محمد جلال كشك's Blog, page 2
February 6, 2009
الديمقراطية التي يبشرون بها
هذا رد للأستاذ جلال كشك على "الصادق النيهوم" وهو علماني عمل في خدمة النظام الليبي ،كتب النيهوم مقالا بعنوان : الافتقار إلى لغة الديمقراطية ، فكان هذا الرد من الأستاذ جلال كشك وقد عنونه بـ : في خدمة العسكر : محلك سر !
——-
في كتابي (طريق المسلمين إلى الثورة الصناعية) فسرت نكسة الحضارة الاسلامية وعجزها عن إنجاز الثورة الصناعية، وقد كانت منها قاب قوسين أو أدنى في منتصف القرن الحادي عشر. فسرت ذلك بالحروب الصليبية والاجتياح المغولي، وقلت إن من أخطر نتائج هذا الحدث تراجع طبقة المثقفين والتجار وتولي العكسر مقاليد الأمور في العالم الاسلامي تحت مبرر أولوية الدفاع عن الوجود، ولو على حساب الحضارة والتمدين أو التقدم. وهكذا تجمد المجتمع، وتحول المثقف من دور المفكر المحاور المطور للمجتمع، إلى نديم أو فقيه السلطان الذي يبرر ويحلل وينظر لحكم العسكر ثم حكمتهم! وتتابع التراجع والانهيار، وحتى عندما جاءت الهبة العثمانية التي رفعت راية المسلمين على أسوار فينا، ورغم المستوى الثقافي الرفيع الذي كان لأوائل سلاطينهم إلا أنهم بحكم الروح العسكرية التي كانت تسيطر على العالم الاسلامي كله رأوا الخطر عليهم من ظهور قيادة مدنية تركية لا شك أنها وحدها كانت القادرة على إقامة المجتمع التجاري المنفتح، والسفر إلى أعالي البحار لمزاحمة تجار غرب أوروبا في العالم الجديد، ثم إنجاز الثورة الصناعية الكبري. لكن سلاطين آل عثمان استمروا في الاتجاه نفسه الذي بدأه الأيوبيون، عندما فرضوا العسكر على الرعية ولم تكن الانكشارية التي اعتمدوا عليها وسلطوها على المجتمع المدني إلا مماليك الدولة العثمانية الذين حموها بسيوفهم وإخلاصهم، ومدوا حدودها في جميع أنحاء المعمورة أو الثلاث قارات المعروفة وقتها. وفي الوقت نفسه قضوا على فرصتها في دخول العصر الحديث، ثم كانوا أعجز عن أن يخلقوا حضارة وأقوى من أن يرغموا على قبولها!
ومن دلالات التاريخ أنه كما كانت الحروب الصليبية هي التي دفعت طبقة العسكر إلى الصدارة في المجتمع الاسلامي وما ترتب على ذلك من ضياع فرصته في العصر الرأسمالي ـ الصناعي، فإن الحرب نفسها أحدثت العكس تماماً في أوروبا إذ خلصت المجتمع المدني من العسكر (ذبح عسكر المسلمين فرسان أوروبا، فحرروا عدوهم التاريخي!) واستعان ملوك أوروبا من ثم بالمثقف والتاجر في بناء الأوطان الموحدة والمجتمع المدني، ثم حضارة العصر الصناعي أو النظام الرأسمالي الذي استخدم العسكر لبناء الامبراطورية ولم يستخدمه العسكر.
فلنقصر حديثنا هذه المرة على العلاقة بين المثقف الذي أصبح رعية والعسكري الذي أصبح حكومة، فمنذ ذلك التاريخ وإلى اليوم يتعرض المثقف المسلم لاغتصاب العسكر. وتتفاوت مواقف المثقفين.. منهم من يرى برهان ربه وشعبه فيستبق الباب هارباً بدينه وشرفه الثقافي ويقد قميصه من دبر، كما فعل المثقفون المصريون زمن فرعون، قالوا لن نؤثرك على ما جاءنا من البينات. وكما فعل المئات وربما الألوف من الذين شنقوا وعذبوا أو تشردوا منذ انقلاب حسني الزعيم. ومنهم من يوضع في قميص المجانين أو يسلم الروح، ولا يفرط في قميصه. ومنهم من لا ينجح في الإفلات ولكنه يقاوم حتى يقد قميصه من قبل ومن دبر. والغالبية تكتم عارها وتستسلم مكتفية بلعن المنكر في صيغة اضعف الإيمان. ولكن هناك فئة فضلت التكسب بقميصها فهي تخلعه راضية وتفرشه للمغتصب على الرملة، وهناك من يعلنون رضاهم وامتنانهم لما يفعله العسكر. وبعضهم، وهم شر الناس، يفلسفون الاغتصاب وينظرونه ويدعون أنهم هم الذين اقترحوا الاغتصاب، وأن الأمة كانت تتمنى هذا الذي يفعله العسكر بها وهو العلاج الوحيد لكل متاعبها. من هؤلاء الفيلسوف الكبير الأستاذ صادق النيهوم، ودعكم من كل العجيج والضجيج الثوري الذي يغطي به ثقب قميصه.
العسكر في العالم الثالث، والعالم العربي بالذات لا يحبون الديموقراطية على الطراز الغربي، ولا يسمحون بالأحزاب ولا البرلمان ولا الانتخابات ولا حرية الصحافة. وهذا ما يوافقهم عليه النيهوم حرفياً، ويتطوع بأن يعلن شرعية هذه النظم، إذ إن هذه الديموقراطية لا تصلح لأمتنا! فنحن محرومون منها ليس بسبب ديكتاتورية العسكر بل لأنها رجس من عمل الشيطان كما يقول الفقيه التقليدي، أو من سلوكيات الملائكة لا يطيقها ولا هي فرضت على العربي، لا تصلح لنا ولا نصلح لها كما يقول الصادق النيهوم:
(الصحافة والدستور والحرية لا مكان لها في المجتمع العربي أو الاسلامي المعاصر أو الثالث خلف جبل طارق لأنها نظام خاص بالغرب وحده. شرط قيامها هو وجود نظام رأسمالي غربي وهو لا يمكن تقليده أو فهمه أصلاً إلا في مجتمع صناعي يشكل فيه رأس المال قوة قادرة على ردع الإقطاع ويشكل فيه العمال قوة قادرة على ردع الإقطاع ويشكل فيه العمال قوة قادرة على ردع رأس المال ومن دون هذا التوازن المعقد… إننا لا نستطيع أن نكون مثل الأوروبيين).
أرأيت؟! لقد عمل العسكر ما فيه صالحنا وعسى أن تكرهوا!
وحكام العالم الاسلامي الذين يرفضون الديموقراطية بالصيغة العالمية المعروفة يرفضون أكثر دعوة العودة للاسلام، ولكنهم لأسباب جماهيرية وتاريخية لا يستطيعون معارضة الاسلام من أساسه، ولا حتى في حدود ما فعله أتاتورك. ومن ثم فهم يدعون إلى التمسك بجوهر الاسلام ويتركون للمثقف المغتصب طرح صيغة أو تفسير للاسلام لا تهدد سلطتهم ولا دورهم في إطار المسموح به عالمياً. وهذا ما قام به النيهوم بجهد يثاب عليه بدون شك. وبالنسبة إلى واقع النيهوم الخاص فإن النظام هناك اختار صيغة اللجان الشعبية التي يحاولون وصفها بالديموقراطية المباشرة التي كانت تطبق في بداية حضارة المدن في اليونان القديمة، ويطلقها البعض على نظام الحكم في سويسرا.
