صالح عبدالرحمن الحصين's Blog, page 2
October 18, 2012
الافتراش في المشاعر: هل هو مشكلة؟
(الافتراش بُثورٌ على وجه منى) (لماذا لا يتم إيجاد إدارة أمنية لمنع الافتراش في المشاعر أزيام الحج)؟
هذان العنوانان اللذان ظهرا في صحيفتين سعوديتين في العام الماضي (1418هـ)، نموذج للحملة التي تنشغل بها في موسم الحج وبعده كل عام الصحافة، والمرشدون في وسائل الإعلام المسموعه والمرئية والوعاظ من أهل العلم الشرعي، الحملة ضد الافتراش في المشاعر حيث يصور هذا السلوك بأنه مشكلة رئيسية تستحق أن تستأثر بجانب ملحوظ من اهتمام الوعاظ والمرشدين والمكلفين بتوعية الناس وتعليمهم السلوك الصائب في أداء المناسك.
ولما كانت الحقيقة لها جوانب متعددة، فهل لهذه المشكلة القائمة برسوخ في أذهان إخواننا من رجال الإعلام والدعوة جوانب أخرى غائبة عنهم؟
سوف أترك للقارئ أن يكون رأيه باستقلال بعد قراءة الملاحظات الآتية:
(أولاً): لابد من الشهادة بحق من أن الجهات الأمنية لم تقصر قط في تعاملها مع هذه المشكلة، ولكنها كانت تتعامل معها بحكمة، فتمنع الافتراش عندما يكون ضاراً بالمصلحة العامة، ولعدة سنوات مضت اختفت -بجهود الجهات الإمنية- الظاهرة التي كانت موضوع الشكوى في سنوات مضت حيث كان الافتراش تحت جسر الجمرات وفي طريق المشات من منى إلى مكة سببا للإزعاج، وكانت هذه الجهات تلتزم تسامحاً عاقلاً حكيماً تجاه الافتراش في المشاعر حيث لايتجاوز هذا السلوك على حرية أحد، ولا يؤذي أحداً، ولايهدد الأمن والسلامة، وهذه هي الصفة الغالبة على افتراش كل الحجاج تقريباً في المزدلفة ليلتها، وافتراش كثير منهم في منى لياليها.
(ثانياً): لماذا يكون الافتراش (في الساحات والميادين في مزدلفة ومنى لياليهما) مشكلة في أذهان إخواننا من رجال الدعوة والتوعية والصحافة؟
المتتبع لما يقرؤ ويسمع ويلاحظ أن القاسم المشترك للمبررات التي تقدم لاعتبار السلوك موضوع البحث مشكلة، أنه يشكل منظراً مشوهاً لايليق بسمعة المملكة، أو أنه -كمايبرر غالباً- على ألسنة الوعاظ والمرشدين “سلوك غير حضاري”.
(ثالثاً): إن عبارة “سلوك غير حضاري” عبارة أقرب إلى ألفاظ الشعارات منها إلى الألفاظ المحددة المعاني التي تحمل صورة ذهنية واحدة بين موجّه الخطاب والمتلقي. وألفاظ الشعارات بالرغم من أنها تؤدي إيحاءات ذات فعالية في التأثير على المتلقي، إلا أنها بما تحمل من غموض، ونسبية، وألوان من التصورات مشتبهه وغير متشابهة، تجعل الحاجة ماسة لمحاولة التعرف على المقصود منها في تصور موجّه الخطاب. وأغلب الظن أن مايقصد في عبارة “السلوك الحضاري” سلوك الشخص العادي في البلدان التي اعتدنا أن نصفها بأنها متقدمة أو متحضرة.
(رابعاً): افتراض أن المعنى المشار إليه هو مقصود موجِّه الخطاب حول المشكلة موضوع البحث، فإن من حقنا أن ننازع في أن يكون الافتراش حيث يؤدي غرضاً عملياً جدياً، وحيث لاتؤذي أحداً ولايتعدى على حرية أحد، سلوكاً غير حضاريِّ، بدليل أن البلدان التي جعلناها معياراً للسلوك الحضاري تنتج للمفترشين سلعاً بمليارات الدولارات مثل حقيبة النوم وحقيبة الظهر وغيرهما من السلع التي يحتاج إليها الشخص للافتراش. بل إن هذه البلدان تجتهد في أن تتيح للمفترشين من الشباب وغيرهم التي لا تساعدهم جيوبهم على تحمل أجور الفنادق، ويرغبون كغيرهم أن يتمتعوا بمباهج الطبيعة، أن تتيح لهم في المنتزهات والمنتجعات السياحية ميادين وساحات ومخيمات للافتراش. ذلك أن هذه البلدان وقد رزق أهلها علماً بظاهر الحياة الدنيا، وأوتوا من الحكمة في تدبير المعاش ماحجب عن الآخرين، لايرون في سلوك الافتراش حيث لايؤذي أحداً ولايضر بمصلحة حقيقية غير موهومة، وحيث يؤدي غرضاً عملياً مشروعاً لايرون فيه مايضر بسمعة بلادهم، ولايخجلون من منظر طبيعي لاشذوذ فيه لدى العقلاء الغير متكلفين.
(خامساً): عندما نستحضر في الذهن أن الصحابة والتابعين لهم بإحسان وخيار أمة محمد صلى الله عليه وسلم طوال القرون الماضية كانوا يفترشون في المشاعر والمساجد ولايستثنى منها مسجد نمرة أو المشعر الحرام أو مسجد الخيف، وتؤثر رمال الحصير في جنب أحدهم ويلصق التراب بجنب الآخر حتى يسمى أبا تراب.
عندما نستحضر هذا في الذهن، فإننا سنعجب أن يهون على لسان أو قلب الواعظ والمرشد من المنتسبين للعلم الشرعي أن يعتبر قضاء الحاج بعض الليل في مزدلفة أو منى مفترشاً على “حصيرة الحاج” في ساحة أو ميدان سلوكاً غير حضاري مهما تغير الزمان، واختلف الظروف، وانقلبت الموازين عند محدثي النعمة المتكلفين.
(سادساً): لماذا يفترش الحجاج في مزدلفة أو منى؟
أجاب أحد المحررين الصحفيين في العام الماضي على هذا السؤال بقوله: (وكالات الطوافه في السبب حيث نجد أن هؤلاء المطوفين يبحثون من الأماكن الرخيصة، مما يدفع الحجاج إلى تركها والاقتراب من الجمرات).
لاشك أن هذا الاتهام ظالم هلى الأقل في كثير من الحالات، الذي حج في العام الماضي وشاهد ساحة المفترشين قرب مسجد الخيف، وهي أكبر الساحاتو لابد أنه شاهد أن نسبة كبيرة من المفترشين من إخواننا الإندنوسيين والماليزيين، ولو سألهم عن سبب افتراشهم وتركهم الخيام لأجابوه بأن هذا يتيح لهم متعة وراحةً وأنساً أكثر، إذ أن وجود أحدهم في خيمة مع عدد من الأشخاص بقدر الطاقة الاستيعابية للخيمة، وارتفاع نسبة الرطوبة ونسبة ثاني أكسيد الكربون ونسبة التلوث الميكروبي، وتعرضهم لتيار من الهواء البارد الرطب الذي لم تتعوده أجسامهم، كل ذلك يجعلهم يفضلون الافتراش تحت سماء وليل تهامة الجميل فيحسون بالراحة والمتعة والأنس، وتنطلق أرواحهم محلقة مع ذكر الله في فضاء لا نهائي وغير محدود.
هناك سبب رئيسي ظاهر لمن يتذكر أن الطاقة الاستيعابية الفعلية وليس النظرية للخيام في منى لم تكفِ العام الماضي نصف الحجاج، وهذا يعني حرص الحاج من النصف الثاني لكي يؤدي واجب النسك أن يبقى ساعات في منى مفترشاً في إحدى ساحاتها، ولو لم يجد لجسمه موضعاً إلا منحدراً بخمس وأربعين درجة من الإسمنت أو على ظهر حاوية القمامة كما لاحظ ذلك محرر صحفي، فاستنكره واستعظمه فصوره بالألوان وعلق عليه بسخرية لاذعة.
بين يدي الآن إعلان لأحد المنظمين لحملات السياحة يعلن عن فرص للحج الترفي، حيث يمكن للحاج أن يبيت في خيمة ذات سريرين وأرائك ومتاعٍ آخر وحمام خاص.
أيهما أحرى برضى الله، وأجدر بالعذر لدى عقلاء خلقه؟ هذا الحاج المترف الذي استأثر بمكان خمسة عشر حاجاً، أو الحاج البسيط الذي حرص أن يتقي الله ما استطاع فيؤدي واجب المبيت في منى ولو على منحدر إسمنتي أو ظهر حاوية القمامة.
(سابعاً): مامدى انسجام أو تنافي الافتراش في ليالي مزدلفة ومنى مع مقاصد الحج؟
إذا كانت أحكام العبادة تدل على أهدافها ومقاصدها، فإن لنا أن نقول إن من مقاصد الحج:
أ- البعد عن الترف والترفه، حيث كان الحاج رجلاً أو امرأة يوم فرض الحج يضحى (يبرز للشمس) لمن أحرم له، ويمتنع عن الطيب ومظاهر الزينة عشرة أيام مدة السفر من ذي الحليفة (ميقات المدينة) إلى مكة. ويأتي الحجاج إلى عرفات شعثاً غبراً من كل فج عميق فيباهي الله بهم الملائكة.
ب- رياضة النفس على التواضع وكسر النفس، ونفي الرياء والسمعة. وقد حج النبي القدوة صلى الله عليه وسلم على رحل رث وقطيفة تساوي أربعة دراهم، وقال: (اللهم حجاً مبروراً لا رياء فيه ولاسمعة).
جـ – تهيئة النفس للأنس بالله، وإحساس الإنسان بالقرب من أخيه الإنسان، وتنمية الأخوة الإيمانية، وتحقيق معنى العضوية في المجتمع الكبير (أمة محمد صلى الله عليه وسلم).
