هذا الكتاب هو الجزء الثاني من «السيرة النبوية»، وهو يتلو الجزء الأول الذي خصّصه المؤلف «للقرآن والوحي والنبوّة»، حيث يستقرئ فيه المؤلف ماهية الوحي وماهية النبوة ويحاول سبر أعماق هذه المعاني من وجهة تاريخية وأحياناً فكرية. هنا، في هذا الكتاب، يغلب الجانب التاريخي مع ما يتبعه من دقة وصرامة في نقد النصوص والتعامل معها. إلى حد كبير، يصل المؤرّخ إلى تدمير الصورة التي وضعتها السيرة للنبي والتي غذّت المخيال الجماعي الإسلامي لمدّة قرون. فهو يضعها تحت مجهر النقد كما يصنع ذلك مع أعمال المستشرقين، لكن من دون تشنّج وبكامل الموضوعية ومع توظيفها بروية حيثما يلزم ذلك. فهذا الكتاب الذي يصدر عن هم معرفي قبل كل حساب هو كتاب تاريخ إذن، لكن من التاريخ المفكّر فيه حيث يزخر بالمقارنات وطرح المشاكل واللوحات الأنثروبولوجية واضعاً إياها في الصدارة. ولعله لن يكتمل إلا بالجزء الثالث المخصّص لفترة المدينة حيث يمكن عندئذ الحكم عليه كأثر علمي. وكما هو، فهو إسهام مهم في موضوع حساس لم يُعطِ فيه العرب والمسلمون عطاء ملموساً إلى حد الآن. ولا ريب في أن النبي محمد يستحق أن يُستقرأ مساره بنور المعرفة وألم الجهد، كما استقرأه علماء المسلمين في ماضي تاريخ مجيد.
زاول هشام جعيط تعليمه الثانوي بالمدرسة الصادقية ثم وفي سنة 1962 تحصل على الإجازة في تاريخ. تخصص في التاريخ الإسلامي وقام بنشر العديد من الأعمال صدرت سواء في العالم العربي أو أوروبا. أحرز سنة 1981 على شهادة الدكتوراه في التاريخ الإسلامي من جامعة باريس. وظل حتى آخر حياته أستاذا شرفيا بجامعة تونس، أستاذ زائر بكل من جامعة ماك غيل (مونتريال) وجامعة كاليفورنيا، بركلي وبمعهد فرنسا.
التاريخ العربي و الإسلامي في مشكلة كبيرة . فمن يتعامل معه يكون غالبا متحيزا إما مستشرقا يقطر بحثه بالتعصب المسبق ضد الإسلام.. وإما باحثا مسلما غالبا بدأ بحثه كنوع من الدفاع عن الإسلام ضد افك المستشرقين.. فكان التاريخ حلبة للصراع.. و غالبا ما تضيع الحقيقة في مثل هذه الأجواء هذا من ناحية ... من ناحية أخري أذكر دائما انطباعاتي عند قراءتي في كتب السيرة..وأذكر شعوري بالتناقض بين محتواها مع النص القرآني من ناحية وأيضا مع المنطق البسيط من ناحية أخري.. و كنت اميل دائما الي منهج التشكك في المعلومات و تحليل سياق الأحداث..