الصادق النيهوم نظر الواقع السياسي العربي. ولم يهاجم الديموقراطية، لا، هو أذكى من ذلك. الديموقراطية هي أعظم نظام لكن لا حظ لنا فيها ومن العبث المطالبة بها لأنها اختراع غربي نشأ مع المصرف والمصرف ظهر مع استعمار العالم الجديد. وبما أننا لم نحضر حفلة اكتشاف أميركا فلا يمكن أن تقوم عندنا ديموقراطية، بل يتحتم على السلطة أن تحل وتمنع كل الأحزاب لأنها ظاهرة مستوردة فاشلة وأفشلت جهودنا نحو التقدم وسرقت الحرية من الشعب. يقول المفتي الثوري:
(نظام الأحزاب ليس ضمانة للديموقراطية، إلا في بلد فاحش الثراء، عايش تجربة الثورة على الكنيسة، وشارك في الغارة على قارات المحيط).
(بدون هذه الشروط مجتمعة، تصبح الأحزاب مجرد نواد سياسية، معرضة لإغلاق أبوابها فوراً عند أول انقلاب يقوم به رجال الدين، كما حدث في إيران، أو الجيش كما حدث في مصر).
(استعارة نظام الأحزاب من دول الغرب وهي فكرة أقرب إلى الشماتة منها إلى النصح، لأن العرب لا يملكون رأس المال نفسه، ولا يملكون العمال، ولا الأسواق، ولا المصانع، وليس بوسعهم أن يؤسسوا أحزاباً لا تجد ما يدعوها إلى التحزب).
(فالديموقراطية القائمة على تعدد الأحزاب صيغة رأسمالية محضة، تخص الأوروبيين الرأسماليين وحدهم ولا يمكن نقلها إلى بيئة أخرى).
هذه فتاوى جديرة أن يكتبها طغاة العالم الاسلامي بالإبر على أماق البصر، وهم يكتبونها فعلاً بالسياط على جلود الشعوب! وكان بغايا الفكر وما زالوا يتهمون الاسلاميين بأنهم هم الذين يعادون الأحزاب، وها هو عدو الاسلاميين اللدود ينسف أي أساس للمطالبة العامة التي تجتاح العالم الاسلامي اليوم، من اجل حق تشكيل وتعدد الأحزاب، وهو لا يفسر لنا كيف ألغيت الأحزاب في ألمانيا وإيطاليا بالسهولة نفسها التي ألغيت بها في مصر، رغم أن ألمانيا وإيطاليا عندهما الاسم الأعظم وهو المصرف، وشاركتا في حفل اقتسام العالم، ووصلتا إلى أعلى درجات السلم الرأسمالي ورغم ذلك، بل وبسبب ذلك أمكن قيام ديكتاتورية فيهما ألغت الأحزاب وحلت البرلمان وادعت الحكم باسم الشعب! وهناك أيضاً وجد هتلر وموسوليني. ولا ننسى ستالين، فهو من فلسف لهما أن الأحزابوالبرلمان والديموقراطية اختراع يهودي شرير أو من صنع الرأسمالية عدوة العمال. ثم انتهى هذا الزيف وألقيت بقاياه في المحيط يلتقطها بعض السيارة في العالم المتخلف.
وقادة العالم الثالث ورعاته لا يحبون البرلمان ولا الانتخابات وقد جاء في الكتاب الأخضر أن التمثيل تضليل، وهنا يتقدم المفتي لينظر ذلك ويحلله فيقول إنه لا يمكن قيامبرلمان إلا بالأحزاب ولا أحزاب ولا صراع إلا إذا أقام المصرف وأصبح المجتمع من طبقتين طبقة العمال وطبقة الرأسماليين وحيث إن… إذن لا يكون.. وما يجري هو بالضبط ما يجب أن يكون (فكل مخ) باطمئنان واقرأ الفاتحة للسلطان!
ويلخص النيهوم رأيه بأنه يدعو للديموقراطية المباشرة التي هي (ليست الفوضى وليست فكرة خيالية، بل هي فكرة حية ومعمول بها في بلدان كثيرة على درجة عالية من التنظيم والتطور منها دولة الإتحاد السويسري التي تجمع أربعة شعوب مختلفة تحت قبة برلمان واحد).
لا يجوز القول بأن سويسرا تحكمها اللجان الشعبية فسويسرا منذ 1848م يحكمها برلمان من مجلسين على طراز الكونغرس الأميركي، مجلس نواب من 200 عضو ومجلس المقاطعات أو الكانتونات. والمجلسان أو البرلمان السويسري يختار الحكومة ويراقب نشاطها. وفي سويسرا 12 حزباً رئيسياً ممثلة بالبرلمان وتشكل 8 تكتلات برلمانية. وفي الانتخابات الأخيرة كان 2و4 مليون نسمة لهم حق الانتخاب و 2400 مرشح على 222 قائمة. ويحتكر الحكم في سويسرا منذ 1959 تحالف من أربعة أحزاب. أما الديموقراطية المباشرة في سويسرا والتي تسبب الخلط في بعض الأذهان ويستخدمها البعض لتبرير قرارات الشرطة عندهم، فهي تعني حق الشعب في اقتراح القوانين أو طلب إلغاء قانون أو تعديل الدستور، كما تعني الاستفتاء الشعبي الذي أخذ به السادات وأسرف.
في سويسرا يحق أن يطلب خمسون ألف مواطن إعادة عرض قانون أقره البرلمان في استفتاء عام، كما يستطيع المواطنون طلب تعديل الدستور بشرط أن يجمعوا مائة ألف توقيع خلال مدة أقصاها 18 شهراً. ثم يطرح المطلب للتصويت العام ويشترط حصوله على أغلبية عامة على مستوى الدولة كلها، ثم أغلبية الكانتونات وهي الوحدات التي تكون الاتحاد السويسري الفيدرالي. فالاستفتاء الذي تجريه الحكومة والاستفتاء الذي تجبر عليه الحكومة هما العنصران الرئيسيان لما يسمى بـ (الديموقراطية المباشرة). وفي داخل الكانتونات يصوت الناخبون على كل إضافة للميزانية فوق حد معين. وكما حدث في مصر يعترض الكثير من فقهاء القانون والسياسييين في سويسرا على أسلوب الاستفتاءات لأنهم يعتقدون أنها وسيلة لتضليل الشعب لحساب المصالح الاحتكارية الكبرى التي تتمكن من خداع المواطن العادي بعكس الحال مع النواب في البرلمان.
