الرحلات في الادب-المقالات العربيه تاريخ و نقد العصر الحديث
في هذا الكتاب تتابع المؤلفة رحلتها الأبجدية مع أدب الرحلات، وبعد كتابها "الجسد حقيبة سفر" الذي اقتصرت رحلاته على مدن أوروبا الغربية وأخرى عربية، ترافق غادة السمان هذه المرة شرقاً لنزور بانوك، ومانيلا وسينغافور، وهونغ كونغ وسواها، ثم نرحل غرباً إلى نيويورك وواشنطن ولوس أنجلوس وهوليوود، ولاس فيغاس واورلاندو وميامي وغيرها من مدن الولايات المتحدة. في محاولة للتعرف على التضاريس الروحية للناس في البلدان التي تزورها، وعلى جغرافيا قلوبهم ومناخاتهم النفسية والروحية. فالرحيل حوار صامت مع الحضارات الأخرى.
English: Ghadah Samman. غادة أحمد السمان (مواليد 1942) كاتبة وأديبة سورية. ولدت في دمشق لأسرة شامية عريقة، ولها صلة قربى بالشاعر السوري نزار قباني. والدها الدكتور أحمد السمان حاصل على شهادة الدكتوراه من السوربون في الاقتصاد السياسي وكان رئيسا للجامعة السورية ووزيرا للتعليم في سوريا لفترة من الوقت. تأثرت كثيرا به بسبب وفاة والدتها وهي صغيرة. كان والدها محبا للعلم والأدب العالمي ومولعا بالتراث العربي في الوقت نفسه، وهذا كله منح شخصية غادة الأدبية والإنسانية أبعادا متعددة ومتنوعة. سرعان ما اصطدمت غادة بقلمها وشخصها بالمجتمع الشامي (الدمشقي) الذي كان "شديد المحافظة" إبان نشوئها فيه. أصدرت مجموعتها القصصية الأولى "عيناك قدري" في العام 1962 واعتبرت يومها واحدة من الكاتبات النسويات اللواتي ظهرن في تلك الفترة، مثل كوليت خوري وليلى بعلبكي، لكن غادة استمرت واستطاعت ان تقدم أدبا مختلفا ومتميزا خرجت به من الاطار الضيق لمشاكل المرأة والحركات النسوية إلى افاق اجتماعية ونفسية وإنسانية.
:الدراسة والاعمال
تخرجت من الجامعة السورية في دمشق عام 1963 حاصلة على شهادة الليسانس في الأدب الإنجليزي، حصلت على شهادة الماجستير في مسرح اللامعقول من الجامعة الأمريكية في بيروت، عملت غادة في الصحافة وبرز اسمها أكثر وصارت واحدة من أهم نجمات الصحافة هناك يوم كانت بيروت مركزا للأشعاع الثقافي. ظهر إثر ذلك في مجموعتها القصصية الثانية " لا بحر في بيروت" عام 1965. ثم سافرت غادة إلى أوروبا وتنقلت بين معظم العواصم الاوربية وعملت كمراسلة صحفية لكنها عمدت أيضا إلى اكتشاف العالم وصقل شخصيتها الأدبية بالتعرف على مناهل الأدب والثقافة هناك، وظهر أثر ذلك في مجموعتها الثالثة "ليل الغرباء" عام 1966 التي أظهرت نضجا كبيرا في مسيرتها الأدبية وجعلت كبار النقاد آنذاك مثل محمود أمين العالم يعترفون بها وبتميزها. ورغم أن توجها الفكري اقرب إلى اللبرالية الغربية، إلا أنها ربما كانت حينها تبدي ميلا إلى التوجهات اليسارية السائدة آنذاك في بعض المدن العربية وقد زارت عدن في اليمن الجنوبي في عهدها الماركسي وافردت لعدن شيئا من كتاباتها. كانت هزيمة حزيران 1967 بمثابة صدمة كبيرة لغادة السمان وجيلها، يومها كتبت مقالها الشهير "أحمل عاري إلى لندن"، كانت من القلائل الذين حذروا من استخدام مصطلح "النكسة" وأثره التخديري على الشعب العربي. لم تصدر غادة بعد الهزيمة شيئا لفترة من الوقت لكن عملها في الصحافة زادها قربا من الواقع الاجتماعي وكتبت في تلك الفترة مقالات صحفية كونت سمادا دسما لمواد أدبية ستكتبها لاحقا. في عام 1973 أصدرت مجموعتها الرابعة "رحيل المرافئ القديمة" والتي اعتبرها البعض الأهم بين كل مجاميعها حيث قدمت بقالب أدبي بارع المأزق الذي يعيشه المثقف العربي والهوة السحيقة بين فكرة وسلوكه. في أواخر عام 1974 أصدرت روايتها "بيروت 75" والتي غاصت فيها بعيدا عن القناع الجميل لسويسرا الشرق إلى حيث القاع المشوه المحتقن، وقالت على لسان عرافة من شخصيات الرواية "أرى الدم.. أرى كثيرا من الدم" وما لبثت أن نشبت الحرب الأهلية بعد بضعة أشهر من صدور الرواية. مع روايتيها "كوابيس بيروت " 1977 و"ليلة المليار" 1986 تكرست غادة كواحدة من أهم الروائيين والرئيات العرب.
