لم تكن رواية "البحث عن الزمن المفقود"، إلا جزءاً من حياة الروائي الفرنسي مارسيل بروست، التي يستعيدها من غياهب الذاكرة لتتدفق مجدداً أثناء تناوله قطعة من "المادلين" المغمسة ببعض الشاي؛ لينبعث كل الناس الذين عرفهم والحدائق والقرية والكنيسة والمدينة وضواحيها التي رآها من قدح الشاي؛ بأسلوب التسلسل العفوي، أو الشيء بالشيء يذكر، كما عبرت عن ذلك فرجينا وولف.
ينتمي بروست لكتاب ما يُعرف بتيار الوعي أو التداعي، حتى قيل إن الرواية لم تعد حالها كما كانت قبله، هو وجيمس جويس، حيث مثل هذا الاتجاه ثورة فنية على تقاليد القص الكلاسيكي، بعد انفتاح النص الروائي على الوعي واللا وعي، ما جعل رواية بروست شديدة التعقيد.
وبات للقارئ العربي أن يقارب عوالم بروست الروائية -وقد أقرّ بروست نفسه بأنها شديدة التعقيد وتداخل الأحداث فيها أشبه بـ"ثمرة الملفوف"- مع صدور رسائله في كتاب "رسائل مارسيل بروست" ( دار الرافدين، ترجمة: ربيع صالح)، بـ544 صفحة من القطع المتوسط.
تتيح لنا الرسائل التي كتبها بروست فرصة الاطلاع عن كثب على عالمه، والظروف التي أنتج فيها أعماله، سيما إنه بدأ مشواره كاتبا للمقالات، ثم عكف على ترجمة أعمال الشاعر الإنجليزي جون رسكن إلى الفرنسية، وبعدها أصدر كتاباً يضم بعضاً من مقالاته وأشعاره، بعنوان "المسرات والأيام"، قبل أن يباشر بكتابة عمله الخالد والأشد تعقيدا "البحث عن الزمن المفقود"، والذي توفي قبل أن يكمل تنقيح آخر ثلاثة أجزاء منه.
واجه بروست العديد من المشكلات في حياته، أولها التعب والإعياء المفرط الناتج عن مرضه المزمن، الذي أجبره على الانزواء في عزلة -المرض جعله يستعير صفاته الشخصية ليمنحها لبطل روايته- ثم وفاة والده، ووالدته، ما جعله أكثر انعزالا عن المجتمع. وعلى صعيد الكتابة، فقد واجهت "البحث عن الزمن المفقود" رفض دور النشر لها نظراً لطولها، يقول بروست: "لم تعد دور النشر ترغب في نشر روايات طويلة؛ فضلا عن ذلك، فإن بعض الروائيين يكتبون روايات ذات حبكة موجزة وشخصيات قليلة. إن ذلك بعيد عن مفهوم الرواية الذي أؤمن به".
فالرواية بالنسبة لبروست لا تمثل علم النفس المستوي فقط، إنما هي علم نفس الفراغ والزمن (المادة الخفية التي حاول إخفاءها): "ما يهمني، من كتابة هذه الرواية، هو أن يفهم الناس ما كنت أحاول فعله؛ رب حدث تافه صغير يكشف لنا عن مرور الزمن وانقضائه، وأن بعض الصور الجميلة تزداد جمالا على مر السنين".
وتظهر لنا الرسائل أن بروست كان مترددا بشأن تجنيس كتابه، يقول في أكثر من موضع: إنه "كتاب معقد جدا حتى أني أخشى أن القارئ لن يتمكن من فهمه أو إدراك كنهه على النحو المطلوب". ويرد في رسالة له"لا أعرف إن كنت قد أخبرتك بأن هذا الكتاب هو رواية تتحلل قليلا من ضوابط الشكل الروائي"، و "دعنا نقول إنه رواية، فهو لون من ألوان فن الرواية"، ولا يطلق بروست تسمية الرواية على كتابه قبل الجزء الرابع منه، أي بعد صدور الرواية في حينها.
