حي بن يقظان هي قصة رمزية تتناول حياة الإنسان في بحثه عن الحكمة والوصول إلى حقيقة الوجود لتبقى روحه معلقة بالجانب الإلهي وحده، وهي في ذلك نص أدبي يعتبره الكثيرون أصل فنون القصّ العربية بما تحويه من لغة وسرد وخيال أدبي وفلسفي على مستوى في غاية العمق. تنتمي قصة حي بن يقظان في الأصل إلى تراث ما قبل الحضارة الإسلامية ثم اختفت قرونا طويلة لتعاود الظهور على يد الشيخ الرئيس ابن سينا للمرة الأولى باللغة العربية. ثم يمر زمان حتى يعيد كتابتها ابن طفيل الذي نقلها إلى حيز الرواية مضيفا إليها أسئلة جديدة كانت تشغله كواحد من أهم فلاسفة الأندلس، ثم يقدمها للمرة الثالثة تحت عنوان الغربة الغريبة شيخ الإشراق السهروردي الذي حمّلها مفاهيمه الصوفية معتبرا عمل ابن سينا فصله الأول الذي يكمل عليه.
Director of the Manuscript Center/Museum, the Bibliotheca Alexandrina. Professor of Philosophy and History of Science.
Awards and Grants: - 2009 International Prize for Arabic Fiction (IPAF) In Association with the Booker Prize Foundation - Imam Muhammad Madi Abul-‘Aza’im Award in the field of Islamic studies in 1995. - ‘Abdul-Hamid Shuman Prize in the field of social studies in 1996 for his book Fawā’ih al-Jamāl wa Fawā’ih al Jalāl- ‘Fragrance of Beauty & Revelations of the Magestic’ by Nijm al-Dīn Kubrā. - A special Award from the International Academy of Learning in 1996 for his academic corpus.
كتاب مبهر إلى أقصى حد .. حي بن يقظان هو رمز الانسان الباحث بعقله عن حقيقته وحقيقة الكون، وقد تم كتابة القصة بأربع صياغات مختلفة على يد ابن سينا وابن طفيل والسهروردي وابن النفيس
مقدمة يوسف زيدان الطويلة الثرية التي وضع فيها سيرة مختصرة للمؤلفين الأربعة ونبذة عن زمنهم وعلاقتهم بمعاصريهم كالغزالي وابن رشد والفارابي، ثم شروحه وتعليقاته على هوامش النصوص الأربعة كانت راااائعة .. النصوص رمزية جداً معقدة جداً مختصرة جداً، تلمح ولا تصرح، خاصة في نص السهروردي الذي لولا شرح يوسف زيدان له لما فهمته أبداً
النصوص تحتوي قدراً رهيباً لا يوصف من الابداع الفكري والأدبي البلاغي .. ابن النفيس لا يبالغ عندما يقول "لو لم أعلم أن تصانيفي تبقى بعدي عشرة آلاف سنة ما وضعتها" (ولا يمنعه هذا الاعتزاز بنفسه من التواضع والاعتراف بالعجز عندما سئل عن سبب رفضه لشرح كتاب الشفاء في الفلسفة لابن سينا فقال "عبارة الشيخ الرئيس غَلِقة في بعض المواضع")
هناك العديد من الأمور اللافتة للنظر جداً في هذه النصوص .. مثلا فوجئت فعلاً بأن تمثيل الذات العلوية الغيبية / الله بشخص في إطار قصة أدبية هي فكرة مطروحة منذ هذا العهد، فهو عند ابن سينا ملك القوم وهو عند السهروردي جد القوم!، ولم يثر هذا أي امتعاض عند أي من معاصريهم .. هناك من هاجم ابن سينا وابن طفيل والسهروردي لأن في قصصهم هناك تلميح لنظرية العقول العلوية أو روح العالم التي يراها علماء آخرون مناقضة للتوحيد الخالص في العقيدة الاسلامية - نفهم ضمنياً من نص السهروردي ان روح العالم هي ما يرمز له بالأب أما الله فهو الجد - لكن لم ينتقدهم أحد لذلك التمثيل الرمزي في حذ ذاته
حتى ابن النفيس الذي كتب كتابه ((لينتصر فيه لمذهب أهل الإسلام)) - خاصة في التأكيد على أن الوصول (للملكوت الأعلى) يلزمه النبوات والرسالات السماوية وليس العقل فقط كما نفهم ضمنياً من قصة ابن سينا - فهو في سياق القصة يجعل بطله (فاضل بن ناطق) بتخلق ذاتياً بلا أب ولا أم من أمطار نزلت في مغارة احتجزت الطين والعفن!! وهو أيضاً لم يتعرض لانتقاد على ذلك من أي حد يخرج عليه ليقول أنه ينكر الخلق مثلا! .. الجميع كان يفهم الفارق بين الكتاب وبين العمل الأدبي
بحضرني فوراً مفارقة ما حدث للغلبان نجيب محفوظ رغم أنه وضح صراحة بما لا يقبل اللبس أفكاره وما يقصده بروايته
أيضاً في كل النصوص وبخاصة في نصي السهروردي وابن طفيل هناك اقتباسات كثيرة جدااا من الألفاظ والتعابير القرآنية، ولم يثر هذا أي غضاضة حتى لو كان الاقتباس بمستوى قول السهروردي ((...والفلك المشحون قد مر بنا على جزيرة يأجوج ومأجوج إلى الجانب الأيسر من الجودي، وكان معي من الجن من يعمل بين يدي، وفي حكمي عين القطر، فقلت للجن انفخوا فيه، حتى صار مثل النار، فجعلت سداً، حتى انفصلت عنهم وتحقق وعد ربي حقاً ...)) الغلبان بلال فضل اضطر لاعادة نشر المقال الذي يرد فيه على الهجوم الذي يصله باستمرار لاستخدامه اقتباسات من تعابير قرآنية، ثم عاد من جديد لنفس الأمر في برنامجه عصير الكتب، والشاعر احمد مطر لم ينجُ من الانتقاد بعد استخدامه لنفس الأسلوب في قصائد مثل (بلاد ما بين النحرين)، بينما في ذلك الزمن لم تكن هذه قضية مطروحة أصلا!
