شاعر سوداني ولد في الرياض وتلقى فيها دراسته حتى الثانوية ثم أكمل دراسته الجامعية في الجامعة الأردنية . استشرافية شفافة . تناقلته الصالونات الشعرية والمنتديات الأدبية في شتى العواصم العربية. فاز ديوانه الأول ( مرثية النار الاولى ) بجائزة الشارقة للشعر، وفاز ديوانه بجائزة السنوسي الشعرية لعام 2016 عن ديواني الثاني (كأنك لم..) دواوينه : - (مرثية النار الأولى ) الفائز بجائزة الشارقة في الشعر عام 2013 - ( كأنك لم ) صدر بتاريخ 20 فبراير، 2014 وفاز ديوانه بجائزة السنوسي الشعرية لعام 2016
لمّا كانَ على الإنسانِ أن يفرَغَ من صنعِ الأشياء، أُمِرَ - بطريقةٍ خفيّة - أن يتكلّمَ عنها. إنّه القربان الّذي نقدّمه جزاءً لهبة اللغة. فرغتُ للتوِّ من قراءة الديوان؛ لِأتحدّثَ إذن، رغمَ خوفي الأصيل من الاقتراب من الشّعر إلّا بصفة المتلقّي السّاكت.
فورَ انتهائي من أهلّة عبد الباري تذكّرتُ فكرةً تكرّرت في كتاب ماكس بيكارد 'اللغة والإنسان' والتي تتلخّص فيما يلي: " لأنّ اللغة ليست من صُنعِ الإنسان، فهي تحتوي على أكثر ممّا يعرفه المتحدّث نفسه وأكثر ممّا يستطيعُ استخدامَه. يكتُب فرانز فون باودر: ((عندما أتحدّث، فإنّي أطلقُ العنان لقوّةٍ هي ليسَت في نَفسي))". (ص ٢٥)
رغمَ جدليّة قضيّة أصل اللغة، إلّا أنّني أتّفقُ بأنّ هذه هي قوّة محمد عبد الباري - في رأيي - لأنّهُ يمنحنا الاطلال على مساحةٍ تمكُثُ بين اللغة والمعنى؛ شاسعة وأبديّة وحيثُ هناكَ مكانٌ للغموض الّذي نتشارك الاحساس فيه. هي قصائدُ لا تُفهَم بالضرورة، بقَدرِ ما هي تُحَسّ. يلمس هذا الشعر مكانَ الحدس في استقبال اللغة؛ المكان المتفلّت من المعنى المباشر، والمتجنّب الغموض السيريالي - بالمعنى الحداثي - في الوقت نفسه. هذا شعرُ الما-بَين؛ لأنّ الزمن بصفته خطًّا بين الشعر القديم والحديث ممسوح، ولأنّ القارئ لا ينفكّ يتراوحُ بينَ مساحات الزمن، مشدودًا وخائفًا ومشتاقًا.
أتوجّس من الكلام عن الشعر، ولا أحسبُ أنّ هناك طريقةً لتفسيرِه من دون تمزيقِه. محمد عبد الباري في أهلّتِه "يقول أكثر ممّا يعرفه" ويستمرّ في الحفرِ بحثًا عن أدواتِ اللغة الشعريّة، وبطريقةٍ ما، نحمل معه همّ المجازات والتأويل والسّفر في هوامش النصوص.
❞ هو وجهةٌ مكتوبةٌ سلفاً أنا جبريّةٌ لم تنفتح أبداً على التأويل ❝
❞ وترعرعتُ في الهوامش وعياً لا يزورُ النصوصَ إلا شجارا ❝
❞ بعيدةٌ كاحتمال ما وضيقةٌ مثل الكلامِ الذي قبل المجازاتِ ❝
هذا شعرٌ يبحثُ عن نفسِه، بالمعاوِل والكلمات.
❞ لم تستدرْ لغةٌ لتشهدَ نفسَها إلا أخذت أواخري لأوائلي وكتبتُ في أقصى السماواتِ العُلى: الحزنُ للأسماءِ والأسماءُ لي ❝
يذكّرني هذا كلّه 'بالقوس العذراء' لشيخي وسيّدي رحمه الله محمود شاكر؛ لكنّها وردةٌ لا تحتملُ الفرك. ليتَ دارسًا للأدب يقومُ بدراسةٍ مقارنةٍ بين النّصّين — على تباعدهما في الأسلوب والزمان واللغة، لكنّهما نصّان يناديان على بعضهما.
