كان العالم الإسلامي في حاجة إلى شخصية تستطيع أن تنفخ، بقلبها الوَلوع وعاطفتها القوية؛ روحًا جديدة في المجتمع، الذي طغى فيه العقل على العاطفة، وساده الخمود. شخصية تستطيع أن تؤسِّس وجودًا جديدًا لا يُصارِع العقول؛ بل يَحُلُّ العُقَد النفسية والفكرية، ويملأ القلوب سكينة وإيمانًا.
وقد جاد الزمان بهذا الرجل في شخصية مولانا جلال الدين الرومي، الذي كان ديوانه الأشهر، المعروف بـ"المثنوي المعنوي"؛ ثورة على تجاوز الإنسان لحدوده، ومبالغته في تقدير حواسه وتقديس عقله؛ فصارت هذه المنظومة أساسًا لوجود جديد، يُهدهِدُ العقول الجامحة الثائِرة، ويُهدئ النفوس المضطربة الحائرة، ويُعيدها إلى الهدي الإلهي.
وقد استطاع قلم الأستاذ الندوي -برشاقته المعهودة- أن يصحبنا في رحلة إيمانيَّة لا ينفصِلُ فيها العقل عن القلب، وإنما يتحدان معًا في ذات المضغة التي قُدِّر لهما أن ينزلا فيها؛ لنكتَشِف في هذه الرحلة الشائقة أبعادًا جديدة، لا للتصوف الفارسي أو لمولانا فحسب، وإنما لجوهر التجربة الإيمانيَّة.
-العنوان | مولانا جلال الدين الرومي -التصنيف | سيرة -تأليف | أبو الحسن الندوي (١٩١٤ - ١٩٩٩) 🇮🇳 -صفحات | ٧١ ص. من القطع الصغير -الدار | تنوير 🇪🇬، ٢٠١٨م -المكتبة | جرير 🇸🇦
مُقَدَّمَة❁
طبقت شهرة الرومي الآفاق وترجمت أشعاره إلى كل لغات المعمور. وظلت الرغبة تلح علي أن أدرس سيرته الحقيقية بعد أن طالعت ما قَصُّوا عنه في الروايات. فكان أن ظفرت بهذا الكتاب الموجز لأحد أعلام المسلمين في العصر الحديث أبي الحسن الندوي رحمه اللَّه.
تَقْسِيمُ الْكِتَابِ❁
(١/٣) ترجمة حياته. ولد ببلخ 🇦🇫، و تنقَّل حتى استقر في قونية 🇹🇷، وتوفي بها رحمه اللَّه تعالى (١٢٠٧ - ١٢٧٣). يرجع نسبه إلى أبي بكر الصديق رضي اللَّه عنه.
اشتغل بالعلم الشرعي والتدريس، ثم تحولت حياته بلقائه شمس التبريزي 🇮🇷، فتروحن وجادت قريحته بالشعر حتى سارت أبياته في الناس أمثالاً إلى يومنا هذا. ألَّف أشهر ما ألَّف "الْمَثْنَوِي المَعْنَوِي" في ٢٦ ألف بيت.
(٢/٣) مفكر مبتكر، ومؤسس علم كلام جديد. راج في عصر الرومي الحديث في علم الكلام. واضطربت العقائد. فكان ذلك موضوع مثنوي مولانا. ففيه أراد تقويم النظر في مسائل كالاعتماد على الحواس، والاقتصار على العقل، ومحدودية الاستدلال الفلسفي، ووجود اللَّه سبحانه وتعالى، والجبر والاختيار، والأسباب والعلل، والتصوف والانعزال عن الحياة. فكان وسطًا بين الأشاعرة والمعتزلة، وكان أشد المتصوفة تصوفًا، وكان أرجحهم عقلًا وأرسخهم علمًا.
(٣/٣) داعٍ إلى الحب والعاطفة، واحترام الإنسان والإنسانية. قاوم مولانا هذه (العاصفة العقلية الجامحة) في عصره بإحياء موات القلوب بأن دعا إلى عبادة اللَّه بِالْحُــــب. فأعلى شأن الحب والمحبوب معًا حيث قال: "إن الحب خالدٌ لا يجدر إلا بالخالد." والمحب عنده لا يستكين ولا ييأس ولا تسري عليه القوانين؛ فهو شغوفٌ طموحٌ حيٌّ يضعف جسمه ويحيا قلبه.
نِقَاطٌ لَافِتَة❁
يلفتُ الناظرَ في ما عرض أبو الحسن من شخصية الرومي ما يلي:
✾طبيعته✾
كان جلال الدين شاعرًا دائمًا! لم تكن هذه غير حقيقة أبطأت في الظهور ليس إلا. فمثل هذا الشعر لا يجري على لسان من لم يُفطَر قلبه على العاطفة و (تعجن طينته بالحب).
