ما هي بالضبط اللحظة التي تحـول أثناءهـا مـن إنسـان سـوي تمامًا، وعادي، يأمن له الناس، ويبادلونه تلك المشاعر العادية بين الإنسان والإنسان- إلى كائن يبادله الآخرون مشاعر غريبة، مشاعر لا تكون إلا بين الإنسان والوحش؟
والمشاعر العاديـة ليست دائمًا "حبًا"، إنهـا قـد تـكـون كراهيـة، أو حقدًا، أو لا مبالاة؛ لكنهـا تظـل في إطـار العـلاق بين الإنسان والإنسـان، بمعنى أن طرفيهـا يتبادلان علاقات "بشرية" بين اثنين ينتميان لنفـس النـوع، لكـن الخُـط خـلـق بينـه وبين الآخريـن نوعًا غريبًا مـن العلاقـة، طرفاهـا: التجبر گـوحـش مـن ناحيته، والخـوف الغريـب مـن ناحيـة النـاس، وهكـذا تعامـل الناس مـعـه كمـا لـو كانـوا يتعاملون مع "كائن"، لا ينتمي لدنيا البشر، يخافونه أبلغ الـوان الخـوف، ويرهبون مجـرد ذكـر اسـمه، ويتعاملـون مـعـه كظاهـرة مرعبة مـن ظواهر الطبيعـة؛ لا يستطيعون لها صدًا، ولا يقدرون على مواجهتها.
كاتب وصحفى ومؤرخ ولد فى 4 اكتوبر عام 1939 فى قرية " بشلا " بمحافظة الدقهلية حصل على بكالوريوس فى الخدمة الاجتماعية عام 1961 ورأس لمدة خمس سنوات عددا من الوحدات الاجتماعية بالريف المصرى بدأ حياته كاتبا للقصة القصيرة ثم اتجه عام 1962 للكتابة فى التاريخ والفكر السياسى والاجتماعى تفرغ للعمل بالصحافة منذ عام 1972 فى جريدة الجمهورية أسس وشارك فى تأسيس وإدارة تحرير عدد من الصحف والمجلات منها الكتاب والثقافة الوطنية والهالى واليسار والصحفيون ويرأس الان تحرير جريدة القاهرة واعتقل لأول مرة بسبب آرائه السياسىة عام 1966 وتكرر اعتقاله او القبض عليه أو التحقيق معه أو محاكمته فى سنوات 1968 و 1972 و 1975 و1977و1979و1981 وفصل من عمله الصحفى المصرية والعربية أصدر أول كتبة الثورة العرابية عام 1979 وصدر له 20 كتابا فى التاريخ والفكر السياسى والاجتماعى والأدب منها تباريج جريج ومثقفون وعسكر ودستور فى صندوق القمامة ورجال ريا وسكينة
لو عاوز تقرأ حدوتة مشوقة كأنك بتتفرج علي فيلم يبقي الكتاب دة أكيد حيعجبك.. أما لو إنت مش من هواة الحواديت فكن متأكداً إنك حتلاقي في الكتاب حاجات أهم وأعمق بكتير من مجرد حدوتة وبرضو أكيد حيعجبك:)
أفيون وبنادق كتاب يؤرخ فيه صلاح عيسي قصة حياة محمد محمود منصور الشهير بخُط الصعيد ، صياد السمك الفقير الذي تحول إلي مجرم وسفاح و كان مجرد ذكر إسمه يرعب مش بس المواطن العادي ولكن يرعب أيضاً رؤساء الوزراء و وزراء الداخلية حتي الملك فاروق نفسه كان يهتم به ويتابع أخباره بشغف...
الكتاب بيتكلم عن الأسباب السياسية التي أدت لظهور الخط وأولاد الليل بصفة عامة وكيفية إحترافهم الإجرام مع إنتشار السلاح في مصر بعد هزيمة الألمان في معركة العلمين حيث كان يباع المسدس ب ٣٠ قرش والطلقات النارية تباع بالكوم! الكتاب بيوضح كيف أصبح أولاد الليل ظاهرة و أصبح لهم من القوة لدرجة إنهم كانوا يفرضون الإتاوات و يحكمون الصعيد برغم أنف الحكومة المصرية وكانت كلمتهم تُحترَم من المواطن أكتر من كلام الحكومة نفسها!
"أثبت أبناء الليل أنهم مرض متوطن أصاب قلب النظام.."
الكتاب مش بس بيتكلم عن الخُط و محاولات البوليس العديدة للإيقاع به إلي أن تم القبض عليه وقتله في النهاية.. ولكن الكتاب أهم وأعمق من كدة بكتير.. من خلال حكاية الخط إستطاع صلاح عيسي أن يلقي الضوء علي شكل البلد في هذه الفترة بما فيها من جوع وفقر ..ضعف الحكومات..إنعدام الثقة في البوليس والكتاب فعلاً كما هو مكتوب في العنوان يعتبر سيرة سياسية وإجتماعية للبلد ككل مش بس لحياة الخط..
إسلوب السرد ممتع و مشوق جداً..وحتحس إنك بتقرأ رواية حلوة وفي نفس الوقت كتاب تاريخي..وإستطاع الكاتب أن يمزج بينهم بسلاسة وذكاء في نفس الوقت.. الكتاب يحتوي علي العديد من الصور من مجلات وجرائد مصرية أضفت جمال علي الكتاب و مصداقية أيضاً...
الصراحة أنا مكسوفة أقول إنها أول قراءة لصلاح عيسي! ومضايقة إني أتأخرت كدة في القراءة له.. قلم رائع وكاتب مبدع مينفعش غير إننا نرفع له القبعة ونقوله أسفين يا أستاذ علي التأخير وأكيد حنكون أصدقاء مقربين في الفترة القادمة😍
قد تكون تجربتي الأولى الشخصية مع صلاح عيسى، لكني سمعت الكثير من الحكايات عنه من شخص عزيز عليّ، جعلني أتوق إلى قراءة أعماله منذ فترة طويلة. بناءً على ذلك، بدأت تدريجيًا في تجميع كتبه، لثقتي بأنني سأخوض معه مغامرات وحكايات شيقة. وقد قررت أن أبدأ بـ”أفيون وبنادق” لرغبتي في الغوص في حكاية شعبية اشتهرت منذ طفولتي، ولها ارتباطات شخصية مع جدي وجدتي، رحمهما الله، لأنهما من الصعيد، وعاشا في زمن الأساطير والحكايات التي دارت حول خط الصعيد. تلك الشخصية التي تحول من قاتل إلى بطل شعبي لا تزال سيرته حية حتى يومنا هذا، وتحيط بها العديد من الأساطير. ما أكثر الحكايات والقصص، لكن من أين نجد الحكاء البارع الذي يمتعنا ويجعلنا نعيش تلك الأماكن والأحداث التي وقعت منذ زمن بعيد، وكأنها تحدث اليوم؟ هنا يكمن السؤال! والإجابة ببساطة تكمن في صلاح عيسى. فهو حكاء بارع لم يعالج حكاية “الخُط” كفيلم أكشن يعتمد على مطاردات الشرطة والفخاخ حتى النهاية، مثلما تفعل معظم الأفلام أو الحكايات، بل تعمق في القصة ليجعل منها ليست فقط سيرة “الخُط”، بل أيضًا سيرة بلد كانت تعيش في حالة من التشتت السياسي والاحتلال الخارجي. هذا التشتت أدى إلى موجة من الفقر، والتي بدورها ولدت موجة من العنف، وكان “الخُط” نتاجًا لذلك.
صلاح عيسى سرد سيرة “الخُط” كشخص مسالم ومعدم، وكيف تحول إلى الوحش القاتل الذي أرهب الحكومات. لدرجة أن الشرطة والجيش والمخابرات البريطانية اتحدوا ضده. كما تناول الجانب المظلم الذي أدى إلى ظهور “أولاد الليل” واتحادهم معًا ضد الشرطة، بمساعدة بعض الأهالي في بعض القرى، وكأنها ثورة الفقراء ضد الأعيان والحكومة التي تخلت عنهم وتركتهم بلا حول ولا قوة. وكعادته، لم ينسَ صلاح عيسى الأرشيف، فقد أرفق بالكتاب صورًا وقطعًا من الجرائد المصرية، مما جعل الحكاية أكثر جاذبية وأهمية للقارئ، وحول الكتاب إلى سيرة خالدة لقلم خالد. بدأت حكايتي مع صلاح عيسى من “الخُط”، وأتمنى قريبًا أن أقرأ رائعته “رجال ريا وسكينة”، التي أتشوق لها بشدة.