حيث ان القرآن نص مركزي ثابت لم يتغير و كان معاصرا لكل مراحل الدعوة فهو المصدر المرجعي الأقرب لحقيقة الأحداث و حيث ان اول محاولة لكتابة السيرة تمت بعد قرن تقريبا من وفاة الرسول و تأثر الكتاب بالواقع الاجتماعي و التاريخي وقتها وخاصة الصراع السياسي في فترة الخليفة عثمان و علي.. فقد تأثر تدوين السيرة بشدة بذلك الصراع
يأتي هذا الكتاب كمحاولة علمية تحاول أن تعالج مشكلة تداول التاريخ الإسلامي و ايضاتحاول أن تتسم بالحياد .. محاولة علمية بعيدة عن تحيز المستشرقين.. و عن تعصب الغيورين علي دينهم وإن طمسوا الحقائق.. علي الأقل هو محاولة جادة لتفنيد ما ورد بكتب السيرة من احداث و في النهاية هو بحث في التاريخ ولا احد يمتلك الحقيقة المطلقة ... انما علينا فقط ان نتبين الاثار التي بين ايدينا
هناك ثلاث طرق للبحث عن النبي محمد التاريخي: الاولى الاعتماد المطلق و الكلي على القرآن كمصدر موثوق الثانية الاعتماد على السيرة وحدها الثالثة الاعتماد على القرآن بالاضافة إلى السيرة الكاتب هشام جعيط اتبع الطريقة الثالثة. رغم أنه اتبع منهجية علمية موضوعية لكن استعملها في تحليل السيرة فقط و لم يستعملها (للأسف) في تحليل القرآن، ربما مازال الكاتب يقدس القرآن و يعتبره مرجعه الأساس. انتهيت من هذا الكتاب و في ذهني تساؤلات أكثر منه إجابات. الكتاب القادم سيكون لجعيط أيضا (الوحي و القرآن و النبوة)
كتاب تحليلي رائع و واقعي. يحلل السيرة من باب التاريخ و القران و ليس من باب الاسطورة.. اخذ منى الكثير من الوقت و لكن بفوائد جميلة و بكشف بعض النقاط و اسقاط بعض الاساطير كما انه شكل في عقلي نقاط كثيرة يجب علي البحث فبها ... خمسة نجوم للبحث و للاسلوب و للتحليل العلمي الغير منحاز . لقد تكلم كرجل تاريخ.
الكتاب عموما جيد من حيث المنهجية التي صرح بها مؤلفه و التزمها , و هي منهجية علم التاريخ الوضعي . اي البحث في التاريخ النبوي من وجه نظر غير ايمانية " تاريخية نقدية " . وهو مبنى على فرضية ان العقلية النقدية غير ايمانية . حيث حصر المؤلف مناقشته لاراء المستشرقين من حيث النقد و الترجيح و الموافقة. لكن الكتاب في الاخر هو عبارة عن نظريات و افتراضات للمؤلف فيجب ان تؤخد على انها كذلك و ليس انه التاريخ كما كان. كما وصفها الشيخ البوطي هذه المنهجية الغربية بالمنهج الذاتي و ابدى تبرمه منها في فقه السيرة
يعيد جعيط هنا في كتابه عن دعوة النبي محمد في مكة ترتيب وتنظيم المادة التاريخية المتوفرة عن تلك الفترة الحرجة من نشأة الدعوة، متجنبا الحكايات الأسطورية والخرافية عن المؤسس.
كتاب خطير ويتحدث عن أخطر مرحلة تأريخية في العالم، انبثاق الإسلام من مكة قبل أن يسيطر على المنطقة خلال نصف قرن. الاسم الحقيقي للنبي محمد إذن هو قُثَم بن عبد اللات، وهو لم يولد قبل 580 ولم يكن فوق الـ30 حين بدأت البعثة، ولبث في مكة 8 سنوات على الأكثر.. يؤكد هشام جعيط مراراً على دوره الصعب كمؤرّخ، ولا سيما للمرحلة المكية الغامضة جداً، فالسيرة بدأ تدوينها في أواسط العهد الأموي بطريقة شفوية نقلاً عن أهل المدينة، وقد قام المخيال الديني بلعب دور حيوي ومهم في تطوير الخرافات الجميلة التي لفّت حياة الأسطورة المحمّدية، بالإضافة للمخيال الذي صنعه الأمويون والعباسيون من تحييد بني أمية وتعظيم بني هاشم، لذا فإن هشام جعيط أولاً يتعاطى بشكل نقدي صارم مع المصادر التي لديه (وأهمها «الأناجيل الأربعة» سيرة ابن إسحاق وطبقات ابن سعد وأنساب الأشراف –البلاذري– وتاريخ الطبري) وثانياً يبني على الجهد المنقوص الذي قام به مستشرقون عظام ولا سيما الاسكتلندي مونتگمري وات والألماني ثيودور نولدكه والفرنسيَّين ريجي بلاشير وجاكلين شابي (حفظها الله). لكن القرآن يبقى المرجع الأهم لتحقيب السيرة.
