عالم فقيه ومفكر وأكاديمي مصري من أبرز أعلام القرن العشرين. وُلد في بيت علم ودين، وأتمَّ حفظ القرآن قبل بلوغ العاشرة، ودرس في الأزهر الشريف حتى نال شهادة العالميَّة عام 1916م. وقد اشتغل بالتدريس حتى ابتُعِثَ إلى فرنسا عام 1936م، حيث مكث اثنتي عشرة سنة (حتى 1948م) نال إبَّانها درجة الليسانس ثم درجة الدكتوراه من السوربون، ثم اختير عضوًا في هيئة كبار العلماء عقب عودته مباشرة (1949م). وقد خلَّف عدَّة كتب في العلوم الإسلاميَّة، أهمها إنتاجُهُ الفذُّ في الدراسات القرآنية.
عرض لكتاب "الدين" للدكتور الشيخ محمد عبد الله دراز رحمه الله .. والذي أعتبره من أكثر ما قرأت فائدة وأعلاه انضباطا منهجيا وعدة منطقية ..
في هذا الكتاب بالغ الأهمية ، يعالج فضيلة الشيخ الدكتور محمد عبد الله دراز "الدين" بمفهومه العام .. الدين من حيث هو دين ، أي الخصائص العامة والسمات المشتركة للدين بصفة عامة لا كدين مخصوص ..
بعد المقدمة ، يحاول الكتاب البحث في "معنى الدين" .. ومن خلال بحث معجمي يتضح للكاتب أن "الدين" في العربية يحتمل معاني متقاربة يدور بعضها حول بعض .. ف "دانه" تعني أخضعه وقهره .. و "دان له" تعني خضع له وانقاد .. و"دان به" تعني ألزم نفسه به واتخذه لنفسه ..
ثم ينتقل إلى محاولة التحديد الاصطلاحي لمعنى الدين ، فيستعرض طائفة من التعريفات التي حاول أصحابها تجلية مفهوم الدين وإيضاحه ، ويتناولها بالنقد والتمحيص ، وصولا إلى تعريفه الذي يرتضيه ، ألا وهو :
الاعتقاد بوجود ذات – أو ذوات- غيبية علوية ، لها شعور واختيار ، وتصرف وتدبير في الشؤون التي تعني الإنسان، اعتقاد من شأنه أن يبعث الإنسان إلى مناجاة هذه الذات ، رغبة ورهبة ، في خضوع وتمجيد.
ويسوق المؤلف الاعتبارات التي دفعته إلى صوغ تعريفه على هذا النحو، وهي كما يأتي : 1- هذا التعريف يشمل الأديان كلها ، وحيانية كانت – الدينات الثلاث- أم غير وحيانية .. 2- هذا التعريف يؤكد على أن الإنسان يتوجه بالتدين إلى ذات أو ذوات ، يشعر نحوها بالخضوع والتمجيد ، فيخرج من التعريف بالتالي خضوع الإنسان لرغبات أو شهوات –كالأكل والجنس- أو خضوعه لقوانين الطبيعة ونواميسها ، كالعلماء الطبيعيين مثلا .. 3- هذا التعريف يؤكد على أن الذات/الذوات التي يتوجه نحوها التدين هي ذوات غيبية علوية ، أو قل روحية .. ويؤكد المؤلف أنه حتى الديانات التي توجهت إلى أحجار وأشجار وأشخاص ، لم تتوجه إليهم بذواتهم المتجردة ، بل اعتقادا في تمثل سر أكبر فيهم ، وحلول معاني أعظم من خلالهم .. 4- هذا التعريف يؤكد على أن الدين يتوجه إلى من يملك في شأن الإنسان تصرفا وتدبيرا ، وليس العكس ، فيخرج من التعريف بالتالي اتصال الكهنة والسحرة بكائنات روحية يسخرونها هم لمقاصدهم ، فالعلاقة في الدين تتجه نحو طرف أعلى ، حر قادر متصرف.. 5- هذا التعريف يخرج منه بعض الفلسفات الشرقية مما اصطلح على اعتبرها "ديانات" ، وذلك لكونها لا تشتمل على فكرة الألوهية والخضوع ، ولذا فالمؤلف يصنفها على أنها فلسفات لا أديان .. 6- هذا التعريف يؤكد أن الخضوع في الدين خضوع طوعي اختياري ، ممتزج بتمجيد ومحبة ، وليس خضوعا يائسا عاجزا ، بل هو خضوع يمنح الإنسان أملا وطموحا إلى السعي والفعل ..
ثم ينطلق الكاتب في محاولة تبيين الصلة بين الدين وبعض المباحث الأخرى ، التي تشكل علاقة الدين بها مبحثا إشكاليا.
فيستعرض العلاقة بين الدين والأخلاق ، ويوضح أين يلتقيان وأين ينفصلان ، ويميز بين العلاقة كما يجب أن تكون ، وكما تجسدت في التاريخ.. ويخلص إلى أنه وجد هناك مجتمعات تقيم علاقاتها وقواعد سلوكها (أي أخلاقها) على غير الدين ، كأن تقيمها على القوة أو المنفعة أو اختيار الناس المحض .. ووجد كذلك أديان أو نزعات دينية جوهرها التأمل المنعزل منقطع الصلة بالواقع والناس .. كما يلاحظ الكاتب أن النزوع الأخلاقي عند الإنسان يبدأ معه في طفولته ، لكن نزوعه الديني النظري يبدأ لاحقا .. ثم يقرر الكاتب أن الحقيقة النظرية لا بد من أن تستند إلى تمظهرات عملية وسلوكية ، وبذا فإن خلاصة رأيه أن الدين والأخلاق شجرتان متجاورتان ما تلبث أغصانهما أن تتشابك مشكلة ظلا مشتركا بينهما ، فضلا عن الظل المنفرد الذي تشكله كل منهما على حدة ..
ثم يمضي إلى تبيان العلاقة بين الدين والفلسفة في أحد أكثر أجزاء الكتاب إبداعا وتجليا .. وسأحاول إجمال عرضه للعلاقة بينهما في النقاط التالية : 1- الدين والفلسفة موضوعهما واحد ابتداء ، هو المعرفة (الحقيقة) والسلوك (الأخلاق ، الخير). 2- رغم اتحاد الموضوع ، إلا أن بينهما اختلافا بينا في الوسائل والمناهج. 3- بعض المذاهب الفلسفية تباين الأديان تماما (كالفلسفات المادية) وبعضها تلتقي معها في أشياء وتخالفها في أشياء . 4- ينقد المؤلف القول إن الفلسفة تعمد إلى البرهنة ، أما الأديان فتنزع إلى الخطابية والبيانية والإقناع التمثيلي .. ويؤكد أن بعض الأديان لا تخلو من معرفة برهانية ، والفلسفات لا تخلو من خطابية وبيانية. 5- ينقد مقولة أن الفلسفة إجمالا تستند إلى نور العقل البرهاني ، بدليل أن الفلسفات تتعارض وتتناقض ، والحق المطلق لا يتناقض بل يؤيد بعضه بعضا . 6- يوافق الكاتب إجمالا على مقولة أن الأديان يغلب إليها الإشارة الموجزة المجملة إلى الحقيقة النظرية، في مقابل تركيز تفصيلي على الحكمة العملية ، بينما يغلب على الفلسفة العكس ، مع وجود استثناءات. 7- ينقد المؤلف المقارنة الحديثة بين الأديان والفلسفة ، من مثل نسب الفلسفة للحرية والأديان للنظام ، أو نسب الأديان للمجتمعات والفلسفة للأفراد الممتازين ، ويفصل في ذلك.
وفي نهاية هذا المبحث ، يقدم المؤلف مقارنة مبدعة محلقة بين الفلسفة والدين ، مبرزا أن مطلب الفلسفة المعرفة ، أما مطلب الدين فالإيمان ، وأن الفلسفة ترى الحقيقة باردة جافة ، أما الدين فيطلبها متوثبة متقدة ، وأن الفلسفة تصل إلى الحقيقة بتقطيعها أوصالا وإزهاق روحها ، أما الدين فيلامسها روحا حية كلية متصلة ، وأن من شأن الفلسفة الاستئثار ، ومن شأن الدين الانتشار ، وأن الفيلسوف حين يبشر بفلسفته فإنه يستعير ثوب النبي ، وأن المؤمن حين ينكب على نفسه متأملا فإنه يستعير أعطاف الفيلسوف ، إلى نهاية المقارنة التي تبدو أجمل مفاصل الكتاب وأثراها .
أما المبحث الثالث ، فيتناول ماضي الظاهرة الدينية وتاريخ التعرف إليها ومستقبلها في ضوء العلم الحديث خصوصا ووظيفة الأديان المجتمع ويعرض للآراء المختلفة وينقدها ..
وحين نصل المبحث الرابع والأخير ، نكون وصلنا إلى أكثر فصول الكتاب عمقا وإشكالية ، وهو البحث في نشأة العقيدة الإلهية ، أو نشأة الدين ، لا من حيث البحث التاريخي ، بل من حيث تشكل الظاهرة الدينية في الإنسان في أي زمان ومكان ممكن ..