صراحةً، قبل أن يظهر هذا الكتاب للنور في معرض الكتاب منذ شهورٍ قليلة وما أثاره من ضجة وحفاوة هنا وهناك، كنتُ أعتقد أن خُط الصعيد هو مجرد حكاية شعبية مليئة بالمبالغات تحكيها الجدات على المصاطب في ساعة عصاري، لم أهتم يومًا بالبحث عن سيرته أو القراءة عنه، بل ولم أشاهد الأفلام المقتبسة عن حكايته والتى أتى ذكرها في ثنايا هذا الكتاب؛ تمرّ الشهور والكتاب يداعبني بغلافه الجميل والملفت أينما حللتُ، سواء على الموقع هنا أو في زياراتي المتباعدة للمكتبة، وصولًا لتلك اللحظة حين رأيتُ أحد الشباب جالسًا بجواري يلتهم صفحات هذا الكتاب في المواصلات منذ أيام قليلة وكان يبدو عليه أنه منفصل عن عالمنا تمامًا، نزلتُ من المواصلات يومها واشتريت الكتاب فورًا، لأكتشف كتابًا من أمتع ما قرأت وحكاية من أغرب ما يكون، تكاد تكون خيالية في بعض تفاصيلها من فرط عنف وإجرام ودهاء الخُط أمام ضعف الحكومة والشرطة في تلك الحقبة.
المدهش أكثر أن الحكاية هنا لا تكتفي بالجانب الإجرامي من الخُط فقط، بل يبدع صلاح عيسى في كتابة سيرة ذاتية تفصيلية عن الرجل باهتمام لا يحظى به في عالم الكتابة في الغالب سوى عظماء التاريخ!، ماذا كان يأكل وأين يسكن ومن تزوج، يحكي عن عشيقاته، ماذا يلبس وكيف وأين ينام، عن حبه لمشروب الزبيب، وتدينه المتناقض مع إجرامه!، عن مكانته وسط أبناء الليل وعصابات الصعيد المتعددة، وعن أمه التي تلاعبت بجهاز الشرطة كله في مشاهد أضحكتني من شدة مكرها..
وكأنها رواية لا كتاب توثيقي عن مجرم شهير، رواية مليئة بالشخصيات والصراعات النفسية والعاطفية والصدمات والالتواءات مع قدر لا بأس به من الإثارة والتشويق. كتاب فائق المتعة وجدتُ فيه لذة خاصة ذكرتني بحرافيش نجيب محفوظ، حكاية رغم سوداويتها وقتامتها وما بها من سفك دم وإجرام، إلا أن الطريقة التي كُتبت بها من جمالها ستجعلك تندم على كل هذه السنوات التي مرّت عليك في عالم القراءة ولم تقرأ بعد لصلاح عيسى.
شخصية مثيرة للجدل، كُتِب عنها القليل، ومثل كثير من الشخصيات الجدلية الغامضة نعلم عنها أقل القليل، وانطوى واندثر الكثير عنها بموت تلك الشخصية، ابتعاد العهد والزمن.
كالعادة، استطاع صلاح عيسى رحمة الله عليه، أن يقدم لنا صورة شبه كاملة وفقا للمتاح من أوراق ومعلومات، عن خُط الصعيد، الشخصية صاحبة العيون الزرق التي أرعبت الصعيد، ووصلت شهرته حتى الملك فاروق الذي كان يتابع أخباره.
حاول صلاح أن يقدم لنا بداية أقرب للحقيقة عن حياة الخط "محمد محمود منصور" وبداية إجرامه، مع صورة أخرى للمحيط الاجتماعي والسياسي، مع ظروف البلاد.
وكيف تعاملت الحكومة مع الخط وعصابته، بالإضافة إلى عدد من مجرمي الليل أرعبوا الجميع، وكان الصعيد عبارة عن دولة محتلة على أيدي تلك العصابة.
ومجهودات الملازم أول محمد سعيد هلال وفرقته "فرقة الموت" للإيقاع بالخط وعصابته ومحاولاته المتعددة للإمساك به.
هذا هو الكتاب الثالث لي مع قلم أ/صلاح عيسى ❤️ ومن هنا أقدر أقول بكل وضوح أكثر ما أعجبني في كتاباته وجعلني أقدر هذه الشخصية هو اهتمامه بما يكتبه بصدق شديد وبحثه الدائم عن الحقيقة، بحثه عن سبب ما حدث وما هي الدوافع الكامنة وراء الشر الذي ينتهجه بعض الناس في الحياة؟!
يعني هنا في كتاب "أفيون وبنادق" لن تجد قصة "خُط الصعيد" التي نسمعها في الحواديت منذ الصغر والتي نقلها لها الرأي العام، ولكن ستجد تحليل وتشريح كامل لكيف تحول "محمد محمود منصور" المعروف باسم "خُط الصعيد" من صياد سمك فقير إلى مجرم بهذه القسوة يخافه كل الناس؟!
في كتاب "رجال ريا وسكينة" أيضًا كان هناك وقائع حقيقية وتحليل يوضحان كيف تحول كل من ريا وسكينة ورجالهما من أناس عاديين إلى مجرمين ارتكبوا أبشع الجرائم وقتها؟
يعجبني في أ/ صلاح أيضًا قدرته على الحكي بأسلوب سلس للغاية لا يوجد سرد جاف للحقائق التاريخية والتحليل السياسي والاجتماعي لفترات زمنية - كما يفعل الصحفيين - ولكنه هناك قصة بها كم رهيب من المعلومات يحكيها لك حكاء بالفطرة، وهذا واضح وجلي في جميع ما قرأته له حتى الآن، وهو مما يجعلك تنهي كتاباته بدون أي ملل وبعد الانتهاء تقف لتصفق له بحرارة شديدة وتطلب المزيد من هذا 👏👏😍
لذلك أعتقد أن كتابات أ/ صلاح هتفضل بقوتها طول الوقت لأنها تؤرخ فترات زمنية مهمة، وبتشرح الأسباب المجتمعية والسياسية والأمنية التي أدت لظهور نماذج إجرامية في المجتمع بأسلوب ممتع وسلس 👏👏
رحمة الله على أ/ صلاح عيسى الباحث والمؤرخ والحكاء الجميل..
انجاز صلاح عيسى يكمن في قدرته على (حكي الحدوتة) ، بالرغم من أنه صحفي وطبيعي يخرج كتابه بشكل تقريري أو مقالي أو بحثي إلا إنه لديه موهبة الحكواتي، وهذا ما يجعل مؤلفاته شبيهة بالرواية أكثر منها سرد جاف لحقائق تاريخية. الكتاب هنا ليس سرداً لسيرة ابن الليل الذي تحول بسبب الثأر من صياد سمك لمجرم، لكنه تحليل لظاهرة اسماها الكاتب بالعنف المرتد، وشرح للأسباب المجتمعية والسياسية والأمنية التي أدت لظهور هذه النماذج الاجرامية، سواء الخط أو عواد أو قرصان النيل… طريقة تعامل المجتمع معهم وحمايتهم لأنهم بشكل ما اصبحوا أداة لجلب الحقوق وحماية الأملاك والمستضعفين. جميع هذه النماذج سقطت بعد خيانة اعوانهم لهم وليس بيد الجهاز الأمني ولهذا تحليل آخر في الكتاب. لي تجربة سابقة مع الكاتب في "حكايات من دفتر الوطن" الحقيقة كانت بها تفاصيل مملة بعض الشئ. لكن هنا الموضوع كان لطيف ومفيد وممتع وحاجة آخر عظمة.
