدوحة
01/10/2019
 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on October 02, 2019 07:38 Tags: و_سأظل_أقتفي_أثرك_و_لا_أصل