لفت نظري بشدة أن في قصة ابن طفيل يحكي عن أن حي بن يقظان حاول التشبه بحركة الأفلاك فكان يدور حول نفسه حتى يغشى عليه .... هذا بالضبط ما سيقوله ويفعله جلال الدين الرومي عندما ينشيء رقصة المولوية!! توارد أفكار غريب!! هذا جعلني أنتبه إلى التشابه في العديد من الأمور الأخرى .. مثلا يتكرر تلميحاً او تصريحاً فكرة الوصول إلى تلك المرتبة المسماه بالفناء/ الوَجد، والمشكلة الدائمة هنا هي أن كل من يعود من هذه الحالة يعجز عن وصفها بالكلمات .. أو على حد تعبير نص ابن طفيل ((.... أفضي بي إلى مشاهدة حال لم أشهدها من قبل، وانتهى بي إلى مبلغ هو من الغرابة بحيث لا يصفه لسان، ولا يقوم به بيان، لأنه من طور غير طورهما وعالم غير عالمهما ...)) ((... ومن رام التعبير عن تلك الحال فقد رام مستحيلاً وهو بمنزلة من يريد أن يذوق الألوان المصبوغة من حيث هي الألوان، ويطلب أن يكون السواد مثلاً حلواً أو حامضاً...)) أو ما يوجزه السهروردي في نصه ((... وبقى معي من اللذة مالا أطيق أن أشرحه)) هذا يذكرنا بالغزالي الذي هاجم الفلاسفة والصوفية كثيراً قبل أن (يذوق ويعرف) هو أيضاً ليقول واصفاً عجزه عن الوصف: فكان ما كان مما لست أذكره .. فظن خيراً ولا تسأل عن الخبرِ
بعد موت ابن سينا التقى تيارا الفلسفة والصوفية اللذان كانا يسيران في مسارات متوازية ليواجها اشكالية (ما أعرفه يراه ... وما يراه أعرفه) .. الفلاسفة وصولوا بعقولهم إلى تصور الأمر دون أن يعيشوه، والصوفية عاشوه دون أن يفهموه أو يصفوه .. عندما قابل ابن رشد محيي الدين بن عربي - كبيرا التصوف والفلسفة في عصرهما - سأله: كيف وجدتم الأمر في الكشف والفيض الإلهي، هل هو ما أعطاه لنا النظر؟ فقال له: نعم، ولا، وبين نعم ولا! تطير الأرواح من موادها والأعناق من أجسادها!
كل هذا يذكرني بشدة بحالة النيرفانا والذوبان في روح العالم التي يصلها الرهبان البوذيين في التبت .. بل إن هناك حالات مسجلة لرهبان ارتفعوا عن الأرض أثناء وصولهم لتلك الحالة، وبالمثل بالضبط في كتب التراث عندنا هناك حديث عمن تتلبسهم الملائكة/ الشياطين - حسب اتجاه الكاتب - عندما يصلون إلى الوجد فيطيرون في الهواء! بل إن قصة بوذا الذي جلس تحت شجرة ليفكر ويتأمل ثم قام من تحتها وقد امتلك حكمة العالم فجأة هي قريبة جداً بشكل ما من قصة محيي الدين بن عربي الذي يتحدث عنه ابن رشد فيشكر الله أنه عاش في زمان رأى فيه ((من دخل خلوته جاهلاً وخرج مثل هذا الخروج، من غير درس ولا بحث ولا مطالعة ولا قراءة ... هذه حالة أثبتناها، وما رأينا لها أرباباً، فالحمد لله الذي أنا في زمان فيه واحد من أربابها الفاتحين مغالق أبوابها، والحمد لله الذي خصني برؤيته)) .. تشابه أكبر من أن يكون مجرد صدفة ..!!
يستحيل أن يكون كل هؤلاء الفلاسفة والصوفية المسلمين الذين تحدثوا في نفس الأمر عبر مئات السنين، وهو نفس ما تحدث عنه البوذيون في أقصى العالم متفقين معاً على كذبة كبرى! هناك (شيء ما) .. لم أفهم ما هو .. هم أنفسهم اعترفوا بعجزهم عن وصفه واختلفوا في تفسيره .. لكن هذا الـ (شيء ما) الغير مفهوم موجود بالتأكيد ...
كتاب مهم في فئته، بداية نص ابن طفيل كان الأهم أدبيا، و نص السهروردي كان الأهم روحيا، ويوسف زيدان محقق فضائحي، مهتم بتوضيح مثالب من .سبقوه مستعرضا لعضلاته العلمية
يمثل حي بن يقضان الانسان العاقل ذو الفطرة السليمة الذي يمتلك الرؤية الواضحة والقلب السليم الذي وجد الله بأستخدام العقل والقلب , وجد هذا الانسان نفسه في جزيرة منعزلة يسكنها مع الحيوانات والنباتات فقط , وحيدا فلا بشر غيره على هذه الجزيرة , قص هذه الحكاية اربعة فلاسفة وكل واحد منهم اضاف لمسته الخاصه اليها لتظهر بأربعة اشكال مختلفة ولكن الفكرة الاساسية فيها جميعا ظلت واحدة وهي سعي الانسان الى الكمال , ان لا يكتفي بالعالم المادي ويرتفع عن غريزة الحيوان فيه المتمثلة بالطعام والشراب و النوم والشهوات , بأختصار الكمال الذي كان يبحث عنه حي بن يقضان هو الله . ابن سينا هو اول من ابدع هذه الحكاية وقد جعلها مختصرة بدون تفاصيل ربما وجدها زائدة ثم من بعده ابن طفيل الذي كتبها وعزز جانب العرفانية والتصوف فيها فكانت كخارطة طريق للقارئ الذي يبغي الوصول الى الكمال عن طريق العرفان والتصوف , ثم من بعدهم يكتب الحكاية السهروردي , ويضيف فيها ايات من القران الكريم ويستخدمها كمادة ادبية ايضا , فيعزز فيها الخطاب ويقويه , اخيرا يأتي ابن النفيس الذي يستنكر كيف ان حي بن يقضان قد وصل الى الكمال ( وهو الله ) دون الحاجة الى اي شريعة سماوية او الاقتداء بأي نبي فهذا حسب قوله خطر يفتح الباب على فكرة تكذيب النبيين او على الاقل القول بعدم الحاجة اليهم فيكتب ابن النفيس حكايته ويوضح الدور المهم الذي يلعبه الدين والانبياء في تيسير الطريق للانسان الباحث عن الله وتأطير الطريق كي لا يبقى الانسان ضائعا في صحراء الافكار الواسعة التي لا يمكنه فيها ان يصل لا الى الكمال ولا الى غيره لكثرة الافكار والنحل والملل فيضيع عمر الانسان في بحث لا طائل منه السؤال الذي بقي ملازمني اثناء القراءة هو هل ان طريق العرفان يمكن ان يسع الجميع ؟ وهل من اختار ان يبقي على شيء من حواسه الدنيوية وشهواته لا يمكن ان يجد السبيل ؟ ابن طفيل يلمح الى هذا المعنى كثيرا رغم انه ينكره ( مكرها ربما ) على لسان بطله حي بن يقضان ويعترف ان اغلب الناس لا يرحبون بهذا الطريق بل لا يريدون ان يسمعوا شيء عنه ولا عن من يسلكه وهذا ما تلاحظه واقعا من تكفير وكره شديد للعارفين والمتصوفين واتهامهم بكل ناقصة . اما ابن النفيس فلا يرجح السير في طريق لا يؤمن على سائريه بل يؤيد الاقتداء بحذافير الشرائع وكما نعرف فأن ما زهد فيه العارفين من امور الدنيا لم تحرمها الشرائع ابدا وهنا على الانسان ان يقرر اي طريق يسلك ليصل الى الله .