وتحدث بروست عن روايته قائلا إنها سلسلة من روايات اللا وعي؛ وهي ليست روايات برجسونية (نسبة إلى الفيلسوف برجسون)، بل إنها قائمة على إدراك يتناقض مع فلسفة برجسون"، مبينا أنه "كتاب واقعي حتى النخاع، كتب بأسلوب خاص يقوم على ذكريات الماضي محاكاة لذاكرة غير إرادية (على الرغم من أن برجسون لم يميز بين نوعين من الذاكرة، إلا أنني أعتقد بأن الذاكرة غير الإرادية هي الذاكرة الحقيقية؛ أما الذاكرة البصرية والفكرية فهي لا تقدم لنا إلا نسخة غير دقيقة عن الماضي؛ نسخة لا تشبه الماضي إلا كما تشبه صور الربيع، التي رسمتها ريشة رسام فاشل، فصل الربيع بجماله وتألقه. إننا لا نعتقد بأن الحياة جميلة وذلك لأننا لا نتذكرها، لكننا ما أن نشم عبير الماضي حتى ننتشي حد الثمالة! وعلى النحو ذاته، نعتقد بأننا لا نحب الموتى، لكن السبب هو أننا لا نتذكرهم، وما أن نعثر بالصدفة على قفاز قديم حتى تنبجس الدموع من أعيننا)".
واللافت أن بروست لم يكن يؤثر على شخصياته فحسب، إنما يتأثر بها كذلك: "هل فعلا كنت أظن ذلك، هل كنت أعتقد أن الموت لا يزيل إلا من كان موجودا! لقد عرفت بموت البيرتين (شخصية في روايته)، فلكي يكون موت البيرتين قادرا على كبت معاناتي فإن صدمة وقوعها كانت ستؤدي إلى وفاتها ليس في العالم الخارجي ولكن أيضاً في أعماق نفسي حيث عاشت كما لم تحيا في أي مكان آخر"، مبينا "لكي أنسى البيرتين، علي أن أنسى الفصول التي تشدني إليها، بل وأنسى جميع الفصول، ثم أستعد لكي أتعلمها من جديد مثل رجل تعرض إلى جلطة دماغية وعليه أن يتعلم القراءة والكتابة من جديد. إن الفناء الفعلي لنفسي هو العزاء الوحيد لفقدها. بيد أن موت المرء ليس أمرا استثنائيا، إنه أمر يحدث رغما عنا كل يوم. بما إن تفكيري بها يعيدها مرة أخرى إلى الحياة، فإن خياناتها لن تكون خيانات امرأة ميتة؛ إن اللحظات التي تقترف فيها الذنوب هي اللحظات الحاضرة، ليس لحظتها فقط إنما لحظة ذواتي المتعددة التي تفكر فيها. وعليه، فلا توجد مفارقة زمنية بإمكانها أن تفرق بين اثنين قد اندمجا في كيان واحد".
Marcel Proust was a French novelist, best known for his 3000 page masterpiece À la recherche du temps perdu (Remembrance of Things Past or In Search of Lost Time), a pseudo-autobiographical novel told mostly in a stream-of-consciousness style.
Born in the first year of the Third Republic, the young Marcel, like his narrator, was a delicate child from a bourgeois family. He was active in Parisian high society during the 80s and 90s, welcomed in the most fashionable and exclusive salons of his day. However, his position there was also one of an outsider, due to his Jewishness and homosexuality. Towards the end of 1890s Proust began to withdraw more and more from society, and although he was never entirely reclusive, as is sometimes made out, he lapsed more completely into his lifelong tendency to sleep during the day and work at night. He was also plagued with severe asthma, which had troubled him intermittently since childhood, and a terror of his own death, especially in case it should come before his novel had been completed. The first volume, after some difficulty finding a publisher, came out in 1913, and Proust continued to work with an almost inhuman dedication on his masterpiece right up until his death in 1922, at the age of 51.
Today he is widely recognized as one of the greatest authors of the 20th Century, and À la recherche du temps perdu as one of the most dazzling and significant works of literature to be written in modern times.
