تلتقط هذه الرواية ببراعةٍ منعرجاتٍ مهمّةً من تاريخ تونس المعاصر، بل تاريخها الراهن أحيانا، وفيها يغدو البحث عن السُّلالة وأسرار «البَلْدِيّة» إيذانًا بالبحث عن الذات ومعنى الوطن وتاريخه، بيد أنّه تاريخٌ آخر يكتب من خلال حكايةٍ مُتخيَّلة بطلُها المصلح الكبير الطاهر الحدّاد. وعلى الرغم من أنّ المراجع التاريخيّة لا تذكر شيئًا عن علاقة الحدّاد بالنساء عدا دفاعه المستميت عنهنّ فإنّ صاحبة الرواية تجزم، بقوّة الخيال، أنّه عشق «للاّ زبيدة». لذلك لن يرى القارئ في المستقبل سيرةَ الحدّاد من غير حبيبته زبيدة. وهذا من سحر التخييل الروائيّ وعلى المؤرّخين أن يكذّبوا الروائيّين إن وجدوا سبيلًا إلى وثيقةٍ أو شهادة وأنّى لهم ذلك. لقد شبّهتُ مرّاتٍ قصّةَ تونس غير المكتوبة بالفسيفساء البديعة لثرائها وفرادتها. وأكبر ظنّي أنّ رواية أميرة غنيم هذه، إذ تروي ببراعةٍ ومعرفةٍ عميقة شيئًا من قصّتنا التونسيّة، ستحتلّ، ولا ريب، موقعا ممتازًا ضمن مدوّنة السرد العربيّ، وهي إذ تعرض علينا قصّتنا تمنح النساء الصوت الأعلى لروايةِ فصولٍ من تاريخ البلاد السرّيّ، أَفَلَسْنَ هُنّ حافظات الذاكرة الحقيقيّة وفاضحات الذكوريّة البائسة؟
كاتبة وروائية تونسية حاصلة على التبريز في اللغة والادب العربية، كما حصلت على الدكتوراه في اختصاص اللسانيات والترجمة باللغة التونسية صدر لها كتب حول الترجمة واللسانيات. صدر لها رواية "الملف الأصفر" عام 2019م والتي حصلت على جائزة الشيخ راشد بن حمد عام 2020م ،و رُشّحت روايتها الثانية نازلة دار الأكابر الصادرة عن دار مسعى للنشر والتوزيع للفوز بجائزة البوكر العربية للرواية لعام 2021.
الصالح من يترك في الناس علمًا نافعًا لا خرافات وخزعبلات
- هل هي "نازلة" واحدة او نوازل متشابكة؟! هل حصلت في "الدار" ام في الجامعة ام في المجتمع ام في العقل ذاته؟ اي نوازل اصابتنا في بداية القرن الماضي أدّت الى النكوص اللاحق بنتائجه الصارخة اليوم!
- "نازلة دار الأكابر" لوحة تونسية يشكّل التاريخ إطارها الخشبي المتين، امّا اللوحة ذاتها فهي نتاج الإبداع والخيال الروائي من حيث الفكرة وخلق الشخصيات ومسار الأحداث والحبكة والتقنية المستعملة. تغلب القتامة على الوان هذه اللوحة لكنها تخفي الكثير من البياض والتنوير.
- اتت اميرة غنيم بالطاهر الحداد الذي واجه انكسارات عديدة في حياته القصيرة وزادت عليها انكسارًا جديدًا، انكسار الحب. طبعًا هذا الإنكسار لم يكن سوى آداة لإيصال افكار الكاتبة وعقد المقارنات ونقد المجتمع بأفكاره وطبقيته ورذائله ومعاداته للتغير والمسايرات المستشرية فيه ونظرته للمرأة وغيرها الكثير من الأفكار.
- لن أدخل في الأحداث، لكن سأشير لبعض النقاط:
يُحسب للكاتبة: 1- وضع الطاهر الحداد في الإطار الصحيح، اي الإصلاح وليس القطع والتغريب او "ان نصبح اوروبيين" مثلًا. 2- القراءة الرزينة لواقع الطبقية في بداية القرن الماضي بغض النظر اذا كانت العائلة منفتحة او محافظة. 3- بناء رواية متماسكة ترتكز على افكار الطاهر دون الدخول في تنظيرات ايديولوجية او المبالغة في السرديات التاريخية. 4- القدرة الفذًة في بناء رواية شخصيات تتعدد لغتها ويتباين عمقها وتختلف افكارها، فلم تقع في مطبّ الشخصيات المتناسخة المتشابهة. حبكة ممتازة تعطي القارئ جزء من الصورة مع كل فصل، خصوصًا تلك الجمل القصيرة في نهاية كلّ حديث. اللغة المبهرة السهلة. تنويع المشاهد لكسر النمط الروائي وتمكنها من خلق احاسيس متعددة لدى القارئ. 5- إظهار وعي استثنائي، مطلوب، في شخصية "هند" التي لم تنخدع باولئك الذين يلبسون بدلة وجرافيت. 6- الضربة المتقنة ما بين النسل البيولوجي والنسل الفكري
يُحسب عليها: 1- غياب سردية "زبيدة" بصوتها، (بغض النظر عن الرمزية التي سأعود اليها لاحقًا)، الصمت المطبق والمريب الذي لا يعكس شخصية المرأة المثقفة القوية والواثقة وهي عماد الرواية والأحداث تجري حولها وبسببها. ايضًا، التناقض بين شخصيتها وقبولها الزواج الإجباري دون اي اعتراض (ذات التناقض ينطبق على والدها المتنور) 2- الوقوع في نمطية تصوير المثلية الجنسية واسبابها ونتائجها. 3- الإطناب خصوصًا بوجود فصلين للخادمتين ثم فصل لأمحمد النيفر ثم فصل لزوجته الذي لم يزد على العمل شيء. 4- شيطنة العائلة المحافظة بتصوير والد متزمت متسرّع، وأمّ اميّة، وابنٌ مثلي الجنس، وابنُ آخر في الظاهر متحرر وفي الداخل شكّاك. مما ادّى الى توجيه الرواية بدل تركها لإستنتاجات القارئ. 5- الإستعمال المفرط للمفردات التونسية الذي ادّى الى هوامش كثيرة.
- امّا في الرمزية، فأعتقد ان "زبيدة" هي تونس ذاتها، وان شللها هو رمز للشلل المجتمعي بفعل التزمّت والأفكار البالية، وصمتها هو صمت الموجوع صاحب الكبرياء الذي يرفض ان يتمّ الشك فيه حتّى فيسكت إباءً منه على ان يصرخ في مرحلة زمنية لاحقة (صوت هند الواضح). امّا هند فهي تونس الحاضر، بشخصيتها القوية الفاعلة، وصوتها الصارخ ووجودها بالفعل لا بالقوة فقط. امّا الرمز الرائع فكان في القفص الذي اتت به هند من السرداب وتركته يذهب في السيل في اشارة واضحة الى ان هند لا تشبه زبيدة من حيث الفعل، وان ماضي تونس لن يشبه حاضرها ومستقبلها.
- رواية ممتعة، مشوّقة، تحمل الكثير من الأفكار التنويرية والرمزيات، ببناء روائي متين وممتع.
- ملاحظة اخيرة، التقديم الذي قام به شكري المبخوت، غير انه يحرق دين احداث الرواية، فهو لم يزد للعمل شيئًا، بل ان لغّته المتكلفة تتناقض بشكلٍ حاد مع لغة الرواية السلسة مما يؤدي الى اضعاف العمل بدل تعزيزه
يشقّ على الناس التفريط في الأقفاص. يحتفظون بها بعد ان تزول الحاجة اليها كأن لهم ثأرًا قديمًا مع الحرية.
4,5/5 Outstanding! Un roman excellent, un vrai page-turner قداش حبيتو الكتاب وقداش مش نتوحشو! جاء في وقتو، أنا كونفيني ونستنى في تحليل الكورينا (نتربج بيها باش مانخافش برشا 😁)، والأخبار الكارثية، والعوج اللي في السبيطارات، والعصب متاع مجلس النواب إلخ إلخ. جاء في وقتو وخلاني نغطس وننسى ونضحك ونبكي ونغزل ونفرح... محلاه الكتاب كيف يجي في وقتو وينقذك من روحك وماللي داير بيك!
يقوم السرد في رواية "نازلة دار الأكابر" على أسلوب استعادة الماضي وإعادة تدويره من خلال ما يشبه طقوس الاعترافات الكنسية، ولهذا الأسلوب استخدام مزدوج، فهو من جهة يُظهر ندم شخصيات الرواية على ما اقترفته من إثم في حق بطلة الرواية والتطهّر منه من خلال الاعتراف (باستثناء اعتراف فوزية الذي لم يكن لوجوده أي معنى وأثقل متن السرد بإطناب لا داعي له)، ومن جهة أخرى استعملت المؤلفة اعترافات شخصيات روايتها لكشف الغموض الذي يكتنف علاقة زبيدة والطاهر الحداد، والتي كانت بمثابة لغز (أو نازلة) لن تكشف عنه إلا في نهاية الرواية. وهذا يعيدنا للعنوان الذي لم يكن اختيار المؤلفة له عبثيًا أو من فراغ، فعدا عن كونه بمثابة العتبة الرئيسية للنص بتعبير جيرار جينيه، يمدنا بشكل أو بآخر بقراءة تنبؤية للنص، فهو كذلك كان بمثابة الخيط الناظم لاعترافات شخصيات الرواية، فمنه وحوله تبدأ وتنتهي هذه الاعترافات.
إجمالاً استطاعت المؤلفة من خلال ثنائية الإمتاع والإقناع أن تقدم شخصيات مقنعة حتى عندما تقترف أفعالا في منتهى القسوة والوحشية والإباحية.
على المستوى الدلالي يمكننا ملاحظة هاجس المؤلفة بتعقب مسار الحداثة في تونس من خلال كشف واقع المرأة، إما من خلال رصد ردات الفعل على خروج بطلة الرواية من هيمنة الأنساق الثقافية الذكورية فيما يخص تعليم الفتيات والزواج والعلاقة بين الآباء والأبناء وتحديدا الإناث، أو من خلال تكريس الكم الأكبر من السرد للذكور من شخصيات الرواية، وليس من باب المصادفة إذًا أنها لم تفرد لـ"زبيدة" البطلة الرئيسية في الرواية أي مساحة للحديث بلسانها والدفاع عن نفسها من كل التهم التي وجهت لها، وكأنها تقول ضمنًا بأن حضور المرأة المتعلمة والمثقفة كما كانت زبيدة، وفي هذه الحالة غيابه، هو التعبير الأكثر صدقًا عن مآلات الحداثة في المجتمع. كل ما أمكننا تجميعه لتركيب شخصية زبيدة جاء من خلال نتف وإشارات توزعت في اعترافات شخصيات الرواية، وكأن قدر المرأة أن تكون محكومة بتصورات الرجل عنها وعن حقوقها. ومن جانب دلالي آخر، غاب صوت الطاهر الحداد، بطل الرواية، من توليفة الاعترافات في رمزية ذكية لما ناله من قمع واضطهاد ومحاولة لتغييب صوته من قبل رجال الدين في الزيتونة بعيد نشره لكتاب "امرأتنا في الشريعة والمجتمع"، ولعل وجود الطاهر الحداد ضمن شخصيات الرواية هو ما دفع بدار مسكيلياني لدعوة شكري المبخوت ليقدم للرواية، فقد سبق له نشر كتاب بعنوان "تاريخ التكفير في تونس" وخصص فصلا كاملاً لعرض محنة الطاهر الحداد.
