هذا الكتيب هو دراسة تعريفية بالفيلسوف ابن رشد وأفكاره، وآثاره، وحضوره في الفكر العربي قديماً وحديثاً؛ فهو في نظر المحدثين قد استوعب مآزق الزمن الذي عاش فيه، فحاول أن يخرج منها بالبرهنة على «اتصال» العقل بالشريعة، تمهيداً للدفاع عن حق الإنسان في معرفة الوجود معرفة علمية والتأثير في الطبيعة تأثيراً إيجابياً.
من أجمل ما قرأت، من ناحيتين: 1- ناحية واضحة ويسيرة في استعراض فلسفة ابن رشد، وموضوعية إلى حد كبير جداً. 2- أنه من الكتب التي ينبغي أن تقرأ أكثر من مرة ، هو كتيب حقيقة، ففيه اختصار واحترام لوقت القارئ بدلاً من الكتب التي اعتدنا التمطيط والثرثرة بلا فائدة تذكر إلا ليثبت المؤلف أنه يعرف. أظنه يصلح كمدخل للتعريف بفلسفة ابن رشد رحمه الله.
أنصح به بشدة .
التحديث الثاني :
بسم الله الرحمن الرحيم
فلسفة ابن رشد لـ د. محمد المصباحي أولاً: ابن رشد الإنسان كل ما يرد هو آراء لابن رشد كما فهمها د. المصباحي، فسأتجاوز ذكر ( يرى ابن رشد، وهي عند ابن رشد، يعتقد ابن رشد ... ) للاختصار، ولعل في هذا التلخيص + الاختصار أحياناً + إعادة ترتيب أحياناً ما يفيد، والله يكتب لنا أجره ويرزقنا قبل ذلك حسن النية دائماً، وقبولها.
- ( 520 – 595 ) . - لقّب بـ " الحفيد " تمييزاً له عن جده؛ الذي كان من كبار أئمة وفقهاء المالكية، ومن قضاتها. - صفاته: كان ذكياً، زاهداً، قوي النفس، متواضعاً، حسن الخلق، باذلاً جاهه للمعروف. - جملة المفاهيم المفتاحية الرئيسة لفكره: • الحركة والسببية في مجال الطبيعيات. • الذاتية والوحدة في مجال ما بعد الطبيعة. • العقل في مجال الإنسانيات. • الاتصال في مجال العلاقة بين الشريعة والحكمة.
ثانياً: معقولية ما بعد الطبيعة: ( مبحث الماهية ) تنظر الفلسفة الأولى في حقلين رئيسين هما: أ. " الوجود بما هو موجود" . ب. " ما بعد الطبيعة ". أطروحة ( أ ) أي : " الوجود بما هو موجود " : تقسّم الوجود إلى عشرة معاني ( مقولات )، يمثل الجوهر المعنى المركزي لها، وتدور عليها باقي المقولات العرضية، أي أن يكون موضوعاً وعلة لها. من هنا ندخل إلى ( الماهية عند ابن رشد ) : حينما باشر ابن رشد تحليل الجوهر وجد أنه يتكون من مبدأين : أ. قابل وهو المادة. ب. فاعل وهو الصورة. وهذين المبدأين غير متكافئين في القيمة الوجودية، فتمخض عن ارتباطهما بنية تتسم بالوحدة وهي التي يصطلح عليها بـ " الماهية ". وبذلك فسّر عبارة " الموجود بما هو موجود " بـ " الماهية " علاقة الماهية بالوجود: - لم يستبعدها عن الوجود. - العلاقة بينهما ذاتية ومتساوقة. - انتقد رؤية ابن سينا حول علاقتهما من ناحيتين : 1- من ناحية الأسبقية ( أيهما أسبق الماهية أم الوجود ؟ ) : فابن سينا يقول بأسبقية الماهية على الوجود، وأن الوجود عرض على الماهية. 2- من ناحية وجود الماهية : فابن سينا يرى أن الماهية موجودة إما سارية في الأشياء، أو في الذهن، ولا تستقل عنهما. فانتقده ابن رشد وأعطى الماهية وجوداً مستقلاً عن الذهن والواقع معاً، فلا هي موجودة ولا معدومة.