"سوف تصل كلماتنا إلى أسماع من لا يعرفنا، إلى إخواننا من الأجيال القادمة الذين لا نعرفهم ولم نلتق بهم، لكنهم سوف يفهمون كلماتنا ويعيشوها."
لقد تحقق ما أردته وتوقعته سيد بروست، ليتك هنا لترى النجاح الكبير الذي حققه كتابك، والذي غير مسار الرواية للأبد من بعدك (حسب اتفاق النقاد). لقد تناولتها بعد مئة عام من رحيلك، ولشد ما أحببتها وتأثرت بها، وحزنت لفراقها. لكم أتشارك أنا والسيدة شتراوس في علاقتنا مع كتابك الباهر، حين قالت: "لا أستطيع أن أقرر إنهاء قراءة كتاب أحبه أو أن أضعه في مكان بعيد عني؛ عندما أضع الكتاب على رفوف المكتبة أشعر بحزن، وأشعر أني فقدته! إنني بحاجة إلى فتحه وقراءته كل يوم!"فمنذ أن انتهيت العام الماضي من كتابك الضخم، وأنا ما زلت أتناوله وأعيد قراءة أجزاء عديدة منه، ولم أكتفِ فرحت أبحث عن كتابات أخرى لك، وما كتب عنك لألتهمه، الله وحده يعلم كم أحبك سيد بروست.
ولكم حاولت كتابة مراجعة عن هذه الرسائل، لكني اكتشفت أثناء ذلك أنني سأكتب عن كل شيء يتعلق بك؛ وسيتحول الأمر إلى سلسلة من المقالات القصيرة المتتابعة، تتناول كافة جوانب شخصيتك وحياتك! كأني أردت قول كل شيء- مثلك- على حد وصف أندريه جيد لرسائلك! فقد وصفها بأن صاحبها: "أراد دائمًا أن يقول كل شيء، كما هو الحال في كتبه، والذي نجح فيه عن طريق اللانهائية من الأقواس والخطوات والتغيرات في المزاج."
لذلك، سأكتفي هنا بوضع مقتطفات من رسائلك، تكشف عن بعض جوانب شخصيتك وحياتك وكتابك. لقد كان قدرًا جميلًا أن أقرأ أعمالك ورسائلك بعد رحيلك بمائة عام/ سيد بروست، دمت قريبًا من القلب، عزيزًا على الروح، عظيمًا في بساطة. وداعًا سيد بروست.❤️
"إننا يجب أن نضع أنفسنا خارج الحقائق وخارج الواقع لكي نتمكن من اكتشاف جمالياته."
– عن السعادة: "لا تتطلب السعادة إلا شرطا واحدًا فحسب ألا وهو إننا لا نعدها غاية بحد ذاتها إنما أن تكون معينا لا ينضب ولا يتوقف… إن طلبنا السعادة على أنها هدف بحد ذاتها فأنها سرعان ما تتلاشى. لكنها كبيرة وغامرة لمن لا يبحث عن رضاه الشخصي إنما يعيش حياته من أجل فكرة ما متحررًا من أغلال الذات."
– أمه: "لطالما رجوت أن تكون منيتها قبل منيتي لكي لا تعاني من الحزن على فقدان ابنها. إنني لا أعرف مقدار القلق الذي يعتريها وهي تظن بأنها على وشك مغادرتنا وتركي وحيدًا في هذه الحياة التي لا أقوى على مسايرة أحداثها، أو مقدار جزعها وهي تظن بأنها ستقضي ما تبقى من حياتها مقعدة عاجزة ضعيفة؛ إن تلك الأفكار تسبب لها عذابًا أكبر."
– والده: "لقد حاولت أن أبدي تجاهه محبة وعاطفة وهذا أقل ما يمكن أن أفعله، فأنا لم أكن قادرًا على أن أرضيه لأنني لم أكن أدرك جيدا بأنني كنت على الدوام بالنسبة له ليس إلا خيبة أمل حياته."