رحلات غادة من الشرق الاقصى الى الغرب بعد حرب لبنان بالثمانينات في محاولة لان تنسى الام الوطن وهمومه الا انها وكما تقول انك لا تسافر ابداً لانك تجد نفسك مسافراً الى داخلك انت .... الى وطنك انت وزمنك وجرحك انت ... كان السفر هو محاولة للتفرغ لسفر آخر سري... سفر الانسان الى داخل خارطة ذاته
اعجبتني رحلاتها للشؤق الاقصى اكثر من رحلاتها للغرب
أمثالها لا يخضعن لتقييم! تمنيت ألا تنهي ترحالها برؤياها المتفردة لكل محطة تزورها. من سواها يكتب " بدا لي زمني الشخصي مثل مسرحية من فصل واحد يعيد تمثيلها كل مرة أشخاص مختلفون، و يبقى الجوهر واحدا، و المسرحية نصف مملة، بكاؤها يدفع بك إلى التثاؤب، و ضحكها يدفع بك إلى الأسى المشفق" "كل يوم يمر بي، يزيدني يقينا بأن الرحيل هو أسوأ طريقة للابتعاد. .و أسخف وسيلة للفراق. أي هرب، مادامت الأشياء تسكننا، و مادمنا حين نرحل هربا منها، نجد أنفسنا وحيدين معها وجها لوجه" "الذي يحدث حقا هو أن الليل لا يموت، و الفجر لا يولد، و كل ما في الأمر هو أن الزمن يرتدي الوجه الآخر المضيء لمعطفه، و يعود ليبدله لحظة الغروب" هي فقط!
هذا الكتاب يمكن يعتبر نسخة مصغرة من " الجسد حقيبة سفر" ، وتستمر غادة كما أعرفها القلب الذي ينبض بكل ماهو عربي! تسافر بأجنحتها هنا وهناك وتنقل لي كل مايحدث هناك بكثير من المتعة والتشويق فأحب أن أكون الشخص الذي يحكى له عوضاً عن يسافر بنفسه! لكنها تدخل همومنا في كل حكاية وكأن السفر لايمنعها أن تترك قلبها وعروبتها لترحل عنها كما يفعل الآخرون، بل إنها تراها هناك وتتنفس هوائها.. هي أرادت إجازة تنسى فيها كل شي فاكتشفت " اننا لانستطيع خلع الماضي عنا كما نخلع قميصاً عتيقاً" ـ وتقول عنها " انا كاتبة مهمتي مقاتلة طواحين الهواء.. فأين المفر؟ " ـ اقرأو لغادة حين تكتب مقالاً وستعرفون شخصاً آخر
لأول مرة ألتقي بالأديبة غادة السمّان، ومن حسن حظي أن اللقاء الأول كان على متن " شهوة الأجنحة" في أدب الرحلات، حيث دعتني لسفرٍ مجانيٍّ معها للشرق وللغرب! ومن اللحظات الأولى أيقنتُ كم أنَّ الرحلة ستكون ممتعة وشيّقة!