( موضوع : ما بعد الطبيعة، أو الأسباب القصوى ) الحقل الثاني : ما بعد الطبيعة. - تسميته بـ " الأسباب القصوى " مقابلة لتسمية " الأسباب الذاتية "؛ المتعلقة بمبحث الوجود. - موضوع علم ما بعد الطبيعة: الأسباب القصوى. - يقسّم ما بعد الطبيعة إلى ثلاثة أجناس من الوجود: 1. الأجسام السماوية: وهي جواهر مادية أزلية. 2. العقول: وهي جواهر لا مادية مفارقة للمادة و أزلية. 3. الجوهر المطلق: وهو المحرك الأول الذي لا يتحرك، وأزلي. الجامع والفارق بين هذه الأجناس : أ. تشترك هذه الجواهر الثلاثة في عدم خضوعها للزمن ولتبعاته فهي ( أزلية ) . ب. تختلف هذه الجواهر الثلاثة عن بعضها في : طبيعتها ووظائفها وفي قبولها للحركة أو عدم قبولها لها. الأجناس بالتفصيل: الجنس الأول: ( الأجسام السماوية ) : تتميّز بأنها : • بسيطة: ( غير مركبة لا من العناصر ولا من المادة ولا الصورة ولا القوة ولا الإمكان )، بالتالي تخلو من توابع التركيب : ( التضاد والتغيّر والزمن ) . • جوهر وجودها في الحركة، وتتميز حركتها بحركة الأجسام الأرضية: أ. فهي أزلية، وأزليتها ضرورة لحفظ ثبات ووحدة أنواع وأجناس عالم الطبيعة، فوجود الأشياء ها هنا رهن بأزلية حركة الأشياء التي هناك. ب. حركتها مكانية فقط، لذلك لا تُحدث فيها أي تحول أو تغير كيفي أو كمي أو جوهري. ت. حركتها ليست بالطبع ولا قسرية، لأنها تصدر عن ثلاثةُ مُحَرِّكين لها صلة بالإرادة: 1. محرك داخلي: هو النفس العاقلة التي بها تتصور وتشتاق فتتحرك. 2. محرك خارجي: هو العقل البريء من المادة، وهو موضوع تصور واشتياق الأجسام السماوية فتتحرك نحوه. 3. محرك أقصى: وهو المحرك الأول، الذي هو علة حدوثها وحركتها على سبيل الشوق إليه. بناءً على ذلك تقوم " الأجسام السماوية " بثلاثة أفعال تنتمي إلى مجالات العلم والإرادة، وهي: 1. التصور: فعل عقلي. 2. الشوق: فعل نفسي – عقلي. 3. الحركة: فعل طبيعي ومع ذلك فهي لا تملك حرية اختيار نوع الحركة إنما حريتها في حركة الاستدارة الدائمة. تفسير حركة " الأجسام السماوية " : لا يمكن تفسيرها إلا بكونها تملك ( مادة )، وهذه المادة استثنائية، وتتميز بـ : أ. من جهة أنها خارجة إلى الفعل أبداً؛ أي غير قابلة للتحول أو الزيادة أو النقص كماً وكيفاً. ب. من جهة كونها منحصرة في الجسم السماوي ومستغرقة فيه. ( استطراد: بخلاف المادة الطبيعية الموجودة بالقوة لا بالفعل، ولا تقبل الانحصار في موضوع بعينه ). وبسبب هاتين الميزتين تخيّل ابن رشد ( المادة السماوية ) بأنها أشبه ما تكون بالنفس أو العقل، مما يجعلها أجساماً حيّة ومتنفسة وعاقلة.