ما هي بالضبط اللحظة التي تحوّل أثناءها من إنسان سويّ تماماً، وعادي، يأمن له الناس، ويبادلونه تلك المشاعر العادية بين الإنسان والإنسان- إلى كائن يبادله الآخرون مشاعر غريبة، مشاعر لا تكون إلا بين الإنسان والوحش؟
هناك چين في تركيبنا الشعبي يحبب لنا حكايات "الشُطّار" الخارجين عن القانون، حتى وإن لم يكونوا أبطالًا حقيقيين، فهذا لا يهم.
وذكاء صلاح عيسى هنا أنه ذكر عامل الجذب الأول في العنوان "دوّخ ثلاث حكومات" نحن نعشق هذه الأشياء. ربما لذلك أيضا نحب المحققين، كونهم يتفوقون على الشرطة ويسخرون منها، ويحلّون القضايا على طريقة الألغاز المحببة للنفس.
السُلطة التي تملك القدرة على تبديد أعمارنا بجرة قلم أو هدم حياتنا -شبه المستقرة- فوق رؤوسنا غير الهادئة..
يتحداها الخُط بمنظومة جديدة من الولاء والشجاعة والبطولة والفروسية، ويهربد كل القوانين التي لا نجرؤ على المساس بها لأن أسوار الخوف تحيط بنا كعيدان الذرة.
أضف لهذه التركيبة "نسوان كتير"، عاهرات الليل؛ نديمات خمر لكسر قسوة حياة الجبل، وتخفيف خشونة حياة القتل وبث طمأنينة تكفي للانتصار على غُربة الفرار المستمر.
فتتكون الحكايات التي ننفخ فيها ونعظّمها ويحوّلها افتقادنا للبطولة، إلى أساطير أكبر وأضخم، من أفرادها وإجرامهم الذي لا يتعدى كونه تماديًا في الغباء.
يبهرني صلاح عيسي في تأريخه للشخصيات والكتابة عنها فهو يستعرض حكاية الشخصية في صورة حدوته لا تمل منها أبدا وكما عرفنا منه حياة ريا وسكينة وجرائمهم ودوافعهم فها هنا يتحدث عن شخصية اجراميه أخري وهو محمد منصور واحد من أشهر السفاحين في تاريخ مصر عامة والصعيد خاصة والذي أطلقوا عليه خط الصعيد
ليس هذا الكتاب مجرد رواية لحياة مجرم شهير "خط الصعيد" بل هو فعلا سيرة اجتماعية وسياسية واقتصادية لأحد الجوانب المظلمة في تاريخ مصر في تلك الفترة، مع التركيز على ظاهرة أولاد الليل، وكيف نشأت، وعلاقتها بالسياق السياسي والاقتصادي والاجتماعي وما إلى ذلك. الانطباع الأول الذي راودني عند قراءة هذا الكتاب هو الانطباع ذاته الذي راودني عند قراءة "رجال ريا وسكينة" لصلاح عيسى أيضًا؛ انطباع عن مدى قتامة هذه الفترة. يجب على القارئ أن ينسى تمامًا أفلام الخمسينات والأربعينات التي تصور مصر رائعة نظيفة، قصور وموضة ووو.... كل هذا كان موجودًا فعلا ولكن في نطاق ضيق جدًا جدًا، يخفي خلفه فقر مدقع وعنف رهيب. لدى البعض - ومنهم أنا - فكرة متوهمة لا أعرف مصدرها عن أن الشعب المصري غير عنيف وما إلى ذلك مقارنة بشعوب أخرى... حسنًا اقرأوا هذا الكتاب لتعرفوا ماذا يمكن أن يكون حال بعض المصريين. الكتاب إنجاز في الكتابة التاريخية؟ حيث أنه يقدم قالبًا جديدًا في الكتابة... لا تستطيع أن تعتبره كتابًا تاريخيًا أكاديميًا، ولا تستطيع أن تعتبره كتابًا خفيفًا... هو يقدم شكلا جديدًا في كتابة التاريخ يجمع بين مزايا الكتابة التاريخية الأكاديمية من حيث الدقة ومقارنة الحكايات ببعضها بعض، وبين جمال الحدوتة واستخدام بعض تقنيات الرواية كالفلاش باك وغيرها. يبدأ صلاح عيسى حكايته بمشهد قتل الخط، ثم يبدأ فلاش بك ليحاول تتبع مسار حكاية الخط ومقارنة الحكاات ببعضها بعض ليجيب عن السؤال المروع: كيف صار الخط مجرمًا رهيبًا؟ ما الأسباب التي دعت إلى ذلك. تستدعي الإجابة دراسة ميدانية عن أسباب انتشار السلاح وأسباب الفقر المدقع في الصعيد، والأسباب الاجتماعية التي جعلت الشخصية الصعيدية مختلفة عن غيرها، ثم الطبيعة الجغرافية للمكان ودورها في دعم حركة أولاد الليل، ثم علاقة الأعيان بهم والأحزاب وأخيرًا الشرطة... أفظع ما في الكتاب هو الحديث عن الشرطة... لا توجد جريمة تقريبًا ارتكبها الخط لم ترتكبها الشرطة بشكل ما... دور الشرطة وطبيعة تكوينها في تلك الفترة أمر في غاية الغرابة، إلى حد أن يصل القارئ إلى حكاية مثلا تبحث فيها امرأة عن ثأرها من أحد أولاد الليل، وتجند عصابة كاملة لاقتناصه، ثم تذهب إلى الشرطة وتطلب منها أن ترسل معها فرقة منهم لمساندتها في تصفية هذا المجرم، وتطيع الشرطة فعلا رغبة في التخلص منه. الإبادات والتصفية بدون محاكمات كانت هي الأمر السائد في تعامل الشرطة مع أولاد الليل. يضعنا كذلك صلاح عيسى أمام روايات في غاية القسوة حينما تصير الشرطة نصيرًا للأغنياء دائمًا وتكون شاهدة على جرائم شنيعة ولا تتحرك. الكتاب فعلا رائع ويصعب حصره في مراجعة سريعة.. هو بنفس قوة رجال ريا وسكينة لكنه مكثف ومركز عن رجال ريا وسكينة الذي خرج في حجم عملاق. أخيرًا إخراج الكتاب جميل حيث تم تزويده بصور الصحف وما إلى ذلك، ومن الجيد أيضًا أنه صدر عن دار المحروسة لا الكرمة، لأن أسعار الأولى أقل بكثير من الأسعار الفلكية للثانية.
قالوا علينا ديابة وإحنا يا ناس غلابة يا مغَنّواتي غنّي حكايتنا عالربابة دة لكل ديب حكاية ليها عِبرة وآية لا تشوفها في القراية ولا عرفتها الكتابة
صدَحت في خلفية قراءتي للكتاب تلك الكلمات للراحل الجميل الخال "عبد الرحمن الأبنودي" وبصوت الرائع "علي الحجار" من تتر بداية مسلسل "ذئاب الجبل" الغني عن التعريف، ولكن هنا كان المغنّواتي هو صلاح عيسى، أمسك بالرّبابة بيديه في ليلٍ ساكن وضبَط أوتارها في حين تتعلق به العيون وتنتبه الآذان والأذهان ثم شرَع يحكي ويعزف ويغنّي حكاية أشهر "الديابة" على الإطلاق، أهَم ابن ليل وساكن للجبل المُظلٍم في تاريخ مصر، "خُط الصعيد" أسطورة الإجرام وأيقونة الترويع الذي - كما هو مكتوب على الغلاف - دوّخ وأرهق ثلاث حكومات حتى حانت لحظة النّيْل منه، فهل كان أحد الدّيابة أم واحداً من الغلابة؟
"فالخير والشر - في مفهومهما الصحيح - أسيران للسؤال العلمي الذي يقول: خير مَن؟ لصالِح مَن؟ وشر مَن ضِدّ مَن؟"
((يا مغنواتي غنّي حكايتنا عالربابة))
لم أتخيل الأمر إلا هكذا، فالسلاسة والعذوبة والإمتاع الذي كتب به صلاح عيسى أفيون وبنادق الذي هو عبارة عن سيرة " محمد محمود منصور" أو الخُط كما كان معروفاً لا يمكن أن يكون إلا عزف بمزاجٍ رائق وحرفية شديدة، لم أشعر للحظة أنني أقرأ كتاباً من تصنيف التأريخ أو التوثيق أو السيرة الاجتماعية والسياسية، وإنما حكاية وحدوتة في غاية الجمال والسهولة والمتعة، في طريقة حَكي شاملة وبعدسة واسعة لم تجعل الخُط وحده هو الحدوتة والحكاية وإنما أساس الحدوتة ومحور الحكاية.
