إنهما سيرتان متكاملتان: سيرة ذاتية خاصة بالكاتب، وسيرة غيرية متعلقة بالأديب، وفي نفس الوقت هي رواية فنية تعتمد على التخييل والالتفات والتشويق والاستطراد والاهتمام بصناعة البيان وبلاغة التصوير؛ وهذا مما يجعل «طه حسين» أحد رواد الأدب العربي الحديث الأفذاذ. كما أن في هذه السيرة إدانة لجيل من المثقفين العرب الذين قصدوا أوروبا بحثًا عن العلم واستكمالًا لدراساتهم العليا، فانبهروا بحضارة الغرب، ولكنهم بدلًا من أن يستفيدوا من العلوم والمعارف والآداب، سقطوا في الغواية والرذيلة وفتنة الخطيئة، و انغمسوا في بوتقة الشر والفساد، والانسياق الأعمى للغرب والإيمان بفلسفته المادية المحضة وأفكاره المنحلة. إنها مأساة «أديب» أفنى عمره في الأدب.
Taha Hussein was one of the most influential 20th century Egyptian writers and intellectuals, and a figurehead for the Arab Renaissance and the modernist movement in the Arab World. His sobriquet was "The Dean of Arabic Literature".
أُحب ألا أعتبرها رواية، معظم من اعتبروها كذلك أصابهم الملل أثناء القراءة، ربما هي أشبه بسيرة غير ذاتية لصديق العميد والجزء الأول يشبه الأيام بقوة، الجزء الثاني جميل بميزان أدب الرسائل، وذكرني برواية موسم الهجرة للشمال، مع الاختلاف الكبير طبعا بين العملين لكن كأن لأوروبا تأثيرات متشابهة على البطلين.
طه حسين هنا يكتب السيرة مرة أخرى و ينجح كان الدكتور مؤنس طه حسين يرى أنه أجمل مؤلفات والده و لذا قمت باقتناءه و لم أندم و إن شقّ علي قراءة النصف الأول من الكتاب غير أن النصف الأخير كان ممتعاً إلى أبعد درجة و الرواية تعنى بصديق مهووس بالأدب و رجل موسوعي غير أن روحه يعتريها شيء من الدنس فيتصارع معها فتصرعه حيناً و يصرعها أحياناً فالأديب يتخلى عن كل شيء من أجل نفسه الجامحة التي تتعالى على سخط والديه و من ثم زوجته التي ارتضت بدمامته و سوء مظهره و لا يتوقف عند خذلان المؤسسة التعليمية التي قامت بابتعاثه إلى باريس و تكون الحرب هناك و قبلها هناك النقلة الحضارية التي سايرها أولاً بكأس نبيذ حتى انتهى به الأمر إلى وجه مألوف في الحانات الليلية ثم يختصر حاله كامل الشناوي في قصيدة " دورة الزمان "
قد تخلت عناية الله عني .. و تخلت عنايةُ الشيطان ضاق بي معبدي و ضاقت حاني .. لا صلاتي تجدي و لا ألحاني
حاولت أن امنح للعميد الفرصة مرة في هذا الكتاب.. شعرت أنني ظلمت الكتاب مسبقا و قررت أن أعيد القراءة مرة أخرى عندما تتاح لي الفرصة..
وأتيحت لي الفرصة.. و مع ذلك لم يحدث تغيير...
الكتاب يسير ببطء غريب.. حتى بالمعدلات الطبيعية لكتابات العميد.. أحيانا كثيرة لم أكن أعرف من الراوية.. هل هو العميد أم صديقه؟ العميد أطال بشدة في الجزء الأول من الكتاب الذي يحكي فيه عن صديقه في مصر.. في حين أنه على العكس تماما.. اختصر بشدة في الصفحات الأخيرة من الكتاب التي كان يتحدث فيها عن صديقه في فرنسا.. لم أجد في صديق العميد أي ميزة تستحق ان يكتب عنها العميد رواية كاملة.. فلم يبد لي صديقه بهذه الألمعية الأدبية.. حتى الكتابات التي ذكرها العميد على لسان صديقه تبدو لي أنها شبيهة بأسلوب العميد نفسه.. هذا معناه أن العميد تقريبا أعاد صياغتها بأسلوبه هو..
لا أعتقد أنه من الكتب التي أرشحها لأي شخص يريد القراءة للعميد...
------------------------------------------------------------------------- المراجعة الأولي... أكتوبر 2013
ملل لامتناهي ! قرأت تقريبا نصف الرواية و لم أجد فيها أي شيء مثير أو جذاب.. الأسلوب الأدبي لطه حسين جعلني لا أجد نفسي متعاطفا ولا متجاوبا مع البطل أو صديقه.. طوال هذا الوقت الأحداث تسير بوتيرة بطئية جدا ومملة للغاية.. تقريبا لا أحداث و لكن استعراض لقدرات طه حسين اللغوية القصة تصلح كموضوع تعبير يحصل على الدرجة النهاية في البلاغة .. لكن من الصعب جدا التعامل معاها كعمل روائي أو حتى سيرة ذاتية..
أديب لدكتور طه حسين قرأتها من قبل قراءة سطحية متسرعة لأني مقل في قراءة الروايات التي تنتمي إلى نفس المذهب الأدبي والفترة الزمنية، فألفيتها مملة بسبب اعتياد قراءة رواية الحدث والرواية السينمائية وغيرها من الروايات لاهثة الإيقاع التي بلينا بها في هذه الأيام. عدت لقراءتها قراءة متأنية متعمقة فوجدتها تحفة أدبية غالية وأغرمت بها.
يمتاز العمل بلغة قوية ومعاني جزلة، وأسلوب شاعري محبب إلى النفس تغلب عليه المناجاة والمنولوج الداخلي. يتميز الأسلوب بالجمل الطويلة والتراكيب اللغوية البديعة، والعمل ينتمي إلى المدرسة الرومانسية. الراوي في العمل هو الراوي المشارك، الذي يعبر عن مكنون ذات بطل العمل. يغلب على العمل سمة الإبداع في الوصف والإكثار منه كما هو متبع في المدرسة الرومانسية، أبدع الكاتب في وصف المناظر الطبيعية والصناعية من حدائق ومقاهي وبيوت وقرى ومدن ووصف دقيق لشخصيات العمل يشمل الشكل والملبس والمسكن.
الرواية غنية بالمحسنات البديعية والصور الفنية الرائعة من دون افتعال أو تكلف في استخدامها. مثل تشبيه الماء الذي يجري في القناة بالمدينة التي يسكنها البطل بشاب من آلهة الأساطير. وشبه البطل صاحبه بالجواد الجموح الذي يعض شكيمته ويضرب الأرض بسنابكه ويكاد يخرج من جلده مرحًا.
حبكة العمل مختلفة عن أي حبكة شهدتها من قبل، فالبناء السردي يعتمد على زيارات الصديقين أو لقاءهما في المقهى أو الرسائل التي يتبادلانها، مع ذكر لبعض الأحداث المتفرقة هنا وهناك. ويمكن القول بأن العمل بلا حبكة ظاهرة جلية ومع ذلك لا تجد فيه عيبًا أو خللًا في البناء السردي. شخصيات العمل واضحة قوية أجاد الكاتب في صياغتها، وقد أبدع في وصفها شكلًا وحركة.