– بعد وفاتهما: "الآن فإنني أجد الحياة حتى في تفاصيلها البسيطة والثانوية شديدة المرارة وبغيضة جداً. الناس الآخرون لديهم طموحات أو أهداف تجعلهم يحبون الحياة ويقبلون عليها، أما أنا فلا طموح عندي ولا هدف أسعى إليه. كل ما كان لدى هو تلك الحياة العائلية التي تحطمت إلى الأبد."
– الحرب: "إن قوى العالم الكبرى تعيش الحرب كما كان الناس في الماضي يعيشون من أجل الله."
– المرض والآخرون: "لقد أصبحت أبتعد عن الأشخاص الذين أعرفهم ولا أبادرهم بالتحية معولًا على القناع الذي زودني به المرض ومرور الزمن لتغطية وجهي به."
"ما زلت أعتقد بإمكانية التحسن والشفاء لولا «الآخرون». أحيانا، عندما أعجز عن جعلهم يفهمون معاناة المرض الذي أعاني منه، يستمر الإرهاق الذي يسببونه لي، شهرا كاملا هذه هي عاقبة التهور الذي يقترفه بعضهم متصورا أنه مصدر لمتعة كبيرة: إن كل ذلك لا يعني لي غير الموت."
"لن أعدد لك كم مرة حاولوا فيها إذلالي إلا أني واجهتهم باللامبالاة التي لا تعبر إلا عن ازدرائي."
– الفن: "إن الفن أسمى من الحياة."
– الأدب: "إن الأدب الزائف، غير الأصيل، ينكمش ويتلاشى؛ أما الأدب الحقيقي فإنه ذلك الأدب الذي يميط اللثام عن الأعماق المجهولة للروح. وكما قال باسكال: «قليل من العلم يبعدنا عن الله لكن الكثير منه يعود بنا إليه». على المرء أن لا يخشى التوغل في الأعماق لأن الحقيقة تكمن هناك."
– الترجمة: "ينبغي بالترجمة أن لا تقدم نصا باردا متنصلا لأصله مفتقدا للأصالة."
– الكتابة، والأسلوب، واللغة:
"إن لكل كاتب لغته الخاصة به كما أن للعازف «طريقته» الخاصة به. إنني أفضل كاتبا مغمورا يجيد الكتابة على كاتب أصيل لا يكتب بطريقة جيدة. بيد أن أصالة الكاتب وأفكاره شرط أساسي من شروط الكتابة الجيدة، والكاتب الأصيل هو من يستطيع أن يخلق لغته الخاصة به التي تميزه عن غيره. إن الوصول إلى درجة الكمال في الكتابة أمر وأرد لا يكون عبر الأصالة فقط ولكن يتطلب أمورًا وعواملًا أخرى.
إن أفضل طريقة للدفاع عن اللغة هي «مهاجمتها»! لأن تماسك اللغة لا يأتي إلا عن طريق تخليصها من مفعول المتناقضات، وحفاظها على ثباتها الذي يخفي بين طياته فعالية دائمة ونشطة. على الكاتب أن يكتب بطريقة وبأسلوب يختلف عن طريقة وأسلوب كتاب الماضي إن أراد أن يقارن بهم. ومن أراد أن يحمي اللغة الفرنسية فما عليه إلا أن يكتب بأسلوب مختلف تمامًا عن أسلوب وطريقة الكتاب الكلاسيكيين. لقد وجد الكتاب الثوريون مثل روسو وهيكو وفلوبير وماتيرلنك وبوسو طريقتهم وأسلوبهم الخاص بهم؛ أما أدباء الكلاسيكية الجديدة في القرن الثامن عشر ومطلع القرن التاسع عشر فقد اصطدموا بالأساتذة الكبار. لم يعد ذوقنا الأدبي يستسيغ أجمل الأبيات الشعرية التي كتبها راسين، بل لم تعد تلك الأبيات مقبولة حتى لو وردت في مجلة أو صحيفة في أيامنا هذه."