((دة لكل ديب حكاية ليها عِبرة وآية))
كيف تحوّل الخُط - الشاب صاحب العيون الزرقاء والشعر الأصفر والملامح الوسيمة الذي عندما وقع أخيراً بيد البوليس كان لا زال ابن عامه الثامن والعشرين فقط! - من صياد طيب وإنسان طبيعي مأمون الجانب سهل العَشيرة إلى وحش يهابه الناس وتهابه الحكومة والشرطة أيضاً على حد سواء؟ ثم إلى شبح؟ كيان مُسربَل بالقسوة والغموض والمكر والدهاء يرتكب كل الجرائم بدم بارد لدرجة شعور البعض بأنهم لا يبحثون عن إنسان طبيعي بصفات البشر وإنما كائن وحشي؟ ما هي نقاط التحول التي جعلت موجة العنف في مصر تزداد وتنشأ معها ظاهرة أبناء الليل أو مطاريد الجبل في عهد المَلكية وما أسباب زيادتها؟ وكيف كان ثمن السلاح أرخص من الطعام؟! من هم أهم الأسماء في هذا الجانب الإجرامي بخلاف الخُط؟ ولماذا كان هو أشهرهم؟ كل ذلك بالإضافة إلى رصد ا��واقع الإجتماعي في الصعيد والواقع السياسي على نطاق أوسع في مصر كلها تجده هنا.
"لأن العنف يتوالد ذاتياً كخلايا السرطان، إنه يتوالد من مظلة الغربة الشديدة، والوحدة القاسية، والوَحشة فوق قمم الجبال، وفي كهوف ومغارات الليل.."
أكثر ما أعجبني هو حيادية وموازنة الطريقة التي كتب بها صلاح عيسى هذه السيرة، فأن تتحدث عن مجرم بل أشهر مجرم في القرن السالف ليس سهلاً على الإطلاق، فأنت هنا على شَعرة من أن تجعله بطلاً يحبه ويتعلق به القارئ، خاصة مع التطرق لحياته وزوجته وأمه وابنه ومع معاناة الصعيد والتهميش والفقر والجهل وخلافه، ولكنه هنا ذكَر كافة المعلومات الواردة بشكل لا أعتقد أنه يهدف سوى للتأريخ فقط، وهو ما جعل المشاعر تجاه الخُط تتباين وتختلف من نقرة لأخرى دون أي تطرّف أو تحيز، مع عدم نسيان كَم الجُرم الذي ارتكبه هذا الرجل بلا جدال، فلا تعاطف بأي شكل فهو اختار طريق الإجرام والفساد بكل إرادته وأذاق الناس والأُسر الويل والعذاب لسنوات وانتهى الأمر، هنا أثبت صلاح عيسى كفاءته كمؤرخ، كما أثبت - وهو الأهم - أنه ليس شرطاً أن تكون روائياً حتى تحكي بهذه البراعة، أو أن يكون العمل رواية ليخرج بتلك المتعة، وبالطبع مع الأرشيف العظيم المُلحق بالكتاب بالصور والأخبار من الجرائد والمجلات التي وثقت هذه المرحلة، والذي أكمل جمال التجربة.
"قالت: إن الحياة إجرامٌ من البداية إلى النهاية، وأن الناس مجرمون، ولكنهم يختلفون في نصيبهم من الكذب باختلاف قدرتهم على إخفاء جرائمهم، وستر إجرامهم"
((لا تشوفها في القراية ولا عرفتها الكتابة))
ولكن أخيراً عُذراً يا خال أبنودي.. فبالرغم من عذوبة كلماتك ولحن وصوت أغنية ذئاب الجبل المذكورة تلك، ولكن بعد أفيون وبنادق - التي هي أولى تجاربي معه - بَرهن صلاح عيسى أنه يمكن معرفة الحكاية التي بها عِبرة وآية بدقة وصِدق القراية والكتابة، وفي نفس الوقت بمتعة وسلاسة المغنواتي الذي يغني على الربابة، وما أجمل ربابتك وألحان حكاياتك يا عم صلاح.
"وتبقى الخيانة - وعلى رأسها خيانة علاقات الصداقة ووشائج الرّحم - هي مصرع الأبطال الحقيقي وهزيمتهم الوحيدة، إنهم لا يفتقدون للشجاعة، وليسوا أضعف من أعدائهم، لكن الخيانة هي مصرَعُهم"
لكل شئ قصة وحكاية من بداية ووسط ونهاية، فيها عبرة و«آية» :))) وهكذا كان هذا الكتاب معي، وقد زادت مكانته غَرابة واختلافاً لديّ بعد قرائته وإعجابي بمحتواه، على أنه ليست كل القصص تسير وتنتهي كما الخطط والطموحات، وهكذا هو.. وهكذا يؤكد أفيون وبنادق، في ظاهره وباطنه.
هما اللي عذبوني.. هما اللي شردوني)) كل ما ألاقي روحي.. عن روحي يغرّبوني أنا في الغربة ساكن والجرح في قلبي ماكِن داقت بيا الأماكن ((حقي ضايع ولكن.. بكرة يرجعلي يابا
مر يومان علىّ و أنا مريضة في سريري .. لا أقوي على الحركة و لا حتى على القراءة .. ضقت ذرعا و ظللت أفكر في شئ لأفعله حتي وجدتها .. سأستمع إلى كتاب صوتي عن المجرم الأشهر في مصر " خُط الصعيد " و بالفعل كان رفيقا مسليا و مخيفا .... يحكي الكتاب عن تحول محمد منصور الصياد الصعيدي الفقير إلى أشهر ابن ليل في مصر و الذي كان اسمه كفيلا ببث الرعب في قلوب الناس و البوليس نفسه .. مخيف جدا كيف يمكن للإنسان أن يصبح وحشا كاسرا بلا رحمة و لا إنسانية .. و مخيف أكثر أن يجد هذا الوحش أتباع و محبين يدافعون عنه و يحبونه .. لا أستطيع أن أجد مبررا لهذا فأميل إلى الظروف الصعبة وحدها .. فهي مجرد عامل من مئات العوامل التى يمكن أن تجعل فردا طبيعيا إلى وحش تسبب في النهب و القتل و السرقة و الخطف بلا أدني رحمة... تلك كانت أولى قرائاتي لصلاح عيسي و يا لها من بداية ♡ فمنذ المقدمة الذكية و الفصل الأول الذي يحكي مقتل الُخط أنا شغوفة لأعرف ما سيحدث و بالفعل و بأسلوب سلس تعرفت على الحكاية كلها و ليست حكاية الخط وحده و لكن حكاية مصر في هذا التوقيت و كل الظروف المحيطة بالقصة .. إلى لقاء آخر مع صلاح عيسي في رجال ريا و سكينة قد يتأخر قليلا حتي أطرد الكوابيس من رأسي
أفسدت عليا حلقة الدحيح تجربة الاستمتاع الكاملة بالكتاب، وليس لخلل أو مشكلة في حلقة الدحيح، بقدر ما هي الصدفة اللي جعلتني أشوفها قبل قراءة الكتاب بس كنت متطلع للقراءة برضو لأني عارف أن هناك من آراء لصلاح عيسى مبعثرة وأحداث تاريخية منثورة في الكتاب متقالتش في الحلقة أكيد، ولم يخب الظن
أغلبنا يعرف إسم "الخط" كرمز للإجرام، ولكن من هو؟ وماحكايته؟ وفي أي عصر كانت قصته؟ كل هذه الأسئلة وأكثر يجيب عنها صلاح عيسى على صفحات هذا الكتاب، ليسرد لنا تاريخ محمد محمود منصور الذي عرفه الناس والتاريخ بخط الصعيد، وكما فعل في كتاب 'رجال ريا وسكينة' قدم لنا صورة كاملة للخط والبيئة المحيطة به اجتماعيا وسياسيا في فترة الأربعينيات من القرن الماضي، تحديدا السنوات الأخيرة قبل قيام الثورة، ومشهد الصراع بين الملك/الحكومة والوفد. فنغوص معه في مجتمع أبناء الليل الذي ظهر في البداية كنظام شرطي موازي على غرار قوانين الفتونة ومنطق روبن هود في أخذ حق الضعيف من القوي، والقوي هنا هو نظام الأقطاع ببشواته وأعيانه الذي استحوذ على الأراضي والأقوات بينما يعاني الفلاحين من الجوع والمرض والموت، وهي صورة تبرر وجود حالة من القبول بين الضعفاء بل والحماية لأبناء الليل، كخطوة للاعتراض على تجمع الملكية والأرزاق في يد مجموعة صغيرة من الأعيان الذين يعيشون في عالم منفصل خلف أسوار قصورهم، فالخط وأمثاله هم من يأخذ بحقهم من هؤلاء. لكن طبعا يأتي الفساد مع القوة، وتأتي هيبة القانون والدولة المركزية لتؤكد انفرادها بالضبط والربط، فينشأ الصراع مع الخط وأعوانه وأمثالهم، وبسبب هذا الصراع تتوه الحدود وتسود الرمادية بين الحق والباطل.
