دابادا : هي صرخة في الفراغ تشهد نضال الإنسان ضد الموت التدريجي إنها رفسه موجهة قبل حلول الزوال لبعض الناس الذين يرفعون إنسانيتهم إلى الأعلى فيخرجون عن إطار الجذب الإجتماعي ويدخلون في صفحات الأسطورة . إنها لا ترسخ إتجاهاً معيناً ولا تدافع عن مدرسه أدبيه وإنما تتحدى قدسية التراث الروائي بأكمله ولذلك فهي تشبه قصيدة غليظة مشحونة بحس الفجيعة المضحك غائرة في التراث الإجتماعي لسكان وادي الرافدين حتى عصر آشور بانيبال وربما كانت "تمريناً شاقاً لتعلّم الخطأ" كما يصفها كاتبها الذي يقول أنه كتبها ليحمي نفسه من القرآء
حسن مطلك روضان . - ولد في قضاء الشرقاط – قرية سديرة عام 1959. - عاش في كنف عائلة ذات ماضي عريق في الزعامة العشائرية وثرية بعطائها للادب الشعبي. - اكمل دراسته في قريته وفي الشرقاط. - حصل على شهادة بكالوريوس آداب من جامعة بغداد. - نشر الكثير من قصصه القصيرة في الصحافة العراقية، وكتب عنها نقاد متميزون. - ارتبط بصداقات حميمة مع الوسط العراقي وكان حاضراً في المشهد الثقافي والادبي وفي الندوات التي يقيمها اتحاد الادباء والكتاب العراقيين. - فاز بالجائزة التقديرية للقصة القصيرة عن الحرب العراقية – الايرانية. - صدرت له في بيروت رواية "دابادا" التي احتوت دلالات فلسفية عميقة جعلت منها مادة خصبة للمناقشات والتأويلات الأدبية وكتبت عنها الصحافة العربية كثيراً وتناولها النقاد بالمديح والثناء وصدرت بعد وفاته... وله عدة روايات ومجاميع قصصية مخطوطة أهمها رواية قوة الضحك في اورا التي صدرت عام 2004. - عام 1990 أشترك القاص والروائي حسن مطلك، في ثورة 6 كانون المعروفة بحركة النقيب سطم، ، فتم القاء القبض عليه وحكم بالاعدام . - كتب عنه الناقد جبرا ابراهيم جبرا، والشاعر عبد الرزاق عبد الواحد، والناقد عبد الرزاق الربيعي وعشرات غيرهم.. رحم الله الشهيد الروائي حسن مطلك
رواية يقول كاتبها بأنه كتبها ليحمي نفسه من القراء ! متوقعًا منا كقراء أن نتدخل في اللحظة المناسبة لنغلق ما سيفتحه فهمنا لروايته،بهذا ترك حسن مطلك للقارئ مهمة صعبة للغاية هي الترحيب به فعليًا في ضيافة الرواية، الفكرة من المهمة هنا هي تزاحم السرد و الأحداث أمام القارئ وكلاهما متنمر، وبينما يجيء السرد بلذته اللامتناهية و قائم على الأُلفة المكانية بشكل ساحر.. تجيء الأحداث غير جدية كفاية لتعلن عن وجودها، السرد المتواصل يوهمك أنه يستحضر الأحداث ولكنه يتخلص من الأحداث أمام ناظريك، يلقيها خارج الرواية حتى لا تعود تغوص في قيمة ما يحدث، تمامًا كما تتخلص ما علكة تم مضغها.. و ذلك بلا شك سيودي بتماسك الرواية عند بعض المتلقين ، و الرواية الغير متماسكة ليست بسهلة المأتى فأنت تنتزع المنطق من لا منطقيتها وتحاول فهم قصتك من اللا قصة التي صاغها كاتبها.. دابادا كل شعور فيها هو لا شعور و كل حدث فيها حلم فيها يستحيل تحققه والذات فيها هيجان كبير و غلطة في جبين الحياة.
يقدم الكاتب العراقي حسن مطلك في دابادا شخصية شاهين ، وهي شخصية معقدة ومعتكفة أدبيًا داخل نص الرواية المنغلق، شاهين ك شخصية يُعتبر كرسالة احتجاج سياسي / أدبي يحتفي بها الكاتب و لا تُفهم في سياق مستقل أو بعيد عن الأزمات السياسية و الأدبية التي كابدها مؤلفها والذي تم إعدامه في مطلع التسعينات بتهمة التخطيط للإنقلاب على حكم صدام ، روايته تمثل انقلاب على الأدب بخطوطه العريضة الشائخة لصالح أدب حداثي ، أعادتني قراءة دابادا- و التي لم يقلل قصرها من صعوبتها - لعالم رواية ليل تشيلي لروبرتو بولانيو، بمحاربة الفن بالفن و التمنع للانصياع لحركة الواقعية السحرية السائدة آنذاك والتحليق الدادائي نحو ما دونها، دابادا هي صرخة من ببطنه قضية ، الواقع العراقي قضية واقعية لا يجدي معها هروب فنتازي.
شاهين هو حصيلة خريف أعوامه ال٢٧، حصيلة أعوام سبعة جمعته بوالده لم يعلق بذاكرته منها سوى حفنة حوارات لها دلالات مربكة في نفسه تستشف منها كيف تكون الحياة بأسرها- وليدة حوار أب- ، بعد ضياع والده في البراري خلف أرنب مبقّع يحل بشاهين تقشف متأصل، يصوم عن الكلام و التفكير و الإختلاط بالآخرين، يقتصر مجتمعة على سلوكيات أمه التي تحتل بتفاصيلها الرواية فتحيل السرد جنة فارغة في كنف غياب الحدث الأهم - الأب- إذاً فالمرأة سرد وتفاصيل و الرجل حدث ، يرتطم شاهين بآمال أمه و قريته بأن يعبر عن رجولة و وجود المفترض أن يكون ورثه عن والده، من يرث وجود غائب! العشرون عام التي غابها عما حوله جعلته يرى الناس من حوله كفتحات ضاحكة، كل إنسان في طريقة فتحة ضاحكة، مطلك يريد أن يقول في هذه الفلسفة العميقة أن الضحك تهوية وجودية ، يكاد يجزم أن شاهين بقدراته العقلية المحدودة يدرك أن الرجال ينثالون من المزن على حياته فيا ويل من أغلقت السماء أبوابها عن حياته، والنساء بكل أعمراهنّ غير مفهومات ومأسورات في رغباتهنّ حتى و إن رفضنّ الإعتراف بذلك، شاهين مجرد عادات غبية و إحباطات تنتقل للقارئ ، شاهين صرخة تخلو ببساطة من أي قضية لأنها علت من حناجر لم تعش لتعبر عن قضايا فردية، أن يعاني شعب ما من التيه في اللا قضية تعني سمو القضية التي يتأنى للتعبير عنها عنده.
"البدايات... النهايات... بينهما وجودٌ أو عدم " جعفر الجمري-
دابادا , من العنوان و المقدمة يمكن ان يتكون لك انطباع عن ما سيكونه مضمون الرواية و نهاياتها , الغموض و اللامعنى والاحداث المتروكة للقارىء ليحزر ما قصد الراوي من وراء ما كتبه . ما ان تبدأ بقراءة الرواية تدخل في دوامة مرهقة كلما حاولت ان تجد موقعك فيها لن تستطيع ذلك ابدا ً ! احداث الرواية تدور خلال 3 ايام واربع ليالي خريفية , حول شاهين ذو السابعة من العمر الذي فقد والده لاسباب يمكن القول انها مدبرة جزء من مكيدة ليصل بها حلاب الى السلطة القبلية , فيعتزل شاهين العالم كطريقة للتعبير عن حزنه او رفضه للواقع ,ولا يخرج من داره لمدة عشرين عاماً , والرواية ماهي الا تفاصيل لياليه الاربع و ايامه الثلاث الغريبة , البليدة التي قضاها بعد نقضه لعزلته . لا اعلم ماكان يقصد المطلك من روايته , لكن ما اعرفه ان الرواية تحتاج الى جو هادىء ,فكر صافي , قراءة متأنية وربما اكثر من قراءة , وكل هذه الشروط لم تتوفر لدي حين قرأتها , ربما سأعود لقراءتها مره ثانية .
جميع الذين شتموني حين اقترحت عليهم قراءة هذه الرواية يتغزلون بها اليوم كذباً ! فهم ما زالوا لا يفهمونها لكنهم رأوا ما يشير بسطوع إلى عظمة من يقرأها و يهتم بها. أولئك الذين يفهمون النضال في الحروب النفسية ذات النميمة و المكائد و تصيد الزلات و الغفلة عن الذات لن يتمكنوا يوماً من الاستمتاع و الفخر بدابادا كرواية عربية لمناضل تم إعدامه وهو يحافظ على عظمة النضال في ملامحه و نحوله و اسمه .
دائما ما نقول الرواية ليست حدثا فقط، هذه الرواية كل شيء إلا الحدث، لهذا حرمتها نجمة واحدة فقط!
دابادا، هي الحياة، والأحلام، والفوضى التي نعيشها، هي الوقع والخيال والجمال والقبح، دابادا، رواية لا تقرأ مثل الروايات التقليدية.