رواية جميلة.. تحكي عن الصراع القائم بين ثقافتي الشرق و الغرب عبر مجموعة من الاحداث فصلها عميد الادب العربي طه حسين باستعماله مجموعة من الاساليب كالوصف و الحوار ...الا انه تلقى العديد من الانتقادات التي نتجت عن تطويله و استطراده للرواية مستخدما في ذلك الوصف المفصل و الشرح المدقق مما جعله يطفي بعضا من الملل في اسطره تلك ...لكن الرواية بمجملها صريحة و هادفة تبرز نوعا ما مصير جل المهاجرين الاجانب الى باريس مدينة الانوار و الذي غالبا ما يكون عبارة عن الطيش و الفسوق و الافتتان بمختلف الملذات الباريسية و كما جاء في الرواية فقد كان مصير الاديب الذي هو الرفيق الحميم و الصحبة المؤنسه لطه حسين نفس المصير فقد ادى بنفسه الى التهلكة بعد ان كان نابغة في الادب و مثلا يقتدى به بانغماسه في مستنقع الخطايا عن طريق ادمانه لمختلف انواع المخدرات و الخمور و بالتالي اصابته بالحمق و الانتهاء به في مستشفيات الامراض العقلية...!
أقرأ ولا أقرأ بقيت وحدها تلك الصور ترتسم في مخيلتي و أنا أقلب بين الصفحات .. و أتعب لأجاهد نفسي و أتأكد أنني حقًا أقرأ ما كتب و لست أتخيل قصة أخرى غير التي في يدي .. لم أصل في حياتي إلى هذه الدرجة من الإبحار في الخيال ..
أدب خطاب ..
رحم الله طه حسين فقد أعطاني تجربة لم أعش مثلها قط ..
شَجْوٌ فَتَّان، مُتمم للأيام، من أجود وأقسى ما قرأتُ هذا العام. لا أعرف على وجه التحقيق إن كان ذلك أصيلًا فيه، أم أنه مسَّني، لكني كنت أقرأ مخلوعةَ القلب دامعةَ العين، خصوصًا منذ بدأ ذِكر ما كان من طلول الماضي، وابتدأ البؤس، واشتبك الكتاب ونفسي، وملكها علَيَّ، وبلغ منها مكانًا ما كنتُ أحب أن يبلغه شيءٌ أو يظهر عليه أحدٌ غيري، جراحٌ نكأها الأستاذ طه، وإخال الكتاب لا يؤثِّر فيمن لم يجد جانبًا منها.
"فأرى صاحبي، ولكني لا أكاد أعرفه لولا صوته الذي لم يتغير، ولولا ضحكاته العراض التي لم تهذبها الإقامة في باريس، فأما غير ذلك من أطوار نفسه فقد تغير حتى أنكرته أشد الإنكار. فصاحبي محزون مغرق في الحزن، حتى ليفسد عليك رأيك في الحياة إن لقيته في هذا الطور. وصاحبي مسرور مغرق في السرور، حتى ليثير في نفسك الإشفاق عليه من هذا الإغراق في السرور إن لقيته في هذا الطور أيضًا. وصاحبي ينتقل من الحزن إلى السرور ومن السرور إلى الحزن فجأة في غير تهيؤ ولا تدرج ولا انتظار لهذا الانتقال، وإنما أنت مع رجل بائس يائس، سيئ الرأي في الحياة والأحياء، قد أظلم كل شيء في وجهه وفي نفسه فلست تسمع منه إلا شرًّا ونكرًا، وإذا أنت ترى هذا الرجل وقد وثب فجأة من نقيض إلى نقيض وأصبح فرحًا مرحًا، منطلق اللسان بالثناء على كل أحد وكل شيء، ممتلئ الفم بهذا الضحك المزعج العريض"
صحائف تتنازعها السيرة الذاتية والسيرة الغيرية، والحكاية والقصة، والحوار والسرد، ولكنها تجتمع في غاية نبيلة هي الوفاء لصديق "أديب" جُنّ ودخل في عداد المجانين.
ما أجمل بيان طه حسين وأروعه! حين افتتح كتابه بتلك القطعة الذهبية بإخبارنا عن الأديب وحياته، واتخذ ذلك سلّماً صعد منه إلى "الأديب" صديقه. أجل، وحين كتب تلك الرسائل الفيّاضة بالشعور الحادّ: بالندم والحيرة والجنون والألم واللذة. أحب حديث طه حسين. ومن أحب فصول كتاب الأيام لا بدّ وأن يحب شيئاً من فصول "أديب"، بل إن قراءة هذا الكتاب بعد "الأيام" إضافة جميلة للقارئ وإكمال لصورة حياة طه حسين عنده.
قصّ طه حسين سيرته مع صديقه الأديب المتشرب للثقافة والآداب الغربية. بدأ الكتاب بشيء من حميمية الأصدقاء، في القاهرة وفي الصعيد، ثم ركّز على خاصّ حياة صديقه، حين خرب بيته وترك امرأته وأهله ليبتعث إلى فرنسا في سبيل حلمه بالرقي الأوروبي والحياة الأوروبية، ثم ما لاقاه من ألم الندم على ذلك، ثم ما استعان به من اللذة والفسق لتجاوز الماضي، إلى الإسراف على النفس والإمعان في الانسلاخ، حتى انتهى إلى فصول الجنون الباريسي التي أودت بجسده وعقله.
كأن طه حسين يريد إطلاعنا على وجه المأساة من البعثات الطلابية العربية إلى بلاد الغرب، ولا ريب أنه أراد حقاً وقصد غرضاً نبيلاً، فهل أحسن وبلغ المراد؟ اللهم لا فيما أرى، وليس في إمكان تلك الصور الباهتة التي صوّر فيها طه حسين المأساة، وليس من قدرة ذلك السرد المفكك والتائه-أحياناً-بين سيرة الذات وسيرة الغير-أن يؤثر في النفوس التأثير المطلوب. إنه إذا قرأ الطالب المبتعث هذا الكتاب الذي يطرح قضية تهمه فإنه كما أزعم لن يزداد إيماناً إن كان من المؤمنين، ولن ينزجر عن فسقه إن كان من الفاسقين. وليست روعة التعبير وفصاحة اللفظ بكافية وحدها لتبلغ هذا الغرض، وإن بلغته فذلك ربما في زمان طه حسين، أما في زماننا فما أحسب أحداً يأخذ بما جاء في هذا الكتاب لتأثره واقتناعه به.