د- إتاحة الفرصة لتمييز الإنسان أوهام الحياة من حقائقها، واكتشاف أن الفروق التي يضعها الناس بين الناس فروقٌ مصطنعة لاحقيقة لها، ورؤية الحياة كلها هلى حقيقتها كما سيراها عند الموت،
لاشك أن الحاج الذي تواضع لله فكان في غمار الناس مشى مع المشاة وافترش مع المفترشين وتخلى لوقت قصير عن عاداته الترفيه، أحرى بأن يحقق هذه المقاصد.
(ثامناً): هل يمكن أن نقترح على إخواننا المسؤولين عن التوعية والإرشاد، وإخواننا المسؤولين عن التنظيم أن يتخلوا مرة واحدة عن ما تعودوه -فرأوا أنه الحد الأدنى المقبول- أن يجربوا الحج المتواضع، فيمشوا مع المشاة، ويفترشوا مع المفترشين، ويمرون -عملياً- بالتجربة التي يمر بها نصف الحجاج، فلعلهم ان اكتشفوا صورة للحج لم يتخيلوها قبل من الراحة والمتعة والأنس والإحساس بروحانية الحج، أن يتغير بهم كثير من الأمور، فتنحل عقد وتحل قيود، ويرتفع الحرج والعنت عن عباد الله، ويقولوا: خدمة الحاج شرف لنا، فيقول الحجاج حينئذٍ: صدقتم.
للحصول على المقال بصيغة بي دي اف
October 10, 2012
التواصل بين الحجاج
عند الحديث عن ( التواصل بين الحجاج ) لا بد أن نتذكر أن العلاقة بين الإنسان والإنسان جزء أساسي من نظام الإسلام، فالإسلام في الحقيقة هو نظام العلاقة بين الإنسان وربه، والعلاقة بين الإنسان والكون من حوله، بما يشمل الإنسان والحيوان والجماد، ولهذا كان علماؤنا – رحمهم الله – عندما يريدون التعبير عن حقيقة الإسلام بعبارة موجزة يلاحظون ذلك، فعلى سبيل المثال كان شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – يقول : إن الدين كله يدور على أمرين: الإخلاص للحق ، ورحمة الخلق، وعبر عن هذا المعنى أحد أئمة التصوف ملاحظا وجه العمل والممارسة، فقال: إن الأمر كله يدور على أن تكون مع الحق بدون خلق، وتكون مع الخلق بدون نفس، ومع النفس بالمراقبة.
وعندما يعرف علماء التصوف ” البدايات “- وهي في التصوف الصحيح الموافق للشرع – الأسس التي يرتاض به السالك إلى الله ولا ينتقل عنها، بل ينتقل بها وتصحبه من مقام لمقام، لا يغفلون في تعريفها عن الإشارة إلى علاقة الإنسان بأخيه الإنسان .
ولعل من أشمل وأدق وأجمل التعبيرات عن البدايات عبارة إمام كبير من أمئة التصوف ومن الراسخين في علم التزكية والمجاهدة وهو شيخ الإسلام الهروي – رحمه الله – حيث يعرف البدايات بأنها:
( إقامة الأمر على مشاهدة الإخلاص .. ومتابعة السنة )
( وتعظيم النهي على مشاهدة الخوف .. ورعاية الحرمة )
( والشفقة على العالم ببذل النصيحة .. وترك الأذية )
والنصيحة في هذه العبارة لا تعني الموعظة ، وإنما تعني سلامة الصدر وعدم الغش، وقصد الخير، والنفع للكافة .
والحج – وقد شرع لإقامة ذكر الله – يؤدي في تجمع يتحد في الزمان والمكان والاتجاه، وحتى الهيئة واللباس، وتتحقق فيه المساواة في أروع صورها حيث لا فرق بين غني وفقير، وحاكم ومحكوم، وعالم وأقل علما.
بل إن المساواة الكاملة هي بداية هذه الشعيرة، قال تعالى ] والمسجد الحرام الذي جعلناه للناس سواء العاكف فيه والباد ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم [ .
والنص الصريح لا يحتمل التأويل في أن مسلما من أقصى الغرب في أفريقيا، أو من أقصى الشرق في إندونيسيا حقه في الوصول إلى البيت المعظم والطواف به – كما يعبر المفسرون – مساو تماما لحق ولي من أولياء الله مقيم على العبادة في الحرم يحسب من أجداده أجيالا تمتد إقامتهم في مكة لمدة ألف سنة. وقد حمى هذا المبدأ بالتهديد المروع لمن يحيد عن هذا المبدأ أو يختلف عنه، بدون ضرورة شرعية، ولا تكفي الحاجة – فضلا عن المصلحة – مبيحا للميل عن هذا المبدأ، أو مبررا للإخلال به، ويؤكد ذلك ما ورد في آيات التوبة ] ما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون ومالهم أن لا يعذبهم الله وهم يصدون عن المسجد الحرام وما كانوا أولياءه إن أولياؤه إلا المتقون [
الحذر كل الحذر
وهذه مناسبة لتنبيه إخواننا في وزارة الحج – المسؤولين عن وضع تنظيمات الحج والعمرة – إلى الحذر من وضع أي قيد أو عائق أو صعوبة تخل بمبدأ المساواة بين المسلمين في حق الوصول إلى البيت المعظم أو تكون عاملا على صد أي مسلم يرغب في الحج والعمرة، عن المسجد الحرام، وليعلموا أن مجرد المصلحة الخاصة والعامة بل ومجرد الحاجة – لا تكفي مبررا لأي عائق أو قيد على المسلم في الوصول إلى البيت المعظم، بل إن الضرورة الشرعية وحدها هي المبرر للتجاوز عن مبدأ حرية المسلم في الوصول إلى البيت، أو مبدأ المساواة بين المسلمين في هذا الحق، وإن عدم التزام أقصى الحذر في مراعاة هذا الأمر مخوف بأن يجر شر العواقب، لا على خاصة المسؤولين عن التنظيم، بل على البلاد عامة.
ولكن كيف يمكن أن نحقق تعزيز التواصل الإنساني بين الحجاج أثناء موسم الحج؟
كيف يمكن أن نتغلب على عوائق التواصل الإنساني من اختلاف الأجناس واللغات والمذاهب والبيئات المختلفة التي جاء منها الحجاج؟ كيف يمكن التغلب على محدودية الوقت وظروف الانشغال بمناسك الحج؟
يمكن أن يقال كلام كثير في الجواب عن هذه الأسئلة، ويمكن أن تقدم اقتراحات نظرية عديدة تصلح زادا للمتعة العقلية، ولكني أؤمن بالتجربة العملية وبالحلول الناشئة عن النظريات والمتوافقة مع معطيات الواقع.
ولكن هل يوجد – في دنيا الواقع – تجمع مثل تجمع الحج من حيث عدد المجتمعين وتنوع لغاتهم وثقافتهم وظروفهم البيئية؟
وهل من أهداف هذا التجمع – إن وجد – تحقيق التواصل بين أفراده؟ وهل حقق هذا الهدف؟
لحسن الحظ فإن الجواب عن كل هذه الأسئلة بالإيجاب.
فقبل سنوات عقدت الجماعة الإسلامية المشهورة بجماعة التبليغ، اجتماعها السنوي في بنغلاديش، والمعروف أن المشاركين في هذا الاجتماع هم من نوعية الحجاج بكل اعتبار، وعدد المشاركين فيه يزيد على عدد الحجاج – حسب ما يؤكد ذلك كل من حضر هذا التجمع – وقبل سنوات قدر عدد المجتمعين أحد رجال المخابرات الإنجليزية المختصين في الجماعات الإسلامية بأنه يزيد على ثلاثة ملايين وذلك في مقالة نشرتها مجلة ” الإيكوموست ” ( وعادة يتم هذا الاجتماع في مساحة كبيرة من الأرض ولكن ربما لا تزيد على مساحة منى ولمدة أربعة أيام، فينعقد الاجتماع وينفض بكل هدوء وسلام، وبدون صخب أو ضوضاء أو مشاكل بيئية .
ومن المعروف أن التواصل الإنساني من المقاصد الأساسية لتلك الجماعة، وقد نجحت في تحقيقه إلى أقصى حد يتصوره الإنسان، بل ربما كان نجاحها في تحقيق هذا المقصد هو العامل الرئيس في أن تكون أكبر الجماعات الإسلامية وأكثرها تابعا وأبلغها في التأثير على المجتمعات.
ووجود هذا المثال الواقعي يعطي فرصة مثلى لدراسته، واستخلاص الدروس والعبر منه، والانتفاع بنتيجة هذه الدراسة في تطوير الحج لتعزيز التواصل الإنساني بين الحجاج.
ويمكن تعجل ذلك بالقول أن نجاح ذلك التجمع في تحقيق أهدافه، راجع إلى مراعاة أفراده لآداب الإسلام، والتوعية المسبقة لهم بهذه الآداب، وتدربهم على التخلق بها. وبناء التنظيم على أساسها.
إذاً، فإن التوعية الملائمة المسبقة، هي مجرد الأساس الأول الذي ينبغي أن نوجه إليه الجهد، إذا أردنا أن نوجد تغييرا جذريا يؤدي إلى تحقيق الحج لمقاصده ومنها إنجاز وظيفته في مجال التواصل الإنساني المشار إليها آنفا.
ومن الدروس التي ينبغي للمسؤولين في وزارة الحج عن التنظيم الانتفاع بها وأخذها في الاعتبار: الوضع السلوكي التي نجحت تلك الجماعة في تحقيقه، وتدبر أحكام الحج وأعماله يهدي إلى أنه من مقاصد الحج، وأعني بذلك البساطة وعدم التكلف والبعد عن متطلبات الترف، والتدرب على ممارسة لون من التقشف، والتحرر من رتابة الحياة العادية.