"لا يوجد ثوابت حتى في اللغة؛ أو ليس ذلك أمرًا جيدًا؟ قد يكون أسلوب أو تركيب لغوي ما جميلًا لكن الجمال الحقيقي في اللغة هو أن تحمل اللغة بصماتنا، بصمات أسلوبناء وذوقنا، وشكنا، ورغباتنا، وضعفنا."
– التصنيفات الأدبية: "!ما الداعي إلى تصنيف المبدعين في مدارس واتجاهات طالما أننا نفهم ما يكتبون أو ما يريدون إيصاله إلينا؟ إضافة إلى ذلك، ليست مهمة المدة الزمنية التي تستغرقها مدرسة ما، لأن ذوق المبدع وإبداعه دائماً ما يكون أكبر وأوسع من أي إطار زمني."
"إن كل فن أو شكل فني يسعى إلى استكشاف قوانين الحياة، أو ينير عتمة ما، أو يلقي ضوء على المجهول ويمنحنا معرفة أعمق فهو قيم وحري بنا أن نسعى إليه ونأخذ منه. إذن لا فرق بين الروايتين، فرواية المغامرات هي نفسها رواية الاستبطان؛ لم يختلفا إلا في التسمية. إن الذات البشرية هي محور جهودنا وأعمالنا وهي الكيان الذي نسعى إلى إلقاء الضوء عليه والوصول إلى مزيد من الاكتشافات فيه، اكتشافات تبدو لنا أحيانا إنها خارجية، لا علاقة لها بأعماق النفس البشرية.
– روايته الخالدة/ بحثًا عن الزمن المفقود:
"إنني أجد قسوة في كتابة هذا العمل على الرغم من صعوبة تقييمه بسبب . ينطوي عليه من تعقيد. لا أعرف كيف أصف هذا الجنس الأدبي، فبعض أجزاء الرواية تدور أحداثها في الريف، وبعضها الآخر في أوساط اجتماعية معينة، وبعضها في أوساط أخرى مختلفة من المجتمع، بعض الأجزاء تتعلق بالحياة العائلية، أما القسم الأكبر منها فهو بذيء وغير لائق بشكل فظيع."
"… إن بعض الروائيين يكتبون روايات ذات حبكة موجزة وشخصيات قليلة. إن ذلك بعيد عن مفهوم الرواية الذي أؤمن به. ثمة هندسة مستوية وهندسة الفراغ وعليه فإن الرواية بالنسبة لي لا تمثل علم النفس المستوي فقط إنما هي علم نفس الفراغ والزمن. إنني أحاول أن أعزل هذه المادة الخفية، الزمن. لكن لكي أفعل ذلك لا بد من استمرار التجربة. ما يهمني، من كتابة هذه الرواية، هو أن يفهم الناس ما كنت أحاول أن أفعله؛ رب حدث تافه صغير يكشف لنا عن مرور الزمن وانقضائه، وأن بعض الصور الجميلة قد ازدادت جمالًا على مر السنين."
… إن روايتي هي سلسلة من روايات اللاوعي… لا تكشف لنا الذاكرة الحرة، التي هي ذاكرة مشاهداتنا المتسمة بالذكاء والإدراك، إلا عن سطح الماضي ومظهره الخارجي دون حقيقته أو جوهره؛ إلا أن رائحة ما أو مذاقًا ما، نستعيده تحت ظرف مختلف تمامًا قد يستحضر الماضي رغمًا عنا فنشعر باختلاف هذا الماضي، عن الماضي الذي كنا نظن أننا نحمله في ذاكرتنا والذي رسمته لنا ذاكرتنا بطريقة رديئة باستخدام ألوان زائفة…
"… تأتى هذه الذكريات غير الإرادية طوعًا بإلهام من تشابه بين لحظتين من لحظات الزمن يصل حد التطابق، لذلك فهي، أي تلك الذكريات، الشيء الوحيد الممهور بمهر الأصالة. ثم تسترجع الأشياء لنا بنسبة دقيقة من الذاكرة ومن النسيان. وأخيرًا، وبعد أن تجعلنا نشعر ونتذوق الإحساس ذاته، تحت ظروف مختلفة تمام الاختلاف، فإنها تجرده من سياقاته كلها لتمنحنا جوهر الزمن."