حكت لي غادة في كتابها هذا عن رحلاتها لدولٍ أربع من شرق آسيا: تايلاند، الفلبين، الصين، سنغافورة ( بالطبع ليس بجميع مدن كل دولة منها ) .... الحقيقة أنها لم تحكِ لي بصيغة الماضي و(كان) و ( حدث) و ( رأيت) و (سمعت) ! بل هي بالفعل أخذتني معها يداً بيد وجالتْ بي في تلك الأماكن الساحرة.. وأوقفتني بجانبها تماماً حيثما وقفت، فأرتني بالضبط ما رأت.. وأسمعتْني كل ما سمعتْ.. رغم أني هنا لم أبرح مقعدي منذ فتحتُ كتابها !! صدقوني إني لا أمزح أيها السادة، فبراعة قلمها فعل ذلك وأكثر، فاستخدامها - مثلاً- أسلوب الفعل المضارع جعلها تبدو وكأنها تنقل الحدث على الهواء مباشرةً، وليس أنها كتبته بعد أن انتهى ! وهي تصف كل شيء بالتفصيل الممتع.. فتجعلك تراه مجسداً أمامك وتلمسه وتشمّه .. وتكاد تنصت لصوت خطواتك وأنت تمشي معها في الطرقات، وتستمتع بمنظر القوارب التي تقطع الأنهار، وتشاهد الفيلة والقرود والأفاعي، وتدخل معها المطاعم السياحية التي ذكرتها وتتذوق معها الأكلات المقدّمَة، وتسمع أصوات الناس من حولك، وتستشعر كل المعاني الإنسانية التي أومأت إليها وتتامل معها فيها، و..و... وتكاد تنسى أنك في الحقيقة تقرأ بضعة حروف فقط.... !!
ثم حملتني بعد ذلك وطارت بي نحو الغرب... نحو أمريكا وطوّفت بي في مدنها ومعالمها المختلفة: فلوريدا، ديزني لاند، ميامي، نيويورك، سان فرانسيسكو، لاس فيجاس، هوليوود... وكذا شلالات نياغارا في كندا.. الخ
إذاً كتاب " شهوة الاجنحة" لغادة السمّان في حقيقته مجموعة مقالات كانت تنشرها غادة في مجلات متنوعة مثل: مجلة "الوطن العربي" على مدار سنوات مختلفة، ثم جمعتها معاً في هذا الكتاب، في 189 صفحة بدون الفهرس، ونشرت طبعته الأولى في تموز من عام 1995م (( ولها أيضاً كتبٌ أخرى عديدة في مجال أدب الرحلات ))
وينقسم "شهوة الأجنحة" إلى قسمَيْن رئيسيّيْن أستطيع أن أسمّيهما أنا: القسم الآسيوي والقسم الأمريكي، ففي الكتاب 46 مقالة، منها فقط 10 مقالات عن رحلتها للأربع دول في شرق آسيا ( تايلند، الفلبين، الصين، سنغافورة) وهي في أول الكتاب، ثم 36 مقالة عن رحلتها لأمريكا بمدنها المختلفة ( فلوريدا، ديزني لاند، نيويورك، هوليوود، لوس أنجليس، ... الخ )
- تاريخ مقالاتها في القسم الآسيوي كان في عام 1980م ، بينما تتراوح تواريخ مقالاتها عن رحلة أمريكا ما بين 1991 و 1994 م ( مما يدل أنها كانت أكثر من رحلة مختلفة) .. - بالنسبة لي القسم الآسيوي كان الأجمل.. وبكثيير! تشعر فيه بروح الإنسان وجمال الطبيعة وغرائب الحياة.. الوصف فيه للأماكن وللوجوه كان حميمياً.. حتى لغة غادة السمان في كتابته كان شاعرياً أكثر... لدرجة أنني وجدت فيه عشرات العبارات بل والفقرات الكاملة الصالحة للإقتباس.. بعكس القسم الأمريكي! الذي فيه أحسست أكثر بثقل آلامها وهي تقارن بين كل شيءٍ تراه تقريباً وبين حال بيروت الخارجة للتوّ من الحرب الأهلية