ومن الدروس التي يمكن أن تقدمها لنا اجتماعات تلك الجماعة تهيئة أسباب ودواعي التواضع، وقد بلغت الجماعة في ذلك شأوا رائعا، يظهر في تنظيم الخدمات، وتوزيعها بين الأفراد، وفعلي سبيل المثال: يمكن أن ترى رجلا منحنيا على قدر يكفي لإطعام جماعة من الناس مجتهدا في غسله، فلك أن تتوقع أن يكون هذا الرجل شخصا عاديا، ولكن يجب أيضا أن تتوقع أن هذا الرجل ربما كان لواء في الجيش الباكستاني، أو طبيبا كنديا ذا شهرة عالمية، أو رجل أعمال تحسب أصوله التجارية بالملايين، وإذا استحضرنا أن من مقاصد الحج أن يكون دورة تدريبية للتواصل و إدراك الإنسان لحقيقة الفروق الاصطناعية التي وضعها البشر بين البشر، أدركنا أهمية هذا الدرس ومدى فعاليته في تحقيق التواصل الإنساني .
للحصول على المقال بصيغة بي دي اف
October 3, 2012
المنهج الشرعي للحكم
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
1.فإن الإنسان عندما يقول أو يفعل أو يمتنع عن القول أو الفعل فإنه يحكم، أو يكون سلوكه مبنيا على سبق حكمه، فمثلا عندما يقول عن الشيء إنه نافع أو ضار، وعن الرأي إنه صواب أو خطأ، وعن الشخص إنه صالح أو غير صالح فإنه بذلك يحكم على الشيء أو على الرأي أو على الشخص بموجب قوله، أو يؤسس سلوكه تجاه هذه الأمور على حكمه.
ولما كان للحكم – بهذا المعنى – هذا الشأن الواسع المهم في حياة الإنسان فإن الإنسان يحتاج إلى منهج يضمن أن يكون حكمه أقرب للصواب، ولذا فلا غرابة أن يعنى الإسلام بتقرير هذا المنهج، وقد أدرك ذلك أسلافنا فأكثروا الكلام عن هذا المنهج ولا سيما المفسرون وشرّاح الحديث، وربما كان من أكثر الناس ترديدا للكلام عن هذا المنهج شيخ الإسلام ابن تيمية الذي يرى أن كل ضلال في الدنيا نشأ عن الانحراف عن هذا المنهج أو عن الاخلال بأحد عناصره ومكوناته.
بل لا غرابة أن يعطي القرآن الكريم مساحة واسعة تتجاوز ثلاثمائة موضع للكلام عن هذا المنهج بصفة مباشرة، إما لتقريره، أو بيان مظاهر الالتزام بعناصره، أو مظاهر الإخلال بها أو بأحدها، أو بيان للاسباب المساعدة على مراعاة هذه العناصر، أو الأسباب المعوقة عن ذلك، ثم ما يترتب على الالتزام بها والاخلال بها من نتيجة وجزاء.
وهذا ما اقتضى من الرئاسة العامة لشئون المسجد الحرام والمسجد النبوي أن تضعه مادة في البرنامج الدراسي في معهد الحرم المكي وفرعه في المسجد النبوي.
وكان ذلك بعد أن لاحظ القائمون على المعهد أن الإخلال بهذا المنهج مرض شائع، لا يبرأ منه طلبة العلم بل إنك لا تكاد تجد فرقا من حيث العناية بالمنهج بين طلبة العلم الشرعي والعوام من الناس.
ويتلخص هذا المنهج في أنه لكي يكون حكم الإنسان أقرب للصواب لابد أن يتحقق له عنصران أساسيان:
الأول: ما يعبر عنه أسلافنا بالعلم، بمعنى أن يكون الحكم مبنيا على إدراك حقيقة الأمر، لا على الظن أو الخرص، أو الرأي الشائع، أو نقل غير الثقة في نقل الخبر، أو التأثر بالشعارات أو الإشاعات
الثاني: ما يعبر عنه أسلافنا بالعدل، بمعنى عدم التحيز[1] في الحكم، وإنما يكون الحكم بعد تحقيق العلم بما اقتضاه العلم، فلا يكون متأثرا بالهوى أو العاطفة ولو كان هوى مبعثه طبيعة خيرة أو كانت العاطفة عاطفة نبيلة، فلا فرق في وجوب الحكم بمقتضى العلم بين القريب والبعيد، أو الصديق والعدو، أو المسالم والمحارب، لا يختلف باختلاف الزمان والمكان أو الظروف الملابسة، وكما يعبر المفسر ابن كثير رحمه الله: “العدل مطلوب من كل أحد لكل أحد في كل حال”، ذكره عند تفسيره الآية الكريمة: [وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا][2]
وكما يوضح القرآن فقد جاءت الآيات الكريمة:
[يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ][3]
[يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى][4]
[وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا][5]
بمعنى: “أن تتجاوزوا الحد بعدم العدل في معاملتهم”، وليس أعدى للإسلام ولا أبغض للمسلمين من قوم صدوهم عن المسجد الحرام وقاتلوهم، وأخرجوهم من ديارهم وهموا بقتل الرسول لولا أن الله عصمه منهم.
ولا يضمن الإنسان – في كل وقت وتحت أي ظرف – أن يصل إلى الحقيقة أو أن يقوى على التخلي عن الهوى أو العاطفة، إنما المطلوب من الإنسان أن يجتهد في تحقيق هذين الأمرين، ولقد ضرب لنا القرآن الأمثال بعدم تمكن الإنسان دائما من تحقيق العنصرين أو أحدهما، حتى الأنبياء، كما في خبر داوود، عند ذكر فتنته وبلائه، وما أوجب استغفاره وإنابته، ثم غفر الله له ذلك، فإذا اطرحنا تنزيها للنبي ما يذهب اليه كثير من المفسرين من القصة الإسرائيلية قصة يوريا وزوجته، وأخذنا بالتفسير الأليق بالنبي عليه السلام وهو حكمه فور سماعه قول المدعي وقبل سماعه قول المدعى عليه، في هذه الحال فإن صلة القصة بتحقيق العنصر الأول وهو العلم واضحة، وليس بعيدا ما قاله بعضهم من أن الدافع، في هذه الحالة، العاطفة النبيلة التي تكون لدى خيار الناس من الاندفاع لحماية الضعيف ونصرة المظلوم، ولهذه الملاحظة مغزاها في ما قُرِر بأن العاطفة الخيرة لا تسوغ عدم الحرص على تحقيق العنصر الثاني، أو كما في قصة نوح [قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلاَ تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ (46) قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلاَّ تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُن مِّنَ الْخَاسِرِينَ] [6]، وفي قصة إبراهيم [فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ وَجَاءَتْهُ الْبُشْرَى يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ (74) إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ (75) يَا إِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا][7]، وفي قصة موسى مع شيخه، الذي أوتى رحمة من الله وعلم من لدنه علما، وفي أحوال أخرى قصها القرآن.
ولا حاجة للإلحاح بالقول بأن ما ذكر عن الأنبياء عليهم السلام لا مجال لأن يُفهم منه المساس بذواتهم الشريفة، أو عدم قَدرِهم قَدرَهم الكريم، وإنما هو تأكيد بشريتهم التي عُني القرآن بتأكيدها في مواضع كثيرة، وقد أمر الله مصطفاه وخليله سيد ولد آدم أن يقول: [قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إِلاَّ بَشَرًا رَّسُولاً][8]، و[إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ][9]، كما لا يفهم منه نسبة الذنب إلى النبي.
ومن ناحية أخرى، فلا يخشى مما ذكر يأس الإنسان من تحقيق هذين العنصرين، لأن المطلوب منه الاجتهاد، فإذا اجتهد ولم يمكنه تحقيق هذين العنصرين لقصوره البشري فلا يُلام ولا يُجَرَّم بل إن الحاكم إذا اجتهد وأخطأ يكون له أجر.
3.لعل القارئ تبين من قراءة الفقرة السابقة وما ورد فيها من الإشارة إلى الآيات الكريمات التي لها علاقة مباشرة بالمنهج، موضوع البحث، شيئا عن مدى المساحة الواسعة التي أعطاها القرآن لايضاح مضمون هذا المنهج.
والحق أن الإنسان عندما يقرأ القرآن بتدبر سوف يلاحظ الكم الهائل من الأيات التي لها علاقة مباشرة بالموضوع.
وشيخ الإسلام ابن تيمية في توضيحه لهذا المنهج كثيرا ما يكرر الاستدلال بالآيات الكريمة في سورة النجم، فيشير إلى أن الآية الكريمة [إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ] [10] أن الآية الكريمة في شطرها الأول تشير إلى انحراف الضالين عن العنصر الأول في المنهج وهو العلم، فهم لا يرجعون إلى علم، وإنما يرجعون إلى الظن، [وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا] [11]، وتشير في شطرها الثاني إلى إخلالهم بالعنصر الثاني وهو الوقوف عند موجب العلم وعدم التحيز، فهم يتبعون هوى النفس وما ترغبه.
وفي المقابل تشير الآيات في السورة نفسها [مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى] [12] إلى وصف الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم بصدوره في هدايته عن العلم، إذ نفي عنه الضلال والجهل بحقيقة الأمر، ثم نفى عنه الغي والقول عن الهوى، فأكد في الآية تحقيقه للعنصرين الأساسيين للمنهج.
ومن الآيات الواضحة الدلالة في تقرير هذا المنهج قوله تعالى:[ يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَىٰ][13] فقوله:[فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ] يعني وجوب تحقيق العلم بالمحكوم به، وذلك يوجب اتخاذ الوسائل الموصلة لإدراك الحقيقة، وقوله: [وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَىٰ فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ][14] يعني وجوب عدم التحيز في الحكم والميل عن الحكم بما اقتضاه العلم بالمحكوم.
و يتضح ذلك من معرفة العلة التي أوجبت عتاب داود عليه السلام، و هي ما أشرنا إليه سابقا، وإذا صح فإن الآية الكريمة تنبه إلى مظهر من مظاهر الإخلال بأحد العنصرين.
و في قوله سبحانه: [فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ] بيان نتيجة الانحراف عن العنصر الثاني وهوالضلال، وفي قوله سبحانه: [إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ] بيان لجزاء مثل هذا الانحراف، و يفهم من [بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ]، أن تذكر يوم الحساب سبب داعم لإرادة الإنسان الالتزام بالعنصر الثاني.