أما عن ديموقراطية الهواء الطلق كما يسمونها في سويسرا وهي القشة التي يتشبث بها النيهوم، فهي تمارس في خمسة كانتونات فقط من 26. وذلك حين يجتمع الشعب كله لإقرار ميزانية الكانتون والقضايا الهامة للكانتون، وقد أصبحت أشبه بمهرجانات لإحياء التقاليد وجذب السياح. ففي كانتون (ابانزل) لا بد أن يحمل الرجال السيوف لإثبات حقهم في التصويت (لأن حمل السيوف كان محظوراً على العبيد والنساء) وقد اضطروا لإعطاء النساء ترخيصاً كتابياً بالحضور. وهذا يؤكد أنها تقاليع ومهرجانات سياحية وليست طريقة جادة لحكم البلاد.
باختصار الديموقراطية التي يبشر بها الصادق النيهوم، بعد أن شرق وغرب وأتى بكل طريف ومستغرب، هي اللجان الشعبية ولكن لو كتب ذلك لما أصبحت له ميزة عن الكتاب الوافدين، ومن ثم يفاجئك النيهوم بقنبلة الجامع:
(لا بد من العودة للجامع فهو بداية ديموقراطيتنا. هو الحل لمشاكلنا. هو المحرر للاسلام الأسير والمسلمين المستضعفين. هو البديل عن المصطلحات الديموقراطية الرأسمالية) إنه مقر مفتوح في كل محلة يرتاده الناس خمس مرات كل يوم. لهم حق الاجتماع فيه، حتى خلال ساعات حظر التجول. تحت سقفه مكفولة حرية القول، وحرية العقيدة وسلطة الأغلبية في لغته كل المصطلحات المطلوبة، وكل كلمة حية ترزق).
فكيف يطالب النيهوم بالعودة إلى المسجد أو حتى بحكم المسجد؟ هل سيقول إن الحل هو الإسلام؟! هل آثر النيهوم الحرية وقرر أن ينطلق مع قوافل الشهداء، أم أن ا للجاجة والتفاصح أوقعاه في شر أفكاره وأطبقا عليه فخه؟!
هيهات!! إنه عبقري من الطراز النادر. ولعله وصف فكره فأبدع عندما قال:
(تعرضت الأغلبية لحملة نفسية مروعة قادها السحرة منذ عصر سومر لتبرير سلطة الملك ـ الإله في برنامج معقد من الخرافات والأساطير استهدف تخريب عقول الناس وحرق كل جسر يربطهم بواقعهم).
هذا تعريف شديد الدقة لما يقوم به الساحر المعاصر الصادق النيهوم. وإذا كان النيهوم يرفض البرلمان كما يرفضه كل العسكر، ولكن على أساس أن كلمة برلمان لا وجود لها في لغتنا! إلا أنه لا يتمسك بهذا الاعتزاز الوطني في نظريته عن المسجد، إذ يرفض اللفظ الذي ورد في القرآن ويصر على كلمة الجامع التي لم ترد ولا مرة واحدة لا في القرآن ولا في السنة. وهو على أية حال يرفض السنة، ولا يساير في ذلك العسكر وحدهم، بل الخوارج الذين ما زال نفوذهم الفكري يترك بصماته على تفكير الكثيرين من العرب حتى النيهوم!
هو ضد المسجد الذي يضم المسلمين المصلين والعابدين والعاكفين. وهو يريد جامعاً يجمع الناس:
(بغض النظر عن دياناتهم وشعائرهم).
(المسجد فكرة قديمة عرفتها كل الحضارات، ولها اسم في كل لغة أما الجامع فهو فكرة أخرى، لم يعرفها أحد ولم يدع له أحد إلا الإسلام).
نعم، ولا عرفها الاسلام ولا الله سبحانه وتعالى الذي فضل لفظة المسجد ولم يذكر الجامع قط!
الجامع الذي يطالب به النيهوم هو النقيض لمسجد المسلمين، ولا يمكن أن يكون إلا كذلك. فهو مكان يريد النيهوم أن يجمع فيه:
(الناس المتفرقين بين المساجد والكنائس والمعابد في جهاز إداري موحد (…) هذا الجامع لم تعرفه ثقافتنا العربية أبداً لأنه انتهى قبل أن تولد، وتركها تنمو في المساجد لكي تصبح نصف ثقافة، لغتها تقول شيئاً وواقعها يقول شيئاً آخر (…) .
فالمسجد كان النكسة والمطلوب الآن تحرير الجامع من المسجد. تحريره من الاسلام وسيطرة المسلمين، وجعله مرتعاً لغزلان وملتقى صلبان ونجمة داود.
النيهوم يدعو لدين جديد غير الاسلام الذي يتبعه المسلمون واتبعوه، هو ضد حديث أركان الاسلام الخمسة. فهذا الحديث:
(هو الذي أضاع الاسلام ومكن بني أمية من سلب حقوق الناس).
ليس كلامنا هنا بهدف نقد أفكار النيهوم، وإنما تأصيلها، بردها لجذورها وكشف ادعائه لثورية كاذبة، وإلا لقلنا متى وكيف مكن هذا الحديث بني أمية من سلب حقوق الناس؟ هل توجد دولة في تاريخ العالم واجهت ثورات وتمردات مثل دولة بني أمية فأين تأثير هذا الحديث؟ وهو يرفض الصلاة كعبادة ويعتقد أنها ضرب من اليوغا أو برنامج لجني فوندا سابق لعصره.
(إن حركات الصلاة الاسلامية ليست رموزاً بل أوضاع يتخذها المصلي لتمرير ضغط الهواء في جميع أنحاء جسده بتوقيت الشهيق والزفير).
ولن فقهاء الاسلام لم يكونوا يتقنون علم الشهيق والزفير مثل النيهوم، فإنهم لم يكتشفوا أبداً لماذا:
(اختار الرسول (ع هذه الحركات من دون سواها. مما دعاهم إلى تفسيرها تفسيراً بلاغياً بحتاً فالوقوف في الصلاة هو المثول بين يدي الله والسجود هو إبداء الخضوع (…) إلخ).
وهو غاضب جداً لأن أطفالنا يجبرون على تلاوة القرآن قبل أن يتموا العاشرة، وغاضب لتحريم الفقه زواج غير المسلم بالمسلمة.
والاسلام دين عنصري لأن المسلم يعتقد أنه:
(هو عبد الله الصالح الذي وعده ربه بالخلود في الجنة، ووعد غيره بالخلود في النار. إنه مثل الرجل الأبيض الذي يعتبر لون جلده مبرراً شرعياً بالتفوق (هل الدين يقوم على الاختيار الحر والمفتوح لكل من شاء. ألم نقل إننا أمام نصب فكري؟!) ويتابع: (وهي فكرة تناقض نصوصاً قرآنية صريحة، لكنها أصبحت قاعدة لقوانين اسلامية متعددة، منها تحريم زواج المسلمة من غير المسلم (القوانين العربية تحرم زواج الليبية والكويتية من المصري أو السوداني.. إلخ. وكما قلنا إن الاسلام قطع نصف الطريق بأن أباح الأسرة المتعددة الأديان، بزواج المسلم من غير المسلمة وهذه خطوة لم يقم بها أي دين آخر، فهل يستحق الذي قطع نصف الطريق أن يخص بالهجوم والنقد بينما لا ينتقد موقف الآخرين الذين يرفضون إلى اليوم زواج الرجل أو المرأة ولو حتى من مذهب آخر داخل الدين نفسه.. عجبي!).