عندما يكتب لنا أديب راسخ في الأدب بحجم عميده طه حسين فيجب ان نعد انفسنا لعدة أشياء من البداية لغة صافية متدفقة في سلالة ويسر كنهر ، يطلقها طه حسين كموجات كل منها تساوي التي قبلها في القوة والمعني، والأخير هو الشيء الوحيد الذي أخذه على الرواية وهو الأطناب تكرر الكلمة بأكثر من مترادف، والمعني باكثر من جملة، لكن للحق أنا اتكلم على رواية كتبت سنة 1935 من 82 سنة وهي بمعيار كتابات زمانها رواية حداثية لغة وفكرة، حيث تدور حلو ذلك الصديق المهووس بالأدب والفكر في القاهرة لا يستطيع أن يبعده عنه طارئ ، ولكنه في باريس يتغير حاله بعض الوقت ولكنه بالنهاية ينتهي بالنهاية الطبيعية لمثل هذا الهوس، وهنا الرواية كلها تتمحور حول شخص واحد ، فهي اشبه بالبروفايل أو البورترية. ملاحظات صغيرة طه حسين له طريقة في الكتابة اشعر بها في كتابته حتى لو لم اقرأ اسمه على الكتاب. تعاطفت مع زوجة بطل الرواية. كان في مسلسل زمان مأخوذ عن الرواية، لقد شوهها
يا له من مسكين هذا الصديق الذي ضاقَ ذرعًا بأرضه ثم ظنَّ أن الفردوس الخالدة والحياة السعيدة في الجهة الأخرى من العالم، ترك وطنه وعقد آمالًا كثيرة على حياته الجديدة في باريس، تخلى عن حميدة الطيبة وهو يخشى على نفسه من الخيانة أو الإثم، يغالبُ أهوائه وتغلبه، ويكتب لصديقه عن الحياة وتقلباتها والحرب والحب.. ظل سنوات وسنوات يتعثر بين الجد والاجتهاد في دروسه والانصراف إلى العلم ثم ينغمس كليًا في ملذات الحياة وينسى أو يتناسى أحلامه وطموحاته، يخلص لمنفاه ثم يحنُّ إلى أرضه..
سيرة مشتركة لطه حسين وصاحبه، لغة ممتازة كالعادة وقصة متسلسلة بشكل جيد. لغة وأسلوب ومصطلحات طه حسين مميزة بشكل كبير، وخاصة بيه، مليئة بالاطناب والاكثار والجمل المسجوعة المزدوجة. وجود المونولجات الطويلة جعلني أفقد التسلسل أحيانًا، ولكن تجربة جميلة لرصد وتوثيق سيرة شخصية لأديب ممزق بين الشرق والغرب، تستحق الاهتمام.
سيرتان ذاتيتان متكاملتان احدها خاصة بالكاتب وأخرى متعلقة بالأديب حيث طرحت هذه الرواية موضوعا هاما الا وهو هجرة المثقفين من العرب نحو أوروبا بحثا عن العلم و المعرفة فما كانت نتيجة هذا إلا إنغماسهم في نهر الرذيلة والخطيئة
في قراءة سابقة لرواية ما وراء النهر لعميد الأدب العربي طه حسين أيضاً سجلت انبهاري بتقنيات السرد إليه، وسبقه إلى استخدام أسلوب الميتاقص في الرواية قبل أن يتم التنظير له أدبياً سابقاً لأدباء الغرب الذين ادعينا أخذنا عنهم لهذه الأساليب الحديثة في الكتابة الروائية وفنون السرد، وهنا في رواية أديب لا زال يبهرني أيضاً بأسبقيته في استخدام أساليب متعددة نعدها في عصرنا الحالي من علامات الحداثة وما بعد الحداثة وقد طرقها طه حسين منذ أكثر من نصف قرن. في رواية أديب استخدم طه حسين أساليب تيار الوعي في الكتابة الروائية، والاعتماد على الرسائل المتبادلة؛ لتكون الرواية في الجزء الأكبر منها هي رواية رسائل، كما إنها تطرق أيضاً إلى الكتابة الذاتية والأدب الذاتي؛ فالراوي في الرواية هو طه حسين ذاته، وهو يحكي في الرواية عن مأساة صديق له، جُن بالأدب وتحصيل العلوم الأدبية في فرنسا؛ ليكون أديباً عالي الشأن، ولكن جنونه ذلك أودى بحياته في النهاية، بعد انبهاره بحضارة الغرب وانغماسه في ملذاتها، وتمزقه بين ما يطمح إليه عقله وتهفو إليه روحه، وما تسعى إليه رغباته وملذاته. وعلى الرغم من تعامل النقاد مع الرواية سابقاً على أنها رواية متخيلة عن شخصية وهمية يحكيها طه حسين على لسانه فقط لا غير، إلا أن طه حسين نفسه في أكثر من حوار معه أكد على وجود هذه الشخصية حقيقة وأنه كان أحد أصدقاءه المقربين فعلاً، وصرح باسمه ذات مرة، وهذا يؤكد على فكرة الأدب الذاتي التي بدأ يُنظر إليها جدياً في الآونة الأخيرة؛ فقد نالت الكاتبة الفرنسية آني إرنو مؤخراً جائزة نوبل لإسهاماتها الأدبية وتركيزها فيها على الجوانب الواقعية والحياة الحقيقية للأشخاص. وقد قرأت جل أعمال آني إرنو، والتي كانت تسعى فيها لتوثيق جوانب من حياتها الشخصية وتفاعل الأشخاص الآخرين معها، ولا يعدو ذلك أن يكون نبذة مما فعله طه حسين في رواية أديب؛ فقد سبقها إلى ذلك بعشرات السنوات، ولكنه كان سابقاً لعصره؛ فلم يهتم أحد بما يفعل وقتها، والآن هم يسعون حثيثاً للحاق بركابه، حتى إن الكثيرين حتى الآن لم يتمكنوا من فهم تقنية السرد في الرواية، ولم يتمكنوا من إدراك والفصل بين الشخصيتين في الرواية. بين شخصية الراوي السارد المتمثلة في طه حسين نفسه، وشخصية الأديب الذي هو أحد أصدقاءه؛ فيخلطون بين الاثنين، ويتوهمون أنها شخصية واحدة، وأن شخصية الأديب المقصودة في الرواية هي طه حسين أيضاً، ويبررون ذلك بأنه أراد أن يحكي ما حدث معه في أوروبا بطريقة متخفية حتى لا يحاسبه أحد! وهذا أمر لا ينبئ إلا عن أناس لا ينظرون في الأدب أبعد من البحث عن مادة للنميمة فقط لا غير، وأن يكون سلوكاً فضائحياً، وإن كنت لا أعارض أن يكتب كاتب ما سيرته الذاتية عارضاً فيها ما قد يعتريه من مساوئه إلا أن يكون هذا هو الهم الوحيد للقارئ أو الناقد أن يبحث عما يرتبط بفضيحة ما لهذا الكاتب أو ذاك؛ فهذا هو العبث بذاته.
#رواية_أديب لعميد الأدب العربي #طه_حسين #جولة_في_الكتب #روايات #مقالات #سارة_الليثي
عمل إنساني مؤلم، يلامس أعماق النفس ويطرح أسئلة أكثر مما يقدم أجوبة. بأسلوبه الرصين ولغته المحكمة، يصحبنا حسين في رحلة ذاتية مأساوية تتقاطع فيها المعاناة الجسدية مع العزلة النفسية، حيث يسرد حياة شاب فقد بصره وسعى بكل ما أوتي من عزم لأن يكون "أديبًا" رغم القيود التي فرضها عليه المجتمع والجسد.