هذه الرواية رواية بحث، تنقيب، تنقيب عن جملة، عن سؤال،عن لغة مطمورة، عن أغنية مندثرة،.
الرمزية الطاغية، والفوضى الخلاقة، والصور، تجعلك أمام لوحة رمزية، لاتحمل وضوحا، ولا دلالة، وإنما تبهرك، تشدك وتهزك.. في هذه المرة فقط كن أعمى وتلمس الطريق..
الأوقات التي قضيتها مبصرا وأنت تقرأ روايات الصبح، هذه المرة خذ نزهة في غابة مظلمة، سيكون حينها للجمال الساكن في الظلام لذة الإكتشاف..
هذا الجمال بفوضاه لم يخرج إلا بضخ متدفق من روح فنان، وهذا مافعله حسن مطلك.. لقد شنقه صدام بعد أن قال كل ماعنده حول الحياة والبشر والوجود..
يشبه شعور استماعك لأغنية بـ لغة لاتفهمها، لكنك تنطرب معها. هذا تمامًا ما حدث هنا. كثافة وجمال اللغة يجعلك تكملها إلى النهاية حتى وأنت مو فاهم ما هو هَمّ الكاتب الأساسي؟ أو ما هو هَمّ أبطال الرواية؟ أو شاهين على الأقل؟ التلخيص اللي قدّمه د.محسن الرملي كان مفيد وخفف حدة غرابتها. لكن تبقى القصة (الحدث) ضائعة. إيه، مشاهد قصيرة، أحيانًا مترابطة، لكنها مفككة أحيانًا أكثر، ومقطوعة فجأة، وتعود فجأة. هذه المشاهد الممتدة على طول الرواية/الكتاب.. مليئة برمزية مدهشة جدًا وساحرة، وغير مفهومة أحيان أخرى.
كان يستخدم عبارات معينة ويكررها بشكل ملاحظ في نهاية بعض المقاطع وفي بداية أخرى، وهذا يجعل الكلام كأنه قصيدة منثورة! مثلًا كان يقول: "الضحك. الضحك دائمًا. الضحك إلى مالا نهاية.." "غريب، غربة الأعمى عن مَقعَده.." "لكن شيئًا ما يموت فيه، عند حضور الآخرين." "لأن الهاوية في كل مكان.." "وإن أسوأ ما قد يفعله إنسان: هو أن يفتح الباب" يبتدئ بهم الجمل أو يُنهيهم. وأحيانًا كل مرة يكررها ومع كل موقف، تصير تعرف لماذا قِيلت الجملة، ومامعناها.
ومن بين مالا تفهمه، تجيك مثل هذي الجُمل الصاعقة: "فـ بادَر، لا بدافع الحب النقي كما يحلو للبعض أن يسميه، وإنما: بدافع الإعجاب بنزوعها إلى اللامبالاة!"
"تلك الليلة. سأقول: تلك الليلة، ولا أعني أنه يتذكر، ليس لأنه عديم الذاكرة، بل لأن لديه ذكريات وأحلامًا جديدة باستمرار. بالضبط: لأنه يحلم أكثر مما يتذكر، فلا وقت للماضي.."
لم تكن رواية كانت صراع مع النفس خرجت منها بـ صداع لم أكن أعرف هل أنا فاشلة في القراءة أم فعلا هي رواية لم تكتب إلا بإحترافية تحتاج لنفس طويل وتأمل القوة الخير الشر الرمزية حسن مطلك لغته مختلفة جدا أظن سأعود لقرائتها مرة أخرى في زمن آخر
"وهو يحس، هذا الذي اسمه شاهين لأي سبب من الأسباب، بألَم الأشجار عندما تنزع أوراقها الميتة، بصراخ النهار حيث يبتدئ وعذابه حينما ينتهي، بنمش الذباب على جدران البيت الجصّي. ويحس بثقل قُبة السلحفاة، وعذاب الحلزون بسبب القوقعة. يحس، وهو شاهين، بمرارة الزفير، وألَم طرفي المسمار؛ المطرقة من طَرَف، وصعوبة الاختراق من الطَرَف الآخر. وبكل شيء تقريباً. لذلك فهو ميت الحس في نظر كل شيء تقريباً". صفحة136 أجد نفسي مضطراً لأن أوصي من يريد قراءة هذه الرواية أن يجمع كل الروايات التي قرأها أو سمع عنها، يلمّها بكيس ويرميها بعيداً جداً. لأننا هنا أمام شيء مختلف، شيء لعين، شيء عصيّ عن التصور أو التخيل أو التَشَكل. شيء لم يأتي من الجحيم ولا من السماء، لم يأتي من الشرق أو من الغرب. والمشكلة التي تؤلمني أن كاتبها من جنسنا نحن، أي أنه من البشر، إذن لماذا لا نرى مثلها؟! لماذا لا يمكن أو لم يتجرأ أحد أن يكتب رواية كهذه؟ الإسلوب، الأفكار، طريقة النظر للأشياء، كيفية تَلَقي حركة الكون بشاعرية رهيبة أو مخيفة، إمكانية الشعور بشعور الجمادات، التعذب من أجل مسمار مُعلق بالحائط يٌستعمل كمشجب، القلق الذي يعتري المرء من جرّاء إزاحة حصى صغيرة لتقع في الوادي مضيعةً آمال أو جهد طير ما في جمع إستعداداته من أجل النوم! ولكي لا أكذب، كتبت مثلها رواية واحدة، فقط، هي رواية (قوة الضحك في أُورا) ولكنها لنفس الكاتب أيضاً، أي لم يكتب أي شخص آخر مثلهما! مما يجعل في داخلي الرغبة الشديدة في لعن كل الروائيين، أنا أشعر بهذه الرغبة إلى الآن، لذلك أحاول أن أبقى هادئاً. تدور الرواية حول الكون، أو حول شاهين، ابن الصياد محمود (من شاهين؟ شاهين هو إسم لطير جارح، والصياد فقط من يسمي أبنه بهذا الإسم، وليس لدينا صياد غير محمود، تقول عالية "إنه ابن محمود"). محمود الذي ذهب خلف أرنب مُبَقَع ولم يرجع أبداً، أبداً. ترغب أمه بأن يكون هو، شاهين، مثل محمود، فهو بالإضافة إلى أنه رجل حقيقي، وبالإضافة إلى أنه كان يعاقب شاهين لسقوط كُمَيه في إناء الطعام، مما يضطر شاهين إلى قصهما من الكتفين وذلك ما يجعله يتعرض لعقاب أشد، كان يناصر الحق على الدوام ويأخذه إلى أهله. وحول حلّاب مختار القرية الجديد بعد أن تخلص من عبدالمجيد بدسّ السم في طعامه، قبل أن يتبقى له عدو مؤكد، أو مُحتمل واحد: شاهين. لكي لا يخلف، شاهين، أباه بشجاعته أو في أخذ الحقوق إلى أهلها، أو أن يكون بسعة الكون، أو أوسع. لكن شعبان يؤكد لحلّاب بأن شاهين مجرد أبله فحسب، حتى أنه لا يعرف كيف يقول ماما أو أمي، أو عبارات قصيرة مثل: صباح الخير. مثل: كيف حالك. لذلك ينادي عليها بأن يقول لها: هاجر. فقط. لا يعرف كيف يمشي بإعتدال بعد أن قضى عشرين سنة في غرفته، لا ينزل إلا للفطور (ألا تَفطر؟) حيث يسمع صوتاً يقول له: إنزل يا بني على مهل... درجة، درجة. إنظر إلى شعر رأسه، كم أشعث! حتى أنه يحتاج إلى المَجز الذي يُستعمل لصوف الخرفان لقصه. إنظر إلى هندامه. أنا أؤكد لك يا عمي بأنه أبله. لكن حلّاب يظل خائفاً. حيث أن له علاقة بقصة إختفاء أبيه، أبي شاهين، محمود. يظل خائفاً لأن شاهين كان يذهب مع أبيه للصيد قبل عشرين عاماً، عندما كان عمره سبع سنين فقط. كان الأب حذراً، متيقضاً، لكنه لم يكن خائفاً. أبداً، أبداً. "تذكر بأن الذئب خائف مثلك". "لماذا يهاجم إذن؟". "الخوف سبب العدوان". يقول الأب "هل تسمع صوتاً؟". "نعم.. أسمع صوتك". "أقصد صوتاً آخر". يقول: لا أسمع.. تُلبس هاجر شاهين شريط الخرطوش وتضع البندقية على كتفه، حتى أنه يريد أن يسقط وهو يمشي بسبب ثقلها، البندقية، على كتفه أو على كتف الكون. يذهب لكي يصطاد ويُصبح رجلاً. أو بسعة الكون، أو أوسع. فتأتي إليه، لتجده نائماً، فترجع فَرِحةً هي وجميع نساء القرية اللواتي جئن معها، ظناً منهن، أو منها، أنه كان منبطحاً من أجل الإستعداد لصيد الفريسة، أو كان يمارس أحد حركات الإختباء. لكن كيف يختبئ؟ أليس هو بسعة الكون، أو أوسع؟ الغريب في هذه الرواية أنها متجدده بذاتها، أي أن النص، أي نص منها، عندما تقرأه للمرة الثانية تتكون لديك إنطباعات وأفكار جديدة تختلف عن المرة الأولى، ولو قرأت النص مئة مرة، فستتكون لديك إنطباعات وأفكار جديدة للمرة المائة. البعض يقول بأن هذه الرواية كانت بمثابة أسرار(شفرات) سياسية ضد النظام الحاكم في ذلك الحين، وتشير دائماً إلى الرغبة في الإنقلاب عليه، حيث كان حسن أحد الرؤوس المشاركة في أحد محاولات الإنقلاب، قبل أن يقبضوا عليه، ليعلقوه في أحد أيام تموز القائضة من سنة 1990 -من عنقه- بحبل، ليتدلى في الهواء شاهين، أو ديّام، أو حسن، أو من هو بسعة الكون، أو أوسع. لذلك لا يجب أن تتكرر هذه الرواية، لأن حسن لا يمكن له أن يكون حسنين أو حسن ثانِ. ولأنني أشعر برغبة حقيقية واحدة، أن لا تُكتب مثل هذه الرواية في الأيام، أو القرون القادمة; اتركوا لنا شيئاً واحداً حقيقياً، جديداً، قديماً، أبداً، أبداً.
