كان شعرها كثيف البياض، وجسدها شديد النحول. رأتهم وهم يسكبون الماء على جسدها قبل أن يلفوها بالكفن، بعدها ينشرون العطور وينصرفون دون أن يصرخوا أو يبكوا أو حتى يلبسوا ثياب الحداد.
Miral al-Tahawy (Arabic: ميرال الطحاوي) is an Egyptian writer of short stories and novels. Until she left for Cairo at the age of 26, al-Tahawy had never left her village (Geziret Saoud in the eastern Nile delta) without a male relative or guardian. She managed to avoid marriage by working as a teacher, and then by leaving without permission to study at the University of Cairo. Born in 1968 into the Bedouin al-Hanadi tribe, she credits her liberal-minded father with the fact that both she and her older sister (who is a pharmacist) obtained an education, although they lived in traditional seclusion. Her experience of coming to the city for the first time and gaining her freedom inspired her to write. In 1995, she published a collection of short stories Riem al-barai al-mostahila (The Exceptional Steppe Antelope) based on childhood memories and her grandmother’s stories. Three novels followed: Al-Khibaa (The Tent, 1996), Al-Badhingana al-zarqa (The Blue Aubergine) and Naquarat al-Zibae (The Gazelle's Tracks), the first two of which have been translated into English by the American University in Cairo Press.
I was excited to read a novel about Bedouins, but my Western brain got confused. I'm not sure I ever understood what was going on. I got the part about Bedouins liking to hunt with falcons and leading foreigners on hunts. But did slavery exist in the era of cars? Were women who lost their marbles really locked in a dark house alone with one slave for most of their lives? I also confess that the style jumped around too much for me, paintbrushing back and forth over a topic in ways that didn't seem to build logically. A map and a list of characters might have helped as the names were hard for me, too. I did appreciate the list of Arabic words. My complaints may be all due to my own failings. What seemed to me a paintbrush style (sort of "oh, and by the way, you remember that woman a few pages back? I forgot to mention ...") might actually have subtle significance beyond my ken. There was just so much I couldn't follow. I can only say, I *think* I know who the heroine was, I *think* I know who were her real mother and father, and I *think* I know who raised her and that her adoptive father loved hunting falcons and couldn't get near to his aloof wife. There are no spoilers here, as more than likely none of that happened.
فكرة الكتاب رائعة! ننظر الى ألبوم صور ونتحدث عما جرى لكل شخص في العائلة. ماذا يلبس ، ماذا يفعل، مقولة شهيرة، هل يحب الطعام، ما هو افضل عمل له ، من أحب ، هل تزوج والى آخره من افعال او صفات يفعلها الشخص ثم نربط هذا وذاك بشبكة تمثل العائلة او الاصدقاء او المجتمع ككل. وحتى لا ننسى اي شيء لابد ان نتحدث عن طبيعة المكان والزمان وكذلك عمن ملك تلك الارض وهل اغتصبت وهل نهبت وهل حصل الناس المحيطين على حقوقهم ؟
هنا نقوم بوضع نقطة ونلف لنخلق مجتمع او عالم متكامل.
وهذا ما فعلته الكاتبة ، انها فعلا عبقرية.
اقتباسات (شعرية) :
❞ قد يعسُر المرءُ حينا وهو ذو كرم
وقد يسوم سوام العجز والحمقِ
سيكْثر المالُ يوما بعدَ قِلَّتِه
ويكتسي العود بعد اليبس بالورقِ ❝
❞ ولم أر مثل الهم ضَاجَعَهُ الفتى
ولا كسواد الليل أخفق طالبه ❝
❞ تسقط باردة الأطراف متقلصة الملامح رغم أنهم علقوا لها حجر الياقوت عند مفرق رأسها ليذهب وجع الرأس وألبسوها الحرير الأخضر كي يهدأ بالها وتذهب الأرواح الشريرة، ❝
❞ يعدي على الموج يرمش
عامــدا جبــالا خوالــي
لا زول جـابـه مـن العــش
ولا نــال مـا فيـــه والــي ❝
❞ عينك عين الصقر الحايم
واحنا ناس رقاق عزايم ❝
❞ «غـلاك لا تخـــاف عليــــه
مدسوس بين عيني وهدبهــا»
أو:
«القـلـب يــا بعيــد الـــدار
يمسي معي ويبات عندك» ❝
❞ وخايــف من الحــرّ القاتــل
«نداوى» متكوبي بحَمَـار(21)
نــداوي مـاهـوش ساهـل
مربـــة فــي كـــارة بــزَّار
يجيب الخــارم والجافـــل
وحـنَّى كفــه والمنصــار ❝
❞ وفي الأرض منـأى للكريـم عن الأذى
وفيهــا لمـن خـــاف القَـلَـــى متعـزَّلُ
لعَمْـرك مـا بالأرض ضيـقٌ على امــرئ
سـرى راغبـًـا أو راهبـًـا وهـو يعقــلُ ❝
❞ الله يعلم أن النفس هالكةٌ.. باليأس منك ولكنِّي أمنِّيها ❝
كنت فى غاية حماسي ، ولكن مع الصفحات خفت حماسي تدريجيا حتي انعدم تماما .. لا ادري اين الرواية ؟؟ السرد والتفاصيل حتي اخر صفحة فى الرواية ، انا مع ان التفاصيل ضرورية لصنع رواية ، ولكن لا ان تكون الرواية هي هذه التفاصيل
وتتمثل في "نقرات الظباء" كل مميزات وخصائص ميرال الطحاوي الأسلوبية والروائية والتي يأتي في مقدمتها التركيز الشديد إلى حد الإبـهام في بعض الأوقات - والذي لا يستطيع أحد معه أن يدعي أن هذا هو التأويل الوحيد للعمل مثلما كان يمكن في عمليها السابقين والذي يؤكد ثراء العمل وامتلائه بالرؤى والتأويل - الأمر الذي يدعو للمحاسبة على الكلمة ووزن العمل بأدق الموازين حساسية ، فكل كلمة محسوبة ولم ترد عفوا وإنما لابد أن لها مدلولاً ما ولابد أنـها تخدم السياق العام ، فهي لبنة في البناء ، ومن هنا كانت قراءة أعمال ميرال الطحاوي وتأويل كتابتها ، وكان البحث عن مفاتيحها ، وإن كانت قد ألقت هذه المفاتيح – في نقرات الظباء – في كومة من القش فتاهت مثلما تاهت معالم البدو وتاه مجدهم وسط المباني الأسمنتية والطرق المرصوفة التي لم تعد في حاجة إلى أدلاء يرشدون من أمثال "أبو شريك العبادي" . ونقرات الظباء هي العلامات التي تتركها الظبية في الرمال عندما يداهما الخطر وتفر هاربة علَّ أبناءها يهتدون بـها إليها ، وإن كانت ميرال تصعد بظبائها إلى السماء لتكون نجوما تضيء وتكشف مكامن الخطر وكأنها تصعد بعلاماتـها من الرمال التي لا يراها إلا السائر فيها إلى العلا حتى تكون الرؤية أوسع وأشمل ، وربما كان هذا أحد مفاتيح القراءة لهذا العمل : [.. وهي تحكي لها حكاية "السهى" تلك الظبية التي ركضت في السماء ولأنـها تركت وليدا صغيرا على الرمال لا يعرف كيف يهرب من صياده ، تركت له نقراتـها المضيئة نجوما تتنبأ بمواضع الخطر ..] ص 11 . ومن هنا أيضا يمكن القول بأن النقرات هي الأثر الذي تتركه الظبية للدلالة على سابق وجود حياة في هذا المكان ، فتظل النقرات بذلك هي الدليل على اندثار حياة كانت هنا من قبل . ولأن النقرات أيضا هي الدقات الإيقاعية التي هي مسافات زمنية ، والظبية هي الغزال الرشيق الحركة وسريعها ، فكذلك تكون نقرات الظباء أيضا هي إيقاعات الزمن السريعة . وتقدم الكاتبة أيضا ما يتوافق مع هذا المعنى : - [.. وأن النجدية ما زالت تخبئ في صدرها علبة النشوق ، تراقب من فتحة السقف "نقرات الظباء" وهي تدخ نجمات قليلة متناثرة تركض في السماء ، تعرف بمرورها على هذا الموقع أن سنة جديدة عبرت .. ] ص50. كما قد يعزز هذه القراءة أيضا ، أن الرواية تقوم أساساً على قراءة الصور ، والصورة بصفة عامة تحمل الذكريات ، وغالبا تلك التي كانت علامات في حياتنا ، كما قد يعززها كذلك الجملة الافتتاحية للرواية والمشتقة أيضا من ذلك التراث البدوي الذي لا زال يغلف أعمال الكاتبة والذي تقول فيه :- [ .. على صدري حطيت شهايد بلا موت يا علم .. ] حيث دائما ما تستخدم هذه المفتتحات لتعتبر مدخلا لما سيليها من وقائع وأحداث – إن صح استخدام ذلك هنا - . فالشهايد هي ما يوضع على القبور للدلالة على المتوفى أو المتوفين ، فإذا ما اعتبرنا أن دولة البدو قد ولت أو زالت أو ماتت ، فإن هذا العمل يعتبر شاهدا أو علامة تشير إلى أنه كان هنا عالم للبدو ، إلا أننا لو قصرنا ذلك العالم على البدو فقط فإننا نكون قد حصرنا الكاتبة في عالم البدو الذي كان طاغيا في روايتها الأولى على النحو الذي وضحناه سابقا ، وتكون الكاتبة لم تتقدم خطوة منذ بداياتها الروائية أو أنها بمعنى آخر تكرر نفسها ، وفي ذلك ظلم بّينٌ لها ، حيث أن الرؤية المتأملة ترى أن الدائرة قد اتسعت وتحول الهم الخاص إلى هم عام ، فيمكن النظر – دون أي إسقاط من جانبنا – إلى عالم البدو هنا على أنه مصر كلها ، وإن كان الموت هنا ليس هو الموت الفعلي بطبيعة الحال ، وإنـما هو الموت المعنوي ، هو التدني أو زوال العز والمجد والحضارة ، زوال الفروسية وزمانـها ، فمصر التي امتلكت حضارة الفراعنة التي ينبهر بها العالم حتى اليوم ، قد تعرضت لسقطة أنزلتها من فوق حصان الفروسية للعديد من الأسباب والتي بدأتها الكاتبة – في روايتها الباذنجانة الزرقاء – بنكسة 1967 وتعود إلى الوراء في النقرات لتستكمل الرؤية وتواصل ذكر الأسباب والتي تراها في البعثات الأجنبية – الألمانية كما تذكر الرواية وغيرها – لتقفي أثرها والوقوف على أسرارها وفك طلاسمها ، وأن بعض هذه البعثات ذابت في الكيان المصري – عندما خلع "بيير كام" اسمه وسمى نفسه سليمان – ربما إشارة إلى مينو أحد رجال الحملة الفرنسية على مصر والذي اعتنق الإسلام وسمى نفسه عبد الله الفرنساوي – وعندما [ .. اضطر "بيير" إلى إلقاء نظارته على الأرض بعد أن حولتها الرمال إلى خدوش لا منتهية يصعب الرؤية من خلالها ..] ربما بما يعني تخليه عن الرؤية بعيونه الفرنسية والرؤية للآثار والبرديات برؤية محلية ، و [واكتفى بإخفاء وجهه تحت اللثام وشد حواف العقال على رأسه واستبدل حذاءه الرياضي بخف من سيور الجلد .. ] ص 113 ، هذا إلى جانب تعلق "هند" وهي إحدى الشخوص الرئيسية في الرواية ، وربما تبعتها "سهلة" حيث وقعت هند في غرام بيير الذي سمى نفسه سليمان ، ربما كان ذلك الحب المتواري وغير المعلن في ظل الظروف التي تعيشها والتي لم تكن لتسمح به أن يعلن إلا بينها وبين سهلة التي وقعت هي الأخرى في حبه بصورة أيضا غير معلنة ، ويتضح ذلك في: [.. من المؤكد أن هند التي فرزت الصندوق أكثر من مرة – صندوق بيير- قد رأت الوجه المرسوم ، وأنـها ضمت تلك الأوراق في جديلة من الشعر وقالوا أنـها كانت تبكي كثيرا أو تجلس على فرع شجرة مانجو وتضم أوراقا إلى صدرها حسبوا أنـها قصاصات مجدولين التي مزقها أخوها ذات يوم ، لكنها رغم ذلك لم تخلع سيرا من الجلد العريض تتوسطه عين من العاج السحري ستجده مهرة في حافظة جلدية قديمة خبأتـها امرأة لـها رقبة الجازية الشريفة تجلس الآن في البلكون وحيدة تراقب مواء قطط تنتظر إذا عبرت هند كما كانت تجيء .. ] ص 104 ، وما تلك المرأة الأخرى إلا "سهلة" كما يتضح ذلك ، ونعرف بالطبع أن قصة مجدولين هي قصة الحب الذي أبكى العديد من الشباب حتى صارت رمزا للحب العذري، وهكذا يتضح الحب العذري الذي ربط هند بالمستشرق بيير ، ومن بعدها سهلة ، بل ربما كان هو الذي باعد نفسيا بينها وبين زوجها الذي شاءت الكاتبة ألا تحدد له اسما معينا ليظل علامة أو وظيفة وليس شخ��ا محددا ، وقد أوضحت الكاتبة هذه العلاقة غير السوية بين هذا الأب وبين زوجته "سهلة" حين: [ صارت تسمع سؤالا أكثر دقة عن كونه ينام في خيمته ، ولا يبيت في غرفتها .. ] ثم [.. هل كان ينام في غرفتها بعض الليالي أم أنه لم يفعل , بعد ذلك وحينما كان عليها أن تفهم وحدها اكتشفت أنه لا يجرؤ على التحديق في وجهها أبدا ، وأنها لا بد أن تكون بينهما إذا أراد أن يجلس جانبها..] [..النجدية نفسها وأمام تحفظ ابنها لم تكن لتعرف هل ما زالت ابنتها الصغرى بكرا أم دخل بـها ..] ص76 ، وقد يتضح السبب في ذلك أيضا إذا ما عرفنا أن هذا الأب قد تزوج "سهلة" بعد موت هند أختها لمجرد أنه ابن عمها وأن هذا هو المتبع في تقاليد القبيلة ، أن هذا الزواج لم يكن بناء على رغبة أي من الطرفين ، هكذا كان هناك سور نفسي بين "سهلة" وزوجها والذي يرجح أنه كان نتيجة ذلك الحب غير المعلن لـ "بيير" الذي سمى نفسه سليمان ، إلا أنه على الرغم من هذا التمنع من جانب "سهلة" لزوجها ، إلا أنها تظل محتفظة بطهر البدوية ، حيث في أواخر أيام هذا الزوج تلقمه الدواء عندما مرض وتبكيه بعد أن يموت ، وعلى الرغم من أن الرواية ليست رواية شخصيات ، إلا أن الكاتبة تحافظ على هذا الملمح المكون لشخصية تعيش في بيئة معينة لم يكن لها لأن تخرج عليها ، فكان الصدق الفني الذي يحسب للكاتبة .
(نقرات الظباء) ـ ميرال الطحاوى تقتنص رواية ميرال الطحاوي (نقرات الظباء) (*) عالما خاصا، وتبنيه بطريقة سردية خاصة منطلقة من رؤية زمنية بامتياز. تتحرك الرواية في مجال عالم البدو، في تحوله، وفي ارتباطه بمفاهيم ومسلمات وبأعراف ومواضعات شفوية راسخة ثابتة، لها سطوة تماثل، وربما تجاوز، سطوة القانون المكتوب. وداخل هذا العالم، تبرز بعض ثنائيات تمايز بين أطراف متباعدة، تعكس ما تنطوى عليه . من هذه الثيمات ما يتعلق بتاريخ السلالة أو بالأنساب، الذي يتم الاهتمام به على مستوى البشر والحيوانات (الخيول خصوصا)، جميعا، ويلوح الحرص على نقاء السلالة هاجسا أساسيا فى هذا المنحى. ثمة بحث دائم عن الأصل أو الجذر الأول؛ سنجد من يبيع ما يملك من قراريط الأرض "ليشتري سلالات أكثر أصالة" (ص17،18)، وسنشهد من يحرص على عدم اختلاط الأنساب (انظر 23،26)، وسنلمح الترحم على الأجداد المؤسسين الذين "كانوا أهل جواد وأهل مروءة" (ص39)، ثم سنطالع إشارات شتى إلى "تاريخ العائلة" (ص88 وانظر أيضا صفحات: 101-114-116). يمتد الاهتمام بالسلاله بين عالمى البشر والحيوانات إلى عالم الأشجار أيضا (انظر ص99)، ويندرج هذا الاهتمام ضمن تصور أكبر يضفى على الأشجار بعدا إنسانيا، أو ـ بعبارة أخرى ـ يقوم بـ"أنسنة الأشجار"، وهذه موضوعة قديمة قدم تجربة تولستوى، وهي ـ من جانب آخر ـ تدخل ضمن النزوع إلى وحدة الكائنات، القائم بوضوح فى الرواية. وخلال الاهتمام بالسلالة يتبلور تأكيد على أن "الأساس الذي يرفع المبنى هو الأهم، فالأصل الطيب هو أساس كل شيء" (ص96).
*** من هذه الثيمات كذلك ثيمة "السادة/ العبيد" التى تلوح في تناول الرواية تعبيرا عن تراتبية قديمة لا تزال بقاياها راسخة هنا بوضوح، إذ لا تزال مسلمة من المسلمات، بديهية من البديهيات، مطروحة دون تشكك فيها ودون تساؤل حولها. هناك، مع السادة الذين تتقصى الرواية تاريخهم، "عبيد عيلة منازع" (انظر ص12)، وهناك العبدة السمراء التي كان عملها ـ فى وقت من الأوقات ـ يتلخص في حمل "سيدتها" الطفلة إلى مدرستها الابتدائية (ص15). وتظهر هذه الثنائية في سياقات شتى بالسرد، كلها تؤكد تلك المسافة القائمة بين ناس وناس (انظر صفحات: 16، 22، 43، 48، 50، 114). وفي هذه السياقات جميعا لا مجال لنقض ذلك التراتب، ولا سبيل إلى التساؤل حوله.
