كانت أمي تحرص على متابعة أحداث محاكمة صدام ورفاقه، التي كانت تبث بتأخير عشرين دقيقة، بينما تعد الغداء، فيملأ زعيق القوم البيت كله. لم أكن أفهم كلمة بطبيعة الحال وأنا في الخامسة، لكني كرهت كثرة الصراخ في حديثهم. بعد عشرين سنة تقريبا، أمس، شاهدت مقاطع من الجلسات، بعد ما أثار اهتمامي عبود مصطفى عبود، بتحليله. إنها فعلا لم تكن محاكمة اعتيادية، أو أصولية، اتضح لي ذلك من أول عشر دقائق شاهدتها. وكأن قوات الاحتلال كانت عقدت العزم على إعدام صدام لكن احتاجت لمحاكمة صورية لتبريره. والنقاط التي أثارها عبود في الكتاب في محلها؛ فقضية الدجيل التي أدين فيها المتهمون تعتبر هينة بالقياس لقضايا أخرى كانت ذات تأثير وطني وإقليمي وربما دولي كحرب الخليج الثانية. ثم أن المتهمين كانوا يتمتعون بنوع من السلطة غير الاعتيادية في أجواء المحكمة، القاضي متحيز بوضوح بينما المفروض أن يكون محايدا، وهناك فوضى في المحاكمة بشكل واضح، حتى كانت كالمسرحية في نظر الكثير من العراقيين. ويرى بعض المحللين أن قوات الاحتلال عن غير عمد قد جعلت من صدام بطلا في موته، بسبب ما في محاكمته من ضعف.
لكن ما أثار استغرابي وأنا أشاهد مقاطع اليوتيوب تلك، هو تعليقات المشاهدين المتعاطفين مع صدام. إن هذه الظاهرة مثيرة للحيرة. أعني، بغض النظر عن القرارات والتوجهات السياسية وكل شيء، هل يختلف اثنان على أن صدام حسين دكتاتور؟ وأن نظامه كان فاشيا؟ ولنفرض جدلا أن العراق عاش ازدهارا اقتصاديا ورخاء في عهده، فهل يجعلنا ذلك نتسامح معه ونرغب في إحياء أمجاده؟ نظام الحزب الواحد والإعدام اللامقنن، والمحاكم الصورية، والمقابر الجماعية وغيرها مما يشيب له الرأس. هل سترضى بحياة "مزدهرة" في حين تعيش مكمم الفاه وفاقدا أغلب حرياتك؟
صدام حسين رجل عصامي، ولد لأسرة فقيرة وعاش طفولة بائسة، وتمكن بفضل نشاطه السياسي ودهائه ربما أن يصير الرجل الأول في العراق لخمس وثلاثين سنة. اختلف لاحقا مع مؤسس حزب البعث ميشيل عفلق وخالف العديد من توجيهاته السياسية. وهو شخصية غريبة معقدة نفسيا، كحال أغلب المستبدين.
يتناول الكتاب تاريخ موجز للعراق وحياة صدام حسين قبل وأثناء الحكم حتى إعدامه. الكتاب مُركَّز وقصير، ومؤثر وحزين أيضا لما فعله صدام وما فُعل به وما آلت إليه العراق.
صدام حسين، ذاك الرجل الذي اختلفت حوله الأوقاويل، فتجد في العائلة الواحدة من يراه زعيم العروبة، وآخر يراه سفاح سيكوباتي.
ذلك اللغط الكثير حول تلك الشخصية جعلني مشتتة في الحكم عليه حكما صافيا، لكني كنت أميل لكونه سفاحًا.
وجاء هذا الكتاب وأزال اللغط بذكر حقائق تاريخية محايدة، لكن لا يسعك إلا أن تفتح فاهك وتتعجب من نقص الوعي الذاتي لدى ذلك الرجل، متبوعًا بآلالاف المبررات التي يخلقها لنفسه دفاعًا عن جرائمه التي ترقى لجرائم حرب.
ومع ذلك تجد في رسالة موته أن الرجل مصر على الإنكار بثقة تبعث في النفس الريبة، مؤكدا على زعامته وبطولته وتأييده من قبل الله، في فصل التحليل النفسي لشخصيته نجد مفتاحًا لتلك الشخصية وتكوينها المتناقض.
لكني مازلت أتحفظ على إعدامه من قبل حكومة احتلال، التي بالمناسبة تفعل أبشع مما يفعل، وتصر على تقديم نفسها حامية الحمى والإنسانية، فلقد حوكم محاكمة مسيسة لا عدل فيها ولا حياد، كان من أكبر نتائجها الكارثية أنها وضعته في صورة البطل في أذهان الكثيرين من أبناء جلدتنا.
الكتاب عبارة عن تاريخ موجز للعراق وحياة صدام حسين قبل وأثناء الحكم حتى إعدامه. ذاك الرجل الذي اختلفت حوله الأوقاويل، فتجد في العائلة الواحدة من يراه زعيم العروبة، وآخر يراه سفاح سيكوباتي. الكتاب مُركَّز وقصير، ومؤثر جدا.. حين ترى ما فعله فيهم وما فعلوا به..
الكتاب سيرة مختصرة لحياة الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، يتطرق إلى تسلمه الحكم وأبرز محطات حكمه، إلى ساعة إعدامه، الكتاب قيم في مجاله، رغم قلة صفحاته، بأسلوب مشوق، نتطلع لمطالعة كتاب آخر للمؤلف.
This entire review has been hidden because of spoilers.
كتاب موجز وحيادي يروي قصة العراق ومراحل صدام حسين من طفولته إلى مماته، استمتعت وتأثرت وانصدمت، كان لدي بعض من الفضول لهذه الشخصية من طفولته وتحليله النفسي، فوجدت لفضولي بعضاً من الأجوبة.تأثرت بقصة حارس العمارة المصري البسيط