"إن روايتي ليست عملاً استنتاجياً؛ لقد كانت مشاعري وأحاسيسي مصدرًا لكل عناصرها التي لمستها وأحسست بها أولاً في أعماق نفسي من دون أن أفهمها، ثم بذلت كل جهدي لأحولها إلى شيء واضح ومفهوم."
"إن التعب والإعياء المفرط جعلني أستعير صفاتي الشخصية لأمنحها لبطل روايتي دون أن أحاول ابتكار صفات شخصية، لكن… لقد صورت الكثير من الأشياء المختلفة في روايتي إلى درجة أن القراء لن يعتقدوا أن كل شيء فيه هو تصوير لنفسي وحديث عنها."
"بعض الأحداث وبعض الشخصيات في روايتي تحاكي أحداثًا وشخصيات أعرفها، موجودة على أرض الواقع؛ لكني مع هذا، أؤكد أن الشخصيات والأحداث والرواية هي من نسج الخيال، ولا يوجد مفتاح محدد للنفاذ إلى باطن الشخصيات وإماطة اللثام عنها."
– الموت "إنني أؤكد لك أن الموت لم يعد ضروريا لإيقافي. لقد كتبت هذا العمل بدقة شديدة، حتى أن الفصل الأخير من الجزء الأخير كتب بعد الفصل الأول من الجزء الأول، وكل ما جاء بينهما جاء متعاقبا متسلسلا، ولكن قبل فترة طويلة من الزمن."
المراجعة والإضافات: "بما أنك وجدت في كتبي شيئا ذا قيمة وكنت سعيدا بذلك فأنني اؤكد لك بأن هذه القيمة إنما هي وليدة المراجعة والتمحيص وما تسفر عنه من إضافات أرى أنها ضرورية؛ إن هذه الإضافات هي ثمرة ما أمتلك من تجربة وخبرة أدبية."
– نشر الرواية: "لتجنب الدخول في مشاكل ومحن مع الناشرين وطلبات بإجراء تغييرات على الرواية قررت طبع الرواية ونشرها على حسابي الخاص. ولن أكتف بذلك فقط إنما سوف أترك أي أرباح، قد تأتي من الرواية، للناشر ولن أشاركه فيها، ليس لأني كريم ولكن لجعله راغبا في نجاح الرواية وساعيا لذلك."
"قد يرى الناس غرابة في موقفي هذا من استعجال لنشر كتابي في مدة شهر وأنا الذي لم أكتب شيئًا خلال عشرين سنة، وكأنني شخص تعوزه اللياقة ويفقد توازنه أمام إغراء النشر والشهرة. لدي إحساس ��وي بأن الكتابة هي الشيء الأهم من حياتنا وأنفسنا على الرغم من أنها مصدر لكل كتاباتنا، وعليه فأنني أرى أن تجشم العناء من أجل ذلك أمر طبيعي، كما يشقى هذه الأمور الأب ويتعب من أجل أبناءه. بيد إني لا أسمح لنفسي بالخوض في هذه الأمور التي تهمني مع الأشخاص الآخرين."
روابط بعض الرسائل التي نشرتها كاملة: 1- من وإلى أندريه جيد:
2- رسالة كتبها مارسيل بروست ردًا على سؤالين أرسلهما له محرر المجلة. - هل مازالت للكتابة مدارس قائمة في عصرنا هذا؟ - هل ثمة معايير نميز على أساسها بين الرواية التحليلية ورواية المغامرات، وما هي تلك المعايير إن وجدت؟
Yazmak için yaşamış,ölümüne yazmış Proust. Bu kez o büyük bir yazarı değil de kırılgan bir ruhu, bir edebiyat emekçisini, haksızlığa uğramış, anlaşılamamış bir dehayı okudum. Kalbim sızladı...