يسأله : أن يبث له من أسرار الحكمة المشرقية والتي قال عنها ابن سينا "فأعلم أن من أراد الحق الذي لا جمجمة ف��ه، فعليه بطلبها والجد في اقتنائها"
فيجيب ابن طفيل السائل أن لهذا السؤال غرضين فيقول عن الغرض الأول :
"ولقد حرك مني سؤالك خاطراً شريفاً أفضى بي، والحمد لله، إلى مشاهدة حال لم أشهدها من قبل، وانتهى بي ألى مبلغ، هو من الغرابة بحيث لا يصفه لسان، ولا يقوم به بيان، لأنه من طور غير طورهما وعالم غير عالمها."
يصل ابن طفيل في نهاية الإجابة عن هذا الغرض "إما أن تسأل عما يراه أصحاب المشاهدة والأذواق والحضور في طور الولاية، فهذا مما لا يمكن إثباته على حقيقة أمره في كتاب.ومتى حاول أحد ذلك، وتكلفه بالقول أو الكتب، استحالت حقيقته، وصار من قبيل القسم النظري”
ويكمل ابن طفيل “والغرض الثاني من الغرضين اللذين قلنا إن سؤالك لن يتعدى أحدهما، هو أن تبتغى التعريف بهذا الأمر على طريقة أهل النظر. وهذا، أكرمك الله بولايته، شىء يحتمل أن يوضع في الكتب وتتصرف به العبارات، ولكنه أعدم من الكبريت الأحمر(تعني الندرة)”
ويبدأ في وصف قصة حي بن يقظان
وحي بن يقظان له روايتان في ميلاده، سأذكر أحدهما
إنه في جزيرة عظيمة، عامرة بالناس، يملكها رجل شديد الأنفة والغيرة، وكانت له أخت ذات جمال حسن وباهر، فمنعها من الزواج إذ لم يجد لها كفؤ. وكان لها قريب اسمه يقظان فتزوجها سراً، ثم حملت منه، فوضعت طفل فخافت أن .يفتضح أمرها، وضعته في تابوت فحمله إلى ساحل جزيرة أخرى
جزيرة باختصار لم يكن يعيش بها إنسان، وكان المد في ذلك الوقت يدخل إلى موضع لا يصل إليه إلا بعد عام.ولم اشتد الجوع بذلك الطفل بكى،سمعت صوته ظبية فتتبعت الصوت حتى وصلت إلى التابوت وهو ينوء من داخله فحنت الظبية وحنت عليه ورئمت به وأروته لبنها وما زالت تتعهده وتربيه.
تموت الظبية وعمره سبع سنوات، ويبدأ الطفل محاولة أن يعالج الظبية فينظر إلى جميع أعضائها فلا يرى بها آفة ظاهرة، فكان يطمع أن يعرف موضع الآفة فيعالجها فترجع إلى ما كانت عليه.
فلما نظر إلى جميع أعضائها الظاهرة فلم يجد بها آفة، وقع في خاطره أن الآفة التي نزلت بها، إنما هي في عضو غائب عن العيان، مستكن في باطن الجسد.
يتخذ حي من الأحجار وشقوق القصب أشباه سكاكين ويبدأ الشق بين أضلاعها، ببساطة يبدأ في تشرحيها في محاولة منه لإيجاد الآفة، حتى يصل إلى القلب،، بعد ذلك يدفنها حي في التراب بعد أن ينتن الجسد وتزيد نفرته عنه.
تبدأ رحلة التدبر مع حي منذ ذلك الحين فيبدأ يبحث في الجزيرة عن ما يشبهه من الحيوانات فلا يجد.
يظل ابن طفيل من خلال حي وتدبره في الكائنات والسماء والطبيعة في وصف فلسفة أرسطو ثم أفلاطون ثم الفلسفة الصوفية وهذا ما يصعب تلخيصه.
ولكن فيه يحاول أن يكشف ابن طفيل عن طريق أن الإنسان بتدبر الكون والتفكُر فيه يستطيع أن يعرف الله بالعقل.
هذا كان جزء من نص ابن طفيل وهم أربع نصوص أفضلهم نص ابن طفيل حاولت تلخيص جزء منه.
ابن سينا - ابن طفيل - السهروردي - ابن النفيس كل من هؤلاء الأربعة الفلاسفة الإسلاميين العظام كان له رؤيته الفلسفية الخاصة و ضمنها مؤلفات و تصانيف عظيمة كانت منارة للعالم في الفلسفة و علومها . في هذا الكتاب الرائع للعالم و المحقق و الباحث الكبير الدكتور يوسف زيدان نرى كلاً منهم وقد وضع قصة عن شخص وُجد وحيداً في جزيرة نائية و كيف يصل الى الحقيقة و المعرفة. كل من هؤلاء الأربعة صاغ قصته على حسب رؤيته و فلسفته الخاصة. تتبع الدكتور يوسف زيدان قصة حياة الفلاسفة الأربعة في الجزء الأول و توجهاتهم الفلسفية و المعرفية بشكل رائع و ممتع ثم قام بتحقيق النصوص الأربعة لكل منهم على حده في الجزء الثاني معلقاً في الحواشي و شارحاً لبعض ما ورد في تلك النصوص. الكتاب متميز جداً لعشاق الفلسفة و الفكر و أسلوب الدكتور يوسف زيدان و لغته الراقية زادته روعة و جمالاً
تحفة أدبية وإنسانية فريدة ! قديماً، قرأت قصة حي بن يقظان بنص ابن طفيل منفرداً .. ووجدتها رائعة الآن وقد قرأت النصوص الأربعة الكاملة لمبدعيها العظام .. أرى أنها جليلة كما للجلال أن يكون.
قبل أن أتطرق للحديث عن النصوص نفسها، لا بد لي أن أشير إلى السبب وراء الملل الذي أصابني في بداية قرائتي للكتاب، وربما كان سيـُثنيني حقاً عن إكماله .. أحمد الله أنه لم يحدث أنا أرى أن د.يوسف زيدان قد أفرط في التقديم للكتّاب الأربعة وفي سرد الأحداث الموازية .. وأظنه أسهب -وربما بالغ- في تأويل الحكايا فيما وراء حياة المبدعين الأربعة على خلفية كتابتهم للنصوص .. وإن أعجبني في نفس الوقت تحليله للفروق الجوهرية بين كل نص وآخر، والتي لولاها لوجدتُ بعض الصعوبة في فهمها.
نص السهروردي بالغ العذوبة، وهو يضوي بصوفية عميقة .. ويطرح أسئلة سرمدية عن ماهية الروح والوحدة وحقيقة الوصول فيما أسماه: الغربة الغريبة.
نص ابن طفيل الفلسفي والباعث على التأمل، هو المفضل لدي بالمقارنة بالثراء الأدبي واللغوي لنص الشيخ الرئيس ابن سينا .. وهو تحفة فنية وأدبية من الطراز الأول بالمناسبة.