اللبنانية ! في القسم الأمريكي كانت تعبيراتها جافة أكثر، طريقتها في وصف الأماكن تقريرية اخبارية أكثرَ منها شاعرية أدبية، لم أجد الكثير مما يصلح للاقتباس، الوصف بدا أكثر تجريداً من المشاعر، متجهاً أكثر للحديث عن الأماكن والمتاحف والحدائق الاصطناعية والمباني والحجر... ! في القسم الأمريكي ألقت مأساة لبنان وبيروت بظلالها على تفكيرها ولغتها و"سياحتها" أكثر... " تتابع قضم تفاحة السفر بهدوء، لكن أفعى النسيان لا تلدغك للأسف، ثمة دائماً لقمة لها طعم الدمع المالح اسمها بيروت.. تُطفئ النور وتتابع التهام تفاحتك في الظلام"
- في الكتاب يتبين لنا بجلاء أن سياحة غادة في البلاد كانت للتأمل في أحوال البشر في كل مكان أكثرَ منها للتأمل في المواقع والمعالم السياحية ! في كل موقف يمر بها، في كل شيْءٍ تراه، في كل جولة تقوم بها كان ذهنها يعمل على التقاط أحوال الناس.. بسطاء الناس خاصةً.. فيما وراء ابتساماتهم، وما وراء الأنشطة السياحية التي يقومون بها لجذب السواح.. كان دائماً يؤلمها الفقر، التناقض، الجهل، الذل، الطبقية، سيطرة الوثنية، عبودية الدولار، والعيش في المباني المعلّبة بدلاً من المساحات الطبيعية الفسيحة.... فحين تحدثت مثلاً عن الرجل الذي يقوم بحركات خطرة مع تمساحٍ ضخم لجذب تصفيق السياح وأموالهم: " ما الذي لا يفعله الإنسان لتحصيل قوته وقوت أسرته! ويا لها من مهنة خطرة حين تدخل رأسك داخل فم التمساح لتلتقط رزق أطفالك! .. لعن الله ذل الفقر! "
" الوثن من ذهب وماس.. والناس جياع، والقلب لا يملك إلا غصة حزن أمام أي امتهان لإنسانية الإنسان في أي موضع من كرتنا الأرضية، وتحت أي شعار.. " في حديثها عن تماثيل بوذا المصنوعة من الذهب الخالص بينما عُبّادها من تلك الشعوب ترفل بالفقر!
" الرحيل من نيويورك إلى شلالات نياغارا هو كالرحيل من داخل علبة سردين جهنمية عملاقة محكمة الإغلاق عليك إلى الفضاء الرحب، خروج من زمن الإختناق إلى زمن المدى، هرب من مسيرة النمل وطوابير الدود بين ناطحات السحاب إلى تحليق العصفور "
وفي الكتاب تتضح بشكل لا مراء فيه ثقافتُها الكبيرة في مجال القصص العالمية والكتب وأقوال الكُتّاب الغربيين -الفرنسيين خاصة- والأفلام العالمية الشهيرة والأساطير الرومانية القديمة و.. و.. لأنها كثيراً ما تقتبس منهم مفردات وأسماء واقتباسات لتحيكها مع عباراتها ووصفها وتأملاتها ، بطريقها جميلة غير متكلفة....
أما الإهداء الذي كتبته فكان وحدَه ابداعاً يشي بمواضيع الكتاب لاحقاً ، وعلاقة اسمه بمحتواه، فركوب أجنحة الترحال لاستكشاف البلاد والاستئناس بالعباد، شهوةُ نفسٍ وإغواءٌ رائعٌ ممتع لا يقاومه إلا قِلةٌ من البشر.. تماماً كالحرية ورفض القيْد .......
الإهداء: أهدي كتابي هذا إلى ابن بطوطة والسندباد وبقية أجدادي الحقيقيين والأسطوريين الذين كابدوا شهوات الأجنحة ورعشات الحرية.. إليهم من حفيدة وفية ..