دائماً قرائات العيد بتكون مُختلفة ، وحصل معايا في أكتر من عيد إني أقرأ رواية أو كتاب ويبقوا من مُفضلاتي ، والعيد ده فعلاً الكتاب اللي قرأته أصبح من مُفضلاتي خلاص ، وكمان الكاتب بقي واحد من كُتابي المُفضلين اللي إن شاء الله مشروعة كله هيكون في مكتبتي قريب جداً وهو صلاح عيسي ، أزاي أتأخرت في القراءة له كُل ده ؟ المهم يعني وبدون كلام كتير كتاب أفيون وبنادق كتاب عظيم و يستحق القراءة فعلاً ، مرة وأتنين وثلاثه كمان .
طيب اولا لازم اشكر دار المحروسة علي اعادة تجميع و اصدار هذة التحفة الوثائقية عن العظيم صلاح عيسي عن قصة حياة الخط اشهر اولاد الليل او الاشقياء في تاريخ الصعيد كتاب ممتع التهمته في اقل من يوم و هو كتاب انصح بيه لكل محبي التاريخ المصري القريب و كذلك لكتابات المبدع صلاح عيسي رحمة الله عليه يستحق طبعا و اكيد خمس نجوم بجدارة
سرد رائع وبديع لأحداث وتاريخ خًط الصعيد الذي دوخ ثلاث حكومات باسلوب شيق وممتع مثير، مكنتش عايز اسيب الكتاب لحد ما اخلص. تحليل ودراسة لأولاد الليل، الهاربون من الأحكام القضائية أو السوابق الذين قضوا فترة ما بالسجن، مجرمون أو منبوذون من المجتمع والناس، الأجواء السياسية والمجتمعية التي أدت لظهورهم وتحولاتهم وتفاعلاتهم مع المجمتع وإداراته المتمثلة في الحكومة، وأداتها المتمثلة في البوليس. حكاية رائعة في ظني، والمدهش هو تركيز الكاتب على تفاصيل كثيرة وروايات كثيرة لنفس الحادث أو الموقف، ما أثار دهشتي ونفوري كون البغاء رسمياً تنظمه الحكومة وترخصه، بخلاف المشروبات الكحولية والمخدرات. تحليل دوافع أبناء الليل واسقاط الضوء على العنف كان مبهر، لم أتصور أبداً أن يوجد كل هذا الاجرام في المجمتع المصري في وقت واحد، كل هذا القتل والإجرام والعنف والزنا، أعني أني أتخيل وجود القتل ومبرراته في أماكن مثل صعيد مصر لما بها من مآسي الثأر والثورة بسبب الشرف أو العرض أو الأرض، ولكن ليس بهذه الوحشية، أن يتقل إنسان مصري مسلم مدعي التدين هذا العدد من البشر بدون أدنى درجات تأنيب الضمير أو الشعور بالذنب، ظاهرة تستحق الدراسة. يعجبني بشدة العمل المتعوب عليه، أن تحس بضمير صاحب العمل وإتقانه هو شيئ نادر قلما نراه، وصلاح عيسى بذل الكثير ليخرج هذا العمل بهذا الشكل، مجهود محترم وشكر واجب لدار النشر التي أعادت هذه التحفة للظهور.
**** بضعة أقصوصات صحفية يُنسَجُ حولها قصة كاملة متكاملة الأركان من حيث التشويق و المتعة و تسليط الضوء الاجتماعي و السياسي على الماضي القريب... لا تتعجب فأنت أمام حكواتي قصَّاص من طراز سياسي محنَّك إنه العم "صلاح عيسى".
**** "أفيون و بنادق" للكاتب الحَكَّاء "صلاح عيسى" رابع مقابلاتي مع عوالمه بعد التحفة الدرامية "رجال ريا وسكينة"؛ و عالم المماليك "رجال مرج دابق"؛ و الأزهار المقتطَفة من تاريخ مصر الحديث "حكايات من دفتر الوطن" و لكن هذا الكتاب كان بمعالجة "أمينة النقاش" و هو يثبت بما لا يدعْ مجالاً للشك أن كل ما هو "صلاح عيسى" جميل.. و كيف لا!! و هو من يقدر على عمل حدوتة من لا شئ .
*** معالجة نفسية فلسفية لظاهرة أبناء الليل و التي يراها العم "صلاح" وليدة "العنف المرتد" نتيجة عنف المستعمر الذي يوَلِّد إرادة العنف ضد الجميع؛ أو كما يسميها "فرانز فانون"سيكولوجية شعوب المستعمرات فإذا اجتمع مع تلك الإرادة للعنف السلاح المطلوب لم يتبق سوى شرارة البدء .
*** مقارنة بين عالَم "رجال ريا وسكينة" و عالَم "أفيون وبنادق":
- استفاد الكاتب من التقارب التاريخي بين عالَم "ريا وسكينة" و عالَم خُط الصعيد مع تباين مسرح الأحداث فأحدهما في أقصى شمال مصر "الإسكندرية و طنطا "و الأخير في أقاصي صعيد مصر "أسيوط" فاستطاع بحرفية رسم صورة كاملة لحالة مصر الاقتصادية و الثقافية و الاجتماعية لذا يمكن تلخيص المقارنة بينهما كما يلي :
١ - دخلَ الكاتب عالم الفتوات و المومسات في "ريا وسكينة" و هنا في "أفيون و بنادق" اقتحم عالم أولاد الليل و علاقتهم بالشرطة و أصحاب الأملاك و بالتالي سلط الضوء على كمية الفساد المستشري في الشرطة.
٢ - كان المحرك الأساسي "لرجال ريا وسكينة" و الدافع لوجودهم هو الفقر المدقع و انحدار الأخلاق بينما في كتابنا هذا كان الثأر و العنف المرتد هو الدافع و كان السلاح و المخدرات هما المحفزان لإنتاج أبناء الليل.
٣ - في "ريا وسكينة" كان السلاح المستخدَم هو المكر في استقطاب الضحايا و الخديعة في قتلهن و الخسة و الجُبن في اختيار النساء فقط بينما في "أفيون و بنادق" فنحن أمام معركة متبادلة بين دولة أبناء الليل بأسلحتهم المتطورة و الحكومة بأسلحتها الهَشَّة الضحكة.
٤- المعالجة الدرامية لكتاب "رجال ريا وسكينة" كانت أفضل بكثير نظراً لتنوع الشخصيات و وجود التحقيقات الرسمية كمصدر موثوق به للاستقاء منه في عمل السرد الخاص بالكتاب؛ بينما هنا نظراً لقلة الشخصيات الرئيسية و قلة المصادر ظهرت المعالجة الدرامية أقل لمعاناً .
