“مشكلة الشر”، أو “معضلة الشر” هي آخر أسلحة دين الإلحاد لنقض حقيقة الإيمان بالله. وخلاصة هذه المشكلة هي تعذّر الجمع بين الإيمان بإله عليم وقدير وخيّر من جهة، والإيمان بوجود الشر من جهة أخرى. هو اعتراض يزعم الملاحدة ألّا جواب له رغم سيل ردود الفلاسفة والثيوديسيين في قديم وحديث. ونحن وإن كنّا نوافق الملاحدة أنّ الكثير من الأجوبة المطروحة معيبة وقاصرة، إلا أننا نزعم أنّ الجواب الإسلامي هو وحده القادر على أن يخمد وساوس الشبهة وينشئ في عقل المؤمن بخالق تناغمًا رَضِيًّا في تصوّرة الكوني الأكبر دون تضاد نكِد بين خالق كامل الصفات، وشرّ نكِدٍ جارح يعكّر على النفس أوقات صفوها. يقدّم الكتاب جوابه على الاعتراض الإلحادي بما يسمّيه المؤلّف: “ثيوديسيا الحِكَم التكاملية”، وهو بذلك يثبت قدرة الطرح الإسلامي على جواب الشبهة دون الاكتفاء ببيان فسادها، كما يزعم أنّ شبهة الشرّ هي في حقيقتها برهان للإيمان بالله من أكثر من وجه.. ولعلّ أهم ما حفد الكتاب لبلوغه هو فكّ اشتجار الشبهات الداخلية ضمن الشبهة الكبرى، وعرضها مرتبة في قالب استشكالي، فمشكلة الشر هي في الحقيقة مشاكل: مشكلة منطقية، وأخرى برهانية، وثالثة تتعلّق بالشر المجانيّ. والشر هو في الحقيقة شرور: شر طبيعي، وآخر أخلاقي، وأخير ميتافيزيقي. ومن أهمّ ما سعى إليه المؤلّف هو أن يكشف للقارئ المسلم الصيغة الأحدث لهذه الشبهة كما هي في كتابات أئمة الإلحاد الفلسفي: (جاي ماكي) و(يليام رو)، وما انتهى إليه الجدل الفلسفي حولها في الغرب، وهو ما يمهّد للقارئ سبيلًا أيسر لفهم طبيعة هذا الجدل، والموقع المتميّز للطرح الإسلامي فيه. كما يجد القارئ الذي لا يهتم بتشقيقات الفلاسفة جوابًا لما قد يستشكله من وجود شرور شائكة في كون صنعه إله رحيم. ورغم أنّ الموضوع معقّد، ووعر، فقد سعى المؤلّف جهده إلى أن يبسطه على صورة تتيح للقارئ غير المتخصص في المعارف اللاهوتية والفلسفية أن يدرك دقائقه ويخترف ثمرته بأيسر سبيل ممكن. فما هي مشكلة الشر تفصيلًا؟ وما هو موقعها في الطرح الإلحادي الغربي حيث للإلحاد مكتبة ضخمة ترفد العالم بكلّ شبهة؟ وهل حقًا تبطل شبهة الشر نفسها من داخلها؟ هل خلق الله الشر؟ أم…؟ كيف تتعلّق مشكلة الشر بصورة جوهريّة بمعرفة حدود ملكة الإدراك البشرية وآفاقها؟ لماذا سقطت شبهة التصادم (المنطقي) بين خيريّة الله ووجود الشرّ، في الغرب؟ ما هي شبهة: الشرّ المجانيّ؟ وكيف ينظر إليها المسلم من خلال تصوّره الكونيّ الأكبر؟ ما هي أصول الحلّ الإسلامي الذي طرحه المؤلّف تحت اسم “ثيوديسيا الحِكَم التكاملية”؟ وأين يفارق أهم الأطروحات الأخرى؟ وأسئلة أخرى تجد جوابها الوافي في الكتاب بإذن الله…
يا الله كم رافقني ذلك الكتاب في أيامي الماضية ..كم قطارا ركبنا معا وكم ملاحظة دوننا معا وكم معركة فكرية خضناها معا وكم وكم .. اليوم بعد أن انتهي الكتاب , أحسست وأنا في طريقي للجامعة بأن شيئا ينقصني ..بشدة سأشتاق لك يا دكتور سامي :) .. حاولت إختصار كل ما يجول بخاطري وما رأيت الكتاب يدور حوله في تلك النقاط السبع إن شاء الله . لنبدأ إذاً بسم الله
مقدمة يبدأ الكاتب أولا في إستعراض وجهات النظر والنقيض لها وعمق المشكلة وتفرعاتها ..ثم عنوانيها الرئيسية والثانوية .ثم يبرز أقوال السابقين ورده عليهم .ثم يطرح رأيه ويؤكد عليه بقول القرٱن والسنة ..وهذا كله تحت لواء العلم والمنهجية والثقافة منقطعة النظير لدي السيد سامي :)
هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين .وهاكم برهاننا وإنا بإذن الله صادقون
1_ الإنسان ومشكلة الشر
-لقد تحولت أمال الإنسان في أن يعيش في تآلف مع حقيقة العالم إلي أن يدخل في صراع مع الكون ليشبع رغباته ونهمه لجمع الترف واللذات فقط، تحول.العيش بين أغرض الحياة إلي العيش بوسائل الحياة ،التي يستعظم علي نفسه فيها أن يدفع من سعادته ضريبة ولو بسيطة من الألم ..نبتت مشكلة الشر بكل جوانبها والتي تعد قشة أخيرة يتمسك بها الملاحدة ولكن.تميزت مشكلة الشر عن باقي أسباب الجحود أنها تحتاج لدلائل وقرائن بصورة منطقية فهي ليست سؤال بسيط وجواب وإنتهي الأمر ..ولكن المشكلة أن الملاحدة أنفسهم ما انفكوا يحصلون علي أجوبة لأسئلتهم حتي نجد سيلا من أسئلة أخري جديدة .. عجزنا عن معرفة الشر وإدراكه وإدراك مرادات الله في هذا الكون وعدم تمييزنا بين الخير والشر ونتائجه كان هو الذريعة لتولد التساؤل --------------------------------------- 2_وليدة الشر
لم ولن يكن الشر وليدة نقية بذاتها .بمعني أن الله لم يخلق الشر خالصا .الشر وجوده ناتج من فساد الخير كصدأ الحديد مثلا أصله معدن سليم .العفن أًصله شيء ناضج إلخ ." نحن نتسائل عن الشر لأننا نراه نشازا ولأننا نري الخير هو الأصل المتأصل .ولأننا كائنات أخلاقية تم زرع بها بذور المحبة والإيثار والرحمة مما يتنافي مع فكر الملحد من زاويتين :
أ-الكون المادي لا يعرف قيمتي الخير والشر لأن الطاقة وقوانينها لا تعرف الرحمة والمشاعر .تلك الأشياء هي زرع نفسي غير مادي وضعه خالق بداخلنا، كونك الإلحادي والطاقة التي تزعم أنها أوجدتك لا تعرف تلك القيم ..
ب-الخير له أوجه كثيرة للغاية والشر بالنسبة لأوجه الخير في العالم يعد قليلا جدا مقارنة بالخير ومهما تشعبت الشرور يمكننا إحصاء أوجهها بسهولة ..القانون المادي والكون المادي والطاقة التي تسبح في عالم من الفوضي والصدف لا يمكن لعبثها أن ينشأ وجودا يغلب فيه الخير كما نري .لأن نظام المادة يؤوول للفساد دائما .إلا إذا كان هناك تدخل بعوامل خارجية وقصدية ...
إلا بوجود خالق واحد لكون تتعدد فيه النعم ---------------------------------------
3_الغاية من وجود الشر والألم
تعلمت في المدرسة أن التضاد يبرز المعني ويوضحه . كذلك الشر يبرز قيمة الخير ويعطي قيمة له حيث أننا لن نعرف عدة معاني بدون وجود الشر ..لن ندرك معني الصحة والعافية بدون وجود المرض .لن ندرك وجود الراحة إلا بعد التعب .لن ندرك أن هذا اللون أبيض بدون وجود النقيض له .. الألم يجعلك أقوي ..فكل خبطة تعلمك أن تكن أكثر حذرا .تُكون شخصك وتشكل روحك .. كم من أناس ساهمت الحروب في تعليمهم أسس التعاون والأخوة والإيثار والمحبة ..كم من تجربة ألم خرج منها الإنسان شجاعا ومتحديا ومتزنا ؟ ؟ كما أن الشر ضروري لتنبيه الإنسان لحقيقة هذه الحياة وحجمها الضئيل فتكشف له وجهها الاخر التافه فترده إلي وعيه وترفع عنه المخدر والسراب الذي يعيشه.