النازلة هي المصيبة الشديدة و هي القضية العدلية و الشرعية و هي البطلة الأساسية التي تدور حولها حبكة الرواية التي تمتد زمنيا من أواخر القرن 19 إلى القرن 21 بتونس "الحاضرة " في بيت من علية المجتمع "البلدين" و حولها تمتد خطوط الحكاية و الرواية عبر رواة ممتديين في هذا الخط الزمكاني كل شاهد على هذه النازلة التي أخلت بميزان التناغم الاجتماعي و ان كان في الظاهر فقط و التي أثرت على مستقبل كل راو . شخصيات الرواية و رواتها"لويزة/هند/زبيدة/محسن/امحمد/السي علي/جنينة/بشيرة/خدوج/فوزية/السي عثمان/المهدوي اخرين" عبر اعترافاتهم و كشف أسرار النازلة يكشفون أيضا ماضيهم الشخصي و آلامهم وتجعل القارئ رغم كره بعضا منها يتعاطف معها كذلك و ماضي الحاضرة و في تشعب الحكاية و التداخل بينها تم تعرية الواقع التونسي في الماضي وأيضا التنبأ بالمستقبل . الشخصيات متباينة و متعارضة أحيانا على المستوى الثقافي و العقائدي حول الحرية و الحب و الجنس و الدين و قضية المرأة و مع كل انكشاف تتوضح قطعة من فسيفساء الحكاية. الكاتبة في بنائها لشخصياتها مزجت بين شخصيات ورقية متخيلة و شخصيات تاريخية أسست لتونس الحديثة ؛ "الطاهر الحداد" هو عماد النازلة في بيت الأكابر و هو عماد التغيير في تونس و به تبدأ النازلة و تنتهي . العمل على توسعه في الحكي و الاسترسال الا انه يجعلك تغوص في "خابية" (قاع الجرة) الثقافة التونسية التي تتشارك مع الثقافة المغاربية سواء على مستوى اللغة المحكية او الملابس او المأكل او حتى في البناء الاجتماعي ككل. كالعادة لن أحرق الرواية و أدعوكم لاكتشافها.
ماهذا؟ ماذا صنعت بنا يا أميرة غنيم؟ ما أحوجنا إلى مثل روايتك هذه في مثل هاته الأيام؟ متعة ليست مثلها متعة في كل سطر من كتابك. كلماتك مختارة بعناية و دقة فائقتين. هنيئاً لنا بك و هنيئا لك بنازلة دار الأكابر. كتابك حتما لن ينسى.
بعد عزوف طويل بيني و بين أدب التونسي قررت طرق الباب مرة أخرى بعد أن سمعت مديحا كبيرا عن هذه الرواية . الفكرة لطيفة : نازلة و روايتها من وجهة نظرة عدد من الشخصيات التي تأثرت بها وأثرت فيها . الأسلوب جميل . لكنني شعرت بملل وانزعجت أن زبيدة لم تتحدث . و هناك برشا كليشهات ونمطية التي لاسف ترسخُ افكارا مش باهية. أعطيتها ثلاثة نجوم لكن البارحة لما وجدت نفسي مترددة أن أعطيها لصديقة أن تقرءها .صديقة أحاول أن افسر لها منذ مدة أن الدين مش النهضة وأن الدين مش تعصب ومش نظرة معينة للمراة نظرة دونية طبعا وأن بورقيبة مش بس حرية مرأة ومش إجبارية التعليم لكل صورة ألوان أخرى و جوانب أخرى مش. يا أبيض.ياأسود. و أن الافراط من كل جهة خايب وأن الاعتدال وأن نكون نحن بثقافتنا وهويتنا هو المطلوب لما أكملت و ترددت برشا لدرجة أبقيتها على مكتبي في العمل ولم أعطيها لها.قررت إنقاص النجوم لانه بكل بساطة ستؤكد هذه الرواية ما تراه هي والذي أرى أنه من أفضل أن ننظر له بعين التمحيص والنقد ونسعى لذلك فهذه النظرة لن تفعل شئ غير تقسيم البلاد والعباد وتكريس فكرة النمطية والنموذج .أنت فيك صفات كذا إذن أنت هكا ربنا يقدر الخير ويحمي كل الوطن العربي ويعافينا من القوالب
رااائعة 😍 رواية "فوندو" من قاع الخابية، مطرزة تطريزا بحكايات "البلْدية" والحياة التونسية الأصيلة التقليدية .. رواية تأخذك إلى واقع تونس للنصف الاول من القرن العشرين ثم النصف الثاني وتنتهي بك إلى ما بعد الثورة التونسية في سلاسة مذهلة! منعرجات اجتماعية وسياسية خطتها روايات الرواة المتعددين داخل الكتاب. قضية المرأة في عمق بل في كامل ردهات الرواية بين التقاليد والتحرر، بين الثقافة والأمية، بين موازين القوى والذكورية.. شخصيا الشخصيات النسوية في الرواية كلها سحرتني .. تكريم أكثر من رائع لرموز المرحلة وخاصة لأب المرأة التونسية ومصدر فخرها المصلح الطاهر الحداد.. تشابَك الواقع والخيال فقدمت لنا أميرة غنيم بعبقرية فذة وبثقافة عالية وبحرفية مذهلة طبقا أدبيا دسما ينبئ بمستقبل لامع في الأدب.. هنيئا لنا بهذه الأديبة الجميلة ❤
عمل جميل جداً وساحر، لولا الإفراط في اللهجة المحلية التونسية والتي ترتب عليها كثير من الحواشي، إضافة لبعض المصطلحات من الدارجة التونسية التي لم يتم تفسيرها وكان معرفة معناها في السياق صعباً وغير واضح. لكنه عمل جميل جداً استمتعت بكل صفحة فيه!
روايةٌ مُميّزة ، غنيةٌ بالأحداثِ و تقلُّباتِ الأفئدة و المشاعر.. والشخصيات التي تحتفظُ بهم الذاكرة و لا يغادرونها سريعاً ..
لكني أسقطتُ آسفةً، نجمة من التقييم لأني وجدتُ فيها بعضُ المبالغة بالتفاصيل وصلتْ بي الى الملل في أكثر من مكان.. كما ان كثرةَ الكلماتِ باللهجة التونسية وإحالة القارئ الى الهوامش، قطعتْ عليّ مراراً متعة وسلاسة القراءة..
روايةٌ ممتعة جداً لكني تمنيتها أكثرُ إيجازاً.. و أقلُّ ايغالاً بتفاصيلٍ لم أجد أنها أغنتْ الرواية بقدر ما أضّرت بها.. .................... "وهذا بعضٌ من سحرِ التخييل الروائي و آياته البيّنات و على المؤرخين أن يُكّذبوا الروائيين إن وجدوا الى ذلك وثيقةً أو شهادة. و أنّى لهم ذلك؟"
#رواية أكثر من ممتعة ❤️ من أفضل ما كُتب في المدونة التونسية ومن أهم الروايات العربية أيضا، رواية متفردة بلغتها العذبة، بحبكتها، بذكاء كاتبتها في نسج خيوط هذه الحكاية، لا تجد لها مثيلا وهي تنتقي عباراتها، أسلوبها منفرد بسلاسته وانسيابه. جمعت في هذه الرواية مجموعة من الأصوات والرواة كلّ منها يكمل ما بدأه الآخر، ويقصّ علينا ما وقع من وجهة نظره وعمّا شهده من الواقعة، النازلة التي عبثت بسكينة دار الرصّاع ودار النيفر، وكشفت المستور وكوامن كلّ شخص فيهم. حدثتنا عن موروثهم، وتقاليدهم، عن منزلة المرأة آنذاك وما كان مسلّطا عليها من قهر وظلم خاصة الخدمُ منهم، وبماذا كانت تُدانُ المرأة المتعلمة والمثقفة آنذاك، عرّت الأكابر وطباعهم وفتحت لنا أبواب البيوت لنتعرّف على دور مشايخة الزيتونة في ذاك الوقت وسطوتهم على البلاد والمجتمع، وخاصة في بيوتهم، عن تزمتهم وتديّنهم، ومآل كلّ من تمرّد عليهم وأبرزهم الطاهر الحداد وما ذاقه من العذاب والويلات. الطاهر الحداد بطلُ الرواية الغائب، أنصفته الكاتبة وكشفت الجانب الذي غفل عنه التاريخ والمؤرخين، الطاهر الحداد إنسانا وعاشقا، وما كان يربطه بحبيبته "زبيدة الرصّاع زوجة محسن النيفر"، لا يمكنك قارئا أن تكذب رواية هؤلاء الشخصيات ولا تشكّ في صدق ما قرأت من روايات عن الطاهر الحداد الحاضر في أذهانهم وفي بيوتهم لكنّه الغائب عمّا يحدث ولا يدري ما حصل جرّاء رسالة وصلت إلى حبيبته، ينقص هذه الرواية شهادته ورواية حبيبته لتكتمل الصورة، لكنّها بقيت منقوصة، تتمنّى العودة إلى ذلك الوقت بنفس آلة الزمن التي أخذت الكاتبة لتستطلع ما حدث في القرن الماضي وتسأل ما الذي حصل فعلا. يؤلمك قارئا أنّ الحداد لم يحظ لا بحبيبة عشقها ولا بمنزلة طمح إليها، التاريخ يعيدُ نفسه، ما حدث بالأمس للحداد يحصل اليوم ولكن في ثوب معاصر، ما حدث بالأمس من انشقاقات في صفوف الحزب والحياة السياسية واضطراباتها آنذاك، يحصل اليوم أيضا، لم يتغيّر إلا الزمن والتواريخ. قصّة كشفت عيوب "البلدية" وعنجهيتهم، ومفاهيم الدين والحريّة، وعيوبهم، ونفاقهم خاصّة، يأخذون من الدين ما شاؤوا ليحكموا على حريمهم ويناقضونه بأفعالهم، ولعلّ هذا ما جعل من الحداد ثوريا على الأصوليين منهم، وعلى مجتمعه لزيف ينخره، رغم أنّه لم يُذكر إلاّ على ألسنتهم الاسعة وقليلٌ منهم شكر خُلقه إلاّ أنّ نفس المدرسة التي ثار عليها هي التي أدانته واغتابته حتى بعد مماته واتهمته بالفسق والفجور والزندقة لسوء ظنونهم، ذاقت حبيبته من صنوف العذاب ممّا لحقه حيّا وميّتا، حتّى المستنير منهم الذي يدعو إلى تحرير المرأة وتثقيفها في الأخير يرفع أصابع الاتهام ويدينها بتمريغ شرف العائلة، يتغلّب الموروث على العلم والأفكار الثورية. وتبقى المرأة التي دافع عنها الحداد إلى يومنا هذا المدانة دائما مهما اختلف الزمان والمكان والنسب، تُسحق في المجتمع الذكوري عند المستنرين المدعين منهم وشيوخ الجوامع والمساجد. انتصرت الكاتبة إلى الحداد ومنحت المصدح إلى المرأة لتعبّر عن لواعجها وآلامها، وبخيط رفيع من الحنكة والعبقرية أجادت التحكم في الامتداد الزمني، أجادت لعبة الدمى وتحريكها واستنطاقها في الوقت الوقت المناسب. تختلط عليك مشاعر الضحك من طرائف ممّا يُروى، وتحزن لمعاناة بعضهم، وتخشى أن تنتهي الرواية فتبطئ في قراءتها دفعة واحدة إلى أن تغادرها بكلّ أسى لمّا تجد نفسك في آخر صفحاتها ولازلت تطلبُ المزيد والمزيد من الكاتبة لتُروي فضولك وتواصل رحلتك مع قصّة الحداد وحبيبته المنكوبة.