بعد مقدمة عن المصادر ثم تمهيد أنثروپولوجي مطوّل حول تأسيس مكة وواقع العرب الاجتماعي والديني أيام البعثة، يبدأ الكلام عن نشأة محمد، هنا يكاد يجزم جعيط أنه أقام في الشام لفترة وتأثر بالكنيسة السورية ولا سيما مار أفرام السرياني، وهو تأثر كتابي وليس فقط سماعياً كما ذهب المستشرقون. ويعتمد جعيط إجمالاً على ترتيب النزول عند نولدكه وبلاشير، ليفصل معهما بين مرحلة مكية أولى (دعوة أخلاقية، ذكر ليوم القيامة) ثم ثانية (إعلان التوحيد الصارم، ذكر آلهة قريش بسوء) ثم ثالثة (تزايد حدة الاستهزاء والاضطهاد، زيادة رعب القيامة)، ورغم عرض السير بشكل نقدي يقصّر الكتاب في استنطاق القرآن نقدياً، بل يكتفي بإشارات متبعثرة كان يمكن التعمق فيها أكثر، كما يقصّر في تحليل الزلزال اللغوي الذي نزل به كلام الله على آذان العرب. لكنه يبقى مليئاً بالإشارات الذكية والتحليلات المعقولة، ولا سيما آيات الغرانيق التي يفرد لها عدة صفحات لا تكتفي فقط بتفنيد القصة بل بقلبها رأساً على عقب: ليس النبي من جامل القرشيين ومدح آلهتهم، بل هم الذين تنازلوا له وقبلوا بيوم الحساب وقالوا إن آلهتنا بنات الله وسيشفعون لنا يوم القيامة، وهنا نزلت آيات سورة النجم المستهزئة بذلك والمؤكدة على سخف أفكار القرشيين «إن هي إلا أسماء سمّيتموها أنتم وآباؤكم» ما يعني إعلان التحدّي وابتداء حقبة الوضوح والتشدد العقائدي وهو ما أغضب الملأ القرشي وجعله يبدأ مرحلة الأذى وتسليط السفهاء وفتنة المسلمين عن دينهم، وصولاً إلى الهجرة نحو يثرب التي يرى جعيط –معتمداً على مفهوم «الإخراج» القرآني– أنها تهجير قسري، إنما شاءت له صدف التاريخ أن يكون معجزة وفرجاً للدعوة. فهيا بنا إلى الجزء الثالث! :)
تاريخية الدعوة المحمدية في مكة, كتاب يعيد تشكيل تاريخ القرآن وتاريخ النبي محمد, وذلك بالاعتماد على مصدر تاريخي أساسي هو القرآن. ذلك أن القرآن مصدر يمكن الركون إليه, في حين أن المصادر الأخرى كالسِّيَر طغى عليها المخيال الديني والأساطير وداخلها الوضع والانتحال وتم تدوينها في مرحلة لا يمكن الوثوق بصحة كثير مما جاء فيها, وذلك خلافا لتدوين القرآن المبكر, هذا بالرغم من قلة الإشارات القرآنية للتاريخ المكي على وجه الخصوص .
هذا لا يعني تخلي المؤلف التام عن المصادر الأخرى, فهو يرجح بعض الروايات على أخرى ويعيد التحليل النقدي للسير والأنساب والتواريخ مثل سيرة ابن إسحاق وطبقات ابن سعد وتاريخ الطبري وأنساب الأشراف فيقوم “ باستقراء هذه المصادر بصفة نقدية, أي بنزع ثياب المصداقية الساذجة ومكافحتها بعضها ببعض… ومقارنتها بما أتى في القرآن كي يستخرج معنى وتسلسلا معقولا للأحداث “. مع ذلك يبقى القرآن مرجعه الأساس, فهو “ المصدر الرئيس الذي لا يُنَازَع “. إضافة إلى اعتماده على المراجع الحديثة وأغلبها استشراقية المأتى. وهو في الأخير يقر بأن ما قدمه “ افتراضات بدت لنا قريبة من الحقيقة التاريخية “
قراءة جعيط – كمؤرخ – ستعيد التفكير في الكثير من الثوابت أو مما اعتبر حقائق تاريخية تخص القرآن أو النبي محمد وسيرته وقد “ تبدو غير معهودة في أعين القارئ الممتلئ بما نُقل من السيرة وما تلقته الأفواه والعقول منذ أكثر من ألف سنة “. أداته في ذلك تحليل موضوعي رصين ومحايد, يتعامل مع النصوص كمؤرخ, متجاوزا حالة الإيمان ونقيضه, ولعل هذه أهم ميزة في الكتاب وصاحبه .