***
*** للحكايات، في سرد الراوية عن هذا العالم، قدر كبير من الحضور. الحكايات وسيلة للمعرفة، وللتأريخ، وللتواصل بين الشخصيات، ولنقل المفاهيم، واستمرار الذاكرة من جيل لجيل. من هنا نلحظ ترداد مفردة "الحكايات" وتكرار فعل الحكى نفسه في هذه الرواية: "سيضطره ترديده مزيدا من الحكايات لإيقاد النار تلو النار، والقهوة بعد القهوة، وذبح شياه جديدة..إلخ" (ص21)، "وتبادل مزيد من الحكايات حول النتاج والتلقيح وفطام الحولى..إلخ (ص22). تقود الحكاية، فى هذا السرد، إلى الأسطورة، بقياس آخر ولكن في الامتداد نفسه. الأسطورة هنا ـ كما كانت في رواية صبري موسى "فساد الأمكنة" وفي بعض روايات إبراهيم الكونى، وكما كانت في رواية ميرال الطحاوى السابقة (الخباء) ـ تعد جزءا أساسيا ومكونا رئيسيا من أجزاء عالم الصحراء ومكوناته. ترتبط الأسطورة، فيما ترتبط، بإيمان بمنطق مغاير، وبقياسات للزمن والمكان والوقائع غير القياسات الشائعة، حيث التحولات المفاجئة والانتقالات ـ عبر حدود وآماد ـ لا تكاد تصدق خارج عالم الأسطورة. هنا، مثلا، تأتي الصبية في هيئة قطة (انظر ص8)، أو في صورة فراشة (انظر ص9). وحضور الأسطورة فى هذا العالم، والتسليم بمنطقها فى السرد، يبدأ بعنوان الرواية نفسه "نقرات الظباء" يومئ إلى مجموعة نجوم في السماء غير معزولة عن تصورات أهل الأرض هنا. هذه النجوم تشبه آثار ظباء مرت وتركت نقراتها على صفحة السماء. والترديدات التي تترى حول هذا العنوان مقرونة فى السرد بأكثر من وجهة نظر واحدة، أغلبها يتصل بشخصية "هند": "تراقب من فتحة السقف نقرات الظباء وهي تدخل نجمات قليلة متناثرة ترقد في السماء" (ص53)، "وظلت هند من فتحة السقف (...) تتطلع إلى ظبية هاربة تركت وليدا صغيرا لم يتعلم المشي في سماء سوداء قاحلة (ص72)..إلخ. لكن هذا المنظور في سياق آخر يرتبط بالراوية، التي تنظر نظرة الطائر ـ لكن من أسفل!! ـ إلى سماء ممتدة بادية للجميع، وترصدها من منظور جمعى، يتبنى منظورات متنوعة تعبر عن رؤى الجميع: "وبدت نقرات الظباء جلية تكشف عن آثار ظبية في صحراء شاسعة..إلخ (ص 119). نقرات الظباء التي تمثل مسارا رسمته الظبية الهاربة لوليدها الصغير، كي يهتدى به ويسير هديه، في سماء تشبه المتاهة، تمثل إشارات محددة إلى معنى بعينه: السير على خطى الأجداد، أو ـ على الأقل ـ على خطى السابقين الذين ألموا بالعالم وخبروه فعرفوا دروبه وخطوا أو حفروا ـ إلى الأبد ـ معرفتهم بهذه الدروب ليهتدى من سوف يخلفونهم، ويحتذوا حذوهم، ومن ثم تتشكل مصائرهم تبعا لهذا كله. ثمة سياقات كثيرة، وثمة نصوص متنوعة بالسرد تؤكد هذا المعنى، حيث اللاحقون يسيرون على خطى السابقين، وحيث يراوح العالم خلال حركته في مكان واحد: "امشى مشي أهلك ولو انكسر ظهرك" (ص71). إن الماضى، فى هذا الفهم، يقود الحاضر والزمن المحتمل جميعا، والمصائر القادمة تتشكل تبعا لإرادات قديمة. لكن، مع ذلك، فإن هناك إشارات أخرى ووقائع مغايرة فى سرد الرواية، تمثل منظورا غير هذا المنظور، ونهجا نائيا عن هذا النهج، وحثا على استكشاف ضروب أو طرق أخرى غير ضروب الأجداد وطرقهم.
*** يتأسس فضاء هذه الرواية على ما يمكن أن نسميه "رؤية زمنية" واضحة؛ فالعالم المكاني هنا مرصود من منظور زمني، إن صح القول، محتشد بإشارات إلى مستويات من الزمن متعددة ومتباينة ومختلفة، ومهوس بفكرة التحول التى تلوح فكرة أساسية داخل الرواية. وبهذا المعنى، فإن عنوان الرواية نفسه، الذي يشير – كما لاحظنا – إلى تتبع خطى السابقين يمكن أن يقرأ قراءة زمنية، حيث مصائر الزمن الحاضر والزمن المحتمل تمت صياغتها في زمن أسبق، وحيث يتحرك الحاضر ويتحرك الزمن المحتمل على تتبع خطى تم رسمها في ماضي سحيق. والزمن الحاضر في الرواية مصاغ من وجهة نظر تنتمي إلى أصل ووجود سابقين، وبالتالي مقترن بنوع من حكم القيمة يرى في هذا الحاضر انحرافا عن مسار قويم كان يجب المضى فيه: "ويعود وهو يلعن الزمن الذي لم يعد يعرف [فيه؟:] للرجل فصل من أصل " (ص14). يتصل الزمن بالرواية، في أحد مستوياته، بإشارات متعددة تصله بأزمنة مرجعية مسماة، متباينة الفترات، تتحرك على قوس ممتد فيما بين بونابرت ودينون رسام الحملة الفرنسية (انظر ص56) والبارون امبان (ص56) وليلى مراد وأسمهان (انظر ص107)، وعمارات الثلاثينيات" (انظر ص22)، و"رجالات الثورة" و"التصحيح الثوري" و"الإصلاح الزراعي" (ص ص22،27). وبموازاة هذه الحركة عبر نطاق رحب في الزمن المرجع، تتحرك الرواية أيضا حركة متحررة خلال الأزمنة المختلفة: "أعرفها (...) وتعرفني، منذ كنت في الأقمطة" (ص5)، "وإذا دخلت إلى الممشى فستجلس على جزع شجرة المانجو" (ص6)، و"منذ ذلك الحين صارت تأتي إليهم. أول مرة شاهدوها (...) كانت مهرة ناعسة..إلخ" (ص8)، "كان الولد الذي صار أبا يطارد الخادمات الصغيرات" (ص62).
*** خلال الحركة عبر الأزمنة المرجعية المختلفة، وعبر المستويات المتنوعة لعلاقات الماضي والحاضر والزمن المحتمل، وأيضا عبر علاقات "المدة" و"التواتر"، أي عبر ما يستغرقه الحدث الواحد المفرد من فترة زمنية، وعبر ما تشمله الفترة الزمنية الواحدة من أحداث متكررة، خلال ذلك كله تتمثل تيمة "التحول" باعتبارها تيمة أساسية داخل هذه الرواية. يتصل التحول، هنا، بالأماكن والناس وأساليب الحياة والأعراف والقوانين والمواضعات والأفعال والصحة والمرض، أي يتصل تقريبا بكل شيء في عالم الرواية؛ إذ كل شيء فى هذا العالم موضوع إزاء ما يغيره وينقلب به وينقلب عليه، ويتحول فيه ويتحول به. الأرض التي كانت ملكية لا يمكن التساؤل حولها يتم تجزيئها وتقسيمها على الفلاحين (انظر ص30)، وهذه الأرض نفسها تتحول من كونها رمزا للملكية والجاه والسطوة إلى ساحة مستباحة لبناء البيوت ولشق الشوارع (انظر ص ص31،32). والبيوت التي ظلت خلال تاريخها كله مبنية من الطين "تحولت إلى مبان مصبوبة من الاسمنت والحديد" (ص44)، والأسوار التي كانت دائمة منيعا "صارت بفعل الزمن مهدمة وعديمة الهيبة" (ص84)..إلخ. هذا التحول كله يدعم فكرة تغير مآل العائلة التى تمثل محورا أساسيا للتناول في (نقرات الظباء). كأننا هنا، مرة أخرى، إزاء فكرة أن "الأيام دول"، أو إزاء اختزال لتغير المصير، وهو تغير يختزله سرد الرواية في بيت شعري يجرى مجرى الحكمة: قد يعسر المرء حينا وهو ذو كرم وقد يسوم سوام العجز والحمق
(ص20). يتحول العالم، إذن، وهو في جزء من تحوله يتكيف مع التغيرات الجديدة المستحدثة، حيث التحرك بالعربة"اللاندروفر" بدل التحرك بالخيول (انظر ص48،50)، و حيث يطبع الأب البدوي "كارت" ويعلق لافتة على بيته تشير إلى مهنتة الجديدة التى تصل بين عالمه القديم وبين أولئك القادمين من عالم آخر: "مطلق الشافعي خبير خيول وصقور" (ص35). لكن مع هذا التكيف مع تحولات العالم الجديد، ثمة إشارات أخرى إلى تغيرات للزمن لا يمكن مدافعتها، ولا يمكن وقف زحفها، ولا يمكن التكيف معها، فضلا عن أن بعض هذه التغيرات، فى جانب من جوانبها، تقود إلى مصير محتوم لا يمكن تغييره أبدا، حيث الشيخوخة والموت مصيران قادمان لا محالة، لا حيلة في دفعهما أو تجنبهما (انظر ص 53). كذلك، بجانب مساحة التكيف مع التحولات الجديدة، ثمة تصور ما ينتصر لا للتحول أو للتغير، وإنما للثبات والاستمرار. ومن هنا نلاحظ حضور إشارات تؤكد مفهوم التماثل أو التطابق بين بعض معالم الزمن الحاضر وبين معالم الزمن الماضي البعيد، حيث الشخصية المستدعاة من الزمن الغابر، تظل قدوة أو مثالا في الزمن الراهن وفي الزمن المحتمل جميعا، وحيث فكرة "القلب التاريخي"؛ إذ يغدو الماضي البعيد عصرا ذهبيا نموذجيا، يصلح لكل زمن، ويتفجر إليه الحنين من كل زمن؛ ويظل يستعاد المرة بعد المرة، موصولا بأمجاد "قديمة" ولكنها "مأمولة"، فى الوقت نفسه: "يحكون عن أمجادهم بصيغ التذكر أو التحسر على ما كان" (ص12 وانظر أيضا ص35).
*** الرؤية الزمنية في هذه الرواية ترتبط بحضور ��هيمن لحشد من "الصور" القديمة، الفوتوغرافية فى أغلبها، التي يتوقف عندها سرد الرواية ويرصد تفصيلاتها، ويستخدمها كوسيلة للحكي، لاستعادات الأزمنة المتعددة، ولاستعادة عالم الشخصيات، ولتأمل مصائرها. يتم تأمل ما هو ثابت في هذه الصور القديمة من نقطة زمنية حاضرة، أى تالية لأزمنة تلك الصور جميعا، بما يعني استعادة ملامح غابرة قد تغيرت وتحولت، وربما اختفت أو تلاشت، في العالم الحي الذي يمضي مع الزمن، خارج هذه الصور. حشد الصور في سرد هذه الرواية متنوع السياقات، ومرصود بعيون شخصيات متباينة، ترى هذه الصور روئ مختلفة: "هند التي لم أرها في غير هذه الصورة التي كانوا يقفون فيها في غرفة الصالون..إلخ" (ص7)، و"الصورة التي ظللت أحدق فيها، ثلاث فتيات بشرائط ملونة" (ص26)، و"كانت هناك صور كثيرة تغمر الجدران" (ص28)، و"تلمع الصور المتنوعة على الحوائط القديمة" (ص29، وانظر أيضا صفحات: 37 ،41،42،47،51،57،63،64،80،83،84،102). في أحد مستوياتها، تناوئ الصور تغيرات العالم الجديد، ولكنها في مستويات أخرى لها تبلور هذه التغيرات وتتشى بهيمنتها؛ اذ تستعيد نقيضها الأول، السابق القديم. والصور، بذلك، تمثل نوعا حضور من المنظور ونقضه، وتجسد ملمحا للتعدد من التعدد الذي ينهض عليه عالم هذه الرواية ويتأسس عليه سردها، فى تناوله لتاريخ يظهر وتاريخ ينقضى، بحياة راويتها وبحياة عائلتها، وبحياة سلالة بأكملها تنتمى هذه الراوية إليها.
(*) ـ ميرال الطحاوى، (نقرات الظباء)، دار الآداب، بيروت، 2003
عن الكاتبة وكتابها ميرال الطحاوي... أنثى الحكاية وتدوين الذاكرة جهينة- أحمد علي هلال:
على الأرجح، أن ثمة من الروائيين، من لا يذهب إلى صخب وسجالات دائبة تستظهر إشكاليات سيرة المرأة والكتابة تجنباً لسطوة وإغواء المباشرة والمتداول، الذي يسم الخطابات الروائية، ولاسيما «النسوية» منها في الأغلب الأعم. وتلك المجانبة لم تكن لتمنع من أن تضاف للغة أصوات نسوية مختلفة، فدلالة الصوت الخاص، لن تكتفي هنا بكثافة اللغة أو بخصوصية الحكاية وانفتاحها لتقارب أزمنة وأمكنة معتمة، بل سيذهب بنا إيقاعها لما يشكله النص في ثقافته المغايرة من آفاق للقراءة، ولاستكشاف آفاق إضافية من تلك المغامرة الروائية التي تتفلت مما هو محسوب أو غير محسوب لتحدث صدمتها أو دهشتها، بنبش الموروث وإحيائه، وباستعادة الحكاية بكل مضمراتها وبشتى ضروب تأويلها في فضاءات أخرى، هي الفضاءات الصحراوية بوصفها متوناً روائية تعيد تشكيلها شذرات ورموز وإشارات وشفويات... وغيرها، لتصبح هوية متجددة بغناها المعرفي القائم على أكثر من فرضية «أنطولوجية» تتجاوز الرغبة بالوجود إلى الوجود ذاته، وهو يزيح الصمت ليجهر بوعيه الاجتماعي والسياسي والاقتصادي والتاريخي والأسطوري والعجائبي، والأهم النسوي.
نص الصحراء.. صحراء النص صحيح أن- الصحراء- كملحمة ظهرت في العديد من التجارب الروائية العربية اللافتة بأبعادها المكانية والإنسانية والاجتماعية، لكنها في المقابل كانت كمدونة سردية تحفر في هوية، وتستحضر طقوساً اجتماعية وأسطورية وتراثية، وتدخل مناطق غير مألوفة، لا تزال طازجة وعذراء، لتشكلها تالياً بأدوات فنية تتمظهر بحداثة ناجزة. ومن تلك التجارب الكبرى، كانت تجارب الروائيين إبراهيم الكوني وعبد الرحمن منيف وامتداداتهما في الخارطة الروائية، راهناً، أي بتجذير الهوية الثقافية، وكفاءة التمثيلات اللغوية في مقاربة التاريخ الشفوي وتواتر التخييل الأنثوي- النسوي بأقنعته الذاتية، كما لدى لينا هويان الحسن وليلي أبو الغد ورجاء عالم وغيرهن من الأجيال الجديدة. تأنيث الموروث في هذه المهاد كانت محاولات الروائية والأكاديمية المصرية ميرال الطحاوي، انطلاقاً من وعيها الخالص بأن الصحراء جذر ثقافي عربي، ساهم في تشكيل ميراثنا العقائدي والاجتماعي والوجداني والروحي. وهي تستكشف في الوقت نفسه علاقة تطور الرواية العربية وتمردها على المركزية الأوروبية، عبر نصوص تحتفي بالهامش الاجتماعي، وعلاقة الكتابة بالمقدس «كعلامة نصية متكررة في النصوص التي اتخذت من العالم الرعوي فضاء لها». وبهذا السياق لم تكن التجربة التي تنتمي إليها الكاتبة ميرال الطحاوي، بعيدة عن تلك التجارب في الأدب العربي الحديث- كما تقول- وتشير إلى مشارب النصوص من اليمن إلى الجزيرة العربية والمغرب العربي وموريتانيا، واختلافها في جذورها الأسطورية كما مشاربها، لتصبح رواية الصحراء أشبه «بالبحث الأركيولوجي» في التاريخ والجغرافيا وعلم الأديان والتراث والأسطورة، واكتشاف مناطق تخصّبها وتمثلها على غير مستوى. كتبت ميرال الطحاوي عن عوالم صحراوية شديدة الغنى على مستوى الموروث الحكائي، واستقراء الذات عبر ذلك الموروث ومحاولة تأنيثه ليصبح جزءاً حميمياً من ذاتها وتاريخها الشخصي في آن. هكذا تلتصق ميرال الطحاوي بتلك الصحراء «الجافة»، بحثاً عن فتنة المؤنث وعن أوراقه المطوية وعن عوالم لم تكتب.. تفيض بمواجع الأنثى الأبدية، في مغامرة نصوص تنوس ما بين الواقعي والمتخيّل، فالبيت الكبير والعمات والجدات اللواتي يوّلدن الحكايا ويطعّمنها بالأغاني، وبالمرويات من «العلم» «الغناء البدوي الخالص» عن الأموات والأحياء، عن تأريخ مانسيه التاريخ وعن «بنات صغيرات يسقن إلى بيوت الأعمام والأخوال، ليكررن دورة الخضوع في بيوت جديدة» بل عن «الجدات اللاتي توسدن الذاكرة، وافترشن ذاكرتها، كنّ يحكين عن أبناء العمومة بافتخار، تركة تتباهى بمالكها... ويتناقلن لغة العبودية بامتثال تراجيدي محزن في أروقة الحكايا، يتناقلن أسراراً أكثر ألماً عن عمّات وخالات دسسن السم للقرين». ثلاثية روائية تنقّب الطحاوي عن كل ما تم لها اختزانه من عوالم الحريم لتبني حكاياتها متكئة على فن شفهي متمرد، يتحدى التدوين الرسمي، مستعيدة جوانب من تراث الإنسانية الذي ولّد نصوصاً جرى اكتشافها بالمصادفة، كالشعر المروي المدوّن باعتباره أثراً انثروبولوجياً «شعر نساء البشتون، الأشعار الهندية القديمة....» لتبدع ثلاثية روائية، بدأتها بروايتها الأولى «الخباء» ومن ثم روايتها «الباذنجانة الزرقاء» وبعدها رواية «نقرات الظباء»، وتبدو تلك الأعمال صورة باذخة لنساء متمردات، يعاركن أبوابهن المغلقة، يركضن وراء أحلامهن، يذهبن في نهايات صادمة. ثمة ما يشي بدراما اللغة والحدث، بطلاقة ضمير يؤرخ دون غواية بالتأريخ فحسب، ليظهر فتاة، طفلة، أنثى قد يحيل إلى شكل سيري قادر على الإبانة، والإفصاح في نصوص متعددة المستويات تفصح عن حمولتها الثقافية، وبالحضور الحسّي الكثيف، ولاسيما في الباذنجانة الزرقاء، حكاية امرأة مقهورة، حكاية جسد أنثوي منقوش على اللغة والنص، أرادت الروائية أن تبرز الأنوثة بشقيها الخفي والصارخ، بتنوع التقانات السردية و استدخال نصوص إضافية كإحالات وتضمين من التراث «نصوص طوق الحمامة» لتقارب العشق وتواتره، في محاكاة طوق الحمامة وأبواب الرواية الخمسة، ستنفتح على باب من أحب من نظرة واحدة، وباب الوصل، والهجر والغدر والبين. «تنتظرين طويلاً متقلبة على أوراق ابن حزم، طوق الحمامة أول كتاب قرأته في الحبّ». المؤنث نصاً لكن ميرال الطحاوي تذهب أبعد من ذلك لتصوّر التمرد والقمع الاجتماعي، والتمزق الحضاري والاغتراب، ووعي النخبة والسلفية، وتجارب الخروج من «الصدفة»، والفصام الثقافي، كما موقف المثقف المتناقض تجاه المرأة، فهي ترى أن جسد المرأة يحتل حيّزاً كبيراً من دائرة استلاباتها، فإن كان الكبت هو أول محاولات استلاب المرأة وانتهاك آدميتها، فهي في الوقت نفسه أداة جنس. وهذا التناقض بين وظيفة المرأة وصورة الجنس، أدى إلى كثير من الخلل في وعيها بجسدها، وإلى تناقض أعمق في مفهوم الشرف والعفة في العقلية العربية. فإذا كانت نماذجها النسوية الثلاثة في مجمل أعمالها: فاطمة في رواية الخباء، وندى في الباذنجانة الزرقاء، وهند في نقرات الظباء، تستبطن الدخول إلى المسكوت عنه بالمعنى الاجتماعي والتاريخي، فهي أيضاً تستبطن سؤالاً كثيفاً يحيل إلى ارتهان الكتابة بالنسوي وكيف يتغلغل هذا المؤنث نصاً، أراد أن يتحرر من كل القيود والأطر التي تسجنه في حيز وشكل ضيق، ذلك السؤال الذي عاصرها، السؤال «المعقوف»! وثمة أسئلة أخرى متواترة: كيف لا تكون الكتابة النسوية فخاً للمباشرة، وكيف لا تسقط في صغائر الثأر القديم من أبناء العم الذين هم ذكور حمقى- كما تقول الروائية وهي تبرع في تقنياتها السردية، باستعارة عين الطفلة أو الطفلة الراوية التي تضمر على نحو ذكي «أنا» الساردة، وتلك العين ترى أنها ترفع عنها الكثير من الحرج، وتهديها بكارة التجربة وخصوصيتها، لكنها في المقابل كذلك كناية عن «تحايل جمالي» يتخفف من ثقل القضايا الكبرى، بمعنى المستويات «الشعاراتية» التي وسمت حركات التحرر النسوي في بعض منعطفاتها. تقول ميرال الطحاوي معللة ذلك: «يصبح النص أكثر تحايلاً من حيث التقنية لينكر سقوطه في أنشوطة النسوي». في الخباء تعود ميرال الطحاوي لرحم الحكاية وفضاءاتها البدوية الصحراوية: «كان فيه ملك وملكة...» تبتدئ الحكاية ليرتفع الخباء وينفتح وتمتلئ كل شقوقه بالضيوف، وبأساطير الصحارى وعجائبها ورحلات البدو، الصيد والأفراح، وسوف تتلون اللغة بالمحكي- المروي- العلم، والأغاني ذات الإيقاع الخاص، والشرط الذي يتأسس على مسافة بين التطلعات الشعرية وبين نثرية العالم الخاص كتأويل نقدي إضافي، تعود اللازمة لتكتمل «كان فيه ملك وملكة لا ينجبان إلا بناتاً، كلما حملت شيئاً في بطنها وانتظر الملك وريثه، وجاءته ابنة يلقي بها في بئر قصره، وكلما ألقى واحدة في البئر خرجت نخلة صغيرة حوله حتى صرن سبع نخلات... ولكن الولد لم يأت، فهل قررت ابنة القبيلة أن ترتدي كل أقنعة اللغة، كما شأن بطلات أخريات كنّ صدى لعوالم بعيدة ينسجن دراما الفقد، ويتوجعن بصمت أو صخب ويبحن أو يتركن «نقراتهن المضيئة نجوماً تتنبأ بمواضع الخطر». من أفق الحدوتة يأتي الحلم... ميرال الطحاوي الباحثة عن فكرة الكتابة وجمالياتها، وكيف يقف النص بموازاة نصوص أخرى، تختزن في عالم المرويات أو في مدوناتها الثلاث حلماً أشبه بالنهايات السعيدة، بأن يصل الجمال إلى أرض الحقيقة، والملكة تنجب وريثها ولو بعد طول انتظار، معيدة الميراث لشهرزاد الأم في مناوشة المتخيل على حواف شغف «بالمعادل البنائي للهوية» وبأن الصحراء جاذبة وطاردة، لما يتأسس عليه القول الروائي وهو يختبر بفعله ممكنات التحرر الاجتماعي والثقافي أمام من يروى لهم، مضاعفة متعة أم إيقاد سجال إزاء واقع ورؤية وسيرة مقنعة تحفر في ال��مت النسوي والإنساني بدالة التوق للتغيير، ومقاربة ممكنه، وفي «عراك المؤنث في النضال ضد عالم الذكور القاسي». تقول ميرال الطحاوي: قدر لم أرد أن أسقط فيه، من قال إننا نكتب ما نريد، ثمة إرادة أقوى هي التي تحكم كل كتابة، ولعلها تضيف، ومن خصوبة اللغة ومواجد الحواديت الأولى تخلقت الحكي، ثم صارت الحكاية هي المؤنث الأول في الوجود، معللة بوحها بالبهاء الجمالي وفرادة عماراتها الثلاث، بما انطوت عليه من مغزى ثقافي وحضاري جامع ومن عوالم حزينة توقظ حلم التعرف إلى تلك الأزمنة السالفة، مضافاً إليها شعرية المعرفة كسؤال لا يستنفد أبداً.