مازالت الرّواية التّاريخيّة مصدرا للجدالِ وعرضةً لسوء الفهمِ في الأدبِ العربيِّ. إذ مازال الكثيرون يعتبرونها امتدادا طبيعيّا لكتبِ التّاريخ والسيرة، لما كان لهذه الكتبِ من استنادٍ إلى الأسلوب القصصيِّ الّذي لم يقطع معهُ تماما. ها نحن نقرأ لأولئكَ الّذين يدّعون كتابةَ التّاريخ للعامّةِ ـ مثل راغب السارجاني ـ أو الّذين يقرأُ العامّة لهم كأنّهم مؤرّخون ـ مثل طارق السويدان ـ فإذا تاريخهم قصصٌ محكيّةٌ فيها ما فيها من ألوان الدّراما والأبطال. وإذا القصّةُ والتّاريخُ جسمٌ وروحٌ لذاتٍ واحدةٍ. فليس غريبا إذا أن تُعاملَ الرّوايةُ الأدبيّةُ التّاريخيّةُ من بابِ دقّتها التاريخيّةِ، وأن يتساءل القرّاءُ أوّل ما يتساءلون: هل حدثت وقائعُ نازلةِ دار الأكابر بالفعل؟
ولئن كانت الإجابةُ عن هذا السؤالِ لا تعنينا في شيءٍ، فإنّ ذلك لا يجعلُ الرّوايةَ التّاريخيّةَ في حِلٍّ من الدّقّةِ التّاريخيّةِ. فكما أنّها ليست دراسةً علميّةً تجعلُ من الحقيقةِ التّاريخيّةِ أو تحليلِ الوقائع التاريخيّةِ مبحثها، فليست أيضا فانتازيا تاريخيّةً تستعملُ السّياقَ التّاريخيَّ مَطيَّةً استيطيقيّةً لقَصصٍ متعالٍ عن كلِّ عاملٍ زمنيٍّ. توجدُ الرّوايةُ التاريخيّةُ في منطقةٍ وُسطى بين هذين. فهي إذ تُلقي بالأحداثِ في لجَّةِ بيئة زمنيّةٍ معلومةٍ، مُطالبَةٌ باحترامِ هذه البيئةِ وتفاصيلِها وعناصرِها. وفي الآن ذاتِه، تُطالبُها طبيعتُها الرّوائيّةُ بعدمِ التّوقّفِ عند الحقيقةِ المعلومةِ، والاندفاعِ نحو تلك الأركان المُظلمةِ الّتي تغافلت عنها الوثائقُ، أو عجز المؤرّخ عن تسجيلِها لطبيعتِها المتعاليةِ عن القياسِ: فلئن أكّد لنا التّاريخُ حقيقةَ وجودِ الطّاهر الحدّادِ، وحقيقةَ محنتِه، فهو لم يحدّثنا عن مشاعِره تجاه ما حدث معه حديثا مستفيضا، ولم يحدّثنا عمّا اعتملَ في صدره، وعمّا دفعه للكتابةِ الخ.
في مثل هذا المجالِ، يمكنُ أن يجدَ الرّوائيُّ قوتَه. ويمكن أن يمنحَ السّرديّةَ التّاريخيّةَ الحي��ةَ بخيالهِ، ورُبَّ خيالٍ ينسجُ لبَّ الحقيقةِ.
إنّ روايةَ نازلة دار الأكابر تاريخيّةٌ بامتيازٍ، لا تكادُ تمنحُ القارئَ المتفحّص ثغرةً تاريخيّةً واحدةً، لا في التّواريخِ (فحين تحدّثك عن حكومة الهادي الأخوة، فأنت حتما في زمن سردٍ يقابل زمن نشاط تلك الحكومة)، ولا في الأعلام، ولا في الأحداثِ السّياسيّةِ، ولا في المواقفِ، ولا في تفاصيل الحياةِ اليوميّةِ. لكنّها في المقابلِ، تصولُ بجرأةٍ وحرّيّةٍ وسط كلِّ هذا لتنسجَ أحداثا دراميّةً كثيفةً خياليّةً، كأنّها ضربٌ من "الواقعِ المُعزَّزِ" Augmented Reality.
تبنِي أميرة غنيم نازلتَها على وتديْنِ تاريخيَّين، حفل صدورِ كتاب امرأتُنا في الشريعة والمجتمع في الكازينو البلدي بحديقة البلفدير سنة 1930، ثمَّ وفاةُ صاحب الكتابِ في السابع من ديسمبر سنة 1935. فتعزّزُهما بوتديْن دراميَّين متخيّليْن يرافقُ كلُّ واحدٍ منهما وتدًا تاريخيّا في الزّمن. فالأوّلُ زواجُ زبيدة بنتُ آلِ الرّصّاعِ بمحسنِ بن آل النّيفر. والثّاني هو النّازلةُ الّتي حدثت في دار "الأكابر" إثر وفاة الحدّاد. وهي مرافقةٌ لها دلالاتُها بدون شكٍّ. فقد قابلت زبيدةُ قرارَ أبيها المتعلّم "الحداثيِّ" بتزويجِها من رجلٍ لا تعرفُه، بصمتِ المغدورِ. إنّه ذاتُ الغدر الّذي تعرّضت لهُ "امرأة الحدّادِ" في حادثةِ الكازينو من قبل رجال الحزب الدستوريِّ ومثقّفي البلادِ المضطلعين بمهمّة تنوير التّونسيّين وقيادتِهم في حربِ التّحرير والاستقلالِ. ومع موتِ الحدّادِ منفيّا ومعزولا ومكفَّرًا، قُضيَ على "امرأتِه" أن تُوصَمَ وتُشلَّ وتُعزَلَ هي الأخرى، وتتعرَّض لذات المظلمةِ من ذات الطبقةِ تقريبا. هكذا، فقد سارتْ روايةُ نازلة دار الأكابر في توازٍ خفيٍّ مع علاقةِ الطّاهر الحدّاد المحتدَّةِ مع النُّخبة التّونسيّةِ. إذ تمَّ تمثيلُها عبر عائلتَيْنِ بَلْدِيَّتَيْن متبايِنَتيْنِ بل مُتكامِلتَيْنِ. فأمّا عائلةُ آل النّيفر فتمثّلُ الأرستقراطيّةَ الدِّينيَّةَ المحافظةَ (قاضي الإسلام عثمان النِّيفر)، وأمّا عائلةُ آل الرّصّاع فتمثّلُ أرستقراطيّةَ المخزن أو رجال الدولةِ البَيْلَكِيَّةِ (الموظَّف الكبيرُ عليّ الرّصّاع وصهره الوزير الأكبر محمد الطيب الجلولي) ونسبت إليها قِيم الحداثَة والانفتاح بما أنّ أغلب المصلحين الّذين دفعوا إلى ذلك قبيل الاحتلالِ كانوا من هذه الفئة (الجنرال حسين، خير الدين، الخ).
لم تكن أميرة غنيم إذا تبحث من خلالِ العائلتَيْن عن الاكتفاءِ بنقل تفاصيلِ الحياةِ الارستقراطيّة البَلْدِيَّةِ، وإنّما سعت إلى تفكيكِ بِنيَتِها الاجتماعيّةِ والثقافيّةِ. كان من المُدهشِ أن تكشف الكاتبةُ عن تقاربِ هذيْن الشقّيْن رغم تنافُرِهما الظَّاهر. فهاهو عليّ الرّصّاع على ما كان يُبديه من تحرّر واندفاع نحو قِيمِ الحداثةِ والعقلانيّةِ، لم يكن قادرا على التَّملُّصِ من عنصريّتِه الاجتماعيّةِ، وهاهو في عدائِه الجِهويّ والاجتماعيِّ يُنشدُ السّندَ والحلَّ عند من يبدو نقيضَه، عثمان النّيفر المحافظ "الرّجعيَّ". وهاهي زُبيدةُ على ما تُبديه من تعلّقٍ بصفيّتِها "لويزة" ورفضٍ لمعاملتِها معاملةً دونيّةً، تعودُ في أوّل تشنّج يخرجُ بها عن طورِها لتصِمَ خدّوج الخادمة السّوداء بكلِّ ما يمكن أن تصمَ بِه امرأةٌ بَلْدِيّةٌ امرأةً سوداءَ فقيرةً. صحيحٌ أنّنا إزاءَ رُؤيتيْنِ مختلفتيْنِ للعالمِ، رؤيةٌ كلاسيكيّةٌ محافظةٌ وأخرى حداثيّةٌ متحرّرةٌ، لكنّهما في النّهاية رؤيتان متكاملتانِ، تؤلّفان في جدليّتِهما غلافا اديولوجيّا مزركشا لطبقة اجتماعيّةٍ واحدةٍ ذهبَ الحدّادُ ضحيّتَها. إنّ مشروعَ الطّاهر الحدّاد على ما أبداهُ عليّ الرصّاع ومحسن النّيفر من حماسٍ تجاهه، هو مشروعٌ مغايرٌ لرؤيتِهما، هو مشروعٌ أكثر اتّصالا بمحمّد عليّ الحامّي (الثوريِّ) وعبد العزيز الثعالبي (الإصلاحيِّ المحافظ) على السواءِ (وهي قراءةٌ أختلفُ فيها مع الكاتبةِ فلئن كان الطّاهر الحداد تلميذ الثعالبي، فإنّ الثاني ربّما لم يكن موقفه ليختلف كثيرا مع من خلفوه في الحزب الدستوريِّ وله مواقفُ طبقيّةٌ موثّقة). تنتصرُ أميرة غنيم لرؤية الطاهر الحداد، رؤية التحرّر الحقيقيِّ العابر للطبقات، رابطةً بينها وبين الرؤيةِ البورڤيبيّةِ الّتي تبنّتها منذ بداية الاستقلالِ. فالخصمُ واحدٌ لكليهما: نخبة الزيتونة، ونخبة الحزب الدستوريّ القديمِ. فهل كانت الرؤيةُ البورڤيبيّةُ امتدادا حقيقيّا لمشروع الطاهر الحداد؟ وهل كان المدُّ التحريريُّ الّذي أراده الزعيمُ التّونسيُّ، عابرا للطبقات والجهاتِ؟ لا أتّفق مع المؤلّفةِ في ذلك ـ وإن لم تذكر ذلك صراحةً. وعلى كلِّ حالٍ فليس في ذلك ما يعيبُ الرّواية في فنّها.