منطق مختلف! براءة ملوثة و فلسفة انسانية بدائية و عميقة طغت و اعادتني الى اول خطوة في القراءة و الفهم! صعبة جدا و عمقها ينزلق بك الى ضلام شديد الحلكة. ليست من كتبي المفضلة لكنها من كتبي التي قراتها بتمعن. غريب جدا كيف ان حسن مطلك خلق منطق جديد لشخصية شاهين و طريقة فهمه! و كيف ان المحيط سلبه براءته بصور بشعة عندما تقارن مع براءته الغريبة عن هذه البيئة. اما اغرب اللحظات هي تلك التي تدخل فيها حسن ليوقظ القارىء من انزلاقاته في دابادا و اعادته الى بساطة فهمه للحياة. معقدة جدا دابادا و عظيمة جدا.
كما كنت أقول سابقاً كدت أزوّع من كثر ماهالرواية غارقة في الرمزية والفلسفة الداخلية والذاتية المبهمة والغامضة ... حلو الواحد يقرا رمزية وغموض يخليه يفكر وتشذا .. بس مب لهالدرجة!!!!! أعطيها نجمة وربع، أجبرت نفسيه اقرا سبع صفحات من البداية وبعدين ماقدرت وقفزت إلى منتصفها وقريت صفحتين أو ثلاث ثم ثلاث من النهاية .. يمكن تعجبكم يارفاق لكن كلش مب بتفقدون شي لو ماقريتوها أبداً .. الكاتب له مؤلفات أخرى بس كيفه هالكتاب قضى على مستقبلهم بالنسبه ليه!!!
لم استطع اكمالها تركت اخر17 صفحة لا ادري ما هي رواية ؟مشتتة مبعثرة هنا وهناك نعم اللغة عربية ولكنها غريبة لم أرى فيها حبكة تشدني او شيء يلفت الانتباه غير انها تحوي كلمات ذات معنى ووصف عميق اندم على قراءتها فهي تشبه رواية زوجتي من الجن تزيد عدم الاستيعاب في اخر رواية ولكن الفرق هذه لا تستوعب شيء من بداية
مقدمة كتابي (طريق الى دابادا) ....................... فإن هذا الكتاب يتناول بالتحليل، قطعة فنية لانظير لها في أدب العصر الحديث ألا وهي رواية "دابادا"، رائعة الأديب الراحل حسن مطلك، ولكي تفيد من هذا الكتاب إفادة قصوى - عزيزي القارئ - ننصحك بأن تقرأ الرواية أولاً، أو- على الأقل - أن تكون إلى جانبك، وأنت تقرأ هذا الكتاب. ونحن نتناول رواية "دابادا"، فإننا نضع ذائقتنا الأدبية وشغفنا للابداع، أمام حالة فريدة، عصيّة على تسمية أحادية النهج والاتجاه، ذلك أنها لا مثيل لها من جنسها، كما وصفها الروائي عبد الرحمن الربيعي معلناً: "أنها لم تتعكز على إنجاز روائي سابق". لا أقول إنه كتاب، ولا أقول إنها رواية، ولا أقول إنها قصة أو سيرة ذاتية، لأنها كل ذلك معاً، جمعها المؤلف في قاموس أدبي حقيقي فذ أسماه "دابادا"، وهي كلمة من جزأين "دا" و "با"، ثم يتكرر أوّلهما ليشكل الجزء الثالث، فالتسمية الكاملة. إننا إزاء تحفة فنية أدبية، قد تبدو غريبة للغالبية الساحقة من القراء وحتى من الأدباء، وهي بلا شك، غير ممتعة لكل أحد، شأن الكتب التي تحمل على غلافها كلمة "رواية"، ولكن، هذا هو طبع المواد الخام! التي لا يَفك شفرتَها إلا المولعون، أو المهَرَةُ المختصون، فيستخرجون فوائدها من مكامنها ويجعلونها سهلة التناول بعد الاستعصاء. إن قواميس اللغة، ما هي إلا مواد لغوية مركزة، لا يمكن لأحد أن يستمتع بها، وهذا هو الحال- وفق تقديري- مع "دابادا"، لقد وضع فيها المؤلف الذي غادر عالمنا شاباً، خلاصات عمره الإنسانية واللغوية والأدبية والفلسفية، ومما لا شك فيه أن التكثيف الشديد، سواء على مستوى المادة أو على مستوى الفكرة، يقلل من فرص الاستساغة، فكان أن زهد فيها غالبية القرّاء، لكن ليس جميعهم! كأن حسن مطلك قد أحس مبكراً أنه لن يعيش طويلاً، فكتب عميقاً، بدل أن يكتب كثيراً، فكان أن احتجنا- نحن لا هو- بعد عقود، أن نقول عنه مالم يسعفه العمر في قوله. بعيداً عن البناء اللغوي لهذه الرواية المشفّرة حد الاستعصاء، يتركنا المؤلف حيارى بين تساؤلات عديدة؛ هل نفهم حسن مطلك من خلال مجتمعه (أبطال روايته)، أم نفهم مجتمعه من خلاله، وهو الذي يطل علينا من كوى أحداث الرواية بين الحين والآخر، ليقول لنا: أنا هنا! كما في ص 108: فمنذ سنوات وهو يحب الصيد. الصيد وليس القَتل أبداً. أقول: إنه مُجَرَّد انطباع وفق طريقة؛ املأ الفراغات التالية.... وقوله في ذات الصفحة: لكي تصير هذه الرواية أكبر حجماً. لأنني لا أعرف محموداً معرفة دقيقة كما لا أعرفُ شاهيناً ولا عالية ولا هاجر ولا عواداً.. لا أعرفُ أي واحد منهم تقريباً.. وغيرهما كثير. ومن التساؤلات الأخرى: هل كان الكاتب أحداً أو آحاداً من أبطال روايته، حتى تمكن من نقل مشاعر وأحاسيس شخص آخر الينا بهذه الدقة وهذا الوضوح، فجعلنا نتذكر معاناتنا الشخصية التي تخزنا في عمق آلامنا وذاكرتنا ونحن نتفاعل مع آلام شخوص الرواية وبخاصة آلام "شاهين"؟! عندما نجرب البحث عن "دابادا"، في رفوف ومواقع كتب الروايات، سنجد أنها ليست الرواية الأشهر أو الأكثر مبيعاً، بل ولا حتى كثيرة المبيعات، ذاك أن ما اختصت به الرواية لايندرج - في مفهوم القراء - تحت مصنف الروايات كما أسلفنا، وفي المقابل، إذا لم يكتب لها أن تنتشر كرواية، فتدق أبواب القرّاء، فإنها تمتلك من الأمكانات اللغوية والفنية ما يجعل منها قاموساً ومرجعاً روائياً يحجّ إليه من تقطعت بهم سبل الكتابة، أو من جفت مناهلهم، لتشحذ أفكارهم، وتعيد تلميع نصول أقلامهم، لأجل تقديمهم إلى عالم الأدب، وهم على مستوى جديد عالٍ من الهمة والثقة والغنى الأدبيّ. إن الجَماليْن الظاهر والكامن في الأرياف، هما من أسرار الإبداع في حياة هذا المؤلَّف، ذلك أن الجمال ثمرة غنى الأرواح، لا وفرة الأشياء، وليس ثمة أرواح أغنى من أرواح أهل الريف، فإذا توفرت مع هذا الغنى، البصيرة والذائقة، والهمة، أثمرت إبداعاً ذا تحدٍ مفتوح على الزمن. في ثمانينيات القرن الماضي، وما قبلها وما بعدها بعقود، كان الخروج على أي مألوف يعد جُرماً شائناً صاحبه، لكن فرادة حسن مطلك الأديب، استندت إلى شعوره الباذخ بالحرية، وهي حرية لم يستجدِها من أحد، بل خلقها بنفسه، وهو بكل تأكيد لم يكن لينتظر موافقة أحد عليها. لقد تسربل بحريته وامتشق قلمه وأطلق عنان خياله فكتب، وأسجل له هنا أنه أول كاتب كفر بقانون الكتابة "المقدس"، الذي يقرر بأن الكاتب إنما يكتب ليقرأ الآخرون، إلا إن حسن مطلك أعلنها صريحة غريبة غير مألوفة: "كتبتها لأحمي نفسي من القرّاء"! مَن سوى هذا الأديب امتلك الجرأة على أن يضحي بثمار ما يزرع؟ والمنطق يشرئب هنا ليسألنا هذا السؤال البدهي: لماذا كان يكتب إذن؟ ولكي نجيب على هذا السؤال، نقول: لقد زرع هذا الكاتب فناً أدبياً بطريقة خاصة، كي يثبت لمن حوله ولمن بعده، أنه زارع فذ، يستطيع أن يُريَك الثمار دون أن تكون قادراً على الإفادة منها بسهولة، ذاك أنه دس في المنتوج خاصته، سراً جعله صعب التناول، لا مستحيله، كي لا يُدني من نتاجه كل أحد، فيُبتذل، كأنه بهذا أراد أن يقول للكتّاب وللقراء معاً: ليس مهماً أن تفهمو كل ما كتبتُ، بل أن تفهمو كيف كتبت. لقد نجح حسن مطلك في الأمرين معاً؛ كتابةِ ما أراد أن يكتبه، ومنعِ القرّاء من غير النخب، من تناول ما كتب، بعد أن انتحى عن تصميم مسبق، سبيل "الصعب الممتنع" في الكتابة، وهو ما سنحاول شرحه في الصفحات القادمة. ما إن يقرر قارئ - لايزال حتى تلك اللحظة جاهلاً بما هو مقدم عليه - أن يباشر قراءة رواية "دابادا" المحصّنة بقرار الحماية المسبق هذا، حتى يكتشف مدى متانة التحصين الذي أحاط الكاتب به روايته، وإن قرر هذا القارئ أن يستمر في تحدي القراءة، إما خوفاً من شعورٍ بالفشل في فهم "الكلام"، أو طمعاً فيما يمكن أن يخرج به أي قارئ لأي كتاب، فسيواجه هذا القارئ - على الأغلب - الشعور الذي واجهتُه في محاولتي الأولى، قراءةِ هذه الرواية، وهو شعور يمكن تشبيهه بمحاولة قضم قطعة من الخشب، قد ننجح في طحنها لكن ليس في هضمها، وهذه هي العقبة الكؤود التي يسقط عندها الكثيرون قبل بلوغ مكامن الجمال والفائدة في هذه الرواية. يمكن أن نقول أن "دابادا" بناء أدبيّ مُدرّع بالكثير من وسائل الحماية، ما يجعلها بعيدة عن شغف الباحثين عن الانتشار السريع الميسّر، لكنها برغم العوائق، منجم أسرار أدبية وثقافية لا ينضب. أذكر حين وقعت عيناي على غلاف الرواية لأول مرة، وقتها، لم يستهوني العنوان بقدر ما أثار فيّ دافعية اكتشاف الغموض المحتمل الكامن خلف الاسم الغريب، وحين شرعتُ بالقراءة، كان واضحاً أن مانع القراءة المبثوث على طول الصفحات يعمل بشكل جيد، بل جيد جداً! عندما أمسكتُ عن القراءة بعد بضع وثلاثين صفحة، وقد تهت بين هلامية الأحداث وزئبقية التعابير، وسلالم الارتقاء اللغوي ومنحدراته السهلة، لكن الحال لم يكن كذلك في المرة الثانية عندما أثمر صبري عليها، اختراقاً جزئياً للتحصينات، وبدء استكشاف الجمال الفريد لهذه الحكاية غير المألوفة كصاحبها. مثل أي جهاز بالغ التعقيد والفائدة، ترافقه نشرة شارحة استخدامه للمبتدئين، فإن "دابادا" تحتاج إلى شرح وتفسير، وتدريب أيضاً، فعلى المتفاعل معها نقداً أو قراءةً أو استزادة من جديد، أن يوقن أن هذا العمل الأدبي المعقد ليس كأي عمل آخر سهل القضم فالهضم. قد يعتقد البعض أن حسن مطلك قد قسا على نفسه كثيراً، باختياره هذا الأسلوب في الكتابة، الأسلوب الذي ترك السواد الأعظم من الكتاب والقرّاء معاً، يبدون، قياساً إليه، كأنهم من ذوي الاحتياجات الخاصة لغوياً أو أدبياً، وهم ليسوا كذلك جميعاً. علينا أن نتذكر مرة أخرى، أن حرية الكاتب، هي وحدها التي تجعله كاتباً حقيقياً: ... ثم الركض الحُر بلا توقف، والسقوط الحُر بدون اصطدام، ص 99، إنك أيها القارئ لتستشف من هذه العبارة، أن الكاتب يحب أن يجوب بالكتابة الكونَ بلا قيود، فإذا سلبناه هذه الحرية، استحال ناسخاً لا كاتباً، وهذا ما لم يكن ليفعله حسن مطلك. لكي نفهم مديات "دابادا" المترامية الأطراف، علينا أن نستعير المؤلف مخرجاً وممثلاً في فلم طويل، بل طويل جداً، ليتضح لنا بعض ما خفي تحت خصوصية الجغرافيا والزمن والبيئة، العوامل اللواتي أنبتن المؤلِّف والمؤلَّف خاصته، وهذا ما لن يحصل بكل تأكيد، لكن محاولاتنا المتفائلة والصبورة ستستمر، معك أيها القارئ، مقتربين من السر الكامل في كل مرة، شيئاً قليلاً، وإن لم نبلغه. في هذا الكتاب، لسنا بصدد الدفاع عن مبدأ تنزيه "دابادا"، ففي النهاية هو كتاب ألّفه أحد أولاد آدم، ونحن نعلم أن لا عصمة لكاتب ولا لمكتوب، ولكننا في الوقت الذي يمكن أن ننتقد مؤلَّفاً مستريحين خلف تباعد الزمن، نجد أنفسنا ملزمين أخلاقياً بالدفاع عن المؤلِّف الغائب، فلا أحد يعلم يقيناً كل ما أحاط به في ذلك الزمن وتلك الأحوال الفريدة، وكل الأحوال فريدة. إن الكتابة عند معظم الكتاب، بل يمكن أن نقول عند جميع الكتّاب سوى حسن مطلك، هي تضاريس من الأحداث الأفقية أو العمودية التي حصلت أو التي ستحصل، أو ربما تلك التي لن تحصل أبداً، أما حسن مطلك فنجده يكتب- أحيانا- بشكل لولبي كإعصار يشاهد العالم من زواياه الثلاثمائة والستون. إن حسن مطلك يكتب بشكل ثلاثي الابعاد، يجسم لنا المشاهد ويبث فيها الحياة، بأسلوب ولغة يستعصي على الآخرين ترويضهما وحبسهما بين جناحي كتاب رقيق. على صعيد الحدث الروائي، نجد أحداث روايته تتلوى في أنفاق خفية، حتى يظن القارئ أن الكاتب قد بالغ في إستطراده الفلسفيّ حتى أنه أضاع مسار الأحداث التي خطط لها، وإن القارئ اللبيب ليتعجب كيف أن الكاتب لم يُضِع مسار أحداث روايته كما توهّم، حين ينبثق فجأة إلى مستوىً أسهل، حتى يقول القارئ في نفسه: "أهّاااا"! مانحاً إياه شعوراً بالراحة وكذا شعوراً بالسعادة، أنّ الكاتب لم يكن يخدعه عندما وضعه قبل صفحات خلت على مسار أحداث، ثم تركه للضياع، هكذا بلا منطق، ثم يجد القارئ نفسه يختم فرحته بتوالي الأحداث الشارحة للمسار فيقول: "ممم!"، وهو ينقر برأسه رضىً وراحةً. مما انفردت به هذه الرواية، هو أسلوب "المونتاج" الذي يضع القارئ أمام حدث، فيغذ السير قراءةً ليصل إلى الحدث القادم، لكن سرعان ما يكتشف القارئ أنه أصبح داخلاً في أحداث أخرى تخص بطلاً آخر من أبطال الرواية، أو أنه قد انتقل إلى أحداث ماضية للبطل ذاته، وهذا يمنحنا الحق في الاعتقاد بأن الكاتب كان يعيش تلك الأحداث وكأنه هو كل أبطال الرواية أو أغلبهم في آن واحد، أو أنه قد عاصرهم جميعاً، وهذا هو الأرجح. إن هذا الأسلوب الروائي، نمط بصري واضح يمكن إجلاؤه بعمل درامي متخيَّل، كما يحدث في المسلسلات والأفلام، وسنسوق هذا المثال شاهداً على ذلك: كان يقول له:"لا تَخَف يا بُني.. يا وَلَـدي". وبذلك يُخيفه أكثر لحظة الذهاب لجلب الماء من الخزان، والخزان بعيد قُرب الباب، (ص 116)، في هذا النص القصير، يصف حال البطل "شاهين" وأبيه، وهما في ورطة حقيقية، إذ تعطلت سيارتهما في البراري المليئة بالذئاب، مما جعل "شاهين" الطفل تحت تأثير خوف شديد، ولكي يطمئن الأبُ ولدَه، يقول له لا تخف يا بنيّ، هنا ينتقل بنا الكاتب من مشهد البراري إلى مشهد الطفل الذي أصبح يخاف الذهاب إلى خزان الماء رغم أنه قريب من باب الدار. كيف دمج الكاتب المشهدين معاً؟ لقد استخدم زمنين في جملة واحدة، لنقرأ هذا النص ثانية: كان يقول له: "لا تَخَف يا بُني.. يا وَلَـدي" وهذه العبارة في الزمن الماضي، "وبذلك يُخيفه أكثر لحظة الذهاب لجلب الماء من الخزان..." وهذه في زمن لاحق. هذه صورة من صور التقطيع و"الـمَنتَجة" التي تفرّدت بها "دابادا"، ومثلها عشرات الأمثلة الأخرى. بناء على التركيبة الفريدة والغريبة للأحداث وطريقة العرض الفني واللغوي للرواية، ليس بمقدور قارئ أو كاتب الزعم بأنه فهم مرامي حسن مطلك جميعاً، المعبّر عنها بتعبيراته واستعاراته وتسمياته وإشاراته الفريدة السارية في جسد الرواية كلها، وإن كان هذا الكتاب محاولة لذلك، إلا أنها تبقى عصية على الاكتشاف السافر الكامل إلى الأبد. مثلما استعصت "دابادا" على القرّاء إلى حد بعيد، فقد استعصت على الترجمة المنصفة، ولو تُرجمت على يد أمهر المترجمين، لما وصل منها إلى القارئ المترجَم له إلا تعابير غير مترابطة، سرعان ما ستقلب مزاجه ليتحول إلى أي عمل آخر، غير قراءة النسخة المترجمة. لايفوتنا أن ننوّه إلى أن الوضع الأمني في ظل الحكم الشمولي الذي عاشه العراق إبان حكم حزب البعث، وبخاصة في فترة حكم الرئيس العراقي الأسبق، كان سبباً آخر من أسباب تعقيد فن الكتابة عند حسن مطلك، إلى الحد الذي يُشعر الكاتب المتمرد بالأمان، وإن بشكل نسبيّ، وهذا ما قرره حسن مطلك بنفسه، عندما قال في كتابه "الكتابة وقوفاً": أحيانا تساعد الرقابة كثيراً في خلق هذا الأسلوب أو ذاك، فعندما نريد أن نقول شيئا خطيراً، فإننا نلجأ إلى طريقة لغوية تفوّت على الرقابة فهم الموضوع مباشرة، ولذلك فأنا مدين بالكثير لهذه المؤسسة، لأنها ساهمت في جوانب مهمة في نهضة الأسلوب. يقول الكاتب والروائي العراقي الدكتور "محسن الرملي"، وهو شقيق الكاتب الخالد "حسن مطلك": إننا (يقصد العرب) لم نقرأ "الكيخوته" بعد، وأنا أقول؛ إننا لم نقرأ "دابادا" كذلك، ففي كلا الراويتين فرادة لا تجدها في غيرهما، فقد عرض ميغيل دي ثيربانتس في الكيخوته أسلوباً تلقائياً فطرياً، يعطي مجالاً للعقل البشري أن يتفكر ويواكب- على مهل- التغيرات العاطفية والفكرية التي تنشأ خلال مسيرة الأحداث الحياتية اليومية، وهذا الأسلوب – على حد علمي- لم يتــبـــنّــهُ أحدٌ بهذا التفصيل إلا هو، وإن كان الكاتب الألماني "روبارت زيتالر" قد عرض في روايته "حياة كاملة" تفاصيل حياتية شبيهة، لكنها لا تتمتع بذات العمق الإنساني وذات الاتساع الذي انطوت عليه الكيخوته. أما "دابادا" حسن مطلك، فقد أضافت إلى تناول الموضوعات اليومية الصغيرة - وهي ليست صغيرة - عوامل أخرى كالولوج في التفاصيل بالغة الدقة والمعبّر عنها بالاختصار المفرط المتقن والتشفير الفريد، كما سنبيّن ذلك لاحقا. صحيح أن حسن مطلك قد قفل روايته إلى حد بعيد، بإسلوبه هذا، لكنه ترك فيها للقارئ القارئ، مساماتٍ للتنفس وأخرى للإضاءة، فمن يمتلك الرغبة الجامحة في سبر أغوار "دابادا"، فسيجد أن هذه الثقوب الصغيرة يمكن أن تغذيه بالهواء والنور الكفيلين باستكشاف العالم المحبوس خلفها، ما عليك - أيها القارئ - إلا أن تصمد قليلاً، أو كثيراً، إن كنت واحداً من هؤلاء، وستنال. يأتي هذا الكتاب محاولة منا لإخراج المارد الكامن بين ثنايا رواية "دابادا"، ليسهل على العربي والأعجمي معاً، تناول الرواية والإفادة من م��زاتها الفريدة. لقد أنتهجنا في هذا الكتاب أسلوب التحليل المبوّب، إذ قسّمنا ما نراها نقاط قوة في الرواية إلى أبواب عديدة، وأخذنا على كل منها أمثلة، مع شرح مفصل تفصيلاً بسيطاً دون إسهاب، لأجل أن نبين تلك الخصيصة. في الختام، نرجو من الله تعالى أن يجد القارئ الكريم، وبخاصة القارئ العربي، ما يعينه على الإفادة من هذا الكنز الروائي الفريد.
د. عبد الجليل السامرائي اكاديمي، كاتب وروائي وناقد ادبي
فإن هذا الكتاب يتناول بالتحليل، قطعة فنية لانظير لها في أدب العصر الحديث ألا وهي رواية "دابادا"، رائعة الأديب الراحل حسن مطلك، ولكي تفيد من هذا الكتاب إفادة قصوى - عزيزي القارئ - ننصحك بأن تقرأ الرواية أولاً، أو- على الأقل - أن تكون إلى جانبك، وأنت تقرأ هذا الكتاب. ونحن نتناول رواية "دابادا"، فإننا نضع ذائقتنا الأدبية وشغفنا للابداع، أمام حالة فريدة، عصيّة على تسمية أحادية النهج والاتجاه، ذلك أنها لا مثيل لها من جنسها، كما وصفها الروائي عبد الرحمن الربيعي معلناً: "أنها لم تتعكز على إنجاز روائي سابق". لا أقول إنه كتاب، ولا أقول إنها رواية، ولا أقول إنها قصة أو سيرة ذاتية، لأنها كل ذلك معاً، جمعها المؤلف في قاموس أدبي حقيقي فذ أسماه "دابادا"، وهي كلمة من جزأين "دا" و "با"، ثم يتكرر أوّلهما ليشكل الجزء الثالث، فالتسمية الكاملة. إننا إزاء تحفة فنية أدبية، قد تبدو غريبة للغالبية الساحقة من القراء وحتى من الأدباء، وهي بلا شك، غير ممتعة لكل أحد، شأن الكتب التي تحمل على غلافها كلمة "رواية"، ولكن، هذا هو طبع المواد الخام! التي لا يَفك شفرتَها إلا المولعون، أو المهَرَةُ المختصون، فيستخرجون فوائدها من مكامنها ويجعلونها سهلة التناول بعد الاستعصاء. إن قواميس اللغة، ما هي إلا مواد لغوية مركزة، لا يمكن لأحد أن يستمتع بها، وهذا هو الحال- وفق تقديري- مع "دابادا"، لقد وضع فيها المؤلف الذي غادر عالمنا شاباً، خلاصات عمره الإنسانية واللغوية والأدبية والفلسفية، ومما لا شك فيه أن التكثيف الشديد، سواء على مستوى المادة أو على مستوى الفكرة، يقلل من فرص الاستساغة، فكان أن زهد فيها غالبية القرّاء، لكن ليس جميعهم! كأن حسن مطلك قد أحس مبكراً أنه لن يعيش طويلاً، فكتب عميقاً، بدل أن يكتب كثيراً، فكان أن احتجنا- نحن لا هو- بعد عقود، أن نقول عنه مالم يسعفه العمر في قوله. بعيداً عن البناء اللغوي لهذه الرواية المشفّرة حد الاستعصاء، يتركنا المؤلف حيارى بين تساؤلات عديدة؛ هل نفهم حسن مطلك من خلال مجتمعه (أبطال روايته)، أم نفهم مجتمعه من خلاله، وهو الذي يطل علينا من كوى أحداث الرواية بين الحين والآخر، ليقول لنا: أنا هنا! كما في ص 108: فمنذ سنوات وهو يحب الصيد. الصيد وليس القَتل أبداً. أقول: إنه مُجَرَّد انطباع وفق طريقة؛ املأ الفراغات التالية.... وقوله في ذات الصفحة: لكي تصير هذه الرواية أكبر حجماً. لأنني لا أعرف محموداً معرفة دقيقة كما لا أعرفُ شاهيناً ولا عالية ولا هاجر ولا عواداً.. لا أعرفُ أي واحد منهم تقريباً.. وغيرهما كثير. ومن التساؤلات الأخرى: هل كان الكاتب أحداً أو آحاداً من أبطال روايته، حتى تمكن من نقل مشاعر وأحاسيس شخص آخر الينا بهذه الدقة وهذا الوضوح، فجعلنا نتذكر معاناتنا الشخصية التي تخزنا في عمق آلامنا وذاكرتنا ونحن نتفاعل مع آلام شخوص الرواية وبخاصة آلام "شاهين"؟! عندما نجرب البحث عن "دابادا"، في رفوف ومواقع كتب الروايات، سنجد أنها ليست الرواية الأشهر أو الأكثر مبيعاً، بل ولا