يبدأ المبحث باستعراض وجهتي النظر المشهورتين ، التي تقول إحداهما إن الأصل هو الخرافة والوثنية ، وأن الأديان "تطورت" حتى وصلت إلى أشكالها التوحيدية .. وتقول الأخرى إن الأصل هو التوحيد ، وإن الشرك والوثنية انحراف .. وينصب نقد المؤلف على منهجية استخدام الأديان البدائية الوثنية في عصرنا الحاضر نموذجا لدراسة نشأة الظاهرة الدينية ، ويبين أن ذلك نوع من المصادرة على المطلوب ، إذ يفترض سلفا أن هذا الشكل من التدين هو الشكل البدائي الأول ، متجاهلا احتمالية أن تكون هذه الأديان نفسها اعتراها التحوير والتزييف.
ثم يعرض الكاتب للمذاهب المختلفة التي حاولت تفسير نشأة التدين : أولا : المذاهب الطبيعية ، التي تعزو الظاهرة الدينية إلى تأمل في الظواهر الطبيعية أو خوارق الطبيعة، وما وجه إليها من اعتراضات.
ثانيا : المذاهب الروحية (الحيوية) التي تنسب نشأة التدين إلى التعلق بأرواح الموتى ، ويقدم نقدا له.
ثالثا : المذاهب النفسية ، التي تعزو الظاهرة الدينية إلى نفس الإنسان وتأملاته وتقلباته الذاتية. ومن أبرزها: 1- نظرية ساباتييه : التي تعزو نشوء التدين إلى تلك الفجوة التي يشعر بها الإنسان بين حساسيته وإرادته .. فحساسية الإنسان تُدخل عليه من المشاعر والعواطف والآلام ما يتوق لصده من خلال الإرادة التي تنبعث منه . لكن هذه الإرادة محكومة دوما بأن تظل أضعف من حجم ما يدخل إلى النفس من مصاعب وآلام ، فمن هذه الفجوة وهذا النقص تنقدح شرارة النور الديني. 2- نظرية برغسون: التي تعزو التدين إلى حاجة فطرية لإيجاد بديل عن الآلام والتضحيات التي يتكبدها الفرد إزاء المجموع والفرص التي يفوتها كي لا يخدش الصالح العام (نتذكر نيتشة هنا) وأن هذه الحاجة تولد التدين ، فضلا عن أن التدين يفتح دائما إمكانات محتملة ، لأن الحياة وفق يقينية صارمة لا يمكن أن تعاش ، فلولا الأمل بالشفاء لما تجرعت الدواء ، ولولاه لما أرخيت القوس لأصطاد ، فالتدين نوع من سد لثغرة عدم يقينية الطبيعة وصرامة انغلاق قوانينها. 3- نظرية ديكارت : التي تقول إن الكمال فكرة أولية بدهية غير محتاجة إلى مقدمات ، بدليل أني أشعر بنقص ما هو ناقص دون أن أعين الكمال من قبل ، فالكمال إذن مكنوز في فطرتي ولا بد من وجود كمال مطلق هو الله .
رابعا : المذاهب الأخلاقية : وتمثلها نظرية كانط المستندة إلى النسق المعروف : ثمة خير وشر أشعر بهما شعورا أكيدا من تلقاء نفسي ، ولأن الخير موجود فإنه ممكن التحقق ، ولأن تحققه الكامل غير متيسر فإنه لا بد أن يتحقق ولو تدريجيا ، وحين ستحقق الخير المطلق فإنه يلتحم بالسعادة المطلقة .. ولكن الحياة قلما تجتمع فيها الفضيلة والسعادة ، فالفضيلة تسبب تعبا وعناء وألما ، ولذا كان لا بد من الخلود ليتحقق كمال الخير مع كمال السعادة ، ولا بد من إله يمثل العدالة المطلقة التي تمنح السعادة على قدر الفضيلة ، وتحقق التحامهما الخالد.
خامسا : المذاهب الاجتماعية: وتمثلها نظرية إميل دوركايم ، التي تنفي العوامل النفسية الفردية في نشأة التدين ، وتنسبها إلى المجتمع وعاداته وتقاليده ، واتخذ دوركايم من قبائل أستراليا وأديانهم نموذجا نسج على منواله نظريته في نشأة الظاهرة الدينية ، وقد قدم المؤلف نقدا له بطبيعة الحال ..
وفي النهاية ، فالكتاب متميز في طرحه ، وعلى قدر عال من الرصانة والانضباط العلمي والمنهجي ، وتتجلى فيه قدرة المؤلف على طرح الآراء بإنصاف ، ونقدها بأدوات منهجية حسنة الصياغة والضبط ، ولا تخفى على القارئ القوة المنطقية والاستدلالية عند المؤلف ، وإجادته لاستخدام أدواته عارضا أو ناقدا .. ويجدر بالكتاب أن يقرأ وتعاد قراءته ..
وصل الأمر ببعض الباحثين في تحديد موضوع الدين إِلى تصويره بأرقى صورة عرفتْها الفلسفة , هذه الفكرة بذاتها تمثل أعظم شيء ينتجه الفكر الانساني , ولكن السؤال الاهم يبقى , هل هو فكر انساني , ام هو وحي رباني ؟ ************************ أظن أني استحق كمكافأة لي على انهاء هذا الكتاب طبقا من الحلوى معدّاً من الوالدة -حفظها الله- إذ أن قراءة هذا الكتاب كفيل في رفع ألم الرأس ويستحق حبة بنادول بعد قراءته , لأنه بكل بساطة كتاب كل كلمة منه تنبض بمعلومة ربما لست بعارفها . ولكن أقل ما يُقال عنه أنه قطعة فنية , كتاب كله نقد وعرض وتأريخ وكلام وكلام وكلام ..... والاجمل من ذلك أنه مقولب بقالب لغوي عظيم تدلك على ذهنية الرجل الواسعة وغزارة علمه وأدبه . وإنه ليحزنني فعلا أن هذا الرجل غامض ذكره في الوسط العربي والاسلامي , فما أرى من فكره الا تميّزا عن علماء عصره , وفقه دنيوي وديني يقفز به عن فقه اشباهه , فلذلك , سأقف احتراما وتقديرا على علم هذا الرجل مترحّماً على روحه , أسأل الله ان يجعله من اهل الجنان , ويغفر له بما قدم من خير وعمل . *********************** تبدأ المراجعة بالمحطة الأولى , بأي موقع من مواقع التواصل الاجتماعي , فلنقل الفيسبوك ; فلنتحدث كلمة او اثنتين عن احدى تلك الصفحات الجاحدة بالله , التي ما لها مهمة ليلا او نهارا الا ان تطعن في الدين , و في "رجال الدين" , وفي الله سبحانه وتعالى , وللاسف كثُرَ امثالهم على الانترنت ومنهم من يظن نفسه فعلا فيلسوفا وكثيرون منهم على هذا الموقع ايضا , ولكننا طبعا نهاجم الفكر لا الشخص , ولو انهم لا يُعامِلون بالمثل .... من الاسماء التي يسمون انفسهم بها كثيرا " مفكر حر " , فلنأخذ هذا الانسان وفكره الحر ولنحلل فكرهم . صورته الانترنتية رجلٌ من اكابر رموز الالحاد الجديد , وتحت الاسم كلماتٌ زُخرفت ب "لا اريد ان اؤمن , بل اريد ان اعرف " . يكتب ليل نهار ضروباً شتى من الهجمات والضربات على الدين , على تلك الكلمات التي تعلمها من رموزه المزيفين .. " لا ارى قولا يُفهمك ماهية هذه الاشكال الا قول الله تعالى : " وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُّنِيرٍ أمنيتي الوحيدة في حياتي , أن يعمل هؤلاء الناس حقا بما يقولون , وبما يدّعون , أتمنى من كل قلبي ان يكونوا ذو فكر حر , فلو كانوا كذلك لما وصلوا الى مرتبتهم . ففي العالم الوهمي الذي يعيشون فيه , يكثرون الكلام فيما لا يفقهوه , ولو انهم قرأوا نصف هذا الكتاب بتواضع للحق , لربما قُلبت حياتهم 180 درجة ! **************************** كعادة الدكتور , لا يأتي بموضوع الا بتمحيص كامل يبرز كل صغير وكبير فيه بما استطاع . فالبداية , التعريف ! التعريف في اللغة العربية , ثم التعريف الفلسفي وهلم جرا ... ثم يقدم على شيء مهم جدا , علاقة الدين بباقي العلوم الانسانية , ولاحظت في هذا القسم كلام مهم جدا, ولكن طبعا لم يأخذ حيزا واسعا في الكتاب , اذ هو معد للكتابة عن تاريخ الدين وتعريفه لا عن علاقاته . وبعدها يتحدث عن نزعة الانسان الدينية , واصالتها في الملكات البشرية , ثم توّج الكتاب في الحديث عن العقيدة الالهية وهنا , برز لي عقل هذا الانسان ! عالم كبير والله ! ونقده لفلسفة كانت وديكارت تدل على جرأته في التعامل مع المعطيات الفلسفية وعمق فكره بإعطاءه الحجج المنطقية غير المتحيزة , خاصة في التعامل مع النظريتين اللتان تتحدثان عن أصل الدين "التطورية" و" الفطرية الانسانية" . وآخر خمس صفحات , كلام جميل جدا عن عقيدتنا الاسلامية والرؤية القرآنية العُليا التي توضح بحق أن الرجل من رجال القرآن الحقيقيين ! رحمه الله.. ************************* احب ان اختم بعدم النصيحة :))) عادة انصح بقراءة الكتاب المُحبب الي , الا ان هذه المرة فلا , ليس لِعيبٍ في الكتاب , بل لغزارة محتواه في عدد صفحات صغير نسبياً , ولا يخدعنّك العنوان , فكلمة بحوث لا تعني الاختصار , وقلة الصفحات لا تعني الاقتصار ..