❞ حنانيكَ إني صديقُ التوجّس بعد انتهاء القصيدةِ أفعلُ ما يفعلُ القوسُ حين يودّعُ سهمَه ❝
ديوانٌ لطيفٌ وخفيف... محمد عبدالباري شاعرٌ عظيم جداً(شِعراً وإلقاءاً)،تمنيتُ لو كان هنالك قرصٌ مُدمج مُرفق مع الكتاب وفيهِ تسجيلات صوتية للقصائد بصوت محمد، بشكلٍ عام، قصائد محمد عبدالباري عميقة وأغلبها تحتاج لثقافة تاريخية كي يفهمها القارئ ويصل مغزاها لشغاف قلبه. وهذا أمرٌ جيد لأن فيه إختبار لثقافة القارئ التاريخية وأيضاً،هذا الأمر يثري ثقافة القارئ في نفس الوقت الذي يتسلى فيه بالقصائد الجميلة.
محمد عبدالباري نبع إبداع لا أنضبه الله ، تلك الدهشة اللانهائية التي يولدها مع كل قصيدة أمر عصي على التفسير . وقد صدق قوله : " سألمع في نهائي بعيد ، مجاز لم يمر على الكلام " الديوان مصنوع بحب وعناية من الغلاف الى الغلاف ،الأهداء ، التنوع في الأوزان والمواضيع والبيان الساحر من غير تكلف، كل شيء كما ينبغي تماما ، قرأت الديوان لمرتين في جلسة واحدة ، غير أنني لم أكتف منه ولا أظنني سأفعل " قد لا أكون فليس من كينونة إلا وتغرق في الزمان السائل" " ولطالما فشلت مراياي التي لم تقتنص وجهي بأي تماثل لا أستريح إلى المكان كأنني علقت في قمر بغير منازل " " أريد النهار النهائي حيث الوحيدون لا يعرفون الأفول " " أفكر في الماء والطين لكن بتفكير من لا يحب الوحول " الاقتباسات كثيرة في الخاطر ، وإن تابعت فأظنني سأسرد الديوان بأسره ، هي حتما قراءة آسرة للفكر، ملهمة للفكرة .
هنا الشعر كما ينبغي له أن يكون الشعر الحقيقي الذي يلامسك ويجعلك تصفق وتقول يااااا الله الشعر الراقي الذي يكشف عن ثقافة عالية ويرقى بذائقة القارئ ديوان رائع يستحق القراءة مرارا وتكرارا
بخفة لا تحتمل بين المعرفي والابداعي، ينوس محمد عبد الباري في حقول المجاز بين زهور عدة حتى ليكاد يختلط على قارئها الشذا فلا يعبأ بالموضوع/الفكرة، إذ يمتد الابداع إلى مستوى البيوت فيغني كل منها على حدة. ديوان عظيم. وشاعره مفخرة جيله.
عرفت قصائد محمد عبدالباري منه، بعذوبة حرفه وفصاحة إلقائه. علمت أن مثله؛ شاعر أجاد الكتابة والإلقاء، لا يمكن أن تستصيغ أبياته على لسان الآخرين. لأنه لن يأتي من يلقي قصائده أفضل منه.
في القراءة، خشيت ألّا أعيش معها كما عشت حين سماعه، إلا أن العجيب أني كنت أقرأ كل قصيدة وكأنني عبدالباري! على مهلْ، متنقل بين الحروف والكلمات وأتوقف وكأنه يريدني أن أقف هنا!
مجموعة شعرية تلتقط أنفاسك وتزفرها لك بسمات تفتتن بجمال اللغة والتراكيب وشخصياً سأظل أطل على هذه القصائد (كثر ما لمستني): الأسوار الأصدقاء شبه يكاد (التشبيه بالقطار بأوجهه المختلفة وبأسلوب عظيم) وجه للمتاهة أشواق الضفة الأخرى إلى سيدة نائمة الآن قراءتي الأولى للشاعر والتي فتحت شهيتي لقراءة دواوينه الأخرى.
أعيد قرائة القصيدة مرارا وتكرارا ولا ازال انبهر بروعتها كما الأول ..
من أكثر النصوص التي لامستني : *قد تخسر الأشجار حكمتها إذا منحت صداقتها لظلٍ زائلِ .. الأسوار *لا أستريح إلى المكانِ كأنني عُلقتُ في قمر بغير منازِل. .. الأسوار *فلا تتجوهرُ إلا القلرب ولا تتمردُ إلا العقول. .. أقواس المكان *فاذهب الآن عزلةً وارتياباً وأقم فيك لا تغادر مكانَك. .. نافذة للغبار *منذُ لوّنتُ بالمجاز عيوني وأسمي الغمامةَ الآن سيلا. .. واهمة *ورأيتُ الهواء يَشخصُ فينا كلُ شيء عن كل شيء توارى. .. الحجازيّ.