ما يميز الرواية هو صدقها الجارح. طه حسين لا يجمّل المعاناة ولا يختبئ خلف بطولات زائفة. بل يكشف، بكل مرارة، عن صراع الإنسان مع ذاته، مع المحيط، ومع القدر. هناك فصول بأكملها تشبه الاعترافات، وكأن الكاتب لا يهمه أن يُحب، بل أن يُفهم.
تُثير الرواية تساؤلات حول قيمة الأدب في حياة الإنسان، وحول دور المثقف في بيئة لا تحتضنه بقدر ما تستهلكه. وهي أيضًا شهادة على الألم كقوة دافعة للإبداع، وعلى العزلة كأرض خصبة للتفكير العميق… لكنها أيضًا تحذير من أن العزلة إذا طالت قد تأكل صاحبها حيًّا.
رغم مرور عقود على نشرها، ما زالت أديب تحتفظ بحرارتها وصدقها، وتدعو قارئها للتأمل في معنى الكتابة، والمعاناة، والهوية.
رقم مئة واثنين /2024 اديب - الجزء الثالث من الاعمال الروائية الكاملة طه حسين ““وددت لو أسميك ولكنك تعلم لماذا لا أسميك، وحسب الذين ينظرون في هذا الكتاب أن يعلموا أنك كنت أول المعزين لي حين أخرجني الجور من الجامعة وأول المهنئين لي حين ردّني العدل إليها. وكنت بين ذلك أصدق الناس لي ودّاً في السر والجهر وأحسنهم عندي بلاء في الشدة واللين. فتقبّل مني هذا العمل الضئيل تحية خالصة صادقة لإخائك الصادق الخال.
أديب" بين الرواية والسيرة. يقدم لنا عميد الأدب العربي الدكتور"طه حسين" الذي عندما فقدته الأمة العربية في سبعينات القرن الماضي اعمالا لسنة الله في خلقه ما بين الموت والحياة، كانت لحظتها قد فقدت علما بارزا من أهم أعلامه المعاصرين، عملا خاصا وصراع آخر مع الحياة في صورة شخص غيّره.. شخص أحبه.. وصادقه. روي الطالب ثلاثة عشر فصلاً، بينما يروي الأديب ثمانية ��صول، وفي غير موضع في فصل او اثنين تشعر أنك فقدت الإحساس بهوية الراوي وامتزجت بصوت جديد عليم، وربما ارتبكت قليلاً ولكنه ارتباك لذيذ تنقذك منه قبضة الكاتب الهادئة بعد قليل بانتهاء الفصل.
ان رواية (أديب) حكاية لسيرة صديق لطه حسين، مريض بعلة الأدب، يتخذ من هذه العلة سبيلا ًإلى فهم العالم، والتحكم في مداركه وأحاسيسه، وقد صوّر طه حسين تجربة صديقه تصويراً مرتبطاً بانفعالاته، وفهمه المخصوص للأدب، وعلاقته بالمعيش اليومي، فقال: «فلستُ أعرف من الناس الذين لقيتهم وتحدثت إليهم رجلاً أضنته علة الأدب، واستأثرت بقلبه ولبه ونفسه كصاحبي هذا. كان لا يحس شيئاً، ولا يشعر بشيء، ولا يقرأ شيئاً، ولا يرى شيئاً، ولا يسمع شيئاً إلا فكّر في الصورة الكلامية، أو بعبارة أدق: في الصورة الأدبية التي يظهر فيها ما أحس، وما شعر وما قرأ وما رأى وما سمع. وكان يجد مشقة شديدة في إخفاء تفكيره هذا على الناس، فكثيراً ما كان يقول لأصحابه إذا رأى شيئاً أسخطه أو أرضاه: ما أخلق هذا الشيء أن ينشئ صورة أدبية ممتعة للسخط أو الرضا»
، لقد جعل طه حسين التصوير الفني طريقة من طرائق إدراك الألم المعيش والإحساس به في التجربة الإنسانية، وهذا دليل على فهم مخصوص لكتابة الألم في السرد الحسيني؛ فالألم
تحقيق الذات، وهو مغاير للألم الذي يعتري المريض، ثم إن هذا الألم يجمع بين الرضا والسخط، وفي ذلك إشارة إلى علاقة الكتابة السردية الحسينية بالمعيش اليومي، وما فيه من شقاء وسعادة
بين باريس والقاهرة يسير طه حين في ممارسة الكتابة بتحفظ يليق به. فتفلت معلومة كشفية تكاد تكون الوحيدة، في بداية الفصل الثاني (فقد عرفته في القاهرة قبل ان يذهب إلى باريس، ثم أدركته في باريس بعد أن سبقني إليها.)
في النصف الثاني من الكتاب يركن الكاتب إلي استخدام اسلوب الرسائل وحده. ولا شك ان هذا الاسلوب قد أكمل الصورة وأكمل الحكاية الروائية بما يرضي اي مستمع او قارئ، اي اننا عرفنا ما حدث مثلا في، الجزء الأول (جزء القاهرة) يتبادل الشخصان الحركة والجولات والزيارات والنقاشات الساخنة بما يرسم صورة فنية هامسة رائعة، ونادرة للقاهرة في الأدب العربي. بينما في الجزء الثاني (جزء باريس) تتولي الرسائل إغلاق القصة، ولا نرتسم صورة لباريس ومثقفي باريس مثل صورة الحياة الثقافية في القاهرة في الجزء الأول. حتى ان اللقاء بين الصديقين في باريس يمر عابراً لا يكاد يُذكر بعد لحظة الكشف الباكرة المشوقة في مفتتح الفصل الثاني. بما يسبب، ولا شك، شيئاً من الإحباط.
وينتهي غرض الكاتب من الرسائل قبل الفصل الأخير فيتجاوزه ليكتب فصلاً قصيراً، أتجاوز فيه لأقول، انه من أهم ما كُتب في الأدب العربي الحديث، ومنه خرجت وعليه سترتكز كل الإشكاليات الأدبية الحديثة التالية حول (الصوت) و (الراوي) و(الكاتب). ولو لم أكن واثقاً ان كتاباً اوروبيين وامريكيين معاصرين يقرؤوا لطه حسين، لا تهمتهم بالتأثر والاقتباس منه. وحسبنا انهم وهم المعاصرون المحدثون ان حسين قد كتبها في 1935 قبل ووقت ولادتهم جميعاً.
فالفصل الخامس هو هلوسة ممتعة ورحلة تخيلية في الريف المصري، حلق بها ذهن الأديب ومعه صديقه الطالب الصغير بينما هما في غرفته الصغيرة في القاهرة لم يبرحا مكانهما. ويستفيقا من ثباتهما عندما يجري على لسان الأديب بيتا شهيراً للمتنبي: (حسن الحضارة مجلوب. وفي البداوة حسن غير مجلوب). فينهضا ذاهلين عما كانا فيه، ويقول الأديب لصديقه جاداً: (أليس هذا فناً من الشعر ونحواً من أنحائه؟ لا تظن ان القدماء من الشعراء كانوا يصنعون شيئاً غير هذا..)