ألا إن حسه المرهف الذي عُرِف به طوالَ حياته يؤكد للدارس هذه الحقيقة كما تؤكدها أشعاره الرقيقة فجأةً في مقتبل الأربعين!
نقل أبو الحسن عن سبه سالار خادم مولانا لأربعين عاماً أنه لم يره قط في لباس النوم وكان إذا غلبه النوم نام جالسًا. وكان من قول مولانا: "كيف ينام من يتقلب على حسك السعدان". والحسك الشوك والسعدان نبت شوكي ترعاه الإبل. يكني بذلك عن أشواقه نحو العالم الآخر وعن يقظته الروحية التي سهَّدت لياليه.
✾اعتداله✾
ندر أن تجد من أعلام كل مشربٍ من يلتف حوله المريدون ولا يكون متعصبًا أو متسلطًا. وإنك إن درست سيرة الرومي تعجبت كم اتسعت نفسه لإخوانه من الناس كافةً. ليت شعري كيف لمسلم أن يشيع جنازته اليهود والنصارى، يمشون من خلفه، يبكونه بكاءهم أحبارهم ورهبانهم!
وما كان حبه الناسَ وحبهم إيّاه إلا نتاجاً لإيمانه بالإنسان مكانةً وإمكانًا. فالخلق أجمعهم دونه مكانةً، والخلق أجمعهم دونه إمكاناتٍ ومواهب.
ثم هو معتدل بين ألوان المذاهب الإسلامية نفسها كما سبق. وهو معتدل في نظرته للموت. وهو معتدل في تصوفه. فكيف لهذه النفس التوّاقة وهذا القلب الولوع أن يجتمعا لبشرٍ قويم النظرة سديد الفكرة عظيم الحكمة. ذلك فضل اللَّه يؤتيه من يشاء حقًّا.
اقْتِبَاسَاتٌ❁
❞قد اشترانا اللَّه وخلصنا من المساومات إلى الأبد.. والشيء لا يباع مرتين❝✨
❞إن الإنسان جوهرٌ والفلَك عرَض. كل ما عداك فرعٌ وأنت الغرض. إن خدمتك مفروضةٌ على جميع الكائنات، وعارٌ على الجوهر أن يخضع لعرَض❝✨
❞جربتَ الموت في هذه الحياة. فإذا فارق الإنسان هذه الحياة نال الحياة الخالدة التي لا موت فيها❝✨ يعني بالموت الأول العدم قبل الإيجاد.
❞إذا كان هذا العقل الجسماني قد سوَّد الأوراق؛ فالعقل الإيماني قد نوَّر الآفاق وبزغ نوره على القلوب والأرواح❝✨
❞إن السنة الجارية والعادة الغالبة هي صدور السبب من المسبب؛ حتى يعرف الطالب أهمية السعي والجهاد، ويأتي البيوت من أبوابها، ويطلب الأشياء من معدنها❝✨
أواصِل مع هذا الكتيب رحلة التعرف على وجه جلال الدين الرومي الذي لم يره أغلب مَن يدعوه ليلًا ونهارًا "مولانا"، وأدين بالفضل في ذلك لمؤلفه أبو الحسن الندوي ولناشره عبد الرحمن أبو ذكري.
لا تحتاج المقدِّمة إلى مُقدِّمات. وهذا الكتيب الممتع مجرَّد مقدمة لطيفة خفيفة، نرجو أن تفتح شهيَّة القارئ للتعرُّف إلى عالم مولانا جلال الدين الرومي، والاطلاع على آثاره.
وبعد النجاح المشجِّع الذي منَّ الله به على هذا الكتيب في طبعته الأولى، والقبول الحسَن الذي تلقَّاه به القراء؛ آثرنا أن نَرُدَّ تقدير القراء الكرام بتقدير. ولهذا؛ فقد زِدنا هذه الطبعة بمُشهيِّات إضافية: ست قصص مختارة من مثنوي مولانا جلال الدين الرومي؛ لتكتمِل الصورة الأوليَّة التي يخرُج بها قارئ الكتاب عن موضوعه الثري. فبعد أن يُبحِر قارئنا مع قلم الأستاذ الندوي برشاقته المعهودة؛ سينتقِلُ انتقالًا سلسًا لطيفًا إلى القصص المختارة، التي ترجمها نظمًا الشاعر السوري محمد الفراتي، ونشرها للمرة الأولى في كتاب أنيق جعل عنوانه: "روائع من الشعر الفارسي"، وقد طبعته وزارة الثقافة والإرشاد القومي السوريَّة (1383هـ ق/ 1963م).
