لرواية تبدأ برصد الشخصية المحورية: محمد الغافقي وعلاقته بجده الباشا، وأخيه العسكري، وإصابته بالعمى، وتعلقه بخادمة الجيران، ثم السمسار الذي خانه وأخذ منه زوجته. وفي فلك الحكاية الرئيسية تدور حكايات تتداخل بحكاية الشخصية المحورية محمد الغافقي، الضرير، ومنها حكاية جده الباشا، وحكاية مقبرة الجماجم، وحكايات أخرى لها وظائفها ومضامينها وامتداداتها وتشابك علاقاتها الاجتماعية والسياسية.
كاتب ومترجم مغربي. صدرت له أعمال روائية، من بينها: "ليل الشمس" (1992)، و"زغاريد الموت" (1996)، و"زهرة الموريلا الصفراء" (2002)؛ و"كتيبة الخراب" (2007)، و"المغاربة" (2016). كذلك له ترجمات سردية من الفرنسية من بينها "الموريسكي" لـ حسن أوريد، و"نظافة القاتل" لـ آميلي نوثومب.
رواية ممزوجة بروح المغرب منفصلة عن أي انصهار خارجي فهي مغربية حتى الصميم.... ...كتبها الراوي خالصة لروح بلاده بنسيجه الفكري ...بمعتقدات أوليائه ....بنزق بشاواته وشهواتهم وانفصاماتهم وبلغة عربية دسمة سامية ونسق سردي عال ...تحدثكما هو حال كل العربعن تعطيل لغة العقل وإعمالها تاركاً للدين آن يهرج ويمرج في الإجابات المعلبة كل فقيه يذود عن حمكمه بما ترتضيه مصلحتهومصلحة حمامها .......عاد لنا بالزمن الجميل لأغاني فريد الأطرش ومحمد عبدالمطلب مفنداً للفن فكراً ثقافياً عارجاٍ بسلاسة على سيرة طه حسين وفكره وما للعمى من نصيب كبير في دهاليز هذه الرواية كي أكون منصفآ يجب أن أشير إلى أن الرواية تتطلب نفسآ صبورآ حيث أنها تسهب في تفاصيلها الدقيقة لا ترتجي التشويق على حساب القيمة كما أن البعض قد تكون له المادة المطروحة خارج إهتمامه وبغض النظر عن كل ما تقدم فإن النتيجة المنصفة لعمل كهذا هي كل الاحترام والتقدير .... أرجو لها التقدم للقائمة القصيرة
الرواية المغربية تلفت نظري منذ فترة! وهنا في هذه الرواية التي اعتبرتها من أفضل ما قرأت هذه السنة رأيت بها الاهتمام بالشكل وباللغة وبقوتها، وهي رواية أدبية بامتياز وتاريخية أيضا أحداثها قد تكون بطيئة وبها القليل من التطويل إلا أنك تستمتع بلسانك عندما تقرأ وتستلذ بالتشابيه والمفردات الغائبة عنك منذ فترة مع كثرة القراءة لروايات مترجمة! هنا ترا المغرب بشكل صريح وواضح بتاريخ السلاطين الدموي المتعاقب، بعيدا عن كتب التاريخ التي تمجد كل السلاطين وتتناسى الشعوب التي نهشوا لحمها وشبابها واستنزفوها حتى آلت إلى حالها اليوم! بشكل لا ارادي صرت أقارن بين حالنا كمحتلين وبين الشعوب العربية التي تعيش تحت سلطة أنظمة مستبدة! هذه البلاد أنهكت كثيرا والتاريخ لم يعطها فرصة بعد لتستريح! الكاتب عبد الكريم كان يشهر سوطه على ابناء جلدته أحسست بمبالغته لكنه كان يتحدث كمهزوم ومتألم. الرواية عن الأخوين المصابين بعاهة واحد منهم اعرج والثاني أصيب بعمى متأخر في سن الواحد والعشرين! عاجزين مثلنا لكن بعجز واضح!، وهناك الفتاة صفية التي أحبها الأعمى وقد ترمز إلى الأرض المغتصبة التي يسرقها صديقه منه ويقاوم بالارادة والصبر! فقط الارادة كمحتج سلمي ينتظر لا نهاية محددة لها لأنها تمثل المسلسل السياسي المستمر! رواية تنقلنا من الماضي إلى الحاضردلالة على أننا لم ننته بعد
يستوقفك عنوان الرواية في البداية بتعبير مألوف لدى حسك العامي عندما تصف سلوكا شائعا تستغربه بشيء من الضيق احيانا او بشيء من السخرية او المرح احيانا اخرى فتنطق ببساطة: المغاربة ! ثم يتدخل حذرك الابستيمولوجي ليشكك في طموح رواية الى الحديث باسم مجتمع بأكمله من خلال بضع شخصيات و نسيج من الاحداث، ولأن الكتب لا تكتشف أسرارها من عناوينها يكون عليك ان تتجاوز الغلاف لكي تتعرف الى مغاربة عبد الكريم جويطي، من هم؟ وما خطبهم؟ بلغتها الفصيحة والبسيطة في آن تقترح عليك رواية "المغاربة" نافذة تطل منها على واقع قد تكون جزء منه، تعطيك في البداية انطباعا بأنه ليس هناك الكثير مما يحدث لشخوصها، تحكي لك ما يحدث بهدوء وعمق، تريدك ان تنفذ الى ما هو أبعد من الوقائع، فكل شيء مشروط بالسياق التاريخي الذي انتجه، لهذا استعان عبد الكريم جويطي بثقافته الرصينة لكي ينسج للشخوص والأماكن والأحداث امتدادا في التاريخ الفعلي للمغاربة حيث لن يكون لها معنى الا في سياقه. الكتابة بالنسبة للروائي هي موقف وفعل مقاومة إزاء واقع يتمثله بكل عيوبه و أعطابه، لهذا يدافع جويطي عن خيار الكتابة باسم المغاربة قائلا: "الكتابة هي فعل المقاومة الوحيد والمتبقي في بلد صمتت طيوره عن الغناء،وصارت أزهاره ترفض أن تتفتح في الصباح، وتوقفت أشجاره عن النمو،بلد أتى عليه حين من الدهر صارت فيه رايته منشفة يجفف به المغنون التافهون عرقهم في السهرات، والعاهرات يحاضرن فيه عن الفضيلة، واللصوص يقومون فيه بالدعاية لمحاربة الجريمة، والماضي يشرف فيه على التحديث." ص 145 لا تبدو الرواية متسامحة مع جراح من أسمى روايته باسمهم،انها على العكس من ذلك تتوقف عند كل جرح، تتأمله على ما هو عليه، مهما بدا غير قابل للعلاج. بعض الجراح تتعلق –على الأقل في ظاهرها- بفرد متعين، كالعمى او الاعاقة الحركية او الاضطراب النفسي لكنها تجد ،عبر متن الرواية، الخيوط المنطقية التي تقودها الى الذاكرة والهوية الجماعيتين حيث يصير مصير الفرد –على قسوته- متوقعا ومفهوما. تتعدد التفاصيل لكنها تنطق بالحقيقة نفسها: احتقار الحياة الإنسانية و اعتبارها بدون قيمة. إنها الحقيقة التي نطق بها طغيان القواد فيما مضى، وجلادو سنوات الرصاص، و أبطال التاريخ الدموي الذي بقيت المقبرة الجماعية شاهدا عليه. هي الحقيقة نفسها التي عصفت بمستقبل العسكري العائد من الحدود باعاقة حركية دائمة، و حكمت على محمد الغافقي بعمى أبدي، وتركت الخبير فريسة اضطراب نفسي لما تبقى من حياته. كيف يمكنك ان تعيد الاعتبار الى كينونتك كإنسان؟ كيف يمكنك ان تقاوم؟ سار الجد على حمارته في نزهات طويلة قبل ان يموت كمدا على أرض، بأشجار وحقول، انتزعت منه بلا رحمة، وأقام البوكمازي حديقة وسط الرمال على الحدود قبل ان تتناثر أشلاؤه حوله.. ولعب الحاج فرح -وهو العبد المخصي- دور الباشا الصغير في مسرحية فاشلة،وأقامت "الشيخة رقية" في كهف بالمقبرة الى حين موتها، وصار حسن أوشن "ذا عاهة جبار" الكل يقاوم على طريقته، لكن الأخوين الغافقي سلكا الطريق نفسها: بعد ان يئس العسكري من اسماع صوت احتجاجه انكفأ على الكتب، كي تسعفه –ربما- لرؤية الواقع من زوايا اكثر شمولية و وضوحا، بما يجعله مفهوما ومن ثم قابلا للتحمل، وكان هذا لحسن حظ محمد فقد هيأه شقيقه لمصير العمى بالمزيد من الكتب.. تثق الرواية في قدرة الكتب على منحنا قدرة أعمق لاستيعاب ما يحدث حولنا مهما بدت تفاصيله متناثرة و منفصلة عن بعضها البعض.. فالتجربة الانسانية في العمق تحمل أبعاد مشتركة، وإذا تحدثت بعض "الهذيانات المغربية" التي تضمنتها الرواية عن المغاربة بلهجة قاسية فذلك – بالتحديد- لأنها تتحدث إليهم، بشكل صريح أحيانا و عبر شخوصها المتخيلة أحيانا اخرى، لنتوقف مثلا عند صفية (الارض) التي يسلمها أهلها بكل بساطة لرجل أعمى بالكاد يعرفون عنه شيئا، ثم صراع رجلين (كلاهما أعمى) من اجل صفية، أحدهما - و هو محمد- يعتبر ارتباطه بها حقا مشروعا له، بينما حسن أوشن يحصل عليها فعليا كزوجة بالاحتيال على صديقه.. لنلاحظ ان صفية نفسها لم تعبر عن أي رأي في الموضوع الى نهاية الرواية،انها على الأرجح تلك الأرض التي يحبها البعض بصدق دون ان يكون لهم نصيب منها، و يحتال البعض الآخر و ينجحون في اغتصابها. يبقى ان محمد الغافقي اتبع طريق مقاومة سلمية قض بها مضجع غريمه بحيث دفع به في النهاية الى الاقدام على الانتحار، رجلان مصابان بالعمى يتنازعان حول صفية دون ان تكون لأي منهما في النهاية، يجسدان مأساة شعب عاجز عن تجاوز أعطابه ليعيش على أرضه كما يستحق. هل تخبرنا رواية "المغاربة" شيئا جديدا؟ ربما لا تفعل، لكن ما يجعلها جديرة بالاهتمام طريقتها في إخبارك بهدوء وجهة نظر تجعل لما تعرفه أصلا معنى ينزع عنه عبثيته الظاهرية والمضللة.