وفي أول مقالة لها في القسم الآسيوي – وأول مقالات الكتاب ككل- ( شهوة المجهول في الشرق الأقصى ) تنجح في جذب كل حواسك معها، كما قلتُ قبل قليل: تأخذكَ معها! تتحدث عن كون هذه اجازتها الأولى من العمل الصحافي وأنها اختارت عمداً أن تقضيها في الشرق بعيداً عن كل ما يمكن أن يذكرها بمأساة لبنان.. لكنها في الحقيقة تكتشف أنْ لا الإجازة ولا السفر ولا البعد لأقاصي الأرض يُنسي المرء أوجاع وطنه ! فهو يحملها في قلبه أنّى ذهب..!
وفي أول مقالة لها في القسم الأمريكي ( فلوريدا منتصف ليل النهار) نجدها تقارن بين الحضارة الإسلامية في الأندلس الغابرة والحضارة الأمريكية، بمناسبة مرور 500 سنة على غروب شمس الأولى واكتشاف أرض الثانية.. (( المقالة مكتوبة في عام 1991م ))
ورغم أن غادة في كل مقالات كتابها هذا تمزج بين التأملات الشفيفة للإنسان أكثر حتى من وصفها للمكان... فإن آخر المقالات كانت تحمل من ذلك جرعةً زائدة، فأتتْ تحمل طابعاً إنسانياً تأملياً أكثر منه حديثاً عن مواقع سياحية بعينها! مثلاً: مقالة: ( ذات تزلج في سنترال بارك ) تحدثت بإسهاب عن المعاقين في أمريكا وتقبل المجتمع لهم، وإعطائهم مساحتهم الكبيرة من الفرص، وشجاعتهم في تجاوز اعاقاتهم الجسدية وانجازاتهم المبهرة، وفي مقالة ( إذا ) تشعر أنها أقرب لخاطرة طويلة ومجموعة تأملات متتالية عميقة عن حالة لبنان بعد الحرب الأهلية وذلك فَوْرَ أنْ رأتْ في أحد شوارع لندن ووسط المحلات الإنجليزية الكبيرة الأنيقة محلاً عربياً صغيراً منزوياً، مغلقاً وعليه الغبار ومعروضاً للبيع! وأما آخر مقالات الكتاب: مقالة (VIP ) عن المتحذلقين الكذابين "المُتَمَنْظِرين" بما لا يملكون، وقصتها مع أحدهم عند عودتها إلى باريس، وهي قصة طريفة حقيقة ..........
أعجبني جداً حرف غادة السمان، أسلوبُها الأدبيّ الشيّق، خيالُها المفرط والذي نتج عنه صورها الفنية المبهرة، راقني فِكرُها المبثوث في ثنايا تأملاتها هنا، احترمتُ جداً مشاعرَها تجاه الإنسان حيثما التقتْ به... كم كان شفافاً وراقياً وجميلاً ومؤثراً وحقيقياً وعميقاً وصادقاً ما تتوصل إليه من نتائج في حديثها لنفسها وتاملاتها في المكان والزمان والإنسان والذكريات حيثما سافرت وأنّى مشت.....
" ثمة أشخاص يحرصون على النسيان، وهذا حقهم، لكنني من الذين يجدون الذاكرة واجباً روحياً في العلاقة مع المدن على الأقل "
في "شهوة الأجنحة" ستجد المتعة، الفائدة، وسيتسع أفقك بالاطلاع على ما لدى الشعوب الأخرى، وسيكون لديك شيء جيد من التنوع الثقافي، وستنجح غادة السمّان بتشويقكَ للسفر.. خاصة باتجاه شرق آسيا حيث سحر الطبيعة وسحر الشرق......