الصادق النيهوم عندما يتحدث عن الجامع هو يعني اللجان الشعبية وليس المسجد فهو ضد المسجد الذي أضاع الجامع (ضاع الجامع وراء المسجد). وهو ضد الحل الاسلامي والاسلاميين، مثل السلطة كل السلطة في العالم الثالث، بل ومثل حكومة فرنسا وأميركا وتل أبيب (…) إلخ. فهو يقول:
(فالدعوة التي ترتفع حالياً في أرجاء الوطن العربي، مطالبة ]بإحياء الاسلام[ دعوة لا تطالب بإحياء صوت المواطن المسلم في مؤتمر يوم الجمعة، بل تهدف إلى تكريس إلغاء الحوار باسم الاسلام نفسه).
ثم يفقعنا حكمة:
(الاسلام الذي يبشر به القرآن ليس شريعة تطبقها دولة، بل دولة أخرى في حد ذاتها).
وهو يزيدنا تعريفاً بجامعه الذي هو نقيض مسجدنا فيقول:
(بيت لا تسري عليه قوانين الدولة).
إن كان يقصد اللجان الشعبية فهو يخدعنا، لأنها تشكلت بموجب قرار من رئيس الدولة وتسري عليها قوانين الدولة بالطبع وبالوضع. وإن كان يتحدث عن مسجد المسلمين فهو بالطبع تسري عليه قوانين الدولة التي تشرعها بموجب دين المسجد، وقد يكون التشريع في المسجد أو خارجه ولكن المهم هو أن يكون بوساطة أهل الحل والعقد. وبموافقة الأمة بالاسلوب الذي يضمن شرعية وجدية ونزاهة وصدق هذه الموافقة. المسجد لم يصنع المواطن الحر بل صنعه القرآن والسنة. نعم السنة التي علمت المسلم، أنه لا قدسية لبشر ولا عصمة لقرار، بل حتى قرارات رسول الله في أمور الدنيا قابلة للخطأ وللمراجعة والتصحيح. المسلم الذي تعلم ذلك في غزوة بدر، هو الذي علم المرأة أن تصيح في المسجد: ليس لك هذا يا عمر! وعمر تعلم من سنة الرسول أنه لا بد أن يرجع عن الاجتهاد الخاطئ، متى نبه له. فالأصل هو الاسلام، هو المجتمع المسلم. هو المواطن المسلم. أما الجامع الذي يضم كل الأديان فهو هايد بارك أو لعله دعوة بهائية ستكشف عنها الأيام! كذلك رفض الاسلام سياسة القطيع الذي يحشد في مكان عام ويصيح موافقون موافقون. أو ما يسميه النيهوم بالديموقراطية المباشرة. ولما حدث ذلك بادر رسول الله بأبي وأمي فقال:
(لا! ولكن اختاروا من بينكم نقباء يرفعون إلينا رأيكم).
هذه هي الديموقراطية الحقة دون حاجة للمصرف اليهودي ولا غزو أميركا وإبادة الهنود الحمر!
(وقد تعمد رسول الله أن يوكل إمامة الصلاة الجامعة إلى المسؤول السياسي شخصياً، لتسهيل مهمة الحوار السياسي بالذات).
وتحلو له لعبة البيضة أو الفرخة (أو حاوريني يا طيطة) فنحن لا نستحق البرلمان ولا الديموقراطية قبل أن نمتلك المصرف ولا سبيل لمصرف إلا بالديموقراطية و:
(تطبيق الشريعة يحتاج أولاً إلى مجتمع شرعي).
ولا يخبرنا كيف يصبح المجتمع شرعياً أو (كوشير) من غير شريعة أو قبل أن نطبق الشريعة!
(إن كل قانون تسنه الشريعة تحت سلطة الإقطاع يصبح قانوناً مسخراً لخدمته. وكل سلاح تشهره الشريعة للدفاع عن الناس، يتحول إلى سلاح إلهي ضدهم، لأن الخلطة نفسها مستحيلة من أساسها).
الخلطة فاسدة جداً. الشريعة لا تشرع تحت سلطة الإقطاع وإنما هو الإقطاع الذي يشرع حتى لو ادعى أنه يشرع باسم الشريعة. فنحن غير ملزمين بتصديقه. والثورة على الإقطاع تمت باسم الشريعة، وهي التي حررت الانسان المسلم من ذل الإقطاع قبل إنسان أوروبا بألف سنة. لم ينوجد في العالم الاسلامي (حق الليلة الأولى)، ولا بيع الذين ولدتهم أمهاتهم أحراراً، ولا كان الفلاح المسلم يعتقد أن دم النبيل أزرق.
دعنا من الجامع والمسجد ولنتوقف قليلاً عند تسبيح النيهوم بالمصرف والنظام الرأسمالي، وسنكتشف أنه إنما يعبر عن إعجابه وامتنانه لليهود، فهم اذين أهدوا البشرية مفتاح الكنز وهم أصل الحضارة واقرأ معي هذا:
(جلس قادة العبرانيين الهاربين برؤوس أموالهم من مصر (حتى التوراة اعترفت أنهم سرقوها من المصريين، ولكن الكاتب الليبي الثوري يشهد بأنها رؤوس أموالهم! حقهم هربوا من الطغيان أو النهب المصري لكي يكتبوا النسخة الأولى من دستور الدولة الرأسمالية الحديثة، ويؤسسوا أول جمهورية ديموقراطية في التاريخ).
(دولة على رأسها نبي ويديرها كهنة وبموجب لوح عليه وصايا من السماء تكون ديموقراطية وجمهورية لمجرد أنها يهودية الدين؟! أما الاسلام فمحرم ورجعي طوال عمره). فهو يقول:
(إن أربعة عشر قرناً من الاسلام لم تنتج في واقع العرب سوى حكومة اسلامية واحدة).
أما دولة اليهود التي قامت على الذبح والتذابح، فقد وضعت أول دستور ديموقراطي وأول جمهورية، بل الدستور الأم الذي بقي إلى اليوم. فهو يتابع:
(وهو دستور سوف يستعيره اللورد كرومويل، عندما يفتتح عصر الجمهوريات الأوروبية، ضامناً لليهود جميع حقوق التأليف).
ولا مناحيم يبغن في جهله وصلفه قال ذلك، أو يمكن أن يدعي أن اليهود هم أصل الحضارة! هذه طبعة جديدة شديدة الادعاء للتوراة، وتقرب كاتبها من جائزة نوبل، لولا خلوها من أي أساس أو حياء علمي!