يعرف الاله بالفطرة فالانسان كائن متدين بالفطرة بعد الاخلاق اول شيء يظهر عند الانسان في الطفولة هي الاسئلة الوجودية من اين جئت. الاله لا يعرف بالعقل يعرف بالفطرة فانت مفطور على عبادته. الله لا نراه بالعقل لكن نراه بالقلب العبادات لم تنقطع يوما ما ولن تنقطع عن الجماعات الانسانية. واذا كانت العبادات من اجل التحكم في قوى الطبيعة كاستدرار الامطار وتجنب الشرور... فهي اوهام فلا احد يستطيع التحكم في الظواهر الطبيعية ومع ذلك بقي الدين لان منبعه وغايته مختلفة عن ذلك. فالانسان خاضع للقوانين العليا التي لا تمتد اليها يد مخلوق وفكرة السحر مباينة لفكر التدين. ان قوة الايمان تزحزح الجبال لا تعني ان القوة هي التي تبعث الايمان بل الايمان هو الذي يبعث القوة قوة الطمانينة والاعتماد على القوة الروحية العليا التي يلجا اليها المؤمن فينتقل المؤمن من التامل الى التعظيم والمناجاة والتسبيح للذي خلقه وصوره ومنحه العقل والبيان وجعله ينتفع بما في السماء والارض كل هذه غايات نبيلة تؤديها الاديان. ان هذه حاجة فطرية وليست وسيلة لكي يحصل بها العابد على مايريده ان التدين يعني ان القوة المتوجه اليها لا تصدر في تصرفها الا عن مشيئتها ومن هنا فالمؤمن لديه مزيج من الصبر والرضى والامل وعدم الياس وادراكه لضعفه وقوة خالقه وسواء تصادف دعوته بالقبول او الرفض فقد ربح تصفية روحه وقلبه وتلك غاية المؤمنين. وان الماديات والحسيات التي تمت عبادتها لم تعبد لذاتها لكن كرمز لتلك القوة العليا الدين والاخلاق كشجرتين متجاورتين منفصلتين نشأةً، ما تلبث أغصانهما أن تتشابك، فمن المنظور العملي فلا صلة بينهما؛ اما من الناحية الفردية يبدأ النزوع الأخلاقي أولا مع عمر التمييز، بينما النزوع الديني التأملي يأتي لاحقًا، وإذا أخذنا الناحية الاجتماعية للأخلاق؛ فلا تستوي عند قاعدة معينة، فبعض الديانات ليس لها دور وينطوي المتدين على نفسه وبعض المجتمعات قوام أخلاقها؛ والخلاصة أن الدين والأخلاق لا يكون بينهما إلاّ تشابه موضوعي مع اختلاف البواعث والأهداف. لذا نقول فلان ذو دين وخلق. لكن في بعض الاحيان قد نقول فلان ذو دين ونقصد به انه ذو خلق اذا كان دينه يشمل الاخلاق لكن عندما نقول فلان ذو خلق فلا نعني انه ذو دين فالاخلاق جانب انساني لا علاقة له بالمجال الغيبي ان الدين والفلسفة كلاهما يعالجان موضوع الاخلاق والاله والغاية من الوجود لكن نتائجهما مختلفة فالدين وجد من اجل الجميع والنبي لا يكون نبيا الا اذا نشر رسالته اما الفيلسوف ينطوي على نفسه وتبقى الفلسفة منحصرة في مجموعة خاصة كما ان بعض المذاهب الفلسفية المادية تتباين مع الدين تماما
من رام العلا في طلب العلم، والجودة في إتقان البحث، فعليه بالنظر في أبحاث الفحول الأقحاح، والدربة على مناهجهم، ودراز هنا كان مثالا لامعا في دراسته لتعريف الدين، ومسيره في الوصول إليه.
يمر المؤلف عبر مراحل ترشيح صارمة، يشذب من خلالها هذا المفهوم، وينفض عنه ما التصق به من معان حديثة أو قديمة، ليخرج لنا بقلب هذا المفهوم، وذلك عبر سبر وتقسيم ومقارنة وتتبع. فنجده يمر في استعراض سريع لتاريخ الأديان، يتبعه ببحث لغوي ومعرفي وتحليلي لمعنى الدين، ثم يفرد فصلا للعناصر النفسية يناقش فيها مواضيع نذكر رؤوس أقلامها: ١- الفرق بين الخضوع الديني والخضوع الطبيعي. ٢- هل تمحی ظاهرة الموت ۳- ( الإيمان جماع أمل وحذر ) ( الإلحاد أمن غافل أو یاس قاتل ). ٤- الأديان تمهد لتقدم العلوم ٥- لا جديد في الكون إلا بفعل إرادة عاقلة ٦- العلوم الراقية تفحص الآلة ولا تفكر في مخترع الآلة ۷- إغفال هذا التفكير هبوط إلى مستوى الحيوانية ٨- ضم العناصر المستخرجة من هذا التحليل ٩- المآخذ على تعريف المدرسة الاجتماعية ثم يتناول في المبحث التالي: علاقة الدين بأنواع الثقافة والتهذيب: الدين و(الأخلاق-الفلسفة “كان أثراها بالنسبة لي”-سائر العلوم). وخلاصة فصل الدين والفلسفة، وبعد طول نقاش عن المساحة التي يؤثر فيها الدين والمساحة التي تؤثر فيها الفلسفة، وعن لغتهما ما بين عاطفية خطابية وعقلية إقناعية، يلخصها كالتالي: “أن الدين في كل أوضاعه لا يقنع بعمل العقل قليلا أو كثيرا حتى يضم إليه ركون القلب. الفلسفة تعمل إذن في جانب من جوانب النفس، والدين يستحوذ عليها في جملتها. الفلسفة ملاحظة ، وتحليل ، وتركيب ، فهي صناعة تقطع أوصال الحقيقة وتزهق روحها ، ثم تؤلف بينها لتعرضها من جديد في نسق صناعي على مرآة الفطنة ، فتنطبع على سطح النفس قشرة يابسة . أما الدين فهو حداء ونشيد يحمل الحقيقة جملة ، فيعبر بها هذه القشرة السطحية ، لينفذ منها إلى أعماق القلوب وأغوارها ، فتعطيها النفس كليتها ، وتملكها زمامها. ومن هنا يستنبط فرق دقيق بين الفلسفة والدين: ذلك أن غاية الفلسفة نظرية ، حتى في قسمها العلمي ، وغاية الدين عملية حتى في جانبه العملي. فأقصى مطالب الفلسفة أن تعرفنا الحق والخير ما هما وأين هما؟ ولا يعنيها بعد ذلك موقفنا من الحق الذي نعرفه، والخير الذي تحدده. أما الدين فيعرفنا الحق لا لنعرف فحسب ، بل لنؤمن به ونحبه ونمجده ، ويعرفنا الواجب لنؤديه ونوفيه، ونكمل نفوسنا بتحقيقه. والمظهر الثاني من المظاهر العملية للفكرة الدينية هو ميلها إلى التدفق في الميدان الاجتماعي ، ذلك أن طبيعة العقيدة كريمة فياضة ، تنزع دائما إلى الانتشار صلب المشاركة ، وتهز صاحبها إلى تحقيق أهدافها بالنشر والدعوة . بينما الفكرة العلمية أو الفلسفة تميل -ككل ثروة إنسانية- إلى الاحتجاز والاحتكار والاستئثار ، أو على الأقل لا تسعى بطبعها لهذا التوسع ، ولا يعنيها أن تصبح في متناول الجمهور.” وهذا لعمر الله من أجمل ما قيل في التفريق بينهما، وفي تفسير غيرة المتدين، واتقاد حرارة الدعوة في سلوكه، ودحض ما يسمى اليوم “استشرافا” و”وصاية” يوصم بها المتدين الحق، ويوضع بسببها في مقارنة باردة مع غيره من أصحاب الأفكار، ظنا منهم أنه صاحب فكرة يكفيه منها تمسك فردي، لا خوف مدفوع بيقين إلهي، والحق أن ما ذكره دراز هو الدافع الذي امتاز به المتدين عن غيره من الفلاسفة والمفكرين.