**** العنوان :
"أفيون و بنادق" عنوان شيق على وزن "أفواه و أرانب " يضع القارئ مباشرة أمام عالَم اختلط فيه العنف و السلاح بالمخدرات و الأفيون... عالَم تتوه فيه التصنيفات فلا تعرف هل الخُطّ مجرم قاتل منزوع منه الإنسانية أم ضحية عنف شيخ خفراء درنكة "عبد الله محمدين "؟ .. هل الشرطة جديرة بدور الأبطال أم شاركوا في صنع الخُطّ و أمثاله من تغيير واجباتهم من حماية الشعب إلى حماية أولاد الناس و ولاد الكلب أحياناً؟ ؛ هل الأعيان و الإقطاعيون ضحايا لأولاد الليل أم مجرمين بتسترهم عليهم بل و طلب حمايتهم واستئجارهم ضد منافسيهم؟؟؟.... عشرات الأسئلة تتبادر إلى ذهن القارئ من خلال هذا العنوان البسيط.
**** التصنيف :
- هو ليس تحقيقاً صحفياً مفصلاً للخُط أو أولاد الليل لأنه ببساطة يفتقد لأهم مقومات التحقيق الصحفي و هو المصادر المتعددة و الموضوعية... و لكن يمكن اعتباره كتاب يضع القارئ أمام تاريخ مصر في العهد الفاروقي "الملك فاروق " اجتماعياً و اقتصادياً و سياسياً أيضاً من خلال بطل الأحداث "محمد منصور" الشاب أزرق العينين و تحوله إلى الاسم الذي أرعب الشرطة و دوَّخ ثلاث حكومات و اهتم به الملك "فاروق" بل والمخابرات البريطانية "الخُط" .
**** السرد :
- أسلوب سرد سهل و سلس بقلم ممتع يخلو من الملل.
- اتبع الكاتب أسلوب "السرد المقلوب" و هو البداية بالنهاية؛ و لكنه خدع الجميع بالوقوف في البداية عند إنكار الخالة "فضة" لموت ابنها الخُطّ.
- اعتمدَ الكاتب في مبحثه على القليل من المصادر و التي لا تتعدى ما يلي :
١- مذكرات مجهولة للضابط "محمد هلال" و لم يورد الكاتب أي دليل وثائقي من هذه المذكرات في الكتاب...
٢- تحقيق صحفي "لمحمد حسنين هيكل" مع الخالة "فضة" و الأرملة "أم هاشم"...
٣- بضعة قصاصات من الصحف و لعل قلة المصادر المتوفرة هي التي أجبرت الكاتب على ذلك.
**** اللغة :
- لغة بسيطة و رصينة و غير معقدة خالية من الأخطاء الإملائية و هذا هو المعتاد و الطبيعي ممن هو في مكانة العم "صلاح" اللغوية .
- حولَ الكاتب المفردات و التراكيب اللغوية لريشة يرسم بها مسرح الأحداث في قُرَى الصعيد المختلفة من "خدشم" و "درنكة" و غيرها.
**** الشخصيات :
١- اهتمام بشكل ملحوظ ببطل الأحداث "محمد منصور الخُط" و رسم ثلاثي الأبعاد للشخصية و اهتمام ببنائها و تحولاتها من صياد يجري على قوت يومه إلى قاتل للثأر لكرامته من شيخ الخفر "عبد الله محمدين"؛ ثم التحولات الجذرية في شخصيته الإجرامية من قاتل ماكر يتَّحِد مع منافسه من أبناء الليل "عواد " و يراهن على ظهيره الشعبي سواء من الفلاحين أو أولاد الناس "الإقطاعيين "و مروراً بقاتل لمجرد المال لا يميز بين الغني و الفقير و نهايةً بطريدٍ محاصر بمفرده لا يأمن أحداً مودياً إلى النهاية المحتومة.
٢- اهتم الكاتب بالشخصيات النسائية في حياة الخُطّ مع إبراز أبعادهم النفسية و الاجتماعية و الاقتصادية و أهمهم الأم الخالة "فضة" التي فقدت أولادها جميعاً و لم تهتز داخلياً؛ بل كانت بمنتهى رباطة الجأش_ أو البلادة _تنكر أن المقتول أمامها هو الخُطّ لخداع الحكومة و القُرَّاء بالرغم من أنه كان آخر من تبقى لها من الأبناء.
٣- الزوجة "رشيدة" أم هاشم:
الوحيدة التي تستحق لقب الضحية عن جدارة فقد تزوجت في التاسعة من عمرها و لم ترَ زوجها إلا أياماً قليلة ناهيك عن الهموم الأخرى من فقرٍ مدقع و همٍّ مفزع و طفلٍ يتيم الأب _رغم وجوده_ و في النهاية صارت أرملة المجرم.
٤- "سميرة" المومس:
أبرزَ الكاتب منها الوجه الإنساني صاحب القلب العاشق التي تضحي بالخمسمائة جنيه في سبيل حبها؛ و هي مَن تتخذ الحب حرفة تتكسب منها.
٥- عدا ذلك ظهرت باقي الشخصيات خافتة دون تعمق في شخصياتهم و لعل شُح المصادر التي استقى الكاتب منها الأحداث هي السبب.
**** الأحداث :
- اثنا عشر فصلاً من رحلة ظهور الخُطّ و صعود ضوئه حتى اهتزت له الحكومة و انتهاءًا بأفول نجمه و موته المحتوم.
- هناك بعض الملاحظات على سير الأحداث و منها :
١- كنت أتمنى أن يجد الكاتب مصادر أخرى غير مذكرات مجهولة و صحف تفرغت لتصفية حسابات أحزابها على حساب العمل الصحفي نفسه؛ و هو ما ينزع منها صفة المصداقية و الموضوعية.
٢- بعض القصص كانت خيالية بشكل واضح لخدمة الدراما و لكنها كانت ساذجة مثل قصة أن أحد الضباط قابل الخطّ و أبو صالحين في أحد الموالد فارتجفت اوصاله و أصيب بالشلل؛ و قصة قيام أحد أبناء الليل بالقتل لصالح أرملة فقيرة دون أجر لوجه الله.
٣- تحدثَ الكاتب عن تحوُّل فرقة المطاردة إلى فرقة الموت و أنها سميت بهذا الاسم شعبياً لكثرة ضحاياها الأبرياء و لكنني لم أجد ضحايا أبرياء لها... بل و الأدهى أنها لم تشارك في قتل كبار أبناء الليل "عواد" و "الخُط" و "صالحين" و "أحمد عبد الغفار".
٤- العلاقة النسائية الأخيرة كانت مستفزة لي فالخُطّ على علاقة علنية مع "حميدة" زوجة "مدبولي" خفير وابور مالطي و الجميع يعلم بذلك!! .. فما هو موقف هذا الغفير المغفل الذي حتى و إن كان مغلوباً على أمره فهذا ليس بعذر يجعله يرضى على نفسه الصعيدية بهذه الإهانة...
ثم لماذا اختارها الخُط بالذات بالرغم من قلة مقوماتها الجمالية حتى وصفها "محمد هلال" بدميمة و عجفاء كالمعزة ...و كما قال الكاتب "واحدة و السلام "و لكن هذا لا ينطبق على زوجة خفير نصف المرأة.
ثم ماذا كان مصير تلك الخائنة التي كانت تسوي الحمام للخُط و كيف تعامل معها "مدبولي" هذا بعد مقتل الخط؟ .
٥- الفصل التاسع الخاص بالمدنسة كان كوميدياً و غريباً و غير مصدق... و لولا أنه موثق في صحيفة "روزاليوسف" كما أورده الكاتب لكنت كذبته.... و لكن الغير مصدق فعلاً فيه هو طريقة كشف "محمد هلال" لصاحب خط المدنسة العاشقة للخُطّ فكانت غير منطقية.
