What do you think?
Rate this book


183 pages, Paperback
First published January 2, 2018
العلوم الجادة كالتاريخ و الأنثروبولوجي و علوم تفسير النصوص الدينية لا ترفض الفكرة بل ومنها ما يحتوى نصوصا مقدسة لأصحابها أو نظريات علمية رصينة تقر الأمر فما بالنا بالفكر الأسطوري المتسع لكل شيء.و هو بهذا يلمح إلى أن ما أورده من نصوص هو علوم غير جادة في أول تعقيب منه على ما يذكر من أساطير و جاء ذلك في منتصف الكتاب تقريبا بعد أن كدت أن أصنفه ككتاب تسالي و حكايات مواصلات ليس إلا.
و يكفي أن يشتعل هذا الفضول ليخرج علينا رواة الأساطير و الأخبار المتعيشون من صيحات الإنبهار و نظرات الاستغراب بوصف تفصيلي عن تلك المدينة حتى لتحسبهم قد حضروا ببنائها وعاشوا في شوارعها و بيوتها
والقصة كذلك بها تلميح آخر إلى السعي للمعرفة المحرمة أو المحفوفة بالتحريم فكلما توغل بلوقيا في رحلته قيل له: ما أجرأك على الله. ورغم ذلك فإنه يمهد له الطريق و تفتح له الأبواب. بل وينجو من نار التنين ويقول له جبريل إنه نجا لرغبته في البحث عن حقيقة الرسول محمد و الإيمان به. فهل يمثل هذا التناقض ترجمة للصراع الداخلي لدى البعض بين جرأة الفكر و إطلاق العنان له من ناحية و تقييده و اعتبار أنه اجتراء على المحرمات من ناحية أخرى؟
هل تحمل القصة رسالة مضمونها هو البحث عن الحقيقة فيما وراء الظواهر. جرأة و مخاطرة. ولكن لا بأس بذلك لو كان الحب الإلهي هو دافعك؟
هل ثمة تدخل صوفي ما في صياغة هذه القصة؟ انها تمتلىء بالرمزيات المتكررة في القصص الصوفي. كالسير على الماء و التحرز باسم الله من النار و انقطاع بعض الخلق للتعبد مع المعرفة المحدودة الكافية بالنسبة لهم ما دامت معرفة ايمانية. و القوم الذين يعيشون في نعيم و هم لا يعرفون آدم و لا إبليس. أي أنهم لا يعرفون خيرا أو شر وقد انقطعوا ل��تسبيح. ثم وهذا الأوضح الظهور الختامي المفاجيء للخضر و اظهاره كرامة أهل الخطوة في نقل بلوقيا إلى أهله الذين هم على مسيرة خمسمائة سنة في ساعة واحدة على ظهور طيور بيض.
و لي ملاحظة أخيرة فهذه القصة التي تحمل بصمات أكثر من توجه فكري فبين رغبة مبطنة في إدانة اليهود أو أهل الكتاب عامة لإنكارهم رسالة محمد و هي رغبة تنم عن تعصب أو تشدد ما دامت بلغت حد تلفيق قصة كهذه و بين معاني صوفية رقيقة و نحن نعلم أن المتصوفين أقل تشددا من غيرهم مع المسلمين. أخمن أن القصة قد تشكلت على مراحل و رويت بطرق مختلفة حتى وصلت إلينا بتلك الصياغة المجمعة. هو مجرد تخمين أو استنتاج و عموما فهذه حال أغلب الأساطير أو القصص الشعبية.
هي إذن ليست مجرد قصة مسلية بها من المبالغات ما بها. بل هي عمل شديد التعقيد له أبعاد مختلفة شديدة الثراء بالمعاني و الرموز.

وألقى الله على ابليس شهوة مزدوجة، شهوة كل من النساء والرجال، وكان قد جعل له فرجا في أحد فخذيه وعضوا ذكريا في الآخر، فنكح نفسه فباض بيضات خرج منها نسله.. وقيل بل القى الله عليه الغضب، فطارت شظية نار منه فخلق منها الله زوجته.. وقيل كذلك انه قد تزوج الحية التي ساعدته على دخول الجنة