حتى كثيرة المبيعات، ذاك أن ما اختصت به الرواية لايندرج - في مفهوم القراء - تحت مصنف الروايات كما أسلفنا، وفي المقابل، إذا لم يكتب لها أن تنتشر كرواية، فتدق أبواب القرّاء، فإنها تمتلك من الأمكانات اللغوية والفنية ما يجعل منها قاموساً ومرجعاً روائياً يحجّ إليه من تقطعت بهم سبل الكتابة، أو من جفت مناهلهم، لتشحذ أفكارهم، وتعيد تلميع نصول أقلامهم، لأجل تقديمهم إلى عالم الأدب، وهم على مستوى جديد عالٍ من الهمة والثقة والغنى الأدبيّ. إن الجَماليْن الظاهر والكامن في الأرياف، هما من أسرار الإبداع في حياة هذا المؤلَّف، ذلك أن الجمال ثمرة غنى الأرواح، لا وفرة الأشياء، وليس ثمة أرواح أغنى من أرواح أهل الريف، فإذا توفرت مع هذا الغنى، البصيرة والذائقة، والهمة، أثمرت إبداعاً ذا تحدٍ مفتوح على الزمن. في ثمانينيات القرن الماضي، وما قبلها وما بعدها بعقود، كان الخروج على أي مألوف يعد جُرماً شائناً صاحبه، لكن فرادة حسن مطلك الأديب، استندت إلى شعوره الباذخ بالحرية، وهي حرية لم يستجدِها من أحد، بل خلقها بنفسه، وهو بكل تأكيد لم يكن لينتظر موافقة أحد عليها. لقد تسربل بحريته وامتشق قلمه وأطلق عنان خياله فكتب، وأسجل له هنا أنه أول كاتب كفر بقانون الكتابة "المقدس"، الذي يقرر بأن الكاتب إنما يكتب ليقرأ الآخرون، إلا إن حسن مطلك أعلنها صريحة غريبة غير مألوفة: "كتبتها لأحمي نفسي من القرّاء"! مَن سوى هذا الأديب امتلك الجرأة على أن يضحي بثمار ما يزرع؟ والمنطق يشرئب هنا ليسألنا هذا السؤال البدهي: لماذا كان يكتب إذن؟ ولكي نجيب على هذا السؤال، نقول: لقد زرع هذا الكاتب فناً أدبياً بطريقة خاصة، كي يثبت لمن حوله ولمن بعده، أنه زارع فذ، يستطيع أن يُريَك الثمار دون أن تكون قادراً على الإفادة منها بسهولة، ذاك أنه دس في المنتوج خاصته، سراً جعله صعب التناول، لا مستحيله، كي لا يُدني من نتاجه كل أحد، فيُبتذل، كأنه بهذا أراد أن يقول للكتّاب وللقراء معاً: ليس مهماً أن تفهمو كل ما كتبتُ، بل أن تفهمو كيف كتبت. لقد نجح حسن مطلك في الأمرين معاً؛ كتابةِ ما أراد أن يكتبه، ومنعِ القرّاء من غير النخب، من تناول ما كتب، بعد أن انتحى عن تصميم مسبق، سبيل "الصعب الممتنع" في الكتابة، وهو ما سنحاول شرحه في الصفحات القادمة. ما إن يقرر قارئ - لايزال حتى تلك اللحظة جاهلاً بما هو مقدم عليه - أن يباشر قراءة رواية "دابادا" المحصّنة بقرار الحماية المسبق هذا، حتى يكتشف مدى متانة التحصين الذي أحاط الكاتب به روايته، وإن قرر هذا القارئ أن يستمر في تحدي القراءة، إما خوفاً من شعورٍ بالفشل في فهم "الكلام"، أو طمعاً فيما يمكن أن يخرج به أي قارئ لأي كتاب، فسيواجه هذا القارئ - على الأغلب - الشعور الذي واجهتُه في محاولتي الأولى، قراءةِ هذه الرواية، وهو شعور يمكن تشبيهه بمحاولة قضم قطعة من الخشب، قد ننجح في طحنها لكن ليس في هضمها، وهذه هي العقبة الكؤود التي يسقط عندها الكثيرون قبل بلوغ مكامن الجمال والفائدة في هذه الرواية. يمكن أن نقول أن "دابادا" بناء أدبيّ مُدرّع بالكثير من وسائل الحماية، ما يجعلها بعيدة عن شغف الباحثين عن الانتشار السريع الميسّر، لكنها برغم العوائق، منجم أسرار أدبية وثقافية لا ينضب. أذكر حين وقعت عيناي على غلاف الرواية لأول مرة، وقتها، لم يستهوني العنوان بقدر ما أثار فيّ دافعية اكتشاف الغموض المحتمل الكامن خلف الاسم الغريب، وحين شرعتُ بالقراءة، كان واضحاً أن مانع القراءة المبثوث على طول الصفحات يعمل بشكل جيد، بل جيد جداً! عندما أمسكتُ عن القراءة بعد بضع وثلاثين صفحة، وقد تهت بين هلامية الأحداث وزئبقية التعابير، وسلالم الارتقاء اللغوي ومنحدراته السهلة، لكن الحال لم يكن كذلك في المرة الثانية عندما أثمر صبري عليها، اختراقاً جزئياً للتحصينات، وبدء استكشاف الجمال الفريد لهذه الحكاية غير المألوفة كصاحبها. مثل أي جهاز بالغ التعقيد والفائدة، ترافقه نشرة شارحة استخدامه للمبتدئين، فإن "دابادا" تحتاج إلى شرح وتفسير، وتدريب أيضاً، فعلى المتفاعل معها نقداً أو قراءةً أو استزادة من جديد، أن يوقن أن هذا العمل الأدبي المعقد ليس كأي عمل آخر سهل القضم فالهضم. قد يعتقد البعض أن حسن مطلك قد قسا على نفسه كثيراً، باختياره هذا الأسلوب في الكتابة، الأسلوب الذي ترك السواد الأعظم من الكتاب والقرّاء معاً، يبدون، قياساً إليه، كأنهم من ذوي الاحتياجات الخاصة لغوياً أو أدبياً، وهم ليسوا كذلك جميعاً. علينا أن نتذكر مرة أخرى، أن حرية الكاتب، هي وحدها التي تجعله كاتباً حقيقياً: ... ثم الركض الحُر بلا توقف، والسقوط الحُر بدون اصطدام، ص 99، إنك أيها القارئ لتستشف من هذه العبارة، أن الكاتب يحب أن يجوب بالكتابة الكونَ بلا قيود، فإذا سلبناه هذه الحرية، استحال ناسخاً لا كاتباً، وهذا ما لم يكن ليفعله حسن مطلك. لكي نفهم مديات "دابادا" المترامية الأطراف، علينا أن نستعير المؤلف مخرجاً وممثلاً في فلم طويل، بل طويل جداً، ليتضح لنا بعض ما خفي تحت خصوصية الجغرافيا والزمن والبيئة، العوامل اللواتي أنبتن المؤلِّف والمؤلَّف خاصته، وهذا ما لن يحصل بكل تأكيد، لكن محاولاتنا المتفائلة والصبورة ستستمر، معك أيها القارئ، مقتربين من السر الكامل في كل مرة، شيئاً قليلاً، وإن لم نبلغه. في هذا الكتاب، لسنا بصدد الدفاع عن مبدأ تنزيه "دابادا"، ففي النهاية هو كتاب ألّفه أحد أولاد آدم، ونحن نعلم أن لا عصمة لكاتب ولا لمكتوب، ولكننا في الوقت الذي يمكن أن ننتقد مؤلَّفاً مستريحين خلف تباعد الزمن، نجد أنفسنا ملزمين أخلاقياً بالدفاع عن المؤلِّف الغائب، فلا أحد يعلم يقيناً كل ما أحاط به في ذلك الزمن وتلك الأحوال الفريدة، وكل الأحوال فريدة. إن الكتابة عند معظم الكتاب، بل يمكن أن نقول عند جميع الكتّاب سوى حسن مطلك، هي تضاريس من الأحداث الأفقية أو العمودية التي حصلت أو التي ستحصل، أو ربما تلك التي لن تحصل أبداً، أما حسن مطلك فنجده يكتب- أحيانا- بشكل لولبي كإعصار يشاهد العالم من زواياه الثلاثمائة والستون. إن حسن مطلك يكتب بشكل ثلاثي الابعاد، يجسم لنا المشاهد ويبث فيها الحياة، بأسلوب ولغة يستعصي على الآخرين ترويضهما وحبسهما بين جناحي كتاب رقيق. على صعيد الحدث الروائي، نجد أحداث روايته تتلوى في أنفاق خفية، حتى يظن القارئ أن الكاتب قد بالغ في إستطراده الفلسفيّ حتى أنه أضاع مسار الأحداث التي خطط لها، وإن القارئ اللبيب ليتعجب كيف أن الكاتب لم يُضِع مسار أحداث روايته كما توهّم، حين ينبثق فجأة إلى مستوىً أسهل، حتى يقول القارئ في نفسه: "أهّاااا"! مانحاً إياه شعوراً بالراحة وكذا شعوراً بالسعادة، أنّ الكاتب لم يكن يخدعه عندما وضعه قبل صفحات خلت على مسار أحداث، ثم تركه للضياع، هكذا بلا منطق، ثم يجد القارئ نفسه يختم فرحته بتوالي الأحداث الشارحة للمسار فيقول: "ممم!"