الإرادة الإلهية تريد أن تنتشل التائه والغافل من طريق الغفلة والتيه
إذا خُيرت بين الألم واللاشيء ...سأختار الألم :) ---------------------------------------
4_ حصر أوجه الشر
ليس للملحد الحق في القول أن اوجه الشر تخرج من باب الحكم الإلهية جميعها لذا لا نستطيع القول إذا أصيب أحدهم بمرض معين أنه لا توجد حكمة من وراء ذلك قد يكون المرض تكفيرا لسيئات هذا الشخص إختبارا له عقابا له إعداده لمرحلة أخري من حياته إلخ من أوجه الحكم هل للملحد بأن ينفي أي وجه من تلك الأوجه ..هل له أن يجزم بأن الشر الذي يحتج به علي وجود خالق خارج عن أبواب الحكمة ؟
لذا لا يتم نفي وجود حكمة وربط من وراء كل شر كما أننا لا نستطيع أن نقيم كل الشرور بأنها شرورا لأنه كم من مرة حسبنا شيئا ما شرا فوجدنها خيرا لنا .. وكما أننا لا نحيط بواقع الشر من كل جوانبه ولا صلته بما قبله أو بعده إلا قليلا
إن الكثير منا لم يري الحكمة من نواقص نغصت عليه حياته وكم تبرمت نفسه وتذكرت حدوثه كل حين ..وإذا بالأيام تمر، لتنفتح، أمامنا بصيرتنا ونجد أننا كننا بأمس الحاجة لحدوث هذا الشر –من منظورنا- ---------------------------------------
5_آلام الحيوانات والشك حول شر مجاني
تلك النقطة في الربع ما قبل الأخير كانت عظيمة بشدة أورد فيها أننا لا نعرف ولا نلم بكل جوانب الألم لدي الحيوانات .. بالتأكيد الحيوانات تتألم ولكن بشكل أدني من الإنسان بكثير الحيوانات لا تحمل بداخلها ألم التجارب والمراحل والذكريات التعيسة ..الحيوانات ليست مكلفة بالعمل وغير عاقلة ووهبها الله الخير بغير جهد هل للمعترض بأن ألم بكل جوانب الجزاء الذي أعطاه الله للحيوان وقياسه بحجم الألم الذي تعرض له الحيوان ؟ وجوانب أخري أشمل وأجمل أوردها ص172 خصوصا ---------------------------------------
6_ تدخل الخالق لمنع حدوث الشر
إن وجود السنن الكونية الطبيعية المستقرة وثبات نواميس الكون وأنظمته والسماح بوجود شر مقابل الخير ما هو إلا إشارة للإاردة الحرة لذا إن العالم الذي تتعطل فيه النواميس كل حين حيث تتدخل الملائكة لإنقاذ الغزلان من خطر الحرق حية وبأن تتلاشي الكائنات المهجرية من فوق جلود الحيوانات بصورة سحرية وبأن تختقي الخراف من أمام الأسود بقدرة خفيى هو عالم تعمه الفوضي !! هو عالم معيب ،وعالم ينافي قانون الطبيعة أو العلاقات المنتظمة المتتالية والسببية والأحداث المتوالية .إن عالم بلا ناموس أو قانون مستقر هو عالم لا معني فيه لإرادة حرة ولا اختيار
-إن تحول العالم إلي تلك الفوضي وتلاشي كل تلك القوانين سيترتب عليه أنه لن يملك الإنسان بأن يعرف الخالق وثمرة الكون ونظامه لأن الفوضي العجيبة لن تورث في النفس إلا الحيرة.
-إن تصور وجود إله يتدخل بصورة مكثفة لفض الشرور عيانا يعني أن هذا الخالق قد خلق عالما فاسدا فاحتاج للتدخل كل حين بلا توقف ليصلح ما أفسد ..وهذا تصورمتناقض. -------------------------------------
7_ المدينة الفاضلة والكائن الكامل
من قال أن عالمنا جنة .لم يخلق الله هذا الكون بدون نقص أو مرض أوعثرات ليس من المحتم لكمال الله عز وجل أن يخلق عالما كاملا فدواعي الخلق متعددة كما أن أشد الزعامات حول قضية الشر تنفي صفة واحدة من الخالق ولا تنفي أبدا وجود الخالق وإن تصور العالم الأفضل تصور ساذج لأن للحسن درجات لذلك عدم وجود كون كامل مثالي ينافي وجود خالق هو تصور هش .
ولو تسأل عن عدم خلق كائن كامل فأقل لك ان الله خلق المَلائكة بالفعل .ولكنك أنت الانسان حر الإرادة ... لكان تصورا سخيفا أن يخلقك الله لتصنع الخير فقط ومُوجٓه للخير فقط .. أين الإختبار إذن ؟ أين إرادتك إذا ؟
إما أن تسلم وجهك لله أو تعرض وتكابر وتعمي عينك عن كل دلالات الخالق الواحد لك حياتك بطولها وعرضها فانظر ماذا تفعل :)
---------------------------------------
خاتمة هل نتخيل حياتنا بدون شر ؟ ولكن قبلها لنسأل أنفسنا هل نقبل أن نعيش بلا معني ؟. هل توجد غاية حقيقية من وراء عالم معصوم ؟ أليست الحياة تحدي وصمود ضد الألام ؟ أليس عجز الإنسان عن تغيير الواقع سيؤول إلي تفشي العدمية والخواء وعدم وجود معني للحياة ؟
-أن بحث الإنسان عن معني للوجود وعن قيمة للصواب فيه وعن صور العدل في الموازين وعن الغاية الكبري لحياته دليل علي رؤية الاستقامة كأصل للوجود إن الإلحاد انتحار عقلي مغرور وسقوط لزج في طريق يقود الي اللانتيجة هو جواب لا معني له علي لسان نفس تائهة عن حقيقة الوجود ..
هل ستنتهي الحياة عند المقبرة والعفرة فعلا ؟ هل كل مظلوم لن يحصل علي حقه ؟ هل سينجو الظالم من العقاب ؟ هل الحياة مسرح سينتهي بفصوله الأولي ولا توجد خاتمة له ولا عبرة بالنهاية حتي :) ؟؟؟ حقا ؟؟
(وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر)) اللهم اعز الإسلام بأمثالك يا دكتور سامي .. أِشكرك بشدة لأنك أجبتني علي عدة أسئلة نهشت عقلي .. الله يحميك .. وما زالت معركة الحق لم تنتهي ! بإنتظار المزيد .. :)
مطرقة الشر الذي يضرب بها الملاحدة مسائل الألوهية، وربط لا عقلاني بين معضلة الشر وعدم وجود خالق لهذا الوجود، هي أبرز ما كان يثور في القضية الإلحادية السالفة .. وقبل توارد الردود المفحمة من قبل الكتب الغربية نفسها بالتفصيل والنقاش.
تقريباً .. لم يعد لهذا الجانب نفس القوة القديمة في الطرح، ومع تتالي الكشوف العلمية في تحجيم هذا الجانب أيضاً .. خفت البريق الجدلي وسقطت جاذبيته.
هذا الكتاب لا يخطو على نهج الكتب التقليدية في المكتبة الإسلامية .. بل ينتقد كثير من مناهجها في الرد والإقناع.
يغلب على اسلوبه الحوار العقلي، والفلسفي المنطقي .. مع التقريب لوجهة النظر الإسلامية وفكرتها الأصيلة عن الوجود والحياة.
أجد أن الكتاب استوفى المسألة المذكورة استيفاء شامل، ومن محاور عدة .. مع محاولة جيدة في انتهاج الحياد.
لا تكاد تقع على كتابات لملحد أو متشكك غربي ألا وتجد كتبه غاصة وطافحة بما يسمى بمشكلة الشر وهي من أكثر ما يستند إليه الملاحدة في إلحادهم على المستوى النفسي، صحيح أن النظريات العلمية مثل التطور وكذلك دراسة مقارنة الأديان كانت وماتزال العماد الرئيسي للإلحاد حسب زعمهم، ولكن دائماً ما تلاحظ في ثنايا كتباتهم مايشير بطريقة فاضحة عن السبب الباطني والدافع الحقيقي للإلحاد ألا وهي مشكلة الشر بمنظورها التقليدي والحديث ..
ما لا يخبرك به الملاحدة وبشكل متقصد كما يبدو، وجود مفهومين من مفاهيم التي تتعلق مشكلة الشر، الأولى هي التقليدية والتي زعم ديفيد هيوم نسبتها إلى أبيقور وهي المشكلة التي تقتضي بما أن الإله كامل الإرادة وكامل القدرة أيضاً هو الخير المطلق فلماذا يسمح بوجود الشر في العالم ولماذا لا يعمل على تغييره إذا كان حكيم مع مطلق القدرة وهو في ذاته خير، زعموا أن هذه الصفات لا تتساوق مع الشر الموجود في العالم وهناك تناقض واضح بين صفات الإله والعالم ، وبما أن العالم مليء بالشر، إذاً الإله غير موجود.. وهذه الفرضية الإلحادية لم يعد يقر بها فيلسوف ملحد يقر بأبسط قواعد الفكر، لأنهم أولاً قد حددوا مفهوم الشر بإطار مغلق ومعرفة مطلقة بحقيقة الشر، وثانياً لا ينفي وجود إله خالق ومع ذلك غير عادل مثلاً أو ليس له كامل القدرة.. فتغدو هذه الفرضية مثقوبة ولا علاقة لها بوجود الله وليست دليلاً على نفي الوجود،، بل أقصى ما يمكنك فعله وأن تصل به مع هذه الفرضية المثقوبة هي نفي صفة من صفات الله مثل القدرة أو الخيرية أو الحكمة لا أكثر ولا أقل .. وبذلك تراجع معظم الملاحدة والمتشككين عن هذه الفرضية المتهافتة وألغو الخوض في غمارها لحجتها الضعيفة وهشاشتها المنطقية..
فلجأوا إلى إبتكار طرح جديد حول مشكلة الشر وهي ليست أقوى من الفرضية الأولى ولكن تعلقوا بها لأنها القشة الأخيرة التي من الممكن أن يتعلقوا بها وألا سقط بنيان مشكلة الشر من أساسه وهم لا يريدون ذلك طبعاً لأنها الطريقة الأكثر جدوى في تأجيج مشاعر متبعيهم وإغراق عواطفهم الهزيلة في أتون شرور العالم ومشاكله، الفرضية الثانية تقر إن وجود الشر لا بد منهم وأعترفوا بذلك صراحة، ولكن إذا كان الشر الموجود في العالم أكثر من الحد الذي يمكن أن يتحمله البشر فذلك يعني عدم وجود الإله، لأن ذلك الإله لا يمكن أن يضع شروراً في العالم أكثر مما يتحمله البشر .. والرد على هذه الشبهة تأتي بطريقتين الأول، كيف يمكن معرفة الحد المقبول من الشر والحد الغير مقبول؟ وبأي مقياس يقاس الشر ليس على صعيد الفرد بل في العالم أجمع؟؟ إذا كان الملحد لا يقبل بمقدار الشر الكبير في العالم فلماذا في لا يشير في الوقت نفسه ألى الخير الكثير ولا يتعبرها دليلاً على وجود الخالق؟!!
نفس المشكلة التي تعترض صدور الملاحدة في مواجهة حقائق الإيمان وهي مشكلة الشر المجاني في العالم ويتناسون الخير المجاني في الوقت ذاته وتأبى أنفسهم أن يخوضوا فيه وأعتباره هبة ومنحة مجانية من خالق رحيم وخير!!
وتبقى مشكلة الشر في إطارها الأخلاقي واضحة وخاصة في السياق الأسلامي والوحياني منه خاصة حين جعل الله تعالى هذا العالم دار إمتحان ومكابدة وصراع وليس دار نعيم وسعادة مطلقة، فإذا كان العالم بدون آلام وشرور ومكاره فماذا يبقى لأمتحان الإنسان وأختباره وتمييز الطيب من الخبيث والكافر من المؤمن وحتى الشر والخير، من أين سيتكون مفهوم للخير إذا لم يمازج العالم شئ من الشر وهو الشر ذاته الذي كثيراً ما يبطن في داخله الخير والرحمة..