وفي الفصل السابع وفيه وقوف رائع حزين على الأطلال، حيث يزور الطالب بلدته الريفية قبل ارتحاله إلي فرنسا ويكتب رسالة إلي صديقه الأديب من هناك. إن المشهد البديع للطالب وهو يقف بجوار باب المسجد يكتب على المقعد الحجري لا يوجد له مثيل في أدبنا الحديث، ولم أقرأ مثله في أي أدب من أي جنس. وفيه ارتقاء فوق القواعد الطبيعية، فالمفترض ان الطالب الضرير لا يكتب بنفسه وإنما يملي رسائله، ولكن جمال الصورة يفرض حالته الأسطورية الخاصة وهذا هو جوهر الأدب والفرق بينه وبين التقارير الصحفية. ويستمر الرثاء خلال الرسالة بوصف تهدم معالم القرية بمصنعها وكتابها وقناتها المائية، وتمضي الرحلة حزينة حتى تنفرج قليلاً بلمحة من الابتسام مع ظهور النخلتين القديمتين قائمين كما هما ترسلان الأمل فيما ترسلان من الظل. ويقول حسين خاتماً الفصل: (ما أكثر ما يعبث بنا من الآمال!).
تتكرر بعض ملامح من ألفاظ ولغة طه حسين خلال أمد الرواية فيتداعى لها الذهن. فيقول دائماً: (متعب مكدود) و(محزون) و(الليالي البيض) و(مضطرب) و(لغو). إن هذه الألفاظ (وغيرها) قد ساهمت في رسم صورة ذهنية عميقة لحياة المثقف في القاهرة. وقراءتها الآن تعيد إلينا الثقة في لغتنا وأدبنا وثقافتنا لما تمسه من مناطق بعيدة في القلب والعقل، وتدعونا لإعادة اكتشاف الجمال في اللغة العربية بعد ان أقصرت الحياة التكنولوجية الحديثة من قاموسنا الكثير. فها هم شخوص حسين مثقفون في القاهرة يعيشون مثل حياتنا الآن بالضبط –ناقص التكنولوجيا-واحاسيسهم نفس احاسيسنا، ووضعهم من العالم نفس وضعنا، ولكنهم يملكون اللغة العربية وجمالها، فتجري ألفاظها على ألسنتهم حلوة جميلة وتظهر صورتهم رفيعة مهذبة سامية في انسانيتها مقارنة بانحطاطنا الانساني ونسياننا لأنفسنا. ورغم كل ذلك فأن رواية (أديب) لا تحوي لفظة أجنبية واحدة. بل ولا تحوي إشارة إلي كاتب أجنبي واحد-باستثناء إشارة عابرة إلى ألفريد دي موسيه-. وإنما هي رواية عربية الألفاظ خالصة، ترتكز بثقة علي أساس متين منسي. فالإحالات والاقتباسات القليلة فيها تعود إلى أدباء مثل المتنبي والبحتري وامرؤ القيس والفرزدق.
في هذه السيرة إدانة لجيل من المثقفين العرب الذين قصدوا أوروبا بحثًا عن العلم واستكمالاً لدراساتهم العليا، فانبهروا بحضارة الغرب، ولكنهم بدلاً من أن يستفيدوا من العلوم والمعارف والآداب، سقطوا في الغواية، وانغمسوا في بوتقة الشر والفساد، والانسياق الأعمى للغرب والإيمان بفلسفته المادية المحضة وأفكاره المنحلة. إنها مأساة «أديب» أفنى عمره في الأدب.
◀️ تقييمي ٣/٥ ⭐⭐⭐
◀️ رأيي في الكتاب استمتعت بلا شك في اللغة الساحرة للكاتب طه حسين؛ بالجمال الأدبي وحسن التصوير واستخدام جمال اللغة من جناس وتصوير وغيره؛ كما أن الرحلة والغوص في الصراع الفكري بين الندم والانغماس في اللهو كانت مثيرة للتفكير وأدعى إلى التدبير. لكن لم أجد في حبكة السيرة ما يثير الاهتمام حقا؛ غير رسائل الأديب بما تحمله من أفكار النفس وجمال اللغة.
◀️ اقتباسات :
❞ أخلو إلى نفسي أمام هذه الأشياء، وأراها قائمة باسمة نضرة يملؤها الفخر والتيه ويزدهيها الأمن، فأراها وقد مستها لفحةً من لفحات العدو فاستحال ابتسامها عبوسًا ونضرتها ذبولًا وكبرياؤها ذلًّا وخنوعًا، وإذا أنا مدفوعٌ إليها متصل بها، فأنا فيها أنعم لأنها ناعمة، وأبسم لأنها باسمة، وأبتئس لأنها مبتئسة، ويدركني الموت لأنه أدركها. ❝
❞ ليست الحياة لعبًا أيها الصديق، أو قل ليست الحياة كلها لعبًا، والجنون مباح على أن يكون قليلًا، فإن طال فمصير صاحبه إلى مستشفى المجانين، ❝
❞ والغريب أني قضيت النهار هادئًا مستريحًا، لا أكاد أفكر فيما تركت ولا فيمن تركت ورائي قبل أن أعبر البحر، ولا أكاد أشعر بشيءٍ من هذا الألم أو هذا الندم اللذين كانا يثقلان عليَّ في السفينة، واللذين صورتهما لك تصويرًا مخيفًا في آخر كتبي إليك، واللذين كنت أظن أنهما سيلزمانني لزوم الظل. ❝
◀️ أسلوب الكتابة لا يختلف أحد على أسلوب طه من جمال وعبقرية أدبية واستخدام سليم لأدوات البلاغة الجمالية
◀️ معلومات أساسية عن الكتاب العنوان: أديب المؤلف: طه حسين دار النشر: 1981 سنة النشر: دار الكتاب اللبناني اللغة: لغة عربية عدد الصفحات: 180 نوع الكتاب: رواية سيرة ذاتية
◀️ تعريف عن الكاتب : طه حسين هو أديب وناقد مصري يعتبر عميد الأدب العربي في القرن العشرين. ولد في قرية المحلة الكبرى بمحافظة الغربية في مصر عام 1889م وفقد بصره في طفولته تميزت مسيرته الأدبية والفكرية بالجرأة والابتكار وأثرت بشكل كبير في الأدب العربي الحديث من أبرز إنجازاته كتابه "الأيام" الذي يعتبر سيرة ذاتية أدبية، وكتاب في الشعر الجاهلي" الذي أثار جدلاً واسعًا. توفي طه حسين في القاهرة عام 1973م.