الجنس الثاني : الجواهر المفارقة للمادة ( العقول ) مفتقرة للمادة، فهي لا تتحرك، إنما مُحركة لـ الأجسام السماوية عن طريق التشوق والتصور. عددها يساوي عدد الأفلاك ( ما بين 38 و 55 عقلاً ) .
الجنس الثالث: المحرك الأول لا توجد مقايسة بينه وبين الموجودات الحسية وغيرها، وهو العلة الفاعلة والصورية والغائية لوجود أو حدود العالم بدون أن يتحرك.
( إشكالية حدوث العالم أو أزليته ) - احتلت هذه الإشكالية الصدارة في رؤيته للعالم. - كان عليه ليبني موقفه: الانفصال عن مذهبين متقابلين هما: أ. مذهب الخلق من عدم، وهو مذهب المتكلمين. ب. مذهب الفيض، وهو مذهب بعض الفلاسفة المسلمين. مذهب الفيض: يقوم على ثلاثة مبادئ: 1. المبدأ الأول : التعقل . 2. المبدأ الثاني: اللزوم الضروري. 3. المبدأ الثالث: الصدور الأحدي من المبدأ الأول. نظرية الفيض السينوية: هي رؤية تعقليّة؛ حيث يفيض الوجود بفضل التعقل من المبدأ الأول وفي المبادئ العليا صدوراً ضرورياً وأحادياً. و " المبدأ الأول " و " المحرك الأول " مزدوجان. تصور ابن رشد للخلق: تصوره تصور حركي يقوم على مبادئ هي: العلم ، الإرادة، الحركة، صدور الكثرة عن الواحد. الكيفية: المحرك الأول يخلق العالم بتحريك " القوة" التي توجد فيه إلى الفعل مباشرة بدون توسط العقل الأول. التوضيح: المحرك الأول هو معطِي الوجود للعالم لانه مُعطِي حركته، مما يعني أن وجود العالم رهين ببقائه متحركاً، أي متعلقاً بالمحرك الأول في كل لحظة وحين، مما يجعل " الخلق" المستمر عبارة عن " حِفظ" للوجود. - اكتفى ابن رشد بالمحرك الأول. - انفصاله عن المذهبين سمح له بتقديم بديل للجمع بينهما في صيغة واحدة هي " الحدوث الدائم ". برهان إثبات وجود الله بين ابن سينا وابن رشد: 1- ابن رشد: الحركة هي الطريق البرهاني الموثوق لإثبات وجود الله، لأن الحركة التي يتقوم بها جوهر العالم هي التي تدلنا على وجود ( المحرك الأول ). 2- ابن سينا: استخلص برهانه على وجود الله من قسمة للوجود إلى : ممكن وضروري. رؤية ابن رشد للعالم من خلال زوايا النظر: 1- من خلال زاوية النظر إلى ( مقولة الجوهر ) : تتراءى لنا الطبيعة والأشياء ممتلئة بفعلها وماهيتها ومعقوليتها. 2- من خلال زاوية النظر إلى ( الحركة ) : يتجلى لنا عالماً حيّاً متغيراً متضاداً دائم التحول بين الكون والفساد، وغير قابل للتوقف لحظة واحدة. 3- من خلال زاوية النظر إلى ( السببية ) : عبارة عن نظام سببي خاضع للعقل. وهكذا، يظهر الوجود ( الأنطولوجيا ) لدى ابن رشد ذا طبيعة : حركية وسببية واتصالية.
استطراد: الميتافيزيقيا 1- هي عند الصوفية : ميتافيزيقيا الواحد الاتصالية ( من آثار الأفلاطونية المحدثة ) . 2- هي عند المتكلمة: ذريّة انفصالية. 3- هي عند ابن سينا: عَرَضْية الوجود.