الكتاب أكثر من رائع في إعادة ترتيب ما تداخل من صفحات التاريخ الإسلامي المبكر..... لولا أنك تشعر في بعض الأحيان أن بعض الأفكار المطروحة تحتاج إلى بسط أكثر وتبحر أعمق..... كتاب أنصح فيه لكل مهتم في بواكير الإسلام بعيدا عن خزعبلات واختلاقات أغلب كتب السير....
يتناول هذا الجزء مسار الرسول في مكة من ولادته الى الهجرة، الوسط المحلي الذي ظهر فيه الرسول ودعا فيه دعوته( الوسط الوثني المكي- الحجازي) وتطور هذه الدعوة في محتواها الفكري من خلال القرآن أساسا.
هذه الدراسة على عكس الدراسة التي اعتمدها في الجزء الاول التي ركزت بالاساس على ماهية الوحي والنبوة من وجهة ميتافيزقية، هنا يقدم لنا دراسة تاريخية بحتة في موضوع حساس جدا لانه مرتبط بالماورائي والمعتقد.
هدف هذه الدراسة كما يبين الكاتب في المقدمة ليس المس بالمقدسات الاسلامية ولا بالذات النبوية وليس اقامة احكام، بل محاولة لتفسير الامور وليس الحكم عليها باستخدام منهج علمي تاريخي. فالحقائق الدينية يتم تناولها بالوصف والتحليل بالبحث في التأثيرات والتطورات ويضعها في لحظتها التاريخية من دون الالتزام بالمعطى الايماني.
عمد جعيط في هذا الكتاب على إخراج السيرة النبوية، اي تاريخ الرسول، من تراكم الافكار المسبقة او غير المثبتة او من التحليلات النفسية الواهية، و وضع بعض الاخبار التي أتت بها السِيَر واعتبرت كأنها معطى موضع سؤال ونقد وفي بعض الحالات يطرح تساؤلات قد تبقى معلقة اذ تعذرت الاجابة عنها.
لقد تم الاعتماد في هذا البحث على القرآن كمصدر رئيسي وكذا التحقيب التاريخي فيما يخصه من فترة مكية اولى وثانية وثالثة من خلال تتالي السور وتاريخية المقاطع داخلها، وقد اعتمد على ترتيب النزول عند نولدكه وبلاشير، ليفصل معهما بين مرحلة مكية أولى (دعوة أخلاقية، ذكر ليوم القيامة) ثم ثانية (إعلان التوحيد الصارم، ذكر آلهة قريش بسوء) ثم ثالثة (تزايد حدة الاستهزاء والاضطهاد، زيادة رعب القيامة).
كما تم استقراء المواد التي اتت بها المراجع الاستشراقية والمصادر التاريخية من كتب سِيَر ومغازي وأنساب وتواريخ خاصة ما يبدو قريب العهد بالاحداث ومقارنتها بما أتى في القرآن لاستخراج معنى وتسلسل معقول لاحداث، ملء الفراغات وضم الاحداث بعضها الى بعض خاصة ان المرحلة المكية غامضة جدا، فالسيرة بدأ تدوينها في أواسط العهد الأموي بطريقة شفوية نقلا عن أهل المدينة، لذا فإنه يتعاطى بشكل نقدي صارم مع المصادر التي لديه وأهمها سيرة ابن إسحاق وطبقات ابن سعد وأنساب الأشراف البلاذري.