و لو حاولنا تطبيق ما أشرنا إليه، وحاولنا أن نعرف الآيات الكريمة التي لها علاقة مباشرة بإيضاح مضمون المنهج، على ما شرحناه، لواجهنا ما يقنعنا منذ البداية بما أشرنا إليه عن المساحة الواسعة التي فصل فيها القرآن و كرر القول مما يُوضِح عن أهمية هذا المنهج.
فلو بدأنا بسورة الفاتحة لَوَضَح لنا من الإشارة إلى صراط المغضوب عليهم مظهر من مظاهر الإخلال بالعنصر الثاني في المنهج وهوعدم سلوك أولئك الظالمين بمقتضى ما يوجبه ما لديهم من العلم، ولَوَضَح من الإشارة إلى صراط الضالين إخلال الظالمين الآخرين بالعنصر الأول حيث لم يتحققوا العلم بل بنوا سلوكهم على الجهل والانحراف عن الحقيقة.
أما المنعم عليهم أصحاب الصراط المستقيم فهم الذين بنوا عملهم على العلم، والتزموا اتباع موجبه.
فالأشقياء “الضالون” أخلوا بالعنصر الأول وهو: “الحكم عن علم، لا عن ظن وتخرص وجهل” والأشقياء “المغضوب عليهم” أخلوا بالعنصر الثاني وهو: “العدل أو الحكم بما يوجبه العلم”.
و تشير الآيات الكريمة إلى جزاء الأصناف الثلاثة الجزاء المتناسب مع التزامهم بمضمون المنهج أو انحرافهم عنه.
وعندما ننتقل إلى سورة البقرة، نرى منذ البداية في الوصف الكريم للكتاب المقدس [لا رَيْبَ فِيهِ][15] علاقة مباشرة لهذا النص بالمنهج من وجهين:
الأول: أن من شرط العلم موثوقية المصدر وظهور دلالته، أي بأن لا يتطرق الشك المؤثر في ثبوته أو دلالته على المعنى المقصود.
الثاني: أن ما جاء به الوحي فهو كاف لادراك الحقيقة والعلم فلا معنى لطلب دليل آخر، أو تطلب وسيلة أخرى للوصول إلى الحقيقة ومن ضعف العقل والإيمان أن يعارض بدليل آخر من رأي أو قياس أو ما يجري على ألسنة الناس من تسمية بـ”العقل” وهو في حقيقته: “تصور إنسان، في زمان معين، و ظروف بيئية معينة”، ولذا تتعدد التصورات، ويتضح هذا من قراءة الكتاب القيم لشيخ الإسلام ابن تيمية المعنون (درء تعارض العقل و النقل) فالفلاسفة و المعتزلة والأشاعرة وفي داخل هذه المذاهب نرى من يثير هذا الإشكال: “إذا تعارض العقل و النقل فهل يقدم العقل أم يقدم النقل”، فحقيقة الأمر أن ما يقصد بالعقل ليس العقل المطلق الذي يتفق عليه البشر وإنما يقصد به التصور الذهني لشخص ما في بيئة ما و ظرف ما.
و في قوله سبحانه: [هُدًى لِلْمُتَّقِينَ][16] بيان لوسيلة من وسائل الهداية لادراك الحقيقة وهي التقوى، كما قال تعالى [وَاتَّقُواْ اللّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللّهُ][17].
و في قوله سبحانه:[ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ][18] علاقة مباشرة واضحة للآية الكريمة بالمنهج من وجوه متعددة بتعدد فهم الآية.
فلفظ النص المقدس يحتمل ثلاثة معان:
الأول: ما يذهب إليه أغلب المفسرين من أن المقصود أن المتقين يؤمنون بما ورد به الوحي من المغيبات مثل الأخبار عن الملائكة، و عن اليوم الآخر و أخبار السابقين.
فيكفيهم للعلم أن الوحي جاء به فلا يطلبون دليلاً آخر (كالحس) من رؤية أو لمس، فليسوا مثل الضالين الذين قالوا لنبيهم وقد جاءهم بالوحي [وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً][19].
الثاني: أن يكون معنى الآية مثل معنى الآية الأخرى [يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِالْغَيْبِ] أي فليسوا مثل الضالين الذين أخبر الله عنهم [وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنَّا وَإِذا خَلَوْا إِلى شَياطِينِهِمْ قالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ][20].
الثالث: قريب من المعنى الأول، أي أنهم ليسوا ثخناء الجلود قلوبهم في غلف، يتملكهم الاستكبار العقلاني كما حدث للمعتزلة السابقين ومعتزلة هذا الزمان، الذي يرون في التسليم للوحي وللنص المقدس مذهب السفهاء والسذج [وَإِذا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَما آمَنَ النَّاسُ قالُوا أَنُؤْمِنُ كَما آمَنَ السُّفَهاءُ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهاءُ وَلكِنْ لا يَعْلَمُونَ][21].
وعلاقة الآية الكريمة [والَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ][22] بمضمون المنهج واضحة من حيث إنها تنبه إلى مظهر من مظاهر الإخلال بالعنصر الأول (العلم) وهو تعضية الدليل بمعنى الأخذ بشطر من الدليل ورفض شطره الآخر بدون موجب أو قبول الدليل ورفض دليل آخر مساو له في القوة، كما ورد في النصين الشريفين [أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ][23] [وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُواْ بِمَا أَنزَلَ اللّهُ قَالُواْ نُؤْمِنُ بِمَا أُنزِلَ عَلَيْنَا وَيَكْفُرونَ بِمَا وَرَاءهُ وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً لِّمَا مَعَهُمْ][24]
وأذكر أني قرأت لأحد المستشرقين اليهود (أحسبه من أعلم الناس بالإسلام وأكثرهم اطلاعاً على مؤلفات المسلمين) يعرض للحديث الشريف ”حُبب إلي من دنياكم النساء والطيب، وجعلت قرة عيني في الصلاة”[25] فقال: إن محمدا قال:”حبب إلي من دنياكم الطيب والنساء” ثم أضيف بعد ذلك: “وجعلت قرة عيني في الصلاة”، قال هذا ليقرر فرية أعداء الإسلام أن الإسلام دين يهتم بالجسد ولا شأن له بالروح، دين يهتم بالمادة ولا شأن له بالتسامي الروحي، قال هذا بدون أن يكون لديه أي دليل على أن الشطر الثاني أضيف من قبل المسلمين ولم يكن من قول الرسول، ولا مسوغ لهذا الزعم الظالم إذ إن جمع الإسلام بين العناية بالجسد والعناية بالروح ليس أمراً غريباً على الإسلام بل هو السمة الغالبة على أحكامه وتعاليمه.
وقوله تعالى [أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ][26] هو نتيجة الأخذ بالصفات السابقة التي وصف الله بها المتقين، ومنها اتباع صراط المنعم عليهم في الحكم وجزاؤهم عن هذا الاتباع.
لعل التطبيق السابق كاف لإقناع القارئ بمدى عناية القرآن الكريم بمضمون المنهج (موضوع البحث) واتساع المساحة التي أعطاها القرآن له.
4.لقد ظهر اهتمام القائمين على معهد الحرم المكي الشريف بهذه المادة الجديدة في المنهج الدراسي في اختيار طريقة فريدة لتدريسه حيث بموجبها يقوم شيخ المادة بتجزئة القرآن أجزاء مناسبة كل جزء يضم عدة آيات وبعد أن يشرح لتلامذته المنهج يطلب منهم أن يقوم كل منهم خلال أيام الأسبوع الدراسي بدراسة الجزء الذي عينه لهم واستنباط ما يتصل مباشرة بالمنهج من الآيات الكريمة، ثم يستعرض معهم في آخر أيام الأسبوع استنباطاتهم ويصوبها، على أمل أنه خلال سنوات يكون قد أمكن مسح القرآن كله وبالتالي تكون قد تجمعت مادة هذا العلم، وأصبح في الإمكان تقييده وتأصيله وتفصيل مكوناته، ومنهجيته، ويرجى وراء ذلك حصول فوائد للطلبة إيجابية، ثانوية، منها: رسوخ هذا العلم في عقولهم بأمل تطبيقه في سلوكهم وحياتهم، ومنها التمرين على تدبر القرآن ومنها تعودهم التفكير المستقل، بدلاً من القناعة بالتلقين وتلقي الأفكار الجاهزة من الشيخ.
والله الموفق والمستعان
[1] يقصد بهذه الكلمة ما تعنيه في الكلام الدارج المستعمل في الوقت الحاضر.
[2] المائدة ، آية 2
[3] سورة النساء، آبة 135
[4] سورة المائدة ، الآية 8
[5] سورة المائدة ، الآبة 2
[6] سورة هود، الآية 46 – 47
[7] سورة هود، الآيات 74-76
[8] سورة الإسراء، الآبة 93
[9] سورة الكهف ، الآية 110
[10] سورة النجم الآية 23
[11] سورة النجم، الآية 28
[12] سورة النجم، الآية 2
[13] سورة (ص) ، الآية 26
[14] سورة (ص)، الآية 26
[15] سورة البقرة، الآية 2
[16] سورة البقرة، الاية 2
[17] سورة البقرة، الآية 282
[18] سورة البقرة، الآية 3
[19] سورة البقرة، الآية 55
[20] سورة البقرة، الاية 14
[21] سورة البقرة، الآية 13
[22] سورة البقرة، الآية 4
[23] سورة البقرة، الآية 85
[24] سورة البقرة، الآية 91
[25] رواه النسائي وغيره
[26] سورة البقرة، الآية 5
September 10, 2012
في ذكرى أفظع جريمة إرهابية
صالح بن عبدالرحمن الحصين
(نسخة محدثة – شوال 1433)
وصف تشرشل القرن الماضي بالقرن الفظيع، ولا يبدو أن القرن الحالي سيكون أقل فظاعة إذا حكمنا عليه بما استهل به من حادث 11 سبتمبر، وتداعياته الرهيبة التي لا يبدو لها في الأفق نهاية.