كتبت أميرة غنيم نازلة دار الأكابر بأسلوب جديدٍ على المدوّنة التّونسيّةِ ومألوفٍ في المدوّنة العربية، فنحن نجده عند جبرا إبراهيم جبرا في رائعته "البحث عن وليد مسعود"، وفي "افراح القبّة" لنجيب محفوظ، وكثيرا ما استخدمه أحمد خالد توفيق في رواياتِه القصيرة. فتنقلُ كلَّ فصلٍ على لسانِ إحدى الشخصيات، تخاطبُ بهِ شخصيّة أخرى أو تناجي به وليّا صالحا كما في فصل فوزيّة. وعلى عكس ما تتميّز به حكاياتُ أحمد خالد توفيق مثلا من حِرفيّةٍ في انتقاء الشخصيّة صاحبةِ الخطابِ وانسجامِها مع نمطِ الخطابِ والمخاطَبِ وطبيعةِ الخطابِ، لا تكادُ كاتبتُنا التّونسيّةُ تُلقي بالا لكلِّ هذا، فكثيرا ما لا نعلمُ محمل الخطابِ هل هو مكتوب أم شفويٌّ، مسجَّلٌ أم مباشرٌ، وكيف انتقل إلى هندٍ حديثُ فوزيّة الأميّة الّتي ناجت سيدي محرز في ليلةٍ مخيفةٍ. كما لم تنشغل كثيرا بمقام الخطابِ، فاختيارُ المخاطَبِ يبدو عشوائيّا، اللهمّ إن تجاوزني منطقُ اختيارِه. وكأنّ ذلك تسبّب في فتور في انسجامِه. فهلاّ رأيتَ كيف يُسرُّ العجوزُ امحمّد النّيفر المحافظُ لابن أخيه، الشخص الوحيد الّذي يُبدي له شيئا من التّقدير، بكلِّ يسرٍ وسلاسةٍ قصصا يراها تُشينُه فدأب على إخفائها؟ وحتى إن لم يرَها كذلك، ففيها الكثيرُ من الحميميِّ الّذي يجد المتحرّرُ صعوبة في حكايتِها لابنه، فما بالكَ بالمتزمّتِ؟ على أنّ الروائيّة سعت في أسلوبِها السّرديِّ أن تحترمَ منظورَ الشخصيّةِ المخاطِبة على الأقلَّ، بل كان ذلك دافعا رئيسيّا لاختيار هذا الشّكل السرّديِّ. فنتجت عنه فسيفساءٌ سرديّة بديعةٌ متشابكةٌ ثريّةُ الألوانِ، كثيرة التفاصيلِ، متنوّعة الآراءِ، تنقلُ الحقيقةَ في اختلافِ أوجهها ونسبيّتِها. يكتب التاريخَ عادةً المنتصرون، وتستثني روايةُ نازلة دار الأكابر نفسها من القاعدةِ، فتعطي صوتا للجميع تقريبا، ابتداء بأصحاب الأصوات الضخمة من رجالٍ مثقفين (محسن، المهدي، عثمان، عليّ)، إلى بناتِ الطبقة الارستقراطية (بشيرة، جنينة، فوزية ربما) انتهاء ببناتِ الطبقة الدنيا (لويزة وخدّوج). وذهب شكري المبخوت في تقديمِه إلى أنّ التاريخ في النّازلة، تحفظه النساء. وهذا ليس صحيحا، فمن بين الناقلين الإحدى عشر للأحداث، نجدُ خمسة رجال. وإذا ما اسثنينا هندا وهي النّاقلةُ الّتي لا دخل لها في الأحداث بأيِّ شكلٍ، فسنجد مساواةً تامّة بين الجنسيْنِ. بل إنّنا لو تمعّنّا في متحوى خطابِ كلِّ شخصيّةٍ، سنكتشفُ أنّ أبرز الأحداثِ نُقلتْ عبر الشخصيات الرجاليّةِ. استثنت الكاتبةُ مهدي الرصاع وامحمّد النيفر من سرد بعض أحداث الليلةِ، وكذلك فوزية وخدّوج. نقلت لويزة إلينا بداية الحادثة، ونقلت جنينة جزءا هامّا من خصام محسن وأخيه، ولم تنقل لنا بشيرة أكثر ممّا حدث بينها وبين جنينة بكثير. في الأثناء، يصف عليّ وعثمان حادثة لقائهما في تلك الليلة، ويسرد عثمان جزءا مهمّا متعلّقا بقتال زبيدة وامحمّد النيفر. أما محسن، فنجد عنده أهم أجزاء السرديّة، فنعلم ما آلت إليه الليلةُ، ونعلم نتائجها على زبيدة، بل نعلم أيضا نصّ الرسالة الّتي فجّرت كلَّ ذلك...
وأكثر ما يلاحظ في اختيار الشخصيّات الرّاويةِ، أنّه لم يمنح صوتًا للحدّاد نفسِه ولا لامرأتِه. وهو خيار متعمّدٌ لسببيْن، أوّلهما أنّ الصّوتيْن سيحجبان بلا شكّ بقيّة الأصواتِ في ما يخصّ الواقعة. فإذا علمها المرءُ من مصدرها، لم يعد بحاجة إلى سماعها من غيره. أما الثانية، فهي الإلحاح على الفصل بين التاريخيِّ (الطاهر الحداد شخصيّة تاريخيّة واقعية) والمتخيّل (بقية الشخصيات الفاعلة). ليس الطاهر الحداد شخصيّة رئيسيّةً في الرواية، ولكنّه محورُها أي موضوعُها، وبالتالي فمن الأفضل أن يتمّ الحديثُ عنه كموضوع لا كشخصيّةٍ. سنرى مواقف الشخصيات منه، ونراها تقريبا أمامَ أفعاله التاريخيّة الموثقة، شاهدةً أكثر منها مشاركةً (حفل الكازينو، موقفه من الحزب القديم، الخ). هذا أسلوب مألوف في الكتابةِ، يمكن أن نجده في روايات شهيرةٍ وفي أعمال دراميّة أخرى (غاتسبي العظيم، المواطن كين، الخ). ولقد أرادت أميرة غنيم لشخصيّتها المتخيّلَة الرئيسية زبيدة أن تكون محورا وموضوعا ربّما أكثر أهمّيّة من الطاهر الحداد نفسه. تمثّل زبيدة امرأة الحدّاد، مشروعه الّذي نحته. كيف لا وقد كانت تلميذته؟ ليس موضوع الروايةِ الطاهر الحداد، وإنما امرأة الحدّاد. أما النازلة، فكانت رفض هذه المرأة ووصمها بالعارِ.
اِعتنت الكاتبةُ كثيرا بتباين شخصيّاتها لما لكلٍّ منهم من دلالةٍ، ولكنّها لم تنجح في إسقاط ذلك على مستوى الأسلوب. لا شكّ أننا نجدُ في الخطابِ النّسائيِّ حضورا أكبر للبيتِ وللفولكلورِ وللعناصر الماديّةِ (الأكل، النظافة) مع بعض المقاطع الفكريّة ذات الطابع التعليميِّ (لويزة وفوزية وخدّوج يتلقّين معارف مختلفة أو يكتشفن أفكارا جديدة، وكذلك الشأن مع جنينة في حديثها عن المرسح) أمّا الخطاب الرجاليُّ فتغلب عليه الأفكارُ السياسيّةُ والاديولوجيّةُ. في حين يشملُ الخطابُ العاطفيُّ الجميع على السواءِ. لكنّ كلّ هذا الاختلافَ يُحمَلُ على أسلوب لُغويٍّ واحدٍ لا يتغيّرُ، فلا نكاد نجدُ فروقا كبيرة في الخطابِ بين قاضي الإسلام عثمان النّيفر، وخدّوج الخادمةِ الأُمّيّةِ. ولا يملك أحدهما تشبيهاتِه الخاصّةِ ولا مرجعيّاتِه الّتي تميّزُه. ولئن حاولت أميرة غنيم أن تُثبِّتَ ذلك، في بداية نصوصها إلاّ أنها ارتكست سريعا.
لا اختلاف في جمالية لغةِ نازلة دار الأكابر، ولكنّه جمالٌ رتيبٌ لا يحيدُ عن نفسِه، لا متى اختلفت الشخصيات، بل متى اختلفت طبيعةُ الخطابِ أيضا. فلحظات التوتّر كلحظات الدّعةِ، ولحظاتُ الاكتشافِ كلحظات التأمّلِ تقريبا. وما ينوّه به في لغةِ النصّ، سلاستُه وسلامتُه وفصاحتُه المُبينةُ. أمّا على مستوى القصِّ، فقد عبّر اختيارُ نمط السّرد عن تمكّن كبيرٍ افضى إلى بناءٍ قصصيٍّ شديد التماسك والانسجامِ رغم تفرّعه إلى قصص جانبيّةٍ كثيرةٍ، وإلى تشظّ على مستوى زمن السّرد عبر نحو أكثر من نصف قرن (بين 1949 و2013) بدون أيّ ترتيب. نلحظ بسبب ذلك بعض فتورٍ في السيناريو لا مناص من ذكرِه لقيمته. فقد تردّت علاقةُ محسن وزبيدة بُعيدَ الحادثةِ، وعرفنا ذلك منذ البداية تقريبا. لكنّنا لم نعرف عن شلل زبيدة إلا في منتصف النصّ، (بل الأقرب في نهايته). ورغم أهميّة الحادثة، فلم تبدُر أيّة إشارةٍ إلى إمكانيّةِ تأثيرها على العلاقةِ بينهما. وإن كان يمكنُ تفسير ذلك بالنّسبة إلى محسن الرّاوي، على أنّه يملك سببا آخر لاعتزال زوجته، فلا يمكن أن نفسّر جنوح زبيدة إلى تفسيره بانصراف الرّجلِ إلى خدّوج، ولم يدر بخُلدِها مثلا أنّ الأمر عائدٌ إلى شللِها. لقد بدا شللُ زُبيدة طارئا على النّصّ ليس أصيلا فيه، لم يُقرأ له حساب في البدايةِ، فخلت الإشارةُ إليه وجنينة تروي لنا تفاصيل زيارتهم إلى دار الرّصاع سنة 1949، فكانت زبيدة تسلم على أمّها قبل أن تهرع إلى أبيها رفقة محسن وأمّيْهما، كأنّ ليس بها علّةً أو مرضا. ولم يهتمَّ أحدٌ من عائلتِها بشللها هذا حتّى إنّهم لم يزوروها وواصلوا مقاطعتها طوال السنين الثلاثة عشر. أمّا زبيدة، فيبدو أنّ الشلل لم يُثنها ��ن إعدادِ نفسها لزوجها وإغرائه باللبس والحرقوس والشموع، وقد تكون لويزة مساعدتها في ذلك، ولكنّ من الغريب أن تُشرك زبيدة صديقتَها في هذه المسألة الحميميّة لرِفعة النّفس والكتمان الّتي تميّز شخصيّتها. بل من الغريب أن لا تشعر منذ شللها بالعجز والحاجة إلى العزلة وربما عقدة الذنب إزاء فكرة كونها لم تعد امرأة مكتملة الصحّة ممّا يغري الرّجالَ… وحتى امحمّد النيفر الّذي تحدّث قبل فوزيّة أي قبل الكشف عن شلل زبيدة، فلم يبادر إلى تبرئة نفسِه أمام ابن أخيه وابن زبيدة من تهمةِ إيذائها. ممّا يعزّز نظريّة إضافتِها في ما بعدُ للنصّ. ربّما لدلالةٍ ما على وضعيّة المرأة التونسيّةِ الّتي مع إيذاء الحداد وبتر مشروعِه، ورغم انتصار بورڤيبة له، ظلّت مُقعدةً لا تطالُ كلَّ حقوقِها. وربما لدلالة أخرى لم ترد ببالي، على أنّها في كلّ حالٍ وردت في النص مهلهلةً فأقضّت تمساكه وانسجامه.