المغاربة – عبد الكريم جويطي هي القراءة الثانية لهذه الرواية التي ملأت الدنيا وشغلت البال. تحكي الرواية، بطرق مبتكرة، قصة محمد الغافقي الذي يفقد بصره في مقتبل الشباب، ومن خلاله يتراقص النص بين حقب من تاريخ المغرب (مغرب الاستعمار، زمن الرصاص، حرب الصحراء، صعود البورجوازيات الجديدة..)، وأخرى متخيلة تذكر بروايات أمريكا اللاتينية العظيمة؛ ومع ذلك فهي ليست تقليدا مجردا للواقعية السحرية ولا رواية تاريخية كلاسيكية: إنها المغاربة. مغرب غير رسمي، غير مكتوب، غير متاح لغير أديب مرهف الحس والإنسانية يكتب بعين أنثروبولوجي يمتح من تراثي المغرب الشفهي والمكتوب والأدب العربي، ويعرف كيف يوظف كل ذلك في سياق سردي بارع. (في مقهى تاصميت ببني ملال، كنا - أنا والروائي وصديقان عزيزان – نحتسي شايا مخضبا بالذكريات، حتى وجدتني أتبادل أطراف الحديث مع إحدى شخصيات الرواية.) يجرّب جويطي أبوابا من السرد جديدة، فأنت تقرأ في الرواية مراجعة لكتاب الأيام لطه حسين، وشذرات جندي معطوب وتأملات مثقف حول تاريخ بلده وحوارا مسرحيا بين هملت وهوراشيو واقتباسات مبتكرة من النص القرآني والتراث العربي، جنبا إلى جنب مع قصة باشا المدينة و"شيخة" قديسة وتأملات أعمى غر يضيع الحب مرتين: مرة في باب العمى، ومرة وهو لا يعرف من العالم غير ما يسمعه.. كل ذلك في شبكة واحدة تنسج على مهل في هذه الملحمة المغربية. لغة الرواية باذخة حد الدهشة، موجعة وساخرة معا، حتى إنني، بادئ الأمر، بدأت في تسجيل جملة اقتباسات؛ لكنني وجدتني بعد حين ذاهلا أمام صفحات كاملة من الجمال الباذخ، فجعلت أضع سطورا وعلامات بدل نقل كل تلك الفقرات شديدة الجمال.. (في تدوينة لاحقة سأضع بين يدي القارئ أزيد من 100 اقتباس ساحر من هذه التحفة المغربية.) لقد صالحتني هذه الرواية مع الأدب المغربي بعد أن فقدت الأمل في قراءته. إنها رواية لا تقرأ مرة واحدة.
تاريخ النزاع على الصحراء الغربية، الأخوة، الإعاقة، الروحانية... مع لغة مملة والكثير من السرد الذي لا طائل منه والاقتباسات التي بدا لي أن لا هدف منها غير استعراض نصوص راقت للكاتب.
كان لي الشرف، أن أقدم هذه القراءة على مسامع الكاتب ------------------------------------- المغاربة، من منا لم تتردد هذه الكلمة بشكل دائم في حياته اليومية، عنوان يوحي على الكثير، ويفتح أبوابا عدة للتساؤل والاستفسار، عنوان متعدد الأبعاد والتطلعات، هو عنوان فلسفي يجعلنا نتسائل حول ماهية وجودنا، وعنوان سياسي يضعنا أمام أزمة الهوية الوطنية، عنوان تاريخي يعود بنا للماضي لعلنا نهتدي لحقيقة نشأتنا وتطورنا، وأخلاقي يخط لنا مبادئ مشتركة لعلها توحدنا ------------------------------------- المغاربة، عبارة تكتنز الكثير، كلمة تنبع من عمق الأنثروبولوجيا، وتُحير السوسيولوجيين كلمة لم تجد لها الجغرافيا حدودا على الخريطة، ولا التاريخ نجح في حصرها داخل خط زمني محدد، كلمة تَحدت جميع القيود وحطمت الكثير من أصول المنطق ------------------------------------- تحكي الرواية عن قصة محمد الغافقي، هذا الشاب المكفوف الذي جسَّد به الكاتب حالة شعب بأكمله، مكفوف لقي حتفه مجنونا بعد قصة حب مبهمة، مكفوف حارب مكفوفا أخر في سبيل فتاة مبصرة، فراح الإثنان في مصير مجهول ذهب ببصيرتهما هي الاخرى، مكفوفان كانت أخر ذكرياتهما عبارة جنونية: إنه زمن الجنون الكبير والعمى الهائل يا صديقي ------------------------------------- إن حالنا كمغاربة لا يختلف عنهما إلى بالنزر اليسير، نتصارع فيما بيننا في عز حاجتنا للوحدة والتكافل ------------------------------------- سؤال محرج أجبرنا جويطي على مجابهته في الرواية، كيف يمكن لذوي الاحتياجات الخاصة أن يحيوا بكرامة في مجتمع يفتقر أصحائه لهذا الشرط؟ كيف لمكفوف أن يحيى دون أن يتعرض للاستغلال الأهوج، وكيف لمعطوب حرب ان يُتمم حياته مهمشا بعد ان أفرغ مخزونه من الحياة في الحروب ------------------------------------- من خلال هذه الشخصيات المهمشة، أبدع الجويطي في تشخيص حالة المجتمع المغربي تشخيصا متقنا وجريئا لأبعد حد، وبعبارة أخرى، نجح في أن يرينا من خلال مرآة التاريخ حقيقة وجهنا كمجتمع ------------------------------------- في هذا العمل التشخيصي، لم يعتمد عبد الكريم أي مَخرج من مخرجات التشخيص التقني، بل اعتمد تشخيصا تاريخيا محظا. من خلال التاريخ فقط، نجح في تشخيص حال مجتمعنا، وكانت روايته هاته بمثابة نتائج الفحص الذي نبأنا بسوء حالنا، وحاجتنا الماسة لشفاء فعال وعاجل ------------------------------------- الأن دعوني أحدثكم عن أساليب التشخيص المستخدمة هاته، إنه التاريخ يا سادة، عبد الكريم أبدى في عمله مجهودا بحثيا عميقا حول تاريخ المغرب، من زمن السلاطين العلويين الأوائل وحتى زمن الملوك الحاليين، مرورا بفترة الاستعمار ومن برز فيها من قواد وباشوات. كلها فترة غطتها الرواية بدقة داخل قالب روائي ممتع، معلنة عن نجاح جويطي في تسخير قوى التاريخ من أجل الإبداع الأدبي الصارخ. إبداع جال به الكاتب بحرية بين أصقاع جغرافية عدة، من مصر رفقة طه حسين، إلى القايد لغناوي والعيادي ووغيرهم من السياسيين والأولياء الصالحين المغاربة ------------------------------------- هكذا سيجعلك هذا العمل تقابل أعلاما عربية وأمازيغية عدة في الفن والسياسة والعلم والدين، شخصيات تركت بصمتها في التاريخ، فالراوية هي مخزون مُغري وقاموس متميز للأعلام والاقوال المأثورة والخالدة. هي تجسيد لتاريخ مغربي دامي نعيش امتداده حتى اليوم، تاريخ بلور في مخيلتنا الجماعية عقدا نفسية وأوراما مجتمعية يصعب التخلص من خبثها دون إرادة حقيقية ------------------------------------- المغاربة هي رواية تُعري واقع المجتمع المغربي، بمنطق سليم قائم على ضرورة تشخيص الامراض من أجل علاجها، وليس فقط الاكتفاء بحجبها والتظليل بشأنها ------------------------------------- في الأخير، فإن عنوان الرواية وغلافها يُتممان بعضهما ليَخرجا بتلخيص موجز لفكرة هذا الكتاب الفواح بعبق البخور المغربي الأصيل
عمل إبداعي رائع، لغة راقية، افكار عميقة فلسفية، كتابة شِعرية وأسلوب سرد سلس ،حب ، فن، تحليل و نقد لتاريخ المغرب و المغاربة اعتمادا على مصادر تاريخية أصلية. تطرقت الرواية لمواضيع كثيرة اجتماعية وسياسة يصعب علي ذكرها كلها.