وتبقى مسألة في ذهم الملحد والمتشكك أن الشرور في العالم كثيرة والآلام لا تعد ولا تحصى والعالم يعج بالجوعى والمرضى والمظلومين!! وكما قيل فإن : " كل شرور العالم لا تزيد على ما يعانيه كائن واحد " ببساطة أن ما يعانيه العالم كله لا يتجمع كله في نفس إنسان واحد مهما بلغ به الشقاء، فهو في النهاية يعيش حياة واحدة ويتألم ألماً واحداً ويمرض مرضاً واحداً ولا يعاني كل مايعانيه المرضى في العالم ولا المظلوم يعاني ظلم كلم المظلومين في العالم، تبقى مسألة الشر مسألة فردية تتعلق بالفرد ذاته، ومن التهافت والتدليس الفكري والتأجيج العاطفي الذي يستخدمه الملاحدة وهو التحدث عن شرور العالم ومعانات البشر في حين الشر مقسوم ومتجزأ على كل من يدب على وجه الأرض..
أعود فأقول أن مشكلة الشر ولله الحمد لا تتناقض مع وجود الله وخاصة في ظل الفكر الإسلامي منذ نزول الوحي المبارك وحتى هذه اللحظة لا يوجد ما يتنافى مع كون العالم ملئ بالشر وبين أن الله سبحانه وتعالى كامل الخيرية والحكمة والقدرة، وما جعل الله تعالى تلك الشرور إلى إمتحاناً وأبتلاءاً لنفس الأنسان الواحد ليميز به الخبيث من الطيب..
والشكر الجزيل لصاحب هذا المجهود العظيم الكتاب الرائع جداً والرصين والغير مسبوق في الكتابات الاسلامية الحديثة التي تناولت أحد موضوعات الإلحاد، هذا الكتاب الذي أعتبره من أفضل ما قرأت في مجال الإلحاد ومن أحسن الكتب التي قرأتها في هذه السنة قسماً بالله.. ونصيحتي لكل من كان في قلبه مقدار من شك أو تعتيم في فهم مشكلة الشر أن يقرأ هذا الكتاب بنية صادقة وقلب منفتح وأنا متأكد أن سيجد فيه مايريح قلبه ويجيب على الكثير من الأسئلة التي تشغل البال في ظل التغطية الواضحة على ما كل ما يقرب من الله ويدعو إليه..
مساءلة الشر ووجود الابتلاءات في الدنيا دائما يتكلم عنها الملحد ومن الممكن ان يتخذها وحدها كبرهان علي إلحاده ، وأيضا المؤمن بوجود الله ومسلم من الممكن في ابتلاء شديد ووقت ضعف يحدث نفسه سرا لماذا ذلك الابتلاء لم افعل شئ، هل الله غاضب مني، هل هؤلاء افضل مني، لماذا انا ليس مثلهم متمتع بتلك النعم
كانت اغلب الكتب التي قراءتها والردود عن ذلك الموضوع وخصوصا للرد علي الملحدين لم تكن علي المستوي المقبول او المقنع ولكن ذلك الكتاب افضل ما قراءت عن ذلك مساءلة الشر فهنا الكاتب بعض اراء الفلاسفة والعلماء واجزاء بسيطة من مناظرات ضد ملحدين وأيضا بعض تفاسير لايات في القرآن
فتكلم في جزء عن ماذا لو كان عالم بدون اي شر والكل منعم مرتاح يجد ما يريد.. هل سيكون هناك اي احتياج للتغيير من النفس او الاختراع او التطور... هل اساسا سنشعر بأي معني للفرحة او المتعة بأي انتصار او انجاز... فلو لم نشعر بأي ألم لم نكن نستطيع ان نشعر بنعمة الراحة والصحة... واذا مثلا لم نري في حياتنا النفاق الكذب والخيانة والحقد وعقوق الابناء فلم نكن سنشعر بفرحة لوجود صديق او قريب او ابن نطمئن له في صدقه وامانته وخلقه اذا لم نري او حتي نعيش اي فقر او احتياج لطعام او سكن او امان لم نكن لنفرح تلك الفرحة عند الحصول علي مال او سكن او حتي شعور الامان سنكون مثل الآلات التي تعيش تؤدي دور وتموت اخيرا
واذا تخيل وقال الملحد طيب لماذا لا يمنع الله الشر من الاشخاص التي خلقها فسنعود لقضية حرية الاختيار.. هل سيكون عندنا حرية اختيار وقتها اذا تم منعنا من الله من فعل اي شر او أذي والله قادر طبعا علي فعل اي شئ يريده ولكن هل ستكون حياة وحرية ارادة ام مجرد ايضا تنفيذ بدون اي تفكير او اختيار
وتكلم ان الشر والابتلاءات تشعرنا بحقارة الدنيا وضعفنا وحتي نتخلص من الكبر ونشعر باحتياجنا لله.. فعندما نستحقر الحياة مما نراه لن نتعلق بها وسنعلم انها ليست الحياة الابدية او النهاية وسنكون بانتظار الحياة الاخرة والتي هي الحياة الحقة لان دنيانا ما هي الا مجرد لهو ولعب
يوجد فصل اعجبني جدا عندما تكلم عن مرض فقد الاحساس في الاطراف عند بعض المرضى.... فنتخيل ان ذلك المريض لا يشعر باي خطر عند لمس مثلا سطح ساخن سيضر بيده او شئ حاد... ثم جاء ببعض الاراء وتجارب الاطباء لمحاولة خلق جهاز يكون كمنبه يحدث الما لجعل ذلك المريض ينبته للخطر ولكن واجهتهم مشكلة كيف يحددوا درجة الالم الذي سيحدثه الجهاز.. فالمفروض عندما يكون خطرا كبيرا يجب يكون الالم كبير.. وكيف يجعلوا الجهاز ان يفرق بين الضغط المقبول والغير المقبول.. كيف نثبته ليسمح ببمارسة لعبة مثل التنس ويفرق بينها وبين الضغط الغير مقبول ثم تعلم ان قدرة الله في خلقه ان يد المولود الطفل في طرف اصبع واحد يوجدها بها اكثر من الف منبه عصبي للتنبية بالخطر
الكاتب ايضا تكلم في فصول اخري عن مواضيع مهمة ولكن لا يمكن ايجازها في الريفيو... الكتاب القيم انصح به واشكر الصديق عبد الرحمن علي ترشيحه لذلك الكتاب وعلي ريفيوهه الذي جعلني اشتري الكتاب
بعد كل هذا اللتّ والعجن، واللفّ والدوران الذي قام به الكاتب، فقد خلُصَ إلى ذات النتيجة التقليدية التبريرية:
الحكمة الإلهية تنسج من خيوط الشر والألم قصة رحمة وعدل!
هذه خلاصة مكررة واسطوانة مشروخة في الحقيقة!
بالطبع المجهود الذي قدّمه الكاتب في هذا الكتاب هو مجهود جيّد ومقدور، لكنه مكرر وليس فيه جديد! بل على العكس، لو قيل لكل اقتباس فيه ارجع من حيث أتيت، لما بقي في الكتاب إلا بضع صفحات!
ثم إن هنالك مشكلة جوهرية في منهج الكاتب. فإن ربط قضية الشر مع وجود الله بالطريقة التي فعلها الكاتب باعتقادي غير سليمة تماماً. حيث أنه أقحم العلم المادي التجريبي وجعله في صفه داعماً قوياً لوجود الله (الكتاب بالطبع يجب أن يكون معني بالناحية الفلسفية فقط - مسألة الشر) وفي ذلك ظلم للطرف الآخر وتعمُّد في إساءة فهمه وتشويهه.
بمعنى، ان اختزال الكاتب للطرف الآخر (الإلحاد) في أن حجّته ضد وجود الله مقتصرة على مسألة الشر، فهذا فهم مُخِلّ! الإلحاد أكثر تعقيداً من ذلك. فهو مبني على أسس علمية في الأصل، ثم على مثل هذه القضايا الفلسفية أو الأخلاقية.
لكن الكاتب (الذي كان من المفترض أن يناقش المسألة فلسفياً فقط) كان في كل مواضع الكتاب يؤكد على أن وجود الله (مادياً وعلمياً) أمر مقطوع بصحته، وأن الإلحاد مؤسس حصراً على مشكلة الشر الفلسفية (التي هي موضوع الكتاب). بذلك جرّد الإلحاد من ثقله المادي العلمي، وحصَره في الزاوية الفلسفية. هذا الأسلوب أشْبَه بمغالطة رجل القشّ (أن تُجرّد الآخر من قوّته أمام الناس وتحوّله إلى كيان متهالك حتى يسهل عليك هزيمته بالخداع).
ثم إنه حتى من ناحية النقاش الفلسفي لقضية الشر كان ساذجاً! فمثلاً حينما ردّ على عبثية الشرّ، قال بما معناه: المؤمن يعتقد بأن الكارثة الطبيعية الفلانية حدثت لحكمة كذا ،، أو لحكمة كذا ،، أو كذا ،، أو كذا! فهل تستطيع أنت يا ملحد أن تثبت لي بنسبة ١٠٠٪ أن الكارثة الفلانية خالية من أي حكمة؟!! بالطبع لن تستطيع أن تجزم بالنفي! إذاً إلحادك باطل، والشر له حكمة!!
هو ذات الاستدلال الساذج الذي يستدل به البعض على ��جود الله: أنا أؤمن أن الله موجود. آنت لا تؤمن بوجوده. هل تستطيع أن تثبت لي ١٠٠٪ أنه غير موجود؟ بالطبع لا. إذاً الله موجود!
مللت بصراحة من مثل هذه الحجج والاستدلالات الفارغة!
وطبعاً كنت أتوقع أن يُقحِم الكاتب نظرية التطور في هذا الكتاب!! رغم أن موضوع الكتاب فلسفي وليس علمي!! وكما هو متوقع، كان تناوله للنظرية كارثة طبيعية ومأساة في حد ذاتها!!