يرصد طه حسين في كتابه المعنون ب:"أديب" سيرة أعز أصدقاءه،رجل يمارس الأدب،مفتتن ومهووس به ! بدأت علاقة الكاتب بصديقه داخل حرم الجامعة وفي قاعات المحاضرات،وتوطدت وشائج الصداقة بينهما مع مرور الوقت،فاتخذ الأديب من الكاتب صديقا له،يشاركه الحياة الدراسية من جهة،ومختلف فترات حياته بحلوها ومرها من حهة ثانية..جمعتهما ما من مرة حلقات ثقافية حول دروس المنطق،الدين،الفلسفة،والتي تتحول غالبا إلى ليالي سمر لا فائدة منها -بالنسبة للكاتب-.. تتداخل التجربة الذاتية للكاتب بكل ما يحيل عليها مع ذات صديقه الأديب،هذا الذي نتعرف عليه من خلال الكتابات التي كان يرسلها لصديقه تارة ومن منظار الكاتب نفسه تارة أخرى،فنجده رجلا مثقفا،موسوعي المعرفة،مرفوض لبشاعة خِلقته،يقرر تطليق زوجته حميدة،وترك والديه العجوزين، وبلده مصر لطلب العلم في فرنسا وذلك في إطار بعثة علمية ترسلها الجامعة المصرية ..إلا أن البلاد الجديدة،ستكون وبالا عليه،إذ سرعان ما ستتخدر شهيته للمعرفة، ليقبل على الحياة الباريسية بنهم إذ ينغمس في الشهوات والمسكرات وينحرف سلوكه وتنحل أخلاقه فينتهي به الأمر إلى الإصابة بالجنون والهذيان بعد أن أعضل مرضُه، خصوصا مع دق طبول الحرب على باريس من طرف ألمانيا،هذا الحدث سيزيده غرقا في كؤوس الخمر ولذات الحياة هناك.. لعل طه حسين من خلال قصة صديقه،يجسد لنا شأنه شأن جملة من الكتاب،الصراع بين الشرق والغرب،وتمظهراته على المثقفين العرب في تلك الفترة ،أي بدايات القرن العشرين..فصديقنا الأديب،والكثيرون من أمثاله،الذين تأجذهم الدهشةو ينبهرون بالحياة الغربية فيروين فيها عالم الحرية والتقدم،في مقابل عالم الحرمان والتخلف والتقاليد البالية الذي تجسده أوطانهم،وبالتالي ينساقون وراء نزواتهم وشهواتهم، وهنا يشير طه حسين إلى نقطة مهمة في إطار الانفتاح على الغرب،وهي أننا يجب أن نأخذ عنهم العلم والمعرفة وكل ما سيفيدنا فقط دون أن نسقط في شراك الرذيلة وكل ما يتنافى مع قيمنا الدينية .. أسلوب الكاتب بسيط،يختار عبارات رشيقة،يعتمد على التنويع في الأساليب،والتكرار اللفظي،أسلوبه الوصفي فيه إسهاب وإطالة تجرك بعض الأحيان إلى الملل .. أبدعت يا طه !
من أين أبدأ وكيف ؟ الحياة بدواخلنا قاسية مقفرة ظالمة أكثر من تلك التي نحياها ! تدفعك لفقدان عقلك دفعاً حسناً ، أنا أحسب نفسي أول مرة أقرأ للدكتور طه حسين وأتجاهل حقيقة دراسة "الأيام " في الثانوية العامة نظراً للطريقة العقيمة التي تم تقليننا بها ففقدنا كل تقدير وفهم وإستمتاع باللغة والأدب وتحولنا إلي قوالب تصب فيها اللغة والمعلومات صباً متذمرين كارهين ! لذلك أنا مشدوهة باللغة متحيرة كيف لم ألحظ هذا الأسلوب وأنا طالبة من خمس سنوات ! الرواية تحتوي علي ثروة لغوية بحق وأدب فذ الرواية سيرتان ذاتيتان للعميد وصاحبه وإن كنت أحسست أنها بالكامل علي لسان العميد نظراً للتشابه القوي في الأسلوبين _وهذا ما أنتقده نوعاً ما _ ولكن فيها شيء من إستطراد طه حسين وصفه لحياته في الريف التي عهدناها في "الأيام" ثم معرفته بهذا الصديق ومحادثاتهم الطويلة وإعمال عقولهم في الأسئلة الوجودية والمغالطات المنطقية ثم سفر هذا الصديق ل فرنسا حلمه الذي تمسك به وخسر من أجله إستقراره في مصر وزوجه التي قبلت في حين نفرت منه أخري لدمامته الكتاب عبارة عن مراسلات متبادلة تحتوي علي ما تمور به أنفسهم ومشاركات لحياتهم سوياً أو متباعدين كالعادة وصف قوي جداً للصراع القائم الدائم في النفس البشرية بين الخير والشر ، الفضيلة والرذيلة وكونها بالفعل تضمر كل هذه المتناقضات وماعلينا كبشر سوي إختيار إلي أي نقيض نميل .. فهذا الصديق تمزق بين ثقافتين وصرعته و أودت بعقله الصدمة الحضارية التي واجهها عند سفره ل فرنسا ثم قيام الحرب فأصيب ببعض الجنون أو كله فما أكثر إنصياعه للشهوات وما أقل إلتزامه بالعلم الذي لطالما حلم به ********* سير الأحداث بطيء للغاية أعانني عليه فقط أسلوب العميد وتفصيله لدواخل النفس البشرية التي لطالما استرعت انتباهي ، وافر التفاصيل في أول الكتاب حتي تعافها وشحيح التفاصيل في آخره حتي تستجديها وأعيب عليه إستخدام لفظ " خادمي الأسود " علي الولد الذي كان يصبحه لإرشاده.. بالطبع عنصرية واضحة لا خلاف عليها ويستحق اللوم بسببها ************** وهذا الصديق هلي لقي مصرعه بسبب ثقافته وعلمه وأدبه أم بسبب شرقيته المتناقضة؟
يقدم لنا عميد الأدب العربي الدكتور"طه حسين" الذي عندما فقدته الأمة العربية في سبعينات القرن الماضي اعمالا لسنة الله في خلقه ما بين الموت والحياة، كانت لحظتها قد فقدت علما بارزا من أهم أعلامه المعاصرين، عملا خاصا وصراع آخر مع الحياة في صورة شخص غيّره.. شخص أحبه.. وصادقه.. وآمن به.. وتأثر أكثر به على حد قوله. ليترك بين أيدينا في روايته التي تحمل عنوان"أديب" إنسان ثائرا مضطربا في حين وهادئا في حين آخر، تارة مهتما ومتعصبا لآرائه وتارة غير مباليا ولا يعبأ بشيء، نراه بين سطور الرواية منطلقا أحيانا وأحيانا أخرى منطفئا، واثق الخطى في طريقه الدراسي وفاقد الثقة في مظهره العام، واقف بين التطلع إلى حياة كريمة يحيا بها وبين الانغماس في الماضي المظلم وواقعه الكئيب. الرواية تحليلية للجانب النفسي لصديق الكاتب وازدواجيته، لكنها أقرب لأن تكون ترجمة ذاتية ومذكرات أكثر من كونها رواية؛ فلا رواية دون شخصيات وأحداث يعيش معها القارئ ويتفاعل نحوها ويتصورها، كما أنك ترى شخصية "طه حسين" بين سطورها، وكأنك تقرأ كتابا أدبيا ك"الأيام" مثلا، لا رواية فنية بها حبكة وحوار، ويظهر أسلوب سرده بطريقة تقريرية لا تعرف من المتحدث الكاتب أم صديقه، حتى الكتابات التي ذكرها "طه حسين" على لسان صاحبه بدت لي وكأن العميد هو من كتبها، فلا تختلف تماما عن أسلوبه الأدبي، فيذهب تفكيرك بعيدا عن كلمات الكاتب إلى التفكير في من قال هذا، وقد يصيبك بعض الملل إذا اعتبرت أنها تحكي قصة روائية ذات أحداث مترابطة، كما أن الكتاب يسير ببطء ويطيل بطريقة غريبة بعيدة كل البعد عن المعدلات الطبيعية لسير الاحداث، وتارة تجده يختصر جدا في بعض الأحداث التي قد تجذب المتلقي. وحقيقة لم أجد أي ميزة في صديق الكاتب تستحق أن يكتب عنه كتابا كاملا، وأن يرصد مشكلة شخص يرفض ما تفرضه عليه الحياة من تعايش مع الواقع ويأباها، ويرفض التواصل معها. ومع ذلك فقد أجاد العميد في التعبير عن مكنون صاحبه وانفعالاته بكل قوة، ووضع خطوط عريضة تصور طموح شخصي، وصراع عن أديب أفنى عمره في الأدب حتى قضى عليه أدبه.