ثم بعد ذلك أفرد فصلا في نزعة الدين ومدى أصالته في الفطرة، عبر إثبات أقدمية الديانات، وناقش فيه مصيرها أمام التقدم العلمي، مستعرضا النظ��يات الحديثة، مناقشا لها، مستدلا على مدى التماس بينهما ودلالة بعضهما على بعض بالقوة الإشعاعية الناتجة عن تحطيم الذرة (المادة) التي تتكشف عن أصلها الأصيل كـ”طاقة”، يلزم البحث عن مصدرها خارج ذلك الهيكل المادي المحطم. وهكذا يقترب عالم المادة رويدا رويدا من عالم المجردات، ويكاد يتصل عالم الشهادة بعالم الغيب من جهة حده الأدنى. في الفصل الذي يليه يستعرض ينابيع النزعة الدينية في النفس البشرية: (قوة الفكر، الوجدان، الإرادة)، ثم فصل في وظيفة الأديان في المجتمع. وبعدها انتقل إلى نشأة العقيدة الإلهية، في (العقل الغريزي، الوعي المتيقظ والشعور المتوقد) والوضع التاريخي والتعليلي للمسألة، ذاكرا المذاهب والنظريات، متبعا ذلك بنظرة جامعة له، وقد ألحق الكتاب في نهايته ببحيث ألقاه الدكتور في الندوة العالمية للأديان بعنوان: “موقف الإسلام من الأديان الأخرى وعلاقته بها”.
هكذا يخرج لنا الدكتور. محمد عبدالله دراز -رحمه الله- من هذه الرحلة بتعريف دقيق للدين، يجلي حقيقته، ويهش عنه كل تصورات ساذجة أو ناقصة أو مختلطة، في رحلة قصيرة، تتسم بالتعددية والمقارنة، وتصلح كقراءة خفيفة لا كما قد يوحي به عنوان البحث، بل أجد في دراسته خفة واكتفاء برؤوس الأقلام في كل مبحث يثريك ولا يكفيك، وفي ظني لا يصنف من طوال المباحث أو عميقها، ولا وعب القراءات وثقيلها.. بل يعد خفيفا مجملا مدخلا لموضوع “الدين”.
مخرج: “لقد وُجدت وتوجد جماعات إنسانية من غير علوم وفنون وفلسفات، ولكنه لم توجد قط جماعة بلا ديانة”. *هنري برجسون
أفضال برنامج "صناعة المحاور" عليّ لا أكاد أحصيها. لكن من بين أهم ما قدمته لي الدراسة تعريفي بهذا الكاتب الفريد الذي تأخرتُ كثيرًا في قراءته، ولعل في ذلك حكمة. محمد عبد الله دراز - رحمه الله - كاتب صعب، ومفكر ثقيل. لو كنتُ قرأته قبل هذا لم أكن على الأرجح لأفهم ما فهمته منه اليوم، وأنا أُنهي قراءة هذا البحث - المختصر كمّا والثقيل كيفًا - عن مفهوم الدين ونشأته وبواعث هذه النشأة من وجهة نظر المدارس الفكرية المختلفة، والتعقيب عليها بالنقد بعد الشرح، وتقديم جماعها في رؤية شاملة في خاتمة البحث. رحم الله العلّامة دراز وجزاه - وجزى من قرَّر دراسته - عني خيرًا.
لطالما كان موضوع الظاهرة الدينيّة مِن المواضيع التي تستأثرني بكبير إهتمام، على شكل تسؤلات كانت تطرح نفسها كلّما فكّرت في الجموع المتديّنة وماهية الدين وأصله، و كيفيّة تأثيره على المجتمعات... دفعني ذاك منذ ثلاث سنوات لمتابعة دورة قدّمها الدكتور محمد بن المختار الشنقيطي في منصّة "رواق" التعليميّة، حول فلسفة الأديان، أجابت على الكثير من هذه الأسئلة، وتعرّفتُ من خلالها على الدكتور محمد دراز - رحمه الله -وكتابه "الدين".. وها أنا ذا اليوم بحمد الله أُنهي هذا الكتاب النّفيس، بمزيد من الإجابات، والتأكيدات وبمزيد من الإحترام والإمتنان لهذه الشخصيّة الفذّة المتواضعة، والمحترمة لمنهجيات البحث و العرض والنقد، إحترامًا قلّما تجده في كتب من هذه النوع -تناقش النظرات الغربية وتسفه أصحابها - فالأستاذ دراز يعرض التعريف أو النظريّة عرضا كاملًا، ثم يناقشها ثمّ يسرد الإعتراضات مدعومة بالحجّة ، بل ويجتهد في استخراج وإلتماس جانب من الصّحة والإصابة فيها بدل ردها بالجُملة. انقسم الكتاب إلى مدخل خصصه للحديث عن تاريخ الأديان وإلى أربعة مباحث رئيسيّة، تناول في أولها مفهوم الدين وعناصِره الموضوعيّة والنّفسية، فعرّفه على أنّه: [ الاعتقاد بوجود ذات -أو ذوات - غيبة علويةـ لها شعور وإختيار، ولها تصرف وتدبير للشؤون التي تنعى الإنسان، إعتقاد من شأنه أن يبعثَ على مناجاة تلك الذات السامية في رغبة ورهبة، وفي خضوع وتمجيد] أو هو: [ الإيمان بذات إلهية، جديرة بالعبادة]. ثم انتقل في المبحث الثاني لعرض علاقة الدين بموضوع الأخلاق والفلسفة وسائر العلوم ومبحث ثالث خصصه للحديث عن نزعة التديّن وأنماطه، ووظيفة الدين في المجتمع، ومستقبله أمام تطور العلوم. ليختم بالمبحث الأطول والرئيس الذي ناقش فيه نشأة العقيدة الإلهية واختلاف المذاهب الطبيعيّة، الإجتماعية والنفسيّة، ومذهب الوحي في تحديد باعثة الدين وأصله. ويضيف الناشر في الأخير محاضرة للشيخ دراز حول موقف الإسلام من الأديان الأخرى علاقته بها. ___ للمفكر محمد الشنقيطي ملاحظة دقيقة يقول فيها أنّ : " الشعوب في البلدان الإسلامية والعربية هي أكثر الشعوب تدينًا ولكنهم أقل الشعوب دراسة علمية للأديان بالمعنى الأكاديمي." فما أحوجنا للتدارس والعناية بهكذا مؤلّفات.
من أبدع ماقرأت على الإطلاق، ولا أظن قراءة واحدة تعطيه حقه على صغر حجمه وقلة ورقه، ألقى بادئ ذي بدء نظرة سريعة جداً على تاريخ الدين وأحواله، منذ عصر الفراعنة إلى هذا العصر الحديث، ثم فصّل وتوسع وأفاض في تحديد معنى الدين، ولا تحسبن هذه الاستفاضة والتوسع والتفصيل كانت في أخذ الحيز وملء الفراغ والتطويل في غير فائدة، لا، ولكن في قوة الدقة وبراعة التحليل وعمق الفِكرة، تعرض أثناء ذلك إلى نقد معاجمنا العربية بـ"قلة غناءها وسوء تأليفها" بلمحة يعرف من عانى النظر في تلك المعاجم أنها صادقة كل الصدق؛ على كلٍ خلص من كل أولئك(وبعد أن نقل 14 تعريفًا للدين عند دهاقين الفلسفة والاجتماع في الغرب ونقدها) إلى أن معنى الدين دائرٌ في فلك "الخضوع ولزوم الانقياد"، ولكن ليس كل خضوعٍ دينًا، فكيف السبيل إلى الفصل بين الدين وغيره مما يتصل بسبب قريبٍ أو بعيد بهذا المعنى ؟ يقول أن الفرق في أمرين: 1- الشيء الذي يُخضع له وصفاته 2- طبيعة هذا الخضوع
يقول عبدالعزيز محاولاً أن يختصر قدر الإمكان: أما الصفات الموضوعية فأبرزها كون هذا الشيء ذاتًا لا مجرد فكرة تجريدية، ثم أخذ في تفصيل خصائص هذه الذات، وتحدث بعدها عن الفرق الثاني، ألا وهو طبيعة هذا الخضوع وما يعتمل فيه من رهبة ورغبة ورجاء وخوف وصفات لا تجدها إلا عند المتدين.
المبحث الثاني كان في علاقة الدين بأنواع الثقافة والتهذيب: بدأ بالـ"دين والأخلاق"، مقسمًا العلاقة بينهما إلى نظرية تجريدية، وواقعية تاريخية، ومدى الخلاف بينهما .
ثم تكلم عن "الدين والفلسفة"، مقرراً أن الموضوع بينهما واحد، ولكن هذا لا يلزم عنه الاتفاق في النتائج، أما بين الدين والفلسفات المادية فالخلاف أظهر من أن يشار إليه، وأما بينه وبين بعض المذاهب الفلسفية المقرة بالإله القائلة بالصانع، فكونها تفقد عنصرين من عناصر الدين هما: 1- بدء الخلق: وعنده-المؤلف-أن جميع النحل الدينية تقول بـ"إحداث مادة من عدم" بينا يقول الفلاسفة الذين يرد عليهم أن عمل الله كان مجرد ترتيب وتنسيق مواد وجدها أمامه !
2- الربوبية: والخلف هنا بين الدين وتلك المذاهب هو في العناية المستمرة والتدبير المتصل وصلة الصانع-جل في علاه- بهذا العالم، إذ يقول أولئك الفلاسفة أن الله بعدما فرغ من صنع هذا العالم خلاه وشأنه، عمل المهندس فرغ من تصميم البناية وإنشائها.