زبدة الرأي: الكتاب مضيعة حقيقية للوقت. هذا الكتاب الأخير لهذه السنة ،، خاتمة مخيبة للآمال، تليق تماماً بهذا العام ٢٠١٦
مشكلة الشّر ووجود الله: الرّد على أبرز شبهات الملاحدة.. سامي عامري.. يتحدّث الكتاب عن أحد أكبر الشّبهات التي يطرحها الملحدون.. وهي لماذا أوجد الله تعالى الشّـرّ في هذه الحياة؟!! وطالما أنّه موجود ولم يجدوا له من جدوى من وجهة نظرهم فلجأوا إلى إقناع أنفسهم إذاً فهذا الكون لا خالق له.. إذ كيف يمكن لخالق رحيم أن يخلق الشّـر أو أن يأذن به.. عجيب أمر الإنسان عندما يتبجّه ويتطاول ويغترّ بما لم يكن له يد في إيجاده.. يعتمد على عقله ويتفاخر به ناسياً أنّ عقله ذاك هو هبة الخالق الذي يمكن أن يسلبه إيّاه بمجرّد خثرة بسيطة في دماغه لا تكاد تتجاوز رأس دبوس صغير لا يأبه به.. فيلجأ – ظنّـاً منه أن وصل لأعلى الفكر – لإنكار وجود الله تعالى لأبسط شيْ شاهده حوله في الكون ولم يستطع عقله القاصر أن يدركه.. فيتبجّح قائلاً إذاً لا شكّ أنّ هذا الكون لا موجد له.. وفكرة وجود الله تعالى مجرّد وهم في العقول القاصرة لا صحّة له.. مسكين الإنسان عندما يغترّر بنفسه.. مسكين كيف يختار لنفسه وبيده الشّقاء والعذاب.. ليعيش الضّيق مرّتين.. في الدّنيا والآخرة.. ذكّرني بما قاله لي أحدهم وهو يكاد يفاخر بإلحاده: نحن بشر مثلكم.. لكنّ ثقافتنا أعلى من المعدّل العام.. عرفنا الحقيقة واكتشفنا الخدعة.. لم أفهم بصراحة ما هي الخدعة؟!! هل يعتبر أنّ هذا الكون بكلّ ما فيه من إتقان وإبداع مجرّد خدعة ووهم لمجرّد أنّه حرّك عقله القاصر وخرج بنتيجة أنّ هذا الكون لا خالق له.. هل يمكن أن يلغي كلّ ما فيه لمجرد قصور في إدراكه.. غريب.. ألم يفكّر يوماً أنّ من وهبه القدرة على الاطّلاع والتّبجّح بما يسمّيها -زوراً وبهتاناً- ثقافة قادر على سلبها منه.. دار هذا النّقاش بيني وبين سلمى اليوم فتذكّرنا الآية التّالية: "أفرأيت من اتّخـذ إلهه هواه وأضلّه على علم وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة فمن يهديه من بعد الله أفلا تذكّرون * وقالوا ما هي إلّا حياتنا الدّنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلّا الدّهر وما لهم بذلك من علم إن هم إلّا يظنّون.. سبحان الله وصف دقيق حرفيّ لكلّ متكبّر مغتر بعقله.. لذلك ختمها جلّ وعلّ بقوله (ما لهم بذلك من علم إن هم إلّا يظنّون) ضاحداً كلّ مزاعمهم في أنّهم سبقوا غيرهم بعلومهم وفهومهم.. ولكن خالق العلم يقول أنّهم لا يستندون إلّا على الظّـنّ، والظّن مجرّد أوهام لا قيمة لها.. رغم أنّ كلّ ما في الكون – بما في ذلك الشّـرّ- دليل على وجود خالقه جلّ شأنه.. ولولا وجود الشّـر لما استطاع الإنسان متابعة حياته ولا الاستمتاع بها والشّعور بقيمتها.. ذكّرني كلامه في شرح تلك الفقرة عن مبدأي في الحياة والذي يضفي عليها بعضاً من النّكهة اللّذيذة والحركة الدّائبة.. ألا وهو أن أكون دائماً أسعى لشيء صعب وشاق وأبذل قصارى جهدي كل أناله وأحصل عليه.. وبعد ما يتمّ لي ذلك.. أراني أسأل نفسي يا ترى ما الأمر الجديد الذي سأنقّ عليه.. فرغم صعوبة تحصيل بعض الأمور أحياناً ولكن يبقى السّعي فيها ومكابدة مشاقّها يضفي متعة على الحياة.. كما أعجبني في الكتاب فقرة الشّر المجاني ومن ثمّ بعدها الخير المجّاني.. كان عرض الفكرة ودحضها جميل وسلس ومنظّم بخلاف بعض الفقرات في بداية الكتاب.. أعتقد أنّ أكبر عائق يصرف الإنسان عن سلوك منهج الحقّ والخير هو الكبر والاستكبار.. وهذا كان سبب طرد إبليس من الجنة واستحقاقه اللّعن إلى يوم الدّين.. كذلك سيكون مصير كلّ من سار على خطاه.. اعتزّ بنفسك ورأيك ولكن لا تغترّ.. استخدم عقلك وانفع به ولكن لا تتكبرّ به.. ليبقى لك دوماً خط عودة في كلّ أمر أو فكرة أو مبدأ بأن تراجع نفسك بين فينة وأخرى وتقوّي قناعاتك بفيض نور الله تعالى.. وتتراجع عن ما يمكن أن يظهر لك زيفه أو بطلانه.. لا تستند إلى المنحة وتغترّ بها وتتكبّر وتنسى المنعِم والمتفضّل.. وما الحياة الدّنيا إلّا متاع الغرور.. ثبّتنا الله على دينه وأجارنا من فتن الدّنيا والآخرة.. وفاء آذار 2017
و رغم أن هذا الكتاب موجه للرد على الإلحاد فإذا بنا نحن المؤمنون أو من نظن أننا كذلك يقينا أكثر حاجة له وتأثرا به، وقد جاء في وقته تماما على عكس ما كانت نفسي تظن أنها قد جبرت عليه إجبارا إذ لم يتبق الوقت الكثير لتقديم البحث، وكان هذا الكتاب لنفسي فتحا و تزكية.. وقد لخصته وعرضته كبحث لبرنامج صناعة المحاور أسأل الله أن ينفعنا بما علمنا ويعلمنا ما ينفعنا.
قال المؤلف في مقدمته: هذا الكتاب الذي بين يديك جزء من مشروعنا الجديد في "مبادرة البحث العلمي لمقارنة الأديان" لدراسة الإلحاد دراسة نقديّة واعية، راغبين في تثبيت موقف علمي جدّي من هذه الظاهرة العقدية التي تتعامل معها "المؤسسات الرسمية" للدعوة الإسلامية بغفلة محيّرة وسلبيّة غير مبررة، غير مدركة أن ثورة وسائل التواصل العصريّة قد هدمت الأسوار التي كانت تمنع تفشّي الكثير من الأوبئة الفكرية، وأنه في عالم اللا حدود لا سلطان لغير حجّة العقل وقوة البرهان الشائق
إذن فقد ولجت الكتاب من باب أنه "بحث علمي في مجال مقارنة الأديان"، وأنه "دراسة نقدية واعية"، وأنه"يعتمد على سلطان العقل وقوة البرهان"، ولكن ما حدث إنني وخلال قراءة الربع الأول من هذا الكتاب تجسّدت في بالي صورة تجربة الزيت والماء، فالزيت إن وضعته على الماء يطفو فوقه دون أن يختلط السائلان، ثم أتت على بالي بعد هذا، المقولة الذائعة التي تقول أن الأسد ما هو إلا خراف مهضومة، ولكني الصورة لم تتجسّد في البال على هيئة أسد هصور، وإنما رأيت هذه الخراف نفسها ترعى أمام راعٍ عجوز وهو يجلس شارد البال على صخرة بعيدة مراقبًا خرافه من بعيد
ولكن قبل هذا لم أفهم معنى قول المؤلف وتكراره هذا القول مرة واثنتين وثلاثًا، أن المكتبة الإسلامية لا تعرف على الإطلاق المؤلفات التي تعرّضت لموضوع مشكلة الشر، "حصرًا"- كما قال - وقال إنها كانت تأتي بصفة عامة في ثنايا حديث المؤلف الإسلامي عن قضايا أعم كالقضاء والقدر والرد على المعتزلة، ما لم أفهمه هو لماذا هذه المقارنة الضيقة بين مصطلح غربي هو "مشكلة الشر"، يضم المصنّف "الغربي" المكتوب تحت عنوانه الكثير من المواضيع الفرعية كذلك التي تتعلق بقدرة الله ومداها وعدالته وحكمته وحرية الإرادة في الإنسان، وغير ذلك مما يبتعد ابتعادًا مباشرة عن قضية الشر ذاتها بمفهومها المحدد، ففي هذه الحالة فالمكتبة الإسلامية - إن لم نقارنها بهذه النظرة الضيقة بالمكتبة الغربية - تعدّ خصيبة جدًا بالمؤلفات في هذا الموضوع، ولا أعني فقط عنوان "القضاء والقدر" - مع كثرة الرسائل المنفردة والكتب التي وُضعت عنها في كافة عصور الإسلام - بل أيضًا كُتُب ورسائل الرد على القدرية، والدهرية، والمعتزلة، ونسبة أفعال العباد إلى الله، والتراث الواسع الممتد في تفسير آية " ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك" وغير ذلك من المسائل المعروفة في التراث الإسلامي، ويكفي حقًا أن كل مسألة "غربية" هنا وجد مؤلف هذا الكتاب الردّ عليها - في جوهرها - في كتاب من كتب المكتبة الإسلامية التراثية!