مدونة محمد جلال كشك من شبكة تدوين
تدوين و تدوين نت من انتاج مشروعات عربية
من تدوين نت أيضاً اقرأ عن
آيفون / كيف تعمل الأشياء / الصلاة / اللغة العربية / أمتون - رسوم كتب الأطفال / الغزالي / اقرأ - كتب و كتاب و قراءة و مكتبات / القانون
الأقباط في الدولة الإسلامية
هذه فقرة من كتاب الأستاذ جلال كشك ( ألا في الفتنة سقطوا ) الصادر في يناير 1992 ، لمناقشة جذور وتاريخ الفتنة الطائفية وتحليل أسبابها ، ووضع الحل لاقتلاعها من تربة الوطن ، وفي هذه الفقرة تطرق الأستاذ كشك إلى وضع الأقباط وموقعهم من المناصب المختلفة في الدولة الإسلامية :
—————–
مع التسليم بأن الفتنه هي من صنع وتغذيه القوي الاجنبيه ،ومع التسليم بأن هذه القوي قد خلقت اوضاعا واقامت مؤسسات وعلاقات تقوم علي الفتنه وتعيش منها الا انه من المتفق عليه ان القوي الخارجيه لا يمكن ان تتحرك في فراغ وانها تستخدم اوضاعا معينه ،وتحرك قوي لابد ان يفضي تحركها الي صدام ،وتثير قضايا ربما لم يكن احد لينتبه اليها لو لم تثيرها قوي الفتنه ..لذلك يجب اتخاذ خطوات تسد الطريق علي قوي الفتنه هذه،وعلي الاقل تعزل العناصر المخلصه عن تاثيرها وتضليلها _وقد أوضحنا ان الزعيم بوجود اغلبيه تمارس السياده والتسلط والاضطهاد علي اقليه مسالمه هي صورة تضليليه لا وجود لها ..الوضع الان هو اغلبيه مظلومه في رزقها مضطهده في دينها ،تواجه تهديدا بالاذلال والاباده ،وتعيش في ظل تحرش دائم لكل قيمها وطموحاتها المشروعه _واقليه جماهيرهامقتنعه بانها مظلومه مسلوبه الحقوق ،تقودهاوتسيطر عليها تنظيمات مخلصها متضخم الاحساس بالذات،مسرف في طموحه ،يعتقد ان لحظه تصفيهالحساب قد حانت ،غير منشغل ابدا بحمايه الطايفه كما يقولون بل بأهداف تتراوح ما بين إلغاء الطابع الاسلامي للدوله وبين حلم جنوني بإلغاء الاسلام كله ،وهناك بالطبع جماعات اسلاميه مخبوله تجمع بين الجهل وضيق الافق وسوءالخلق تظن ان العدو هو الاقباط غالبيتها ليست أكثر من دمية تحركها قوي الشر العالميةوالصهيونية..وفي مواجهة ذلك نطرح اولا تصورنا للوضع وللقضايا المطروحة كما ورد في كتابنا عن الأقليات الصادر منذ عشر سنوات تقريبا ثم نطرح مشروعا لمواجهة الفتنة..ونبدأ بما عرضناه منذ سنوات فنقول :الاسلام هو دين الغالبية العظمي من الامة العربية ،والمحرك الاصيل لقوي هذه الامة،وهو القادر وحده علي خلق تيار التحرر والتجدد ،وبذلك يشهد التاريخ المنتصر ،وتجارب الحلول الفاشلة خلال مايقرب من مائتي سنة،اومنذ الغزوةالاوروبية الأخيرة..
الاسلام أوالتشريع الاسلامي هو وحده التراث التشريعي والقانوني والفكري ..أوالحضاري الذي يمكن نسبته للمنطقه ،فهو وحده الأصيل ،غير المستورد ينبع من جذورنا فعلا،ويدخل في صميم تكويننا النفسي ،وما من امة تنهض إلاعن مقوماتها الذاتية.ومهما فتشنا ،وبكل حسن النيه والرغبه الصادقه فليس لنا من تراث فكري أو قانوني أو هيكل حضاري أو ممارسات في الحكم والتشريع إلاالتجربة الاسلامية ،ومن ثم فإن التنكر لها _كما قلنا _يعني إلاصرارعلي العبوديه الفكرية والروحية ،للحضارات الاخري المعادية ،والتي لا يمكن التفاعل معها علي قدم المساواة ،بل لابد من الفناء فيها .فالاسلام هو الذاتية العربية أو المصرية.
الحركات المسيحية الوطنية ورجال الكنائس العربية ، وفي مقدمتهم كنيستنا المصرية ،نظروا دائما للإسلام هذه النظرة .فالمسيحية من ناحية ، لم تطرح فكرا يتعلق بتنظيم الدولة أوالحكم ،بل تجنبت ذلك بوضوح تام واصرار شديد منذ قولة المسيح الاكثر من مشهورة :"اعطوا مالقيصر لقيصر"أي ان الحكم هو من شأن رجال الدولة ،وليس لرجال الدين المسيحيين فيه من حق ،ولا للمسيحية فية برنامج محدد ،"لأن من ينهاهم عن محبة العالم،وما فية لا يقرر لهم معاملاتة"ولأن المسيح رفض حتي أن يقسم للرجل ميراثه مع أخية.وقامت العلاقه بين الكنيسة والسلطة عي هذا المبدأ الذي قرره الأنبا اثتاسيوس "ليس لرجال الدين أن يمارسوا حكما ارضيا،ولا للامبراطور ان يقوم بعمل كنسي"فهذا من ناحية المبدأ،اما من ناحية الممارسة ،فلم تقم ابدا سلطة مسيحية وطنية في العالم العربي ،لأن كنائسنا بدأت منشقة عن سلطة روما _بيزنطة ،محاربة من هذه السلطة، ولم تأمن علي دينها إلافي ظل السلطة الإسلامية بعد الفتح التعريبي ..ولذا فليس لها أي تراث سلطوي.ومن ثم _كما قلنا_ليس امامنا جميعا في الوطن العربي ،مسلمين ومسيحيين ،الا أحد حلين في اقامة الدولة العصرية المطلوبة :اما الاعتماد علي تراثنا ،استقراءه وتطويره..أو استيراد نمودج اجنبي وتحويل بلادنا وشعوبنا الي حقل تجارب ،وحيوانات مختبر بلا هوية ولا ذاتية.
- المسيحي العربي قبل ان يحكم بتشريعات لاتنتسب للمسيحية ، سواء لأن المسيحية لا تقدم تشريعات للحكم او لأن القوانين الغربية الحديثة لا تهتم بإعلان نسبتها إلى الدين ، بل بعض هذه القوانين استورد من دول تنكر الدين وتجهر باستبعاده . ومن ثم فلا معنى لرفض المسيحي العربي تشريعا صالحا لمجرد أن صدر عن الفكر الإسلامي .
- النزاعات الطائفية في أوساط الأقليات ، والتي ظهرت بشكل سافر في الأيام الأخيرة ( هذا الكتاب صادر في عام 1992 .. إلهامي ) ترجع بالدرجة الأولى إلى النشاطات الخارجية التي تستهدف ضرب الحركة الوطنية وتمزيق الوحدة الجماهيرية ، وهو دور مفهوم وقديم ويتم الآن لحساب الهيمنة الإسرائيلية ، وعملت على نجاحة الأجهزة العالمية في الدول المؤيدة لإسرائسل ن والمتخوفة من احتمال انبعاث الوطنية العربية ، ويمكن استقصاء الجذور الفكرية ، بل حتى البرنامج العملي لتحركات طائفية في مؤلفات ونشرات صدرت في الخارج على يد مؤلفين أجانب اتصالاتهم بأجهزة المخابرات تنبه لها عدد من العلمانيين ، من المسلمين والمسيحيين ، بل وبعض المتدينين من المسيحيين فثاروا لوطنيتهم ، وحذروا مواطنيهم مما يدبر لهم ( انظر كتابات الأب متى المسكين والأب غريغوري حداد ، والدراسة الموسوعية الممتازة لطارق البشري ( يقصد كتاب : الأقباط والمسلمون في إطار الجماعة الوطنية .. إلهامي ) ، وكتابات المؤرخ والمفكر القبطي البارز وليم سليمان ( قلادة ) الذي يكشف بالوثائق ، الأصابع الأجنبية ، والمعادية لاستقلالية الكنائس العربية الوطنية ودورها في أحداث ومحدثات الفتن .. وانظر أيضا النشاط البروفيسورة إيفون حداد ) .