ثم انتقل لمذاهب فلسفية هي أقرب للدين من تلك التي ذكرناها آنفًا، إذ نقل ثلاثة آراء، الأول لأبي نصر الفارابي يقول فيه أن الفلسفة طريقها الحجة والبرهان وأما الأديان فطريقها الإقناع الخطابي والتمثيلي، ورد عليه بكلامٍ لفيلسوف قرطبة ابن رشد الحفيد نقله عن كتابه "فصل المقال" يبين فيه عُوار كلام صاحبنا هذا، أما الرأي الثاني فكان لرئيسهم وشيخهم ابن سينا يقول فيه أن الفرق بين الفلسفة والدين هو في أن الدين اعتنى بالحكمة العملية واستوفى الكلام فيها على التمام بينا لم يعتن إلا بمبادئ الحكمة النظرية تاركًا للعقل تحصيلها بالكمال، ويرى المؤلف أن هذا لا يصلح فرقًا بين الدين والفلسفة لأنه لا ينطبق إلا على دين الإسلام دون سائر الأديان، ثم نقل جملة آراء لعلماء الغرب(وما أظن أكثرها يطرق سمعك لأول مرة)وناقشها ثم ختم برأيه في الفرق بين الدين والفلسفة الذي يلخصه في أن الفلسفة غايتها المعرفة ومطلبها فكرة جافة، بينا الدين غايته الإيمان ومطلبه روح وثابة وقوة محركة.
هذا ماجاء في أول 70 صفحة من الكتاب فقط، ثم تشعبت به المواضيع، فأكمل هذا الفصل بتعرضه للعلائق بين الدين وبقية العلوم، ثم تحدث عن التدين وموضعه من النفس وينابيعه منها، ووظيفة الدين في المجتمع وغير هذا، وهو في كل ماطرقه كان في الغاية التي ليس بعدها، وما أنس لا أنس تلك اللغة العالية التي يكتب بها هذا العلامة، ولعمري إنك لتجد في قلمه من نصاعة البيان وإشراق الحرف والتفنن في سبك العبارة وحسن صياغتها حتى تخرج في أحسن صورة وأبهاها مايجعل أسلوبه يفي بأساليب عشرات ممن يدعون صناعة الأدب وينتسبون إليها هذه الأيام .
الكتاب كما هو واضحٌ من عنوانه الفرعي عبارة عن "بحوث ممهدة في تاريخ الأديان" وهي مجموعة من البحوث التي تناقش عدداً من الأفكار: تعريف الدين وماهيته، ونظرة في تاريخ الأديان وفكرة التدين، وعلاقة الدين بالأخلاق والفلسفة والعلم،ونشأة العقيدة الإلهية والمذاهب الفكرية المفسرة لأسباب وجود الدين، والنظرة الإسلامية المتكاملة في هذا الشأن من أفضل الأجزاء التي قرأتها في الكتاب هي المتعلقة بعلاقة الدين بالأخلاق وبالفلسفة، والبحوث بالكتاب عموماً يتنوع أسلوبها بين السهولة والسلاسة، وبين التركيز الذي يستلزم إعادة القراءة. لكنها في المجمل تمتاز بالعمق والنظرة التجديدية والأساليب العذبة التي تميز بها الشيخ دراز رحمه الله ...تأمل معي هذه الفقرات:
"فالفاصل الأخير الذي يتم به تصوير القوة التي يؤمن بها المتدين أنها قوة علوية سبحانية، قاهرة غير مقهورة، يخضع هو لها، ولا تخضع له. إن شئنا أن نضرب مثلاً حسياً لهذه الأهداف المختلفة، قلنا إن قِبلة العالِم المادي تحت أقدامه، لأن القوى التي هو منها بسبيل قوىً عمياء صماء، يحس بها ولا تحس به، وإذا دعاها لا تستجيب له. وقِبلة العالم الروحي (الساحر أو الكاهن أو مناجي الأراوح) هي من وجهٍ ما في مستوى أفقه، لأنها وإن كانت أقدر منه على التصرف، إلا أنها قوىً حية عاقلة مثله، ولكنها من وجهٍ آخر هي دونه، لأنها تحت يده، متصرفة بأمره، منقادة إلى تعاويذه وطلاسمه. أما المؤمن فإنه يهدف إلى أعلى من ذلك كله، لأنه يتجه إلى القوة العليا بإطلاق، فالكل ينكسون أبصارهم إلى الأرض، والمؤمن يرفع رأسه إلى السماء."
وهذه الفقرة عن علاقة الدين بالأخلاق: "والخلاصة أن الدين والأخلاق في أصلهما حقيقتان منفصلتا النزعة والموضوع، ولكنهما يلتقيان في نهايتيهما، فينظر كل منهما إلى موضوع الآخر من وجهة نظره الخاصة. كمثل شجرتين متجاورتين تمتد فروعهما، وتتعانق أغصانهما، حتى تظلل إحداهما الأخرى."
وفي تفسي��ه لمعنى "مهيمناً" في قول الله تعالى "وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ" قال الشيخ "ومن قضية الحراسة الأمينة على تلك الكتب أن لا يكتفي الحارس بتأييد ما خلده التاريخ فيها من حق وخير، بل عليه -فوق ذلك- أن يحميها من الدخيل الذي عساه أن يضاف إليها بغير حق، وأن يبرز ما تمس إليه الحاجة من الحقائق التي عساها أن تكون قد أخفيت منها، وهكذا كان من مهمة القرآن أن ينفى عنها الزوائد، وأن يتحدى من يدعي وجودها في تلك الكتب..
هذا هو الكتاب الثاني الذي أقرأه للشيخ دراز رحمة ا��له عليه، ويتضح فيه جلياً كم أفاد من سني دراسته بفرنسا من توسيع للأفق والمدارك، مع رسوخ قدمه في علوم الدين وعدم زيغه وإنبهاره الأعمى بأضواء الحضارة الغربية، لأنه كان متشبعاً بنور الله بين جوانحه. رحم الله الشيخ دراز وجزاه عنا خيراً
البحوث الأربعة الأولى مركزة و دسمة جدا ربما تحتاج كل فقرة ان تقرأ أكثر من مرة الكاتب بذل مجهود رائع في اختصار تاريخ الاديان فى صفحات قليلة لكن قيمة تحتاج وقت طويل وتركيز شديد أما آخر بحثين المتعلقين بالإسلام كانا أكثر سهولة ربما لانهما يعتبرا ملخصا لكتاب النبأ العظيم للكاتب نفسه الذي قرأته من قبل
هايل هايل كأول قراءة في تاريخ الأديان ، هو يجمع أغلب النظريات الفلسفة التي تناولت نشوء الدين و نشوء الذات الإلاهية من المذهب الطبيعي التأملي إلى المذهب الروحي ،المذهب الأخلاقي ، الى المذهب التعليمي عن طريق الوحي ..تعريف الدين ..الخ ..كان مفيد لي أنصح نفسي به لإعادة قرائته .
يبدأ المؤلف بعرض سريع لتاريخ الأديان مستعرضا أبرز الحضارات والنشاة الدينية التي برزت بها ابتداء من العصر الفرعوني ، والإغريقي ، والروماني ، والمسيحي ، والاسلامي ، والعصر الحديث .
وتتجلى مظاهر الوثنية الظالمة في تلك العصور ويتجلى أيضاً للناظر النزعة التوحيدية التي جاء بها الأنبياء كافّة ليبطلوا ما عبد الأولون ويخرجون الناس من العبادة الوثنية الى عبادة الله كما برز ذلك عند الملك (اخناتون) في العصر الفرعوني مثلا ، وتنتشر من بعد ذلك الديانة المسيحية بصراع واحتكاك وأعلن كدين رسمي للبلاد على يد (قسطنطين) . ويأتي الدين المهيمن الدين الاسلامي على يد خاتم الأنبياء محمد صلى الله عليه وسلم .
ما هو الدين ؟ وكيف تظهر نزعته ؟ وكيف تجلت للانسان الأول ؟ وماهي مظاهره الدالة على وجوده مستقرا في نفوس الناس .
هذا ما يستعرضه المبحث الأول : ماهية الدين وفلسفته ..
وبعد أن ستقر مفهوم الدين في النفوس وبانت أبعاده وآثاره كان مسلك الباحث في استعراض علاقة الدين بأنواع الثقافة والتهذيب ( الدين والأخلاق ) ( الدين والفلسفة ) ( الدين وسائر العلوم ) دارسا لها ابتداء من الدين والأخلاق دراسة بشقين : دراسة نظرية تجريدية ، واقعية تارخية ) والتي تتأطر في التعريف العام : القيام بالفروض الالهية والانسانية معا .
ويأكد في نظرته للفلسفة انها أصل التدين ، حيث انها والدين وجدا لغاية واحدة فالمشكلة التي تعالجها الفلسفة هي ذاتها التي يعالجها الدين ، لكنهما اتحدا في موضوع البحث واختلفا في نتائج كل منهم والتاريخ يشهد .
والمبحث الثالث : في نزعة التدين ومدى أصالتها في الفطرة . ويجيب الكاتب عن الاسئلة التالية خلال هذ المبحث : . متى ظهرت فكرة الدين على وجه الأرض ؟ ما مصيرها أمام التطورات الفكرية في العلوم ؟ ما وظيفتها النفسية ؟ ما مهمتها الاجتماعية ؟
وعرض لشهادات العلماء (أنه لا توجد أمة بغير دين ).