بإمكانك أن ترى بوضوح الآن عظم الأثر الذي تركته هذه الرسالة في الثقافة الإنسانية بشكل عام .. على سبيل المثال لا الحصر، قصة روبنسون كروزو في الثقافة الغربية هي شديدة الشبه بالفتى حي بن يقظان، الذي نشأ بلا أب -وحط تحت بلا أب دي مية خط- فوق جزيرة نائية ليعيد اكتشاف الكون معتمداً على التأمل والتجريب وإعمال العقل بالاستناد إلى الفطرة المجردة .. وكما سبق أن ذكرت، فالقصة تتعرض للمفاهيم الصوفية الأصيلة كما يعرفها شيوخ الطرق الصوفية الآن ومنذ عدة قرون مضت، وبالتأكيد تأثرت معرفتهم بالتساؤلات المعلقة التي تطرحها رسالة حي بن يقظان أو ربما هم جميعاً يدورون في نفس الفلك الغامض، ومن ثم صح وجوده وإن عجزت مداركهم -وبالطبع مداركنا- عن معرفة كنهه تحديداً.
سأعود مجدداً لأكتب عن النصوص بشكل أكثر تفصيلاً متى أُتيحت لي فرصة الهدوء والتقاط الأنفاس.
رحلة أسطوريّة فى الكشف عن حقائق النفس الإنسانيّة و طريقها إلى الإيمان نصّ ابن طفيل عظيم جدّاً ، قرّبنى أكتر إلى ( الصوفيّة ) اللى أنا باحبّها جدّاً أصلاً أمّا نصّ ابن سينا ف أظنّ إنّى لسّه بدرى جداً عقبال ما أفهمه بكل ألفاظه ودلالاتها و عمقها و فلسفيتها ، لسّه كتييييييير أوى لازم نقراه عشان نفهم ابن سينا كان يقصد إيه ؟ أمّا نص السهروردى ف دة كان أشبه ب استعراض عضلات ( إيمانيّة ) و ( قرآنيةّ ) من مولانا السهروردى فى تفسيره لرحلة الإنسان من الشك وصولاً إلى اليقين و الإيمان أمّا ابن النفيس ، ف تقريبا كدة هاعتبر نفسى ما قريتش الكلام اللى هوّ كتبه لإنه أقلّ حاجة اتكتبت فى ال 4 نصوص ــــــــــــــــــــــــــــــــ يعنى ممكن نعتبر إنّ ابن طفيل هو الوحيد اللى عمل حاجة اسمها ( فلسفة ) فى قصّة ( حىّ بن يقظان ) و ملالى دماغى جدّاً ــــــــــــــــــــــــــــــــ أقدر اعتبر التعليق دة مبدأى إلى حين ما يتيح ليّا القدر قراءة أخرى لهذه الرائعة الإنسانيّة الخالدة ( حىّ بن يقظان ) ـــــــــــــــــــــــــــــــ اقروها كلكم !....هاتعيشوا أجواء جمييييلة جدّا بيها
كتب ابن سينا حي بن يقظان - نسبة إلى العقل اليقظ - لتشكل هذه الرواية أساس الرواية العربية القديمة والتب راجت رواجا كبيرا في الثقافة الإسلامية ، فتوقف عندها السهروردي ليعارض صرف معظم القصة للكلام عن العالم الأرضي دون الولوج إلى الإشارات الربانية ، وتوقف عندها ابن طفيل ليزيد أفكارها تفصيلا وفلسفة ، ثم توقف عندها ابن النفيس ليلمح أن ابن سينا جعل العقل يرتقي إلى الملكوت الأعلى دون هداية من الشريعة كما يفعل الصابئة المنكرون للنبوة فضمن روايته تدرجا يفضي إلى اللجوء إلى الأنبياء لمعرفة الحقيقة الإلهية.
لعل أكثر النصوص قربا للرواية الشائعة بين الناس والتي تحول بعضها إلى أعمال فنية هي رواية ابن طفيل ، أما رواية السهروردي فتتحدث عن رجل حُبس في بئر ، وأما رواية ابن النفيس فهي تتحدث عن تولد إنسان في كهف بدون أم ولا أب تقوده الفطرة إلى الانقياد المحتوم إلى شرائع الإسلام.
تستحق القصة أن يُعاد كتابتها في قالب روائي يواكب المستلزمات الأدبية والفنية للرواية الحديثة ، ولا ننسى جهد المحقق الكبير في المقدمة فقد أضاف الاستاذ يوسف زيدان إضافة متميزة لمقدمة فهم هذه النصوص وخلفيات كاتبيها الفكرية.
لقراءة المراجعة على رسالة و قصة حي بن يقظان وهي مراجعة عامة لمختلف النسخ مع التركيز على نسخة ابن طفيل من هنا
مميزات هذه الطبعة
: القسم الأول منها بعنوان : المبدعون الأربعة . في غاية الأهمية وهذا بسبب ما يلي
1.وجود ترجمة ممتازة و وافية لكل مبدع من مبدعين هذه النصوص فهي تتضمن :
* ترجمة لابن سينا من كتاب ( عيون الأنباء في طبقات الأطباء ) وهي ترجمة وافية تمتاز بأنها في جزء منها عبارة عن سيرة ذاتية قصها ابن سينا على تلميذه الجوزجاني ، و جزء منها استكمال للسيرة بقلم الجوزجاني من حيث توقف ابن سينا ، والقسم الأخير إضافة قام بها مؤلف كتاب عيون الأنباء .
*ترجمة لابن طفيل وهي من الترجمات المهمة بسبب قلة المصادر التي قامت بالترجمة لابن طفيل من جهة ، و من جهة أخرى لعدم ذيوعها و انتشارها ، وهي منقولة من كتاب ( المعجب في تلخيص أخبار المغرب ) لعبد الواحد المراكشي . بالإضافة إلى استطراد متعلق بعلاقة ابن طفيل بابن رشد في غاية الأهمية .
* ترجمة لشهاب الدين السهروردي وهي من أوفي الترجمات الموجودة له منقولة من كتاب ( نزهة الأرواح و روضة الأفراح المعروف بتاريخ الحكماء ) لشمس الدين الشهرزوري التلميذ غير المباشر لشهاب الدين السهروردي .
*ترجمة وافية لابن النفيس منقولة من كتاب ( مسالك الأبصار لأخبار ملوك الأمصار )
2.تحليل وتفسير لكل نص من النصوص الأربعة ضمن ترجمة كل منهم : 1.حي ابن يقظان – ابن سينا . 2.الغربة الغربية – السهروردي . 3.حي ابن يقظان – ابن الطفيل . 4.فاضل بن ناطق – ابن النفيس . من خلال تتبع النص إلى مصدره الملهم الأول في مدرسة الإسكندرية القديمة . و يتعرض يوسف زيدان لموضوع الإنصال و الإمتداد في التراث العربي الإسلامي الذي قل نظيره من خلال دراسة هذا النص كمثال ممتاز لهذا الموضوع . و قام المؤلف في هذا القسم بعقد مقارنات من الناحية الأدبية و الفنية بين النسخ المختلفة ، بالإضافة للتعليق والشرح على فحوى كل نص من النصوص .