أستاذة جامعية وروائية مصرية ولدت عام 1968 في الشرقية، ونشأت في أسرة بدوية، وبدراستها للأدب تحدت وواجهت التقاليد الاجتماعية. حملت أطروحتها للدكتوراه عنوان: روايات الصحراء في الأدب العربي. صدرت روايتها الأولى في العام 1996 بعنوان الخباء، وقد اختيرت كأفضل عمل أدبي في استبيان النقد، والتي حصلت بدورها على جائزة أفضل رواية في معرض كتاب القاهرة عام 2001. حازت روايتها نقرات الظباء على جائزة معرض القاهرة للكتاب عام 2002. حازت ميرال الطحاوي على جائزة الدولة التشجيعية عام 2000. عضو لجنة القصة بالمجلس الأعلى للثقافة بمصر. شاركت في عدد من المؤتمرات الدولية منها، مؤتمر الكلمة لندن 1998، ومؤتمر المبدعات العربيات 1999، ومؤتمر الرواية المصرية مدريد 2000، ومنحة قصر لافيني للكتابة الإبداعية في سويسرا عام 2001. صدرت لها مجموعة قصصية بعنوان «ريم البراري المستحيلة» قبل أن تصدر أعمالها الثلاثة «الخباء، نقرات الظباء، الباذنجانة الزرقاء». ترجمت روايتاها الخباء والباذنجانة الزرقاء إلى اللغات الإسبانية والإيطالية والألمانية والفرنسية والإنكليزية. تنهض رواياتها على رؤية سردية متكاملة تنزع إلى تدوين جوانب من التراث الحضاري، كما رأى النقاد أنها تقتحم منطقة جديدة في الرواية المصرية ووصفت كتابتها بالسرد المرسل. اختيرت كواحدة من أصغر السيدات الموهوبات في برنامج المركز الثقافي بمصر، كما رشحت لتمثيل مصر في عدد من المهرجانات والملتقيات الأدبية. تمثل كتاباتها حساسية جديدة تطرح على النقد أسئلة جديدة مغايرة.
صعود وأفول نجم البدو في رواية مصرية ميرال الطحاوي تقلب زمنهم وخبايا حياتهم في «نقرات الظباء» جمال القصاص ترسم ميرال الطحاوي بورتريهاً شديد الاناقة والحساسية على مستوى المخيلة واللغة والأسلوب لمن تسميهم «العرب البدو» في روايتها «نقرات الظباء» والتي صدرت طبعة جديدة لها هذه الايام عن مكتبة الأسرة بالقاهرة. يتحرك هذا البورتريه في فضاء بنية مقطوعة، تشبه الى حد كبير لقطات البروجيكتور، حيث تتقاطع المشاهد واللقطات في الرواية وتتناهى في الصغر والكبر، ومن الأعلى للأدنى، وفي نسيج رؤية طللية لمجد وعز أولئك البدو الذين أفل نجمهم تحت وطأة المتغيرات السياسية والاجتماعية التي اجتاحت المجتمع المصري بعد ثورة 23 يوليو 1952، وعلى حسب نص الرواية نفسها. يشغل البدو بعاداتهم وأعرافهم وأنماط حياتهم الخاصة خلفية البورتريه، ويشغل عمق البورتريه صورة فوتوغرافية تضم معظم أفراد عائلة «منازع» جد الراوية للأم، وخلف الاطار، في ظلال الصورة يتحرك أفراد عائلة «آل شافعي» جد الراوية للأب، وتشكل تداعيات الحلم والذاكرة، وتقاطعات الصورة والزمن، الركيزة الأساس التي تنطلق منه خيوط ومقومات السرد في الرواية البورتريه. فالزمن الثابت عند لحظة ما في الصورة الفوتو، يتحرك بفعل التذكر، ويتحول الى أداة لاستعادة الأصل واستقصاء الجذور، سواء في سيرة كل شخصية على حدة من أفراد الصورة العائلية، أو في صورة الرحم «مجتمع البدو» الذي ولدت ونشأت فيه، والمصير الذي آلت إليه. ويتخلل البورتريه إيقاع سردي متكسر، مراوغ أحيانا، وبرغم ذلك يحتفي بقيم الثبات واليقين، وهو ما يبرز على نحو لافت في استهلالات المشاهد، حيث الجمل الاسمية القاطعة، المرصوفة بأدوات الوصل.. «جدي لأمي وأبي ليس له صورة» و«انشراح التي في صورة هند بثوب قصير وبنطال منقوش، سمراء عفية» أو «انشراح التي تسكن هناك الآن» و«انشراح هذه التي كان يسمع صوتها من ثاني دوار» أو «الاطار الذي كان مذهبا أصبح بلون الرمال باهتا» أو «هند التي خاطت ملابسها مدام كريستين» أو «مهرة بنت آل الشافعي التي ورثت بيتين».. وغيرها من الصيغ التي ترشح بدلالات اليقين، وكأنها محاولة لتثبيت الصورة في الزمن، صورة ذلك الماضي بوهجه الأول، مهما لحقته عوامل التغير والنسيان. ومن ثم تنداح رموز وأفعال التذكر، وتسيطر على نسيج المشهد في الرواية، بل تكاد تتركز وظيفتها في استحضار ذلك الماضي، ولا يختلف الأمر كثيرا لو تحدثنا عن طاقة وآليات الحلم، وقدرته على تذويب الفواصل بين التخييلي والواقعي، أو بين النسيان والتذكر، أو بين الصورة والزمن.. وغيرها من الثنائيات التي تحفل بها الرواية، لذلك يتحول الماضي الى «مخزن للصور» الى محض نوستالجيا، تتقمصه الذات الراوية أحيانا، وتتماهى معه أحيانا أخرى، وتنتقي منه ما يتوافق وينسجم مع رؤيتها ومحمولاتها على المستوى الفكري والدلالي. وربما لهذا تتجاوز هذه الرؤية في إطار تجسيدها لطبيعة ومكونات عالم البدو سياق هذا العالم التاريخي والاجتماعي الملتبس في نسيج المجتمع المصري بشكل عام، وتصوره الكاتبة ـ بحكم انتمائها إليه ـ على أنه النموذج الذي كان يجب أن يبقى، كان يجب ان يعاش.. ولذلك أيضا يظل هذا العالم واقعيا غائما بين حافتي الصدق والكذب معا، وفي خبرة الكتابة يظل يراوح بين حقيقة الصورة ومفارقات المثال. ينعكس هذا الجو على الطبيعة النفسية والصورية للشخوص، فمعظم نساء الرواية يتعاملن مع عالمهن، عالم البدو وكأنه حجرة مغلقة، لا يستطعن بإرادتهن التلقائية الخاصة أن يفتحن فيها أية طاقة، يطللن منها على الخارج، أو على أنفسهن، إنهن يدرن في تقاليد هذه البيئة المتحفظة، والتي يشغل فيها الرجل بؤرة النفوذ والسلطة والجاه، وفي هذه البؤرة يتحرك معظم نساء الرواية، وكأنهن صدى لحقائق منسية، أو ظل لوجود هارب، مشوه ومبتور، بحكم تقاليد هذه البيئة من ناحية، وتحت وطأة تناقضات نفسية لا نعرف كنهها أو أسبابها على وجه الدقة، لكننا نستشف ظلالها ـ أحيانا ـ في ثنايا بعض التلميحات والايحاءات السردية الخاطفة.. فالمرض والجنون يوديان بحياة «سقاوة» و«هند» ابنتي لملموم باشا الباسل، الأولى، وتحت حدة نوبات عصبية كانت تداهمها كثيرا تهوي فوق عمود البلكون.. «تحلقوا حولها، كان الدم ينزف والكلوب الذي في البلكون تحط عليه فراشات كثيرة، وتطير بأجنحة لها رائحة شواء الضأن». يكثف اللبس بهذه التناقضات المساحات الفارغة التي تتركها الكاتبة ـ أحيانا ـ بتعمد في ظلال البورتريه أو الصورة التي ترسمها لشخوصها، وكذلك البناء الذي يعتمد على تداخل البداية بالنهاية والذي يصل أحيانا الى حد التماهي بين الذات الراوية وبين الذوات المروي عنها. وفي ظل سيادة ايقاع (أنا) المتكلم المفرد على مدارات السرد. ومن ثم لا نعرف بالضبط حقيقة العلاقة الغامضة التي تلمح اليها الكاتبة بين «سهم» العبد الذي أطلق عليه لملموم باشا الباسل هذا الاسم لانه كان يستعيض به عن كلاب السلوقي في رحلات صيده.. ثم حقيقة موت «سهم» حرقا عقب وفاة «سقاوة» وكذلك «هند» التي وقعت في غرام «بيير» الرسام الفرنسي الذي عشق حياة البدو، وعاش معهم لفترة، وسمى نفسه باسم سليمان.. «هند» ـ وكما تصورها الرواية ـ تفقد قدرتها على فعل أي شيء سوى انتظار الموت، بعد ان حبسوها في حجرة بيت قديم مهمل، ليس به سوى كوة وحيدة بالكاد تدخل بصيص الضوء والقطط والفئران والخفافيش والعناكب.. تصف الكاتبة موت «هند» على لسان الجدة «النجدية» في مشهد دال يكشف الكثير من عورات هذا العالم.. «رأتهم وهم يسكبون الماء على جسدها قبل أن يلفوها بالكفن، بعدها ينثرون العطور وينصرفون، دون أن يصرخوا أو يبكوا أو حتى يلبسوا ثياب الحداد، كانوا قد أعلنوا عن موتها قبل ذلك بكثير من يوم أن أدخلوها هذا البيت وأغلقوا النوافذ والأبواب وانسحبوا غير منتبهين، وقالوا «مسكينة» ثم تحاشوا ذكر اسمها».. وتماشيا مع الاعراف والتقاليد يتزوج زوج «هند» (ابن عمها) أختها سهلة، لكن العلاقة تظل بينهما غير سوية، بل شديدة التنافر، ويبدو أيضا ـ وكما تلمح الرواية ـ ان غرام سهلة ببيير كام الرسام تظل حاجزا نفسيا بينها وبين زوجها، وربما كان هذا سبب تمنعها عنه، حتى ان «النجدية» اختلط عليها الأمر ان كانت ابنتها لاتزال بكرا أم دخل بها. ولا تفصح الرواية عن اسم هذا الزوج، لكن سهلة عندما اشتد به المرض تحنو عليه، وتلقمه الدواء، وحينما يموت ـ وبحكم الاعراف ـ تبكيه بكاء حارا.. لكن مع ذلك تظل شخصية«هند» وموتها الغامض إحدى العلامات الفارقة في الرواية، فهي تومض في ثنايا المشهد، وكأنها تميمة معلقة في رقبة الزمن، كأنها شهادة ونبوءة على انكسار حلم مجتمع البدو في الزمان والمكان، ثم انها الشخصية الوحيدة في الرواية التي تعلو على حدود الواقعي، وتحولها طاقة الحلم ـ أحيانا ـ الى ما يشبه الاسطورة.. فهند «منذ ذلك الحين تأتي إليهم، أول مرة شاهدوها وهي تركض في الفناء، كانت مهرة ناعسة على حجر النجدية، وهي تحكي لها حكاية «السهى» تلك الظبية التي ركضت في السماء، ولأنها تركت وليدا صغيرا على الرمال لا يعرف كيف يهرب من صياده، تركت له نقراتها المضيئة نجوما تنبئ بمواضع الخطر». وبرغم الاضطراب النفسي الذي تعانيه معظم شخوص الرواية والذي يشير إلى مساحات من القمع داخل هذا المجتمع، في أنماطه وعاداته وتقاليده، وأنه مجتمع ـ برغم سطوته ـ يعيش على الحافة، إلا ان الخطر الحقيقي الذي قوض مجتمع البدو، كما تصوره الرواية هم عساكر يوليو الذين أغاروا على حدائقهم الغناء، وصادروا ممتلكاتهم، وغيروا اسم مدرستهم، وفتتوا إقطاعياتهم ووزعوها على الفلاحين، وحولوا عبيدهم الى سادة، فيما عرف بقوانين الاصلاح الزراعي، ولجان تصفية الاقطاع.. تصف الرواية ذلك في أحد المشاهد على هذا النحو «وثمة عسكر آخرون كانوا يحملون المهرات والنوق والنعامات والغزالات الصغيرة من الدوار مقسمين أرضا كان يطلق عليها ـ اقطاع البدوان ـ الى رقعة شطرنج، تاركين حديقة آل الباسل خالية تماما بلا جوارح أو مهرات أو غزالات مسيجة في الاقفاص».. لقد تحول الماضي الى مرآة مهشمة، الى ظل ذكرى لأثر عابر، يتراءى خلسة في صورة الأب، أو العمة «مزنة» التي تجلس أسفل مقعده، وهو يحكي عن جده آل الشافعي الذي كان يوقد النيران ليعبر الناس ويقولوا نار آل الشافعي لم يطفئها جدب ولا غيث.. وأمام هذا الانكسار الجارف لا يجد الأب فارس الصيد والقنص بداً من أن يفتتح مكتبا باسم الشيخ مطلق الشافعي السليمي «خبير خيول وصقور» ربما ليشم منه رائحة ذلك الماضي، وانه كان ـ ذات يوم قريب ـ قائدا وأميرا وليس تابعا لهؤلاء البدو الذين يتوافدون من الجزيرة العربية بغرض القنص والصيد. وتبلغ النهاية ذروتها حين يصبح الحلم بذلك الماضي مرثية موجعة للذات وللزمن والاشياء.. «لم يعد يكرر أحلامه بشاهين ألبى خالص البياض، يبيعه بربع المليون ويصبح شيخ العربان».. هنا تختلط خطوط السرد وتتداخل أزمنته، يختلط الماضي بالحاضر بالمستقبل، تختلط الصورة بالظلال، لتضعنا الكاتبة أمام نهاية مسكونة بحس المتاهة والحسرة، فكأن ولادة هذا المجتمع قد حدثت في الماضي ولا يمكن أن تتكرر. لقد هيأت ميرال الطحاوي ـ وبموهبة متميزة ـ عناصر عديدة لنجاح هذا البورتريه، لعل أبرزها، في تصوري، مايمكن أن أسميه «حميمية المكان»، فعناصر المكان ومفرداته ملتصقة بالبشر الذين يعيشون فيه، يشكلونها وتشكلهم في الوقت نفسه. أيضاً ما يمكن أن أسميه: «حميمية الوصف» وصف الأشياء، والثياب، والطعوم، وعناصر الطبيعة.. وغيرها من مفردات ونثريات المكان. فالوصف في الرواية مندغم في أزمنة السرد، لاينفصل عنها، يتجاوز حدود التلوين والتوثيق، ويضفي على المكان أبعاداً انسانية، كما أنه يشكل أحد مظاهر السرد، والعكس صحيح. وبرغم هذه الحميمية، إلا أننا في النهاية أمام رواية وعي شديد الانضباط، بل صارم أحياناً، وعي لا يقيم ـ في الغالب ـ توازناته من داخل الرواية نفسها، بقدر ما هو مشدود للخارج، ولعل هذا يفسر ـ لي على الأقل ـ خطين ملتبسين في الرواية، الأول النظر إلى المصرية باعتبارها هوية طاردة لهؤلاء البدو الذين نزحوا من أصقاع الجزيرة العربية وتشربوا ملامح هذه المصرية، وانتموا إليها، وبنوا عزهم ومجدهم في ظلالها، والخط الثاني هو شخصية الرسام الفرنسي الذي ينتهك حرمة هذا المجتمع تحت قبعة الغرب، وتتماثل شخصيته ـ الى حد كبير ـ مع شخصية «مينو» أحد رجالات الحملة الفرنسية على مصر والذي أسلم، وتزوج مصرية وسمى نفسه الشيخ عبد الله.. لقد استحضرت ميرال الطحاوي التاريخ في إطار لحظة خاصة، لكن هذه التوازنات سيجت وظيفته في الرواية فأصبح التاريخ مجرد صدى لوقائع محددة، مجرد إناء فارغ من توترات الروح.