وقد أملَى علينا حبنا لما نعمَل أن نعتني به أحسن العناية؛ فأوكلنا مراجعة نص الأبيات المنظومة إلى الأخ الكريم، الدكتور محمد متولي؛ فقابلها على الأصل المطبوع، وبذل وسعه في ضبط نصها، وتصويب أخطائها، وشرح غريبها، وإضافة بعض الحواشي حيثما رأى حاجة إلى ذلك. وقد أعدنا قراءة نص الندوي كله مرَّة أخرى، وتصويب بعض المواضع التي سقطت سهوًا في طبعته الأولى. لكنَّ هذا كله لا يعفينا من أي تقصير قد نكون وقعنا فيه بغير قصد؛ فعسى الله أن يعفو عنَّا، وأن يلتَمِس لنا قارئنا العُذر بأننا بذلنا أقصى الوسع، لكنَّ الكمال لا يكون إلا لله العلي القدير وحده.
والله سبحانه نسأل أن يجعل عملنا خالصًا لوجهه، وأن يتقبله منا.
كتاب رائق جدا في أسلوبه وعرضه لحياة وفكر مولانا جلال الدين الرومي؛ قدم فيه السيد أبو الحسن الندوي بتمهيد لطيف عن نشأة مولانا جلال الدين الرومي وحياته وتعليمه وشيوخه، ولقاءه بشمس تبريزي وكيف غيَّر هذا اللقاء مجرى حياته فيما بعد وفي القسم المعنون بـ مفكر مبتكر، ومؤسس علم كلام جديد؛ عرض السيد الندوي لفكر مولانا جلال الدين الرومي ومواجهته للأفكار السائدة في عصره الدخيلة على الفكر الإسلامي والمتأثرة بالفلسفة اليونانية، ومحاولته الناجحة لتقويم ما أعوج من فكر وثقافة مجتمعه بما انشرحت له الصدور وتصالحت معه النفوس، حتى أنه لما توفاه الله عز وجل "وخرجت جنازته؛ ازدحم عليها أهل البلد ازدحاما كبيرا، وشيعه أتباع كل ديانة وهم يبكون. وكان اليهود والنصارى يتلون التوراة والإنجيل، وكان المسلمون يُنحّونهم فلا يتنحّون. وبلغ ذلك حاكم البلد؛ فقال لقساوستهم ورُهبانهم: «مالكم ولهذا الأمر؟ وإنها لجنازة عالم مسلم»، فقالوا : «به عرفنا حقيقة الأنبياء السابقين، وفيه رأينا سيرة الأولياء الكاملين». رضي الله عن مولانا جلال الدين الرومي وعن من عرفنا به
سيرة مختصرة مكتملة الأركان عن العالم ورجل الفكر وصاحب "المثنوي المعنوي" مولانا جلال الدين الرومي. كتاب صغيرٌ في حجمه، قليلٌ في عدد صفحاته، لكنه كبيرٌ في محتواه، كثيرٌ في بلاغته.
(تعطل الصالحين .. وتواكلهم الأعجمي .. الذي لايتفق وتعاليم الاسلام، أفضى الى سيادة الفساق .. وحكم السفهاء الذين قتلوا العلماء.. ووسِّدَ الأمر الى غير أهله) جلال الدين الرومي المثنوي المعنوي ١٣١-٣٣٥
كتيب قصير، تحدث فيها الندوي عن علم من أعلام الأمة اقتطف فيها أجزاء مختلفة من آراء مولانا عن قضايا مختلفة كتاب يعرفك ويقربك بشكل مقتضب من هذه الشخصية العظيمة مولانا أثر في العالم بأسره ولكن العرب والمسلمون هم أقل من تأثر به للأسف الشديد أنصح به كمدخل سريع لفهم فكر مولانا رضي الله عنه !
كتاب صغير الحجم عظيم القيمة. الكاتب والمكتوب عنه علمان كلٌ في مجاله. يقدم الكاتب مولانا بصورة مختصرة ومفيدة لكن يرغب بسبر أغوار الرومي. لغة الشيخ الندوي ندية رائقة جميلة.
أولي قراءاتي للمفكر الكبير أبوالحسن الندوي. عرض عرضا سريعا جدا لسيرة مولانا الرومي من زاوية لايراها الكثيرون. عرضه كمؤسس لعلم كلام جديد، كمجدد للأمة بعد فترة استغرقت في عقلانياتها وفلسفاتها. برز مولانا في عدة قضايا كوسط بين المعتزلة والأشاعرة وانتقد آراء الجبريين وحث علي الجهاد وانتقد حتي المتواكلين من المتصوفة. بوجه عام ظهر مولانا كفقيه وصوفي وعالم ومفكر شامخ متكامل. ولاحظت تشديد مولانا علي فهم الأنبياء للدين والنفحات الإلهية التي يتلقونها وكون البشر العاديين أهلا لتلقي القليل من هذه النفحات إذا بحثوا في قلوبهم عما يدلهم علي ذلك.