ويحدد وظيفة الأديان في المجتمع حيث يتميز الشخص المتدين عن سائر الكائنات الحية ، بأن حركاته وتصرفاته الاختيارية يتولى قيادتها شيئ لا يقع عليه سمعه ولا بصره ولا يوضع في ديه ولا في عنقه ، ولا يجري في دمه ولا يجري في عضلاته وأعصابه انما هو معنى انساني روحاني الفكرة والعقيدة وهذا المعنى الذي اثراه العقيدة الاسلامية في مقابل غيرها مثل الماركسية التي تعتبر الفكر والضمير لا يؤثر في الحياة المادية ..
المبحث الرابع : في نشأة العقيدة الالهية : يناقش قانونا السببية والغائية أسبابها القائمة عليها ، والوضع التاريخي لها . ملاحظات عامّة حول الكتاب :
كتاب مختلف عن الكتب المطروحة عادة ، فكان يكتنفه الصعوبة حيناً ويحتاج للبحث والتوسع أحياناً أخرى ، فكثير من الفقرات التركيبية التي تحتاج لتحليل ، وفيه النظريات العالمية التي تحتاج لتوسع ، والمصطلحات الجديدة التي تحتاج لتعريف .
كل ذلك وغيره من التحديات التي زادت من استيعاب الكتاب الجم الفائدة ، وتنظيره مهم لنا في عصرنا حيث تغدوا المادية منتشرة بين الأوساط ، وحتى الالحاد موضة المستغربين التي تمتد لشبابنا اليوم ويكمن الحل في بث الوعي والتنظير المعرفي حول الموضوع وايصاله للشباب .
لغة الكاتب ومفرداته تميل للصعوبة هنا، وتتطلب من القارئ الكثير من التأمل وإعادة القراءة لفهم المقصود. عدا ذلك، الكتاب جيد لأخذ صورة شمولية عن نشوء الأديان أو لنقل فكرة التدين عند المجتمعات القديمة، مع سرد لمذاهب الفلاسفة وعلماء الاجتماع في هذا الشأن، وطرح عدد من الاعتراضات على هذه المذاهب، وإيضاح موقف الاسلام في هذه المسألة.
الدِّين: بحوث ممهَّدة لـ دراسة تاريخ الأديان؛ من الكتب المُوصى بها في هذا المجال و يستحقّ ذلك بجدارة. أوّل مرّةٍ وقع اسمي على د.محمد دراز في مادَّة أديان (٢) في تعريفات عديدة للدين ( قلت مقرر ٢ لأن مقرر ١ تم تلقيني اليهودية و النصرانية فقط! و قد كان من المفترض دراسة مقدمة للأديان ) على كلٍّ؛ كان منها تعريف دراز ، ثمّ لفَتني مرّةً أخرى في دروس د.محمد الشنقيطي في مادة ( دين الفطرة ) على موقع رواق خاصة في مفهوم السببية و الغائية.
آلَيتُ أن أبتاعه و لم أجده لشهورٍ خلَت، فقرّرت تحميله ووضعه في الكندل لقراءة أوّليّة و النّيَة بالشراء لازالت لأنه من الكتب التي تستحق القراءة مرّات عديدة و التأمّل في ثنايا صفحاته. رغم دراستي لمقرّرين عن الأديان أعترف بأني لم أستفد شيئًا يُذكر و بالكاد أتذكّر " الملازم المُشتّتة التي كنّا نبتاعها قبل الاختبار بليالٍ ليس تقصيراً و لكن لنزولها متأخراً " و لا أعلم سبب تحاملي أو خيبتي بأن تمرّ عليّ مادتين بهذا العمق تمرُق مروق السّهم من الرميّة بلا تعمّق أو عزْوٍ لمراجع أخرى!
على كلِّ حال استفدت من د.محمد الشنقيطي في حديثه عن الأديان و من درَاز و السوّاح و الموسوعة الميسّرة مالم يُقِم جوعي في دراستي الأكاديمية لها.
عوداً على ذي بدء .. هذا الكتاب كان منهجًا دراسيًا - رُبّما هذا سبب خيبتي أعلاه بعدم دراسته -
في مقدمته سرد لتاريخ الأديان و ما اقتبست: كلمة تاريخ الأديان كلمة معرّبة عن لغة الفرنجة و التسمية مستحدثة لم تعرفها أوروبا إلا عند فجر القرن التاسع عشر .. على أن الحديث عن العقائد البشريّة هو في جوهره شأنٌ قديم، معاصر لاختلاف الناس في مللهم و نحلهم تتسع مادته حينًا و تضيق حينًا بمقدار تعارف أهل الأديان فيما بينهم...
منذ ألوف السنين قبل ميلاد المسيح دوّن المصريّون عقائدهم و عوائدهم ووقائعهم، و ألوان حياتهم أقوالاً متفرّقة مسطورةً في قراطيس البردى أو منقوشةً على جدران المقابر و المعابد. و على قدر سعة فتوحهم اتّسعت صدورهم لمختلف العقائد، فتركوا لكل إقليم حرّيته في تقديس ماشاء، و اتخاذ ماشاء من الرّموز الموضعية. و لم يشذّ عن هذا إلا في عصورٍ قليلة مثل ماصنعته مدرسة " عين شمس " حين حاولت إبطال كل عبادة إلا عبادة إله الشمس.
أما في العصر الإغريقي فكانت شؤون الأديان فيها تُساق عرضاً في ثنايا الشؤون الحيوية الأخرى و تتسم بطابع أسطوري و تمثيلي. و قد كانت فتوح الاسكندر المقدوني سبباً في انفساح مجال المعرفة لأديانٍ أخرى حيث وصلت جيوش الاسكندر إلى الهند و كتب عنها ميجاستين.
و في العصر الروماني ( القرن الثاني قبل الميلاد ) أُخضع الرومان للدولة اليونانية سياسيًا فأصبحت ولاية تابعةً لهم بعد أن كانوا هم تبعاً لها.
ثم ذكر دراز العصر المسيحي و انتهاءً بعصر الإسلام و انتقل للحديث عن نهضة أوروبا الحديثة.
ثم تناول بحوثًا أربعة: البحث الأول: في تحديد معنى الدين ( عن المعاني اللغوية و العرفية و تحليل الفكرة الدينية و العناصر الموضوعية و النفسية ) البحث الثاني: في علاقة الدين بأنواع الثقافة و التهذيب ( في الدين و الأخلاق و الدين و الفلسفة و الدين و سائر العلوم الأخرى ) البحث الثالث: في نزعة الدين و مدى أصالتها في الفطرة .. ( في مدى أقدمية الديانات في الوجود و مصير الديانات أمام تقدم العلوم عن ينابيع الندعة الدينية في النفس البشرية ) البحث الرابع: في نشأة العقيدة الإلهية ( دعائمها في العقل الغريزي و عواملها في الوعي المتيقظ و الشعور المتوقد و وضعها التاريخي و التعليلي للمسألة و اختلاف المذاهب فيه ) و إتماماً للفائدة وُضِع ملحق بحث لدراز رحمة الله عليه عن: موقف الإسلام من الأديان الأخرى و علاقته بها.
هذه ثاني قراءة لي في كتب الشيخ محمد دراز - رحمه الله - وكعادتها عميقة وغزيرة في معلوماتها، لا تقرأ قراءة سطحية بل قراءة مركزة وبتكرار، ففي كل مرة قد تكتشف أمرًا جديدًا، وبهذه المناسبة أرجع الفضل - بعد الله - لبرنامج صناعة المحاور الذي أتاح لي ولمئات الطلاب فرصة معرفة هذه الشخصية وفكرها النير الفريد من نوعه، وهو بحق إضافة ومفخرة للتراث الإسلامي، كما يقول عنه د. محمد رجب البيومي الذي قدم لهذا الكتاب: "كان طرازًا خاصًا من المفكرين، لم يكن يكتب غير الجديد الطريف الذي لم يسمع به القارئ من قبل، مهما تنوعت ثقافته واتسع إدراكه".
وحتى أنه يتفق بأن تلخيص مؤلفات الشيخ دراز ووصفها دون الإخلال بها من الصعوبة بمكان قائلًا: "تقديم بعض اللبنات دون بعض عرض للنوع فقط، وهو عرض لا يفي بالأصل المقصود، وهبك قرأت قصة فنية في صفحات، أتستطيع تلخيصها دون أن تخل ببنائها الفني؟ كذلك المقال العلمي التحليلي لا يلخص إلا ليدل على المثال، لا أن يعبر عن حقيقة المقال".
ثم عرض لنشأته العلمية الفريدة ونبوغه في سن مبكر وتربية والده القرآنية له، ثم ترشحه لعضوية البعثة الأزهرية إلى فرنسا وبداية بزوغ نجمه في الدوائر العلمية العالمية بدون أن يتنازل عن شيء من دينه ليرضي الفرنجة المشرفين على رسالته، بل كان حتى يصحح أخطاء من جحدوا الإسلام وفضله ويستدرك عليهم.