ثالثاً: معقولية الطبيعة - الفلسفة مرادفة للعقل؛ وهي نظر في الأسباب، والأسباب: 1. ذاتية مباشرة؛ في مجال العلوم الطبيعية ( الفلسفة الثانية ). 2. قصوى غير مباشرة؛ في مجال ما بعد الطبيعة ( الفلسفة الأولى ). - الطبيعة نظام من الأسباب. - الموجودات تمتلك أفعالها الداخلية، فهي ممتلئة بالمعنى، وتقوم بأفعال حقيقية بالطبع لا بالإرادة، وفعلها هو : إخراج ما هو بالقوة إلى الفعل. - أساس هذا الموقف: أ. لمواجهة المتكلمين الأشاعرة. ب. لمناهضة نظرية الفيض التي تنسب الأفعال إلى عقل متعالٍ عن الإنسان هو " العقل الفعّال ". • الحركة: - عرّفها تبعاً لأرسطو بأنها : " كمال ما بالقوة" وبخروج القوة كلها للفعل تتوقف الحركة. - والحركة انتقال من ضد إلى ضد، فمبدأها المباشر هو ( التضاد ). - مبادئ الحركة: 1. الطبيعة 2. التضاد. والارتباط ذاتي بين الطبيعة والحركة والتضاد، يعني ان كل ما هو طبيعي متحرك، وكل ما هو متحرك متضاد. - المحركات لعالم السماء وعالم الأرض: 1. عالم الأرض: التضاد الأول ( التضاد المكاني )، بين الفوق والأسفل ( أبعد نقطتين في السماء ): هو أصل كل ضروب الحركة والتغير والاستحالة والصيرورة في عالم الكون والفساد ( الأرض ) . 2. عالم السماء: المحرك الأول هو علّة حركته، وجميع الموجودات تطلب غايتها بالحركة نحوه. استطراد : ( لابن رشد رؤيتين في تفسير حركة عالم السماء ) : أ. الرؤية القديمة: في بداية حياته انتصر لمدرسة " بطليموس" أي المدرسة التي تفسر الظواهر الفلكية تفسيراً رياضياً، أي لمعطيات الأرصاد المحسوبة حساباً رياضياً. ب. الرؤية الناسخة: رأيه الأخير هو رأي أرسطو، بتفسير الظواهر الفلكية تفسيراً طبيعياً ( فيزيائياً ) لا رياضياً. سبب انقسام المدرستين : الحيرة في تفسير حركة الكواكب السيارة، فـ : أ. الفلكية القديمة: تفسرها بنظرية المركز الواحد. ب. الفلكية البطليموسية: تفسرها بالفلك الخارج المركز وفلك التدوير.
رابعاً: الطب ومعقولية الجسم - القول بحتمية الطبيعة يعني معرفة قوانينها وتدّخل الإنسان فيها، ومن علومها ( الطب والفلاحة ). - غاية صنعة الطب عنده هي نفس مهامها : حفظ الصحة واستعادتها عند فقدها، وهي نفس غاية الطبيعة إلا أن الطب أسرع في وقت الاستعادة. إذن هي ( الحفظ والاستعادة ) - مباد�� صنعة الطب: 1. الشبيه. 2. الضد. 3. الاعتدال. - المبدأ الأول : الشبيه والمشاكل: حفظ الصحة وخلقها يكون بثلاثة أفعال: ( التغذية والأدوية وأعمال اليد" كالاستفراغ ونحوه" ). أ. دور الغذاء: تحويل واستخلاف ما تحلل من الجوهر. ب. دور الدواء: تحويل واستعادة الحال الطبيعية للمريض. يشتركان في : التغير والتحويل. ت. دور أعمال اليد: إعادة التوازن للجسم. - التشخيص والدواء: يشترط في المعالجة بالادوية أن تكون قوتها مكافئة لقوة المرض. التشخيص فردي بحسب حال كل فرد، ولا يكون التشخيص كلياً لكل