1423 هـ الأثنين ميرال الطحاوي في نقرات الظباء بقلم : دكتور صلاح فضل ميرال الطحاوي مبدعة مصرية شابة ومثقفة, استطاعت بثلاث روايات ومجموعة قصصية فحسب أن تقفز برشاقة فوق لغتها العربية, لتترجم إلي عدة لغات حية. وتمثل حضورا ابداعيا متألقا, عبر اكتشاف عالم البدو المصري, المتمازج بقوة مع عالم الحضارة, وأن تجسده من خلال منظور أنثوي حميم, يلقي ضوءه الغامر علي مناطق ظلت مغلفة بالضباب. في ثنايا الوجود الفردي والجماعي, للرجال والنساء, في قلب الحياة المفعمة بعطر التاريخ ونكهة الوجود, وطزاجة الخلق الجميل. وفي روايتها الأخيرة نقرات الظباء نري الراوية منذ المشهد الأول تتقمص منظور طفلة صغيرة, هي بنت شيخ العرب, لتحكي عن عالمها ومايغمره من صور. تركز حدقتها في هند التي تقفز بتاريخها ابتداء من صورة قديمة معلقة, يقفون امامها في غرفة الصالون وقد امتلأت حوائطها باللوحات الباهتة وتبدو فيها صغيرة بجدائل طويلة, حتي رأتها آخر مرة وكان شعرها كثيف البياض, وجسدها شديد النحول. رأتهم يسكبون الماء عليها قبل ان يلفوها بالكفن, بعدها ينثرون العطور وينصرفون دون ان يصرخوا او حتي يلبسوا ثياب الحداد.
ثم تسترجع الرواية ـ التي لاتبارح منظورها الطفولي المصغر ـ بالرغم من الاماد الزمنية التي تطارحها, مما يستوعب حيوات بأكملها, تسترجع اول مرة شاهدوا فيها هند وهي تركض في الفناء كانت مهرة ناعسة علي حجر النجدية ـ لاحظ تلقائية الأسماء, وارتباطها بعالم الحيوان والمكان البدوي ـ وهي تحكي لها حكاية السهي ـ النجم المضيء ـ تلك الظبية التي ركضت في السماء. ولأنها تركت وليدا صغيرا علي الرمال, لايعرف كيف يهرب من صياده, تركت له نقراتها المضيئة نجوما تتنبأ بمواضع الخطر. تفرد النجدية اصابعها محددة ساعات النحس, حين يهل الهلال والسهي عن يساره, وايام الزعابيب حين يصير القمر بدرا. والشعري اليمانية جنوبا والسهي في القلب. هكذا تؤرخ النجدية لايام الضيق وايام الفرج. وهكذا تدخلنا ميرال الطحاوي في قلب علاقة احداث الارض بنجوم السماء وطوالعها في النحس والسعود من ناحية, وعلاقة عين الراوية الصغيرة, التي تلتقط مشاهد الشخوص, وحديث نجواهم وسمرهم, المرتبط بمصائرهم وأقدارهم من ناحية ثانية مما يخلق لونا من التوحد والتماهي بين الظباء والنساء ونجوم السماء وتصبح نقرات الظباء عنوانا رامزا للرواية, وكاشفا عن كيفية تشكيل عالمها السردي, لان حركة الذاكرة خلال الكتابة لاتمضي في نسق زمني متصل, ولادورات مكتملة, بل هي نقرات مبعثرة علي أديم الأرض تعكس ومضات السماء وهي تبرق بمعني الوجود. الامر الذي يفرض علي القاريء موقفا ابداعيا يختلف عما تعود عليه من قبل, اذ يواجه فجوة كبيرة في سياق السرد, لاتمتليء في حينها بالاحداث, بل تتري المشاهد بسرعة ايقاع لاهث, وتتداخل المصائر خلال القص, فإذا بالفجوات التي قفز فوقها تمتليء بالماء رويدا رويدا, وإذا بالحكاية تكتمل في نهاية المطاف. هذا النوع المحدث من الكتابة السردية يتطلب منا قدرا من اليقظة والمشاركة في تعشيق المسافات الزمنية, لأن المعني المجدول يتم إنتاجه عن طريق الانتقاء والتركيب والتقديم والتأخير, وهو يختلف بشكل حاسم عن القصة التقليدية التي توازي الحياة وتحاكيها, مما كانت ترتاح له ذائقة الأجيال الماضية. القراءة في أدب اليوم تتطلب جهدا خلاقا مثل الكتابة, لأنها تقوم بدور فعال في صنع الدلالة.
عالم البداوة: تتميز ميرال الطحاوي, بين بنات جيلها من المبدعات, بذكاء نفاذ. تجلي في اختيارها لعالم بكر, لم يسبق تقديمه في الرواية العربية في مصر, وهو عالم العرب البدو الذين عاشوا علي هامش تخوم الوادي مع الصحراء, وترفعوا نسبيا عن الاختلاط بأهل مصر من الفلاحين وعدم التزاوج معهم, حتي صار شعارهم نرميها للتمساح ولا يأخذها الفلاح ونعموا حينا ببعض الإقطاعيات التي أعطاها لهم الولاة جذبا لولائهم وخوفا من ثوراتهم وتمييزا لسلالات الفاتحين العرب علي أهل البلاد الأصليين. لكن تطورات الحياة الاقتصادية, وغروب نمط الإنتاج البدوي في المراعي حينا, وانتهاء عصر سلالات الجياد العربية الأصلية, طويلة العنق, الي درجة انها تشرب الماء من النهر وهي واقفة, كل ذلك ادي الي تدهور قيم هذا العالم وغروب أفقه. وابداع ميرال الطحاوي يقف شاهدا علي لحظة الشفق الشجي في هذا الغروب. خاصة لأنه مكتوب من منظور انثوي, ينتمي في الظاهر اليه, لكنه لايلبث ان يعاني في صميم روحه تجربة الاندماج العميق بالعالم المدني المتحضر, وهو يفرغ ذاكرته من تجارب البداوة الاولي بسرد مدهش, يقبض علي جمرة العالم المنطفي, وهو يحاول بيأس ان يتوهج مرة اخيرة تحت شعار البداوة اصل الحضارة.
اكن المشكلة التي تواجه قاريء الرواية هي تدفق المعلومات وغزارتها الشديدة, فقد قرأت الكاتبة كثيرا من المراجع واختزنت اقوالا وامثالا ورؤي كثيرة ثم وظفتها بكثافة في المادة الروائية, فساقت بيانات مطولة عن هجرة القبائل بين الوادي والصحراء ورحلات الصيد وانواع الحيوان وعادات الصقور وطرائق التعامل معها, مما يكفي لملء عشرات الروايات التي تحرص علي التمثيل البطيء والتقديم المتريث للنماذج والمواقف. غير انها عندما تتوقف حيال نموذج نسوي خصب تعرف كيف تجسده بضربات تشكيلية بارعة, فجدتها النجدية مثلا كان زوجها لملوم باشا فخورا بها فرغم انها مهرة اصيلة ـ أي عربية خالصة ـ لم تكن ترتدي البراقع السود, وتخرج من غطاء رأسها خصلة الشعر الناعمة, وتعلق علي مفرق جبهتها التعاليق الذهبية كأميرة تركية. كانت تعرف كيف تصنع ابرمة الحمام, والترلي, وتحشو الضأن بالزعتر والفستق, وفي صينية القلل الفخارية تضع اوراق الكافور, وتذيب في الماء رائحة الورد المقطرة, وتدس بين الملابس اوراق الحناء. هذه الجدة كانت تسمي النجدية في إشارة واضحة لحركة القبائل بين سيناء التي كانت كلها إقطاعا لعائلة لملوم باشا الباسل وبين ارض الحجاز ونجد, في الفترة التي كانت مصر فيها اغني ولايات الامبراطورية العثمانية, وعندما اكتشفت العبيد قبيل منتصف القرن العشرين ان هناك اسيادا اكثر ثراء اخذ يشحنهم مبارك العبد ليعملوا في تلك الأرض البعيدة التي بدأ يخرج منها النفط حيث يجيدون ـ كما هو شأنهم دائما ـ سلخ الضأن وغلي القهوة بالحبهان والهيل, وتدليك السيقان بالماء الدافيء والريحان الأخضر. هم بارعون في وقد النيران, ويعرفون كثيرا عن الصقور والشواهين, كتنظيف ساق الطيرة حتي لاتصاب بالبثور, ومكافأة المهرات بقطع السكر, وترويض الكلاب السلوقي, كانوا بارعين تماما في تلك الاعمال, طالما ان الاسياد بارعون ايضا في ان يظلوا علي سيادتهم. وعلي الرغم من تدفق المعلومات وتسجيل المشاهد والحركات والأسماء والنوادر المحكية في سياق السرد, غير ان الرواية تبذر في ثنايا هذا الوصف المترف إشارات متواترة لتموجات الزيارات ولهجرات وتحولات الثروات في هذه المناطق. فالحد اخذ يبيع ارضه قيراطا قيراطا, ينفق ثمنها علي تتبع السلالات الصافية من الجياد العربية, وينتقم من مدرس غرباوي محدث, نهر ابنته وهي تغني في الفصل الدراسي أنشودة دالة:ـ عايش في عزه ودلاله/ من كتر نياقه وجماله/ وعنده عزوه من رجاله/ مافيهم واحد دلال فجذبها من ذراعها قائلا فاكره نفسك في عزبة ابوك, وعندما نصحه رفاقه بالاعتذار لأهلها لانهم عرب وطباعهم صعبة, وقد يفعلون اي شيء إذا جرح احد كرامتهم لم يقتنع بما قيل ولم يكفر عن ذنبه فاحترقت ذات مساء المدرسة الابتدائية التي كانت تحمل اسم آل منازع, وعندما اعيد بناؤها جعلوا اسمها الجديده مدرسة رفعت عبد الحي, ولم تفلح محاولات الجد لمنع الاستهانة بتراث الآباء والاجداد. وعندما قالوا له ان عبد الحي قائد الحرس الخامس ورجل من رجالات الثورة عاد الي البيت وترس ظهره إلي حائط المضيفة دون ان يتكلم, بل ظل يخط بعود جاف في الرمال بيد مرتعشة. هكذا ترسم الراوية بمهارة فائقة خطوطا عريضة لمشاهد كبري عامرة بتحولات الزمان والمكان, منذرة باندثار عالم قديم للبروز الموجع لعالم جديد مكانه
اكتمال الدائرة: لان رواية نقرات الظباء تتميز بتعدد الشخوص وتوزع عمليات التركيز بينها بحيث لاتقتصر علي بؤرة واحدة, فان المعني الروائي يتنقل فيها من جيل الي جيل من الجدة الي الابنة والحفيدة الراوية, لكن تظل هند واختها سهيلة المحور الاساسي للسرد, وهما من الجيل الاوسط وتكتمل دائرة المعني نسبيا عندما تمتليء الفجوة التي أشرنا إليها في مأساة هند, ومن الملاحظ أن الراوية تستخدم في سردها دائما صيغة المستقبل, كانها ترصد الاحداث وهي تتشكل وتتراءي امامنا علي الصفحات حيث نعرف ان هند عشقت شابا اوروبيا رساما حل بمضيفة ابيها وعرفت كيف تتسلل الي غرفته, وتتمدد امامه وهو يرسم جسدها: لن تقول خادمتها ان الحسنة التي بين تدييها كانت لهند فعلا, وعندما زفوها رغما عنها لابن عمها اجتهدت في ليلة عرسها ان ترفع شعرها الطويل بوكليت فوق الطرحة الثل, وهن يضعن تحت قدميها اوراق الكافور والريحان حتي تصبح حياتها الجديدة خضراء معطرة, لكن حياتها معها كانت مستحيلة ـ كما ستصبح كذلك حياة اختها معه ايضا ـ اصيبت بالذهول, واصبحت تخرج عارية بالليل دون شعور, وعندما وقفت ذات ليلة امام ابيها كما ولدتها امها امر الخادمات ان يلقين عليها ملاءة بيضاء, ويقيدنها ويسقنها الي حجرة في قبو مظلم تقضي فيه بقية عمرها وهي تنظر من كوة في السقف تتدلي منها سلال الطعام الي ظبية هاربة, تركت مثلها وليدا صغيرا لم يتعلم الركض في سماء سوداء قاحلة. ولان الذاكرة التي توظفها الراوية في سردها ذات طبيعة بصرية, فإنها تتوقف امام الصور وتلاحظ تفاصيلها حضورا وغيابا, وترقب مافعله الزمن بألوانها وأوضاعها. وكأن الصياغة اللغوية التي تسخدم افعال الاستقبال توظف لملء الفراغات بين لحظة التصوير والرسم القديمة من ناحية, ولحظة التجسيد الفني المبدع في الكتابة الروائية من ناحية اخري, بما يعطي للماضي طابعه التشكيلي البارز, ويمنح الذاكرة بعدها الزمني الرائق, ويضفي علي الرواية توهجها الابداعي المكثف النضير.
9 من سبتمبر 2002- جريدة الاتحاد- أبو ظبي وكالة الأهرام للصحافة د/صلاح فضل ميرال الطحاوى فى" نقرات الظباء" لحظة الشفق الشجي فى غروب البداوة ميرال الطحاوى مبدعة مصرية شابة ومثقفة استطاعت بثلاث روايات ومجموعة قصصية فحسب أن تقفز برشاقة فوق لغتها العربية، لتترجم إلي عدة لغات حية. وتمثل حضورا إبداعيا متألقا عبر اكتشاف عالم البدو المصري المتماسك بقوة مع عالم الحضارة وأن تجسده من خلال منظور أنثوى حميم يلقى ضوءه الغامر على مناطق ظلت مغلقة بالضباب فى ثنايا الوجود الفردى والجماعة بالرجال والنساء فى قلب الحياة المفعمة بعطر التاريخ ونكهة الوجود وطزاجة الخلق الجميل. وفى روايتها الأخيرة" نقرات الظباء" نرى الرواية منذ المشهد الأول تتقمص منظور طفلة صغيرة، هى بنت شيخ العرب، لتحكى عن عالمها وما يعمره من صور، تركز حدقتها فى" هند" التى تقفز بتاريخها ابتدأ من صورة قديمة معلقة. يقفون أمامها فى غرفة الصالون وقد امتلأت حوائطها باللوحات الباهتة، وتبدو فيها صغيرة بجدائل طويلة حتى رأتها آخر مرة، وكان شعرها كثيف البياض وجسدها شديد النحول، رأتهم يسكبون الماء عليها قبل أن يلفوها بالكفن، بعدها ينثرون العطور، وينصرفون دون أن يصرخوا أو حتى يلبثوا ثياب الحداد. ثم تسترجع الرواية- التى لا تبارح منظورها الطفولي- المصغر- بالرغم من الأمد الزمنية التى تتطارحها مما يستوعب حيوات بأكملها تسترجع أول مرة شاهدوا فيها" هند" وهى تركض فى الفناء.. كانت مهرة ناعسة على حجر "النجدية" لاحظ تلقائية الاسماء وارتباطها بعالم الحيوان والمكان البدوى وهى تحكي لها حكاية السهي- النجم المضيء- تلك الظبية التى ركضت فى السماء ولأنها تركت وليدا صغيرا على الرمال ولا يعرف كيف يهرب من صياده.. تركت له نقراتها المضيئة نجوما تتنبأ بمواضع الخطر، تفرد" النجدية"، أصابعها محددة ساعات النحس، حين يهل الهلال والسهي على يساره، وأيام الزعابيب حين يصير القمر بدرا. والشعري اليمانية جنوبا والسهي فى القلب هكذا تؤرخ "النجدية" لأيام الضيق وأيام الفرج. وهكذا تدخلنا ميرال الطحاوى فى قلب علاقة أحدث الأرض بنجوم السماء وطوالعها فى النحس والسعود من ناحية، وعلاقة عين الرواية الصغيرة، التى تلتقط مشاهد الشخوص، وحديث نجواهم وصورهم المرتبط بمصائرهم وأقدارهم من ناحية ثانية. مما يخلق لونا من التوحيد والتماهي بين الظباء والنساء ونجوم السماء، وتصبح" نقرات الظباء" عنوانا رامزا للرواية، وكاشفا عن كيفية تشكيل عالمها السردي، لأن حركة الذاكرة خلال الكتابة لا تمضي فى نسف زمنى متصل، ولا دورات مكتملة بل هى نقرات مبعثرة على أديم الأرض، تعكس ومضات السماء وهى تبرق بمعنى الوجود. الأمر الذى يفرض على القارئ موقفا إبداعيا يختلف عما تعود عليه من قبل، إذ يواجه فجوة كبيرة فى سياق السرد لا تمتلئ فى حينها بالأحداث، بل تتري المشاهد بسرعة إيقاع لاهث، وتتداخل المصائر خلال القص، فإذا بالفجوات التى قفز فوقها تمتلئ بالماء رويدا رويدا، وإذا بالحكاية تكتمل فى نهاية المطاف. هذا النوع المحدث من الكتابة السردية يتطلب منا قدرا من اليقظة والمشاركة فى تعشيق المسافات الزمنية، لأن المعنى المجدول يتم إنتاجه عن طريق الانتقاء والتركيب والتقديم والتأخير، وهو يختلف بشكل حاسم عن القصة التقليدية التى توازى الحياة وتحاكيها مما كانت ترتاح له ذائقة الأجيال الماضية، القراءة فى أدب اليوم تتطلب جهدا خلاقا مثل الكتابة لإنها تقوم بدور فعال فى صنع الدلالة. عالم البداوة تتميز ميرال الطحاوى بين بنات جيلها من المبدعات بذكاء نفاذ، تجئ فى اختيارها لعالم بكر، لم يسبق تقديمه فى الرواية العربية فى مصر، وهو عالم العرب البدو الذين عاشوا على هامش تخوم الوادي مع الصحراء وترفعوا نسبيا عن الاختلاط بأهل مصر من الفلاحين وعدم التزاوج معهم، حتى صار شعارهم" نرميها للتمساح ولا يأخذها الفلاح"، ونعموا حينا ببعض الإقطاعيات التى أعطاها لهم الولاة جذبا لولائهم وخوفا من ثوراتهم وتمييزا لسلالات الفاتحين العرب على أهل البلاد الأصليين. لكن تطورت الحياة الاقتصادية وغروب نمط الإنتاج البدوى فى المراعي حينا، وانتهاء عصر سلالات الجياد العربية الأصلية طويلة العنق إلى درجة إنها تشرب الماء من النهر وهى واقفة، كل ذلك أدى إلى تدهور قيم هذا العالم وغروب أفقه، وإبداع ميرال الطحاوى يقف شاهدا على لحظة الشفق الشجي فى هذا الغروب خاصة لأنه مكتوب من منظور أنثوي، ينتمي فى الظاهر إليه لكنه، لا يلبث أن يعانى فى صميم روحه تجربة الاندماج العميق بالعالم المدنى المتحضر، وهو يفرغ ذاكرته من تجارب البداوة الأولي بسرد مدهش يقبض على جمرة العالم المنطفئ وهو يحاول بيأس أن يتوهج مرة أخرى تحت شعار" البداوة أصل الحضارة". لكن المشكلة التى تواجه قارئ الرواية هى تدفق المعلومات وغزارتها الشديدة فقد قرأت الكاتبة كثيرا من المراجع واختزنت أقوالا وأمثالا ورؤي كثيرة ثم وظفتها بكثافة فى المادة الروائية، فساقت بيانات مطولة عن هجرة القبائل بين الوادي والصحراء ورحلات الصيد وأنواع الحيوان وعادات الصقور وطرائق التعامل معها، مما يكفى لملء عشرات الروايات التى تحرص على التمثيل البطيء والتقديم المتريث للنماذج والمواقف ، غير إنها عندما تتوقف حيال نموذج نسوي خصب تعرف كيف تجسده بضربات تشكيلية بارعة، فجدتها النجدية مثلا كان زوجها لملوم باشا"فخورا بها" فرغم إنها مهرة أصيلة- أى عربية خالصة- لم تكن ترتدي البراقع السوداء، وتخرج من غطاء رأسها خصلة الشعر الناعمة، وتعلق على مفرق جبهتها التعاليق الذهبية كأميرة تركية، كانت تعرف كيف تصنع ابرمة" الحمام" و"الترلي" وتحشو الضأن بالزعتر والفستق وفى صنية القلل الفخارية تصنع أوراق الكافور وتذيب فى الماء رائحة الورد المقطرة وتدس بين الملابس أوراق الحناء. هذه الجدة كانت تسمي" النجدية" فى إشارة واضحة لحركة القبائل بين سيناء التى كانت كلها إقطاعا لعائلة" لملوم باشا الباسل" وبين أرض الحجاز ونجد فى الفترة التى كانت مصر فيها أغنى ولايات الإمبراطورية العثمانية وعندما اكتشف العبيد قبيل منتصف القرن العشرين إن هناك أسيادا أكثر ثراء، أخذ يشحنهم مبارك العبد ليعملوا فى تلك الأرض البعيدة التى بدأ يخرج منها النفط، حيث يجيدون- كما هو شأنهم دائما- سلخ الضأن وغلى القهوة بالحبهان والهيل، وتدليك السيقان بالماء الدافئ والريحان الأخضر، هم بارعون فى إيقاد النيران ويعرفون كثيرا عن الصقور والشواهين كتنظيف ساق الطيرة حتى لا تصاب بالبثور، ومكأفاة المهرات بقطع السكر وترويض الكلاب السلوقى كانوا بارعين تماما فى تلك الأعمال، طالما أن الأسياد بارعون أيضا فى أن يظلوا على سيادتهم. وعلى الرغم من تدفق المعلومات وتسجيل المشاهد والحركات والأسماء والنوادر المحكية فى سياق السرد غير أن الرواية تبذر فى ثنايا هذا الوصف المترف إشارات متواترة لتموجات الزيارات والهجرات وتحولات الثروات فى هذه المناطق. فالجد أخذ يبيع أرضه قيراطا قيراطا، ينفق ثمنها على تتبع السلالات الصافية من الجياد العربية، وينتقل من مدرس غرباوى محدث. نهر ابنته وهى تغنى فى الفصل الدراسي أنشودة دالة" عايش فى غزة ودلالة/ من كنز نياقة وجماله وعنده عزوة من رجاله/ما فيهم واحد دلال" فجذبها من ذراعها قائلا. فاكرة نفسك فى عزبة أبوك، وعندما نصحه رفاقه بالاعتذار لأهلها لإنهم" عرب" وطباعهم صعبة، وقد يفعلون أى شيء إذا جرح أحد كرامتهم لم يقتنع بما قيل ولم يكفر عن ذنبه، فاحترقت ذات مساء تلك المدرسة الابتدائية التى كانت تحمل اسم "ال منازع" وعندما أعيد بنائها جعلوا اسمها الجديدة" مدرسة رفعت عبد الحي" ولم تفلح محاولات الجد لمنع الاستهانة بتراث الآباء والأجداد، وعندما قالوا له أن " عب الحي" قائد الحرس الخامس ورجال من رجالات الثورة عاد إلي البيت وترس ظهره إلى حيط المضيفة دون أن يتكلم بل ظل يخط بعود جاف فى الرمال بيد مرتعشة. هكذا ترسم الرواية بمهارة فائقة خطوط عريضة لمشاهد كبري عامرة بتحولات الزمان والمكان منذرة باندثار عالم قديم للبروز الموجع لعالم جديد مكانه. اكتمال الدائرة لأن رواية " نقرات الظباء" تتميز بتعدد الشخوص وتوزع عمليات التركيز بينها، بحيث لا تقتصر على بؤرة واحدة فإن المعنى الروائي ينتقل فيها من جيل إلي جيل، من الجدة إلى الابنة والحفيدة الراوية، لكن تظل هند وأختها سهيلة المحور الأساسي للسرد وهما من الجيل الأوسط، وتكتمل دائرة المعنى نسبيا عندما تمتلأ الفجوة التى أشرنا إليها فى مأساة هند ومن الملاحظ أن الرواية تستخدم فى سردها دائما صيغة المستقبل كأنها ترصد الأحداث وهى تتشكل وتتراءى أمامنا على الصفحات، حيث نعرف أن "هند" عشق شابا أوروبيا رساما حل بضيافة أبيها وعرفت كيف تتسلل إلي غرفته وتتمدد أمامه وهو يرسم جسدها" لن تقول خادمتها أن الحسنة التى بين ثدييها كانت لهند فعلا" وعندما زفوها رغما عنها لابن عمها" اجتهدت فى ليلة عرسها أن ترفع شعرها الطويل" بوكليت" فوق الطرحة التل وهن يضعن تحت قدميها أوراق الكافور والريحان حتى تصبح حياتها الجديدة خضراء معطرة" لكن حياتها معه كانت مستحيلة، كما ستصبح حياة أختها معه أيضا، أصيبت بالذهول، وأصبحت تخرج عارية بالليل دون شعور، وعندما وقفت ذات ليلة أمام أبيها كما ولدتها أمها أمر الخادمات أن يلقين عليها ملأة بيضاء ويقيدونها ويسقنها الى حجرة فى قبو مظلم تقضى فيه بقية عمرها" وهى تنظر من كوة فى السقف تتدلي منها سلال الطعام إلي طبية هاربة،تركت مثلها وليدا صغيرا لم يتعلم الركض فى سماء سوداء قاحلة" ولأن الذاكرة التى توظفها الراوية فى سردها ذات طبيعة بصرية، فإنها تتوقف أمام الصور وتلاحظ تفاصيلها حضورا وغيابا وترقب ما فعله الزمن بألوانها وأوضاعها وكان الصياغة اللغوية ا��تى تستخدم أفعال الاستقبال توظف لملء الفراغات بين لحظة التصوير والرسم القديمة من ناحية، ولحظة التجسيد الفنى المبدع فى الكتابة الروائية من ناحية أخري، بما يعطى للماضى طابعه التشكيلي البارز، ويمنح الذاكرة بعدها الزمنى الرائق، ويضفى على الرواية توهجها الإبداعي المكثف النضير.