وإذا أحسنتُ القراءة فإن حكاية محمد الغافقي و شقيقه العسكري و صفية هي نظرة أخرى لتبسيط فكرة الرواية. إن المغرب هو صفية الجميلة و المغاربة قسمهم الكاتب إلى ظالم و مظلوم و خائن وذلك من خلال ثلاث شخصيات؛ محمد المسالم الأعمى الضعيف الذي أحب و " باغي المعقول" و العسكري المثقف، الثائر، المدافع عن الحق والوطن، ثم حسن السمسار، الذي غدر و خان الوطن. والعمى ذريعة و عذر لتبرير أخطاء المغاربة و للأسف مازلنا عميان تُجاه هذا الوطن وتاريخه " إنه زمن الجنون الكبير والعمى الهائل، يا صديقي.. " ص 399
سعيدة جدا بإضافة هذا العمل الفخم لمكتبتي المتواضعة، و لأنني قرأته في ظروف صعبة و قاهرة إلا انني حاولت التركيز على مضامينه التاريخية، السياسية والاجتماعية لكن عليّ و ضروريٌ ان أعيد القراءة مرات أخرى فمع كل قراءة جديدة تتجد الرؤيا و المتعة.
خالص المودة والاحترام والتقدير للكاتب المغربي عبد الكريم جويطي الذي بهرني بعمله ثورة الأيام الأربعة و المغاربة و أنا جد متحمسة لقراءة باقي أعماله. ----- رواية المغاربة / عبد الكريم جويطي 399 صفحة جائزة المغرب للكتاب / اللائحة الطويلة لجائزة بوكر العربية /2017 ------ اقتباسات ".. أنا شاهد فقط على ما جرى لي، حياتي عاشها إنسان آخر غريب عني. حين أتذكر بأني كنت على حافة الانتحار أو الجنون، أستعظم القوة التي جعلتني أفلت من الأمر. تلك القوة غريبة عني، ولا أحسّ أنها وجدت في يوم ما لدي. وبما أن القوة التي جعلتني أجتاز المحنة غريبة، فلا شك أن الضعف الذي أحسه الآن هو ايضا غريب عني. أنا حصيلة حالات غير أصيلة، أنا عاصفة و أنواء، أنا ريح مالت حين لا تميل الحياة.. " ص 23 ____ " موت.. موت مَن منا لم يمُت، وأمام عينيه، شيء ما فيه: يد، رجل، عين، حاسة، فرح، شهوة جنسية، أحلام، حب، وطن، إيمان بقضية، أوهام، صداقة. مَن منا لا يسري الموت في عروقه كالسم.. الحياة مقبرة فسيحة بلا حدود ولا شواهد لكلّ ما ينطفئ فينا، ولكل ما هو منذور فينا للانطفاء، فلا شيء يدوم سوى المرارت.. " ص 44 ---- " لو حوَّل المغاربة فائضَ طاقة عدم الرضى عن البلد إلى طاقة تغيّره نحو الأفضل، لخلقوا منه جنّة عوض جهنم التي يشتكون منها." ص 125 __ " اللغز لغزٌ فقط لمَن يَحُول حجاب ما بينه وبين الشيء. ماذا لو اكتشفنا في يوم قادم بأن الروح ليست سوى تركيبٍ حاذق لعناصر في الجسم تتفاعل بينها و تصنَع الحياة، وحين يختلّ التركيب تنتهي. ولا شيء يهجر الجسد و يحلِّق في السماوات إلاّ جهلنا و غباؤنا." ص 168 __ ".. هناك سؤال أخلاقي كبير يجب أن يطرحه هذا الشعب على نفسه، الدولة ازدردَت كل جرائمها بجُرعة ماء الإنصاف والمصالحة، ومرَّرت قطناً ينزّ بيتادين على الجراح المتقيحة التي ينخرها الدود. هل صارح هذا الشعب نفسه يوما واعترف بجُبنه وَصَغاره حين كان الناس يُساقون في الليل إلى المسالخ كالدواب، وحين كانت الأبواب تكسر والناس يختفون والأسر تشرّد لأنهم يقرؤون جريدة، أو ضبطت لديهم منشورات أو كاسيت للشيخ إمام أو كتاب للنين؟! ماذا فعل الجار لجاره وهو يراه يُسحل، والصديق لصديقه، والرفيق لرفيقه؟! كانت الحياة تستمر بعد الجريمةفي العمارة والحي والمدينة والحزب والتنظيم كأن ما رأوه وما سمعوه وقع في فيلم السهرة المرعب فقط،... " ص 195-196 ___ " يكفي أن تفتح كتاب تاريخ وتتصفّحه لتعرف كم من الدماء سالت في هذا البلد، وكم من الرؤوس حزَّت، فبعض السلاطين كانوا يصدرون Bon de commande لقوادهم ويحددون فيها عدد الرؤوس التي يجب أن تصلهم، كما يفعلون، تماماً، حين يطلبون الزيت والعسل والسمن لقصورهم. تاريخنا إجرامي وهمجي، يا أصدقاء، لم يرتَحْ فيه السيف أبداً. " ص 294 ___ " إن إدمان قراءة الروايات لا يجعل منا أناسا أكثر معرفة خبرة بالحياة، وإنما يخلق الدون كيشوت بداخلنا الحالم، والمنزوي والذي لا تُقرِّبه