مرض فيعمم دواءه على كل من أصيب به. - طرق المعالجة: أ. الطريقة الصناعية: القائمة على المداواة بالأسباب. ب. الطريقة الضدية: القائمة على نظرية التضاد ونظرية الأمزجة. والطريقة الضدية: فالمرض: هو اختلال في التوازن بين المتضادات داخل الجسم بسبب سيطرة أحد المتضادين بشكل غير عادي على البدن، والصحة هي الاعتدال بين المتضادات؛ فمهمة صنعة الطب هي إعادة التوازن. والمتضادات هي: 1. الكيفيات الأربع ( الحرارة، البرودة، الرطوبة، اليبوسة ). 2. الأخلاط ( الدم، البلغم، المرة الصفراء، المرة السوداء ). 3. العناصر ( الماء، التراب، الهواء، النار ). - ابن رشد وطريقة المعالجة: 1. استمر في العمل بالطريقة الضدية، وأن المداواة بالأضداد مداواة بالذات لا بالعرض. 2. قام باختزال الأمزجة عند جالينوس من تسعة إلى خمسة فقط، أحدها، معتدل، وهو مزاج الإنسان، والأربعة خارجة عن حد الاعتدال.
خامساً: عقلانية الإنسان ( البرهان والعقل والاتصال ) - منطلق نظرته للإنسان: تعريفه للنفس باعتبارها كمالاً أولاً لجسم طبيعي، مبتعداً عن تعريفها بالجوهر الروحاني، لأن من شأن ذلك أن يجعل الإنسان مكون من جوهرين متضادين. توضيح التعريف: أ. القول بأنها ( كمال الجسم ) : لا يعني أنها جسمية بل يعني انها عبارة عن مجموعة من الأفعال والوظائف البيولوجية والسيكولوجية والإدراكية التي تقوم بها النفس عن طريق الجسم. ب. العقل : يوجد على رأس وظائف النفس، والذي يعتبر الكمال الحقيقي عن الحيوان، للنفس الإنسانية ( الفعل المميز للإنسان ) .
العقل عند ابن رشد: يمكن النظر إلى أفعال العقل من جهتين : أ. الجهة المنطقية: تعريف العقل والبرهان يحظيان بمكانة كبيرة عنده، والبرهان خصوصاً باعتباره أهم آلية للعقل، ذلك أنه : 1. يفضي إلى المعرفة اليقينية التي تطمئن إليها النفس. 2. اعترافه باستقلال العالم الخارجي عن العقل، فكل موجود معقول، لكن ليس كل معقول موجود ( خلافاً لرأي الفارابي ) . 3. الإقرار بقدرة العقل على إدراك العالم، إذ أنه معقول بالقوة. المفهوم من كلامه: 1- أن الحقيقة غير متعالية على الإنسان بل هي في ذهنه. 2- أن الحقيقة غير متعالية عن العالم والإنسان ويستخلصها العقل من الوجود الخارجي. 3- المعقولية السارية في العالم تجعله قابلاً للقراءة. 4- نظرية البرهان هي وظيفة العقل المعرفية ( الإبستمولوجية ) وهي أحد لوازم نظرية العقل. 5- نظرية العقل هي الوظيفة الفلسفية للبرهان، ذلك أنها تبحث في طبيعته، ومعانيه وأنواعه وأفعاله وصلته بالإنسان والعالم. فالإنسان لا يعرف ذاته إلا عندما يعرف العالم، وكأن ذاته ليست شيئاً آخر سوى معرفة العالم. وكما أن الطبيعة تتوقف عن الوجود متى انقطعت عن الحركة، كذلك الإنسان يفقد وجوده متى توقف عن إدراك العالم باعتباره آخراً؛ بهذا المعنى يكون " المعقول كمال العاقل"، وليس العكس. استطراد: الفارابي: الموجودات هناك سواء عقلناها أم لم نعقلها. ب. الجهة الفلسفية: النظر في هذه الجهة يفضي إلى تقسيم أفعال العقل إلى عدة أنواع: 1. العقل بالقوة أو المادي: وهو عقل قبول المعرفة. 