أكثر ما أعجبني في الكتاب أنه بعد ما عرض المذاهب الفلسفية التي تفسر تولد العقيدة الإلهية قام بنقدها وبيان ما فيها من تناقض وعوار مستضيئًا بنور الوحي الذي يضع كل الأمور في نصابها الصحيح ويوجه عقل الإنسان نحو التفكير السليم، ثم ختم ببيان منهج القرآن في نظرة جامعة لهذه المسالك والأدلة عليها منه، وأن ما أخطأ فيه هؤلاء المفكرين اقتصارهم على طرق دون أخرى، وجعل كل واحد منهم نفسه مقياسًا عالميًا لتفسير نشأة العقيدة.
فمثًلا أصحاب المنهج الطبيعي يقررون أن التأمل في مشاهد الكون وحده سبب في ظهور الإيمان بالخالق، وكذلك الحال بالنسبة لكل مذهب، والحق كما نجد في القرآن أنه أحاط بأطراف هذه المسالك، بل ربما زاد في كل منهج عناصر جديدة، ونوع في أساليب الدعوة إلى الله لاختلاف وسائل الاقتناع عند الناس، كما أشار إلى ذلك الشيخ رحمه الله.
ثم ختم كتابه بعبارات بديعة تدل على أنه كان رجلًا قرآنيًا بحق وقلبه معلق بكتاب ربه قال فيها: "هكذا يلتقي في محيط القرآن ما رأيناه قد تشعب عند العلماء من مسالك الاعتبار، ومذاهب البحث والنظر.
وإنه لن يسع الباحث المنصف، متى تحقق من هذه الإحاطة العلمية الشاملة إلا أن يرى فيها آية جديدة على أن القرآن المجيد ليس صورة لنفسية فرد، ولا مرآة لعقلية شعب، ولا سجلًا لتاريخ عصر؛ وإنما هو كتاب الإنسانية المفتوح، ومنهلها المورود فمهما تتباعد الأقطار والعصور، ومهما تتعدد الأجناس والألوان واللغات، ومهما تتفاوت المشارب والنزعات، سيجد فيه كل طالب للحق سبيلًا ممهدًا، يهديه إلى الله على بصيرة وبينة. ﴿وَلَقَد تَرَكناها آيَةً فَهَل مِن مُدَّكِرٍ﴾ [القمر: ١٥]".
بالنسبة للبناء البياني للكتاب فهو رائع والبلاغة اللغوية للكاتب واضحة جلية في كل تفصلاته ومواضعه بصورة بديعة !
من الناحية الفكرية هناك نقطة ذات حدين هي أكثر ما استرعت إنتباهي : هي أن الكاتب آثر أن يعلمك لا أن يلقنك .. وهي نقطة إيجابية جداً فهو جعل يعرض لك النظريات والأفكار ثم يترك لك الفرصة لنقدها بنفسك وأخذ يفكر معك يطرح التسؤالات بين الحين والآخر !! لتفكر .. ويبني لك مهارة الفكر النقدي بطريقة عملية بحته .
لكن هذه النقطة أيضاً قد تسبب لبعض القراء نوعاً من التوتر أو الضبابية في الرؤيا ، فبعض الناس يحتاج إلى تكوين رؤيا متسلسة واضحة تماماً لأفكاره .. كبناء هرمي ، وبالنسبة لي أرى أن بناء هذا الكتاب كان مستوياً بعض الشيء !!
الشيئ الرائع فعلاً هو أن الكاتب لما تحدث لم يحدثك من وجهة نظره ولا من النظرة الإسلامية لا لطبيعة التدين ولا لنشئة العقيدة الإلهية ولا في غيرها من الموضوعات بل عرض كل شيئ بتجرد علمي فاق فيه الفلاسفة الكثيرين الذين تحث عنهم واقتبس منهم !! .. كونه مرك تماماً لمدى قصور رؤيته - مهما عمقت - على حد معلوماته وفكره .. فآثر أن يشارك القارئ التفكير وأن يدع له فرصة وضع المزيد من الأفكار !! .. ولما عرض أخيراً نظرة الإسلام جعلتك تلقائياً تشعر بمدى سخافة الأطروحات السابقة التي أمضيت الوقت تتجول ما بينها دون أن يتعب نفسه في إقناعك بذلك أو يسوق الأدلة في نقد هذه الأطروحات ! ... ولكنه فعل ما هو أفضل : ساق الأدلة الدينية من القرآن التي تدعم هذه النظريات وتؤيدها وتزيد عليها أيضاً ، فيزيد إعظامك لهذا الدين وهذا المنهج الذي يتبعه !!
كتابي الأول في عالم الدكتور/محمد عبدالله دراز وبأذن الله لن يكون الأخير الكتاب ليس عن دين معين أو عقائد دينيه معينه ولكن عن الدين بصورته العامة الشاملة وهو الإيمان بذات إلهية . جديرة بالطاعة والعبادة يبدأ المؤلف بعرض سريع لتاريخ الأديان بداية بالعصر الفرعوني ونهاية بالعصر الأسلامي ثم ينتقل في البحث الثاني ليناقش علاقة الدين بالعلوم والأخلاق والفلسفة التي تشترك مع الدين في موضوع البحث وكذلك فان المشاكل التي تعالجها الفلسفة هي ذات المشاكل التي تسعى الأديان لحلها غير ان الفرق بين الدين والفلسفة يكمن في أن غاية الفلسفة معرفة الحق والخير وكيف السبيل اليهما؟ ولا يهمها كثيرا موقف الناس من ذلك الحق أما الدين فيعرفنا الحق لا لنعرفه فحسب بل لنؤمن به ونحبه ونمجده. أما البحث الثالث فتم تخصيصه للحديث عن نزعة التدين تاريخها ومستقبلها أمام التطورات العلمية والفكرية فمن حيث التاريخ: فالواضح انه قد توجد جماعات بدون علوم وفلسفات وفنون ، لكن لم توجد قط على مر التاريخ جماعة بدون دين . و أما من حيث المستقبل :فإنه من الممكن ان تضمحل صناعات وتبطل حرية العلم والفكر لكن يستحيل ان ينمحي الدين و الواقع ان ازدياد العلم ونمو المعرفة سيكون سببا في نمو النزعة الدينيه لا اختفائها ذلك لان التقدم الكبير في مجال العلوم يقربنا من الاعتراف بحقيقة جهلنا وأن ما نعلمه عن الكون أقل بكثر مما نجهله . يختتم الكاتب -رحمه الله- الكتاب ببحث عن نشأة العقيدة الإلهية حيث تشترك كثير من المذاهب الحديثة في أن العقيدة الإلهية وصل اليها الإنسان بنفسه عن طريق عوامل إنسانية في الطرف المقابل يقرر المذهب التعليمي ان الناس لم يسيروا الى الأديان بل سارت هي اليهم و انهم لم يعرفوا ربهم الا عن طريق الوحي
الدين بحوث ممهدة لدراسة تاريخ الأديان محمد عبد الله دراز ........................ يقع الكتاب في أقل من مائتي صفحة في أربع مباحث، المبحث الأول: في تحديد معني الدين. وفيه تحدث الإمام عن المعني اللغوي لكلمة دين، والمعني العرفي لها. كما تحدث عن العناصر النفسية المحددة لمعني الدين لدي المتدين. في المبحث الثاني: في علاقة الدين بأنواع الثقافة والتهذيب. تحدث عن الدين وعلاقته بالأخلاق، وعلاقة الدين بالفلسفة، وعلاقة الدين بسائر العلوم، ومدي الاتصال والانفصال الواقع بينهما. في المبحث الثالث: في نزعة الدين، ومدي أصالتها في الفطرة. تحدث عن الدين في القدم، ومصير الديانات أمام التقدم العلمي، والدين وينبوعه في النفس الإنسانية، ووظيفة الأديان في المجتمع. في المبحث الرابع: في نشأة العقيدة الإلهية، تحدث عن عوامل يقظة العقيدة الإلهية في النفوس الإنسانية، وقام بعرض تاريخي للمسألة. بالرغم من أن الكتاب مجرد مقدمة وتعريف بسيط بميدان الدراسات المقارنة للأديان، وبالرغم من صغر حجمه إلا أني أراه مملا بعض الشيء.
في عرضا سريع لمختلف الحضارات التي سبقت الاسلام في مظاهر تدينها و و طقوسها و نسكها بتنوع اشكالها يبتدأ الشيخ بحثه لتأكيد رسوخ فطرة التدين و الميل الى الكامل و القوة التي نبحث عنها نحن لاستيفاء ما ينقصنا،،، ما لفت نظري في تأسيسه لتعريف الدين لم يقتصر على الاسلام او الأديان السماوية بل أعطى تعريفا مانعا شاملا للاديان وثنية كانت ام سماوية،،،،((تعريف جميل ^^))
و ما لفت نظري هو فصل التفريق ما بين الفلسفة و الدين ،،،،و ان كانت جميع الفصول تقدم فوائد لا بأس بها،احسست بمللا شديد في موضوع الرد على المدارس الفلسفية المختلفة التي درست موضوع علم الأديان و حاولت ان تقدم نظرية لنشأة الدين و بزوغ فكرة الرب و ذلك لتعقديها اللفظي و غبائها ،،،لم استفد جداً هنا،،،
أصنف الكتب ضمن قائمة الكتب التي تهدى لمن يريد ان يفهم مفهوم الدين و دوره في الحياة او للدارسين المتخصصين في علم الأديان،،،
كنت أصرف النظر عن الكتاب ظنًّا بأنه كلام مكرور في العقيدة الإسلامية، حتى اضطررت لقراءته مع مجموعة من الأصدقاء، فشكرتهم مرارًا على الاختيار. رحلة ثرية بكل ما تحمله الكلمة من ثرا��، معنى ال��ين كدين، وليس كإسلام فقط، ما قبل تحديد الدين، أصل الإنسان الأول ماذا كان؟ وكيف تتشكّل الأديان، وعلاقة الدين بالفلسفة والعلم. قرأته بطبعة مركز تفكر التي تضمنت بحثين في نهايته، عن الإسلام والنبي محمد ﷺ ، وعن مقارنة الإسلام بالأديان الأخرى والعلاقة بينهم. الكتاب يستحق القراءة والتلخيص والمدارسة والتعليق والتحشية وكل مهارات القراءة.