من نتائج هذا البحث:
- الاسم الحقيقي للنبي محمد إذن هو قُثَم بن عبد اللات، وهو لم يولد قبل 580 ولم يكن فوق الـثلاثين من العمر حين بدأت البعثة.
- أن الرسول أقام في الشام لفترة وتأثر بالكنيسة السورية ولا سيما مار أفرام السرياني، وهو تأثر كتابي وليس فقط سماعي.
- لا يمكن قبول زمنية الدعوة كما ذُكِرت، الدعوة دامت ثمان سنوات، وليس ثلاث عشر، هذا ما يمليه منطق الاحداث وهذا ما تذكره اقدم المصادر.
- لم توجد في الواقع دعوة سرية الا اذا عنت الكلمة دعوة غير علنية، غير رسمية، موجهة للملأ. انما وُجدت دعوة عائلية ودخول في الاسلام من طرف بعض الشباب. ثم بسرعة اتسع العمل وانتقل النبي الى دار الارقم. كل هذا وقبل الاعلان الى الملأ تَشكّل اغلب القسم الأول من القرآن، علما ان الملأ من قريش كان يعلم محتواه وهذه الفترة كانت اقل من ثلاث سنوات. وتكونت النواة الاولى من المؤمنين.
- دعوة النبي على الملأ دعوته التي انصبت على اعانة الفقراء وعلى الانذار باليوم الاخير وانما لم يعر قريش اي اهمية لهذه الدعوة ولم يعتبروا انها ستنجح ولا حتى ذات معنى. وقعت القطيعة والعداء عندما عاب القرآن آلهة قريش بأسمائها ودخل في منهج اعلان التوحيد بصراحة وصرامة وذلك في اخر الفترة المكية الاولى مع سورة النجم والكافرون والاخلاص، عندئد كشفت الفتنة عن وجهها، فتنة ابناء العشائر وفتنة المستضعفين.
- عند هذه المرحلة بالذات امر الرسول بالهجرة الى الحبشة والتي تمت على فوجيين متتاليين وبالرغم من انه لا يوجد اي صدى لها في القرآن.
-خلال قرآن الفترتين الثانية والثالثة جابه الرسول الانكار والاستهزاء وحتى الاذى فكانت تجربة نفسية صعبة كتجربة الانبياء القدامى. ثم تتأزم الأمور فتتحدث عن الحصار بالشعب، وهو امر يصعب قبوله ويرمي الى اظهار معاناة بني هاشم دفاعا عن ابنهم الرسول، وهذا قد تم ايراده خاصة في الفترة العباسيين في محاولتهم لاضفاء شرعيتهم على الحكم وتحييد بني أمية وتعظيم بني هاشم.
- بعد موت ابي طالب ظهرت بقوة عداوة ابي لهب السيد الجديد لبني هاشم وصادقت العشيرة القريبة على اجلائه وطرده من مكة.
- حُلت هذه المشكلة باسلام اهل يثرب لاسباب دينية وظرفية وتقررت الهجرة الى المدينة التي يعتبرها القرآن "تهجيرا" وعندئد رجع المسلمون من الحبشة وتعزز موقف محمد من اسلام "الانصار".
- قصة مؤامرة قتل النبي وعقبة الحرب وبحث قريش عن النبي في طريق هجرته كلها خرافة لا سند لها في الواقع، انما تدخل كغيرها من الخرافات في اسطورة المؤسس.
لقد تم تنظيم جميع هذه المواد في قالب تاريخي بعيدا عن الاسطورية، قد تبدو هذه المحاولات والاستنتاجات غير معهودة في أعين القارئ الممتلئ بما نُقل من السيرة وما تلقته الافواه والعقول منذ اكثر من ألف سنة من هذا التاريخ التقليدي الذي يؤسس لموروث الانسان المسلم.