2. العقل الفعّال: وهو عقل فعل المعرفة. القصد المعرفي من القول بـ ( العقل بالقوة ) : مواجهة نظرية التذكر الأفلاطونية، بإثبات أن العقل بالقوة من قبل أن يعرف هو كالصفحة البيضاء، وليس صفحة ممتلئة بالمعرفة تم نسيانها. القصد المعرفي من القول بـ ( العقل بالفعل ) : مناهضة نظرية المثل، بإثبات أن العقل الفعّال هو المُنتج للمعرفة باستخلاصها من الموجودات وليس نتيجة انعكاس عالم المثل في الذهن. ويشكلان هذان العقلان في نهاية الأمر عقلاً واحداً، لهما فعلان هما ( القبول والخلق )، بالرغم مما توحي به هذه القسمة من اختلاف انطولوجي. - استخلص ابن رشد من لا مادية العقل وموضوعيته ونزاهته أنه واحد على مستوى الوجود، وأزلي على المستوى الزمني. - وحدة العقل وتعدد الناس: استخدم الخيال للربط بين وحدة العقل وتعدد الناس، فتكوّن من هذا التركيب عقل ثالث هو ( العقل النظري ) الذي يمتلكه كل فرد على حدة. وتعود أهمية الخيال من جهة ثانية إلى كونه يضمن المصداقية للمعرفة العلمية، في حين يضمن العقلان ( الهيولي والفعلا ) المصداقية المنطقية. والفرق بين العقل الهيولاني والنظري : النظري يملكه كل فرد على حدة، والهيولاني تشترك فيه كل الإنسانية. - العقل المستفاد: هو العقل الخاص بالتجربة الميتافيزيقية التي يسميها بالاتصال، أو الكمال الأخير أو السعادة القصوى للإنسان ولا ينشأ هذا العقل في الإنسان إلا عندما يمتلئ العقل النظري بالمعرفة العلمية.
الحرية - الفعل البشري نتيجة رؤية واجتهاد وإرادة ذاتية للفرد. - صدور الأفعال المتضادة من الإنسان بالاختيار، ذلك أنه مدرك للزمن وصيرورة الأفعال ( استحضار المآل ). - الاتصاف بالإرادة والاختيار دليل على نقص أصلي في الإنسان. - ربط الحرية بالعقل. - إضفاء طابع الحركة على الفعل الإنساني مما يعني صدور الأفعال من الإنسان بالإرادة. - هناك قوى أخرى تساهم في إخراج وإيجاد الفعل البشري منها القوة: الشهواني والغضبية والخيالية، والحرية هي أداة عقلانية للتحرر من هيمنة الشهوات وضغط الغرائز وقمع التقاليد والأعراف والأخلاق الاجتماعية. - انعكاس مفهوم الحرية على التصور العقلاني للحرية السياسية : فالحر الحقيقي في المدينة الفاضلة من يأتمر بالعقل، ومن يخضع لنظام المدينة المعقلن! وظائف العقل: أ. وظيفة علمية: يقوم بها العقل النظري، وموضوعها: معرفة الطبيعة، وهو عقل يعقله كل واحد من العلماء. ب. وظيفة ميتافيزيقية: يقوم بها العقل المستفاد، لا يملكها إلا بعض الفلاسفة، وموضوعها: ما بعد الطبيعة. ت. وظيفة عملية: يقوم بها العقل العملي، وموضوعها: الحياة المدنية، والعقل المدني مشترك بين جميع الناس بالتفاوت.