تمت بحمد الله هذا المقال بقلمي: #إنعام_عبد_الفتاح قرأته وكتبت هذه المراجعة عنه يوم السبت : 22 / 2 / 2020 م الساعة 4:06 عصراً
* نشر في موقع رقيم / باسم مكتبة ميم اليوم الأربعاء 4 / 3 / 2020 م
إن أردت أن تذهب في رحلة إلى تايلاند تحديداً بانكوك وأنت جالس مكانك ف عليك بكتاب شهوة الأجنحة ! من بيوت الأرواح إلى بيوت المعابد وحالة الطقس والأفاعي والرقصات الشعبية والغربة وما يصاحبها من شعور وهلوسات بالنسبة لأي شخص امتهن الكتابة واتخذها وسيلة للحياة .. وسيلة للعيش من بانكوك التي تلقب ب بندقية الشرق الأقصى أو فينيسيا الشرق إلى هانغ كونغ الصينية الأصل اوربية الملامح .. لكنها تحتفظ بكل ما يميزها ويميز الشعب الصيني بالرغم من كل شيء وتنتقل بنا إلى طعامهم من لحم القرود وما إلى ذلك إلى شاي الياسمين وعشبة الحب والتي تعني عشية رجوع الشيخ إلى صباه ، ظانين ان المهم ليس ان تبقى على قيد الحياة بل أن تبقى على قيد الحب ! لا يعلمون أن الحب لا ينبت إلّا من القلب وما دون ذلك تفاصيل هامشية ! من الصين إلى الفلبين وتحديداً مانيلا حيث الجمال والفقر الشديد للسكان المحليين ! وجولة أخرى بين أزقتها وكنائسها ورقصات فتاياتها التقليدية وطعامها ! أما عن محط الرحلة الأخير ففي سنغافورة - خط الاستواء- حيث يشكل سكانها خليط من الصين وتايلاند ، الهند ، اندوسيا ومناخها الحار جداً كما وصفت بإسهاب هذا الكتاب مذهل لعشاق السفر والرحلات واكتشاف الفروقات بين البلدان في شتى أنحاء العالم فمن شرق آسيا إلى القارة الجديدة المكتشفة فبعض الفروقات بيننا كعرب وكأوربيين بحكمها امرأة عربية عاشت عشر سنوات متنقلة بين لندن فجينيف فباريس واستعراض أكثر الأماكن جذبا للسياح وما يميزها ك "ابكوت سنتر " فلوريدا .. وديزني لاند ..مستعرضة ما يميزها كأماكن ملأى بالتطور والحضارة وفي نيويورك توقفت لترينا غادة كم أن الأفلام التي نشاهدها تبدو حقيقية هناك مع مفارقة أخذ كل الاحتمالات فمثلاً تبدي إعجابها الشديد بالاتقان والعلم إلى أين وصل وبنفس الوقت تتوقف لترينا أن هناك خوف دائم من التعرض للسرقة أو الإعتداء تعرض لنا التباين الشديد بين الفقر المطقع والغنى الفاحش ! سان فرانسيسكو و دزني لاند كالفورنيا ، هوليوود، شلالات نياجرا -القريبة من الحدود الأمريكية الكندية- ولاس فيغاس وميامي وغيرها من مدن الولايات المتحدة .. مرة أخرى لمن يحب أدب الرحلات والسفر !!
"عبثاً تقول لهم إن بطاقة سفرك الحقيقية هي قلبك، و أن عودتك إلى الوطن مرصودة لك في داخلك كما هجرة السنونو إلى الربيع..و أن ذلك الزمن الذي عشته قبل أن تلتقي بهم هو زمن حقيقي، و أولئك الذين تُحبهم هناك في الوطن هم أناسٌ حقيقيون أيضاً ..و أننا لا نستَطيع خلع الماضي عنا كما نخلع قميصاً عتيقاً!"
يحكم على الكتاب من عنوانه أما انا فحكمني الكتاب من إهدائه،غادة حفيدة وفية تهدي كتابها إلى أجدادها الرحالة أمثال ابن بطوطة والسندباد، الذين كابدوا شهوات الأجنحة ورعشات الحرية،غادة لاتسافر كسائحة أو بحثًا عن التراث، غادة تشافر سعيًا للرحيل، عن ذكرياتها، الرحيل الكاذب الذي تعلم انه لن يتحقق بالسفر، كما أوضحت في مقدمة الكتاب بمجموعة من الاقتباسات عن الرحيل، حزمت حقائبها بهربا من ذكرياتها، عاهدت نفسها بألا تفكر، بأن تعطي روحها المتعبة إجازة من كل ما يثقلها، زلكن ما لا تعلمه أن في كل ركن من كل مدينة تزورها ستصادف ما ينعش ذاكرتها، بألم كان أو وجع، ذاكرتها التي لا تقدر على إسكاتها، التي لا تسمح لها بالغفلة، ، لا تعترف بالراحة ولكنها رغم كل عيوبها إلا اتها تبقيها على الطريق الصحيح وتذكرها بأخطائها في كل وهلة، لن تعلم سيي رغبتها بالرحيل حتى تقلب صفحات الكتاب، وتسمع خرافات بوذا وسيطرة الدولار في بانكوك، حيث الوثن من ذهب والناس جيع،حتى تستنشق هواء بانكوك الملوث، وترى أعشاب الحياة والحب والشباب، وتأسف للغطاء الغربي الذي يغطي تفاصيلها الشرقية التي لن تجدها إلا في نظرات المسنين،وربما لن تعلمه أبدًا، ولكن إذا جابت الشرق الشرق الغرب بسببه، فلا بد انه خلف في اعماقها اثرًا عظيمًا، كما خلفت هي فيّ اثرًا ولامست كلماتها قلبي وحملتني معها في رحلتها المشوقة.