ولا يساوي فظاعة هذا الحدث الإجرامي إلا غرابته، وغموضه، وبقاء الأسئلة التي يثيرها التفسير الرسمي، الذي قدم له، معلقة دون جواب، وذلك بالرغم من مرور عشر سنوات على وقوعه.
وليست الغرابة ناشئة عن مجرد عجز دولة كالولايات المتحدة الأمريكية عن الكشف عن حقيقة جريمة خطيرة وقعت على أرضها، فاغتيال الرئيس كيندي ومحاولة اغتيال الرئيس ريجان مثلان شاهدان على أن الغموض في مثل هذه الجرائم لا يعتبر أمرا غير عادي.
كما أن الغرابة ليست ناشئة عن العجز عن الوصول إلى أسرار جريمة منظمة كهذه الجريمة، فالجرائم المنظمة في العادة يراعى في التخطيط لها، وفي تنفيذها، أقصى درجات السرية والخفاء، وإذا وقعت هذه الجرائم بمساهمة قوة ذات نفوذ بالغ، فمن الطبيعي أن تبذل مثل هذه القوة ذات النفوذ أقصى ما تستطيعه للتعمية على الجريمة، والحيلولة دون الكشف عن أسرارها، وأن لا تقل قدرتها في ذلك عن قدرتها على تنفيذ الجريمة.
أما حين تكون الجريمة من الجرائم التي تقع تحت ما يسمى ( إرهاب الدولة)، أي حينما تكون الجهة المسئولة عن ملاحقة الجريمة وكشفها هي نفسها مسئولة عن ارتكابها فإن عدم الكشف عن حقيقتها أو تقديم صورة زائفة عنها يكون حينئذ هو الأمر الطبيعي المعتاد.
وليست الغرابة في حدث 11 سبتمبر فيما حفل به التفسير الرسمي، المقدم له، من تناقضات ومحالات منطقية، بل الغرابة في سهولة قبول الناس للتفسير الوحيد الذي قدم للحادث والذي يتلخص في أن شخصاً على بعد آلاف الأميال، (وكانت اتصالاته وحركاته، منذ وقت سابق ليس بالقصير، تحت سيطرة المجاهر الاستخبارية لعدة دول متعاونة تستخدم أبلغ وأحدث تقنيات التجسس) استطاع أن يحيّد الدفاعات لأقوى دولة في التاريخ، وأن تخدمه عشرات الصدف فيستطيع التخطيط للحادث وتنفيذه والتعمية على آثاره بدون مساعدة قوة محلية ذات نفوذ عال وبالغ.
حينما نستبعد الاحتمال الميتا فيزيقي، إذ لا يتصور أن تعين المعجزة أو الكرامة أو خرق العادة على ارتكاب الجرائم، فإن لاعقلانية التسليم بالتفسير المقدم من الإدارة الأمريكية للحادث، أوضح من لاعقلانية التفسير ذاته.
****
وفيما يلي بعض المعلومات التي قد تعين على الإجابة عن الأسئلة التي أثارها التفسير الرسمي المقدم للحادث والتي لم يُجب عنها حتى الآن:
1- منذ عهد مكيافيلي لم يعد غريبا على الحكومات والأنظمة السرية في أوروبا وأمريكا ممارسة ما يسمى (بالحرب القذرة dirty war)، ولكن رعاية للجانب اللا أخلاقي لهذه الممارسات فإنها كانت دائما تحاط بأبلغ درجات السرية والإخفاء، ولذلك فإن إعلان رئيس دولة تصريحا تتناقله وكالات الأنباء بأنه سوف يمارس “الحرب القذرة” في حربه القائمة اعتبر سابقة تميز بها القرن الحالي.
2- تحت مادة Terrorism وعند الكلام على ما يسمى (بإرهاب الدولة) أشارت الإنسايكلوبيديا البريطانية Encyclopedia Britannica إلى الاتهامات المتبادلة بين طرفي الحرب الباردة (الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة الأمريكية) من قيام كل طرف بتنفيذ عمليات إرهابية، أو المساعدة على تنفيذها، ضد الطرف الآخر أو الحكومات الموالية له، وذلك طوال مدة الحرب الباردة بين الطرفين.
3- وعندما صدر في عام 2004 كتاب NATO’s Secret Armies: Operation GLADIO and Terrorism in Western Europe لمؤلفه العالم والكاتب السويسري )دانيل جانسر(Ganser Daniele ، كشف عن حقائق كانت خفية أظهرتها فيما بعد الوثائق، فعند بداية الحرب الباردة بين “العالم الحر” والاتحاد السوفيتي، كانت الاستخبارات الأمريكية، والاستخبارات البريطانية تعاونتا على إنشاء تنظيم مليشيات تُزوّد بالتدريب والأسلحة والذخائر والمتفجرات، وكان الهدف في البداية أن تكون حركات مقاومة في المدن فيما لو قامت حرب وهاجم حلف وارسو إحدى المدن في غرب أوروبا، وجد هذا التنظيم تحت اسم جلاديو Gladio وتألفت من هذا التنظيم شبكة في كل بلدان حلف الأطلسي، بل تجاوزت الشبكة ذلك إلى البلدان المحايدة كسويسرا والسويد، وفيما بعد استخدم هذا التنظيم بالاتفاق مع الحكومات في القيام بأنشطة إرهابية شملت تفجيرات وأعمال عنف في إيطاليا وبلجيكا وفرنسا كان الهدف منها أن تنسب للحركات اليسارية فتشوه سمعتها وتفقدها تعاطف الجمهور، وكان من أبرزها عملية تفجير قنبلة في غرفة الإنتظار في محطة بولونيا Bologna في عام 1980 وقتل فيها 85 شخصا، ونسبت في وقتها إلى تنظيم ”الألوية الحمراء“ وصارت معروفة بها لمدة طويلة قبل أن تكتشف حقيقتها، وقد حققت هذه العملية هدفها، وهو فقدان الحركة اليسارية في إيطاليا تعاطف الجمهور معها.
وكما جاء في تقرير برلمان روما بنتيجة التحقيق في عمليات “جلاديو”: [إن هذه المذابح والتفجيرات وعمليات العنف كانت منظمة أو بمشاركة ودعم شخصيات من داخل المؤسسات الحكومية الإيطالية، وكما ظهر مؤخراً من قبل رجال من استخبارات الولايات المتحدة الأمريكية].
4- وقبل شهر تقريبا من حادث 11 سبتمبر 2001 صدر كتاب (جيمس بامفوردJames Bamford ) المعنون Body of Secrets: Anatomy of the Ultra-Secret National Security Agency وقد كشف الكتاب، بناء على الوثائق خططا كان قد قدمها الجيش الأمريكي بعد فشل عملية خليج الخنازير إلى وزير الحرب الإمريكي روبرت مكنمارا، إذ كان الجيش الأمريكي في ذلك الوقت متلهفاً على إيجاد مبرر يقنع الرأي العام المحلي والدولي بغزو كوبا، كان من ضمن هذه الخطط قصف سفينة حربية أمريكية في جوانتنامو أو قصف مدينة أمريكية على الساحل الشرقي للولايات المتحدة أو ضرب مركبة رائد الفضاء الأمريكي (غلين) عند عودته أو إسقاط طائرة مدنية أمريكية، تطير فوق كوبا، ويعلن فيما بعد بأنها تحمل طلابا في رحلة مدرسية، بحيث تنسب هذه الأعمال إلى الحكومة الكوبية، وتبرر عملية عسكرية ضدها ولكن أيا من هذه الخطط لم تنفذ لسبب غير معروف.
5- بعد حادث 11 سبتمبر مباشرة تحدث الخبراء العسكريون عن دقة ومهارة المناورات التي قام بها الطيارون المختطفون للطائرات الأربع ولا سيما الطائرة التي هاجمت مبنى البنتاجون إذ حسب الوصف الحكومي للهجوم كانت الطائرة قادمة من جهة البيت الأبيض، واستطاع الطيار أن يتجه إلى مبنى البنتاجون ولكن بدلاً من أن يهاجم الجناح الذي أمامه، والذي كان مشغولاً بالمكاتب أو يسقط الطائرة فوق المبنى، وكلا الهدفين كان أيسر نسبياً، لجأ الطيار إلى تحقيق هدف أصعب فتجاوز مبنى البنتاجون، ثم دار راجعا بزاوية 272 درجة ونزل رأسياً من ارتفاع شاهق حتى قارب مستوى الأرض، وهاجم الجناح الخالي من المكاتب والذي كان تحت الصيانة، وهكذا لم يخسر البنتاجون سوى عسكري واحد.
أكد الخبراء في ذلك الوقت أن مثل هذه العملية لا يستطيع أن يقوم بها إلا طيار حربي عالي التدريب، بالغ الكفاءة.
6- لم تمض ثلاثون ساعة على الحادث إلا وكانت الصور الكاملة للأخوين أمير وعدنان بخاري، الطيارين السعوديين، تملأ شاشات التلفزيونات في الولايات المتحـــدة وفي العالم، ويتكرر عرضها بإلحاح يوم الأربعاء التالي ليوم الحادث، وعرف العالم كله أن الإدارة الأمريكية تمكنت من التعرف على هوية إثنين من الطيارين الانتحاريين ولكن بعد ما ظهر أن أحد الأخوين الطيارين لا يزال على قيد الحياة وأن الآخر كان مات قبل أكثر من سنة، لم يعرف ذلك إلا النادر من الناس.
ولم يعرف الناس أنه في يوم الأربعاء نفسه، عندما كان التلفزيون يلح في فترات متقاربة على إظهار صورة الأخوين بخاري والتأكيد بأنهما الطياران اللذان هاجما مبنى التجارة، كانت المباحث الأمريكية قبضت على الطيار عدنان بخاري وبقي رهن التوقيف والتحقيق عدة أيام، وكان مصدر في الخطوط السعودية أخبر جريدة الشرق الأوسط بعد خمسة أيام من القبض عليه بأن الخطوط السعودية تتابع التحقيقات التي تجري مع عدنان، ولكن ليس هناك ما يدل على أن أحداً تمكن من الاتصال بعدنان بعد القبض عليه، وأثناء التحقيق معه.