روايةُ نازلة دار الأكابر، عملٌ ضخمٌ جادٌّ ومسلٍّ يذهب بالقارئ إلى ثلاثينات القرن الماضي في تونس، فيجيد الرّحلةَ، ويعود به بتساؤلات متنوّعة. ويربط بشكل ذكيٍّ بين قضيّة المساواة وقضيّة الطبقيّةِ الاجتماعيّةِ. إنّه خطوة مهمّة للأدب في تونس، ينبغي أن تُدعمَ حتّى يرتفع المستوى الأدنى المقبول، وتقاطَع النّصوصُ الّتي لا ينحتُها أصحابُها بمثل هذه الجدّيّة والتفاني.
وحده الصمت، هو الذي حكى هذه النازلة، ثَقف أركانها لتحكي بلا صوتٍ واقعةً أخرسها الزمن وكتمت السيادة أنفاسها، رواية تُكدرك، تُغيضك، تُخبرك، ثم ننتتر فجأة، تتركك مذهولا! كيف انتهت الصفحات بينما لم تبدأ الرواية بعد؟ لماذا تُخرس الروائية صوت البطلة عن الكلام لتتركنا حيارى مدهوشين يكاد القرف من تعمد إخفاء الحقائق التي لم تقل أن يستعمل أيدينا لتمزيق الصفحات غيضا، هذه الرواية مشدودة لتونس شدًا، توثق حكاياها وتنهل من تاريخ رجالها لتعيد رسم الخارطة الإجتماعية والسياسية والأدبية والحقوقية من جديد، هذه الرواية تقسُو لتلين، تضرب لتعتذر، تجرح لتداوي ما مضى من تاريخ البلاد.
لطالما شدني تاريخ تونس بكل حقباته و تفاصيله، لطالما تخيلت زمنا جميلا لم أعش فيه، بل رسمَتْه في ذهني حكايات منقولة من مصادر عديدة، لكن مع مرور الوقت بت أعي تماما مدى الظلم و تسلط العادات و التقاليد آنذاك على المجتمع ككل و على المرأة خاصة. و كلما هب متنور لنجدتها و النهوض بحقوقها إلا و كان الصد و التكفير و الإساءة مآله. مثل الطاهر الحداد و الذي هو بطل هذه الرواية... الطاهر الحداد الذي اشتهر بكتابه "امرأتنا في الشريعة و المجتمع" ، الكتاب الذي اقتبس منه بورقيبة الكثير لكتابة مجلة الأحوال الشخصية. هذا المناضل النقابي و الحقوقي الكبير لم يعرف المجد خلال حياته أبدا و كان عرضة للعديد من الاعتداءات و حملات التشويه المنظمة بسبب هذا الكتاب...
أحداث الرواية تدور في ثلاثينات القرن الماضي بين أزقة أحياء الأكابر أو ما يعرف بالبلدية في تونس العاصمة، تروى على لسان شخصيات عدة في أزمنة متفرقة. في ظاهر الأمر القصة بسيطة و اختزلها العنوان : مصيبة في عائلة بلدية. و لكن الكاتبة كانت ذكية بتضمين هذا الحدث المقتضب بعدة قضايا مجتمعية عاشها (و لا يزال يعيشها) التونسيون آنذاك. أسهبت في طرحها بأسلوب شيق و متفرد. أذكر منها العنصرية، الطبقية، الجهويات، تحقير المرأة، التوظيف السيء للدين، التزمت، الذكورية المتسلطة ...
شخصيات الرواية (إلى جانب الطاهر الحداد) هي أفراد عائلتين بلديتين متصاهرتين و هما عائلتا الشيخ علي الرصاع و القاضي عثمان النيفر. روت أغلب الشخصيات قصتها من ناحية و جانبا من جوانب النازلة من ناحية أخرى. في آخر الكتاب يتبين القارئ ما حدث تماما و تترابط روايات الشخصيات في ذهنه .
لم أجد وصفا دقيقا لأسلوب الكاتبة و طريقة طرحها للقضايا المجتمع. هو فخم و أنيق و ذكي في الآن نفسه. شدتني دقة الوصف و الاستعارات و جمالية اللغة المعتمدة. جعلتني ألتهم الكتاب و لا أعي بالوقت حولي. رواية جميلة تستطيع أن تنهيها في وقت قياسي رغم طولها. تضيء على تونس في ثلاثينات القرن الماضي . تونس بجمالها و قبحها، بنضالها و انصياعها، برحمتها و قسوتها ..
Viene dalla Tunisia, il romanzo pubblicato questo mese dalla casa editrice E/O. La scrittrice, Amira Ghenim, insegna Linguistica e Traduzioni presso l’università di Tunisi e questo è, dopo una serie di fortunati saggi, il suo secondo romanzo con il quale ha vinto il prestigioso premio nazionale dalla giuria del Comar d’Or.
In mezzo ai profumi e il sapori della sua terra, si ambienta una storia intrigante, un dramma familiare, narrato a più voci, attraverso delle lettere/testimonianze che i vari personaggi lasciano ad un interlocutore che il più delle volte è un proprio familiare. Focus del romanzo è uno scandalo che è avvenuto in una famiglia di notabili, ossia persone ben in vista nella Tunisia degli anni Trenta del Novecento: la bella Zubaida, giovane moglie di Mohsen en-Neifer, riceve una lettera - il contenuto della quale verrà rivelato al lettore verso la fine del libro - scritta per lei da un giovane intellettuale, Taher al-Haddad, considerato, dagli esponenti del mondo politico e culturale, un miscredente. La lettera era stata consegnata da un garzone della panetteria a Luiza, serva fedele di Zubaida, affinché venisse poi letta dalla giovane signora. Purtroppo qualcosa va storto. Il fratello del marito, Mhammed en-Neifer, attirato dal modo in cui la serva teneva stretto l’involucro per consegnarlo a Zubaida, glielo strappa via e legge il biglietto nascosto. Non sapremo mai se quello era il primo -ma sicuramente sappiamo che è l’ultimo- biglietto che la ragazza aveva ricevuto da Taher… Quando il biglietto verrà consegnato, infatti, il giovane mittente sarà già passato a miglior vita. Nell’introduzione all’opera, leggiamo che Taher al-Haddad era veramente esistito nell’epoca in cui si ambientano i fatti e che aveva scritto, in una Tunisia ancora restia a parlare di diritti umani e di diritti delle donne, alcuni libri nei quali promuoveva l’emancipazione delle tunisine…
باش نلخص نازلة دار الأكابر في قصة حب زبيدة و الطاهر الحداد هو شبه تتفيه الكتاب. قصة الحب هي خيط مالخيوط، هي أصل النازلة و تربط الحبكة متاع الحكاية. و الكتاب مش حكاية برك، هي حكايات الناس إلي عاشو النازلة، ماضيهم و حاضرهم و كل واحد كيفاش شاف و عاش ليلة الشوية متاع للا زبيدة، حكايات المجتمع البلدي البرجوازي التونسي إلي يا مزين من برة شحالك من داخل. كل شخصية و اسرارها و تناقضاتها. أميرة غنيم تخليك تفهم شخصيات كتابها مالنواحي الكل، شنوة الأسباب إلي خلاتهم يتصرفو كيما يتصرفو، من غير ما تعطيلهم أعذار و إلا تضيع في الميلودراما الزايدة، تخلي القارئ وحدو يبني مستوى التعاطف و إلا الكره. و ما تنجم تكره حتى واحد فيهم بعد إلي تعرفو عليهم. كنت خايفة منو الكتاب ماللول، خاطر ما سمعت و قريت عليه كان التمجيد و ما حبيتش تصيرلي خيبة أمل. و حبيتو الكتاب، غطست فيه، عشت فيه سوايع كاينهم دقايق، نبطل القراية بالسيف خاطر ما حبيتوش يوفى.
update: بعد 4 سنين، مازال من أحسن الكتب التونسية إلي قريتهم
Une lettre enfouie dans un paquet de pain..et un déluge d’événements.
Une lettre écrite à la hâte, enfouie dans un paquet de pain, enveloppé dans un foulard. Un fait qui aurait pu passer inaperçu, si cette lettre écrite par Taher Haded et adressée à Lella Zbaida, l’épouse gâtée de Si Mohssen Naifer, n’était pas découverte par Si Mohamed, son beau frère suite à une maladresse de sa servante Louisa. Ainsi, Lella Zbaida se trouve injustement (ou est-elle vraiment coupable?) accusée après la découverte de cette maudite lettre, d’adultère, d’infidélité, de trahison! Un pêché intolérable, inadmissible aux yeux de sa belle famille et d’une société patriarcale, conservatrice et sexiste..
Taher Hadded et Lella Zbaida: une histoire d’amour avortée racontée par autrui..
Une lettre manuscrite, quelques lignes dont la teneur demeure inconnue jusqu’à la fin du roman, une lettre qui va foutre en l’air la tranquillité d’un doux cocon conjugal, et de la vie d’un grand nombre de personnes qui se trouvent impliquées malgré eux, dans une chaîne infernale d’événements. Des éventements parfois manquants, parfois imaginés, manipulés, à suivre dans les bribes des récits de chacun des personnages de ce roman polyphonique. Neuf personnages vont prendre à tour de rôle la parole, pour nous raconter cette histoire d’amour enterrée vivante liant clandestinement, Taher Hadded, cette figure emblématique de la libération de la femme tunisienne, et Lella Zbeida, cette épouse attristée et accusée à tort d’adultère!
Un roman polyphonique..et une protagoniste énigmatique sans voix!
Un groupe hétéroclite de narrateurs, des voix changeantes, des personnes tantôt réelles, tantôt imaginées afin de meubler cette fiction. L’auteure leur a permis de donner libre cours à leurs pensées pour déplorer, se lamenter, regretter, ridiculiser, dénigrer, accuser et innocenter...à l’exception de Lella Zbaida, la protagoniste de cette romance soupçonnée, de cette fiction historique inquiétante, pour nous rapporter ce qui c’est passé à partir d’un nouvel angle de vue, en se basant sur leurs ressentis, leurs préjugés, leurs liens amicaux ou hostiles avec Lella Zbaida, son entourage et sa famille... Lella Zbeida, une femme qui réclame sa liberté et qui tombe éventuellement amoureuse de la figure de proue de l’émancipation de la femme Taher Hadded, son parrain et son amant, demeure muette, sans voix. On feuilletait ce roman dans l’espoir de décrypter son silence..vainement. On reste sur notre faim! Bien joué! Évidemment, le choix de l’écrivaine est délibéré. Lella Zbaida, n’est enfin qu’une femme tunisienne cultivée et pourtant impuissante, audacieuse quoi qu’elle soit soumise, victime ( peut être ? ) mais surtout imperturbable jusqu’à sa mort..
Un drame familial.. une matrice pour faire remonter le temps.. S’il est vrai que toute l’histoire avait pour événement déclencheur ce jour marquant, qui correspond au jour du décès de Taher Hadded ( le 7 décembre 1935), cet événement tourbillonnaire qui s’est abbatu sur la demeure de Dar Al Naifer n’est qu’un incident, une matrice qui a permis à l’auteure de mettre sous projecteurs la vie des familles citadines tunisoises durant la première moitié du siècle dernier, leurs modes de vie, leurs rituels de fêtes, de funérailles,leurs cérémonies de mariage, de circoncision. Bref, le quotidien d’une époque encore vivace dans les esprits des tunisiens.