أول تجربة لي مع غادة في أدب الرحلات كتاب رائع و مفيد جداً.. هناك الكثير من المزايا التي تجعله مثاليا بين أقرانه و أبناء نوعه : ١- احتوائه على المعلومات الجغرافية كالمساحة و عدد السكان لكل بلد.. بالإضافة إلى رصد الجوانب الثقافية و الاجتماعية للمجتمع في تلك البلدان. ٢- الكاتبة تبدي رأيها في كل ما تراه من عادات و تقاليد.. تنقد حينا و تشجع حينا آخر.. سادت النصوص روح النكتة الجميلة التي تفاجأت بها بعض الشيء ولكن استمتعت بالتأكيد . ٣- هناك إسقاط دائم من قبل الكاتبة لما تراه على الأقطار العربية و لبنان خصوصاً.. من خلال المقارنة و تبيين الاختلاف و الدعوة إلى التقليد الإيجابي. ٤- اللغة الشاعرية الآسرة و المواقف المرهفة المليئة بالانفعالات التي أبدتها الكاتبة. ٥- هناك الكثير من المواقف الطريفة التي تعرضت لها الكاتبة و لعل أكثرها طرافة ما ذكرته في النص الأخير بعنوان الـ V. I. P (حيث كنت أقرؤه و أنا في الباص عائدا من المدرسة و فجأة اغتالتني نوبة ضحك.. فأخذت نظرات الركاب المستغربة تراقب ضحكي) و في نفس الوقت هناك أكثر من موقف مرعب تعرضت له الكاتبة و لا سيما محاولة سرقتها التي نجت منها بفضل وجود صديقتها لاعبة الكارتيه معها! كتاب غني.. مفيد.. شاعري.. وطني.. يقرأ و يعاد
لم تبخل على المكتبة العربية باي شيئ، فكتبت الرواية والقصة والشعر والرسائل والمقالات والنقد وأدب الرحالات. لا أميل الى هذا النوع، ولا أحب أن أرى الدنيا عبر عيون الآخرين، لكن غادة إستثنائية في كل شيئ. ليس أفضل أعمالها بالتأكيد
حين يُكتب أدب الرحلات بأنامل أنثى يصبح لها وقعٌ خاص يفيض بالجمال والمعاني ، أستمتعتُ بأدب الرحلات مع غادة لأن بيني وبينها قواسم مشتركة في كثير من الأمور.. رقيقةٌ غادة وجميلة 💗
استطاعت غادة السمان ببراعه ان ترصد اسفارها ككل رحاله متبصر حيث لم يفتها ابدا ان ترى الوجه الاخر لكل المدينة الذي يحترف سكانها دوما اخفاؤه عن اعين السائحين والزوار الجدد
وهكذا استطاعت غادة ان تحلق عاليا في سماوات المدن ، كي ترصد جوانبها كلها كما نجحت في ان تقرأ المدن وكأنها احد سكانها الاصليين
اعجبتني معظم مقالات هذا الكتاب وقد رسمت فيها غادة المدن ببراعه وبعين شرقيه متحيزة غير مندهشة وتحدثت عن المدن في الثمانينات والتسعينات وكأنها تتحدث عنها اليوم
ما لم يعجبني فقط هو تكريس اكثر من نصف المقالات للحديث عن الولايات المتحده فقط وهي رغم انها دولة متحضرة لم تكن غادة لتختصر اسفارها فيها في مجرد مقال واحد او اثنين الا انني في وقت ما " يكاد يكون زمن بسيط جداً " أصبت هنا بالملل
ولكن غادة كالعادة لا غبار عليها وعلى طريقة تفكيرها
و في هونغ كونغ يستمرون في الضحك عليك ، ربما لان عينيك ليستا مشدودتين الى الاعلى كعيونهم ، و بما انهم الاكثرية ، فهم على حق ، و " عيناك " على خطأ ... و في مانيلا هكذا هي البلدان المتخلفة تعذب شهداءها حتى بعد موتهم... و في مايا مايا التقيت بسمكة تتمشى على الشاطئ ، و قد ارتدت قناعا مائياً لتغادر البحر دون ان تختنق ، و كنت في طريقي إلى الغطس و قد ارتديت قناعا هوائياً و على ظهري انبوبة الاوكسجين . قالت لي :ما اغربك !