وأنا أقرأ هذه الرواية، حزنت كثيرا لما أصاب لغتنا العربية من ازدراء وانحطاط، بفعل سياسات حكوماتنا المتعاقبة. والله إنه لخزي وعار أن تهوي لغتنا العربية إلى هذا القاع الآسن التي هي فيه الآن.
أقول هذا الكلام لأن أمثال طه حسين والعقاد والمنفلوطي والرافعي وغيرهم كثير في بلادنا العربية، ينبغي أن تذكر أفضالهم، وتدرس كتبهم في المدارس والجامعات لأبنائنا وبناتنا في مختلف مراحل تعليمهم، حتى يتعرفوا على لغتهم العربية الفصيحة الجميلة، ويتشربوا حبها وعشقها، ويفخروا بأنفسهم إذا تحدثوا أو كتبوا بها.
(أديب) هي رواية كأنما كتبها طه حسين للاحتفاء باللغة العربية، ولبيان محاسنها وسحرها وجمالها. فهو قد نظمها نظما يعجب له الجيل الجديد الذي تعلم في المدارس لغة عربية هي أقرب إلى الركاكة والعامية.
فكل من يسعد بقراءة رواية (أديب) يعرف أنها سيرة ذاتية خاصة بطه حسين، كتبها ليطلع قراءه على مراحل انتقاله الأدبي من الريف إلى القاهرة، ثم إلى باريس. وأغلب أحداث هذه الرواية عبارة عن رسائل كان يكتبها لصديق له، يكشف له فيها عن مغامراته، وما يقع له من أحداث عندما كان يفارقه، فتكون هذه الرسائل هي السبيل الوحيد لتحقيق التواصل معه، والبوح له بأسراره الخاصة، وما حل به أثناء هذا الغياب.
ثم إن هذه الرواية هي صرخة مدوية أطلقها طه حسين في وجه هؤلاء الذين رحلوا إلى بلاد الغرب من أجل استكمال دراستهم في الجامعات هناك، فسقطوا في هاوية الرذيلة والغواية، وانبهروا بما رأوا من مفاتن الفكر والحياة هناك.
رواية ممتعة جدا، تعيدنا إلى أيام الزمن الجميل، حيث كانت اللغة العربية بخير. وكان الأديب والأدب أيضا بخير.
تطرح الأحداث تساؤل حائر: هل مأساته لأنه مثقف ام لأنه شرقي. فحين يتساءل أيهما أهون الظلم أم الكذب، وتدور المحادثة الثقيلة في الفصل الثامن بين الأديب والطالب، نري ان سبب تعاسة الاديب هو اضطراره لإرتكاب أي الفعلين من أجل السفر. فإن لم يكن مسافراً، ولو كان شخصاً عادياً يعيش في القاهرة آمناً مطمئناً لزالت عنه أسباب الحزن. ولكنه كان يحيا حياة خاصة، وكان الاتصال بباريس نداءاً يشبه نداء الإيمان بالنسبه إليه، فكان وضعه الجغرافي وتقاليد الجامعة تجبرانه علي ارتكاب اي الفعلين. وإذا تأملنا في اختياره فأننا نجده خياراً برجماتياً مادياً مسطحاً، يبرر له أخلاقياً بكونه يحفظ كرامة زوجته من دنث خيانته المؤكدة. ولكن ليس هذا التبرير هو واقع الأمر، فزوجته لم تكن له الا خادمة بمعني من المعان. فيحمل المثقف وزر مسايرته لحياة العامة بقوانينها الرجعية التي تنغص عليه حياته، وتجعله يشتاق لباريس ليغير فيها حياته ويتجاوب مع نوازعه الانسانية المقهورة في القاهرة.
قد ترسم الرواية للوهلة الاولي صورة تقليدية غير محبوبة للمثقف الشرقي، وهي صورته التقليدية في عيون المستشرقين، من حيث هو الشخص المغرق في نزواته، المشتت، غير القادر علي التركيز بانتظام في العمل. ولكنها ايضاً تنتصر لهذه الصورة في غير موضع، من خلال شخصية الطالب الذي يقاوم الفكر الأزهري التقليدي، وفي نفس الوقت يحتفظ بإتزان كاف يجعله يستنكر فعل الأديب.