القراءة ممّا يحدث، بل تُبعده عنه.. " ص 333 ---- " الناس يصنعون الضحايا ويلتذّون بالشفقة عليهم بعد ذلك " ص 337 __ " تتذرع الإدارة بالعنصر البشري المؤهل، وحين يوجد تتذرع بالوسائل، وحين تتوفر تتذرع بغياب المحفزات، وحين تعطاها تتذرع بكونها منكبّة على الأولويات والدراسات التقنية. هناك متاهة جبارة من البيروقراطية التي تتقن التظاهر بأن العجلة تتقدم، بينما لا شيء يتقدّم إلا الفساد و التحايل. للأسف،نحن جزء من ذلك ولا نستطيع ان نواجه سيلاً عاتياً. " ص 343 __ " الحب هو أهمّ حكاية يعيشها الإنسان في حياته. كلّ الأشياء الأخرى النجاح، المال، الجاه، الحظوة وحتى الحرب أمور تافهة. أهم ما يقع لنا في حياتنا يحدُث حين نحب و نتعذّب..... الحب هو البطولة الوحيدة في حياتنا. الباقي تفاهات وصخب فارغ. "ص 350 ---- " كم أكره ثرثرة الإذاعات حول الأمراض والحياة الزوجية وكيفية التعامل مع الأطفال وفضائل الأعشاب ومشاكل الشباب. وتلك الاتصالات الغبية لأناس في حاجة إلى سماع أصواتهم، وأولئك المحلِّلون النفسيون و الاجتماعيون الذين ومن جملة واحدة لمتَّصل معذَّب يفهمون تعقيد الحياة ويعطون الحلول الناجعة لأعطابها. كم يبدو العالم في المحطات الإذاعية بسيطا وساذجا و بالإمكان حلّ مشاكله بالثرثرة فقط؟! " ص 367 ___ " لا نعرف أهمية بعض الناس في حياتنا إلى حين يبتعدون و يتركون لنا اختلالات و خصاصا هرولا، لا يملك مفاتيح ملئه إلاّ هم." ص 384 ___ " إنه زمن الجنون الكبير والعمى الهائل، يا صديقي.. " ص 399
احترت في تقييم الكتاب منذ الوهلة الأولى؛ فهو مزيج من قراءات في شواهد من التاريخ و استخلاصات شخصية للراوي أو الكاتب أو لهما معا من يدري، من قبيل التعميمات التي تقرأها في تعاليق الجرائد الإلكترونية او تلك على الجاريات الزرقاء. وددت لو أن هذا الجانب بالذات نال حقه من التحقيق والتدقيق وذكر مصادر البحوث السوسيولوجية والانتروبولوجية اللازمة. على الرغم من هذا فلا يخلو الكتاب من افكار تبعث على البحث واعمال الفكر. من جهة أخرى، راقني الاختيار الموفق لشخصيات الرواية، الماخوذة رأسا من واقع "المغاربة". على كل يبقى الكتاب جديرا بالقراءة
كان أول ما بدأت به يوم السبت الماضي هو بداية قراءة رواية لطالما سمعت عنها الكثير مما قيل فيها وعنها. وقد كان علي أن أنتظر مدة طويلة، حتى الحصول على نسخة ورقية للإستمتاع بهذه الرواية التي تشدك إليها، فكل فصل فيها يطوح بك نحو التالي ومنه نحو النهاية... يومان قضيتهما بتذكرة سفر واحدة إلى بني ملال، هناك حيث نلتقي بمحمد الغافقي بين أهله وعاشور الصغير في حضرة الباشا. يصور الروائي بأشد الطرق قسوة وأكثرها واقعية حياة محمد قبل الإصابة بالعمى بقليل، حيث عاصر وعايش وفاة جده الباشا، وبعد إصابته، وتقرير دخول معركة الظلام القاسية علاقته بشقيقه العسكري الذي كان أقرب الناس إليه، على اختلاف أرائهم. في خضم هذه الحكاية تتداخل حكايات أخرى، ووقائع من تاريخ المغرب العريق، تاريخ البطش والدم، وتاريخ من الإنفصام. -ولعل ماذكرته لايعدو أن يكون سوى نقطة ماء من بحر عميق، لابد لمن أراد أن يغترف منه قراءة الرواية...
أحسد الأشياء لأنها لا تتعذب بحثاً عن هدف لحياتها : الخنجر يذبح، والبندقية تطلق النار، والكرسي معدّ للجلوس. ليتني شيء يعرف ما هو منذور له في هذه الحياة.
*
أتذكر، يا هوراشيو حين كنا نريد أن نسقط النظام بالمسرح والأندية السينمائية، وأغاني الشيخ إمام، وشارات النصر، وسراويل الجينز، والشعور الطويلة، وقراءة ماركس ومهدي عامل ..
هوراشيو: نعم يا مولاي أذكر ذلك.
هاملت: ما أغبانا يا هوراشيو . . لم يكن النظام في حاجة إلى الضغط على الزناد فقد سلَّط علينا أصحاب: («أحد.. أحد»، و (جيش محمد سيعود)) وعود الأرك، وكلّ شيء عورة، فصرنا نتصارع معهم كالديكة وهو يرقُب المشهد بانتشاء غامر . .