❞ وبدت نقرات الظباء جلية تكشف عن آثار ظبية في صحراء شاسعة، استعاذوا بالله من نحس الطالع وقالوا إنها نذير فراق ❝
بادئ ذي بدء وجدت رابطا قويا بين حركة النجوم وكوكباتها وعلاماتها "كالشعرى ونقرات الظباء" وبين حياة شخوص الرواية، تحاول التماس مع شعورهم حين مرورها أو بمعنى آخر دليلا لأنفسهم التائهة كما كانت لدروبهم، والمثال هنا فضلا عن الاقتباس الذي يوضح التيه بين القديم والجديد كما سنذكر لاحقا، فهي ترافق وتتوائم مع رائيها كما في شخصية هند ووليدتها وإنشراح أو ربما يصنعها الرائي كعلة لحدث مباغت حدث أو سيحدث.
-همام والمماليك "صراع طويل متوازن"
- بالنظر قليلا نرى أن الصراع بين شرف النسب والأمجاد السالفة والقوة ومراعاة الزمن لهو متكرر منذ الأزل، ولكن الصراع بين شيخ العرب الأمير همام بن يوسف الهواري وجند علي بك الكبير هو الأقرب للرواية، حيث يتشابه التغير من مرحلة السطوة والقوة من الجد الشافعي ومنازع للملوم باشا الباسل إلى مرحلة الضعف والتفتت من متغيرات وانتقال التميز من النسب للعامة أيا كانت صفتهم، بالتغير الحادث من أمجاد شيخ العرب في الصعيد إلى أطلال حازها المماليك آخر الأمر، والتشابه كذلك في الذكرى والحكايات وبالأهازيج وحتى الأبنية حسب قول مهرة "لم يتبق لنا سوى الصور" فهي تمثل سلا.ح قوي يوازن ولو شيئا بسيطا أمام عنصر القوة ليكون لسان حاله "إن ذبل الورد ريحته فيه" ولكن لحامل الحكايات وساردها نصيبه من التشتت بين القديم والجديد وقد صنع ذلك بشكل مبهر في شخصيتي "الشافعي وأبو شريك العيادي"
-واقع يهوى التركيب بالتوازن بين رواية وراء الفردوس للأستاذة منصورة عز الدين وتلك الرواية نجد صورة للواقع في فترة ما بعد ثورة يوليو ١٩٥٢، وبينهما مقارنة لطيفة بين عنصري المجتمع وقتها "الفلاحين والباشوات" أو أصحاب النسب والماضي ومن حاز القوة وفقا للمستجدات، وبين الروايتين كذلك نجد الحدث الواحد كقانون الإصلاح الزراعي تختلف أحداثه وإيقاعه كنقطة صعود أو هبوط باختلاف تشكل الشخصية، فتكون الروايتين شاهدة على واقع يحب التمازج وإعادة التشكيل من طرف غالب لمغلوب والعكس "وهذه ميزة الرواية التاريخية عموما" فضلا عن وجود قاسما مشتركا بين شخصيات الروايتين كشخصية مهرة وشخصية سلمى مع ذكرياتهما المجمعة في صندوق، وشخصية الأب ورشيد في الطموح واللعب بالأماني ثم النهاية المأساوية كوردة ذابلة
-أرواح تائهة "تناسخ أم تشابه؟" قد نجد في التراث المحكي على لسان "مزينة" عن سبب تسمية خان يونس "مدينة معروفة في قطاع غز.ة" وتشكيلها لخان يونس "أي غدر به" مختلفا عن سبب التسمية بين يونس باشا الذي عارض سليم الأول وكان مصيره القت.ل في نفس الموضع، أو الأمير المملوكي يونس الداودار الذي أسس خانا "سوق" في المدينة، والقصد من ذلك إذا قارناه بنظرة الأب للصقر السنقاري المتخبط الذي يشبه زوجته "سهلة"، أو نظرة "بيير" عن وجوده في الصحراء، لهو جزء يعبر انتزاع التسمية بقدر حلول الروح فيها والذاكرة وايضا تماهي الروح بما تحمله للرائي أو كما ذكر في رواية نزيف الحجر للكاتب إبراهيم الكوني عن تناسخ الأرواح ونظرتها عن الحلول والاتحاد.
- ربما تتفق الرواية مع نفس الفكرة، لكنها صاغت وصف الحالة وتمازجها مع بيئتها في شخصية هند المسكينة بشكل بارع
-- لم يعجبني في الرواية بعض الإسهاب في الحديث عن الرحلات وبعض الأوصاف، فضلا عن تشتت الراوي بين العليم والمتكلم وتشتت الشخصيات في أحيان أخرى، ربما تكون وصفا للمزيج التائه بين الذاكرة والحاضر، لكنه يعد تفضيلا شخصيا، فضلا عن إعجابي بالرواية بوصف حال شخصياتها وضبطه مع الأحداث الواقعة حينها
اسم ميرال الطحاوي – في حد ذاته – يطرح جدلاً كبيراً ليس على الساحة المصرية أو العربية فحسب، بل على الساحة العالمية أيضاً، فضلاً عن الجدل الذي أحدثته بانفصالها عن جماعة الإخوان المسلمين، وخلع الحجاب. ولكن، كيف تحولت بنت "شيخ العربان" في أقاصي الريف المصري من فتاة بدوية بسيطة تنتمي جذورها البعيدة إلى نجد، إلى روائية تترجمها 15 لغة ؟!. نحن - إذن - أمام تجربة فريدة، تجربة أثرت المشهد الروائي العربي بشكل عام والنسائي على وجه الخصوص بأربع روايات حتى الآن، هي "الخباء" و"الباذنجانة الزرقاء" ونقرات الظباء"، و"بروكلين هايتس" الصادرة قبل أيام. حول هذه التجارب الروائية، وإشكاليات أخرى منها الشخصي ومنها الأدبي، كان هذا الحوار: ................. عالمي الأول هو البيئة القبلية التي نشأت فيها. البدو في مصر، الترحال في ثقافة مختلفة، أوضاع النساء في ثقافة مغلقة واشتهاءات التحرر، الاصطدام الثقافي بين البدو والحضر. كتبت عن ذلك واتهمت بأن ما أكتب عنه جيوب عرقية، وأن ذلك يغذي النزعة الانفصالية!. وأنا لم أختر ذلك في الحقيقة. نشأت في أسرة تنتمي لقبيلة جاءت من مكان ما لا ينتمي لهذه الحاضرة، وظللت أسير في الشوارع الضيقة لقريتي ولا أعرف معنى يلغي هويتي: (ابنة عرب). أنا بنت شيخ العربان، رسمت في "الخباء" البطلة الممزقة بحثاً عن طفولتها وأحلام تحررها. كتبت الكثير من المقالات النقدية عن "الخباء" ربما لأنها صورت عالماً مختلفاً، لكن الأهم بالنسبة لي أنها قدمت تجربتي واختصرتها، وهي تجربة خاصة، وعالم خاص، والخصوصية لا تعني التفرد ولا النجاح، تعني فقط الاختلاف، وما زلت أقامر على اختلاف وتجربتي وأحلم بالكتابة التي تعبر بشفافية عن روحي كإنسانة وككاتبة. ................. أعتقد أن حياتي حافلة - مثل كتابتي – بالتمرد. تمردت على أسرتي باكراً، وتمردت على الكثير من المدارس الفكرية التي انتميت لها، تمردت على الشكل التقليدي للنص، وتمردت كثيراً على نفسي. وأعتقد أن التمرد قلق وجودي يعبر - ببساطة - عن ذات قلقة وطامحة ومليئة بالتوق، ودفعت ضريبة هذا التمرد. كل مرة كنت أدفع ضريبة ما. وحينما أختار شكل الكتابة المتمرد، فهذه أيضاً مخاطرة بالقارئ وبفهمه وبتلقيه لما أكتب. أعتقد أيضاً أن التمرد تعبير عن الذات في مواجهة العادي، مثل اللغة الشعرية حين تكسر التوقع وتخالف المنطق اللغوي لبهجة الكتابة، ولتعميق مفهومك اللغوي. التمرد مثل استعارة لغوية تكسر القاعدة لتخلق الجمال المحض. أتمرد معظم الوقت حين أخلق نصاً جديداً، حين أغفل حسابات وتوقعات الآخرين عني وتوقعاتي عن ذاتي. ................. رواية "الباذنجانة" كانت تعبير عن ضياع الهوية وتشظي الذات وانكسارها المحض. فجأة أحسست أن كل ما آمنت به - للأسف - لا معنى له. الحب والنضال السياسي والعباءة الدينية. أنا آمنت بأشياء كثيرة وصدقت أشياء كثيرة ومثل البطلة حينما تحب وتتعلق بكل هذا الإخلاص فإنها أيضاً تشهد انهيارات متتالية. ولـ"الباذنجانة" الفضل في فتح ملف التيار الديني (السياسي) وتغلغله في الوسط الطلابي في الثمانينيات، ومازلت مشغولة حتى في روايتي الجديدة "بروكلين هايتس" بفهم هذا التحول في المجتمع العربي: كيف انساقت القرى الصغيرة وبيوت الطلبة وأروقة الجامعة بهذا المد الديني؟. بالطبع لا أدين أحد، ولكن أحاول رسم مشهد التحول للإسلام السياسي، وهو مشهد عشته وانزلقت فيه وخرجت منه وأصبحت شاهدة مثل كل أبناء جيلي عليه. ................. لقد التحقت بصفوف الإخوان وأنا صغيرة، ربما في بداية دراستي الثانوية، وتركتهم بعد أن بدأت الكتابة. لم أكن وحدي من لبست الحجاب ثم خلعته، كثير من أبناء جيلي وربما الأجيال السابقة عرفوا الانضمام لتنظيمات دينية أو شيوعية، هذه تجربة إنسانية. وتركت الإخوان لأنني لم أجد ذاتي في صفوفهم، وبعد جدل طويل هم قرروا خلعي ومنعي من الكتابة في مجلتهم. كنت أثير كثيراً من الجدل والتمرد خاصة مع مفهوم السمع والطاعة. ولم أهاجمهم ولم أكتب عنهم ولم يحاربوني. تساقطت مثل آخرين من ذاكرتهم. لكن ظل اسمي على كتاب اسمه "مذكرات مسلمة" كتبته وأنا في الجامعة، وهو مقالات كتبتها بإشراف زينب الغزالي. كنت أكتب ما تريده فقط لأن لغتي قوية وتعبيري الأدبي قوي كما كانت تقول. فأنا سأكون أديبة مسلمة، وبالطبع خيبت آمالها وتركت المستقبل الأدبي الذي خططته لي ولم أعتبر نفسي ضد الإخوان المسلمين، وأعتبر أيضا أن لهم فضلاً عليّ ولم أسئ في لهم يوماً في صحافة عربية أو أجنبية، كنت ومازلت أقول أنا لا أصلح لتغيير وجه العالم بالإسلام، أصلح فقط لأن أكون كاتبة. لكن هذا الكتاب الصغير مازال يمثل جزءاً من تاريخي. هو أول كتاب أصدرته وهم يطبعونه ويوزعونه. ومن ثم أجد الكل يسألني: لماذا لبست الحجاب؟، لماذا خلعت الحجاب؟ لماذا تمردت على الإخوان؟، وأقول: هذه حالة جيل بأكمله، تورطنا في العمل السياسي صغاراً حالمين مع اليمين واليسار، ولكن بعد وقت انطفأ الحلم. هذا ما حاولت رسمه في "الباذنجانة" ومازالت أطالب بتفسيرات لقناعات فكرية فارقتها وفارقتني. وأعتقد أن الاتهام بالشهرة وعدم الشهرة مسألة سخيفة، وأنا لم أقدم نفسي أبداً خارج مصر بهذه الصورة، ومن يجد أي إشارة في أي صحافة أجنبية صدرت مني في إدانة الإسلاميين فليواجهني بها، نحن لا ننشر في الخفاء ولا نكتب في الخفاء، بل العكس صورة الولد المتدين في "الباذنجانة" في منتهى النبل والصدق. وأعتقد أن من يريدون الشهرة يعرفون كيف يثيرون "البروباجندا". أنا بطبعي خجولة ولا أحب المواجهات مع أحد، لكن تجربة الإخوان جزء من تاريخي ومازلت أحتفظ بخطاب طويل كتبه لي عصام العريان (القيادي الإخواني البارز) من معتقله، يناقشني فيه حول روايتي، ولا يرى فيها إهانة للإخوان، بل يرى أنني رسمت الحقيقة بكل الصدق وأنه يحييني على صراحتي الأدبية. ................. "نقرات الظباء" تاريخ عائلي لتأثير التغيرات السياسية خاصة ثورة يوليو على الأسر المتوسطة والأرستقراطية. هي سيرة أنثي ماتت بالحبس في مخفر أسرى. هي تاريخ المخبوء في مجتمع يخفي الكثير من أسراره، ولا أهدف إلى التنبيه إلى شيء، إنها فقط بورتريه لعالم اختفى بكل آلامه وأحلامه. وهي رواية شديدة الخصوصية في تجربتي، وأنا عادة أكتب للكتابة، ليس لي قارئ أو - للأمانة - قار�� رواياتي "قارئ نوعي". ................. "بروكلين هايتس" تجربة معقدة لأنني في الحقيقة أسير على جسر بين عالمين. كان جسر بروكلين قديماً هو المعبر للمهاجرين من المحطة الأولي في حياتهم للانطلاق في باقي الولايات، حملت تلك المحطة أعراقاً كثيرة وأحلاما كثيرة وخيبات ومعاناة القادمين، وما زالت تمثل خليطاً بشرياً متعدداً يكشف عن فسيفساء هذه الأرض والهويات المتعددة لهذا الشعب. سكنت في بروكلين وقرأت كثيراً عن حاضرها وماضيها. عبرت كل شارع وزقاق وتخيلت عوالم مضت من هنا. كتبت روايتي عن أحياء وشوارع بروكلين وناسها، وبينما كان الحاضر هو أرض اللاجئين والمهاجرين الفقراء، كانت الذاكرة تسير باتجاه تلال فرعون حيث نشأت البطلة، وبين خيط الذكريات وصدمة الواقع نسجت "بروكلين هايتس" من مخاوفي وذكرياتي وإحباطاتي الكثيرة، وترددت كثيراً في نشر النص، لكن بعد اغترابي ثلاث سنوات في بروكلين كان كل مشهد يحيلني إلى عالمي. وأعتقد أنه لا خلاص بالهرب ولا خلاص بالحنين، إنها رحلة طويلة مليئة بالأفراح والأتراح، بالحزن والشجن، وأنا سعيدة لأن الرواية تلاقي صدى جميلاً، وكتبت عنها أقلام لها مصداقيتها عندي مثل ظبية خميس وشريف حتايت ومحمود الورداني وعزت القمحاوي، وكلهم كتاب كبار ولهم ذائقتهم الخاصة. ................. درست رواية السعودية ودرّستها سنوات، ليس لأنني بدوية وأن أهلي من نجد، ولكن لأنني أجد نفسي في الحقيقة أنتمي جمالياً لهذه الكتابة. فرجاء عالم كانت تمثل جزءاً من كتابي عن المحرمات مع عبدالرحمن منيف، ورواية الحزام لأحمد أبو دهمان، وبعد أن بدأت التدريس في الجامعات الأمريكية درست (كورس) عن الرواية السعودية النسائية، والمحرمات، والرقابة. درّست سمر المقرن (رواية نساء المنكر)، ورجاء الصانع، وصبا الحرز، وليلى الجهني، في جامعتي حيث أعمل أستاذاً مساعداً بجامعة نورث كارولينا، وأطمح بدعوة عدد كبير من كتابنا لتقديم تجاربهم ولتغيير الصورة النمطية عن المجتمع العربي والسعودي بشكل خاص. كما أنني بصدد بحث عن المحرمات السياسية وأدرس عبده خال وروايته "القصر"، أنشرها في الميدل إيست جورنال بجامعة كولومبيا. أعتقد أن الرواية السعودية هامة وهي في صدارة المشهد الروائي العربي. ................. أعترف بأنني أثير حولي الكثير من الجدل، لكنني أعتقد أن الجدل هو نافذة على الحرية، والحرية هي القيمة الوحيدة التي بقيت لي. أتمنى الكتابة حتى الموت لأنها الصيغة الوحيدة لوجودي.