، وهو ينقر برأسه رضىً وراحةً. مما انفردت به هذه الرواية، هو أسلوب "المونتاج" الذي يضع القارئ أمام حدث، فيغذ السير قراءةً ليصل إلى الحدث القادم، لكن سرعان ما يكتشف القارئ أنه أصبح داخلاً في أحداث أخرى تخص بطلاً آخر من أبطال الرواية، أو أنه قد انتقل إلى أحداث ماضية للبطل ذاته، وهذا يمنحنا الحق في الاعتقاد بأن الكاتب كان يعيش تلك الأحداث وكأنه هو كل أبطال الرواية أو أغلبهم في آن واحد، أو أنه قد عاصرهم جميعاً، وهذا هو الأرجح. إن هذا الأسلوب الروائي، نمط بصري واضح يمكن إجلاؤه بعمل درامي متخيَّل، كما يحدث في المسلسلات والأفلام، وسنسوق هذا المثال شاهداً على ذلك: كان يقول له:"لا تَخَف يا بُني.. يا وَلَـدي". وبذلك يُخيفه أكثر لحظة الذهاب لجلب الماء من الخزان، والخزان بعيد قُرب الباب، (ص 116)، في هذا النص القصير، يصف حال البطل "شاهين" وأبيه، وهما في ورطة حقيقية، إذ تعطلت سيارتهما في البراري المليئة بالذئاب، مما جعل "شاهين" الطفل تحت تأثير خوف شديد، ولكي يطمئن الأبُ ولدَه، يقول له لا تخف يا بنيّ، هنا ينتقل بنا الكاتب من مشهد البراري إلى مشهد الطفل الذي أصبح يخاف الذهاب إلى خزان الماء رغم أنه قريب من باب الدار. كيف دمج الكاتب المشهدين معاً؟ لقد استخدم زمنين في جملة واحدة، لنقرأ هذا النص ثانية: كان يقول له: "لا تَخَف يا بُني.. يا وَلَـدي" وهذه العبارة في الزمن الماضي، "وبذلك يُخيفه أكثر لحظة الذهاب لجلب الماء من الخزان..." وهذه في زمن لاحق. هذه صورة من صور التقطيع و"الـمَنتَجة" التي تفرّدت بها "دابادا"، ومثلها عشرات الأمثلة الأخرى. بناء على التركيبة الفريدة والغريبة للأحداث وطريقة العرض الفني واللغوي للرواية، ليس بمقدور قارئ أو كاتب الزعم بأنه فهم مرامي حسن مطلك جميعاً، المعبّر عنها بتعبيراته واستعاراته وتسمياته وإشاراته الفريدة السارية في جسد الرواية كلها، وإن كان هذا الكتاب محاولة لذلك، إلا أنها تبقى عصية على الاكتشاف السافر الكامل إلى الأبد. مثلما استعصت "دابادا" على القرّاء إلى حد بعيد، فقد استعصت على الترجمة المنصفة، ولو تُرجمت على يد أمهر المترجمين، لما وصل منها إلى القارئ المترجَم له إلا تعابير غير مترابطة، سرعان ما ستقلب مزاجه ليتحول إلى أي عمل آخر، غير قراءة النسخة المترجمة. لايفوتنا أن ننوّه إلى أن الوضع الأمني في ظل الحكم الشمولي الذي عاشه العراق إبان حكم حزب البعث، وبخاصة في فترة حكم الرئيس العراقي الأسبق، كان سبباً آخر من أسباب تعقيد فن الكتابة عند حسن مطلك، إلى الحد الذي يُشعر الكاتب المتمرد بالأمان، وإن بشكل نسبيّ، وهذا ما قرره حسن مطلك بنفسه، عندما قال في كتابه "الكتابة وقوفاً": أحيانا تساعد الرقابة كثيراً في خلق هذا الأسلوب أو ذاك، فعندما نريد أن نقول شيئا خطيراً، فإننا نلجأ إلى طريقة لغوية تفوّت على الرقابة فهم الموضوع مباشرة، ولذلك فأنا مدين بالكثير لهذه المؤسسة، لأنها ساهمت في جوانب مهمة في نهضة الأسلوب. يقول الكاتب والروائي العراقي الدكتور "محسن الرملي"، وهو شقيق الكاتب الخالد "حسن مطلك": إننا (يقصد العرب) لم نقرأ "الكيخوته" بعد، وأنا أقول؛ إننا لم نقرأ "دابادا" كذلك، ففي كلا الراويتين فرادة لا تجدها في غيرهما، فقد عرض ميغيل دي ثيربانتس في الكيخوته أسلوباً تلقائياً فطرياً، يعطي مجالاً للعقل البشري أن يتفكر ويواكب- على مهل- التغيرات العاطفية والفكرية التي تنشأ خلال مسيرة الأحداث الحياتية اليومية، وهذا الأسلوب – على حد علمي- لم يتــبـــنّــهُ أحدٌ بهذا التفصيل إلا هو، وإن كان الكاتب الألماني "روبارت زيتالر" قد عرض في روايته "حياة كاملة" تفاصيل حياتية شبيهة، لكنها لا تتمتع بذات العمق الإنساني وذات الاتساع الذي انطوت عليه الكيخوته. أما "دابادا" حسن مطلك، فقد أضافت إلى تناول الموضوعات اليومية الصغيرة - وهي ليست صغيرة - عوامل أخرى كالولوج في التفاصيل بالغة الدقة والمعبّر عنها بالاختصار المفرط المتقن والتشفير الفريد، كما سنبيّن ذلك لاحقا. صحيح أن حسن مطلك قد قفل روايته إلى حد بعيد، بإسلوبه هذا، لكنه ترك فيها للقارئ القارئ، مساماتٍ للتنفس وأخرى للإضاءة، فمن يمتلك الرغبة الجامحة في سبر أغوار "دابادا"، فسيجد أن هذه الثقوب الصغيرة يمكن أن تغذيه بالهواء والنور الكفيلين باستكشاف العالم المحبوس خلفها، ما عليك - أيها القارئ - إلا أن تصمد قليلاً، أو كثيراً، إن كنت واحداً من هؤلاء، وستنال. يأتي هذا الكتاب محاولة منا لإخراج المارد الكامن بين ثنايا رواية "دابادا"، ليسهل على العربي والأعجمي معاً، تناول الرواية والإفادة من ميزاتها الفريدة. لقد أنتهجنا في هذا الكتاب أسلوب التحليل المبوّب، إذ قسّمنا ما نراها نقاط قوة في الرواية إلى أبواب عديدة، وأخذنا على كل منها أمثلة، مع شرح مفصل تفصيلاً بسيطاً دون إسهاب، لأجل أن نبين تلك الخصيصة. في الختام، نرجو من الله تعالى أن يجد القارئ الكريم، وبخاصة القارئ العربي، ما يعينه على الإفادة من هذا الكنز الروائي الفذ. .
د. عبد الجليل السامرائي أكاديمي ، كاتب وروائي وناقد أدبي
لا تُنسى دابادا. كتبها حسن بكل عواطفه ووعيه وغضبه وانفعاله. وكأنه أراد لمتلقيها البقاء في الذاكرة بعد الانتهاء منها. سنوات طويلة مرت على قراءتها ولم يفارقني جِدته فيها. دابادا هي المحفز الأقوى لقراءة يومياته. إن إرادة حسن وعزيمته كتابة مايبقى قوية بحيث أنجز ماهو باقٍ لأبد بعيد. حسن لم يجعلني أقرأ بقية أعماله فقط، بل تتبع حتى مايُكتب عنه، فحين نشر شقيقه محسن مطلك الرملي رواية ذئبة الحب والكتب عن دار المدى واستحضر فيها أخاه اشتريتها ليس على سبيل البقاء في الدولاب كي تكون جاهزة عند رغبتي في قراءتها، وإنما اقتنيتها وبدأت فورا قراءتها بشغف . لما حصل هذا: لأنه حسن مطلك ودابادا.
رواية "استفزازت"، تستفز كراهيتك تجاه أسلوب الكاتب الذي يتعمّد "الاستغلاق"، لكنها كراهية مؤقتة سرعان ما تتحول إلى انبهار في مقطع آخر .. وحينا تتحول إلى متعة حقيقية بهذه اللغة الفاتنة، الفاخرة، المتبرجة التي تنثر في النص أريجا لا يخفى .. أخذتني عوالم الرواية، تخيلتُ أني داخل "رأس" شاهين، بكل تشوشه، مخاوفه، اضطرابه، لامعقوليّته، هذيانه، أحلامه، وذكرياته ..