هوراشيو: نعم يا مولاي، كان النظام ينظر إلينا ضاحكاً، ويودِعنا في السجن جميعاً لا بتهمة المسّ بالأمن العام، والرغبة في الإطاحة بالنظام، وإنما بتهمة الشجار، وتبادل الضرب والجرح الحقيرة كأننا سكارى في حانة.
*
عرض عليّ العسكري بأن نتمشى قليلاً . وضعتُ يدي في يديه، سِرْنا، وصمتُه يعبِّر بشكل أرحب عن حزنه الشديد على فراقهما، وعلى غير ما توقّعت قال لي :
- أتعرف بيت المتنبي :
ممّا أضر بأهل العشق أنهم
هووا وما عرفوا الدنيا وما فطنوا
- فقال لا بعد صمت طويل :
- الحب هو أهمّ حكاية يعيشها الإنسان في حياته. كلّ الأشياء الأخرى النجاح، المال، الجاه، الحظوة وحتى الحرب أمور تافهة .
أهم ما يقع لنا في حياتنا يحدُث حين نحب ونتعذّب .
لم أجِد ما أقوله وحتى إنْ كان لديّ ما أقوله، فسيُبقيه، حياء قائم بيننا، حبيسَ دواخلي:
- أتعرف لماذا الحب خطير في حياة الإنسان؟ تمتمتُ وأنا أفكَّر في مفعول دم المسيح الذي شربه :
لا-
- لأن من يُحب، يقوم بحركة ضدّ ما فطر عليه كون كلّ شيء فيه ينفصل ويبتعد ويتنائر. لا شيء يكتمل في الكون إلّا حين ينأى عن شيء آخر. بالحبّ يسعى المُحب للاتصال مع محبوبه يريد رتق ما انفتق. لذا تجيّش الحياة كلّ قواها، وتحاربه بالزمن والناس والتقاليد. الحب هو البطولة الوحيدة في حياتنا. الباقي تفاهات وصخب فارغ.
*
دخل حضرته كالعادة بخطى نمر. كان الحاج فرح يحدِّثنا عن كارثة كوننا شعب لا يقرأ ثم سكت فجأة، وسمعناه يفتح الباب وبعد لحظات قال لنا حضرته :
- تفضلوا. تفضلوا. ليلتكم سعيدة.
وطلب من الحاج أن يُسمعه ((من غير ليه)) لمحمد عبد الوهاب، لا أعرف لماذا أحسستُ بأنّ حضرته اختار الأغنية من أجلي أنا فقط. هي رسالة منه إليَّ، فكلمات الأغنية تجاوزت السطح اللاهي للحياة، ونزلت إلى القعر المُظلم الذي يحوي السرّ الأعظم للوجود :
لماذا نحن هنا؟ ومن أين أتينا وإلى أين نسير؟ وأليست حياتنا سوى :
مشاوير. مشاوير. مرسومة لخطاوينا نمشيها في غربة ليالينا .
وأنّ ما نقوم به في هذه الحياة ليس سوى برق خاطف سرعان ما بستعيده الظلام الثخين. لا حسابات تنجح مع الحياة، ولا رهانات أيضاً . نقرِّر وبكثب ما سيقع بعيداً عنّا ونأخذ من نواصينا لنعيشه كما هو، كما كتب حرفياً بمداد القساوة والدموع :
حتى في عزّ عذابي بحبك .
ومن أين يمكن أن نشحذَ معنى حياتنا وضياعنا بين أسئلة لا أجوبة لها، وسط كلّ هذا الليل والضياع والسير بلا هدى في صحراء لا حدود لها؟! لا نملك إلّا أن نحبّ، لأنه الأداة الوحيدة التي بإمكاننا أن نصنع منها شيئاً يبقى ويقاوم. بالحبّ نهبُ روحاً لحياة يفتك بها الضجر ونهبُ معنى لخرق وجود ممزَّق ومتناثر :
وأنا من غيرك. . كل حياتي تضيع. . تضيع معانيها .
غير أنّ الحب هشّ ومهدَّد، ولا يمكنه أن يهِبَنا إلّا أماناً يحوم حوله الخوف. الحب عاجز عن حماية نفسه لهذا حين نحبّ نتعذّب :
خايف طيور الحب تهجر عشه .
وترحل بعيد
خايف على بحر الدفى
ليلة الشتا
يصبح جليد.
كأنّ حضرته أراد أن يقول لي بأنّ الحياة هي ما عشته وأعيشه فهي: «سكة عذاب فيها أحباب))، لكنني وأقولها بمرارة لا تكاد تفصح عن نفسها: لو أراد الباشا أن يُنهي معاناتي بكلمة واحدة لَفَعَل. كلمة واحدة ويردّ لي المحتال صفية وهو صاغر، وكلّ هذه التأملات حول الوجود التي يقولها لي على لسان محمد عبد الوهاب كاذبة. بيده أن يُنهي عذابي إنْ أراد. لكنه لم يفعل لأنني وفي تراتبية علاقته معنا أوجد تحت المحتال. سيغضب عليه لأسابيع أو لشهور، ثم سيجد له مخرجاً ليعفو عنه، ويُعيده إلى الدار كأنّ شيئاً لم يكُن .
يكاد المحتال يكون ابن الدار، أمّا أنا فلا شيء. اقتضى سياق ما أن أكون هنا، وحين سينتهي لن يدعوني أحد ولن يلتفت لي أحد. آنذاك سأعيش ما عاشه كُثُر اعتقدوا أنه لا غنى عنهم وحين انتهى أمرهم صار عسس البوابة الكبيرة الذين كانوا يحيّونهم بإجلال كبير يقولون لهم: ((مَن أنتم»؟
انتبهت لحضرته وهو يقول :
- قلت مرة لمحمد عبد الوهاب حين تقف أمام المرآة وترى نفسك هل ترى شهرتك ونجوميتك وإنجازاتك وصوتك الدافئ؟
أجابني: لا
لا لا أرى أيّ شيء. هذا يخصّ الآخرين، هم الذين يرون فيّ هذه الأشياء، أمّا أنا فأرى أثر النوم علي، وهل ذقني في حاجة إلى حلاقة. أرى في الإنسان البسيط الذي عليه أن يواجه يومَه ويرتِّب أشغاله ومواعيده. وبعد صمت أضاف: بداخلي نار تلتهم بشراسة كلّ ما أنجزته وتُنهيه ولا تترك لديّ إلّا طاقة التفكير في ما سأنجزه لأعطيها ما تأكل .