*** أما القسم الثاني فيحوي النصوص الأربعة ، فالطبعات الأخرى للنصوص تحتوي أخطاء مطبعية و إسقاط بعض الفقرات ، و استبدال عدة ألفاظ على يد من قام بالطباعة و التصرف فيها لعدم فهمه إياها !! بالإضافة إلى أن هذه الطبعة تحتوي نسخة ابن النفيس الغير موجودة في طبعة أحمد أمين المشهورة . فأفضل خيار لقراءة النصوص هو هذه الطبعة بتحقيق يوسف زيدان .
حي بن يقظان في البداية أنا مدين بالاعتذار ليوسف زيدان لأنني لم أنصفه عندما انتقدت الكتاب عند قراءتي لأول مائة صحفة تقريبا حيث انني وجدت شروح قصة حي بن يقظان مباشرة دون النص الأصلي بالإضافة إلى التفريعات العديدة التي رأيتها كذكر سيرة ابن رشد وابن ماجة مثلا وذكر أكثر من ترجمة لكاتب القصة كما انني شعرت بتحيزه للصوفية، إلا انني بعدما وضعت الكتاب جانبا وقرأت القصة الاصلية لابن سينا واجهت صعوبة بالغة في فهم القصة بما تحويه من رموز فكان لابد لي من الرجوع الى يوسف زيدان مجددا وكان ذلك خير ما فعلت.
الكتاب عبارة عن شروحات للرسائل الاربعة لحي بن يقظان والذي وضعها الكاتب في اخر الكتاب ومبتدئًا اياه بالشرح.
القصة كتبها على الترتيب ابن سينا ثم ابن الطفيل ثم السهروردي باسم الغربة الغربية ثم ابن النفيس باسم فاضل بن ناطق، ولكن نظرا للتشابه بين ابن سينا والسهروردي حيث الرمزية الشديدة وقصر القصة سألخصهما معا بينما ابن الطفيل وابن النفيس سويا حيث الوضوح والقصة اطول قليلا خاصة عند ابن الطفيل.
ابن سينا (الشيخ الرئيس) المتوفى 1037، السهروردي المقتول (شيخ الاشراق) المتوفى 1191 قبل الحديث يجب ان نعرف ان ابن سينا يؤمن بنظرية الفيض وهي فالأصل كانت عند أفلوطين ثم طور عليها ابن سينا، حيث انه يؤمن بان العالم والله أزليان ولكن الله متقدم على العالم كما يتقدم الواحد على الإثنين وليس زمنيا ولكن العالم متعدد والله واحد ولا يصدر عن الواحد متعدد وهنا يأتي دور نظرية الفيض حيث ان الله هو المسمى فالنظرية الواجب الاول هو اشبه بعقل محض وهو تقريبا منكفئ على ذاته لا يفكر الا في ذاته ولا يليق به التفكير بمن هو أقل منه (وهنا نوع من التنزيه من وجهة نظره) , وعند ادراكه لذاته يصدر عن الواجب الاول عقل أول من دون ارادة او قصد وعند ادراك العقل الاول للواجب الاول يصدر عنه عقل ثم عند ادراك العقل الاول انه واجب الوجوب لعلة يصدر عنه نفس الفلك الاول ثم عند ادراكه لذاته وانها ممكنة الوجود قبل وجوده يصدر عنها جسم الفلك الاول, وبنفس الطريقة يفيض عن العقل الثاني العقل الثالث والنفس والجسم من الرابع وهكذا دواليك حتى العاشر وهو المسمى بالعقل الفعال الذي تفيض عنه النفس البشرية وعبر هذا العقل تتصل بعض العقول البشرية بعالم الغيب إما عن طريق الحكمة أو عن طريق النبوة. يبدأ ابن سينا قصته مخبرا بلقائه شخص يدعى حي بن يقظان يصف لنا اياه فيقول: رجل كبير بالسن ولكن بصحة جيدة وهو من بيت المقدس ومهنته السياحة في الأرض، بينما يبدأ السهروردي قصته معترضا على ابن سينا حيث وجدها تحكي عما في الأرض وليس عما في السماوات وتنشغل بالقوى الانسانية أكثر من الحقائق الروحانية.
يرمز حي بن يقظان إلى العقل اليقظ للإنسان في رحلته الى الملكوت الاعلى وهنا يتشابه كلاهما في الرحلة إلا أن السهروردي يرمز إلى العقل بصديق اسمه عاصم يرافق حي بن يقظان في رحلة صيد طيور اللجة الخضراء والمقصود بها النفحات الربانية، وفي قصة ابن سينا والذي يرافقه أصحاب سوء وهي قوى الإنسان: الخيال الوهم والغضب، كما ان في الانسان قوة الشهوة الحسية الداعية الى تحصيل اللذائذ البهيمية دون شبع, ولا يستطيع الانسان الخلاص من قواه الحسية إلا بالارتقاء إلى عالم الحضرة الإلهية، ويستمر السهروردي في رحلته لكن عند النهايات لم يعد يذكر عاصم وهي إشارة ضمنية بان الطريق الى الله عند حد معين يكون بالقلب لا بالعقل وتمضي قصة الغربة بعروج الروح من سجن الجسد بعد اشارة سماوية جاء بها الهدهد في القصة.
ويواصل حي طريقه عند ابن سينا حيث يعرج الى العالم العلوي الذي يتربع على عرشه ملك فيقول عنه: أدناهم منزلة من الملك واحد هو أبوهم وهم أولاده وحفدته، وعنه يصدر إليهم خطاب الملك ومرسومه. وهنا اشارة قوية الى نظرية الفيض، وبهذا يكون وصف الملك في هذه القصة منصرفا الى العقل الفعال الذي هو اخر سلسلة الفيوضات العلوية العشرة الصادرة عن الذات الالهية المسمى بالنظرية بالواجب الاول.
ابن الطفيل 1185, ابن النفيس 1213 يبدأ ابن الطفيل قصته بالحديث عن كيفية وجود حي بن يقظان على جزيرة الواق واق الهندية (الموجودة في المخيال العربي) حيث سرد لنا قصتين عن وجوده الأولى عن طريق تخمره من الطين أي بدون اب ولا أم، بينما في السردية الثانية يولد من اخت ملك كان قد حبسها ومنعها من الزواج فحبت قريب لها وانجبت منه حي بن يقظان ثم وضعته في تابوت وألقته في اليم، ويترك للقارئ اختيار القصة التي تناسبه، ثم يتابع سرده للأحداث حيث تأخذه ظبيه لتربيه.