عندما يحدثنا طه حسين فانه يسرحنا بألفاظه العذبة، ومعانيه الساحرة، وفطنته البارعة، وعقله النافذ الى اعماق الحياة أديب لعميد الادب طه حسين سيرة ذاتية من نوع جديد.. سيرة ذاتية خاصة بالكاتب وسيرة غيرية متعلقة بالأديب. جاءت أديب في نصفها الاول في صورة روائية وفي نصفها الثاني في صورة رسائل.. تتناول حياة أديب مريض ومفتتن ومهووس بالأدب، الذي سيجره في نهاية المطاف الى الجنون والهلاك... يقول طه حسين عن هذا الاديب.. " لست أعرف من الناس الذين لقيتهم وتحدثت إليهم رجلا أضنته علة الأدب، واستأثرت بقلبه ولبه كصاحبي هذا. كان لا يحس شيئا، ولا يشعر بشيء، ولا يقرأ شيئا ولا يرى شيئا ولا يسمع شيئا إلا فكر في الصورة الكلامية، أو بعبارة أدق في الصورة الأدبية التي يظهر فيها ما أحس، وما شعر وما قرأ، وما رأى وما سمع... وكان يقضي نهاره في السعي والعمل والحديث حتى إذا انقضى النهار، وتقدم الليل وفرغ من أهله ومن الناس وخلا إلى نفسه، أسرع إلى قلمه وقرطاسه وأخذ يكتب ويكتب ويكتب حتى يبلغ منه الإعياء وتضطرب يده على القرطاس بما لا يعلم ولا يفهم، وتختلط الحروف أمام عينيه الزائغتين، ويأخذه دوار فإذا القلم قد سقط من يده، وإذا هو مضطر إلى أن يأوي إلى مضجعه ليستريح. ولم يكن نومه بأهدأ من يقظته، فقد كان يكتب نائما كما كان يكتب يقظا، وما كانت أحلامه في الليل إلا فصولا ومقالات، وخطبا ومحاضرات، ينمق هذه ويدبج تلك، كما يفعل حين كانت تجتمع له قواه العاملة كلها. وكثيرا ما كان يحدث أصدقاءه بأطراف غريبة قيمة من هذه الفصول والمقالات التي كانت تمليها عليه أحلامه فيجدون فيها لذة ومتاعا "
الرواية عبارة عن حوارات ومراسلات بين الكاتب وصديقه الذي لم يذكر اسمه وكما وصف في الرواية فهو مريض بالأدب هذا الصديق عند تعرفه على طه حسين كأنه وجد بغيته فيمن يستطيع سماعه والتحاور معه بسلاسة وكأن الكلمات تأتيه كالومضات البارقة السريعة فتجعله يطيل الحديث ويفضل المشي مع الحديث وكأنه يجارى أفكاره المليئة صراع داخلي بين أديب ( على اسم الرواية)ونفسه في عدة جوانب منها بين إحساسه بالوفاء لزوجته حميدة والخطيئة التي سيقع فيها عندما يسافرويجسد الفجوة التي بين مصر وفرنسا في ذلك الوقت وارتباطه بباريس لدرجة أنه لا يرجع مصر مع البعثة أثناء الحرب. أرى أنه ذكاء ووعى من د. طه حسين لنشر هذه الحوارات والمراسلات التي دارت بينهما كنوع من التحفيز لمن لديه نفس المواهب والتوعية لمن يريد السفر لهذه الفجوة الواسعة بين الشاطئين كوسع البحر الذي بينهما. وقد رأيت المسلسل المأخوذ من هذه الرواية ولا يقل عنها روعة بل هو إضافة حقيقية للرواية لأننا دائما ما نجد اقتطاع للرواية وإضافات تسئ للعمل الأدبي ولكن هنا نجد تلاحم وتناغم بينهما فالمسلسل تجسيد حي للرواية التي أبدع جميع من ساهم فيه ويثبت أن الرواية عند تجسيدها لا يسئ هذا لها ولكن من يساهم في هذه العملية هو الركيزة. رأي في الرواية والمقولات التي اعجبتني على هذا الرابط https://booksarabs.blogspot.com.eg/20...
ياا لليأس المهلك للنفووس .. حدثنى من أنت و سأحدثك من أناا
الروايه عظيمه و مملتش منهاا و خصووصاا الجزء التاانى الخاص بالرساايل .. بيدخل قلبى أدب الرسائل .. جمل طه ووصفه تحس انه بيدخل جوواك وبيطلع حااجات ممكن تكون بتشبهك .. حبيت ♥️
ملياانه اقتبااساات
- أخرج من جيبك علبة الثقااب وأضئ لنفسك ظلمة الطريق وأذهب إلى أى الوجهين شئت .. أذهب إلى غرفتك الحراام .. فلا بأس عليك من الالتجااء إليهاا .. لن يبلغك فيهاا صووت .. ولن تنتهى إليك فيهاا حركة .. لن تلقى فيهاا إلاا كتبك التى لا تحصى ومن يدرى .. لعل نفووس المؤلفين لهذه الكتب قد أقبلت جمااعات من أعمااق الزماان ومن أقطاار الأرض لتؤنس وحشتك فى هذه الغرفة الخاليه
- أتعرفين أنى كثير التحليل والتحليل وأنى لا أحس شيئا ولا أجده إلا فكرت فيه وحاولت تحليله وتعليله .. ولكن كيف تعرفين ذلك أو تقدرينه ولم يكن بينك وبينى إلا أيسر ماا يكون .. فأنت لا تعرفين من أمرى إلا أقله وأيسره .. وأناا لا يفوتنى من أمرك إلاا أقله و أيسره ومع ذلك فأنى شديد الحااجه إلى أن أتحدث إليك كماا تعودت أن أتحدث إلى نفسى .. ياا للحزن وياا للأسى .. لمن أكتب هذا الكتااب وإلى من أسووق هذا الحديث .. إنك إن قرأتيه فلن تفهميه وإن فهمتيه فلن تقبليه ..
طه حسين اسير لذكريات طفولته ، حبيس لعالمه القديم الصغير المتمثل في الكُتاب وسيدنا والقناة عالمه الذي كان له اكبر الأثر في تكوين شخصيته رواية صغيرة ولكن علي الرغم من صغرها لا يخفي بها أسلوب العميد الساحر الجذاب المهتم بأدق التفاصيل المسهب في الوصف سيرتان شخصيتان احدهما للأديب والأخير لطه حسين تسلط الضوء علي شخصية الأديب بما يعتريها من الدنس وحب الادب والتطلع الي المعرفه في رحلته لطلب العلم وتضحياته بكل شئ في سبيل تلك الرحلة التي تنتهي نهاية مؤسفة
*اقتباسات*
- قل ما شئت .. وأعجب بالشعر ما احببت .. واحفظ من وقوف الشعراء علي الأطلال وبكائهم علي الديار وذكرهم للظاعنين ما استطعت ان تحفظ .. فسيظل هذا كله في نفسك كلامًا اجوف لا يحتوي شيئا ولا يدل علي شئ ، حتي تقف موقفا منذ حين كالذي وقفته بين هذه الأطلال عن يمين وشمال
- اري في الاستعداد للاثم بدءًا في اقترافه وفي هذا التهيؤ للإساءة شروعًا في الإساءة وفي هذا التفكير في الشر قبل ان يقع مع ان من الممكن الا يقع استعدادا رديئا للشر وإلحاحا اثما في دعائه
رواية طويلة و مملة الى ابعد الحدود .. حاولت جاهدا ان أظفر بفهم مغزى الرواية او لماذا تمت كتابتها او اى شئ يدعو الى ان تنشر في حياتنا و لكنى لم اظفر سوى ب ١٨٧ ورقة سوى بضعة اسطر في اخر هذه الرواية عن باريس و جمالها و قدرتها على ان تسحر اى قادم اليها حتى لو كان طالبا مجدا في طلب العلم يسعي لنيل شهادة مرموقة لكن هواء باريس يستطيع ان يحول بين الدكتوراه و بين طالب العلم .. باختصار تتحدث الرواية حينما كان طه حسين في الجامعة كان قد قابل صديق له وهو جار له في قربته الريفية ايضا قابله في الجامعة و ظلوا سويا حتى سافر هذا الصديق اولا الى باريس في بعثة ثم لحق به طه حسين لاحقا .. ففى هذا الكتاب بعض الرسائل التى كان يرسلها صديق طه اليه بعضها عقلانى و طبيعي و البعض الاخر جنون فتاك من قوة ما فعل هواء باريس بعقله فيكتشف طه حسين ان صديقه كان اديبا كبيرا و كان يكتب الكثير من الروايات الجميلة.