سادساً: معقولية السياسة - قرأ ابن رشد كتاب السياسة لأفلاطون بخلفية أرسطية تارة، وبخلفية إسلامية تارة أخرى. - من جملة المفاهيم الأرسطية التي استخدمها لقراءته ( مفهوم الكمال ) بمعنييه: ( العقلي والمدني ) لتحليل الوجود السياسي للإنسان. - كمال الإنسان ينبني على " الناطقية " و " المدنية ". - يستبعد وجود دولة من أفراد كاملين، لـ : أ. المدينة تقتضي التظافر والتكامل بين الناس. ب. لو كان العكس لانعدمت وظيفة المدينة. - الكمال الأسمى للفيلسوف يحصل في الدولة بإمكانات أناسها ومؤسسهاتها، لا في حياة العزلة والتوحد كما عند ابن باجة والطفيل. - العدالة فضيلة الدولة، وتقوم على ثلاثة مبادئ: أ. تتقيد كل طبقة ( طبقة الحكام، وطبقة الحُماة، والطبقة المنتجة ) بتحقيق كمالها الخاص، من دون التطاول على كمالات الطبقتين الأخريين. ب. أن تتعاون الكمالات فيما بينها لخدمة بعضها البعض، لإضفاء الطابع الكلي للعدالة. ت. تبعية كمال الطبقة الأولى للأعلى، مقابل إفادة الأعلى للأدنى، واشتراك كل الكمالات لخدمة الكمال الأعلى للدولة وهو ( التدبير العقلي للحكم السياسي الذي يقوم به الفلاسفة ) .
سابعاً: معقولية الشريعة - له كتب نقدية في الشريعة موجّهة إلى التصوف والكلام، منها : ( فصل المقال، الكشف عن مناهج الأدلة، تهافت التهافت ). - كتاب ( فصل المقال في تقرير ما بين الشريعة والحكمة من الاتصال ) : قصد التاليف: إثبات الحق في ممارسة النظر العلمي والفلسفي في إطار الملة الإسلامية. أهم حجة قدمها لإثبات ذلك: هي الوحدة في الغاية بين الشريعة والحكمة وهي ( غاية الوقوف على الحق ) . و دعهم هذه الحجة بحجة أخرى تربط بين العبادة والمعرفة ومفادها: إذا كانت الغاية من الشريعة هي عبادة الخالق، فإن أشرف عبادة هي معرفة ذاته على الحقيقة، ولا تتحقق معرفة الذات الإلهية إلا بمعرفة مصنوعاته بالطرق البرهانية". - أشكال الاختلاف بين الشريعة والحكمة: لم ينكر وجود أشكال من الاختلاف، منها : • وجود أقوال في الشريعة لا تتوافق في الظاهر مع أحكام العقل، ولسد هذه الثغرة من الانفصال ملأها بمفهوم التأويل. - قسّم النص القرآني إلى ظاهر وباطن باستخدام التأويل، ومجاز وحقيقة. - طريق الشريعة يجمع بين اليقين والسهولة، ويفيد العلم للعامة بالأمثلة المضروبة. - طريق آخر برهاني هو طريق الخاصة بالبراهين المُرتبة. - دور التأويل البرهاني: • نقل المعنى والمجاز ( الظاهر ) إلى المعنى العقلي والحقيقي ( الباطن ). • وضع شروطاً للتأويل البرهاني. • يرى أن " التأويل الخطابي، الشعري، الجدلي" الذي يستخدمه المتكلمون خطر على الشرع والحكمة. • انتصر لـ " الانفصال " عن التأويل الكلامي والصوفي للشريعة، لذلك خاض معركتين ضد الغزالي وابن سينا.
ثامناً: ابن رشد في أوروبا الوسطوية ذكر المؤلف أن هناك تياراً رشدياً تأثر بابن رشد للرد على أعلام كنسية . وقد لعب ابن رشد دوراص متميزاً في تكوين الثقافتين العبرية واللاتينية.
تاسعاً: حضور ابن رشد في الفكر العربي المعاصر. أُهتَِم بهِ من مواقع مذهبية وعلمية وأيديولوجية.