اكمال قراءتها تحدي بالنسبة لي كلما ظننت أنني مدركة للأحداث بكامل تركيزي طغى علي التشتت والتوهان ، رواية كتبت بأسلوب يشكك في نفسك وتقع بهوة الحيرة هل أنت ذو عقل مشتت أم أحداثها مشتتة أم كتبت لتستفز القارئ ولكن لا أنكر أنها كتبت بلغة رائعة خارجة عن المألوف مليانة رمزيات وصور بلاغية مبهرة
الاسلوب الفني عند حسن مطلك .. يقول حسن. "لا بد ان يجيد الكاتب اللعبة الفنية في التفصيل او توصيل فكرة معينة" إي انه لم يرد زج اي فكرة بصورة مباشرة فتكون بذلك موضع تقبل القارئ من عدمه، انما اراد من القارئ ان يستنتج الفكرة ويستنبطها بالدوران حولها او الحديث عنها بتفصيل معين فتكون لدى القارئ فكرته هو او فكرة القارئ والتي قد تختلف عن فكرة قارئ اخر لكن بالتأكيد قد وضع حسن فيها لمسته في صياغتها او صقلها وتعديلها في فكر المتلقي. "انا لا اريد ان اسمي إنتاجي هو رواية حديثة، ولكنني اعتقد بإن الانسان المعاصر لا يمكن التعبير عنه بشكل بسيط.." في الحقيقة اراد حسن اضاءة الانسان بكل جوانبه فكره وحسه. " أن يؤخذ الانسان ككل ولا يؤخذ كتجزئ له" وهو بذلك يبتعد عن النقل المباشر، النقل الفوتوغرافي لحياة الانسان، التي لا ترى سوى الجانب الظاهري للانسان او الفعل نفسه، ويتلقاها الاخر ويفسرها حسبما تعلم من مرات سابقة او استنتاجات لاحقة. فهو كما يقول "تعلمت من وليم فوكنر ان لا اشير للشيء مباشرة" انما يتحدث عن شي مثلا الحزن، فهو لا يكتب عن الدموع او النشيج والانتحاب او الالم واسبابه. انما يكتب ويدور حول هذا الشيء او يتحدث عن شيء اخر فيجعل الشخصية او القارئ يشعر بالتعب او يشعر بالحزن او يجعلها تحس بهذا الاحساس، وهو بذلك يبتعد في مستوى الكتابة، إذ جعل من الانسان محوره وليس الاشياء التي يعيشها او يحسها.
إذن هو لا يعتمد الرمزية الفعلية المعنية بقلب المعنى او الاستعانة بإيحائتها. يقول عنها "دعونا نسميها شيء اخر غير الرمزية، هناك فكرة (النص المزدوج).. الرمزية مثلا: نضع على فم شخص لاصق، فتفهم ان الشخص لديه احتجاج ضد العالم." بينما مسألة النص المزدوج: تجد الجملة تحمل في ثيمتها معنيين. ظاهر وباطن، يعني هناك نص داخل النص وهذا ما اسماه رولان بارت (النص في النص).. وهكذا من القراءة الاولى لا تستطيع ان تسيطر على الرواية" لذا من الصعب الجزم بان ما كتبه قد كتبه ليقرأه احد او ان احد يريد ان يستنبط منه ما اراد قوله، انما قال ما قاله بطريقته هو لا بطريقة الناقد والمتلقي او القارئ او اي مراقب اخر. "-قلت انك لا تضع شرطة في داخلك اثناء الكتابة. - (يضحك) لا.. ابدا.. انا لا اضع شرطيا." يؤكد حسن مطلك انه لا يخاف الناقد الحذق بالدرجة الاساس او القارئ كما سماه بالقارئ النخبوي، وهي السلطة التي تمسك الكاتب وتلزمه بقيم معينة في الكتابة، او حتى السلطة السياسية نفسها. ويقول "ان اجعل القارئ حاجزآ عن الانتقاد والنجومية، إي ان تكتب بسهولة، تصل الى الجمهور بسهولة وتصبح نجما بسهولة. لكن حين تكتب عملا صعبآ سوف يكون عملك من النوع الذي لا يكسب جمهورآ واسعآ ولكن الكسب يكون على مدى طويل وبطيء.." وهو ما كرهه حسن مطلك ان يكون عاديا ومفهوما، بذلك يتناوله الجميع ويحبه الجميع ويشعر الجميع بانه يعبر عنهم، والا ما فائدة انك تكتب اذا كنت تكتب للجميع، او مالجديد الذي جئت به، اي ان الاحساس هو احساس عادي دام ان الجميع يحسونه ويفهمونه، وهو ليس بالفرح او الالم الجديد انما الم عادي وحدث عادي كإي لحظة ولادة حدثت مليار��ت المرات. وهو شيء خال من الدهشة تماما لانه متكرر دائما. إي لم يرد الا ان يعيش كفنان ويتحدث كفنان ويفكر كفنان اقصد الفنان الانسان الذي في داخله فتخرج كل كلمة بفن معين، تكون ذات زاويا بعيدة عن عين الناظر انما تكون اقرب الى حسه كإنسان فقط. وهو بذلك يمس الفنان العميق الذي ينشأ من شيء حقيقي داخل كل انسان. اقصد ان كل انسان بداخله فنان لكن هذا الفنان مخبأ بعيدآ جدا وهو ما اراد حسن الوصول اليه وايقاظه، او حتى حشره في نفس القارئ من جديد. لان هذا الفنان قد مات بالفعل حين لم يعد يدهشنا شيء، وبتنا نبحث عن العيش فقط، العيش كأي انسان بسيط دون ذكر، انسان تهمه الاشياء التي تؤثر في حواسه الخمس فقط، التي يراها و يسمعها ويلمسها او يشمها ويتذوقها. اراد حسن الولوج ابعد من ذلك وايجاد الحاسة الاولى، وهي حاسة الفن. وبذلك فانه ينتزع كل ما هو له علاقة بما حوله، كل ما له علاقة بحواسه الخمس، جعلهن جسرا للوصول الى حس الفنان فيه وفي المتلقي. "كأنني اول كاتب في العالم.. نزعت كل القيود المتمثلة بالبوليس الفني والبوليس الاجتماعي والبوليس الديني.. فكل هؤلاء على الكاتب أن يستبعدهم لكي يكتب بحرية". فهو يحافظ على الدهشة باستمرار، ويجسر كل ما يشعر به او يحسه للوصول اليها. "الكتابة بقيود هي كتابة مفتعلة.." لذا احب حسن التحرر دائما من القيود وهو يكتب، اراد ان يكتب كيفما كان.. جالسا ونائما..او حتى واقفآ. لنقل: ان لا يجعل الكتابة فعلا اضطراريا. فجاءت كلماته بعفوية وحس عنيفين، تخرج الكلمة كيفما جاءت، اي ان الكاتب طفل نقي تجرد من كل خوف او حسبان لشيء إلا فنه وحسه تجاه هذا الفن. إذن من الخطأ.. كل الخطأ، ان نعتقد ان اسلوب حسن هو اسلوب اضطراري.
حسين الحسن
This entire review has been hidden because of spoilers.
رواية اقل ما يقال بحقها هي رواية ملحمية جمعت احداث الكون من بدايته لحد نهايته واهم فكرة اراد الكاتب ايصالها هي ان داء الروح الفرد وليس العكس اي ضد مبدأ المتصوفة ..... ان هذه الحياة مهزلة ولا جدوى منها ان الدنيا ماهي الا دائرة من اي نقطة تنطبق منها فستعود من جديد الى نفس النقطة ... قدمت مراجعتي عليها ارجو القراءة للايضاح اكثر على مدونة الكاتب نفسه في صفحة الفيس بوك تحت عنوان قراءة تأويلية مغايرة للقارئة سما العبيدي
جميلة ومُربكة، حسن مُطلك يكتب بشكل غير اعتيادي مستفز في بعض الأوقات ولكن الروعة تكمن في التفاصيل الرقيقة التي استطاع إيصالها لنا بحسه العالي.. "دابادا هي صرخة في الفراغ .. تشهد نضال الإنسان ضد الموت التدريجي"
سأحرص على قراءة هذهِ الرواية اكثر من مرة ، ساقرأها كل عام او كل بضعة اشهر و اعلم إني سأكتب قراءة مغايرة في كل مرة ، إنها رواية الشهر و السنة و العمر كله .. إنها خيط رفيع مغزول من بواطن النفس الانسانية سيتسلل الى داخلك مع كل سطر ..
كلما اعتقدت أنك امسكت بخيوط وتفاصيل هذه الرواية ، تجد نقسك وقد تهت من جديد ، ولولا المقدمة التي اشتملت على تفاصيلها لما فهمتها .. هل كانت الحكاية في هذا الكتاب إلى كل هذا التعقيد الذي يستدعي كتابة دليل ليستطيع القارىء فهمها ؟!
"لم تعُد ولن تعود ابداً تلك المعبودة التي جاءت اليّ ٫ لقد بكيت هذه المرة اكثر من جميع اطفال العالم" لا اعرف حقاً لماذا اكملتُ قراءة هذه الرواية ، رواية فلسفية بلغة جميلة تبدو كسطور مبعثرة تمثل اختلاجات كاتبها لكنها بحق طفرة تجديدية في الرواية العراقية .
مثل الفن الانطباعي الذي يرسم الانطباع عن الشئ وليس الشئ نفسه هذا الكتاب يحكي ويكتب الانطباع عن الأحداث او الشعور الناتج عنها وليس الحدث نفسه لكنها صعبة ولا أعرف كيف كتبها المؤلف كيف رتب أفكاره ومن أين بدأ وكيف انتهى هل كان ينسى أين وقف وكيف يكمل الكتابة عند الانقطاع.