اسم ميرال الطحاوي – في حد ذاته – يطرح جدلاً كبيراً ليس على الساحة المصرية أو العربية فحسب، بل على الساحة العالمية أيضاً، فضلاً عن الجدل الذي أحدثته بانفصالها عن جماعة الإخوان المسلمين، وخلع الحجاب. ولكن، كيف تحولت بنت "شيخ العربان" في أقاصي الريف المصري من فتاة بدوية بسيطة تنتمي جذورها البعيدة إلى نجد، إلى روائية تترجمها 15 لغة ؟!. نحن - إذن - أمام تجربة فريدة، تجربة أثرت المشهد الروائي العربي بشكل عام والنسائي على وجه الخصوص بأربع روايات حتى الآن، هي "الخباء" و"الباذنجانة الزرقاء" ونقرات الظباء"، و"بروكلين هايتس" الصادرة قبل أيام. حول هذه التجارب الروائية، وإشكاليات أخرى منها الشخصي ومنها الأدبي، كان هذا الحوار: ................. عالمي الأول هو البيئة القبلية التي نشأت فيها. البدو في مصر، الترحال في ثقافة مختلفة، أوضاع النساء في ثقافة مغلقة واشتهاءات التحرر، الاصطدام الثقافي بين البدو والحضر. كتبت عن ذلك واتهمت بأن ما أكتب عنه جيوب عرقية، وأن ذلك يغذي النزعة الانفصالية!. وأنا لم أختر ذلك في الحقيقة. نشأت في أسرة تنتمي لقبيلة جاءت من مكان ما لا ينتمي لهذه الحاضرة، وظللت أسير في الشوارع الضيقة لقريتي ولا أعرف معنى يلغي هويتي: (ابنة عرب). أنا بنت شيخ العربان، رسمت في "الخباء" البطلة الممزقة بحثاً عن طفولتها وأحلام تحررها. كتبت الكثير من المقالات النقدية عن "الخباء" ربما لأنها صورت عالماً مختلفاً، لكن الأهم بالنسبة لي أنها قدمت تجربتي واختصرتها، وهي تجربة خاصة، وعالم خاص، والخصوصية لا تعني التفرد ولا النجاح، تعني فقط الاختلاف، وما زلت أقامر على اختلاف وتجربتي وأحلم بالكتابة التي تعبر بشفافية عن روحي كإنسانة وككاتبة. ................. أعتقد أن حياتي حافلة - مثل كتابتي – بالتمرد. تمردت على أسرتي باكراً، وتمردت على الكثير من المدارس الفكرية التي انتميت لها، تمردت على الشكل التقليدي للنص، وتمردت كثيراً على نفسي. وأعتقد أن التمرد قلق وجودي يعبر - ببساطة - عن ذات قلقة وطامحة ومليئة بالتوق، ودفعت ضريبة هذا التمرد. كل مرة كنت أدفع ضريبة ما. وحينما أختار شكل الكتابة المتمرد، فهذه أيضاً مخاطرة بالقارئ وبفهمه وبتلقيه لما أكتب. أعتقد أيضاً أن التمرد تعبير عن الذات في مواجهة العادي، مثل اللغة الشعرية حين تكسر التوقع وتخالف المنطق اللغوي لبهجة الكتابة، ولتعميق مفهومك اللغوي. التمرد مثل استعارة لغوية تكسر القاعدة لتخلق الجمال المحض. أتمرد معظم الوقت حين أخلق نصاً جديداً، حين أغفل حسابات وتوقعات الآخرين عني وتوقعاتي عن ذاتي. ................. رواية "الباذنجانة" كانت تعبير عن ضياع الهوية وتشظي الذات وانكسارها المحض. فجأة أحسست أن كل ما آمنت به - للأسف - لا معنى له. الحب والنضال السياسي والعباءة الدينية. أنا آمنت بأشياء كثيرة وصدقت أشياء كثيرة ومثل البطلة حينما تحب وتتعلق بكل هذا الإخلاص فإنها أيضاً تشهد انهيارات متتالية. ولـ"الباذنجانة" الفضل في فتح ملف التيار الديني (السياسي) وتغلغله في الوسط الطلابي في الثمانينيات، ومازلت مشغولة حتى في روايتي الجديدة "بروكلين هايتس" بفهم هذا التحول في المجتمع العربي: كيف انساقت القرى الصغيرة وبيوت الطلبة وأروقة الجامعة بهذا المد الديني؟. بالطبع لا أدين أحد، ولكن أحاول رسم مشهد التحول للإسلام السياسي، وهو مشهد عشته وانزلقت فيه وخرجت منه وأصبحت شاهدة مثل كل أبناء جيلي عليه. ................. لقد التحقت بصفوف الإخوان وأنا صغيرة، ربما في بداية دراستي الثانوية، وتركتهم بعد أن بدأت الكتابة. لم أكن وحدي من لبست الحجاب ثم خلعته، كثير من أبناء جيلي وربما الأجيال السابقة عرفوا الانضمام لتنظيمات دينية أو شيوعية، هذه تجربة إنسانية. وتركت الإخوان لأنني لم أجد ذاتي في صفوفهم، وبعد جدل طويل هم قرروا خلعي ومنعي من الكتابة في مجلتهم. كنت أثير كثيراً من الجدل والتمرد خاصة مع مفهوم السمع والطاعة. ولم أهاجمهم ولم أكتب عنهم ولم يحاربوني. تساقطت مثل آخرين من ذاكرتهم. لكن ظل اسمي على كتاب اسمه "مذكرات مسلمة" كتبته وأنا في الجامعة، وهو مقالات كتبتها بإشراف زينب الغزالي. كنت أكتب ما تريده فقط لأن لغتي قوية وتعبيري الأدبي قوي كما كانت تقول. فأنا سأكون أديبة مسلمة، وبالطبع خيبت آمالها وتركت المستقبل الأدبي الذي خططته لي ولم أعتبر نفسي ضد الإخوان المسلمين، وأعتبر أيضا أن لهم فضلاً عليّ ولم أسئ في لهم يوماً في صحافة عربية أو أجنبية، كنت ومازلت أقول أنا لا أصلح لتغيير وجه العالم بالإسلام، أصلح فقط لأن أكون كاتبة. لكن هذا الكتاب الصغير مازال يمثل جزءاً من تاريخي. هو أول كتاب أصدرته وهم يطبعونه ويوزعونه. ومن ثم أجد الكل يسألني: لماذا لبست الحجاب؟، لماذا خلعت الحجاب؟ لماذا تمردت على الإخوان؟، وأقول: هذه حالة جيل بأكمله، تورطنا في العمل السياسي صغاراً حالمين مع اليمين واليسار، ولكن بعد وقت انطفأ الحلم. هذا ما حاولت رسمه في "الباذنجانة" ومازالت أطالب بتفسيرات لقناعات فكرية فارقتها وفارقتني. وأعتقد أن الاتهام بالشهرة وعدم الشهرة مسألة سخيفة، وأنا لم أقدم نفسي أبداً خارج مصر بهذه الصورة، ومن يجد أي إشارة في أي صحافة أجنبية صدرت مني في إدانة الإسلاميين فليواجهني بها، نحن لا ننشر في الخفاء ولا نكتب في الخفاء، بل العكس صورة الولد المتدين في "الباذنجانة" في منتهى النبل والصدق. وأعتقد أن من يريدون الشهرة يعرفون كيف يثيرون "البروباجندا". أنا بطبعي خجولة ولا أحب المواجهات مع أحد، لكن تجربة الإخوان جزء من تاريخي ومازلت أحتفظ بخطاب طويل كتبه لي عصام العريان (القيادي الإخواني البارز) من معتقله، يناقشني فيه حول روايتي، ولا يرى فيها إهانة للإخوان، بل يرى أنني رسمت الحقيقة بكل الصدق وأنه يحييني على صراحتي الأدبية. ................. "نقرات الظباء" تاريخ عائلي لتأثير التغيرات السياسية خاصة ثورة يوليو على الأسر المتوسطة والأرستقراطية. هي سيرة أنثي ماتت بالحبس في مخفر أسرى. هي تاريخ المخبوء في مجتمع يخفي الكثير من أسراره، ولا أهدف إلى التنبيه إلى شيء، إنها فقط بورتريه لعالم اختفى بكل آلامه وأحلامه. وهي رواية شديدة الخصوصية في تجربتي، وأنا عادة أكتب للكتابة، ليس لي قارئ أو - للأمانة - قارئ رواياتي "قارئ نوعي". ................. "بروكلين هايتس" تجربة معقدة لأنني في الحقيقة أسير على جسر بين عالمين. كان جسر بروكلين قديماً هو المعبر للمهاجرين من المحطة الأولي في حياتهم للانطلاق في باقي الولايات، حملت تلك المحطة أعراقاً كثيرة وأحلاما كثيرة وخيبات ومعاناة القادمين، وما زالت تمثل خليطاً بشرياً متعدداً يكشف عن فسيفساء هذه الأرض والهويات المتعددة لهذا الشعب. سكنت في بروكلين وقرأت كثيراً عن حاضرها وماضيها. عبرت كل شارع وزقاق وتخيلت عوالم مضت من هنا. كتبت روايتي عن أحياء وشوارع بروكلين وناسها، وبينما كان الحاضر هو أرض اللاجئين والمهاجرين الفقراء، كانت الذاكرة تسير باتجاه تلال فرعون حيث نشأت البطلة، وبين خيط الذكريات وصدمة الواقع نسجت "بروكلين هايتس" من مخاوفي وذكرياتي وإحباطاتي الكثيرة، وترددت كثيراً في نشر النص، لكن بعد اغترابي ثلاث سنوات في بروكلين كان كل مشهد يحيلني إلى عالمي. وأعتقد أنه لا خلاص بالهرب ولا خلاص بالحنين، إنها رحلة طويلة مليئة بالأفراح والأتراح، بالحزن والشجن، وأنا سعيدة لأن الرواية تلاقي صدى جميلاً، وكتبت عنها أقلام لها مصداقيتها عندي مثل ظبية خميس وشريف حتايت ومحمود الورداني وعزت القمحاوي، وكلهم كتاب كبار ولهم ذائقتهم الخاصة. ................. درست رواية السعودية ودرّستها سنوات، ليس لأنني بدوية وأن أهلي من نجد، ولكن لأنني أجد نفسي في الحقيقة أنتمي جمالياً لهذه الكتابة. فرجاء عالم كانت تمثل جزءاً من كتابي عن المحرمات مع عبدالرحمن منيف، ورواية الحزام لأحمد أبو دهمان، وبعد أن بدأت التدريس في الجامعات الأمريكية درست (كورس) عن الرواية السعودية النسائية، والمحرمات، والرقابة. درّست سمر المقرن (رواية نساء المنكر)، ورجاء الصانع، وصبا الحرز، وليلى الجهني، في جامعتي حيث أعمل أستاذاً مساعداً بجامعة نورث كارولينا، وأطمح بدعوة عدد كبير من كتابنا لتقديم تجاربهم ولتغيير الصورة النمطية عن المجتمع العربي والسعودي بشكل خاص. كما أنني بصدد بحث عن المحرمات السياسية وأدرس عبده خال وروايته "القصر"، أنشرها في الميدل إيست جورنال بجامعة كولومبيا. أعتقد أن الرواية السعودية هامة وهي في صدارة المشهد الروائي العربي. ................. أعترف بأنني أثير حولي الكثير من الجدل، لكنني أعتقد أن الجدل هو نافذة على الحرية، والحرية هي القيمة الوحيدة التي بقيت لي. أتمنى الكتابة حتى الموت لأنها الصيغة الوحيدة لوجودي.
تقص الرواية أحداث بادئة، ورثتها مهرة بنت آل الشافعي، تقدمها حسب ما وردها من أخبارهم التي تناقلوها، و ظل من بقي منهم على عهد وطيد بها، تروي عن حياة قومها البدو الذين ما زالوا متمسكين بعادتهم، و استدراج الحديث كان عن طريق ما ورثته من وراء الأموات، فهي تعرفنا على أبناء العائلة عن طريق صورة معلقة على جدار المنزل، أو ما تركته أمها من تذكار و صور في صندوقها الخشبي. بطلات الرواية ثلاث، سقاوة و هند و سهلة، إن سقاوة ماتت بداء كانوا يعالجونها بالطب العربي الذي ما أتى أكله، و مدى ذكورية مجتمعهم فالأخ الوحيد الذي منع أخواته من الالتحاق بالمدارس الداخلية و لكنه يسافر و يدرس المحاماة و يتزوج بلبنانية و ينشئ محطة بنزين و يسمى ابنته صوفي يقابل حالته بالمقارنة حال أختيه، فهند التي هي أم الراوي ماتت جنونا من زوج لا تريده، هذا الزوج الذي أحلت له القبيلة نزواته و غزواته النسائية، و شفعت له جندريته، و التندر بما تظنه النساء عنه، و أخيرا بعد موت هند يتزوج بأختها الأصغر سهلة، التي كانت متمرسة كبرياء و أنفة، لا يجرؤ النظر في عينيها، يتأمل جمالها من بعيد و إن كان قرب المسافات يسمح بأكثر، لعل من العجيب أن يتزوج من الأخوات الثلاث، كونه ابن العم الوحيد، و من منطلق "نرميها للتمساح و لا يأخدها الفلاح "، لم تكن هذه الصورة القبيلة مستجدة فقد رمى فعلا جدها أخته لأن من أراد الزواج منها تركي الذي هو أعلى شأنا من الفلاح، تحكي عن اعتزازهم بأنفسهم و خدماتهم لأخوتهم الشوام، و عن أصولهم التي تعود إلى شبه الجزيرة العربية، و محاولة العودة لأول منزل لكن دون جدوى، تروي حكاية جلب العبيد و كيف أحسن إليهم جدهم الأكبر و أنقذهم من موت محتم، و تفاني هؤلاء العبيد في خدمة السيد، و تغاضيهم عن قتل ابنهم سهم –لقبه- لأن أبا سقاوة قد رآه يبكيها جاثما يقبلها حينما سقطت مغشيا عليها من المرض ظنا منه أنها ماتت، و كيف حلت مشكلة أستاذ المدرسة لتهجمه على العبدة انشراح التي ما تفتأ أن تفارق باب الفصل و تمنع أن يجلس أحد بجوار ابنة سيدها، فقد كان الحل حرق المدرسة، الغضب الجامح منهم على تغيير اسم المدرسة لاسم عبد الحي بعدما كان باسم جدهم. تقوم الحكاية على وصف مصدر عيشهم هو اقتناص الشواهين و الطيور الجارحة و بيعها، و تحكي عن علاقة المستكشف بيركام الذي غيّر اسمه إلى سليمان، في محاولة للتأقلم مع الوضع المستجد عليه و علاقته مع هند و رسمه إياها، و محاولة اكتشاف سر الموت و جمعه للتعاويذ الافريقية بشكل عام المحصنة ضد الموت، و حديثه عن استنساخ الأرواح و محاولة اقتناع آل الشافعي بهذه النظرية و اعتباره مجنونا لا أكثر و في نهاية الرواية يموت عطشا في الصحراء، و فخر البدو بما يصوره المستكشفون من الطيور التي يقتنوها وفرحهم بتعليقات لا قيمة لها، بل لها طابع الخيبة. تروي الحكاية تجبرهم، بـ من لا يعرفهم و يعرف النار الموقودة لمن بصلبه و جلده، و رغم أن زمانهم قد انقضى يظل هذا السؤال حاضرا، لكن دون جلد بل سخرية من حوله من أطفال، و غضب الجيل الجديد من معاملة كبارهم لهذه العائلة بدقة قديمة و مناداتهم بستي و خاصة حين تمر النجدية. الراوي العليم في رواية نقرات الظباء:
اسم ميرال الطحاوي – في حد ذاته – يطرح جدلاً كبيراً ليس على الساحة المصرية أو العربية فحسب، بل على الساحة العالمية أيضاً، فضلاً عن الجدل الذي أحدثته بانفصالها عن جماعة الإخوان المسلمين، وخلع الحجاب. ولكن، كيف تحولت بنت "شيخ العربان" في أقاصي الريف المصري من فتاة بدوية بسيطة تنتمي جذورها البعيدة إلى نجد، إلى روائية تترجمها 15 لغة ؟!. نحن - إذن - أمام تجربة فريدة، تجربة أثرت المشهد الروائي العربي بشكل عام والنسائي على وجه الخصوص بأربع روايات حتى الآن، هي "الخباء" و"الباذنجانة الزرقاء" ونقرات الظباء"، و"بروكلين هايتس" الصادرة قبل أيام. حول هذه التجارب الروائية، وإشكاليات أخرى منها الشخصي ومنها الأدبي، كان هذا الحوار: ................. عالمي الأول هو البيئة القبلية التي نشأت فيها. البدو في مصر، الترحال في ثقافة مختلفة، أوضاع النساء في ثقافة مغلقة واشتهاءات التحرر، الاصطدام الثقافي بين البدو والحضر. كتبت عن ذلك واتهمت بأن ما أكتب عنه جيوب عرقية، وأن ذلك يغذي النزعة الانفصالية!. وأنا لم أختر ذلك في الحقيقة. نشأت في أسرة تنتمي لقبيلة جاءت من مكان ما لا ينتمي لهذه الحاضرة، وظللت أسير في الشوارع الضيقة لقريتي ولا أعرف معنى يلغي هويتي: (ابنة عرب). أنا بنت شيخ العربان، رسمت في "الخباء" البطلة الممزقة بحثاً عن طفولتها وأحلام تحررها. كتبت الكثير من المقالات النقدية عن "الخباء" ربما لأنها صورت عالماً مختلفاً، لكن الأهم بالنسبة لي أنها قدمت تجربتي واختصرتها، وهي تجربة خاصة، وعالم خاص، والخصوصية لا تعني التفرد ولا النجاح، تعني فقط الاختلاف، وما زلت أقامر على اختلاف وتجربتي وأحلم بالكتابة التي تعبر بشفافية عن روحي كإنسانة وككاتبة. ................. أعتقد أن حياتي حافلة - مثل كتابتي – بالتمرد. تمردت على أسرتي باكراً، وتمردت على الكثير من المدارس الفكرية التي انتميت لها، تمردت على الشكل التقليدي للنص، وتمردت كثيراً على نفسي. وأعتقد أن التمرد قلق وجودي يعبر - ببساطة - عن ذات قلقة وطامحة ومليئة بالتوق، ودفعت ضريبة هذا التمرد. كل مرة كنت أدفع ضريبة ما. وحينما أختار شكل الكتابة المتمرد، فهذه أيضاً مخاطرة بالقارئ وبفهمه وبتلقيه لما أكتب. أعتقد أيضاً أن التمرد تعبير عن الذات في مواجهة العادي، مثل اللغة الشعرية حين تكسر التوقع وتخالف المنطق اللغوي لبهجة الكتابة، ولتعميق مفهومك اللغوي. التمرد مثل استعارة لغوية تكسر القاعدة