يعتمد ابن النفيس السردية الثانية عند ابن الطفيل, ثم تموت الظبية فيكون شيء غير مفهوم لحي بن يقظان حيث يبدأ في اكتشاف سر سكون جسد الظبية ويقوم بتشريحها ومن هنا يبدأ بتشريح حيوانات أخرى بعد ان يستنتج ان الجسد هو مجرد اله وهناك شيء خفي يحركه ثم يكتشف الروح ثم عن طريق التفكير والتأمل يصل إلى الخالق مستخدما حجة المحرك الاول (وهي بالأساس عند ارسطو) وهنا اشارة الى نظرية المعرفة (الابستمولوجيا) يعتكف حي يقظان في كهف على جزيرته النائية متفكرا في ذات الله زاهدا في الطعام حتى تأتي سفينة حيث يلتقي بأبسال وهو زاهد صوفي يعلم حي بن يقظان العبادات بعد صعوبة في التواصل بينهما في البداية ثم يعودان برفقة سلامان الذي يمر بالجزيرة الى حياة المدن ومخالطة الناس، وهنا رمزية حيث حي بن يقظان يمثل الفطرة السليمة وأبسال الزهد والصوفية اضافة الى انه الرسول الذي يوصل الرسالة الي حي معلما اياه الشرائع والعبادات وسلامان يكون رمزا للفقه الذي يحتاجه الناس. حيث ان حي بن يقظان يكون مستغربا من اهتمام الدين بأمور مثل الزكاة وهي بحسب وجهة نظره ليس لها اهمية فالمهم هو معرفة الله ولكن مخالطته الناس تعرفه ان هذا العرفان الصوفي إذا صح القول لا يناسب العامة ثم يعود هو وأبسال الى عزلتهما الاولى في الجزيرة زاهدين في هذه الدنيا باحثين عن لذة العرفان فكما يقال من ذاق عرف، والاختلاف بين القصتين ان عند ابن النفيس لا يعود حي بن يقظان الى عزلته ويعرف ان الحياة لا تكون إلا بالتعاون بين الناس.
رأيي الشخصي: بعدما أنهيت من الكتاب سألت نفسي سؤال، ما الذي استفدته من هذا الكتاب؟ من وجهة نظري لا يوجد كتاب لا تستفيد منه ولكن عندما قرأت هذا الكتاب كان أملي منه أن يضيف لي في الجانب الفلسفي والفكري وخاصة في نظرية المعرفة، سأقول بالنسبة لابن سينا والسهروردي وبعدما بذلت جهد في فهم نصهما انهما لم يأتيا بجديد فنظرية الفيض التي تعد ركيزة فالقصة هي تراث أفلوطيني وحتى لو كان لهم الأصالة فيه فهو كلام مثالي غارق في الميتافيزيقيا لا يمكن اثباته ولا يفيد من الناحية العملية في شيء مثله مثل عالم المثل عند افلاطون، ربما نستطيع ان نجد عزاءً في الجانب الأدبي. بالنسبة لابن الطفيل فعلى الصعيد الأدبي فلا شك انه نص رائع وكان فيه أفكار فلسفية جميلة لكنها ليست جديدة فهي اغريقية مزجت بالدين لتكون أقرب الى علم الكلام منه الى الفلسفة، اما ابن النفيس فلم يخالف القصة الا في فكرة العزلة. أزعجني في نهاية قصة ابن الطفيل لهجة صوفية استعلائية عندما يقول وقد اشتمل على حظ من الكلام، لا يوجد في كتاب ولا يسمع في معتاد خطاب وهو من العلم المكنون الذي لا يقبله إلا أهل المعرفة بالله ولا يجهله إلا أهل الغرة بالله. كما أزعجني نهاية السهروردي المقتول بأمر من صلاح الدين، لقد تعودنا ان ننتقد الكنيسة الكاثوليكية في العصور الوسطى وحفظنا قصة جاليليو وجوردانو برونو وغيرهم ولكن علينا قراءة تاريخنا بطريقة موضوعية فالسهروردي والحلاج وحتى رجال دين تقليديين مثل أحمد ابن حنبل هي خير دليل على ان حرية الرأي لم تكن مكفولة في العصور الوسطى حتى في العالم الاسلامي الذي لطالما تغنوا بعصوره الذهبية وهم امر للأسف ما زلنا نعاني منه.
في طبعةً فائقة الجودة مزودة بتنقيح وتحقيق في غاية الإمتاع من المفكر ومحقق التراث د/ يوسف زيدان ، جائت قصة (حي بن يقظان) ، وهي قصة تم إعادة صياغتها من قبل أربعة من أشهر أعلام المسلمين (ابن سينا - ابن طفيل - السهروردي - ابن النفيس) اختلفت كتابة كل منهم بحسب مشاربه الفكرية وقناعاته الإيمانية والعقلية ، متفقةً جميعها على وجوب استدلال الإنسان على الله عز وجل وسائر آياته في الكون ، حتى ولو لم يرسل إليه الرسل ، فرغم أن الأنبياء هم رجال الله وهم خيرُ البشر ، إلا أنه تعالى لو لم يُرسل أنبياؤهُ إلى الناسِ لألزمهم حجته ، ولكان ذلك منه عدلاً مطلقاً ، ذلك أن الله قبل إرساله الرسل ، أرسل إلى العقل البشري كلماته وألزمه الحُجة ، فالكون كتاب الله المفتوح ، المليء ببليغ المعجزات والآيات الدالة على وجوده سبحانه ، والإنسان ذاته - بالنسبة لذاته - آية من آيات الله أيضاً تلزمه الحجة . ولو طاف الإنسان بنفسه ، أو ساح بذهنه في الآفاق ، لرأى حينئذٍ معجزات الله مستعصيات على العد والحصر ، بليغات في البيان والإدلال ، ولو استجمع الإنسان نقاؤه الداخلي وأنعش به قدرته على التذكر ، لتذكر حينئذٍ كلمات الله يوم أخذ العهد على آدم وذريته ... "وإِذْ أَخَذَ رَبُكَ مِنْ بَنِي آدمَ مِنَ ظُهُورِهِم ذُرِيَتهم ، وأَشْهَدَهُم عَلَى أَنفُسِهِم : أَلَسْتُ بِرَبِكُم ؟ قَالُوا : بَلَى" والله لا يعامل الإنسان بالعدل وحده ، انما يعاملهم بالرحمة ، وما الأنبياءُ سوى فيض من فيوض رحمته . عمل قيم جداً ، جدير بالقراءة والتأمل ، ولقد صدر في عدة طبعات بعدة تحقيقات ، إلا أن أفضلهم على الإطلاق هي الطبعة المحققة من د/ يوسف زيدان .