Taher Hadded..le réformiste sacrifié sur l’autel du dogmatisme religieux.
L’auteure s’est servie aussi de cet événement pour évoquer plusieurs causes, encore brûlantes et polémiques de nos jours à l’instar du régionalisme, de la polygamie, de l’homosexualité, l’adultère, la liberté de la femme, le port du voile, l’égalité entre l’homme et la femme etc.. Des questions, qu’on retrouve déjà dans le livre de Taher Hadded, “Notre femme dans la législation et dans la société”. Un livre dont les coulisses de sa publication ont été fidèlement rapportés par Amira Ghnim. Un livre injustement dénigré par le milieu zitounien, ses idées ont été détournées et ardemment critiquées par les journalistes avant même qu’ils lisent le livre..‘’Ainsi faisons Nous alterner les jours” ( Al Imran, verset n°104). Ce qu’avait vécu Taher Hadded pendant la première moitié du siècle précédent, est malheureusement le vécu de toutes les voix de la sagesse, de la modernisation, et la contextualisation du Coran, A chaque fois qu’un libre penseur propose une lecture pragmatique téléologique du texte coranique, il sera violemment accusé d’apostasie, de calomnie, de mécréance et d’hérésie et autant d’autres propos diffamatoires.. Dans ce contexte, rappelons que la Bibliothèque Nationale de Tunisie s’est enrichie récemment par des documents manuscrits authentiques et inédits de Taher Hadded et du réformiste Ahmed Doriî.
Le passé-présent..d’une Tunisie tourmentée
La lecture de ce roman ne peut pas vous laisser indifférents. C’est un voyage dans le temps, dans l’espace, où la machine du temps nous jouera des tours amusants. Avec l’alternance des narrateurs, leurs idéologies diamétralement opposées, leurs masques sociaux défigurés, leurs amours et leurs maux, leurs gloires et leurs déboires, leurs blessures et leurs joies, on aura l’impression de vivre intensément une réalité assez authentique pour être une simple fiction littéraire. L’auteure a pu ainsi défier l’intelligence du lecteur, qui ne peut que dévorer les pages et déguster la subtilité, l’élégance des témoignages des personnages. Une auteure qui change de cap, de plume, d’encre, de ton, de tonalité, de tempo narratif, de “backgrounds”, pour vivre et écrire dans la peau de chacun de ses personnages. Une pluralité de voix, des scènes éparses, qui se rassemblent au fil de l’histoire pour créer une agréable mosaïque romanesque,miroitant une Tunisie soumise à des courants d’opinions différents, une Tunisie “martyre” comme l’avait écrit autrefois AbdelAziz Thaâlbi.. Une Tunisie qui ne cesse de payer trop cher, le prix des doutes, des injustices, de l’arrivisme, de la corruption,et des nouveaux obscurantistes intoxiquant la quiétude sociale et pulvérisant les esprits par la vulgarité de leurs discours..et de leur pseudo-patriotisme...
رواية جميلة ترسم صورة حية لتونس في القرن الماضي، وتلقي الضوء على واحد من أهم دعاة تحرير المرأة هناك الطاهر الحداد عندي مأخذ وحيد عليها هو صوت محمد النيفر لم يكن منطقيًا من وجهة نظري أن "يعترف على نفسه" بهذه الطريقة . في النهاية اكتسبنا قلمًا روائيًا تونسيًا شديد الخصوصية والفرادة من نوعه، شكرًا أميرة غنيم
اسم الكتاب 📚: نازلة دار الأكابر اسم الكاتب : أميرة غنيم 🇹🇳 عدد الصفحات : 460 صفحة نوع الكتاب : رواية التقييم : 🌟🌟🌟🌟
📚📚📚📚📚📚📚📚📚📚📚📚📚
——————————————————
عبقرية الكاتبة في هذه الرواية البديعة بأن جعلت تونس هي بطلة الرواية الحقيقة و الشخصية الطاغية المثول في الأذهان وهي الشخصية الحبيبة التي و مع المزيد من القراءة تتجلى وتبرز وتُعرف.
هنا، البطولة للواقعة، للحدث نفسه ألا وهي (النازلة)، مفردة ينصرف مدلولها إلى المصيبة الكبرى التي تهبط فجأة على الفرد أو الجماعة ويستمر أثرها إلى حين.
ومن هذه النازلة، تنسج الكاتبة الموهوبة فصول روايتها على شكل أحاديث منجمة في غير نظام، تقصها كل شخصية من شخصيات لأخرى في لحظات الفيض والفضفضة .و قد حلت النازلة وارتبطت بـ ( زبيدة )وعلاقتها مع عراب الاستنارة والإصلاح العظيم الطاهر الحداد ... زبيدة، الشخصية التي حكت عنها الجميع ولم تحكي هي عن نفسها بلسانها بخلاف الجميع.
بإبداع وعبقرية وذوق عالي أبرزت الكاتبة حكاية الشعب التونسي في العصر الحديث مجسدةً شخصية للا زبيدة ( عقلية مستنيرة بجسد كسيح )
نجمتان و نصف! هناك مهارة لا تخفى في السرد رغم الإستفاضة في بعض المواضع... و لكن! مشكلة هذه الرواية كما هي مشكلة أغلب الأعمال الروائية و السنيمائية التونسية، ألا و أنها لم تبرح مكانها منذ الإستقلال إلى الآن و لم تخرج عن التقابل بين التيار المحافظ و التيار الحداثي مع ما تيسر من البهارات المتعلقة بتفاصيل حميمية توصف بإسهاب و إصباغ صفة الرومانسية على التيارات اليسارية، إضافة لرشة من السياسة يتم إقحامها عنوة خاصة بعد الثورة. و حل المشكلة ربما قد ينطلق من الكف عن التفكير بثنائية ال0 و 1 أو الأسود و الأبيض إن شئنا و اليقين بأنه إن كان لا بد لكل شخص من انتماءات فإنه يصبغها و يصطبغ بها. هذا عن "النفس" العام للرواية أو لنقل إطارها، أما عن الأحداث و الشخصيات فقد غابت السلاسة في بعض المواضع كما لم تحضى الشخصيات بما يكفي من العمق و بدت ثيمة الحب ساذجة و قد استهلكت بكثرة على مدى صفحات الرواية حتى أصيبت -أي الثيمة- بالإبتذال. تمت 20/11/2024
كانت توقعاتي لها أكثر من ذلك ، الرواية تتحدث عن تاريخ تونس واللغة المروية فيها الأحداث جميلة وقوية والسرد جميل لكن التمادي في الوصف للأحداث المخلة بالحياء والأدب والفطرة السليمة ينغص قرائتها.
نازلة دار الأكابر وطنٌ مُقعدٌ ضامر... اتّفق الفرقاء على تكميمه.
في قراءتي الأولى للروائيّة التونسيّة أميرة غنيم، الأمر الذي شجّعتني عليه جائزة البوكر في إطار جهودها المحمودة في تعريفنا بكتابات تستحق الاهتمام، وجدت أنّني أتعرّف على تونس كأنّني لم أقرأ عنها سطرًا واحدًا طوال حياتي. هذه رواية عن تونس وإن بدت في ظاهرها رواية أجيال وأصوات مترابطة مُحكمة البناء، تونس التي نحبّها، تونس التي تحمل شعلة التنوير الأشدّ توهّجًا في ربوع العرب حتّى اليوم.
نحن إذن أمام رواية تستعرض تاريخ تونس خلال قرن كامل. ولكي أكون مُحقًّا؛ فإن أوّل انطباع يخطر في ذهني فور مطالعة روايات الأجيال هو الإحالة التلقائيّة إلى شيخ الطريقة "نجيب محفوظ" ونهجه الفريد في بناء وتركيب هذه النوعيّة من السرديّات. وبرغم أن أدباء عالـميّين مثل تولستوي وماركيز وتوماس مان وطه حسين قد سبقوا محفوظ إلى هذا النمط الروائي، وتلاه في الذات النهج أسماء مُهمّة مثل مجيد طوبيا ورضوى عاشور والبساطي، إلا أنّ روايات الأجيال تظلُّ مرتبطة في ذهني بالنجيب المحفوظ. لذلك؛ بدأتُ قراءة "نازلة دار الأكابر" -بعدما تعمّدت تجاوز مقدّمة الروائي الكبير شكري المبخوت تجنّبًا لفرض أيّة وصاية قرائيّة فيما يخص المسارات والتأويل- وأنا مُحمّل بفضولٍ كبيرٍ عما قد تُقدّمه أميرة غنيم في هذه الرواية الضخمة. خصوصًا وقد اختارت لسرديّتها فضاءً زمنيًا شاسعًا، وعشرة رواة يتناوبون على سرد ذات الحدث. الأمر الذي يستلزم قدرة هائلة على البناء والربط والتنويع في مستوى اللغة والخلفيّات الشخصيّة للرواة، علاوة على دراسة تاريخيّة متأنيّة يمكن توثيقها والتحقّق منها لمن أراد إلى ذلك سبيلا. النازلة في العاميّة التونسيّة هي الفضيحة. بالتالي فإنّ العنوان، لمن لا يعرف، لا يعني النازلة بمعناها المصري الشائع المرتبط بالأماكن مثل نزلة السمّان وخلافه، إنّما يعني فضيحة دار الأكابر. هذه الفضيحة هي الحدث المحوري الذي تتطوّف حوله الوجوه والأصوات دون أن تكشف من التفاصيل إلا ما لا يخلّ بالخط التشويقي للحكاية.
كما هو وارد في شجرة العائلة التي سمحتُ لنفسي أن أجري عليها بعض التعديلات، تشابكت مصائر عائلتيّ (النيفر) و(الرصّاع) عبر زواج "زبيدة الرصّاع" و"محسن النيفر". النازلة هنا (أو الفضيحة) هي ما يتم تداوله من أخبار منقوصة عن ثمّة علاقة كُشف عنها بين "زبيدة" -عقب سنوات من زواجها من محسن وإنجابها طفلين منه هما محسن ومحمد- و"الطاهر الحدّاد"، التنويريّ التونسيّ الذي تجنى تونس اليوم ثمار أفكار نادى بها حتّى أودت به إلى نهاية قاسية. لن أستفيض في الحديث عن الطاهر الحدّاد، فالمعلومات متوفّرة على الإنترنت لمن يريد التعرّف على سيرة الرجل وحياته القصيرة، ولكن؛ يكفي أن أشير إلى كونه تنويري نابه، طالَب في ثلاثينيّات القرن الماضي بتحرير المرأة من خلال المطالبة بالزواج المدنيّ الذي يحفظ للمرأة كرامتها ويمسك يد الرجل عن الطلاق المنفرد، ومنع تعدّد الزوجات، وأحقيّة المرأة في الممارسات الحياتيّة والمجتمعيّة المختلفة أسوة بالرجل، وكان كتابه الذي حوى هذه الأفكار هو القشّة التي قصمت ظهر المتزمّتين والرجعيّين فراحوا يضيّقون عليه ويطاردونه حتّى انعزل عن العالم برمّته وقبع في داره، ليتوفى عقب ذلك في منتصف عقدة الرابع.