ولم يكن في بالي شيئًا سوى إنني بصدد قراءة بحث علمي عن مقارنة الأديان، فلم أصافح المؤلف من قبل، ولكن بدأ الكتاب يقلّ في نظري منذ صفحاته الأولى كذلك، عندما وسط كثرة نقولاته المنسوبة قال مستدلاً أن "الكامل لا يخلق كاملاً مثله"، وتوقّعت أن أجد رقمًا وهامشًا يقولان من أين نقل هذا بدوره، مثلما اعتاد أن يفعل، ولكني لم أجد!، ثم بعد صفحات من هذا وجدته يقول أيضًا ردًا على اعتراض أحدهم: في الحقيقة هذا الاعتراض ينتهي إلى أن على الله أن يخلق إلهًا مثله حتى يثبت له الكمال!، وهو كمال محال لأن الإله غير مخلوق ضرورة
وللمرة الثانية لم أجد هامشًا يسند هذه الرأي إلى صاحبه مثلما كان يفعل في الأقوال الأخرى، ثم وبعد عشرات الصفحات التالية (وهو يكرر كلامه ومعانيه كثيرًا في أكثر من موضع) أجده مرة ثالثة يأتي بخلاصة هذا المثل فيحكي أنه لو قدّم أمامي كاميرا جميلة الشكل معقدة التركيب وفائقة التقنية وما إلى ذلك وشهد لها العلماء بتقدّمها وإنها نتاج عبقرية فذّة، ثم جاء لي بكاميرا أخرى متواضعة الإمكانيات، ثم قال لي إنه صانع الآلتين، ويسألني هل سأصدقه؟، أي هل سأصدّق أن صانع الكاميرا الأولى العبقرية هو صانع الكاميرا الثانية المتواضعة؟، ثم يخلص من هذا إلى أن الله وهو الصانع مبدع قد يصنع شيئًا يسرع إليه العطب والفساد - لحكمة ما - دون أن يمسّ ذلك كماله وقدرته اللا متناهية
وهذا دون عناء يُرجع إلى استدلال "الكامل لا يخلق كاملًا مثله"، الذي لم ينسبه أول أو ثاني مرة، ثم وقبل انتهاء الكتاب بصفحات قليلة يأتي بتعقيب مطوّل للعقاد نقله على مدى صفحتين تقريبًا، يقول فيه العقاد صراح��: وأما الكمال المطلق الذي يخلق كمالاً مطلقًا مثله فهو نقيضة أخرى من نقائض اللفظ لا تستقيم كذلك في التعبير، بله استقامتها في التفكير، فإن الكمال المطلق صفة منفردة لا تقبل الحدود ولا أول لها ولا آخر، وليس فيها محل لما هو كامل وما هو أكمل منه، ومن البدهي أن يكون الخالق أكمل من المخلوق، وألا يكون كلاهما متساويين في جميع الصفات، وألا يخلو المخلوق من نقص يتنزّه عنه الخالق، فاتفاقهما في الكمال المطلق مستحيل يمتنع عن التصوّر
أمانة الباحث كانت تقتضي الإشارة أول مرة، ولم أحب رؤيتي للخراف وهي غير مهضومة لحمًا وعظمًا، فكان كلامه معادًا ويدور حو�� معانٍ مكررة على طول الخط في دائرة لم يخرج منها، وكان يسبق أحيانًا في ذكر الحجج الذي يستند إليها في رد الشبهة، ثم يقول بعدها في أسلوب متلاعب: "وهذا ما أكّده فلان في بيانه أن ..."، - أو "وأنّ فلانًا أشار إلى هذا في قوله ..."، - أو " ولذلك قال فلان أن ..."، وهذا التلاعب معروف عند من يعتمدون كليًا على النقولات، وهذا جميعه جاء كذلك دون أن تُوجد في المؤلف حاسّة الباحث أو الناقد أو الأسد الذي يهضم الخراف جيدًا قبل كتابة حرف واحد، أو حتّى وجود هبة ذي العقل الهندسي الذي له قدرة ترتيبية وفهرسية فائقة تعوّض بعملها التنظيمي في هيكل الكتاب بعضَ طغيان هذا النقل، ذاك النقل الذي جيء به دون كبير انتقاد، وكأنما قد أعجبته الحجّة والمثال المضاد فساقهما في سياقهما قبل أن ينتقل إلى مسألة أخرى
أقول هذا لأن هذا الكتاب جاء كثير الفصول وتسود فيه العشوائية المكررة في كثير من نواحيه حتى إنني وجدت نفسي أردد نفس معان الكتاب التي قرأتها عند قراءة الشبهة الجديدة، ثم أقلب الصفحة وتجيء هي هي!، فأين الصعوبة في أن أقول أمام هذه الشبهة مثلاً: "هل تستطيع أن تجزم لي أنه لا جانب خيّر في هذه الحادثة ولو على سبيل الاحتمال البعيد؟!"، أو الأفضل: " إننا لم نأت للدنيا لنأكل ونشرب ونتناسل ثم نموت، فهناك مرحلة جزاء قادمة يعوّض فيها كل هذا الشر وحتى الطفلة المغتصَبة فيها ستدخل الجنة دون حساب وستشفّع في أبويها، أرأيت أفضل من تصوّرنا الإيماني أيها الملحد؟!"، فتانك الحجّتان قرأتهما مرارًا وتكرارًا في صيغ شتَّى وفي شتّى فصول هذا الكتاب دون ملل!
بل صراحة قبل أن تحدثني نفسي بكتابة هذه الكلمات شعرت بنفس شعور فرويد أثناء تناوله بالحديث كتاب لوبون عن علم نفس الجماهير، حيث صرف فرويد أكثر حديثه بعيدًا عن كلمات لوبون نفسه، لأنه لم ير له فضلاً فيما أورده من أبحاث حول ذلك الفرع من علم النفس، وقالها صراحة، فجعل أكثر همّه في حديثه هو تأصيل الأفكار التي جاءت والعودة بها إلى منابعها الأولى ثم الردّ عليها في إطارها، ولذلك جاء حديثه فاترًا نسبيًا أثناء معارضته لأفكار الكتاب ككل، وتذكرت كذلك كلمة قرأتها عن قريب في كتاب "من أعلام العصر"، عندما سأل مؤلف الكتاب، أستاذَ الفلسفة: منصور فهمي، عن سبب إحجامه عن جمع دروسه الفلسفية التي يلقيها على طلبة الكلية ثم نشرها في كتاب، فأجابه الأستاذ القدير: بالنسبة لدروس الفلسفة إنّي أتساءل: هل يقدّم مثلي أو أحدٌ من زملائي جديدًا يباهى به، ويقدّمه مطبوعًا للقارئ؟، إنّ الذي نقوله في هذا المجال هو مقررات مشتهرة يعرفها دارسو الفلسفة في كليات الغرب، وإذا كانت هناك زيادة ما، فهي تعقيب أو توضيح أو تفصيل أو اختصار، فقل لي بربّك: ماذا يُنسَبُ لأستاذ الفلسفة من الفكر حين يكون عالةً على سواه في كُليّة مبتدئة، وأقول مبتدئة دون خجل، لأن الدراسة الجامعية عندنا في دور الطفولة بالنسبة لدراسة الفلسفة في كليات أوربا
فدور مؤلف هذا الكتاب لم يتعد قط ما قاله أستاذ منصور فهمي، من تعقيب أو توضيح أو تفصيل أو اختصار!، فكيف يُباهي به؟!، وكيف يعلن أنه بحث علمي ودراسة نقدية واستخدام الحجة والبرهان حيث لا حجة ولا برهان غير مقابلة القول الذي قيل .. بالقول الذي قيل!، وإذا كان قد جرى تقديم الكتاب بهذه الصفة السابقة عن الجمع والتلخيص لكان أحرى، فهذا عين ما فعله أستاذنا عبد الرحمن بدوي في ثلاثيته الرائعة عن الفكر اليوناني، عندما قال في المقدمة بصراحة نادرة أنه يلعب هنا فقط دور سارق النار من جبال الأولمب إلى وادي النيل
وأيضًا لو قدّم كتابه هذا مثلما قدّم مؤلف كتاب "الثروة في ظل الإسلام" والذي قرأته وأنهيته معه في نفس اليوم على غير اتفاق، لكان أولى، فإذ يقول المؤلف الثاني في مقدمته: وبعدُ، فهذه رسالة جمعت فيها طائفة من نصوص الإسلام وأحكامه التي وردت في الثروة، بحيث يتألف من مجموعها صورة مقتربة إلى حد ما من حقيقة العدالة الاقتصادية التي جاء بها الإسلام
يقول مثله المؤلف الأول صاحب هذا الكتاب: وبعدُ، فهذه رسالة جمعت فيها طائفة من نصوص [كُتَّاب] الإسلام [وكُتَّاب الغرب] التي وردت في [شأن مشكلة الشر]، بحيث يتألف من مجموعها صورة مقتربة إلى حد ما من حقيقة [تلك المشكلة، وذلك على منهج إسلامي]
..
ولأنّي أحب فن الترجمة فقد أحسست أنه كان يتفنن في الترجمة دون داع، وخارج موضوع الكتاب، أقصد إنني أتفهّم أن يُرفق النص الأجنبي مع العربي عند ترجمة الشعر مثلاً، لأن الترجمة إلى اللغة الأم تبيح فيه التصرّف الكبير، فلا ضير إن قارنها القارئ بالنص الأجنبي، ولكن هنا، وليس في كل النقولات وإنما في فقرات محدودة فقط جاء المؤلف بالنص الإنجليزي مع ترجمته العربية، حيث لا حاجة أبدًا إلى هذا الاقتران مع وضوح الكلمات، أو هو استعراض عبقرية الترجمة العربية!، ومنها ترجمته لهذه المقولة: God whispers to us in our pleasures, speaks in our conscience, but shouts in our pains: it is His megaphone to rouse a deaf world.” - C.S. Lewis
إلى: يهمس الله إلينا في مُتَعنا، ويتحدّث في وعينا، لكنه يصرخ في أوجاعنا، إنّ ذلك هو بوقه الذي ينبّه عالمًا أصمّ
بينما عندما قال صاحب هذه المقولة السابقة نفسه مقولته الأخرى: حاول أن تستبعد إمكانية الألم في نظام الطبيعة [...] وستجد أنك قد استبعدت الحياة نفسها
لم يذكر أصلها الإنجليزي بالمرّة، مثلما هي أكثر النقولات ذوات الترجمات "العادية" في ثنايا كتابه (أو بعض الظن إثم: فربما نقلها من ترجمة عربية سابقة)، إلا أن ما أثار إعجابي حقًا هو ترجمته للمثل الإنجليزي الذائع، الذي كتبه أولاً بالإنجليزية هذه المرة لأن عبقرية ترجمته واضحة: No pain, no gain
ليردفه بالترجمة العربية: إذا لم [تُصب] بالألم، لم [تَصِر] إلى مَغْنَم
وهذا كله جميل!
..