استعراض مهم لرواية "حي بن يقظان " وأصحابها الأربعة ابن سينا والامام شهاب الدين السهروردي وابن طفيل وعلاء الدين بن علي المعروف "بابن النفيس " الدراسة محاولة للـتاكيد علي أن " حي بن يقظان " هي أول رواية عربيه علي عكس المتداول أن " زينب " لمحمد حسين هيكل هي أول الروايات العربية
أسلوب يوسف زيدان في العرض التراثي التأريخي بيأكد وجهة نظري فيه يوم عن التاني وهو ان يوسف زيدان أستاذ التراث لا يقارن بيوسف زيدان الروائي ! وهو ثروة فكرية دون أدني شك
الكتاب مهم جدا ودراسة يوسف زيدان عن المبدعين الأربعة شيقة وجميلة وأهم بكتير من الاستعراض الروائي لما كتبوه
كما في كل كتب الدكتور زيدان تأتي المقدمة متميزة و غنية بالفوائد. فيبين للقارئ في هذه المقدمة أهمية اتصال التراث الأدبي ،كما ينبه على مكانة من سبقوه بنشر حي بن يقظان بمختلف نصوصه. من ثم يخبرنا بما تتميز دراسته هذه، فيذكر أنه حقق النصوص جميعا كما حقق سير مبدعيها و انتقى من السير أوفى ما وجد.
فتأتي أولا سيرة الشيخ الرئيس "ابن سينا" في جزء يحكيه ابن سينا بنفسه على تلميذه الجوزجاني، و يكمل الجزء الباقي الجوزجاني نفسه و الذي رافق ابن سينا حتى آخر أيامه. يليها سيرة ابن طفيل ،صاحب النص الأطول و الأكثر شهرة ضمن النصوص الأربعة. و هو نص استلهم فكرته من نص ابن سينا، و سماه بنفس الاسم "حي بن يقظان".بالإضافة إلى بعض من قصائده و ما قيل عنه و في روايته التي أثرت -على ما يبدو - على الأدب الأوربي. ثم سيرة السهروردي، و هو الشيخ القتيل أو الشهيد. الذي يأتي بنصه مستكملا نص ابن سينا و يسميه "الغربة الغربية" . إلا أنه نص أشد تعقيدا و أكثر رمزية ، و معظم ألفاظه مستقاة من الآيات القرآنية. و لشدة رمزيتها يكتب د.يوسف زيدان عن "الغربة الغربية" : "و قصة السهروردي ، التي أعاد فيها صياغة قصة ابن سينا ، تعد واحدة من أروع نصوص التراث العربي الإسلامي، و مع أنها تقع في عدد قليل من الصفحات، إلا أن رمزيتها الشديدة و كثافة التضمين القرآني فيها، جديران بتوليد المريد من المعاني في كل مرة تقرأ فيها القصة.. ناهيك عن دقة المضمون و رهافته، بحيث يمكن القول - بحق- إن هذه القصة لا تجوز قراءتها إلا للخاصة، فعوام الناس ليس بوسعهم تحصيل شيء من معانيها."
و قد صدق..
و أخيرا سيرة (ابن النفيس) صاحب النص الرابع و المسمى بـ "فاضل بن ناطق" كمعارضة في العنوان و المضمون لقصة ابن سينا
السيَر الأربعة مثيرة للعجب و الإعجاب
و أما النصوص.. فتثير العجب أكثر و أكثر ففي نص ابن سينا يظهر تأثره بالفارابي و بغيره.. و مع أن في قصته بعض الرموز التي لست متأكدة من فهمي إياها على الوجه المطلوب، إلا أنها قصة ممتعة بلغتها الشعرية و بمعانيها الفلسفية..
و أما نص ابن طفيل.. فقد كان نصا شديد الجمال بما حمله من لغة دقيقة و دروس في الفلسفة و طرق التفكير.. صحيح أن حي بن يقظان قد يكون مخلوق خيالي، لكنه مثال الإنسان الذي عاش بفطرة سليمة و تعلم كل شيء بعقله، لا بعقل غيره. ثم تعرف على أبسال و تعلم على يديه تعاليم الدين.. تأتي فلسفة ابن طفيل في روايته هذه بين فلسفة ابن سينا و بين فلسفة ابن النفيس.
ففي نص ابن النفيس (المقتصر في الكتاب على الجزء الأدبي) يعيش "كامل" في جزيرة لوحده و يتعلم بنفسه كما في نص ابن طفيل، إلا أنه حين يلاقي بشرا غيره ، يهرب إليهم من وحدته و يبقى معهم.
نص ابن النفيس كان نقدا و معارضة بالدرجة الأولى لنص ابن سينا، و يبدو أنه لم يعتن بالجانب الأدبي - كما فعل سابقوه- حتى بدت القصة مباشرة جدا، مصداقا لمقدمتها :"فإن قصدي في هذه الرسالة، اقتصاص ما ذكره فاضل بن ناطق عن الرجل المسمى بكامل؛ فيما يتعلق بالسيرة النبوية و السنن الشرعية، على طريق الإجمال،ملتزما ترك الإسهاب، و معرضا عن الإغماض، و موضحا للمطالب بقدر الإمكان، و على الوجه اللائق ..."
إلا أن علم و فلسفة ابن النفيس يجمّلان نصه كثيرا..
أما "الغربة الغربية" فهي نص صوفي جدا.. و كيف لا تكون و كاتبها هو السهروردي المقتول. ولذا "لا تجوز قراءتها إلا للخاصة، فعوام الناس ليس بوسعهم تحصيل شيء من معانيها."
...
لما قرأت نص ابن طفيل (و أنا اقرأه للمرة الأولى) شعرت بالغبن لأني لم أعرف عنه قبل الآن..صحيح أني كنت أسمع بالاسم، و لكن لاشيء غير الاسم. و شعرت بالغبن لأنه لا يُدرس في مدارسنا، بل لا يذكر عنه شيء في منهج الأدب (حسب ما أذكر). فنحرم من تلقي هذه العلوم و هذا التراث الذي نحتاجه كثيرا لئلا نبدأ من حيث بدأ السابقون..
و كما أشار د.يوسف زيدان ، فإن أول رواية عربية لم تكن "زينب " لمحمد حسين هيكل، بل كان من الواجب أن يقدم نص ابن طفيل على أنه هو أول رواية عربية.
..