منحت أميرة غنيم للطاهر الحدّاد انكسارًا جديدًا يضاف إلى رصيده من مسوّغات الرحيل المبكر، فرمّزت علاقته بـ (زبيدة) لتكون بمثابة علاقة تونس بالحرية. قصّة عشق محرّمة بفرمان طبقيّ أصوليّ متزمّت مهما أدعى الوجهاء عكس لك. يتحدّث الرواة عن النازلة، وعمّا آلت إليه أمور العائلتين عقب ما جرى. تتقاطع أصوات الرواية وتتشابك. وفي ما وراء الطبقة الأولى -الظاهرة- من السرد، تسري سرديّة موازية تُوثّق تاريخ تونس الحديث دون ضجيج أو إقحام. نتعرّف على كواليس الساسة والانشقاقات بين صفوفهم ما بين الانحياز إلى الوطنيّ التونسي، والفرنسيّ المستعمر. وكم كان لافتًا تشابه تاريخ النضال العربي ضد الاستعمار في كلّ مناحيه السلبيّة وتحوّلاته الفكريّة على كافة الأصعدة، وكم هو مستفز تشابه المعطيات والمقادير عقب انقضاء قرن من الزمن! زبيدة، التي أرى أنّها تونس، تمسي بين ليلة وضحاها ضحيّة موشومة بالخزي مطاردة بسهام العار، مطعونة في شرفها، قعيدة لا تقو على الحراك. كلّ ذلك لأنّها تركت نافذة ضيّقة تنساب منها أنسام التحرّر وأماله المؤجلة إلى أمد غير معلوم. الطاهر الحدّاد بات سبّة، وأفكاره خيانة وكفر بيّن. والخطاب الغامض الذي أرسله لها خلسة فوصلها بعد وفاته مسببًا هذه الفضيحة لن نعرف محتواه حتّى الفصول الأخيرة. لكنّنا نشهد على الثمن الذي تدفعه زبيدة جراء صمتها المختار، ونقف حائرين أمام تمسكها بحبل السرّة الرابط بين طرفيّ مجتمع اتفقا على خطيئتها من دون قرينة.
لنستعرض إذن الأصوات التي منحتها أميرة غنيم حق السرد في حكايتها، عقب مقدمة وخاتمة قصيرتين تولّت زمامهما "هند"، حفيدة "زبيدة" و"محسن": البداية تأتي على لسان "لويزة"، خادمة "زبيدة الرصّاع" في حديثها إلى الحفيدة "هند". عقب ذلك نستمع إلى نسخة أخرى من الرواية على لسان "جنينة الشريف" والدة "محسن" زوج "زبيدة" في ما تتلو تفاصيل النازلة -حسب وجهة نظرها- على حفيدها "مصطفى" ابن "محسن" و"زبيدة" - ووالد "هند". الصوت الثالث يأتي ذكوريًّا، وهو هنا صوت الرجل المتفتّح "علي الرصاع" والد "زبيدة" مُخاطبًا ابنه "بكار". شخصيّة "الرصّاع" أعدّها من أفضل الشخصيّات في هذه الرواية لما حوته من تناقضات وصراعات داخليّة بين التقدّم والتخلّف، والطبقيّة والمساواة. عقب ذلك تمنح الكاتبة منصّة السرد لأكثر شخصيّة مُركّبة في الرواية، وأعني هنا "أمحمد النيفر"، شقيق "محسن" وعدوّه في ذات الوقت. الشخص الذي اكتشف الخطاب المسرّب إلى "زبيدة" من "الحدّاد" (الميت)؛ فكان كل ما كان. شخصيّة "أمحمد النيفر" ثريّة، غنيّة بالتفاصيل حول الخلل النفسيّ والسلوك��ّ الذي يفرزه القهر والكبت والتزمت الصوري. "أمحمد" هنا يروي الحكاية على "محمد الحبيب" ابن "زبيدة" و"محسن" الذي أنفق من عمره خمسة سنوات جراء ما كان يوم النازلة، والذي يظل رغم كل شيء أقرب الناس وأحبهم إلى العم الضال. في الفصل الخامس يعود الصوت النسائي ليعتلي منصّة السرد، خادمة أخرى هي "خدوج" خادمة دار النيفر المخلصة، وعدوة "لويزة" خادمة دار الرصاع العتيدة والعنيدة. تقصّ "خدوج" نسختها من الحكاية على "زبيدة" نفسها، تتطهّر -مع استشعارها قرب حلول الأجل- مما أثقلها حمله وكتمانه. تصوّر هنا "خدوج" -ومن قبلها "لويزة"- القهر المتأصّل في نفوس العبيد وإن منحهم أسيادهم صكوك الحرية، وهو ما يتجلّى في نهاية "خدوج" تحديدًا. في الفصل السادس نستمع إلى محاورة كاشفة بين "بشيرة الجلولي" والدة "زبيدة" مع "محسن النيفر" زوج ابتنها الذي هجر فراشها منذ ليلة النازلة، وآثر أن يتخذ من فتاة خرساء زوجة ثانية (لابد هنا أن نلاحظ رمزيّة اختيار الرجل لزوجة لا تنطق ولا تطالب ولا تعترض، وأن نتتبّع أيضًا مصيرها وخاتمتها في سياق الأحداث). في الفصل السابع يستمر استئثار الصوت الأنثويّ بمقاليد السرد، من خلال شخصيّة مفاجئة لم يتم التمهيد لها بالشكل الكافي قبل ذلك، وهي "فوزيّة" طليقة "أمحمد النيفر" شقيق "محسن" الذي استمعنا إلى نسخته من الحكاية في الفصل الرابع. ولعلّ الظهور المباغت لـ "فوزيّة" جاء ليستكمل حكاية "أمحمد"، وبعض تفاصيل حكاية "زبيدة" والنازلة الكبرى. العودة إلى الصوت الذكوريّ تتم في الفصل الثامن على لسان "عثمان النيفر" والد "محسن" زوج "زبيدة"، مُحاورًا زوجته "جنينة الشريف" بنبرة لا تخلو من الندم والأسف حيال "زبيدة" وما لاقته من مصائر غير عادلة. "محسن النيفر" هو النقيض الأيدولوجي لـ "علي الرصّاع" وان احتفظ كل منهما ببذرة الطبقيّة والاستعلاء على الآخر-الأقل مقامًا. في الفصل التاسع يستمر الصوت الذكوريّ مُتمثّلًا في "المهدي الرصّاع"، شقيق "زبيدة" التوأم. يتتبع "المهدي" خيوط النازلة التي لطّخت جبين العائلة، يبحث عن الأدلة والبراهين بحكم معرفته بشخوص مقربين من الطاهر الحداد، لكنّه يعود عن شكوكه عقب تأرجح طويل بين قيل وقال، ليؤازر شقيقته المقعدة قدر استطاعته. وفي آخر الفصول، أو لنقل الفصل الوارد في ما قبل الخاتمة، يطلُ علينا "محسن النيفر" كهلاً عجوزًا يعيد ترتيب أوراق ذاكرته، ويحاسب نفسه بعدما انفرطت حبّات العمر. جاء صوت "محسن النيفر" في هذا الترتيب مُوفقًا للغاية، إذ بيّن بحضوره ما تضبّب من الصور طيلة الفصول التسعة السابقة، لتنجلي حقيقة النازلة، وحكاية "زبيدة" الـمُكمّمة بفعل فواعل كُثر.
في خاتمة الرواية، نشاهد "هندًا" تبحث في دار النيفر المهجورة عن لوح الحكاية المحفوظ بعيدًا عن متناول الزمن، تؤكّد لها "لويزة" ان ثمّة صندوق تركته في أحد أدراج البيت يحوي من خفي عن مدارك الكافة. تتسلّل "هند" باحثة عن أصل الحكاية وأدلّة ثبوتها أو نفيها، تتعثّر في الكثير من عراقيل الماضي، وتستبين الكثير من خواتيم الحكايات المبتورة، يسد أن بحثها عن الحقيقة الكاملة يظلُّ منقوصًا، أو مؤجلًا.
إشارات: • "زبيدة الرصّاع" هي تونس كما أسلفت، الحرّة المرصّعة بإرادتها، الأبيّة الباحثة عن منافذ حريتها بين قضبان ما تزال تتساقط حولها حتى يومنا هذا. تغييب صوت "زبيدة" جاء متمّمًا للحكاية، ورغم اشتياق القارئ -المؤكّد- للاستماع إلى صوت المرأة صاحبة النازلة الصامتة، إلا أن إقحام صوت "زبيدة" – حسب رأيي- كان لينتقص من رسالة العمل الكليّة. فالوطن ما يزال محاصرًا، مُكمّمًا، غير مصرّح له بالبوح بما لا ينبغي ذيوعه بين العوام من أخبار وأسرار.
• الأمر كذلك بالنسبة إلى "الطاهر الحدّاد"، عدم إقحام صوته زاد من إحكام المرويّة. فعلى الرغم من أنّ الرواية ترتكز على أفكار "الحدّاد" وأيدولوجيّته التنويريّة بالأساس، وعلاوة على ما تضمنته الحكاية من ربط واضح بين النازلة والرغبة في التحرّر، كأنّ مُطالبة المرأة العربيّة بالتحرر تُعدّ فضيحة تتناسل منها النازلة تلو الأخرى على كافة الأصعدة؛ إلا أن حضور "الطاهر" القوي، كان ليخفت إذا اقتحم صوته الأحداث، تمامًا كـ "زبيدة".
• إفساح منصّة السرد لصوت خادمتين حمل رسالة ضمنيّة تؤكد ما تبنته الكاتبة منذ بداية نصّها من رفض واستنكار للطبقيّة المستمرّة. حملت حكايتيهما شجونًا تركت لدي غصّة ومرارة جعلتاني أشعر -لا إراديًّا- بذنب لا أدرك مُسبّباته! ربّما لأنّني أعرف أن الواقع أشدّ قسوة مما يُشيّده الخيال ويُسكنه بيوت الورق!
• ألوان الغلاف الذي نفذه الرسام الجزائري رشيد طالبي معبّرة تنقل شجون الماضي. ختيار العنوان لافت، بل يمكن القول إنّه عبقري! النازلة أو الفضيحة هنا لفظ جامع، يتّسع ليشمل تاريخًا عربيًّا من التخاذل والفرقة والخصام والتزمّت ونبذ التنوير. فهل يمكن أن ننسى يومًا أن مظاهرة اندلعت في قلب القاهرة للتنديد بأفكار طه حسين، فقيل ضمن ما قيل فيها: يسقط الوزير الأعمى!؟
• كان من الأفضل ترحيل مقدمة الروائي "شكري المبخوت" إلى نهاية الرواية. قرأتها عقب الانتهاء من قراءة الرواية كما عقدت العزم منذ البدء، فتيقّنت من صحة وجهة نظري. الأفضل للنصّ هو ترحيل هذه القراءة الاستباقيّة إلى النهاية، أو الاكتفاء بما تم استخلاصه منها وطُبع على الغلاف الخلفي.
• كنت أفضّل حذف بعض الأسماء من شجرة العائلة لعدم وجود دور فعليّ لها. كذلك كان من الضروريّ منح "لويزة" و"خدوج" و"فوزية" فرصة الظهور بين أفرع ذات الشجرة. بالمناسبة؛ فصل "فوزية" ربما يكون هو الفصل الوحيد الذي لم يكن حذفه ليؤثر بالسلب على سياق العمل ووتيرته أو ترابطه. لكن في ذات الوقت؛ يمكن القول أيضًا أن حضور صوت "فوزية" لم يكن مزعجًا أو مشتتًا للقارئ في نهاية المطاف.