أما.. (أندلسان، نخيل الكلام ، زاهباً كالبرق، الخروج من نصف الوردة، ) لا تستطيع تحيد اي نص اقرب اليك من روعتها ككل 💙
منذ لونت بالمجاز عيوني لا أرى الخيل في الحقيقة خيلا
بانتباهي إلى البعيد مصاب وأسمي الغمامة الآن سيلا
* * *
محمد عبدالباري حالة شعرية خاصة. في كل مرة أقرأ له كتاب أرى أنه الأجمل قصائده تعتمد على الأحداث التاريخية والأساطير والفلسفات وهذا يبين ثقافة الشاعر الواسعة والتي يستمتع بها ويستفيد منها القارئ قصيدة الحجازي آخر قصيدة في الديوان رائعة ومتكاملة جدا وهي الأفضل بنظري وأيضا قصيدة أشواق الضفة الأخرى
لحظات من الخدر المتقد في الجبال، شكل أول للوجد، للوجود وللشعر. قُرِئ بصوتٍ نهريٍّ صبّ في القلب الصبّ، بصوتٍ *تندى البراءة فيه فهو منسكب، من لغو طفلٍ و من تغريد عصفور
قد تكون قراءتي لهذا الديوان قد تأخرت بعض الشيء، لكن معرفتي بالشاعر وموهبته الفنية لم تكن متأخرة على الإطلاق، محمد عبد الباري شاعر تحكم الرؤيا الصوفية والفلسفية تجربته الشعرية، يكتب بلغة عرفانية، حين ينعكس أثر الوجود داخل بؤرة الضوء بداخله تتشكل القصيدة، لا يمكن للقارئ العَجِل أن يظفر من شعره بشيء ذي بال ، ربما ظفر بما يظفر الغربال من ماء البحر، لكن المتعة الحقيقية يجنيها القارئ المتأني، لأن مكامن الدهشة في الديوان متعددة، لكن الدهشة المجانية التي لا تبرر جماليات ما في الديوان لن تفيد القارئ، ستكون مجرد ( آهة) إعجاب وكفى، على المستوى اللغوي سنجد المعاني دوما في المستوى العميق لها، ويحكمها التنافر والتناقض وبخاصة في بنية المفارقة ، التي تخلخل توقع المتلقي دوما، أما على مستوى التعبير الفني فاستدعاء الشاعر للتراثي والرمزي والأسطوري يتحكم في التعبير الشعري بشكل واضح ، يغلب عليه التأثر بمحمود درويش، لكنه ليس طويل النفس شعريا كدرويش، ربما ما ينتظره من نضج شعري سيجعل منه علامة فارقة في تاريخ الشعر العربي المعاصر، خاصة أن منهجه يعتمد على أن البقاء في الضوء يؤذي القصيدة ، بمعنى أنه لا يحب جَلبة الشهرة، .
هذا هو ثاني ديوان اقرأه للرائع محمد عبدالباري، وما ازددت إلا إعجابًا بروعة ما يكتب. قرأته بعد ديوان (كأنك لم) أثناء فترة حظر التجول إبان جائحة كورونا -حمانا الله وإياكم- وكان ديوانه صديقًا مخلصًا ومخلّصًا من الأجواء السلبية في الفضاء العام.
مما راق لي من ديوانه: "جلدتُ خيالي ولا شيء كان وأنهكتُ حدسي ولا شيء صحْ
فيا وحشةَ الغَيبِ لما نأى ويا ندمَ السيفِ لما جَرحْ
أريدُكما الآن فاتنزلا عليّ نزولَ النبيذِ القَدَحْ
أنا الجالسُ الآن عند الحوافِ وآخرُ ما أستطيعُ الفرحْ"
***
"ويا أورشليمَ التائهين رأيتُها يطيرُ إلينا صوتُها الآن قائلا:
أسميكمُ الأبوابَ فامشوا إلى دمي وكونوا على كل الجهاتِ مداخلا
ليوشعَ هذي الشمسُ إن حان نجمُكم سيصبحُ بنيانُ العماليقِ زائلا
وإن شيّدوا التاريخَ من كل كذبةٍ فلا تدخلوا التاريخَ إلا معاولا"
قد تخسر الأشجار حكمتها إذا منحت صداقتها لظل زائل ____ أخاف أن تبلغ الأجراس حكمتها وتستحيل إلى صوت بغير صدى
وأن يطالبني الضوء البعيد بما أخشاه: ألا أرى من دونه أحدا
ما زال يعصر في روح نبوءته أن سوف تلمع في التاريخ منفردا
أخاف من خيمة كانت على ثقة من نفسها حد أن لم تحتج الوتدا ____ ماذا أفعل بالليل الفائض عن حاجتي الآن؟ وماذا أفعل بعد امرأة تطفئ هذا العالم حين تنام؟ ___ أود أن أتناهى في الله كي لا أودا وأن أكون خفيفاً على المنازل جدا وأن أرى معجزاتي تقول : لن أتحدى ___ إلى أين يا لغزي الجاهلي ولا منتهى الآن لا مفتتح إلى أين ؟ والوقت لم ينتبه إلى وقته منذ فيك سرح متى سوف تُفصح ؟ حتى الضباب تغرب عن نفسه واتضح أنا غضب صارخ في الصهيل يقول بأن الحصان جمح نفرت إلى وجهي المستحيل ولما وصلت إليه نزح تأخرت دهري عما أريد لأن الذي لا أريد ألحْ