واقع مغربي بين الحاضر والماضي بدون مساحيق ماكياج عالقة بين الأزمنة..مقارنات شتى تدور بك في حلقة مفرغة ..و تريك أن عجلة التنمية لا تدور ومتوقفة كما شيء لها منذ أزمنة غابرة وبعيدة..هنا المغرب بكل آهاته و واقعه و جراحه..مغرب حقيقي بدون زيف ..
_قبل قراءة الرواية لابد من قراءة الكتاب وعيونه، ومن بين هاته العيون نجد العنوان الذي يطرح عدة تساؤلات في ذهن القارئ المستكشف لأول مرة ويبعث في داخله الفضول الكبير لسبر أغوار الرواية، كقراءة أولية للعنوان و الذي هو جملة إسمية تتكون من خبر لمبتدأ محذوف مقدر " نحن" او "هم" كمل تظهر لمحة إنتماء جغرافي "المغاربة" و التي تدل على الشعب المغربي الذي نحن جزء منه. العنوان بمجمله يجعل القارئ يطرح عدة تساؤلات حول مضمون الرواية، فهل سنلتقي المغاربة ام بعضهم ؟ وهل سيتمكن الجويطي من تعريفينا بهم ؟ اما بالنسبة للخلفية و التي تحمل لوحة بتوقيع الفنان غويا فقد كان الكاتب ذكيا و قام بخطوة إستباقية حيث أنه قرأ ما يعتمل داخل القارئ وعبر عنه في غلاف الكتاب مما يزيد من تشويق القارئ و يدفعه إلى الإسراع في سبر أغوار الرواية. _يجدر الإشارة إلى كون الكاتب من مواليد 1962 ببني ملال عنل كمديرا جهويا بوزارة الثقافة صدرة له عدة اعمال من بينها " ليل الشمس" زغاريد الموت" _تتحدد رواية المغاربة للكاتب المغربي عبد الكريم الجويطي في 399صفحة موزعة على 33 فصلا بعضها معنون والأخر يقترح على القارئ الإختيار بين إمكانيتين للعنونة، تبدأ سطور الرواية الأولى من مدينة بني ملال في الفترة الممتدة من أوائل القرن 18 حتى أواخر القرن الماضي، هناك تبدأ معاناة الفتى محمد الغافقي مع رهاب العمى حيث أن طفولته وسمتها إصابة عينيه بمرض يهددهما بالعمى، ومحاولة جده تجنيبه هذا المصير عبر زيارة موسم ديني وتجريب طميه المقدس كعلاج غير أن ذالك لم ينفع. سيموت الجد بسسب إنتزاع بستانه منه بتجاوزات من السلطة.وسط هذا الإضطراب سيعود من الصحراء المغربية الأخ الأكبر (العسكري) معطوبا إد انفجر في وجهه لغم أرضي فسبب له جسديا عاهة عرج مستديمة و أزمة نفسية كادت تجهز على حياته منتحرا في أحد المستشفيات، سيبدأ العسكري في كتابة ما وقع له من خلال شذرات تنضح ألما، كما سيأخد على عاتقه ومثلما كان يفعل الجد مهمة إنقاذ أخيه من العمى، لكن هو الأخر سيفشل في ذالك. سينشغل محمد الغافقي بعماه القادم، في محاولة إنقاذ نفسه، ووسط هذا الواقع القيامي الغريب سيتم إكتشاف مقبرة جماعية لجماجم بشرية بدون هياكلها والتي كان عددها مثير للشك ستظعنا أمام افتراض حذوث إبادة جماعية،هذه المقبرة ستدفع السلطات لجنة لتقصي في أمرها، وهي اللجنة التي ستسلمنا لحكاية الخبير الأركيولوجي الاعمى الذي سيكشف لنا وقائع من سنوات الرصاص، حيث أن الأجهزة الأمنية ستقتل والده وتدعي بأنه انتحر مما سيتسبب في موت والدته وجنون أخته. ستنتقل بنا الرواية إلى سن 21 حيث سيصاب محمد محمد بالعمى مما سيقلب حياته رأسا على عقب، وفي خضم هذه المعانات سيعيش حذثين سيغيران مجرى حياته، الأول حيث سيتم إستدعاءه ليصبح الى جانب مجموعة من العميان. مؤنسا للباشا طه إبن الباشا عبد السلام وحفيد القايد فالباشا بوزكري الذين طبعا زمنا عنيفا من الشطط و الإستهتار والهلوسة والتسلط والفاسد. ليكتشف في الأخير تعرضه للخذاع،. أما الحذث الثاني فهو وقوع محمد في حب صفية خادمة الجيران، هذا الحب سيذفعه إلى طلب المساعدة من حسن السمسار، أحد زملائه في المجلس بمرافقته إلى واد ايت بوݣماز للظفر بصفية، هذا الأخير سيخونه وفي غفلة من أمره سيتخذ منها زوجا له، هذه الخيانة القاسية ستذفع محمد إلى القيام بمجموعة من المحاولات لإستعادة محبوبته، أخر هذه المحاولات ستؤدي إلى نشب صراع بين الأعميين سينتهي بهما مرميين داخل سيارة إسعاف. وهو المشهد الذي تنتهي به الرواية في استرجاع دائري او حلزوني، حيث تصور لنا حسن وقد فارق الحياة و محمد شبه ميت، وهو يتحسس جسده ولا يفرق بين دمه ودم غريمه وكل شيء يتلاشى أمامه. لقد كشفت رواية المغاربة عن فهم عميق لقضايا المغرب، و لإشكالية العمى، ذاك العمى الذي يجعلنا لا نرى الاشياء التي يجب أن نراها. ومن تجاليات العمى في الروايات : _العمى البيولوجي : كفعل إرتكام مجازي