وبعد القبض على الطيار عدنان بخاري كانت الاستخبارات الفلبينية بالتعاون مع الاستخبارات الأمريكية تستقبل في مطار مانيلا الطائرة السعودية في رحلتها 780 القادمة من جدة وتقبض على قائد الطائرة محمد عمر بخاري ولم يفرج عنه إلا بعد أربعة أيام وبعد أن كانت صور الأخوين أمير وعدنان بخاري قد اختفت عن الظهور في التلفزيون الأمريكي.
السؤال: هل يمكن أن يكون ما حدث خطأ غير مقصود ؟
(العبرة) أن الإعلام القوي في نطقه، كما هو في سكوته، استطاع بصورة مدهشة أن ينسي العالم هذا الحادث، وكأنه لم يحدث.
بعد فترة قصيرة من الحادث نشرت الإدارة الأمريكية صور تسعة عشر شخصا مسلماً قيل أنهم هم المتهمون باختطاف الطائرات الأربع ونشرت كامل هوياتهم؛ الصورة، والاسم، وتاريخ الميلاد، في الصحف وعلى حوائط المباني العامة وعلى جدران المطارات العالمية.
لم يسأل أحد فيما بعد لماذا غاب الطياران الأخوان بخاري عن هذه القائمة ؟.
وقيل إن الإدارة الأمريكية اهتدت إلى تعيين هوية المتهمين بالاختطاف، وأن من بينهم أحد عشر شخصاً من الجنسية السعودية، بينهم أربعة طيارين، وفي الأيام التالية بعد نشر هذه القائمة ظلت الصحف السعودية يومياً تتلقى إعلان واحد أو أكثر من المشمولين في القائمة يصرحون بأنهم لا يزالون أحياء، وأنهم وقت الحادث كانوا خارج الولايات المتحدة وقبل أن تمضي أيام على الحادث صرح وزير الداخلية في المملكة العربية السعودية أنه حتى وقت التصريح ظهر أن سبعة من المتهمين “الانتحاريين”، بينهم الأربعة الطيارين، لايزالون أحياء، وبعد صدور هذا التصريح بيومين نشرت الصحف السعودية إعلان شخص ثامن من المشمولين في القائمة بأنه لا يزال حياً.
وفيما بعد أعلنت الإدارة الأمريكية عن وجود جواز سفر سعودي لأحد الخاطفين قرب ركام البرجين المتهدمين نجا “بمعجزة” من الحريق، ولما سخر العالم من هذا التفسير توقفت الإدارة الأمريكية عن تكرار قصة معجزة الجواز، ولكن لم يسأل أحد فيما بعد عن حقيقة هذا اللغز: كيف وصل جواز سفر شخص مفقود إلى الإدارة الأمريكية؟، ولماذا؟، وبأي وسيلة؟.
وقد بقيت صور الانتحاريين (الأحياء) معروضة للجمهور مدة طويلة دون أن تمحى من قائمة المتهمين، كان من هؤلاء الأحياء أربعة طيارين من السعوديين.
7- بعد أن فقدت قوائم الاتهام الطيارين السعوديين الستة، لم يبق بين الذين لم يعلن عن وجودهم أحياء طيارٌ مؤهل لأن يقوم بالمناورات التي قامت بها الطائرات، ولاسيما الطائرة التي قيل أنها صدمت مبنى البنتاجون.
وقد كان الرئيس حسني مبارك وهوطيار سابق للطائرات المقاتلة، قال في وقت الحادث: إنه لا يمكن أن يقوم بهذه المناورات، حسب الرواية الرسمية، إلا طيارٌ حربي طويل الخبرة وعالي التدريب، وكذلك قال مثل هذا القول الرئيس بوش الصغير عند اجتماعه بفريق من المسلمين الأمريكان بعد الحادث[1]، فأصبحت الرواية الرسمية للحادث تتحدث عن أمر لا تفسير له إلا أن يكون قضية ميتافيزيقية أو قضية خرافية.
لقد قيل أن أربعة من المتهمين قد التحقوا بمعهد تدريب للطيران ولكن مستوى معرفتهم باللغة الإنجليزية وتدربيهم في معهد التدريب لم يرتق بهم إلى إمكانية الإقلاع بطائرة التدريب الصغيرة، كما صرح بذلك مدير معهد الطيران، وقد ظلت تكرر معلومة أن هؤلاء المتدربين كانوا يعبرون عن عدم حاجتهم للتدريب على الإقلاع والهبوط وإنما التدريب على قيادة الطائرة وتوجيهها في الجو، ظلت هذه المعلومة تكرر مدة طويلة حتى نفاها المسئولون عن التدريب.
إن قيام هؤلاء الأشخاص بمستوى تأهيلهم المذكور بمناورات الطيران والهجوم حسب ما جاء في وصف الروايات الرسمية واحدة من العديد من خوارق العادة التي صاحبت حادث 11 سبتمبر كما وردت في الروايات الرسمية، ولكن غرابة هذه الخوارق لم تكن بأعجب من سهولة تصديق الناس بوقوعها في هذا العصر الموصوف بعصر العلم والعقلانية والتحيز ضد الغيبيات والميتافيزيقيات صحيحها وباطلها.
8- لم يكن الهجوم على برجي التجارة ومبنى البنتاجون كافيا لإدخال الخوف من الإرهاب الإسلامي على قلب الرجل العادي في أمريكا، فلم يمض شهر بعد حادث 11 سبتمبر حتى شغل العالم كله برسائل توجه داخل الولايات المتحدة إلى رجال الكونجرس وكبار الصحفيين تحمل هذه العبارة “الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل، الله أكبر” مصحوبة داخل المظروف بمسحوق وباء الجمرة الخبيثة Anthrax، وتسبب ذلك في إصابة وموت عدد من المواطنين الأمريكيين، ودخل الرعب كل بيت في أمريكا الشمالية، وأقبل الناس على التطعيم ضد (الجمرة الخبيثة) وشحت الطعوم في مخازن الأدوية، وتعاقدت الحكومة الكندية مع إحدى الشركات لإنتاج تطعيمات ضد الجمرة الخبيثة بمبلغ مليون دولار، وتغيرت إجراءات تداول البريد ليس في أمريكا وحدها بل في العالم، وكان حديث الإعلام وكبار السياسيين طوال ذلك الوقت عن الإرهابيين المسلمين الذين وصلوا إلى إنتاج السلاح البيولوجي واستعماله.
وبعد أكثر من شهر عندما كشفت خبيرة السلاح البيولوجي الدكتورة (باربرا روزمبرج Dr. Barbara Hatch Rosenberg) أن المسحوق الذي استعمل في الرسائل من إنتاج معامل الجيش الأمريكي ومخزونها، وأن التقنية التي وصلت إلى إنتاج هذا النوع من المسحوق بدرجة من النقاء تبلغ ترليون جرثومة في الجرام الواحد، هذه التقنية لم توجد لدى دولة أخرى غير الولايات المتحدة.
بعد هذا الكشف سكتت الضجة، ونسي الناس الرعب الذي ظل يلفهم، كما نسوا قضية الأموات والمصابين، وكان التفسير البديل الذي قدم للناس: أن المسئول عن هذا العمل هو في الغالب شخص وطني !! مخلص!!، أراد أن ينبه الأمة بصورة عملية عن خطر امتلاك الإرهابيين المسلمين للسلاح البيولوجي.
وفي شهر أغسطس 2008 تناقلت مصادر الأخبار[2] أن وزارة العدل الأمريكية وجهت الاتهام بالمسئولية عن إرسال الرسائل وما نتج عنها إلى العالم (senior biodefense researcher) العامل في مختبرات الجيش الإمريكييUnited States Army Medical Research Institute of Infectious Diseases (USAMRIID (بروس. إى. آيفنز) Bruce Edwards Ivins وذلك بعد مضى بضعة أيام على موته.
أغرب ما في الحكاية، أن ما كشفت عنه خبيرة السلاح البيولوجي، بعد أكثر من شهر، كان لابد معروفا للإدارة الأمريكية من اليوم الأول – إن لم تكن هي نفسها متورطة في العملية- ولكن الدولة الديمقراطية لم تُسئل من قبل البرلمان، ولم تُحاسب عن وضع الشعب في حالة فزع ورعب من الإرهابيين المسلمين لمدة أكثر من شهر، وعن تغييب الحقيقة، وتزييفها، عن طريق الإعلام وتصريحات السياسيين.
9- بالرغم من الجهود المبذولة طول السنوات الماضية في محاربة الإرهاب الإسلامي، والتي ليس من أقلها الشحنات الكبيرة والمستمرة من المشتبه فيهم الذين يختطفون ويرسلون إلى ما يسمى بالمواقع السوداء Black Sites حيث مراكز التعذيب في دول الاتحاد السوفيتي السابقة – بما فيها أشنع مركز للتعذيب في العالم في أوزبكستان وبعض الدول في الشرق الأوسط، وذلك تحت عذر الحاجة للحصول على معلومات فإن أسرار حادث 11 سبتمبر لا تزال في المرحلة التي وصفها مدير المباحث الفيدرالية الأمريكية بعد عدة أشهر من الحادث بقوله[3]: [إن الخاطفين لم يتركوا أي أثر يظهر صلتهم بالغير، ولم نجد في أمريكا أو في أفغانستان قصاصة ورق تدل على شيء من ذلك].