ووجدت طرفة، قال المؤلف في بحر حديثه: أيكون الجزاء الدنيوي الزهيد على تعب السنين عدلاً، ويكون النعيم الذي يربو على خيال الخيال لأجل شر زائلٍ ظلمًا؟!، تلك إذًا قسمة ضيزى، وكيف تتكبر نفس على نعيم يثير حسد أهل الآخرة ممن لم يمسّهم الأذى في الدنيا؟!، وكيف تستصغر عين عِظم جزاء الصبر على الفتنة والبلاء في هذه الدنيا، وقد جاءها الخبر أنّه: " يؤتى بأشد الناس بؤسا في الدنيا من أهل الجنة فيصبغ صبغة في الجنة فيقال له يا ابن آدم هل رأيت بؤسا قط هل مر بك شدة قط فيقول لا والله يا رب ما مر بي بؤس قط ولا رأيت شدة قط"، هناك .. حيث يرى الإنسان نعيم الجنة عين اليقين، تنقشع عن النفس غمامة الكِبر وتتجلّى الأشياء كما هي على الحقيقة، فيصغر في العين صغيرها وتعظم الأمور العظام
وهو نفسه القائل قبل ذلك: حديثنا في هذا الكتاب الذي بين يديك منصرف بالكليّة إلى مناقشة الاشتباه العقلي، ولذلك فقد يعاب على هذا البحث جفاف مادته واقتصاره على النظر العقلي البحت، وربما لا يجد المبتلى فيه سلوانًا لقلبه المحزون ولا شفاءً للألم الذي يأكل من سكينة نفسه [...] وقد تحاشينا الحديث في الجانب العاطفي حتى لا نُتّهم بمنافرة العقل ودغدغة نفوس المبتلين بمستعذبات الأوهام والأماني
ألا إنه ليس على أي حال كتابًا جافًا في مادته، ولا يقتصر بالتأكيد على النظر العقلي البحث، فستجد به - أيها القارئ الذي تبحث عن السلون لقلبك المحزون! - أشياء متنوعة كثيرة، وستقرأ أمثالاً وقصصًا ومجادلات شائقة، وستقرأ عن المرض الذي يعاني منه المؤلف أثناء السفر وكيف توصّل إلى تفسيره العلمي، وستسمع معلومات شائقة عن تراكيب جسم الإنسان ومبلغ تعقيد وظائفه الداخلية في سياق شائق، وستستمتع بقراءة المغالطات المنطقية التي يكشفها أصحاب الحجج الواردة في الكتاب، وستقرأ في نهاية المطاق نقولات واسعة من كتب الإمامين ابن تيمية وابن القيم، إلى درجة أنك ستخال عند حديثه عن الأقوال الإسلامي أنك تقرأ في كتاب من كتب التراث
..
ولأنني رأيته كتاب نقولات ومقابلات يسير على منهج كتاب غربي معتاد عن مشكلة الشر، وتنكّر دون إقناع في قناع الدراسات الجادة، فلم أنشط لذلك إلى نقاش أو استعراض ما جاء به فيه، فهذا صنيع - ولا سيما إن جاء في ثوب التنكّر هذا - يُسدّ النفَس عن المناقشة!، إلا إنني أعجبت حقًا بهذه الفقرة من الكتاب: ما الذي يريده المعترض في دخيلة نفسه؟، يجيبنا (س.إس. لويس) بقوله: "الذي يمكن أن يرضينا حقًا كبشر هو إله يقول على أي شيء نحب أن نفعله "ماذا يهم!، طالما أنتم راضوان وقانعون؟"، إننا في الحقيقة لا نريد "أبًا" في السماء قدر ما نريد "جدًّا" في السماء، شيخًا عجوزًا محسنًا، هو كما يقولون: "يحب أن يرى الشباب يستمتعون"، وخطته لأجل الكون هي ببساطة أن يُقال فعليًا في نهاية كلّ يوم: "لقد استمتع الجميع بوقت طيب" إن الإنسان حين يضجّ من كل ألم وتعب ومسؤولية، هو يبحث في الحقيقة عن إله يوفّر له ملعبًا يمرح فيه، ومعينًا للذّات التي لا ترتوي، ثم ينال بركة الإله ورضاه!، إنه يبحث عن "خادم" أو "يد مصفقة"
أرأيتم؟!، أرأيتم جفاف مادة الكتاب واقتصاره على النظر العقلي البحت؟!، سبحان الذي جعل الحجارة تتفجّر منها الأنهار!
كتاب ممتاز.. اعتمد منهجية مقنعة وقدمها بأسلوب سلس وجميل.. ربما يحتاج الكتاب لمزيد من التنظيم الداخلي لتسلسل الأفكار التفصيلية داخل المباحث. استفاد كثيراً من النقاشات اللاهوتية المسيحية المعاصرة لدحض أطروحات الشر في الإلحاد الحديث، والخائض في هذا الباب لابد له من يقظة كافية لإدراك الخلفيات المؤسسة للردود العقائدية المسيحية، ومن ثمّ فرزها وتحليلها.. تأثرت وجدانياً ببعض المواضع في الكتاب.. لاسيما عند الحديث عن المبررات الوجودية والتكوينية للألم.
تعاني المكتبة العربية من نقص في الكتب التي تعالج مشكلة الشر ، ويصف الدكتور سامي عامري ما هو موجود بالفعل بأنه يعاني من الجمود على القديم المكرر، وإن التحدي الإلحادي اليوم يمثل فيه "الشر" الشبهة الأبرز بل هو السبب الأكبر لظاهرة الإلحاد.
يوضح الكتاب أن مشكلة الشر تدخل فيما يعرف بمبحث الثيوديسيا = بمعنى عدل الله ، فأصل الاستشكال عندهم إذا كان الرب عالم وكامل القدرة وكامل الرحمة ؛ فالواجب أن يمنع الشر من الوجود .
الحقيقة أن الفلاسفة الإلهيين فشلوا في تقديم ثيوديسيا معقولة بسبب - كما يقول المؤلف- قصور أسفارهم الدينية عن تقديم أصول الحكمة لعمل الرب في العالم ، فالعهد القديم نفسه أصل اعتراض الفلاسفة الغربيين ، فالصورة المنكرة لإله العهد القديم رسّخت في العقل الغربي فكرة الإله المشبّع بالدموية .
لم تُخف ضخامة الأجوبة قصور الكثير منها في إصابة الحقيقة ، ومن هنا يرصد المؤلف الطريق الخطأ إلى الجواب ويفنده ، كزعم بعض الأجوبة أنه لا وجود للشر ، أو أن الشر سر محض ، وكذا حصر الشر بوجه واحد، وغيرها من الأجوبة القاصرة .
يطرح الكتاب إشكالات في أصل الشبهة ، فالملحدون يسرقون من الرصيد العقدي للمؤمنين ليقيموا عليه اعتراضاتهم ، فالمؤمن يتساءل عن الشر لأنه يرى أن الخير هو الأصل ، وهذا لا ينسجم مع تصور الملحد الذي لا يعرف قيمتي الخير والشر = فالمادة والطاقة لا تعرفان الرحمة والعطاء، ومن ثم كيف يستشكل الملحد الشر ! وإذا كان لا يؤمن بالإله بسبب وجود الشر فأحرى به أن يقدم إجابة منطقية عن عكس هذا السؤال وهو : إذا لم يكن هناك إله ، فلم ، ومن أين هذا الخير ؟! فالخير هو أصل السؤال .
الشر حجة على مخلوقية الكون، فالإجابة عن سؤال : كيف نحس بالألم؟ جديرة بأن تهزّ النفس هزّاً ؛ إذ لا توجد ضرورة في المادة- وفق تصورهم- تفرض وجود الجهاز العصبي في الإنسان ! ثم يستشهد المؤلف بكلام "بول براند" المتخصص في مرض البرص عن أهمية الإحساس بالألم بالنسبة للمريض من واقع تجربته كجراح مع مرض البرص ، وكيف يؤول فقدان المريض للإحساس إلى أن تتلف أطرافه بالبتر .
يقرر الكتاب أن مشكلة الشر لا يمكنها أن تنفي وجود الخالق ، لأنها لا تتعرض لأصل هذا الوجود، وبالتالي فإن إشكال الشر أقصر من أن يتعلق بالدعوى العريضة للإلحاد، فالعقل الإلحادي لا يستطيع أن يقيم برهان منطقي يلزم منه أن العدل الإلهي صفة ضرورية للخالق حتى يحاكمه أصلاً على فعل الشر !! فوجود الشر لا تعلق له بمبحث وجود الخالق ، وإنما له تعلق بصفاته .
هناك فصل في الكتاب عن مسألة نسبة الشر لله تعالى ، فالشر-كتقسيم عقلي- إما شر محض وإما شر نسبي ، والشر المحض لا وجود له في الدنيا كما أشار ابن القيم في شفاء العليل ، فهو ينفي إضافة الشر للرب وصفاً أو فعلاً ، وإنما يدخل في مفعولاته بطريق العموم ، ومن هنا يدفع ابن القيم القول بأن وجود إبليس شر محض ، ثم يشرع في بيان الحكمة من وجوده .
إن وجود الشر - كالشر الأخلاقي- هو نتيجة لمنحة الإرادة الحرة ، ومن هنا فإن الفيلسوف الأمريكي بلنتنخيا يعتبر الشر= ضريبة لازمة ومنطقية لتلك الإرادة الحرة . كما أن الشر وسيلة لإظهار حكمة الله تعالى في خلقه، ومن إشعار الإنسان بنعمة العافية ، وكذا اختبار إيمان العباد ، وقد يكون طريقاً لتكفير الخطايا ، ومن هنا لا يملك الملحد أي نماذج للشر خارجة عن أي باب من أبواب الحكمة .
يناقش الكتاب أيضاً قضية الألم عند الحيوانات كشر يصيبها ، فيتكلم عن التركيب العصبي للكائنات الحية ، وكذلك وعي هذه الكائنات بألمها ليصل بأن هذه الكائنات ليست درجة تألمها كالإنسان [ لم أقتنع بهذا الرأي صراحة] ، كما أنه لم يقيس أحد النعم التي أوتيتها البهائم بالعذاب الذي يصيبها ليدرك أن الألم يربو على المصائب! ولا يستطيع المعترض أن يجزم بأن الرب لا يرزق البهيمة بعد كل بلاء تعويضاً ! فعدم العلم ليس علماً بالعدم.
يرى المؤلف أن سؤال لماذا لا يكون هناك عالم من غير ألم أنه يعكس شعور إنساني أكثر من كونه يعبر عن مشكلة عقلية ، فالقضية مشكلة الهوى الإنساني الذي يرفض الألم .