**** إجمالاً كتاب تحليلي توثيقي ممتع و شيق يأخذك عبر الزمن إلى أربعينيات القرن الماضي؛ حيث يختلط العنف بالفقر بالظلم... تحليل نفسي اجتماعي لفترة ما قبل ثورة يوليو.... استمتعت كثيراً بتلك الرحلة القصيرة تاريخياً و الثرية لغوياً ؛ أنصح بقراءته عدة مرات و قراءة كل ما هو مكتوب عليه اسم العم "صلاح عيسى".
كتاب عن خط الصعيد مكتوب بشكل روائي ممتع وليس بشكل تقريري ممل
قصة الخط مثل القصص العادية عن تحول شخص عادي الي الخط الذي ملاء الأرض فساد وجورا بسبب تعرضة للظلم وقد ساعدتة ظروف البلد المفككة بسبب الانقسامات والحروب علي ذلك
الكتاب معزز بصور لوثائق تثبت صحة ماورد في الكتاب مع صور لشخصيات الكتاب الحقيقية
قرأت مؤخرا كتاب اخر في نفس الحقبة الزمنية تقريبا وهو مذكرات حكمدار القاهرة وفي الكتابين تأكيد علي انتشار الجريمة في الصعيد وان الأخلاق لم تكن أفضل حالا من الان
اعجبني جدا اسلوب الكاتب وطريقة سردة للأحداث في شكل قصصي ومتشوق لقراءة باقي اعمالة
وبالمناسبة لي تجربة جيدة مع دار المحروسة واريد ان اشكرهم علي سرعة الاستجابة والاهتمام كنت قد اشتريت الكتاب من المعرض الماضي مع مجموعة كتب اخري من دار المحروسة لكن نسخة الكتاب كان بها مشكلة في ترتيب الصفحات وبعض الصفحات كانت ناقصة وبمجرد ان ارسلت للدار رسالة علي صفحتهم علي الفيسبوك واخبرتهم بالمشكلة ارسلو لي مباشرة كتاب حديد بعدها بيوم علي عنواني بدون اي مصاريف لذلك وجبت تحيتهم علي اهتمامهم بعملائهم
ع ذكر الحرب الدائرة بسبب حكام من الخمسينيات لسه بيفكروا بعقلية الخمسينيات ف دي حكاية حصلت سنة ١٩٤٧ بعد الحرب العالمية الثانية وبتبين اثر الحرب وبيحكيها صلاح عيسي ف كتابه افيون وبنادق.
سعد زهران هوه مفكر وناشط يساري ف الاربعينيات وابنه صاحب دار نشر المحروسة النشطة مؤخرا كدار ب اصدارات مميزة.
صلاح عيسي هوه كاتب وصحفي يساري وتقلد عدة مناصب صحفية وله عدة مؤلفات مهمه.
لصلاح عيسي اسلوب مميز ف تقديم كتبه وافكاره، الصحفيين طول الوقت عندهم مشكلة ف تقديم كتب تاريخية او فكرية او حتي روائية.
المشكلة ب اختصار ان الطابع الصحفي الخفيف السريع المعتمد ع الاخبار والتقارير الصحفية والمعلومة ف مقال قصير بيغلب ع كل انواع الإصدارات الثقافية إلي بينتجها صحفيين.
صلاح عيسي ليه اسلوب مختلف، بيقدم معلوماته وتأريخه ف قالب حكواتي، لكنه مش رواية ولا قصة، لكن حكاية طويلة هتستمتع بيها وتستفاد منها.
الحكاية النهارده عن خط الصعيد و المطاريد وابناء الجبل والليل أو بالأحرى عن ما سماه عيسي (العنف المرتد).
حكاية العنف المرتد ب اختصار اننا وقتها خارجين من حرب عالمية تانيه وموت قرب ال ٦٠ مليون انسان وبتالي كمان ازمات غذاء ف كل مكان.
ف مصر ده اثر ازاى، كنا تحت الاحتلال الانجليزي، بيحكمنا ملك مجرم عامل تراتبية سلطوية هوه ع رأسها لحد اصغر غفير ف البلد.
التراتبية دي كلها كانت ف صالح الاعيان والاقطاع وملاك الارض او ما سماهم الكاتب ولاد الناس وإلي كان الشعب بيسميهم ولاد الكلب.
تزامن ده مع احزاب سياسية متناحرة وجزء كبير منها كان اصلا بيدافع عن مصالح ملاكه الى هما الاعيان نفسهم.
حال الشعب العادي كان شديد السوء، جوع وحفاء وجهل وفقر وفيضان بيجي يغرق الصعيد كله ويخلي قراه ومدنه جزر متباعده الانتقال بينها بالقوارب.
مع انتهاء الحرب وهزيمة الالمان ف العلمين تركوا وراهم اسلحة عملاقة، ومع نزوح الانجليزي من المدن الكبري وتمركزهم ف القناة تركوا وراهم اسلحة اكتر.
وحتي مع زيادة الوعي الوطني وتكوين مجموعات للاغارة ع المحتل ومعسكراته بدافع وطني أو من خلال البدو واللصوص الاشقياء بدافع السرقة.
كل ده خلي السلاح موجود بكثرة مفرطه ف ايد الناس وده شفناه بالمناسبة مع تفكك جيش القذافي وصدام حسين وبشار الاسد، السلاح كان ف كل حته وف ايد الاطفال حتي.
مع صعوبة المعيشة وقلة وارتفاع سعى الغذاء، الى اجبر بنات بيوت مش مجرمة ومستورة الحال انهم يلجوء للبغاء وبيوت المتعه الى كانت مقننة وقتها.
ده برضه حاصل ف العصر الحالى ف برامج اللايفات وبيع الجسد بمقابل مادي ومش كل الى ع المواقع دي عاهرات الاصل.
ف العالم العشوائي ده بتكتر الوحوش الضارية، سلاح متوفر، رجالة متوفرة، قلة غذاء وقلة حيلة وفقر وجهل ومرض كل ده يساوي عنف.
ومع وجود اعيان وعمد ومشايخ مكروهين من الناس لانهم لصوص عرق ومعيشين الناس بالسخرة، ف كان لازم ليهم حماية بعد تراجع دور الاجهزة الامنية.
ومع انتشار فكرة الثأر ف الصعيد مع ضعف السلطة القضائية والامنية، ف ظهر اولاد الليل إلي منهم الخط.
محمد محمود منصور خط الصعيد وإلي اسمه الخط لان جده كان شيخ ازهري ملقب بسر الختمة نسبة إلي ختمة القرآن واتحور الاسم لل خت ثم الخط شوف المفارقة.
صياد غلبان متجوز ومخلف ولد واحد، ابن شيخ الغفر كان بيهينه وابوه جه ضربه بالقلم.
فقرر انه يرد القلم انه يقتل عيلة شيخ الغفر كلها ويجيب حقه إلي القانون وقتها مكنش هيجبهوله وخد نفسه وطلع الجبل وعمل عصابة.
العصابة دي دوخت الدولة بكل اجهزتها المختلفة وكانت بتفرض اتوات ع الاعيان، كانت بتحرس الفدان بنص جنيه ف السنة وف احد السنوات لمت ٥ تلاف جنيه من حماية الفدادين وده كان عمل مشروع وقتها يعني ١٠٠٠٠ فدان تحت حماية الخط الشاب العشريني.
كان معاه سلاح مش مع الشرطة نفسها وكان عامل تسعيرة للشخص الى عايز يأخد ثأره بالوكالة لانه مكنش يقدر ياخده بنفسه من ٢٠ ل٥٠ جنيه.
ظاهرة اولاد الليل إلي غذاها هوه ضعف الدولة نفسها واستغلال الاعيان وتجنيدهم للعصابات دي ف تصفية حساباتها.
وكان الغريب ان الخط مش بيمارس اي عنف تجاه الفقراء والمستضعفين ك المراة والطفل والفقير.
المهم عشان لو كملت كلام هحكي الكتاب كله، العنف ببساطة وليد الحروب وضعف قدرة الدولة وفقر وجهل ومرض البشر.
والملكية والاقطاع والعمد والاعيان كانوا سرطان بينهش ف جسد البلد وبياكل قوتهم حرفيا.