• لم يتفاوت مستوى اللغة بين الشخوص بشكل كبير، لغة الرواية في العموم شديدة التميّز، وما يُروى على لسان الخادمتين يتماس في بلاغته مع ما يرويه من نالوا من التعليم أوفر الأقساط. ذلك الأمر لا أعدّه نقطة ضعف أو هنّة تُحسب على الكاتبة، ففي الوقت الذي التزمت فيه بتقديم مستوى لغوي حافل بالصور والتشبيهات والبلاغة؛ فقد برعتْ في تنويع خلفيّات الشخوص وتوضيح نقاط الاختلاف وتفاوت درجات الاستيعاب بين شخص وآخر. الأمر الذي جعل الفارق بين صوتٍ وآخر جليًا، وإن ظلّت وتيرة اللغة وقوّتها شبه ثابتة.
• كان من الممتع التعرّف على العديد من المصطلحات التونسيّة العاميّة الدارجة، لفت نظري كذلك تشابه بعض المفردات بين العاميّتين المصرية والتونسيّة. إفساح مساحات في الهوامش لشرح معاني بعض المفردات جاء موفّقًا، ومنح الرواية الجنسيّة التونسيّة بامتياز.
• "هند"، مواطنة اليوم الباحثة عن تونس التي أرادها "الطاهر الحدّاد"، وعن مواثيق الحريّة التي تناثرت بين أطراف النازلة وسحقتها عقول ظلاميّة تعيث في مجتمعاتنا حتى اليوم، لا يبدو أنها تلاقي مصيرًا أفضل من مصير "زبيدة". المكالمة الهاتفية الأخيرة بينها وبين زوجها إبّان بحثها في الدار المهجورة، وما حوته من عصبيّة وسباب وألفاظ -ربّما- نابية، تؤكد أن المسافة بيننا وبين قبر "الحدّاد" ما تزال شاسعة، وقد تُشجّعنا على بذل المزيد من الجهد لإخراج شعاع التنوير الذي لُحد من "الحدّاد" في قبره.
• بدأت حديثي بمقدمّة بسيطة عن روايات الأجيال، وأشرت إلى نجيب محفوظ بصفته شيخ الطريقة الذي لا يُنازعه -حسب رأيي- أي كاتب آخر في جدارته بأستاذيّة المعمار الروائي في روايات الأجيال. وأختتم كلماتي بظنّ آخر بسيط، مفاده أن محفوظ، كان ليسعد كثيرًا إذا قرأ هذه الرواية. فهي واحدة من أفضل روايات الأجيال/الأصوات التي قرأتها في السنوات الأخيرة، وربّما أكثرها ترابطًا.
شكرًا أميرة غنيم، وشكرًا لدار مسكيلياني على تقديم هذا العمل الذي ينافس على جائزة البوكر هذا العام، عن جدارة واستحقاق. أخيرًا، وكما نقول في مصر دائمًا: الإجابة تونس 😊
تبلغنا عن الحدادِ أحاديثُ شتّى، منها ما حُكيَ عنهُ وما حُكيَ منهُ، وينصبُّ زخمُ الحديث وثقلهُ في ذلك النقاشِ المتصل إلى يومنا هذا المتأرجح بين ما أقامه الحدَّاد ومن يقيمونَ الحِدادَ.. ولكنني أرى الثقل كل الثقلِ في ما كتبهُ المناضل الإنسانُ من خواطر ودواوين شعرية، والجذب كل الجذبِ في بوحِ قلبهِ وصدعِ روحهِ وعقلهِ واسترسالِ المنطقِ الجميلِ من لغتهِ وفنّهِ. ولا يكون هذا في غيرِ ندرةٍ من الناس. وهو أقربُ ما قد يمنحُنا التدوينُ بأنواعه إلى جواهر الشخصيّة التاريخية وأسرار الذات الإنسانية وأشده قيمةً. ثم تأتي هذه الروايةُ لاحقة لكل الأحاديث، مُلهَمة منها جميعا، تأتي كالقطعة المنقوصةِ، تفرضُ نفسها بنفسها وتسدُّ الثغراتِ..
يخبرنا منيف عن سُننِ حركة البشرِ وتشكُّل المصائرِ فيقول؛ إذا كانت اللغة مفتاحًا، ومشرق الشمسِ اتجاها.. فإن المصائر ترسمها الأقدارُ والنساءُ.".. وهذه الرواية الموغلة في خفايا عائلتيْن من البلديّة أعيان المدينة دار النيفر والرصاع وما جرى وراء الأبواب دليلٌ مبهرٌ لوعي فذٍّ عند صاحبته أميرة غنيم بهذا الذي يحاول منيف عن خبرتهِ في التجربة الإنسانية والروائية الإيحاءَ بِهِ. فها هيَ تبحثُ في الوثائق والحكايا وتوجِدُ للطاهرِ بسلطة الخيال امرأةً يجمعه بها القدرُ فيحبها وتحبهُ وتضرمُ في صدرِهِ حماسًا آخر للنضالِ وفي شِعرِهِ وحرفه لحنًا جديدا يُشجي ولهيبًا في الصدرِ يضيءُ ويحرقُ..
إلى هذه السنةِ في تسييرِ الأقدار تسندُ الكاتبة الفطنة هيكلة روايتها وسيرَ أحداثها فكل حديثٍ يحكيهِ ساكن من ساكني دار الأكابر، وكل اعترافٍ تدلي به تباعا الشخصيات، وكل حرفٍ تنطوي عليه صفحات الكتاب يؤكدُ هذا ويعضدُهُ. وهي في استردادها لشخصية الطاهر الحداد التي تعسفَّ على وضوحِ رؤيتها غموضُ التاريخ وتنكُّر البشرِ وأخمدَ نورَ اعتدالها وبديع ذكرهَا ظلامُ التناسي وانحيازُ الذاكرة، تنفض الغُبارَ عن قلبٍ غائ��ٍ وتجمعهُ بعقلٍ حاضرٍ قد فك لنا الطاهر بنفسهِ مغاليقهُ بينما احتجبَ بحجاب الأسى القلبُ..
جميلٌ أن تتخيلَ، وجميل أن تحفظ بخيالك تراث بلادك، وجميل كذلك أن تكتب عن الصادقين المنسيّينَ مستعيرا ألسنة من عاصرهم، ويكون لك بما تكتب فهم عميق وتكون في كل ذلك مُحسِنًا مُنصِفًا. رحم اللّٰه الحدّاد.
I loved the premise of story and the depth of each character as we heard their perspectives. I particularly enjoyed the detailed and accurate descriptions of Tunisian history, politics, and societal structure, whilst also learning a lot about it. The book left us to question the truth of it all (which was very fun to discuss as each reader comes up with a different perspective).
I read this in English and was not a huge fan of the translation as there were so weird translations and editing issues (I heard the French and Arabic versions were very well written). I think some things were lost in translation hence, 4.5
لا اعلم لاي سبب كنت اؤجل الموعد مع هذه الرائعة فمنذ امساكتها و هي لا تفارقني فان فارقت يدي فهي تتربص فكري حتى انوزبيدة باتت تزورني في احلامي و تستعجلني. أريد أن أدعو من مازال يتردد إلى المبادرة و خاصة من يجد نفسه غير قادر على القراءة فشخصيا انا مدينة لاميرة غنيم بعودتي إلى المطاعة بعد طول عزوف.
صعب جدا وصف هذة الرواية في كلمات قليلة، كانت رحلة طويلة عشتها في منزل عائلة النيفر مع كل فرد منهم. تحكي الرواية عن تاريخ تونس في تلك الفترة من الثلاثينات وحتي الستينات -تقريبًا- من خلال قصة زبيدة الرصاع وزواجها من محسن النيفر والنازلة التي تحل بمنزلهم بسببها أو هكذا يظنون. نقطة قوة الرواية بالنسبة لي الكتابة وطريقة السرد الذكية، كل فصل يرويه شخص مختلف وفي فترة زمنية مختلفة. الرواية لا تسير في خط مستقيم ولا تسير في خطين متوازيين لأنها لا تسير في أي خطوط زمنية اصلًا بل تتشابك وتدور لنتمكن في النهاية للاقتراب من الحقيقة قدر المستطاع لكن لا نصل لها أبدا. شعرت أثناء قراءتي للرواية وكأنني أقف أمام لوحة عملاقة مباشرة وكلما قرأت فصلًا اخر ابتعدت قليلًا لأري الصورة الكاملة تزداد وضوحا مع كل حكاية ومع كل وجهة نظر. فنري الحكاية ذاتها تحكي علي لسان كل أهل المنزل ونعرف قصصهم من خلال آراء بعضهم في بعض ونظرتهم لبعض. ورغم كل هذا لم تكن القراءة معقدة وكنت مندمجة جدًا في الأحداث ومستمتعة بها وإن كنت ارتبكت قليلا في تحديد الفترات الزمنية التي دارت فيها بعض الأحداث المحورية.. تناقش الرواية مواضيع مثل حقوق المرأة و العادات والتقاليد التونسية والحياة الاجتماعية والسياسية آنذاك وعدة قضايا مجتمعية أخري متحمسة جدا لمناقشة الرواية مع نادي عروبة لأن لدي الكثير من الأسئلة والاراء ورواية كهذة تستحق النقاش وتبادل الآراء فعلا وممتنة جدًا للنادي لأنه عرفني علي رواية مميزة كهذة ومن أدب جديد عليّ 💙
اشتريت هذه الرواية لأن المؤلفة تونسيّة فقط، وحينما بدأت بالقراءة اكتشفت أنها رواية تشبه المتاهة الغريبة التي تلتّف حوالي نفسها وحوالي عنق القارئ أيضاً، وأنها تتألف من حدث واحد فقط يتم سرده من قبل مجموعة من أشخاص مختلفين موجودين في المكان ذاته. أحببت الجو العام الموجود في الرواية، الوصوف والتفاصيل واللهجة، ولكنني لم أستطع أن أتحمل قراءة الرواية التي قرأتها على مضض لأني " دافعة فيها" ولا أريد أن أرميها مهملة بدون قراءة، كما أنني لم أحب بعض الأحداث التي بدت لي فجّة وصريحة. وأفكر دائماً أنني في حياتي اشتريت الكثير من الروايات لمؤلفين تونسيين آملة أن أقرأ أدباً عذباً وجميلاً يتحدث عن المدينة ويلمس الروح، ولكنني دائماً كنت أنصدم من الأسلوب الركيك، أو من القصّة الهزيلة، أو كما في حال هذه الرواية، الركض مثل هامستر في عجلة لا يوجد لها نقطة نهاية أبداً .
ينهض الفن بصفة موازية بمهمة الحفظ، وبإضفاء قليل من اللون حتى على تصورات منطفئة وشاحبة ، وعندما يؤدي تلك المهمة يقوم بنسج رباط يضم مختلف العصور ويستدعي عودة أرواحها. يكون ذلك أشبه في الحقيقة بطيف حياة تنهض فوق القبور، أو بعودة موتى من الأحباء في الحلم، إلا أنه، ولبضعة لحظات على الأقل، ستعود الحيوية إلى الأحاسيس القديمة وينبض القلب على إيقاع قد طواه النسيان. - نص بعنوان الفن كاستحضار للاموات ، من كتاب إنساني مفرط في إنسانيته ( الفصل الرابع ؛ من روح الفنان والكاتب ) للفيلسوف الألماني فريدريك نيتشة ، ترجمة علي مصباح - رواية نازلة دار الأكابر لأميرة غنيم