" نقرأ العديد من الروايات التي يسطرها كتاب أمريكيون عن "تسعيرة" اللوبي، وقدرة العرب على "الدفع"، ودفع عجلة مصالحهم بالتالي... لاتشتروا لنا "لوبي"، فقط أكملوا حديقة جبران، وادفعوا للباصات السياحية كي تتوقف هناك بالقادمين من أنحاء الأرض كافة، كما توقف الباص بنا مرغمين عند بقالة يهودي من دون بقاليات واشنطن كافة.. واضطررنا للشراء منها.. وكما تتوقف الباصات السياحية حتى في فلورنسا في معمل للجلود بدلا من الكنيسة المجاورة التي دفن فيها مايكل أنجلو وتضم روائع أعماله!. والبركة في "الكومسيون" والعمولات.. فمتى نتعلم لغة العصر؟ "
ربما كان المفروض ان ابدا بقراءة رواية اخرى لغادة لانني لم اشعر بجنون وجموح الروائية التي سمعت عنها كثيرا .. كانت قصة عادية , فيها الكثير من الاسترسال بصياغة ادبية مبالغة .. المتعة الحقيقية باغتتني في اول صفحتين واخر فصل حين تحكي قصتها مع صديقها الVIP لو كنت اعرف غادة في ذلك الوقت لما نصحتها بالخروج عن الرواية الانسانية والابتعاد عن قصص الرحالة والترحال
مقالات كتبتها غادة أثناء سفرها مباشرة بعد الحرب اللبنانية في الثمانينات الميلادية أعجبتني مقالاتها من شرق آسيا أكثر من مقالات أمريكا في كل مقالة تلاحظ أن غادة لابد أن تذكر لبنان وتعود لتنكأ هذا الجرح فلا تتركه أبدا يندمل كل منظر جميل وكل صوت حسن مباشرة تتذكر غادة لبنان فلا تدع القارئ أبدا يسترسل مع أفكاره كما أن لبنان لايدعها أبدا تسترسل هي في استمتاعها باللحظة
أول قراءاتي للرائعة جداً غادة السمان التي تحمل فكراً خصباً ينبض بالعروبة والثقافة العالية إلى جانب أسلوب أدبي جميل حقاً مليء بالعفوية. استمتعت في أغلب الفقرات وخصوصاً تلك التي تحدثت عن المدن الأمريكية بعين موضوعية تمدح الجميل وتنقد القبيح والمبتذل
شكرا غادة على امتاعي بهذه الوجبة الثقافية الراقية والتي عرفتني على مدرستك الأدبية بأبهى صورة
عبثاً تقولُ لهم إن بطاقة سفرك الحقيقيه هى وطنك وأن عودتك إلى الوطن مرصوده لك فى داخلك , وأننا لا نستطيع خلع الماضى عنَّا كما نخلعُ قميصاً عتيقاً .. !__________________________________________________________ الغرفات كلها متشابهه , العتمات كلها متشابهه ,الزفرات كلها متشابهه الأيدى كلها متشابهه ,وقد تعبت من ترحالى بين الليلِ والإنتظار وبين الدهشةِ والخيبه وحدها بصمتك كانت مختلفه ...!