إن شحنات المرشحين للتعذيب التي ترسل للمواقع السوداء، والتي تتوقف في المطارات الأوروبية وتغض الحكومات الأوروبية النظر عنها، لا تؤشر فقط إلى المستوى الأخلاقي الذي بلغته الدولة المتحضرة في أمريكا وأوروبا فيما يتعلق بالقيم الكونية بل تكشف عن غرائب ما كان يمكن أن تصدق لولا أنها وقعت، وإلاّ من كان يصدق بأن الإدارة الأمريكية بالتعاون مع الجهات الأمنية الكندية تختطف مواطناً كنديا من أصل سوري ثم تشحنه إلى سوريا (محور الشر كما تسمى) ليتم استجوابه تحت إمكانيات التعذيب، ولما تأكدت الأجهزة السورية المختصة بأن ليس لدى الرجل ما يمكن أن يكون موضع اهتمام الحكومة السورية أو الحكومة الأمريكية أطلقت سراحه، مما اضطر معه رئيس الحكومة الكندية إلى الاعتذار، والاعتراف بأن هذه العملية نقطة سوداء في تاريخ الحكومة الكندية، وأن تعوض الحكومة الكندية الرجل عن البلاء الذي تعرض له جسميا ونفسيا بمبلغ عشرة ملايين دولار كندي.
10- في عام 2007 أصدرت (اليوروبول) تقريرها الأول[4] Europol annual report عن الهجومات الإرهابية التي تعرضت لها دول الاتحاد الأوروبي عام 2006، وقسم التقرير إلى أربعة فصول: الإرهاب الإسلامي إرهاب الانفصاليين، إرهاب اليساريين، إرهاب اليمينيين، وأحصى التقرير الهجومات التي تعرضت لها دول الاتحاد الأوروبي عام 2006 فبلغت 498 هجوماً، كان منها حادث واحد فقط نسب للمسلمين، وهو الحادث الذي وقع في ألمانيا ونسب إلى شابين لبنانيين، و 424 حادثا نسبت للانفصاليين، و 55 نسبت لليساريين، والباقي لليمينيين.
وبالرغم من أن الحادث الوحيد الذي نسب للمسلمين لم ينجم عنه سفك دم أو تدمير منشآت، بعكس الحوادث الأخرى، فإن الإعلام في بعض دول الاتحاد الأوربي لم يذكر أي شيء عن هذا التقرير، أما في الدول الأخرى فلم يشر الإعلام إلى تفاصيل التقرير والتي كانت سوف تظهر مفارقة كبيرة، بين نتيجة التقرير، والضجيج الهائل في الإعلام وفي الخطاب الرسمي في دول الاتحاد الأوروبي، سواء في عام 2006 أو ما قبله أو ما بعده، عن الإرهاب هذا الضجيج الذي كان مركزاً ومحصوراً في الغالب على الإرهاب الإسلامي، أما حوادث الإرهاب الأخرى فكانت تعامل إعلاميا كما لو كانت حوادث مرور (يمكن الاطلاع على التقرير في موقع يوروبول على الشبكة العنكبوتية).
11- باستثناء أول نشاط إرهابي عرفه التاريخ، عندما كانت جماعة سكاري Sicarii اليهودية بين عامي 66 و 73 بعد الميلاد، تنفذ عمليات إرهابية في فلسطين بقصد إخافة اليهود الآخرين لردعهم عن التعاون مع جيش الاحتلال الروماني فإن “الشرق الأوسط” الذي عرف مختلف أنواع العنف: القتل، والتعذيب، والحرب.
لم يعرف الإرهاب بمعنى Terrorism إلا في آخر النصف الأول من القرن المنصرم أي بعد وجود العصابات الإرهابية اليهودية في فلسطين هاجانا، وشتيرن، وإرجون، وكاخ . . . الخ .
حيث كانت هذه العصابات تقوم قبل الحرب العالمية الثانية وبعدها بعمليات إرهابية مثل المجازر بدون تمييز، وتفجير القنابل في الأسواق العامة، بغرض بث الرعب في قلوب الفلسطينيين ليتركوا بلادهم ليحتلها اليهود القادمون من البلدان المختلفة استجابة لجهود الحركة الصهيونية بهدف إنشاء الدولة اليهودية في فلسطين ،وكان تفجير فندق (كنج ديفيد) وقتل سكانه من اليهود والانجليز الذين فقدوا لوحدهم 91 شخصاً كانت هذه العملية التي نفذت من قبل عصابتي إرجون وشتيرن أول عمل إرهابي من نوعه في الشرق الأوسط، أعني تفجير مبنى عام على سكانه.
وعلى أساس تلك العمليات الإرهابية نشأت الدولة اليهودية في فلسطين، وقام قادتها مثل ديفيد بن جوريون زعيم هاجانا، ومناحيم بيجين زعيم إرجون، وايزاك شامير زعيم شتيرن بأدوارهم المعروفة في مسيرة الدولة اليهودية وكونت هاجانا الجيش الحكومي الإسرائيلي، ولذا لم يكن غريبا أن تسجل تلك العمليات الإرهابية في تاريخ الدولة اليهودية على أنها عمليات “مقاومة ضد الاحتلال”، وحركات “من أجل الحرية والاستقلال” .
وجاء تأكيد هذا الوصف في خطاب الرئيس الأمريكي بوش الصغير أمام الكنيست في 15 مايو 2008، حيث قال: [إن إعلان ديفيد بن جوريون استقلال إسرائيل ... كان أكثر من مجرد إقامة دولة، حيث أنه كان استيفاء وعد قديم منح لأبراهام، وموشى، وديفيد، يعني وطن قومي لشعب الله المختار Eretz Israel، لقد أقمتم مجتمعا حراً مؤسساً على حب الحرية وعشق العدالة وإحترام كرامة الإنسان، لقد قاتلتم بشجاعة وجرأة من أجل الحرية][5].
وفي هذا الخطاب أفصح الرئيس الأمريكي عن طبيعة الحروب القائمة حالياً، التي تعتبر أخطر تداعيات حادث 11 سبتمبر، فقال: [إنها أعظم من أن تكون صراع أسلحة أنها صراع بين الرؤى، إنها معركة أيدلوجية عظمى، فمن جانب أولئك الذين يدافعون عن المثل العليا للعدالة وكرامة الإنسان معهم قوة الحق والحقيقة، وعلى الجانب الآخر أولئك الذين يعتقدون رؤى ضيقة ويسعون إلى السيطرة بالقتل وبث الرعب ونشر الأكاذيب، هذه المعركة مع إنها تستخدم تقنية القرن الواحد والعشرين إلا أنها في حقيقتها هي المعركة القديمة بين الخير والشر][6].
واضح أن مقصود الرئيس بالجانب الأول (جيوش التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة)، وبالجانب الثاني (الأصولية الإسلامية والإرهاب الإسلامي ممثلا في حركات المقاومة في فلسطين والعراق وأفغانستان)
الرئيس الأمريكي كما هو ظاهر ينطلق في التوصيف والتصنيف والتمييز بين الخير والشر من منطلق ايدلوجي، ولا ينطلق من منطلق وضعي، أو من مقياس للخير والشر يعتمد كمية دماء الأبرياء المسفوكة، وحجم التدمير لمرافق الحياة، ونوعية امتهان الكرامة الإنسانية.
12- غير خاف دور العقيدة السياسية للمحافظين الجدد في الولايات المتحدة الأمريكية في التأثير على الأحداث منذ استهلال القرن الحالي، وتعتمد هذه السياسة كما يقرر ذلك (هالبر) و(كلارك) على ثلاثة مبادىء[7]:
1- الاعتقاد المبنى على أساس ديني أن المقياس الصحيح للخلق السياسي هو: مدى الرغبة والتصميم في مكافحة الخير (الذي يمثلونه) الشر (الذي يمثله الآخرون).
2- التأكيد على أن ما يجب أن تعتمد عليه العلاقات بين الدول هو القوة العسكرية والعزم على استخدامها.
3- التركيز في البداية على الشرق الأوسط، والإسلام العالمي كتهديد أساسي لمصالح أمريكا في الخارج.
13-الأصولية بالمعنى الموسوعي لكلمة Fundamentalism تعنى مذهبا بروتستانتيا أمريكيا أساسه الحركة الألفية في القرن التاسع عشر وتعتمد التفسير الحرفي لـ (Bible) ومن ضمن ذلك ما تؤكده بعض نسخ (Bible) من أن خلاص المسيحي مشروط بعودة المسيح التي لن تتحقق إلا بعد قيام دولة اليهود في فلسطين وإنشاء المعبد للمرة الثالثة ووقوع حرب )أرماجدون (Armageddon، وقد أظهر المسح الوطني للدين والسياسة الذي أجراه معهد Bliss Institute بجامعة أكرون University of Akron عام 1996 أن 31% من البالغين المسيحيين يؤمنون بأن نهاية العالم ستكون في حرب آرمجيدون، بين المسيح وأعداء المسيح كما أظهر نفس المعهد في مسحه الرابع عام 2004 أن هذه النسبة ارتفعت لتصل إلى 77% [8].
وتقرر )جريس هالسل[9](: [أن هذا المذهب الديني هو المذهب الأسرع نمواً في الولايات المتحدة، ومن الطبيعي أن يكون لهذا المذهب تأثير على الاتجاهات السياسية في الولايات المتحدة ومن ثم تأثير على الأحداث، وكان الرئيس الأمريكي ريجان يتشوف لأن تقع حرب أرماجدون في فترة رئاسته].
الأصولية على غرار مضامين المصطلح الموسوعي الأمريكي Fundamentalism مهما كانت جغرافيتها ومهما كان ما تستند إليه من عرق أو ثقافة أو دين وحش مرعب، لا سيما إذا كانت أنياب الوحش من آلاف الرءوس النووية، وعشرات الألوف من أطنان الغازات السامة، ومخزون مرعب من إنتاج أبلغ ما وصلت إليه التكنولوجيا من جراثيم الأوبئة والأمراض المعدية كالجمرة الخبيثة، فهي في هذه الحالة تجعل البشرية أمام خطر حقيقي وحاسم.
في خطاب الرئيس الأمريكي المشار إليه، أطلق نبوءة تقدم أملاً قال: [سوف تحتفل إسرائيل بعيدها المائة وعشرين وقد أصبحت وطنا آمنا مزدهرا للشعب اليهودي]، الأمل الذي تبشر به هذه النبوءة أن حرب أرماجدون – في العقيدة السياسية الأمريكية لن تقع خلال الستين سنة القادمة لأنه بعد حرب أرماجدون لن يوجد يهود في مضمون الأصولية الأمريكية، إذ يكونوا بعد الحرب قد تنصروا أو ماتوا، ولعل أملا آخر يتحقق أن يكون الإنسان خلال هذه المدة قد تطور فأصبح أكثر رشداً وأرقى أخلاقا.