قراءة هذا الكتاب تجعلني أحب تراثنا الإسلامي العربي أكثر و أكثر ، فشكرا لـ د.زيدان :)
عرض جيد لحركة الفلسفة الإسلامية و التصوف و إعادة إنصاف لاستقلالية و تميز الحركة الفكرية و تأثرها بروافد الوحي الأصيلة بعد موجة مبالغة من بعض المثقفين المنسحقين حضاريا تأثرا بالغرب و المستشرقين في نسب كل فضل للفلسفة اليوناية و المبالغة في إضافة هالات من التبجيل الزائد على ابن رشد تحديدا
أولى المحقق جهدا مشكورا في مقابلة النصوص و تصحيفها و تصحيحها و أحيانا بالغ في توجيه النقد لأصحاب الطبعات الأخرى بينما لم تسعفه دار النشر (الشروق) حين أساءت إخراج الكتاب و وقع في كثير من الأخطاء المطبعية التي كان يعيب بعضها في الطبعات الأخرى (فليست كلها أخطاء تحقيق) و هذا مما يزيد حسرتنا على حال صناعة الكتاب في مصر من دور النشر الكبيرة قبل الصغيرة خاصة عند مقارنته بإخراج بعض دور النشر العربية المتميزة في الشام أو المغرب أو إنجلترا - ناهيك عن مقارنته بدور النشر الأجنبية
نص ابن سينا مكثف غامض، فيما السهروردي تشعر كأنه تخاريف عبثية تشبه بعض أعمال المثفقين المعاصرين التي لا يفهمها غيرهم، بينما نص كل من ابن طفيل و ابن النفيس قصصي رائع ممتع يبعث على التفكير و التأمل على كذا مستوى طوال السرد
من أبرز الإشارات (نصي ابن طفيل و ابن النفيس) :
- فطرة الإنسان السليمة توصله بالضرورة للتوحيد و عبادة الخالق دون الحاجة لوحي في حين يحتاج للشرائع عبادته و أمور حياته معا ... ـ (و أبني على هذه الفكرة أن الدين في الأساس لم ينزل على البشر ليؤسس لهم منهجا جديدا خارجيا عليهم ، فالمجتمع البشري بالفطرة السليمة و دون عوامل و مؤثرات استثنائية يستطيع أن يهتدي لما جبل عليه من توحيد الخالق و تنظيم علاقاته المجتمعية من تجارة و زواج و حقوق و واجبات و ممارسات تحقق الصالح العام و محرمات تمنع إلحاق الضرر بالجماعة .. كل هذا يضعه المجتمع في صورة أعراف من تلقاء نفسه و بما يوافق ما ارتضاه الله له شرعا دون أن تصل له رسالة من السماء .. إنما نزول الرسالة جاء لتقويم البشر حين يحيدوا عن الفطرة التي تشوهت بفعل الزمن و المؤثرات و غياب التذكرة .. لكن المتأمل في النصوص المنزلة يجد أنها لا تؤسس مفاهيم جديدة فعلا بقدر ما تقر و تنظم و تضع ضوابط و أحيانا تسكت على ما تعارف عليه الناس بالفعل في أمور تضعها الفطرة المجتمعية بالضرورة لتنظيم شئونها وعلاقاتها) ـ
- المقابلة بين سلامان و أبسال حين اختار أحدهما العزلة و الخلوة و الوصول بينما الآخر اختار الانخراط في المجتمع و التمسك بالظاهر ثم فشل محاولة حي الارتقاء بأهل جزيرتهما و التسليم بصحة المسارين مع عدم الإنكار على أيهما
- اختيار ابن النفيس لرواية تخلق فاضل داخل مغارة بدلا من إلقاء الطفل في التابوت - وتفضيله لمسار الانخراط في المجمتع بعكس تفضيل ابن طفيل مسار العزلة الصوفية
.•اقتباس: "سوف تظل الأبواق الإستشراقية تقول: ليست هناك فلسفة إسلامية، وإنما هي الفلسفة اليونانية ظهرت مرة أخرى عند المسلمين، وليس هناك فكر إسلامي، وإنما هو رجعٌ ترجيعٌ لفكر اليونان.. إلخ. فترد أبواقنا قائلةً: الحضارة العربية الإسلامية هي أصل الحضارة الأوروبية .. إن دانتي تأثر بأبي العلاء، وديفو تأثر بابن طفيل، وديكارت بالغزالي.. إلخ. ويسمى الأمر: سجالاً بين الأبواق"
• عن الكتاب: حبس الطبيب المتفلسف ابن سينا في قلعة همدان وهناك قام بكتابة رواية من أشهر روايات التراث العربي《حي بن يقظان》مشيراً إلى نفسه الحي اليقظ. من بعده قاموا كل من ابن طفيل وابن النفيس و السُهروردى بكتابة نسخهم الخاصة بفلسفتهم وبلاغتهم وأفكارهم. يقوم الكاتب يوسف زيدان في هذا الكتاب بدراسة تحليلة/ نقدية أدبية لكل نصوص الروايات الأربعة، بالإضافة إلى جزء من حياة كل من المؤلفين الأربعة وفلسفتهم وتصوفهم.
يوسف زيدان..كم انت عبقري كتاب مذهل فعلا بكل المقاييس..شرح رسالات حي بن يقظان للفلاسفة الاربعة الى جانبهم جزء من سيرهم الذاتية اثبات ان العرب مكانوش متخلفين اثبات ان العرب فعلا اباء العلماء ابن سينا كان شيعي ابن طفيل اتكلم عن الجاذبية قبل نيوتن رسالة ابن النفيس تثبت انه اول من نفذ التشريح مقتل السهروردي يثبت الطاغوت اللى فى عصر صلاح الدين ابن رشد واخد حجم اكبر من حجمه الغزالي كفّر الناس كلها تقريبا تفسير لفظ "قاف" كتاب فيه كمية معلومات رهيبة و اجمل حاجة فيه رسالة ابن طفيل..ازاى تقدر توصل لوجودية ربنا بالعقل..عبقري..كتاب عبقرى ..
الكتاب لخواص الخواص بالفعل و اخد وقت طويل عشان اكمله رغم انه صغير .. التحقيق اخد وقت 3 اضعاف الوقت المستغرق فى قراية الدراسة .. الفكرة او النقطة السلبية رغم تشوق الواحد لقراية الاطروحات الاربعة او قراءة حى بن يقظان بشكل عام ان موضوع خواص الخواص دا لم يذكر الا فى نهاية الدراسة عند التحليل و قبل التحقيق بمعنى انك بعد ما قريت اكتر من نصف الكتاب يخبرك دكتور يوسف زيدان انك بنسبة كبيرة مش هتفهمه .. مفهمتش السبب فى كدة بصراحة .. كتاب لم يقدم لى شئ يذكر الا بعض المعلومات عن اصحاب الاطروحات الاربعة فقط
تاريخ رمزية حي بن يقظان في الادب العربي و مسيرتها من الفلسفة الهيلينية الى مدارس الاسكندرية و رحلة في عقول فلاسفة الاسلام الكبار بن سينا و رمزية الاخلاق بن طفيل و المعرفة الكاملة "الغنوصية و الرسالية" السهراوردي و مقام الوصل و محاكاة بن النفيس بتعليق رائع للدكتور يوسف زيدان اجمالا تلك الطريقة في تصوير الافكار الفلسفية و ترميزها باسلوب راق و لغة قوية لا تخلوا من الاشارات و الدلالات مع بعض الابهام المقضود لخدمة غرض الكاتب في عدم وصول المعنى الصريح لغير اهله
قصة حي بن يقظان من أمتع القصص التي شدتني منذ فترة طويلة, فقد قرأت نسخة ابن طفيل لها على صورة رواية مصورة كانت مؤثرة جدًا! و لذا سعدت كثيرًا بقراءة هذا الكتاب الذي حرره د. يوسف زيدان, فقد أضاف د. زيدان الكثير من التعليقات و القصص التي ساهمت بشكل كبير في توضيح المعاني و التعريف بالكتاب الأربعة.