Proust'u GERÇEKTEN çok merak edenler okusun bunu derim ben. Günlük hayatını, tepkilerini, dertlerini, aklına takılanları vs. Elbette Proust Proust olduğu için yine de güzel metinler ama tabii roman ve denemelerindeki lezzet yok maalesef. Sonlarına doğru Kayıp Zamanın İzinde'yle ilgili gelişmelere dair yazdığı mektupları takip etmek ilginçti; ben zevk alarak okudum ama zaman zaman çok tekrara düştüğü muhakkak mektupların. Böyle.
وقفت عند صفحة 200، بالأول كنت منبهرة قديشه لطيف، بس بعدها حسيته متملق لهيك ما حبيت أكمل قراءة الرسائل، ممكن حكمي غلط، بحالة كملت قراءة بكتب ريفيو أوضح.
"دون الشعر تبدو الحياة قاحلة مجدبة وإنْ كانت شرفتها مكتظة بالأحاديث ودخان السجائر."
"إنني أرى الآن أنَّ الحوادث الصغيرة التي كانت مصدر سعادتي في الحياة أصبحت مترعة بالألم."
"إنَّ غروب الشمس لا يعني أنَّ الفجر ليس جميلًا. ليس بوسع الرسام أنْ يرسم كل شيئ في الوقت نفسه."
"الناس هم الناس ولن يتغيّروا، وإنّ مقتنا لهم لن يجعلنا قادرين على تغييرهم."
"إنَّ والدتي، التي تحبّنا حبًا جمّا، لا تعرف كم تقسو علينا عندما ترفض أنْ تعتني بنفسها."
"بعض الأشخاص يتمتعون بذكاء فطري وبعضهم يحاول أنْ يتذاكى الأمر الذي يزيده غباءً."
"أحبُّ ما تكتب لكن عليك أنْ تكتب ما تحب."
"رُبّ حدث تافه صغير يكشف لنا عن مرور الزمن وانقضائه."
"لقد وجد بتهوفن العزاء في محاولته، عبر الموسيقى، تصوير تغريد الطيور التي لم يعد بإمكانه سماعها. وعلى الرغم من أنني لا أمتلك عبقرية بتهوفن، ولا أمتلك أي موهبة، إلّا أنني أحاول أنْ أؤلف سمفونيات بطريقتي الخاصة وذلك عندما أصور، عبر الكتابة، ما لم أعد قادرًا على رؤيته."
"إنَّ معارضة الأشخاص الذين ليس لهم القدرة على فهم ما تنجز إنما هي أقل قسوة من المعاناة التي سببها لي الأشخاص الذين كنت أتوقع أنهم يفهمون كتاباتي."
"لا يظهر من شخصيتي للناس إلّا قشرتها الخارجية ولكن عندما أكون وحيدًا، مختليًا بنفسي، فإنني أعود إلى أعماق ذاتي حيث أرى بصيص ضياء."
"إنَّ معرفتنا بالعناصر الأساسية التي تتكون منها أرواحنا لم تأتِ بفضل ما نمتلك من ذكاء إنما من خلال ردود فعلنا المفاجئة للألم."
"أعتقد أنَّ علينا أنْ نكون شجان بما يكفي لكي نفهم معاناة الآخرين."
"إنَّ الفن هو التضحية الأبدية من أجل الوصول إلى الحقيقة."
"أنْ تعيش مع أحزانك وأتراحك يعني تحويل معاناتك القاسية المريرة إلى تأملات حزينة مضيئة تُنير الظلام."
"علينا أنْ نتحدث عن الأشياء الصغيرة البسيطة وندع الفلسفة إلى العزلة عندما نختلي بأنفسنا."
الصراحة اني لجأت للكتاب للإطلاع على بروست قبل ان اقرا له روايته الشهيرة الطويلة بعدما حفزني عليها صديق أثق بمطالعاته وانا التي لاأميل عادة للروايات الطويلة تعرفت عليه ، تبدو الرسائل مرتبة بحيث تحاكي سيرته الحياتية مللت قليلا لشعوري بتكرار معاني بعضها ولكن ذلك لكن يقلل من حماسي لروايته :) وبس والله