إلا أن هذه الأصابع الأجنبية لا تتحرك في فراغ ، والفتنة تحتاج لمتعصب في كلا الجانبين ، والشارع افسلامي لا يخلو من تأثيرات شريرة ، ولكن أهم من ذلك كله – في اعتقادي – أن التيار الإسلامي قد وقف جامدا لم يحاول أن يطرح برنامجا قوميا يكسب إليه الجماهير والقيادات المسيحية الوطنية . وقد أدت العزلة الفكرية إلى عزلة تنظيمية ، وجفوة .. فاحتكاكات ..
وقد آن الأوان لطرح هذا البرنامج الإسلامي – القومي ، ولعل هذا الحديث وما قد يثيره من مناقشات يشكل مساهمة في خلق المناخ الفكري الملائم لظهور هذا البرنامج .
* لم تعد هناك قضية ذميين أو أهل ذمة ، فتلك قضية تاريخية مصاحبة للفتح ، وللدولة التي قامت على أساس الفتح الإسلامي ، ولا وجود لها اليوم . فكل الأوطان العربية يسكنها مواطنون شركاء في الوطن والتاريخ والحقوق والواجبات .
* لا مجال للحديث عن الجزية ، فهي قد شرعت من نص الآية ، على المحاربين الذين ينهزمون ويرفضون الدخول في الإسلام . ونحن لا نحارب مواطنينا المسيحيين ولا نعرض عليهم لا الإسلام ولا السيف .
*ولهم مالنا وعليهم ماعلينا هي الأساس الدستوري الإسلامي في كفالة المساواة الدائمة ، ولا يجوز لأحد أن ينقح الحكم الشرعي فيجعله "لهم بعض مالنا ، وعليهم بعض ماعلينا" ، أما عن الممارسات التاريخية ، فيجب النظر إليها من واقع الظروف التاريخية لدولة ظهرت في ظروف شديدة الخصوصية وامتدت من خلال الصراع المسلح مع دولة مسيحية ظلت تشكل الخطر الدائم عليها أو المواجه الرئيسي . كما يجب الأخذ في الاعتبار الظروف التي نشأت فيها الدولة الإسلامية ، وممارسات الشورى الأولى . فالمدينة لم يكن بها أقلية مسيحية يعتد بها أو تمثل جزءا أساسيا من مواطنيها . واليهود كان لهم وضعهم الخاص فهم إلى النصف الثاني من القرن التاسع عشر ، كانوا يرفضون الاندماج في المجتمعات التي يعيشون فيها ، ويعتبرون هذا الاندماج مؤامرة على جنسهم ، حتى لو سمح لهم بالاحتفاظ بدينهم . فهم يعزلون أنفسهم ويشكلون كيانا منفصلا . والثابت أن رسول الله – صلي الله عليه وسلم – حاول الدخول معهم في تنظيمات إدارية تستند إلى الاعتراف " بحقوق لهم " ولكن نتيجة موقفهم ، وحرصهم على التميز ، اتخت هذه التنظيمات شكل العلاقات الدولية بين كيانين . حتى وصفت بالمعاهدة . وإن كانت قد أكدت أن العلاقة الطبيعية التي يبدأ بها الإسلام هي التعايش لا المحاربة . إلا أن هذه العلاقة لم تتطور إلى المواطنة ، أو المشاركة ، بل جاءت الحرب فصفت الوجود اليهودي نهائيا . فهم لم يعتبروا مواطنين أبدا ولا حتى أهل ذمة ، ولا هم اعتبروا أنفسهم مواطنين أو جزءا من الكيان العربي .. أما عمر – رضي الله عنه – فقد أجلي اليهود والمسيحيين من جزيرة العرب ، لضرورات الأمن خلال أكبر حرب خاضتها جزيرة العرب أو حتى عرفتها المنطقة ، حرب غيرت وجه المنطقة إلى الأبد . وفي الأربعينات من القرن العشرين اعتقلت الولايات المتحدة جميع مواطنيها من أصل ياباني وهي تحارب اليابان التي يفصلها عنها المحيط الهادي كله .. وهي تمتلك قنبلة ذرية .. وعمر – رضي الله عنه – كان يكره حتى السماح بوجود العبيد الفرس ، المأسورين في الحرب مع فارس ويستشعر الخطر منهم على أمن العاصمة لولا فتاوى ابن عباس والعباس ، وقد تحققت مخاوفه – رضي الله عنه – بأفدح ثمن .. مصرعه بأبي وأمي ..
في زمن كان الدين هو الولاء ، ولم تكن القوميات ولا مفهوم الوطنية قد ظهر ، أكان عمر يترك اليهود والنصارى في جزيرة العرب وكل شبابها القادر على حمل السلاح في قلب فارس وجبال الشام ؟ ولا أدل على أنه ليس موقفا طائفيا هو سلوك عمر وسلوك الفاتحين المسلمين مع المسيحيين واليهود في الشام ومصر .
المهم لم يكن في جزيرة العرب ، وبالأحرى في المدينة ، غير المسلمين حتى نستدل من عدم اشتراكهم في الشورى في ذلك الوقت على عدم جواز اشتراكهم فيها للأبد .. أو سقوط حقهم في تولي مناصب الدولة .. ثم لا يجوز أن نغفل التصور الخاص والمنطقي في ذلك العصر لفكرة السلطة ، وقد رفض المسلمون أن تكون الإمامة في الأنصار بحجة واحدة حاسمة هي أن "العرب لا تطيع إلا هذا الحي من قريش" . ورغم وضوح التفسير ، وأنه لا يعتمد على نص أو فقه يحرم الخلافة على غير قريش ، وأنه ضرورة سياسية تلجأ إليها الدولة ، أو النخبة الواعية القائدة ، إلا أن بعض الذين يرون في جميع الاجتهادات نصا دينيا ، ويعتقدون أن النص يجمد التاريخ وليس يفسره ويحركه للأمام ، هؤلاء مازالوا يتحدثون في القرن الخامس عشر عن إعادة الخلافة إلى قريش .. مع أننا قلنا لهم أنه لو صح حديث "الخلافة في قريش ما أقاموا الدين" ( الحديث صحيح وراه البخاري ومسلم وكثير من أصحاب السنن والمسانيد .. إلهامي ) فهو من أحاديث النبوءات وليس التشريع كقوله صلوات الله عليه : "لتتبعن حذو من سبقكم حتى إذا دخلوا حجر ضب … " أو قوله : "ثم يصبح ملكا عضوضا" فيكون الذين أقاموا الملك العضوض – بهذا المفهوم – هم الذين أقاموا السنة .. وأطاعوا الرسول !!