القراءة الثانية لهذا الكتاب، هذا البحث كان قد أعد لطلبة كلية الآداب فرع الاجتماع يتناول في هذا الكتاب ما هو تعريف الدين وما مفهومه؟ وتناول علاقة الدين بالفلسفة وبالعلم وبالأخلاق، وناقش في الكتاب العقيدة الإلهية مقارنة بالعقيدة الوثنية وعرض بعض النظريات التي فسرت العقيدة الإلهية ثم ختاما بحثان مكملان وهما: أصل الإسلام وعلاقته بالأديان الأخرى .. يستحق القراءة، يكفي أن الكاتب هو الشيخ دراز رحمه الله
كتاب الدين لشيخ محمد عبدالله دراز يتناول هذا الموضوع بطريقة لم أعهدها من قبل
موضوع "الدين" بصفته دينا من حيث خصائصه وطبيعته
مُنطلقا من المعنى اللغوي لكلمة "الدين" والتي وضح كيف أنها تتناسب مع طبيعة الدين ذاته .. وذلك بمعانهيا الثلاث الإخضاع والخضوع والإلتزام
ثم تعريف الدين إصطلاحا مُجردا وميزانا نستخدمه لنعرف الدين من غيره وكان ذلك التعريف الذي ارتضاه بعد عرضه عددا من التعاريف ونقدها بمنهجية صحيحة :
الاعتقاد بوجود ذات – أو ذوات- غيبية علوية ، لها شعور واختيار ، وتصرف وتدبير في الشؤون التي تعني الإنسان، اعتقاد من شأنه أن يبعث الإنسان إلى مناجاة هذه الذات ، رغبة ورهبة ، في خضوع وتمجيد.
ثم أسس ووضح لطبيعة العلاقة بين الدين وكل من الأخلاق والفلسفة والعلم
فتراه يوضح نقاط التقاء الدين بالإخلاق ... وكيف أن هناك من الناس والمجمتعات من دانت بأخلاق بلا دين ... وأُخرى تُراها دانت بديانات عُنيت بالعزلة الداخلية ولم يعنيها التصرفات والأفعال ... فبالتالي هما ليسا متلازمين ... ولكن بينهما من المشترك والمختلف
ثم بين الدين والفلسفة وهي المقارنة الشائكة التي لطالما طُرحت هنا وهناك ... ففند ونقد فكرة أن الفلسفة تقوم على البرهان العقلي بينما الدين على الخطاب والجدل .. ففي بعض الفلسفات خطاب وجدل ... والأديان بعضها لا يخلو من البراهين والأدلة العقلية
" وفي نهاية هذا المبحث ، يقدم المؤلف مقارنة مبدعة محلقة بين الفلسفة والدين ، مبرزا أن مطلب الفلسفة المعرفة ، أما مطلب الدين فالإيمان ، وأن الفلسفة ترى الحقيقة باردة جافة ، أما الدين فيطلبها متوثبة متقدة ، وأن الفلسفة تصل إلى الحقيقة بتقطيعها أوصالا وإزهاق روحها ، أما الدين فيلامسها روحا حية كلية متصلة ، وأن من شأن الفلسفة الاستئثار ، ومن شأن الدين الانتشار ، وأن الفيلسوف حين يبشر بفلسفته فإنه يستعير ثوب النبي ، وأن المؤمن حين ينكب على نفسه متأملا فإنه يستعير أعطاف الفيلسوف ، إلى نهاية المقارنة التي تبدو أجمل مفاصل الكتاب وأثراها . "
ثم تكلّم عن الدين والعلم .. وكيف ترابطهما معا بعكس ما قد يروج البعض ويحلو له ذلك
ثم بعدها تكلم عن نشأة العقيدة الألهية والدين فبدأ بالنظريتين الأكثر لشهرة .. إحداها تقول أن الأصل هي "الخرافة والوثنية" ثم من بعدها جاءت الأديان وفكرة التوحيد ... والأُخرى بأن الأصل هو التوحيد تبعها انحراف إلى الوثنية والشِرك.
ثم عرض لمختلف النظريات التي فسرت نشأة هذه الظاهرة الإلهية .. فعرض المذهب الطبيعي والروحي والنفسي والأخلاقي والاجتماعي .. والمذهب التعليمي
ثم وضع وبيّن بطريقة رائعة مُبدعة وبتأصيل من آيات القرآن كيفية التوفيق بين تفسيرات مختلف هذه المذاهب .. صحيح تفسيراتها بالطبع بعد تصحيحه وتنقيحه
كمجمل الكتاب جميل وطرح موضوع بصورة مبدعة ونحتاج الكثير من هذا التاصيل والطرح في مواضيع مهمة وفارقة في حياة الأفراد والمجتمعات مثل "الدين"
تُرى كم من كتابٍ بهذا القدر من النفاسة في مكتبتي لم أقرأه بعد ... اشتريتُ هذا الكتاب منذ سنوات .. وظل طيلة هذه السنوات على رف من رفوف المكتبة ينتظرُ وقتًا يحين فيه موعد قراءتي له .. وكم كنتُ مغبونًا بتركي لهذا الكنز الثمين طيلة هذه السنوات في مكتبتي دون قراءة .. رغم علمي بقدر مؤلفه وبراعته، بل حتى أني قرأت له من قبل كتاب النبأ العظيم وأصابتني حالة من الدهشة والانبهار بهذا النوع الفريد من الكتابة وهذه الطريقة العميقة في النظر للقرآن الكريم إضافة لأسلوبه البديع الذي يخلب أذهان القارئ.. والأمر كذلك لم يقل قدر أُنْمُلة في هذا الكتاب الفريد البديع .. الكتاب هو تحليل رائع وبديع في تاريخ الأديان يبدأ منذ العصر الفرعوني والإغريقي إلى عصر الحداثة الأوروبية كما يعرض المذاهب والأفكار التي حاولت تفسير فكرة/ظاهرة الدين في المجتمعات باختلافها .. أعجبتني بشدة تلك الصفحات القليلة التي استعرض فيها تعريف الدين تعريفًا لغويًا بطريقة ذكية بديعة لم أطلع على مثلها من قبل .. والكتاب بأكمله صراحةً سيكون من الصعب تحديد جزئية بعينها أعجبتني دون الأخرى .. فالكتاب كله رائع وبديع ومؤلفه أقل ما يمكن وصفه به بأنه عالم ذكي دقيق النظر مطلع بشكل كبير جدًا على مختلف الثقافات.
هذه البحوث الّتي قام بها الدّكتور محمّد عبد الله درّاز رحمه الله لدراسة تاريخ الأديان لهيَ من أفضل ما قرأت في هذا الموضوع، تميّز بقدرته الفائقة على الإقناع لا بالعاطفة إنّما بالدّليل التّحليليّ الفذّ. يحتوي الكتاب أبحاثاً أربعة تطرّق فيها إلى تحديد معنى الدّين ثمّ علاقته بتهذيب النّفس والمجتمعات وعلاقته بالثقافة والعلم، ثمّ يذهب إلى الدّين يستقصي نزعته ومدى أصالته في الفطرة وما هي الدّيانات وما وظيفتها في المجتمعات وأيّ الدّيانات أقدم، ثمّ يميلُ إلى نشأة العقيدة الإلهيّة ونظرياتها وما يدعمها وعواملها ويبيّن نشأتها تاريخيّاً ويعلّل طروحَه ويسوق المذاهب المختلفة في هذا الموضوع. الكتاب ذو لغةٍ فخمةٍ وفخامة ما طُرح يجعلُك محتاجاً إلى قراءة الكتاب أكثر من مرّة لتخرج بما ترضى به عن نفسك، قيّمٌ جدّاً، أنصح بقراءته فيه وجود للفلسفة المحببة بالنّسبة لي ترتبط بتفكيري وتوازي وتدعّم أفكار إسلامنا، حينما تقرأه ستعلم موضوعيّة الكاتب وكيفيّة ردّه على أشهر علماء الأديان والاجتماع كدوركهايم وغيرهم مناقشة النّد للنّد. أيّها المسلم، كتابٌ تحتاجُ قراءته مرّاتٍ عديدة. والسّلام
كتاب رائع حول ألدين و معناه وتاريخه وأصوله و تفسيراته وتجلياته. اعتبر هذا الكتاب من الكتب النوعية والتي يستوجب مطالعتها فهو يمثل مدخلا جيدا لمن أراد أن يعرف عن تاريخ الأديان ...