14- فور انتهاء الحرب الباردة بين (الرأسمالية والشيوعية) بانهيار الشيوعية رُشح الإسلام عدوا بديلاً، وسُمي (العدو الأخضر)، بديلاً عن (العدو الأحمر – الشيوعية)، وكان أول تصريح رسمي بذلك التصريح المشهور للأمين العام لحلف الأطلسي.
وبعد أن كانت الصورة النمطية للمسلم خلال العقود السابقة لذلك، على نحو ما أظهر الإستبيان الذي أجري في الولايات المتحدة عام 1980، أن المسلم في تصور نصف الشعب الأمريكي تقريباً هو “الشخص العنيف المتعطش للدم” ، “الغادر الذي لا يوثق به”، “مضطهد المرأة”، “عدو السامية وعدو المسيحية”، وبعد أن كانت وسائل الإعلام تثير مشاعر التحقير والكراهية ضد الإسلام والمسلم تحولت إلى إثارة مشاعر التخويف والعداء، وطفحت أدبيات السياسية الغربية وتصريحات السياسيين ووسائل الإعلام بالإلحاح على ربط الإسلام بالإرهاب والعنف، والحديث عن صراع الحضارات ولم ينتصف العقد الأخير من القرن المنصرم حتى كانت أوروبا تشاهد فيلم “الإرهاب في سبيل الله”، وكانت أمريكا تشاهد فيلم”الجهاد في أمريكا”.
****
ثم نشطت الحرب الباردة والساخنة، واستخدمت القوة الناعمة، والقوة المتوحشة، ووعد العالم بأن الحرب الجديدة سوف تستمر أمداً طويلاً، ولم يحدد قط أجل لنهايتها.
وشاعت في الكتابات السياسية الأمريكية النصائح بأن تستخدم في هذه الحرب الجديدة الوسائل نفسها !!! التي استخدمت في الحرب الباردة بين الرأسمالية والشيوعية.
وقد تعددت النظريات في الدوافع الحقيقة لهذه الحرب العالمية الجديدة.
أشير في بعض الأحيان إلى المصالح الاقتصادية، والمصالح الجيو سياسية للولايات المتحدة خاصة والغرب عامة، كما أشير إلى مسئولية الغرب عن وجود إسرائيل وبقائها ملحوظا أن الدولة اليهودية، هي الدولة الوحيدة التي يمثل الإسلام خطراً حقيقيا عليها وأن هذه الدولة هي المستفيد الحقيقي من هذه الحرب إذ لم تخسر شيئاً من الحرب، وإنما كانت أعظم الرابحين إن لم تكن الرابح الوحيد، وكانت – في الواقع – دائماً يسير في ركابها الحظ السعيد، وبرز ذلك جلياً بدأ من حادث 11 سبتمبر.
كما أشير إلى الموروث الثقافي لدى الغرب تجاه الإسلام.
وأشير في بعض الأحيان إلى حاجة الرأسمالية دائماً إلى وجود تحد خارجي يضمن لها استدامة البقاء والازدهار، وفي هذا الصدد يعاد إلى الذهن القول المشهور لأحد السياسيين الاستراتيجيين الأمريكيين في بداية الحرب الباردة بين الولايات المتحدة الأمريكية، والاتحاد السوفيتي: [لو لم توجد الشيوعية، لوجب أن نوجدها].
ولكن لماذا يكون التحدي الخارجي ضرورياً للسياسة الأمريكية.
يُجيب عن هذا السؤال واحد من أوسع الرؤساء الأمريكيين ثقافة وأعمقهم فكراً، وأكثرهم تمرسا بالسياسة الأمريكية (رتشارد نكسون) حيث يقول في آخر كتبه[10] : [عقب الحرب العالمية الثانية تخلت الولايات المتحدة عن عزلتها السلمية التقليدية، وأشعلت الحرب الباردة حول العالم ضد الشيوعية .. . . معظم الأمريكيين ظنوا أن انتصارنا في الحرب الباردة، وعودة السلام سوف يساعدنا في حل مشاكلنا المحلية ولكن الذي حدث هو العكس، انتهاء الحرب الباردة أيقظ مشاكلنا في الداخل، التحدي الخارجي يوحدنا، والتحديات الداخلية تفرقنا، ما يجب أن نعرفه بدون لبس هو أن السياسة الداخلية والسياسة الخارجية مثل التوأم السيامي لا يمكن لأحدهما أن يعيش بدون الآخر . . . أوقات السلام الممتدة هي بصفة عامة أوقات الركود والكساد ... لا أحد يقول أن الحرب هي شيء مستحب لأي بلد، ولكن ما لا يمكن إنكاره أن الولايات المتحدة تكون في أفضل أحوالها عند ما تواجه تحديا خارجياً "إنجازاتنا في مجال الفضاء بعد صدمة (سبوت نك) مثل بارز في هذا"، الأغلبية من أعظم رؤسائنا كانوا هم الرؤساء الذين شُغلوا بالحرب، إن أعظم انبعاث لانتاجيتنا المتزايدة وإنجازاتنا العلمية حدث أثناء الحرب]
في العقود الأولى من الحرب الباردة بين الرأسمالية والشيوعية كان سباق التسلح على أشده وكانت الشيوعية تحقق انتصارات في تكنولوجيا الفضاء، وفي كسب الشعوب والاستيلاء على القلوب والعقول، ثم انتهت الحرب الباردة بهزيمة الشيوعية.
هل تم ذلك بسبب أن الرأسمالية كسبت قدرات جديدة أخلت بتوازن القوى السياسية والعسكرية، أم لأن الحياة وأحداثها كشفت عن هشاشة النظام القيمي للشيوعية؟
يثير هذا السؤال سؤالا آخر: هل الحياة وتطور أحداثها الجارية تكشف عن قوة النظام القيمي للرأسمالية أم عن هشاشته؟.
كانت الشيوعية بما تملك من القوى المادية تمثل تهديداً حقيقيا للرأسمالية والغرب، وتبرر وجود الحرب الباردة، ولكن هل يملك الإسلام من القوى المادية ما يبرر حالة الفزع والرعب والتخويف التي ظل الغرب ينفخ في بالوناتها تجاه الإسلام ويستند إليها في إثارة الحرب البادرة ضده بل الحرب الساخنة والاستباقية؟.
هل نحن أمام حالة خوف وهمي خلق فقط لتبرير الوصول إلى أهداف لاصلة لها بالخطر على الغرب ولا الخوف من الإسلام؟ أم أننا أمام خوف حقيقي ناشيء عن مايملك الإسلام من قوة معنوية ونظام قيمي يشعر الغرب بأن النظام القيمي الرأسمالي لا يصمد أمامه؟، هل هذا ما كان (رتشارد نكسون) يقصده في مؤلفه الذي سبقت الإشارة إليه بقوله: [الإسلام الأصولي عقيدة قوية، والقيم العلمانية في الغرب لا تستطيع أن تغالبه، كما لا تستطيع ذلك القيم العلمانية في العالم الإسلامي، في صدام الحضارات إن حقيقة أننا أقوى وأغنى دولة في التاريخ لايكفي، ما سوف يكون حاسماً قوة الأفكار العظيمة][11] ؟
إن كان الأمر كذلك أفليس الأقرب للحكمة والعقل والفضائل الإنسانية أن يترك لقانون التطور أن يحسم الأمر في هدوء وسلام؟
****
المعلومات السابقة معلومات واقعية ، وليست أخبارا تحتمل الصدق والكذب ولكنها على كل حال توضح عن طبيعة ما يسمى بالحرب على الإرهاب العالمي أو الحرب العالمية على الإرهاب ، كما يمكن أن تلقى ضوءاً على حادث 11 سبتمبر أفظع حدث إجرامي إرهابي في التاريخ.
****
للتعرف على مناقشات علمية ومنطقية للرواية الرسمية للحادث، من قبل المختصين في المجالات العلمية والمهنية المختلفة (معمارية وهندسية ومكافحة حرائق وتفجير مباني..)، يمكن الاطلاع على الأفلام الوثائقية التالية:
Loose Change 9/11

9/11: Explosive Evidence – Experts Speak Out

BEST 9/11 DOCUMENTARY EVER


المقالة بصيغة PDF
[1] كما أخبرني بعضهم بذلك مباشرة
[2] أنظر وكالات الأنباء والصحف الأمريكية الرئيسة على سبيل المثال نيويوك تايمز: http://www.nytimes.com/2010/02/20/us/20anthrax.html?pagewanted=all
[3] كما تناقلته وكالات الأنياء حينها
[4] https://www.europol.europa.eu/sites/default/files/publications/tesat2007.pdf
والتفارير لعام 2008 وعام 2009
وأنظر ايضا مقالة Europol Report: All Terrorists are Muslims, Except the 99.6% that Aren’t على الرابط: http://www.loonwatch.com/2010/01/terrorism-in-europe
/
[5] www.knesset.gov.il/description/eng/doc/speech_bush_2008_eng.htm
[6] نفس المرجع
[7] Halper and S. Clarke, America Alone: The Neo-Conservatives and the Global Order. 2004, p46
[8] أنظر ملخصا لهذا الاستطلاع في صحيفة نيويوك تايمز الأمريكية على الرابط: http://query.nytimes.com/gst/fullpage.html?res=9C05EFD8163FF935A25757C0A9609C8B63&pagewanted=all
[9] انظر كتاب Grace Halsell المعنون Forcing God’s Hand: Why Millions Pray for a Quick Rapture And Destruction of Planet Earth ص 9
[10] R. Nixon, Beyond Peace, 1994. pp 9-15
صالح عبدالرحمن الحصين's Blog
- صالح عبدالرحمن الحصين's profile
- 23 followers