وعمر رضي الله عنه عندما عين مجلس الشورى للخلافة ، لم يجد إلا ستة يستحقون هذا الأمر ، وكما بينا خطأ الاستدلال بهذه الأحداث على حرمان المسلمين من خارج قريش من حقوق أهل الحل والعقد ، كذلك لا يجوز الاستدلال بها أو غيرها في معاملة الأقليات اليوم . فهذه ظروف تاريخية اجتهد فيها أئمتنا ، فأحسنوا الاجتهاد ولا يجوز كما علمنا عمر رضي الله عنه أن نجعل اجتهاد البشر قيدا على حركة التاريخ .. وعلى إمكانات الدين الصالح لكل زمان ومكان . فمن طبيعة الزمان التغير وطبيعة المكان الاختلاف . ومن ثم فباب الاجتهاد مفتوح إلى يوم القيامة لمواجهة هذه المتغيرات .
لم يعرف التاريخ الإسلامي مجلسا تشريعيا بالمفهوم المعاصر ، حتى يمكن أن نستشهد به على تمثيل الأقليات ، ولا جرت انتخابات بالمعنى المفهوم . كانت البيعة تتم في نطاق معين ، فمهما قيل عن عدد الذين اشتركوا في اجتماع السقيفة .. فلا يمكن القول أن بيعة أبي بكر قامت بانتخاب المسلمين في جميع أنحاء الجزيرة العربية كما يفهم من انتخابات اليوم .. والذين كانوا خارج السقيفة مباشرة لم يعرفوا النبأ إلا بعد أن تمت البيعة . وإنما يجوز القول أن الحزب الحاكم أو أهل الحل والعقد رشحوا أبا بكر في السقيفة واتسفتي الأمة عليه في البيعة العامة بالمسجد وكان الحق مكفولا لأي مسلم في الاعتراض بالطبع .
وجيوش المسلمين في الشام وفارس لم تعرف "بانتخاب" عمر إلا عندما وصل النبأ بالبريد ، وكان قد تولى السلطة فعلا ، وجاء نبأ ولايته مع قراره بعزل قائد الجيش الذي لم يشترك في انتخابه .. وإن كانت وقائع العصر لا تشير إلى أنه – أي قائد الجيش – قد رأى أن من حقه معارضة ما اتفق عليه المسلمون في المدينة . وقد أشرنا إلى حصر عمر حق الترشيح والانتخاب في ستة .. فهل يجوز أن نستشهد بذلك على أن المسيحيين ليس لهم حق الانتخاب ؟
إذا كان عمر بن الخطاب لم يجد "عمرو بن العاص" فاتح مصر أهلا لا للترشيح ولا حتى للانتخاب ، ونفس الشئ عن معاوية حاكم الشام وأمير المؤمنين فيما بعد.. فهل كنا نتوقع أن يعين عمر في مجلس الشورى قبطيا مصريا أو مسيحيا شاميا ؟ .. وهل نجوز أن نستدل بأنه لم يفعل على عدم جواز تولي المسيحيين اليوم عضوية تشكيلات الحل والعقد ؟!
( تعليق : العبارة هنا ليست بمعناها الحرفي فلا يتصور أن عمر لم يرى أن عمرو أو معاوية أهلا حتى للانتخاب .. ولكن ما حدث في السياق التاريخي هو أن معاوية وكذلك عمرو لم يترشحا ولم تسمح ظروف حكمهما للشام ومصر لكي يكونوا فيمن ينتخبون الخليفة الذي شارك في انتخابه كل من بالمدينة .. وإنما اراد الأستاذ كشك أن يقول : إن عدم وجود عمرو أو معاوية في الستة المرشحين وعدم تمكنهما من الانتخاب لا يمكن أن يففهم منه أنهما لا حق لهما في الترشح أو الانتخاب ، وإنما هذا هو الظرف التاريخي الذي لا يجب أن يقيد الاجتهاد الآن بعد 15 قرنا … إلهامي )
حسب هذا السلف الصالح ، أنهم أقروا مبدأ البيعة ، أي جعل الشرعية لا تكتمل إلا بموافقة الأمة . فالحكم لا يغتصب ولا يورث بالدم الأزرق . ولا ينتزعه قائد منتصر . وإنما القيادة السياسية ترشح وتختار ثم تعرض الأمر على الأمة ، أو على الجماهير معترفة بحقها في الرفض أو حتى الخلع ، وكله حدث .. فقد قتلت الجماهير أحد الخلفاء ( يقصد استشهاد عثمان ) ورفضت الجماهير وبعض أهل الحل والعقد خليفة آخر ( يقصد عليا ) .. ورفض الحسين خلافة يزيد .. إلخ ورأى الرافضون أن من حقهم بل وواجبهم الإسلامي مقاتلة الخليفة أو الأمير المرفوض حتى يخلعوه .
( تعليق ، وليعذرني القارئ لكثرة تدخلي وإنما أخشى أن يفهم كلام الأستاذ كشك على غير مقصده خصوصا وأن الرجل ليس مشتهرا بين الناس : لم يقصد كذلك في الفقرة السابقة أنه يرضى عن ثورة الجماهير على عثمان أو محاربة طائفة من المسلمين لعلي .. بل المقصود هو بيان أن هؤلاء الثوار رأوا أن من حق الأمة محاسبة الخليفة والثورة عليه وخلعه وهذا انطلاقا من المفاهيم الإسلامية التي تؤكد حق الأمة في المحاسبة والمراجعة وحتى الثورة وخلع الخليفة .. وهذه هي القفزة التاريخية الكبرى في مجال الحكم والسياسة والتي حققها الإسلام ، إذ ظل العالم محكوما بمن يرى أنه ممثل الله في الأرض حتى مائتي سنة فقط .. إلهامي ) .
كل شروط الديمقراطية ، كل مبادئ الشورى بمعنى الرأي الجماعي ، لا الاستئناس برأي البعض ! كل صيغ الرقابة من الأمة على السلطة ن كل الأدلة التي تؤكد أن الأمة هي مصدر السلطات ، طرحت وتأكدت بممارسة هؤلاء الئمة ، في الصيغ المناسبة لظروفهم وبيئتهم ، وبقي علينا أن نبني على هذه الأسس الصيغ الديمقراطية التي تناسب عصرنا ، فليس من الضروري أبدا أن يكون رئيس الدولة هو الإمام وأن ينتخب مدى الحياة .