قبل المراجعة أحب أن أنصح بمشاهدة سلسلة اليوتيوب شبهة الشرور في الميزان وهي خمس محاضرات تأصيلية منطقية جودتها أكبر من جودة الكتاب، لكنها تحتاج لتركيز أعلى، والمحاضر شيعي ولكن المحتوى يناسب معظم المذاهب العقائدية الإسلامية بما فيها السلفية. وهناك ملخص للمحاضرات لا يغني عنها باسم مذكرة شبهة الشرور في الميزان موجود في جودريدز واقتبس منه الصورة التالية.
أكاد أجزم ان من ألحد بسبب مشكلة الشر فهذا الكتاب -إن كان الملحد جادًا في طلب الحقيقة- سيأخذه لا أقل إلى اللاأدرية وفي أحسن الأحوال إلى الربوبية. اعتمد الكاتب على مناقشة مشكلة الشر من محورين: محور الدفاع أو الرؤية التي تبرر وجود الشر ووهو محور عقلي ديني. ومحور الهجوم حيث يتم تفكيك الحجة وإظهار عدم وجود رابط بين وجود الشر وإنكار وجود الله سبحانه وتعالى.
الكاتب أشبع الموضوع بحثًا بأدلة وآراء من يوافقونه في المعتقد ومن يخالفونه، وفي كل محور استخدم آراء الإلهيين من المسلمين سلفيين ومتكلمين، ومن النصارى، ومن الربوبيين، بل واستخدم آراء بعض الملاحدة الذين يرون هزالة وضعف حجة الشر في إنكار وجود الله سبحانه وتعالى، -يعني انكروا لا بسبب الشر.
مشكلة الشر أعمق مما كنت أتخيل، ولا يصح الإجابة عنها بشكل مجمل -كما يظن الكثيرون- والبحث فيها ممتع، مع عدم إغفال الأصل الأول وهو حكمة الله الرحمن الرحيم المنزه عن العبث، والأصل الثاني وهو قصور العقل البشري. وإن العالم الذي ينادي به الملحد إن أمكن تحقيقه فهو أكثر شرًا لو تأمل وفكر خارج نطاق عاطفته الضيقة، وفي تصور آخر يمكن القول بأن الملحد يريد من الخالق أن يخلق خالقًا آخر كي لا يكون هناك شر -وهذا من المحالات العقلية.
من النقاط المهمة أن الملاحدة كثير منهم بنى على الأوصاف القبيحة الموصوف بها -زورا- الله رب العالمين في كتب اليهود والنصارى، وأقول هنا بأننا كمسلمين نتحمل جزءا من مسؤولية إلحاد هؤلاء بأننا غفلنا ونغفل عما عندنا من حق. أيضًا لم يغفل الكاتب أن يذكر صفحات المراجع الإنجليزية أسفل الصفحات، وهذا شيء مهم لمن أراد أن ينقل تلك الآراء ويستخدمها باللغة الانجليزية مثلًا.
مشكلة الشر غير مطروحة في الاسلام. مشكلة الشر تطرح في المسيحية ولدى الكائنات الحساسة والوديعين والرحماء لان الههم رمز للخير والروح والمحبة والشيطان رمز للشر والمادة وهناك صراع بينهما. فلسفة الاسلام مختلفة تماما فاله المسلمين يحب ويكره يجازي ويعاقب يرحم ويغضب ويقسو وهو من خلق كل شيء خلق الشر والخير واتباع الاسلام يعتبرونه النظام الاكثر عدلا من بين كل الانظمة الذي ينظم حياتك وعلاقتك مع الاخرين. يبقى السؤال اذا كان الالهان مختلفان تماما ماذا يعني هذا من هو الاله هل التدين جزء من التكوين الانساني هل الاله هو من ارسل ديانات مختلفة بتشريعات مختلفة حسب طبيعة كل مجموعة هذا السؤال يبقى معلقا وهو فوق قدرات الانسان لذا سيبقى مبهما عندما تقول انك تؤمن باله ماذا تقصد بالضبط
معضلة الشر تكمن في رغبة وجودنا ولا يمكن اختفاؤه الا بفنائنا ان حكمة الله وعدله لا تثبت على فرد واحد من الناس فما قد يبدو لك شرا قد لا يكون كذلك فالشر لا يؤخذ بمعزل عن الوجود لماذا تحصل الاشياء السيئة للاشخاص الطيبين لو كان الله كامل القدرة لمنع ذلك لكن ما تجاهله النصارى ان الله حكيم وليس كامل الخيرية هم ليسوا عميان هم يعرفون جيدا ماذا يفعلون تلك طبيعتهم البشرية ويفعلون ذلك بتلقائية وبدون ادنى شعور بالذنب اذن لماذا اشعر ان الامور لا يجب ان تمشي بهذه الطريقة لماذا اقرف منهم اذا كنت منهم https://www.youtube.com/watch?v=WwGNP...
الكتاب ده كان خارج خطة قراءتي و لكن بعد ما قريت عن الطفلة البريئة اللى تم اغتصابها و قتلها كنت محتاج حد يجاوبنى عن واحدة من المشكلات الاساسية فى حياتنا (مشكلة الشر المجانى) ،الشر الذى يبدو انه ليس له هدف و لا فائدة للبشر ...
أول كتاب اقرأه ل(د.سامي عامري) ..و هو كتاب بيلامس مشكلة أساسية بتواجه كل انسان فى حياته ..مشكلة الشر فى العالم و كيف يستقيم وجود اله خالق كلى القدرة و كامل الرحمة فى نفس اللحظة التى يوجد معها كل هذا الكم من الشر فى العالم ...
الشبهة دى هى أساس الالحاد و هى من اقدم التساؤلات البشرية و كان فلاسفة اليونان منقسمين فبعضهم يرى ان وجود الشر يعنى اما ان يكون هناك اله غير قادر على مواجهة الشر او انه يوجد اله يرضى بالشر و فى الحالتين يتم الوصول لنفى الإله .
أرسطو حاول يخرج من المعضلة دى باعترافه بوجود اله كلى القدرة لكنه منعزل عن خلقه و العالم و لا يعبأ بما يحدث فيه ...اما المانويين فأعتقدوا بوجود اله للنور و اله للظلام و اله النور يُنسب له كل خير أما الشر فهو فى عنق اله الظلام ....
ببداية ظهور الديانات السماوية (ال��هودية ،المسيحية ،الاسلام ) اصبحت المشكلة دى اساس للصراع مع الالحاد ...و بتقدم العلم و ظهور نظرية التطور و اتجاه الفلسفة الى اعتبار الانسان سيد مصيره على الأرض و أن غاية الحياة هى منع الألم و الاستمتاع بكل خير ،أصبحت مشكلة الشر هى أساس الالحاد فى عالمنا الحديث ....و لتتخيل حجم المشكلة فإن قارة كاملة (أوربا) أصبحت تقريبا ملحدة عقب الشرور التى تعرض لها الانسان و( لم يمنعها الله عنهم) خلال الحرب العالمية الثانية.
بداية يقسم الفلاسفة الشر الى :
شر اخلاقي : كذب ،سرقة،تسلط .... شر طبيعى : موت البشر،فيضان، زلزال . الشر المجانى : و هو أصعب أنواع الشر و هو الآن سبب رئيسى لإلحاد الكثيرين ..(اغتصاب طفلة،موت طفل صغير لم يذنب فى شىء ،احتراق حيوان او تعذيبه).
الكاتب على مدى ٢٢٠ صفحة فند الأنواع دى كلها و أجاب بشكل ممتاز على معظم الاسئلة و ليس كلها و حاحاول انقل بعض الردودفى review تالي
كنت متوقعة الكثير من هذا الكتاب لكن للأسف لم يكن بحجم توقعاتي إذا كنت أنا كمؤمنة بالله تعالى لم أجد فيه ما هو جديد أو واضح ، الدكتور سامي قدم الخطوط العريضة لواحدة من القضايا التي يطرحها الملحد وهي لماذا يوجد الشر في العالم وكيف يسمح الله بها . ثم قدم نظرة تحليلة شاملة متفرعة لعدة إتجاهات ليثبت بالمحصلة أن الخلل لا يمكن في طبيعة السؤال بل بطبيعة عقل الملحد الذي يفترض بأن هذا العالم يجب أن يكون مثالي اذ يرا الدكتور أن عقل المحلد الذي يقبل فكرة وجود الخير في العالم ولايقبل فكرة وجود الشر إنما هو عقل متناقض فعلى أي أساس يبني الملحد إيمانه بوجوب وجود الخير وحتميته في العالم في حين يستنكر وجود الشر ويستغرب كل هذه الأحداث الطبيعية أو حتى الأحداث الناتجة عن سوء تصرف البشر وحمق أفعالهم .
الكتاب جيد إلى حد ما بتوضيح بعض النقاط ولكن لا يكفي ولا أعتقد بأن القارئ سيجد هنا فعلاً ما يكتفي به عن أي بحوث أخرى .
" رغم تذمر الإنسان من الشر ، إلا أنه لا يستطيع أن يعيش دونه في دنيانا لأن الحياة بلا شر ، هي حياة بلا معنى ولا يملك الإنسان قدرة على معايشة اللامعنى " . .
لا يسعني إخفاء إعجابي بهذا العمل الفذ الذي فاق توقعاتي. فقد استطاع الشيخ سامي عامري أن يجمع أقوال المخالفين حول المسألة ويحررها ويبيّن لوازمها بأسلوب سلس ومقنع. بالإضافة إلى تبيانه لأوجه المسألة المختلفة والتي كنت أتناولها عادة بشيء من الإجمال الشديد. وقد ذكرني نهجه بالنهج التيمي حيث يستفيد من أقوال الخصوم، ويضرب بعضها ببعض أحيانًا بذكاء بالغ. بقي أن أشير إلى مسألة تحفظت فيها بعض الشيء، وهي حديث المؤلف عن (مشكلة الشر وصفات الرب لا وجوده). لم أتحفظ عليها كثيرًا بقدر ما أثارت تفكيري واهتمامي. أنصح الجميع بقراءة الكتاب، خاصة وأنه مرفوع على الشبكة. http://www.aricr.org/ar/?p=580 أنصح بجودة التأصيل العقدي قبل الاطلاع على الكتاب.