صلاح عيسي قادر علي تحويل التاريخ إلي حكايات شيقة وبشر من لحم ودم ينبضون بالحياة. أعجبني موضوعيته ودراسته لظاهرة أولاد الليل بشكل عام وللخط بشكل خاص دون شيطنة، بل كتشريح وإنعكاس للبيئة الاجتماعية والوضع السياسي للدولة واجهزتها حينذاك والشعب وتفاعله مع ما يحاصره من قهر وظلم.
أول مرة لصلاح عيسى لغة بسيطة، ألفاظ لطيفة وبسيطة، الحكاية ممتعة و سلسه جدا. الحكاية مشوقة جدا أولا عامل إنها قصة حقيقية يعنى المفروض أنه كتاب وثائقى لكنه يعطى انطباع رواية على صوت الربابه. فكرتنى جدا بخالتى صفية والدير. ومن هنا أكيد هقرأ أكثر لصلاح عيسى. أما بالنسبة للخط، فالفقر والإهانة المصاحبه له خصوصا ف الفترة دى لازم تولد شخصيات زى المطاريد أو اولاد الليل، ف البداية هيتأثروا بشخصيتهم القديمة وأنهم بيثور عشان الضعفاء، لكن لأن الفساد للنخاع وان المحاولات المخيبة للامال ف تخفيف حلاكة سواد الظلم والحياة الجافة الجبلية ، بتخلق ظالم لا يختلف عن من كسر إنسانيته.
"وكانت أسلحة البوليس - كما وَصَفتها صَحيفةٌ مُعاصِرَةٌ لهذا التاريخ لا تصلح إلَّا للزينة؛ كانت من طُرُز عَتيقةٍ، يرجع تاريخُ أَحدَثِ أَنواعها إلى أوائل القرن العشرين، فالبَنادِقُ من النوع القديم تُعبأ طَلقةً بطلقة، وإذا فُرِضَ وانطلقت الرَّصاصَةُ ولم تَنحَشِر في الماسورة، فإنَّها لا تَبْعُد أكثر من أمتار معدودَةٍ، وقد أدَّى هذا - مع عوامل أخرى إلى زيادة إحساس أولاد الليل بتفوقهم على رجال البوليس باستمرار؛ فالأشقياء مُزوّدون بالـ "تومي جن" والـ "لي أنفيلد"، وغيرها من الأنواع التي تُصيب على بُعدِ ألف متر."
في أسلوب أدبي روائي بديع يأخذنا الأستاذ الكبير صلاح عيسى في ملحمة تاريخية لا تخلو من التحليل النفسي والإجتماعي والسياسي لمصر في مرحلة الغليان وسنوات ما قبل سقوط المملكة المصرية، حيث كان التطرف هو شعار المرحلة، تطرف السراي الملكي وتطرف الأعيان والبوليس وتطرف الشعبه نفسه، وربما كان هذا التطرف هو رد الفعل على الكبت الذي صنعه الاحتلال البريطاني فينا منذ عام 1882.
يسرد لنا الكاتب قصة حياة وسيرة الخُط (محمد محمود منصور) الذي دوخ ثلاث حكومات وأثار فضول الملك فاروق أيضا، وبين السطور كنا نعيش لمحات اجتماعية وسياسية خلال الفترة المذكورة عام 1947، فقد وصل الفساد إلى البوليس بحد ذاته، حيث تكاسلت أجهزة الشرطة كثيراً في ضبط المجرمين وتقديمهم للعدالة واكتفوا بقتلهم مع ذكر السبب الواهي وهو الدفاع عن النفس، لم يمكن هذا التصرف وليد الصدفة، بل كان انعاكساً لمجتمع في طريقه للنهاية.
"لكن علاقة أولاد الليل بالفقراء كانت دائماً علاقة حُب متبادل. كان البُسطاء من الناس يجدون في عنفهم ضد المتجبرين والطغاة نوعاً من التعويض عن عنفهم المكبوت، وعن فِعْلِهم المحبط. ربما نالتهم منهم أحيانًا بعضُ العَطايا، لكنَّهم حتى لو لم يأخذوا شيئًا فَهُم يكتفون بذلك التّعويض النفسي الذي يَجِدونَه عندما يَذلُّ أولاد الليل هيبة الكبار والأغنياء ولصوص العرق."
صلاح عيسى أصبح من كتابي المفضلين، حكاء متمكن عنده قدرة أدبية وأسلوب بديع بيطوعهم لتقديم أحداث تاريخية من غير زهق ولا ملل. حواديت متزهقش منها حواديت حقيقية من تاريخ مصر الحديث، صفحة وراء صفحة وعايز تعرف آخر الحدوتة ايه!
الكتاب اسمه أفيون وبنادق سيرة سياسية واجتماعية لخط الصعيد الذي دوخ ثلاث حكومات، العنوان معبر بالفعل عن محتواه، من خلال حكاية محمد منصور خط الصعيد يقدم لنا صلاح عيسى رؤية سياسية واجتماعية لظاهرة أولاد الليل والجبل في الفترة الملكية بمصر والظروف الاقتصادية التي أدت لظهورهم، الأشقياء الذين دوخوا الحكومات واتحاد الهيئات والاستعمار البريطاني للإمساك بهم.
صلاح عيسى قدم لنا كتاب تحليلي توثيقي لحياة الخط الذي دوخ البوليس ونشر الرعب في الصعيد، الخط كإنسان تحوله من شخص سوي إلى مجرم بلا رحمة، وأسباب تمرده على النظام.
في بحثه يوضح صلاح عيسى مراحل حياة المجرمين من بشر يكافحوا من أجل قوت اليوم وضعهم الاجتماعي وتعرضهم لمواقف ظالمة وقاهرة مع قلة حيلتهم جعلتهم يفقدون الإيمان في القوانين والعدالة ويقرروا يأخذوا ثأرهم بأيديهم.
مووايل وأغاني فلكلورية كثيرة تحكي عن الأشقياء أبناء الليل وتقدمهم كرموز للتمرد والثورة على النظام الظالم وفي نفس الوقت تقدمهم السلطات كمجرمين قطاع طرق، تنصيب الأشقياء أنفسهم كقضاة وجلادين في البلاد الموجودة تحت نفوذهم وأحيانا كان في مواقف تصدر منهم دعما للمظلوم وتنكيلا بالظالم وهذا وضعهم في بعض الأوقات في صورة الأبطال الشعبيين مخلصين الحقوق، وتطور نظام أولاد الليل ليدخل الأعيان في الصورة ويعرضون حماية أولاد الجبل من البوليس والحكومة في مقابل دعمهم لبسط سيطرتهم ونفوذهم على الأراضي والفلاحين.
نوحت الخالة فضة " يا أزرق العينين يامحِمد - يا أشقر يا وليدي، يا أزرق العينين ياكايد الحكومة. “
تتبع صلاح عيسى حياة محمد محمود منصور الوسيم صاحب العيون الزرقاء صياد السمك الفقير، بداية من جريمة ثأر بعدها حوادث قتل متتالية ثم هروبه للجبل وتكوين عصابة تدين له بالولاء ثم مقتله بسبب الخيانة التي كانت السبب الرئيسي في القضاء على معظم أبناء الليل.
الكتاب ممتع وشيق بأسلوب سرد سلس تظهر فيه موهبة صلاح عيسى على تقديم التاريخ في شكل قصة تجذب اهتمام القارئ، ظهرت مجهودات الكاتب البحثية في تقديم تفاصيل دقيقة عن حياة الخط والحياة المصرية بشكل عام في الصعيد.
ظاهرة أولاد الليل تم تناولها في أعمال فنية كتير ولعل أشهرها بالنسبة لجيلنا احترس من الخط بطولة عادل إمام ولبلبة وسمير صبري الذي تناول شخصية الخط بشكل كوميدي.
الخُطّ "محمد محمود منصور" الرجل الذي دوّخ ثلاث حكومات!
في سيرة روائية سياسية اجتماعية، يأخذنا أستاذنا الكبير -صاحب الفضل بعد الله في حبي للتاريخ- كعادته بأسلوبه الصحفي الروائي المميز بين طيات كتابه ولا يتركنا إلا بعد إنهائه!