إذا وضعت تاريخ مؤسسي الأديان الكبرى تحت منظار التدقيق التاريخي، فإنه بالتأكيد لن يخرج منه سالماً. فالمخيال الجماعي للعامة دائماً ما يؤسطر حياة البطل المؤسس. وحياة محمد قبل البعثة غامضة، إننا نختلف على سنة ميلاده، وبالتبعية سنة بعثته، حتى علامات النبوة لا تصمد أمام البحث التاريخي. على عكس فترة ما بعد البعثة والهجرة تحديداً.
قسّم هشام جعيط جزئه الثاني من روايته للسيرة النبوية إلى قسمين: جذور الإسلام، ونشأة الإسلام. في القسم الأول بدأ بتقييم سريع لمصادر التاريخ الإسلامي موضحاً عدم وثوقية مدونات عصر التدوين (القرن الثالث والرابع الهجري)، ومن ثم ينتقل إلى تأسيس نواة بحثه: القرآن، ليقدمه كوثيقة تاريخية. سواء كنت تعتقد أن القرآن هو كلام الله المنزل على محمد (المعتقد الإسلامي)، أو تعتقد ببشرية النص وأنه من أفكار محمد، فلا شك أن القرآن متزامن ومنغمس في تاريخية الدعوة، فيبقى القرآن، في نظر جعيط، هو المصدر الوحيد الصحيح للتاريخ المحمدي. ثم ينتقل إلى تحليل انتروبولوجي جميل عن المجتمع العربي، القرشي تحديداً، خلال القرن السادس الميلادي. تحليل للبيئة الإجتماعية والسياسية والدينية التي وُلد فيها محمد، بيئة نشأت فيها أفكار ستصبح بعد ذلك أساس دين جديد وحضارة عظيمة.
بداية الكتاب الحقيقية كانت مع الفصل الرابع: المجتمع المكّي ونشأة محمد، عندما بدأ جعيط بربط حياة الرسول مع محيطه الجغرافي والإجتماعي. ثم يدرس مراحل تطور القرآن، ويخصص فصلاً كاملاً عن الهوية الإجتماعية لرؤوس الإيمان والكفر في مكة.
الكتابات التاريخية عن الفترة المحمدية عموماً والمكّية خصوصاً قليلة في لغتنا العربية، مع أن الموضوع يهمنا أكثر من غيرنا، فنلاحظ مونتجمري وات ومكسيم رودنسون يكتبون بحوثاً عن شخصية الرسول وحياته بشكل أكثر جدية، فالرسول محمد أخيراً شخصية عالمية أثرت بشكل محوري على التاريخ البشري. الكتاب هو محاولة جيدة جداً لقراءة تاريخ تسيطر الأسطورة عليه. ونظرة جعيط تبدو مقبولة تاريخياً.
الجزء الأول من الكتاب قد يكون قاعدة جيدة لقارئ مبتدئ في أنثروبولوجيا الشعوب وخصوصا الشعوب الأولى في المنطقة العربية و المستعربة فكرة كيفية جعل القرأن الكريم السند الأول لكل فكرة أو بحث كانت ممتازة و لكن تبقى ناقصة لأن القرأن ليس كتاب تأريخ و توثيق بشكل أساسي و ذكره للقصص أو لصور الإجتماعية ماهو إلا ربط لواقعة حاضرة تنبى عليها رسالة إلهية ما، لو أن الدكتور جعيط أجاز أكثر في التغلغل في المصادر العربية( شعر أحاديث نبوية سير و قصص ) لدراسة المجتمع الجاهلي لكان ذلك أكثر إمتاعا الجزء الثاني من الكتاب في أوله أسقطني في اللاهوتية بطريقة تجعل الإسلام متأثرا تأثرا كبيرا بالمسيحية يرجح جعيط أن نبينا الأكرم عالم بالمسيحية و قد يكون هذا قاعدة جهزت لنبوته "بدت لي كفكرة إستشراقية خالصة" أما عن بقية الجزء الثاني تأتي في شكل دراسات متعددة للسير القديمة لأول عهد الإسلام أجد فيها نفسي مشتتة القراءة لقصر معرفتي بالمستندات القديمة هذا كتاب بحث في تاريخ يحتمل الخطأ و الصواب و ليس كتاب توثيق جاهز