What do you think?
Rate this book
224 pages, Paperback
Published January 1, 1992
الماضي كله فقد مبرره. لماذا احتملت ذلك؟ لماذا قبضت على الجمر وصبرت؟ كان كل شيء قد تحول إلى هباء وسدى، عندما غاب المعنى. دفعنا بنفس سخية ثمنا باهظا في سبيل الحلم .. فإذا الحلم شرنقة تطبق علينا وتخنقنا في قوقعة كابوسها. كأنما نزع عن الماضي كل مبرر يجلله. كأنما خلع المعنى عن عذاباتنا الماضيةفي سبيله .. مثلما يخلع المرء حذائه. إذن .. لماذا مشينا درب الآلام شبرا شبرا؟
ص13
أقرأ لأحد الكتاب الغربيين أن الموت هو فقدان النفس أو الروح. ولكن ماهي النفس؟ إنها خلاصة مانتذكر ومجموعه. إن ما يخيفنا في الموت لا ينبع من كوننا سنفقد المستقبل. إن ما يخيفنا في الموت هو فقداننا للماضي.الموت ينتزع الماضي منا. النسيان شكل من أشكال الموت الحاضر في الحياة.
وهاأنا أعاني من فجوات في الذاكرة. فجوات تتسع وتتسع مثل فم ينفتح قليلا كي يبتسم، ثم تتسع فتحته ليمتليء بالقهقهة. هذا الفم الهائل، فم النسيان، بدأ يبتلع الماضي. ماضيّ. يبتلع عمري. إنه أشبه بفم قبر يستدرجني إليه رويدا رويدا. يمتصني كقرص عسل. وأنا أذوب، أتلاشى. تخبو ذاكرتي .. فأموت. أموت وأنا أتنفس وأتناول الطعام وأغسل الصحون. أموت
ص42
وهكذا .. يعود الزمن مرة أخرى ليدخل عباءة الليل، فأدخل في معطفي الثقيل وأسعى إلى الحانة. فيحدث مايحدث كل ليلة وتدور الكؤوس والرؤوس وندور في الحلقة الجهنمية المفرغة
غير أنني عزمت اليوم على الخروج من هذه الدائرة الجهنمية المفرغة. فقد ضقت من الدوران فيها حد الغثيان، والسقوط اليومي في هاوية اللاجدوى والعبث كأنني أبدد عمري في حراثة البحر، أو كأنني فارس مغوار يمتطي صهوة حصان خشبي يطارد في مكانه .. يراوح محله
ص116