مشكلة أغلب الكاتبين عن هذا الموضوع هي قلة الاطلاع على ردود الطرف الثاني والأطروحات والمدارس المتعددة حول الموضوع والانفراد بالراي الشخصي فيظهر الكاتب وكأنه يتحاور مع نفسه لكن الدكتور سامي ذو اطلاع واسع وأخذ في الاعتبار جميع الآراء الفسفية حول الشر ثم رد عليها بطريقة بحثية علمية مبنية على أسانيد يمكن الرجوع إليها ومن دون التهجم او الاستخفاف بالآخر
مشكلة الشر ووجود الله من أكثر الشبهات التي يروجها الملاحدة في هذا الزمان لماذا الشر ولماذا يسمح به الله وأسأله أخرى ففي هذا الكتاب رد الشيخ سامي عامري وفند ابرز شبهاتهم جاء برد علماء الغرب العلمية والمنطقية على هذه الشبهات ثم أعقبها بكلام بعض علماء المسلمين فهوا ليس للملحدين فقط فربما هناك من هذه الشبهات ما تختلج صدر المؤمن ويحتاج لها أجوبة ليطمئن بها قلبه " " " کتاب جميل ومفيد ......
This entire review has been hidden because of spoilers.
حول الكتاب: قدّم الدكتور شرح متكامل حول مشكلة الشر وكيف أن الشرّ بحد ذاته دليل على وجود الخالق من أكثر من وجه وليس العكس! وحديّة مشكلة الشر الحالية ماهي إلا نتاج عجز الكنيسة وكتبها المقدسة وعقائدها عن تقديم تصور سائغ لوجود الشر في عالم خلقه إله رحيم. فصّل الدكتور بأن الجواب عن مشكلة الشر لا يمكن الإجابة عنه بوجه واحد (حرية الإرادة أو لتهذيب النفس) وذلك لكون مشكلة الشر في الحقيقة مشاكل متعددة مرتبطة ببعضها وبالتالي الإجابة يجب أن تكون بعدة وجوه أيضاً. قام الدكتور بعرض المشكلة وحلها في كل من جوانب الشر: الشر الأخلاقي/ المادي/ المجاني. وأجاب بشكل مفصل عن لماذا لم يخلق الله عالماً أقل شراً او بلا شر على الإطلاق! 📚 نقطة مهمة مقتبسة من الكتاب 📌 حياتنا الدنيا جزء من قصة أطول وبترها عن الآخرة يفقدها ضرورة دلالتها على الحكمة الإلهية الكبرى من إيجادها على السنن التي نعرفها. 📚 تنويهات مهمة: -الكتاب فيه بعض من الدسامة بالنسبة للمبتدئين. -لا يمكن الوصول لجواب لمشكلة الشر مالم نجد إجابة لغائية الوجود! والإجابة على سؤال لماذا يطلب الله من البشر عبادته والذي هو بالمناسبة عنوان لكتاب آخر للدكتور سامي أيضاً. -يوجد اقتباسات وصور لفقرات مهمة في هايلايت (مشكلة الشر) في حسابي على الانستاغرام. 📚
وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَىٰ ۖ قَالَ أَوَ لَمْ تُؤْمِن ۖ قَالَ بَلَىٰ وَلَٰكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي ۖ سورة البقرة :260 عن هذه الآية قال ابن عباس : ما في القرآن آية أرجى عندي لهذه الأمة منها. فعندما سأل سيدنا إبراهيم عليه السلام ربه أن يريه، لم يسأله عدواناً أو طغياناً ولم يسأله عن قلب غير سليم، بل طلب أن يطمئن قلبه ليزداد بذلك إيماناً. وقد فسر سعيد بن جبير قول سيدنا إبراهيم عليه السلام وَلَكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي بالازدياد من الإيمان، فإنه قال له: أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَى وَلَكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي فطلب زيادة في إيمانه، فإنه طلب أن ينتقل من درجة علم اليقين إلى درجة عين اليقين وهي أعلى وأكمل. إذن العيب ليس في السؤال من أجل طمأنينة القلب، بل العيب كل العيب أن بعد أن نجد الإجابة ويأتينا اليقين ننأى بجانبنا ونعرض عنها ونتمادي في طغياننا، وهذا الشئ إن دل على شيء فإنه يدل في الأصل على فساد قلب السائل. إِن يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا فلا ننتظر الخير من قلوب خاليه منه، وبالتالي الخير هنا في هذه القلوب المتعالية على الله لا يرجى بالرغم من بيان الحق وثبات اليقين. وفي هذا الكتاب الردود الكافية واليقينية على أسئلة وشبهات الملحدين بحوار عقلاني وهادئ وبدون أي تجريح، وعلى رأسها شبهة الشر، فالملحد يريد الدنيا أن تكون خالية تماماً من الشرور والآلام. وعندهم الموضوع الأكبر لشبهة الشر قائمة على التعارض بين وجود إله قدير، عليم، ورحيم، وبين وجود الشر في هذا العالم. واستطاع الكاتب أن يرد بشكل رائع عن هذه الشبهة الأكبر متقصياً النصوص القرآنية، ورأى العلماء المسلمين. وفي طريقه إلى الإجابة تمكن من إثبات "أن مشكلة الشر لا تنفي في أقوى صورها وجود الإله الخالق، وليست بالتالي حجة على الإلحاد، وإنما هي تسعى فقط لنفي إحدى الصفات الإلهية الثلاثغ:القدرة، العلم، الرحمة. وأن وجود الشر دليل على وجود الخالق، من أكثر من وجه." فنحن في دار ابتلاء في الأصل لا تتحقق فيها السعادة الكاملة، و ابتلاء الله لنا بالشر يكون تكفيراً عن خطايانا وهو بالتالي منحة ومنّة قبل أن يكون محنة وهي من مقتضيات رحمته عز وجل لنا. وأيضاً الابتلاء بالشر في حقيقته يكون امتحاناً واختباراً لإيماننا. " فإن حقيقة الإمتحان تقتضي أن يعاني المرء وخز المكاره وقي�� المفاوز حتى يثبت بأن يكون من الفائزين. قال تعالى :أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ۖ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ| العنكبوت 2-3" ورب مصيبة للعبد تكون شكراً للعافية،وتوبة ورداً إلى الله. وخلاصة ما يريده الملحد هو العالم الكامل الذي يحقق للإنسان أقصى أسباب السعادة، و الخالي من الشرور والآلام. متجاهلاً بذلك أن مثل هذا العالم يفقد فيه الإنسان شعوره بحرية الإرادة، واختباره لمعاني الحزن والفرح، والفشل والنجاح. و متجاهلاً حقيقة أكبر أننا لسنا إلا في دار امتحان وابتلاء، وهي مجرد طريق فقط إلى دار المقام التي فيها تكتمل السعادة وتُمحى الشرور والآلام، لأن ببساطة تكون الغاية التي خلق الله من أجلها الإنسان وهي الأختبار قد انقضت بانتقاله إلى الآخرة. وأخيراً إن المؤمن الحق يعلم علم اليقين أن حاله وأمره كله خير، وأن كل ما يصدر عن الله هو منتهى الخير له، وفي قوله صلى الله عليه : عَجَبًا لأمرِ المؤمنِ إِنَّ أمْرَه كُلَّهُ لهُ خَيرٌ وليسَ ذلكَ لأحَدٍ إلا للمُؤْمنِ إِنْ أصَابتهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فكانتْ خَيرًا لهُ وإنْ أصَابتهُ ضَرَّاءُ صَبرَ فكانتْ خَيرًا لهُ. خير دليل. فالحمد لله على شرف الإسلام له، وعلى نعمة الإيمان به.
في عصر تلجُّ به الأفكار والمبادئ والثقافات من كل حدبٍ وصوب، يفقد الإنسان فيها نفسه -أحيانًا- ويجد نفسه يتّبع تيارات لا تشبه ما نُشِئ عليها، إنما هي تيارات وأفكار دخيلة نعيشها الآن بالانفتاح على عوالم مختلفة جعل مسألة التنازل عن مذهب/ تيار/ عقيدة .. مسألة بسيطة للغاية. (وتحسبونه هيّنًا وهو عند الله عظيم)
كتاب رائع جدًا، ومشبع جدًا. فصَّل فكرة شبهة (مشكلة الشر) الإلحادية على وجه الخصوص والتي يتبناها الفكر الإلحادي بطرحٍ مسند بأدلة شرعية وأقوال ومراجع إلحادية .. بين من هو مؤيِّد ومعارض لفك هذه الشبهة ومكاشفة القارئ المسلم بتساؤلات فلسفية تطرأ على مخيلة الإنسان متبعةً بإجابات صارمة تدهشُ بواقعيتها!
العنوان مغر و السؤال منتشر بكثرة في الوسط -إن صح القول- الثقافي الفلسفي الشبابي حيث أن الاعتراض الثاني للملحد بعد عدم رؤيته للخالق هي وجود الشر و كما قال الشيخ فالسؤال في حد ذاته مغالطة من وجه و مركب من أوجه و لا يمكن للملحد أصلا أن يسأله لفقدانه معيار مثل هاته القيم العاطفية الوجدانية الفطرية نسبة لمذهبه المادي و قد قام الشيخ جزاه الله خيرا بالتفصيل الجيد للسؤال من جوانب متنوعة و كثيرة و قام يسلب الملحد أجزاء السؤال المركب الجزء بعد الجزء بالتقديم و التحليل و التوضيح و الاستنتاج بالاستشهاد من مختلف المصادر الفلسفية و النقلية و العقلية و غيرها كما قال (بما ينقل باب المواجهة مع الملاحدة من وجود الشر المجاني إلى دعوى اقتضائه أن يكون مطعنا في عدالة الله المتنازع في وجوده) ص 173.
لم يسبق لي في قراءة كتاب بهذا الحجم ان استغرقت هذا الوقت الذي استغرقته في هذا الكتاب ولكنها المرة الأولى لي التي اقوم فيها بتلخيص كتاب ،الكتاب يملأك يقينا وإيمانا، الرجل نحسبه مخلص ولا نزكي علي الله أحدا، الرجل فيه نفس بن حزم وبن القيم ،وجدت فيه العالم المسلم العارف بالشرع ولم يقع في فخ السذاجة المعرفية فيالشئون العلمية والتي كانت تقض مضجعي في أغلب علماءنا جزاك الله خيرا يا دكتور، أحببتك والله