لتخلق الجمال المحض. أتمرد معظم الوقت حين أخلق نصاً جديداً، حين أغفل حسابات وتوقعات الآخرين عني وتوقعاتي عن ذاتي. ................. رواية "الباذنجانة" كانت تعبير عن ضياع الهوية وتشظي الذات وانكسارها المحض. فجأة أحسست أن كل ما آمنت به - للأسف - لا معنى له. الحب والنضال السياسي والعباءة الدينية. أنا آمنت بأشياء كثيرة وصدقت أشياء كثيرة ومثل البطلة حينما تحب وتتعلق بكل هذا الإخلاص فإنها أيضاً تشهد انهيارات متتالية. ولـ"الباذنجانة" الفضل في فتح ملف التيار الديني (السياسي) وتغلغله في الوسط الطلابي في الثمانينيات، ومازلت مشغولة حتى في روايتي الجديدة "بروكلين هايتس" بفهم هذا التحول في المجتمع العربي: كيف انساقت القرى الصغيرة وبيوت الطلبة وأروقة الجامعة بهذا المد الديني؟. بالطبع لا أدين أحد، ولكن أحاول رسم مشهد التحول للإسلام السياسي، وهو مشهد عشته وانزلقت فيه وخرجت منه وأصبحت شاهدة مثل كل أبناء جيلي عليه. ................. لقد التحقت بصفوف الإخوان وأنا صغيرة، ربما في بداية دراستي الثانوية، وتركتهم بعد أن بدأت الكتابة. لم أكن وحدي من لبست الحجاب ثم خلعته، كثير من أبناء جيلي وربما الأجيال السابقة عرفوا الانضمام لتنظيمات دينية أو شيوعية، هذه تجربة إنسانية. وتركت الإخوان لأنني لم أجد ذاتي في صفوفهم، وبعد جدل طويل هم قرروا خلعي ومنعي من الكتابة في مجلتهم. كنت أثير كثيراً من الجدل والتمرد خاصة مع مفهوم السمع والطاعة. ولم أهاجمهم ولم أكتب عنهم ولم يحاربوني. تساقطت مثل آخرين من ذاكرتهم. لكن ظل اسمي على كتاب اسمه "مذكرات مسلمة" كتبته وأنا في الجامعة، وهو مقالات كتبتها بإشراف زينب الغزالي. كنت أكتب ما تريده فقط لأن لغتي قوية وتعبيري الأدبي قوي كما كانت تقول. فأنا سأكون أديبة مسلمة، وبالطبع خيبت آمالها وتركت المستقبل الأدبي الذي خططته لي ولم أعتبر نفسي ضد الإخوان المسلمين، وأعتبر أيضا أن لهم فضلاً عليّ ولم أسئ في لهم يوماً في صحافة عربية أو أجنبية، كنت ومازلت أقول أنا لا أصلح لتغيير وجه العالم بالإسلام، أصلح فقط لأن أكون كاتبة. لكن هذا الكتاب الصغير مازال يمثل جزءاً من تاريخي. هو أول كتاب أصدرته وهم يطبعونه ويوزعونه. ومن ثم أجد الكل يسألني: لماذا لبست الحجاب؟، لماذا خلعت الحجاب؟ لماذا تمردت على الإخوان؟، وأقول: هذه حالة جيل بأكمله، تورطنا في العمل السياسي صغاراً حالمين مع اليمين واليسار، ولكن بعد وقت انطفأ الحلم. هذا ما حاولت رسمه في "الباذنجانة" ومازالت أطالب بتفسيرات لقناعات فكرية فارقتها وفارقتني. وأعتقد أن الاتهام بالشهرة وعدم الشهرة مسألة سخيفة، وأنا لم أقدم نفسي أبداً خارج مصر بهذه الصورة، ومن يجد أي إشارة في أي صحافة أجنبية صدرت مني في إدانة الإسلاميين فليواجهني بها، نحن لا ننشر في الخفاء ولا نكتب في الخفاء، بل العكس صورة الولد المتدين في "الباذنجانة" في منتهى النبل والصدق. وأعتقد أن من يريدون الشهرة يعرفون كيف يثيرون "البروباجندا". أنا بطبعي خجولة ولا أحب المواجهات مع أحد، لكن تجربة الإخوان جزء من تاريخي ومازلت أحتفظ بخطاب طويل كتبه لي عصام العريان (القيادي الإخواني البارز) من معتقله، يناقشني فيه حول روايتي، ولا يرى فيها إهانة للإخوان، بل يرى أنني رسمت الحقيقة بكل الصدق وأنه يحييني على صراحتي الأدبية. ................. "نقرات الظباء" تاريخ عائلي لتأثير التغيرات السياسية خاصة ثورة يوليو على الأسر المتوسطة والأرستقراطية. هي سيرة أنثي ماتت بالحبس في مخفر أسرى. هي تاريخ المخبوء في مجتمع يخفي الكثير من أسراره، ولا أهدف إلى التنبيه إلى شيء، إنها فقط بورتريه لعالم اختفى بكل آلامه وأحلامه. وهي رواية شديدة الخصوصية في تجربتي، وأنا عادة أكتب للكتابة، ليس لي قارئ أو - للأمانة - قارئ رواياتي "قارئ نوعي". ................. "بروكلين هايتس" تجربة معقدة لأنني في الحقيقة أسير على جسر بين عالمين. كان جسر بروكلين قديماً هو المعبر للمهاجرين من المحطة الأولي في حياتهم للانطلاق في باقي الولايات، حملت تلك المحطة أعراقاً كثيرة وأحلاما كثيرة وخيبات ومعاناة القادم��ن، وما زالت تمثل خليطاً بشرياً متعدداً يكشف عن فسيفساء هذه الأرض والهويات المتعددة لهذا الشعب. سكنت في بروكلين وقرأت كثيراً عن حاضرها وماضيها. عبرت كل شارع وزقاق وتخيلت عوالم مضت من هنا. كتبت روايتي عن أحياء وشوارع بروكلين وناسها، وبينما كان الحاضر هو أرض اللاجئين والمهاجرين الفقراء، كانت الذاكرة تسير باتجاه تلال فرعون حيث نشأت البطلة، وبين خيط الذكريات وصدمة الواقع نسجت "بروكلين هايتس" من مخاوفي وذكرياتي وإحباطاتي الكثيرة، وترددت كثيراً في نشر النص، لكن بعد اغترابي ثلاث سنوات في بروكلين كان كل مشهد يحيلني إلى عالمي. وأعتقد أنه لا خلاص بالهرب ولا خلاص بالحنين، إنها رحلة طويلة مليئة بالأفراح والأتراح، بالحزن والشجن، وأنا سعيدة لأن الرواية تلاقي صدى جميلاً، وكتبت عنها أقلام لها مصداقيتها عندي مثل ظبية خميس وشريف حتايت ومحمود الورداني وعزت القمحاوي، وكلهم كتاب كبار ولهم ذائقتهم الخاصة. لتقديم تجاربهم ولتغيير الصورة النمطية عن المجتمع العربي والسعودي بشكل خاص. كما أنني بصدد بحث عن المحرمات السياسية وأدرس عبده خال وروايته "القصر"، أنشرها في الميدل إيست جورنال بجامعة كولومبيا. أعتقد أن الرواية السعودية هامة وهي في صدارة المشهد الروائي العربي. ................. أعترف بأنني أثير حولي الكثير من الجدل، لكنني أعتقد أن الجدل هو نافذة على الحرية، والحرية هي القيمة الوحيدة التي بقيت لي. أتمنى الكتابة حتى الموت لأنها الصيغة الوحيدة لوجودي.
في عام 1996م أصدرت ميرال الطحاوي روايتها الأولى «الخباء» عن دار شرقيات في القاهرة. مصورة بيئتها العشائرية البدوية في الجزء الريفي من محافظة الشرقية.. وفي العام 2002م أصدرت «نقرات الظباء».. معلنة وثيقة انتمائها للبيئة ذاتها.. ومحققة في الآن ذاته..انتماء مطرداً لذلك.. وتنويعاً في التناول السردي.. لتلك المنطقة الريفية المحكومة بالناموس البدوي.. في تجليه الحياتي.. وانتمائه لقانونه الصارم.. فمن تلك المنطقة الصحراوية.. المنفتحة على أطرافها العرقية في شمال ووسط الجزيرة العربية.. تضطلع الرواية لتحفيز ذلك الأفق المغلق على الامتزاج بأعراقه القبلية.. وامتداداته الأجناسية.. عبر رصد للحياة البدوية في تفاصيلها الداخلية المعيشة، وممارساتها العامة المكشوفة.. «هند» الفتاة المنتمية لال منازع من بني سليم.. تتمظهر في الرواية كعلم يشير الى عالم المرأة المستتر في الرواية وتشدها «الأنا» الراوية.. الى عالم الكتابة الظاهر.. والمكشوف.. وتجد نفسها في بيئة بدوية مترفة.. حريصة على انتمائها العشائري.. عبر احداثيات السرد.. وتفاصيله.. وتروم الى تحقيق ذاتها.. من خلال صوت منخفض.. يتوارى في «الكشكول» الذي تدون فيه أسرارها التي لم يعرضها أحد، وإذا دخلت الى الممشى فستجلس على جذع شجرة المانجو الهندي التي يجمعون قطافها أولاً؛ لأنها تنضج قبل الأخرى، أو تقرفص على غابة من أشجار الجوافة التي فر في آخر الدغل، هناك ستراه ممسكا بصدر «فرحانة» التي تتقافز كقردة فوق التراب، ويتأرجح لهاث صدرها، وسط الخرزات التي تنفلت من عقدها..»ص10. وفي هذا العالم المخملي في تجليه السردي، وفي اطار الأفق البدوي، تجد هند نفسها.. محاطة بالعشيرة التي يفتتن رجالها بالصيد.. وتربية الصقور وقنص «الظباء».. والمحافظة على ارثهم العشائري، وتتميز طبقات محيطهم الصغير.. بين النبلاء.. والعبيد.. والخدم! وتقص «النجدية» المربية على هند سيرة هذه العشيرة.. وبطولاتها.. وعلاقاتها القبلية الممتدة الى قبائل شمر وعنزة في الجزيرة العربية..! وأصدقائها من قبيلة مزينة.. فيما يختمر في وعي «هند» طبيعة هذا السلوك الذكوري لرجال قبيلتها.. واندغامها المبطن في سلالة الأسرة العظيمة. فيما تأخذ «الأنا» الراوية.. ضبط السرد.. ** وتتماهى به في هذه الأجواء.. متحققة من صوته المتجذر في فترة تاريخية غابرة.. وتنسج تفاصيله بوضوح وعقلانية.. تتداخل في الأجواء السردية.. متعادلة في سردها بين تاريخ الوجود العشائري وعلاقاته.. ونبض الشخصيات التي يتحقق وجودها في النص. وتشيد تكوينات سردية للحياة البدوية من خلال هند.. ومحيطها الأسري.. وولع ذكورها بهواية الصيد.. واخلاصهم له.. بحيث تصبح علاقة «الصقار» بالصقر.. وتبدي فضاء «القنص» في تلك البيئة. كعلامة على ترفه المعيشي المتحقق من الإرث العشائري الصميم.. «فالصقر» يتجلى عبر الرواية كمحور دال على التكوين النفسي «للباشا» وشريكاً للأمير «لبد» في سفراته الطويلة.. ورحلات القنص المتعددة.. والجوارح.. هي الرفيق المخلص في هذه الرحلات.. وهي دليل الرجولة المرتبطة بدءا بهذه الهواية المعبرة عن علاقة البدوي بأجوائه.. وفضاءات تحقيقه لوجوده من خلالها.. وهذا الحشد من النساء.. والخدم.. والضيوف والمآدب.. يستجيب لمكملات هذا الوجود.. التي تتربى فيه «هند» وتجيد الساردة ببراعة تكوين أجوائه العامة.. وتفاصيله المعيشية. ** فتألف خط السرد الغني،، واستبطانه لأسماء.. وبعض حقائق ذلك التاريخ، يجعل من البنية السردية للرواية.. واحتشاء هذه البنية بالشخوص الواقعية، والأسماء ذات الدلالات والمواقف المهمة في التاريخ الحديث.. يعطي قيمة دلالية صدقية لذلك التاريخ ويعمق أبو جاد مثل هذه الأحداث، التي تكون شخوص الرواية والتي حرصت الكاتبة على ترقيمها بعلامتي تنصيص («») على امتداد السرد.. وتوافق الخط السردي المعلن مع التحولات التاريخية في ذلك الزمن.. والتي لا تظهر تفاصيلها.. بقدر ما تتبدى أسماء شخوصها الفاعلة، مما يثبت مستوى من مستويات التناص بين التاريخي/ والسردي.. في تناغم تهيئه شخوص الرواية بهويتها العشائرية واقليميتها المكانية.. ومدى وعي «الرجال» كقيمة مهيمنة دالة على تلك الهوية.. بأهمية ارتباطها الجهوي بشخوص ذلك الواقع التاريخي.. الذي لا يعني لها أكثر من مستوى أسري نبيل.. وطبقة نخبوية.. تتقاسم معها مجد الارتباط العشائري.. وهواية الترف البرجوازي «الخيل.. والقنص.. والعناية بالجوارح». وذلك المحيط البدوي الذي تنتقيه الكاتبة بعيدا عن المستوى المتداول لقيم الحياة البدوية التي لا يرد تداولا إلا لترسيخ معاني الشظف.. والقسوة والتواضع والبساطة المعيشية..! فبحكم التسلسل الأسري لتلك الطبقة.. التي ورثت جاهها المادي والمعنوي وقيمها المعيشية.. والسلوكية.. لتظل بمنأى عن معنى المدرك المتداول من حياة البادية.. ولتظل مستجيبة بحكم قدرها لقبول المتغير الحياتي، ولانكشاف جزء من العالم المحيط بها لتتبدى أمامه بعلامة فوقيتها المادية ومخمليتها المعيشية.. ولكن في اطار تقاليدها الصارمة. وظلت «هند» هي المعبر والدال على نسج تلك الاستجابة وكما ترد على لسان الآنا الراوية.. ترنو الى تلمس شيء من الامتزاج، ببعض نسيج العالم المجاور من الحواضر المدنية. ** وإن كان المستوى المتواضع يتمثل في الملبس.. وبعض دلالات الخطاب الحواري.. الذي ينم عن ضيق بذلك الدرك من الفرضيات الصارمة.. التي تكتنفها من إرث العشيرة «انشراح» التي في صورة «هند» بثوب قصير وبنطال منقوش، سمراء، عفية ولها صوت فشلت «النجدية» ان تجعله أقل ضجة - يقولون ان الجد منازع اشترى أمها من مكان يدعى «ودمدني». كان ذلك عندما كان عائداً مع قوافل الصمغ وريش النعام والأخشاب المعطرة..»ص45. وتعكس هذه الجزئية الوصفية من السرد.. تماهي الساردة في ابراز حضور الدلالات التي أسلفنا ذكرها.. واستبصار دواخل شخصياتها.. اضاءة لذلك العالم.. الذي يمثل في سريته. وابتعاده عن الحضور العلني، علامة من علامات التخاطب والتعايش بين هذه الأجناس، ينمي معنى نظامه الداخلي ومزاجه النفسي.. فصرامة المحادثة وأدبياتها بين «السيد» والعبيد.. وبين النساء والرجال.. يشي بأنظمة العلاقات الصارمة بين هذه الأجناس.. ** ويعكس دلالات ترتيبها الطبقي.. والحيز الذي يقتطع أجزاء كبيرة من الخارطة السردية لوصف رحلات الصيد.. وعلاقة القناص بالجوارح و«كلاب السلوقي» وعناية «الباشا» بالطير المصاب بالدمامل.. وانتشائه بمنظر الفريسة في مخالب الطير..! وقراءته المتأملة لصور أجداده في صالون البيت الكبير.. يحاكي دلالات السطوة الذكورية.. في نظام مجتمعي محكوم بالماضي.. وشديد الاخلاص له.. وتفاصيل زواج «هند» وانجابها وموتها.. يرصد ماهية العلاقات الانسانية بين عناصر ذلك النظام.. ومحتوى وجوده القيمي.. كما يمثل تعدد الأصوات في النسيج السردي.. وتردد الأسماء «المهمة» في تاريخ العرب السياسي والاجتماعي دالاً على ارتباط السرد بشرعية التاريخ وحقائقه الثابتة.. وعلامة من علامات انتصاره لقيمه وأعرافه.. «ظلت العمة «فاطمة» التي تجلس بجوار «النجدية» تروح وتجىء وتسحق البن والهيل والحبهان والباشا يجلس في تراسة وثمة ضيوف أكثر أهمية، يفرش لهم الممشى بالسجاد الأحمر، ويتحدث عن مولانا الذي يقنص في أنشاص أو قارون، أو وادي الريان وتراقب «هند» وهي تسند رأسها الى فراغ البلكون و«سهلة» تلعب بعرائس قش وقطن مع خادمات صغيرات..»ص43. وعلى مستوى بنية الصياغة.. عنيت الكاتبة بمهارة بتأصيل المد الشعبي في صياغة الحوارات المتبادلة بين شخصياتها. في استكناه دلالة الحكي الشعبي المحلي، المنزاح الى ثقافة البيئة، ولا سيما بين العناصر الأنثوية في السرد.. والتي تجتهد في استنطاق مكنونها النفسي وتجليه عبر ممكنات التعبير السردي.. والذي يحيل دلالياً الى بادية الريف المصري.. بكل ما ينسجم مع طابعه الحميم.. وداله المعبر عن احتدام المواقف النفسية لتلك العناصر.. واحتشادها للبوح برأيها في ذلك المحيط..! محمد الدبيسي
بعتبر ميرال من أحد الكتابات التي لها أسلوب ونمط مختلف لم اقرأ فيه من قبل وبالتالي بعتبرها كاتبة عزيزة كل ذلك اتضح بعد قراءتي لكتاب برقة بعيدة عن المرسال والذي أحببته كثيرا. وعلى آثر نقرات الظباء في الصحراء الشاسعة وبالنجوم التي كانوا يهتدون بها في السماء ويتلمسوا طريقهم عادت بنا ميرال إلى الوراء فمن خلال صورة معلقة على الحائط كانت تبهت بمرور الزمن مثلما بهتت الشخصيات والعادات والأنساب. عرضت لنا تاريخ عائلة من عائلات من البدووكيف إنه الثورة غيرت في أحوالهم وانقسموا لمرحلتين مرحلة بنسب وأصل وفصل ومرحلة بهتت فيها هذه الأنساب كما بهتت الصورة المعلقة على الحائط. أكثر ما يعجبني في أي عمل هي لغته وفي الحقيقة لغة ميرال الطحاوي لها ذائقة وطعم مختلف وقوة رهيبة نابعة من أصول هذه السيدة العريقة.