نحن نرى أن منصب رئيس الدولة ليس محدد الصيغة في الإسلام ، فقد بويع للخلفاء ومدى الحياة ، ثم جاء الملك الوراثي ، مع استمرار البيعة وهو أيضا مدى الحياة بالطبع ، وإن كنا شخصيا نؤمن بالنظام الملكي ، ونعتقد أنه هو الأفضل للبلاد العربية والإسلامية عموما وأنه يحل مشكلة رئاسة الدولة ، وقضية الحق " النظري" للأقليات في التطلع إليها . لأنه في الدول الملكية تتقبل الشعوب حصر رئاسة الدولة في عائلة هي عادة من دين ومذهب أو حتى جنس ولون الأغلبية ، وهذا يفسر تشبث الإنجليز بالملكية ، لأنها تبعد عن رئاسة الدولة ، الكاثوليكي واليهودي .. وانظر للمشاكل التي بدأت تظهر في أمريكا أو الوحدة الوطنية في بعض البلاد العربية ، وما يمكن أن يحدث لو أصبحت جمهورية .. إلخ . إلا أننا نقول إنه في النظام الجمهوري ، ورغم تأكدنا بأن الأغلبية ستختار رئيس الجمهورية من بينها ، فإننا لا نرى مانعا "نظريا" من قبول حق أي مواطن في ترشيح نفسه فضلا عن أن يصوت في انتخابات الرئاسة .. مادام الرئيس يقسم على احترام "الدستور الإسلامي " ويتعهد بحمايته وتنفيذه ..
أما ما يثار من دفوع شكلية ، مثل أن الرئيس في الدولة الإسلامية هو قائد الجيش ، أو الإمام الذي يؤدي الصلاة الجامعة ، فتلك قضايا تاريخية ونظرية ، لم تقع إلا في عصر الرسول ، عندما كان الإسلام في المدينة ن والمسلمون يمكن جمعهم في مسجد واحد .. ولكن لا سيدنا أبو بكر ولا سيدنا عمر ولا سيدنا عثمان قادوا الجيوش التي فتحت نصف العالم . والجيش الذي أدخل مصر في الإسلام لم يسعده الحظ بأمير المؤمنين إماما للصلاة طوال جهاده ومرابطته ، ولا أظن أنه يدور ببال أحد أن رئيس الدولة الإسلامية سيصلي بكل رعيته .
لقد أصبح لكل مسجد إمامه ، والخليفة العثماني استمر يحكم ويصلي به الإمام لعدة قرون . وقد انقسم الأمر إلى فقهاء وأمراء منذ أيام عمر بن الخطاب ، الذي كان يقول : قضية ولا أبا الحسن لها .. وهلك عمر لولا عليّ ، في قضايا الفقه ، ولكنه لم يجد عليا أحق بالحكم منه لأنه أفقه . وما من دليل يثبت أن أمير المؤمنين يجب أن يكون أفقه أهل عصره ، ولا حتى أكثرهم تدينا .. يمكن أن يوجد فقيه أو شيخا للأزهر يصلي بأهل العاصمة ، إذا تصورنا مسجدا يضم هذه الملايين .
أما أهل الحل والعقد فهم في الدولة الحديثة فصلا ، القيادات السياسية والمؤسسات الدستورية ن لأننا لا نرى أي مبرر لمنع غير المسلمين من عضويتها وانتخاب أعضائها ، فقد قرر ابن خلدون أن " أهل الحل والعقد " هم الذين يطيعهم السواد الأعظم من الناس ، ويقبلون قرارتهم . أو يحملهم " أهل الحل والعقد " بما لهم من قوة ونفوذ على الطاعة ، أي القوة التي تضمن وحدة الأمة ، وتمنع انقسامها ، أو " الفتنة " بالمصطلح الإسلامي . وقد رأينا أنه لما فقد أهل الحل والعقد في المدينة ، السيطرة على العامة ، انتقلت الشرعية أو السلطة للبيت الذي تعود حكم العرب والسيادة قبل ظهور الإسلام . وانتقل مركز القيادة النهائية من الحجاز ، ولم يعد إليه أبدا ، ولما تبددت قوة العرب سقط الالتزام بأن تكون الخلافة في قريش ، وأفتى الفقهاء بأنها "لمن غلب" ، وظهر أئمة من كل جنس ولون .. وبالتالي فأهل الحل والعقد هم الذين يحققون المصلحة العامة : وحدة الأمة وسلامة الوطن .. أي هم القيادة السياسية لهذه الأمة ، الذي تكفل لها حرية وأمن ممارسة عقيدتها ، وليس من الضروري أن تكون قيادتها الدينية ، فابن عباس وابن عمر كانا يفتيان في المدينة ، " وابن هند " ( يقصد : معاوية بن أبي سفيان .. إلهامي ) يحكم في دمشق ، ويوفر لهم الأمن من الخطر الفارسي والرومي .. والفتنة الداخلية .
وكما قلنا من قبل ، لا يمكن قبول حزب سياسي في الساحة يسعى للسلطة ، حتى ولو كان تحت شعار "بناء الدولة الإسلامية " إلا إذا ضم بين صفوفه نسبة من المواطنين غير المسلمين المؤمنين ببرنامجه السياسي ، وإن رفضوه من الناحية الدينية بمعنى أنهم يوافقون على أن هذا البرنامج هو الصيغة الوطنية والحضارية الملبية لتطلعات الشعب ، والحل الأمثل لمشاكله الداخلية والخارجية ، ولكنه ليس من عند الله .
فإن شاء "لجوج" مزعج أن يطرح فرضية انتخاب الأغلبية المسلمة لحزب أغلبيته من المسيحيين ، ورئيسه مسيحي لإقامة دولة الإسلام ! فردنا : أنهم أحرار فيما اختاروا لأنفسهم ليس لنا عليهم من سلطان ، وليس لهم أن يحتجوا إذا ما أصبح " أمير المؤمنين " من أهل الذمة ( سابقا ) فكيفما تكونوا يولى عليكم ! نحن لا نعتقد أنه من الناحية العملية سينتخب غير مسلم لمنصب رئيس الدولة ، أو حتى رئيس الوزراء حيث تصل نسبة المسلمين إلى 90% ( في الوطن العربي ) ومن ثم فالجدل حول هذا الموضوع ينبع من الرغبة في الشقاق وليس في الاتفاق .
ونحن نعتبر النظام الإسلامي ، هو الذي يأخذ بالديمقراطية وبأوسع وأصدق الأشكال في تمثيل إرادة الشعب ، ولا نقبل التحايل حول هذا المبدأ تحت شعارات من طراز " نسيج وحده " و " لا شرقية ولا غربية " أو الطعن بفساد النظم الديمقراطية الغربية .. إلخ . ونحن نعرف أن هذه النظم ناقصة ، وهي لابد أن تكون ، ونعرف أن الإسلام نسيج وحده ، لأنه يستطيع تغطية احتياجات كل عصر ، وفي عصرنا الحاضر فإن الثوب الشرعي الذي نريده من النسيج الخاص هو الديمقراطية ، ولا بد أن نطرح ذلك بوضوح وبالتحديد .
—————
من كتاب : ألا في الفتنة سقطوا / ط1 يناير 1992 ، رجب 1412 / مطتبة التراث الإسلامي / القاهرة / ص : 402 إلى 411
مدونة محمد جلال كشك من شبكة تدوين
تدوين و تدوين نت من انتاج مشروعات عربية
من تدوين نت أيضاً اقرأ عن
آيفون / كيف تعمل الأشياء / الصلاة / اللغة العربية / أمتون - رسوم كتب الأطفال / الغزالي / اقرأ - كتب و كتاب و قراءة و مكتبات / القانون
محمد جلال كشك's Blog
- محمد جلال كشك's profile
- 949 followers