الرواية أعجبتني وهي أول عمل اقرأه لها بعد الكتاب ولكن شعرت بالتشتت كثيرا أثناء قراءة الرواية. التفاصيل متدخلة بشكل جعلني أحس بالارتباك أيضا الاسهاب في التفاصيل والكلام كان كتير. هي رواية حلوة ولكن أعتقد أنها كان ممكن تكون أحلى. أنا متحمسة جدا اقرأ لها روايات أخرى ومشتاقة لده.❤️
تعرفت على هذه الكاتبة من خلال مادة الأدب العربي المعاصر بكلية الألسن مع الدكتور عيسى الله يرحمه وكانت المادة عبارة عن دراسة أدبية بنيوية عن ثلاث روايات للكاتبة ميرال الطحاوي. ومع ذلك هذه المرة الأولى التي اقرأ احدى رواياتها. من خلال هذه الرواية اعتقد ان الكاتبة لا تتحلى بالقسط الوافر من الاهتمام على الرغم من ثقلها في عالم الكتابة الأدبية بلغتها الأنيقة وعالمها الخاص جدا المنسوج بخيوط سردية رفيعة وغنية بالرموز . عالم الرواية هو البادية المصرية حيث تتشابك شخصيات البادية مع الظباء والنوق والخيل الساكنة معهم وداخلهم. أحداث الرواية قليلة جدا ، هي اقرب لوصف صور من ذاكرة المكان من وجهة نظر شخصية مهرة التي لا تشارك في الأحداث على الإطلاق.
سرد لتاريخ عائلة إقطاعية تنتمي للقبائل البدوية التي استوطنت شرقي مصر. لم أشعر بالتواصل مع الشخصيات أو الأحداث باستثناء الأم التي أصيبت بالجنون وعاشت محبوسة في غرفة طينية حتى ماتت. وصف لتفاصيل كثيرة تشبه العديد من الروايات المماثلة عن العائلة الإقطاعية التي تدهور بها الحال والجدة القوية والبيت الكبير وخلاف ذلك من التفاصيل التي رأيتها كثيرًا في الروايات ذات الطابع الريفي.
تتميز اللغة العربية الفصحى بجمال خاص يضفي على أي كتابة رونق مميز، ولذلك ورغم أن الرواية من الناحية الفنية متواضعة اكملتها بحثا عن هذا الجمال والرونق ولم اجدهما ايضا، ولذلك فاجمالا التجربة غير مرضية من اي جانب ولا انصح احد بقراءتها.
شهادتي في ميرال دائماً مجروحة ، التقييم ده لميرال ولأسلوبها في اللغة العربية أكثر منه للرواية وفكرتها اللي حسيت انها مفتقدة خطوط رئيسية كتير مش واضحة وتفاصيل كتير عن حياة البدو والصحرا مكررة .. الرواية فيها تفاصيل اكتر من الأحداث
لقد قرأت النصف الأول بضمير تام حتى إني أعدت قراءة بعض الفقرات حتى أتأكد أني ما أضعت جزء من القصة التي برأيي ليست موجودة من الأساس ، أما النصف الثاني فلأكون صريحة لقد قمت بتصفحه لا بقرائته. هذه النجمة فقط للغة .
لم تعجبني كثيرا هناك كتاب تكون أشبه بمذكرات للكاتب عن معلومات جمعها ولم يعرف ماذا يريد أن يفعل بها قد تكون المواضيع المطروحة بشكل عام ليست من اهتماماتي ولكنه لم يضف لي شيئا جديدا حقا
تتوشح الكلمات ببطء الصحراء وانسياب الرمال، لتتفتّح الأحداث بتوءدة شديدة. كان يصعب على أمثالي من أصحاب الذاكرة البصرية المدججة بالتصوّر والتخيّل متابعة القراءة دون إنهاك، إذ كنت اصطدم بعدة صور تجاور بعضها بعضًا لا في ألفة ولا في بغض.. بل في تتابع متناقض. في رحلتي بحثًا عن نقرات الظباء والنسوة في هذا العمل، أشقاني الإعياء.. إذ كانت الفصول والصفحات مليئة بالرجال، إن كان ذلك هو المقصد من صورة النساء في البدو، فهنيئًا وإن كنت أغفلت ما أتيت من أجله، فما أشقاني. توالت صفات النوق والجوارح تمامًا مثل الرجال ومنازع… سريعون كالاندروفر متنوعون كألوان الطير. أما النسوة وصفاتهن، كانت تقتصر على القرفصة والتحديق والسموات والنجمات، وتلمّس الزمن في روائح زهر البرتقال والأرض الرطبة.. وشجر الليمون. مقرفصات هادئات متحولات من العنفوان إلى الهدوء.
والنهاية، هل هي كنز فعلًا أم الكنز في الرحلة؟ ماذا إن كانت الرحلة.. منهكة، أيكون ذلك الإنهاك الذي يخلص إليه القارئ هو الكنز؟
نقرات الظباء .....إلى جسدى وتد خيمة مصلوبة في العراء
"ابن مين ياولد"؟ هل مازال ذلك السؤال له أهميته فى حياتنا؟ أم إننا الآن أصبحنا نقول "ها أنا ذا"! وهل البدو هم أصل الحضارة فعلا؟ وهل مازال هناك اناس يعيشون على ماضيهم دون النظر للواقع الذى يعيشون فيه والتغيرات التى تحدث حولهم؟ وهل تتزوج البنت ابن عمها حتى لو كسر ضلعها ؟...هذه بعض من التساؤلات التى عبرت عنها الكاتبة " ميرال الطحاوى " فى روايتها "نقرات الظباء" والتى أكدت فيها ميرال الطحاوى أن لها مشروعها الخاص ورؤيتها الخاصة للمجتمع البدوى، ذلك المجتمع الذى أنحدرت منه وكانت أكثر من غيرها تعبيرا عنه بدقة كما عبر محفوظ بالضبط عن عالمه الذى آتى منه وهو الحارة.
ولأننا كأبناء حضر ولانعرف عن المجتمع البدوى سوى تلك المشاهد التى تنقلها لنا محطات التليفزيون أو بعض الأحاديث من ناس ذهبوا إلى الصحراء وعرفوا قليل عنها، فنقرات الظباء آتت لنا بكل تفاصيل هذا المجتمع القريب منا مسافة وبعيد عنا فكرا، ميرال الطحاوى حاولت... ونجحت بالفعل فى روايتها "نقرات الظباء"، من خلال إعتمادها على السرد التفصيلى والاسترسال المنظم للأحداث أن تنقل المجتمع البدوى بكل مافيه، بدأته من الحديث حول الخيول عن طريق شخصيات الرواية والذين تلحظ طوال الرواية أنهم إناس يعيشون على الماضى ومتمسكين به فيحكون عن"الاعوج" -وهو فرس صغير ولد لفرس من خيول النعمان بن المنذر-، حتى تصويرها لحموم يوم الخميس..." انشراح التى لاتترك غرفة الكانون ليلة الخميس حيث يتحممن ورائحة النار والماء الجاهز وصوت المضخة وتعليق الغيارات على فروع شجرة التوت والجلوس على القش لتمشيط الشعر"، ثم تأخذك الرواية لحاضرالبدو وكيف يعيشون والمشاكل التى يتعرضون لها الآن فهم منسيون فى دولة كثر فيها النسيان ، ولأن الرواية بها كثير عن مشاكلهم ومعاناتهم فإنك بلا شك ستتذكر "مسعد أبوفجر" وإعتقاله بسبب الدفاع عن بدو سيناء.
أهل البدو مازالوا يصرون على تزويج البنت لأبن عمها ويعتبرون أن جسدها عورة فتقول ميرال على لسان أحد شخصيات الرواية " البنت لابن عمها ولو تخلع عينها، وبنت العرب مثل الناقة الطوع مطرح ماتعلقها تبرك، ومطرح ماتسيرها تسير"، حتى ان كانت بعض بنات البدو حاولوا البعد عن المجتمع الآن خاصة المتعلمات منهم ويظهر ذلك فى معاناة هند ونقدها لهذا المجتمع الذى مازال يعيش على الاطلال، واحد من شخصيات الرواية وهو "الشافعى السلمى" لايتذكر سوى ماضيه العريق الذى كان يصاحب فيه الأمراء وأصحاب السمو فى رحلات صيدهم يؤكد فى كلامه دائما أن البداوة اصل الحضارة فعلا حتى أنه يريد إنشاء جريدة شعارها ذلك الاسم رغم رفضه للاستقلاليه.. "امشى مشى أهلك ولو انكسر ضهرك".
الرواية لها بعد ثالث فحتى ان كانت الطحاوى تهتم كثيرا بعالم البداوة الذى نجده واضح جدا فى كل كتاباتها فأننا يمكن أن نسقط مايحدث فى عالم "نقرات الظباء" على مصر كلها لنكتشف ضياع الحضارة الفرعونية جراء عدم الاهتمام بها كما ضاعت الفروسية فى نقرات الظباء، وضياع اشياء أخرى نعرفها جميعا وهو ما نلحظه فى حلقات الرواية جميعا التى تعمق الاحساس بالضياع وفقدان الهوية.
فقط ستتأكد من الرواية أن الكتابة فعلا عند ميرال لاتمثل سوى جسرا بين الثقافات المختلفة، وأنها الحل الوحيد ليس فقط لتحسين صورة الشرق الأوسط والمرأة المسلمة، وانما لعبور كثير من المناطق الوعرة بين الثقافات، وتغيير النظرة النمطية السائدة في الغرب للعرب والمسلمين.
نقرات الظباء .....إلى جسدى وتد خيمة مصلوبة في العراء
"ابن مين ياولد"؟ هل مازال ذلك السؤال له أهميته فى حياتنا؟ أم إننا الآن أصبحنا نقول "ها أنا ذا"! وهل البدو هم أصل الحضارة فعلا؟ وهل مازال هناك اناس يعيشون على ماضيهم دون النظر للواقع الذى يعيشون فيه والتغيرات التى تحدث حولهم؟ وهل تتزوج البنت ابن عمها حتى لو كسر ضلعها ؟...هذه بعض من التساؤلات التى عبرت عنها الكاتبة " ميرال الطحاوى " فى روايتها "نقرات الظباء" والتى أكدت فيها ميرال الطحاوى أن لها مشروعها الخاص ورؤيتها الخاصة للمجتمع البدوى، ذلك المجتمع الذى أنحدرت منه وكانت أكثر من غيرها تعبيرا عنه بدقة كما عبر محفوظ بالضبط عن عالمه الذى آتى منه وهو الحارة.
ولأننا كأبناء حضر ولانعرف عن المجتمع البدوى سوى تلك المشاهد التى تنقلها لنا محطات التليفزيون أو بعض الأحاديث من ناس ذهبوا إلى الصحراء وعرفوا قليل عنها، فنقرات الظباء آتت لنا بكل تفاصيل هذا المجتمع القريب منا مسافة وبعيد عنا فكرا، ميرال الطحاوى حاولت... ونجحت بالفعل فى روايتها "نقرات الظباء"، من خلال إعتمادها على السرد التفصيلى والاسترسال المنظم للأحداث أن تنقل المجتمع البدوى بكل مافيه، بدأته من الحديث حول الخيول عن طريق شخصيات الرواية والذين تلحظ طوال الرواية أنهم إناس يعيشون على الماضى ومتمسكين به فيحكون عن"الاعوج" -وهو فرس صغير ولد لفرس من خيول النعمان بن المنذر-، حتى تصويرها لحموم يوم الخميس..." انشراح التى لاتترك غرفة الكانون ليلة الخميس حيث يتحممن ورائحة النار والماء الجاهز وصوت المضخة وتعليق الغيارات على فروع شجرة التوت والجلوس على القش لتمشيط الشعر"، ثم تأخذك الرواية لحاضرالبدو وكيف يعيشون والمشاكل التى يتعرضون لها الآن فهم منسيون فى دولة كثر فيها النسيان ، ولأن الرواية بها كثير عن مشاكلهم ومعاناتهم فإنك بلا شك ستتذكر "مسعد أبوفجر" وإعتقاله بسبب الدفاع عن بدو سيناء.
أهل البدو مازالوا يصرون على تزويج البنت لأبن عمها ويعتبرون أن جسدها عورة فتقول ميرال على لسان أحد شخصيات الرواية " البنت لابن عمها ولو تخلع عينها، وبنت العرب مثل الناقة الطوع مطرح ماتعلقها تبرك، ومطرح ماتسيرها تسير"، حتى ان كانت بعض بنات البدو حاولوا البعد عن المجتمع الآن خاصة المتعلمات منهم ويظهر ذلك فى معاناة هند ونقدها لهذا المجتمع الذى مازال يعيش على الاطلال، واحد من شخصيات الرواية وهو "الشافعى السلمى" لايتذكر سوى ماضيه العريق الذى كان يصاحب فيه الأمراء وأصحاب السمو فى رحلات صيدهم يؤكد فى كلامه دائما أن البداوة اصل الحضارة فعلا حتى أنه يريد إنشاء جريدة شعارها ذلك الاسم رغم رفضه للاستقلاليه.. "امشى مشى أهلك ولو انكسر ضهرك".
الرواية لها بعد ثالث فحتى ان كانت الطحاوى تهتم كثيرا بعالم البداوة الذى نجده واضح جدا فى كل كتاباتها فأننا يمكن أن نسقط مايحدث فى عالم "نقرات الظباء" على مصر كلها لنكتشف ضياع الحضارة الفرعونية جراء عدم الاهتمام بها كما ضاعت الفروسية فى نقرات الظباء، وضياع اشياء أخرى نعرفها جميعا وهو ما نلحظه فى حلقات الرواية جميعا التى تعمق الاحساس بالضياع وفقدان الهوية.
فقط ستتأكد من الرواية أن الكتابة فعلا عند ميرال لاتمثل سوى جسرا بين الثقافات المختلفة، وأنها الحل الوحيد ليس فقط لتحسين صورة الشرق الأوسط والمرأة المسلمة، وانما لعبور كثير من المناطق الوعرة بين الثقافات، وتغيير النظرة النمطية السائدة في الغرب للعرب والمسلمين.
نقرات الظباء .....إلى جسدى وتد خيمة مصلوبة في العراء
"ابن مين ياولد"؟ هل مازال ذلك السؤال له أهميته فى حياتنا؟ أم إننا الآن أصبحنا نقول "ها أنا ذا"! وهل البدو هم أصل الحضارة فعلا؟ وهل مازال هناك اناس يعيشون على ماضيهم دون النظر للواقع الذى يعيشون فيه والتغيرات التى تحدث حولهم؟ وهل تتزوج البنت ابن عمها حتى لو كسر ضلعها ؟...هذه بعض من التساؤلات التى عبرت عنها الكاتبة " ميرال الطحاوى " فى روايتها "نقرات الظباء" والتى أكدت فيها ميرال الطحاوى أن لها مشروعها الخاص ورؤيتها الخاصة للمجتمع البدوى، ذلك المجتمع الذى أنحدرت منه وكانت أكثر من غيرها تعبيرا عنه بدقة كما عبر محفوظ بالضبط عن عالمه الذى آتى منه وهو الحارة.
ولأننا كأبناء حضر ولانعرف عن المجتمع البدوى سوى تلك المشاهد التى تنقلها لنا محطات التليفزيون أو بعض الأحاديث من ناس ذهبوا إلى الصحراء وعرفوا قليل عنها، فنقرات الظباء آتت لنا بكل تفاصيل هذا المجتمع القريب منا مسافة وبعيد عنا فكرا، ميرال الطحاوى حاولت... ونجحت بالفعل فى روايتها "نقرات الظباء"، من خلال إعتمادها على السرد التفصيلى والاسترسال المنظم للأحداث أن تنقل المجتمع البدوى بكل مافيه، بدأته من الحديث حول الخيول عن طريق شخصيات الرواية والذين تلحظ طوال الرواية أنهم إناس يعيشون على الماضى ومتمسكين به فيحكون عن"الاعوج" -وهو فرس صغير ولد لفرس من خيول النعمان بن المنذر-، حتى تصويرها لحموم يوم الخميس..." انشراح التى لاتترك غرفة الكانون ليلة الخميس حيث يتحممن ورائحة النار والماء الجاهز وصوت المضخة وتعليق الغيارات على فروع شجرة التوت والجلوس على القش لتمشيط الشعر"، ثم تأخذك الرواية لحاضرالبدو وكيف يعيشون والمشاكل التى يتعرضون لها الآن فهم منسيون فى دولة كثر فيها النسيان ، ولأن الرواية بها كثير عن مشاكلهم ومعاناتهم فإنك بلا شك ستتذكر "مسعد أبوفجر" وإعتقاله بسبب الدفاع عن بدو سيناء.
أهل البدو مازالوا يصرون على تزويج البنت لأبن عمها ويعتبرون أن جسدها عورة فتقول ميرال على لسان أحد شخصيات الرواية " البنت لابن عمها ولو تخلع عينها، وبنت العرب مثل الناقة الطوع مطرح ماتعلقها تبرك، ومطرح ماتسيرها تسير"، حتى ان كانت بعض بنات البدو حاولوا البعد عن المجتمع الآن خاصة المتعلمات منهم ويظهر ذلك فى معاناة هند ونقدها لهذا المجتمع الذى مازال يعيش على الاطلال، واحد من شخصيات الرواية وهو "الشافعى السلمى" لايتذكر سوى ماضيه العريق الذى كان يصاحب فيه الأمراء وأصحاب السمو فى رحلات صيدهم يؤكد فى كلامه دائما أن البداوة اصل الحضارة فعلا حتى أنه يريد إنشاء جريدة شعارها ذلك الاسم رغم رفضه للاستقلاليه.. "امشى مشى أهلك ولو انكسر ضهرك".
الرواية لها بعد ثالث فحتى ان كانت الطحاوى تهتم كثيرا بعالم البداوة الذى نجده واضح جدا فى كل كتاباتها فأننا يمكن أن نسقط مايحدث فى عالم "نقرات الظباء" على مصر كلها لنكتشف ضياع الحضارة الفرعونية جراء عدم الاهتمام بها كما ضاعت الفروسية فى نقرات الظباء، وضياع اشياء أخرى نعرفها جميعا وهو ما نلحظه فى حلقات الرواية جميعا التى تعمق الاحساس بالضياع وفقدان الهوية.
فقط ستتأكد من الرواية أن الكتابة فعلا عند ميرال لاتمثل سوى جسرا بين الثقافات المختلفة، وأنها الحل الوحيد ليس فقط لتحسين صورة الشرق الأوسط والمرأة المسلمة، وانما لعبور كثير من المناطق الوعرة بين الثقافات، وتغيير النظرة النمطية السائدة في الغرب للعرب والمسلمين.
الرواية قصيرة جدا علي كل هذا الإسهاب والتطويل والدخول في التفاصيل ، في النص الأول كانت الأحداث بالنسبة لي مربكة ومشتتة وغير مترابطة ، وبعد نصف الرواية تقريبا بدأت الصورة تكتمل في عقلي وافهم إلي حد ما ، لكن يظل التطويل ممل في أماكن كثيرة جدا اربكتني وجعلتني لا افهم الخطوط الرئيسية للرواية التي تسعي ميرال لطرحها ، كنت اتمني لو كان التطويل في مواضيع غير مكررة عن الأنساب والخرافات وغيره مثل مثلا علاقة هند وبيبر اللي اعتقد لو كانت دخلت ميرال في تفاصيلها لقدمت لنا الكثير من الجمال والتواصل اللي افتقدته في الرواية تماما بين أي من شخصياتها، فخرجت الرواية بلا روح، ولأني فعلا بعد ما فهمت حكاية هند قبل الاخر بقليل فقدت شغفي تماما واكملت القراءة بعدم اهتمام ولأن علاقة غرام سرية بين فتاة بدوية جميلة وتبدو متمردة ورسام أوروبي يرسم اللوح العارية ويدخن عاري الصدر بلا اهتمام في بلكونة مضيفة يفصلها عن بيتها سور اشعرتني فعلا انني سأجد الكثير في الصفحات القادمة ولكني لم أجد ، لا شك إن لغة ميرال الطحاوي ثرية وجميلة واعتقد انني يمكن أن استمتع بأعمال آخري لها ، لكن الأسلوب المتقطع والعودة لنفس المواضيع مرة واتنين وعشرة فصلني جدا ، في النهاية الجو الصحراوي وصفته ميرال بشكل جميل لان تقريبا الرواية عبارة عن وصف لذلك فالرواية اقتراح مناسب للي حابين يعيشوا التجربة دي . ملحوظة : في نجمة فقط لعيون وليد طاهر اللي مصمم غلاف النسخة اللي معايا.