بالعالم _ العمى الرمزي : الذي يقودونا إلى الارتطام بالحائط من دون ان ندرك ذالك _العمى التاريخي: الذي يجعلنا لا ندرك التاريخ _العمى السياسي: الزواج المشؤوم للعقار بالسياسة عمى ترك التقاليد تشل طاقاتنا و تحجب عنا المستقبل وتسجننا بالماضي. كما نلاحظ انه الرواية يطغى عليها حضور قوي لتيمة المخزن، بل قامت بتأريخ وتتبع كرونولوجي لهذا المفهوم و الاستراتيجيات التي يتبناها هذا الأخير : _استراتيجية التدجين (البرقيات) _استراتيجية الإغواء (مزاحمة الأرامل في الهبات و غيرها) _ استراتيجية المماطلة (عنف و اذلال..) _ استراتيجية فرق تسد وكختام يقول جويطي حول رواية المغاربة "هي ترفع عن كل حصر زمكاني للرواية، عبر الاعتراف بالانسان بمنوط عن المكان" ويقول " المدينة الحقيقة هي التي تقتل كل روابط الدم وتعلي رابط المكان و بأنه يجب على المدينة أن تكون مضيافة لأهلها. إقتباس: في ركن مهمل من روحي تتجمع كل الدوافع، والشهوات والأحلام التي فقدتها، كما تتجمع خردة لا طائل من وراءها. هنا ترقد عدة غزو للحياة لن يتم أبداً : سيوف شهوات لن تبرح أغمادها ، رماح قوى صدئة تتكئ من الـوهـن على بعضها، خوذات أحلام مدحورة، ودروع مشاعر بريئة ومتفائلة تجاه الحياة أهيل عليها التراب .
هل يمكن لرواية واحدة أن تختزل السياسة، و التاريخ و الدين و الدراما : نعم ، رواية المغاربة عمل ملحمي يقوم بتشريح كل أعطاب الشخصية المغربية، تاريخنا البئيس، وواقعنا المر في قالب سحري، بعد قرائتها من الممكن ان تصبح أقل شوفينية لكن بالتأكيد أكثر إدراكا لحقيقة هذا الوطن المنكوب.
رواية عميقة و مغربية حتى النخاع، لغة الرواية دسمة متوسطة الصعوبة و اسلوب الكاتب في السرد رائع.تتحدث الرواية عن محمد الغافقي المصاب بالعمى و أخوه العسكري الاعرج الذي أصيب دفاعا عن الوطن و تحديات الحياة في ظل العاهة و المجتمع و السلطةو الحب، أحب بطل الرواية خادمة الجيران و هو يستمع لصوتها الجبلي و هي تغني تاماوايت خلال حمامها الاسبوعي، تتحدث الرواية ايضا عن تكتل السلطة في يد عائلة الباشا بوزكري الجد والاب و الابن في عهد الحماية و المكائد التي كانت تحاك للوصول للسلطة و الحفاظ عليها، رواية مغربية من خلال شذراتها و روحها و أحداثها التاريخية و السياسية مستخلصة ما يميز المغرب كبلد و المغاربة كشعب، ما يعيب الرواية هي وتيرة الاحداث البطيئة التي تجعل القارئ يمل عند بعض الاحداث.
هذه الرواية نافذة تطل منها على المغرب ربما قد لا تكون ممثلة للمغاربة كما جاء في عنوانها ولكن من خلال احداثها تشكل واقعا يتمثله بكل محاسنه وعيوبه وإن كان ابراز عيوبه وأعطابه بارزا بشكل يجعلني استغرب كيف استطاع المغاربة التعايش في ظل هذا الواقع ... لغة الرواية رائعة ولولا الاقتباسات الكثيرة من الكتب التاريخية والتي أطالت من الرواية وجعلت القارئ يشعر بالملل الا أن الكاتب سرعان ما يشده بأحداث الرواية التي بالفعل استحقت ان تكون ضمن القائمة القصيرة للبوكر وجعلت مني كقارئ متابعا لانتاج عبد الكريم الجويطي مستقبلا .... رواية متميزة تستحق القرأة
رواية مغربية حتى الصميم، معجونة من تراب المغرب الذي نحب ونكره، منسمة بكل الروائح التي ألفناها والتي نشمئز منها .. مغزولة بكل الأحداث التي ألهبت ذاكرتنا. عبد الكريم الجويطي كتب عن المغرب العتيق الذي يضرب بلغة العقل عرض الحائط ويتبع لغته الخاصة التي خلقها من مزج الكثير من الخرافة بقليل من الدين .. المغرب الأعمى والأعرج .. المغرب الغارق في تأملاته وأوهامه. تواجد هذه الرواية فوق الرف في كل بيت مغربي، ترف يستحقه المغاربة.
أسلوب راقي و دقيق في وصف مغرب متناقض على مر التاريخ (حتى في أزهى فتراته). جميل أن الكاتب تحدث عن الماضي و الحاضر، عن السياسة و المجتمع، عن المواطن البسيط و البرجوازي، عن الحب و الخيانة، عن الصبر و التسرع، عن الإيمان والخضوع، عن النمطية والتجديد والإلهام وعن عدة أشياء أخرى. لكن الأجمل أنه نجح في الجمع بين كل هاتة الأشياء في رواية وفق جدا في حبك و صياغة تفاصيلها.
رواية المغاربة لعبد الكريم جويطي ليست مجرد عمل سردي عابر، بل هي مرآة مكثفة تعكس عمق التجربة المغربية، بآلامها وأحلامها وانكساراتها. في قلب الحكاية نجد محمد الغافقي، الشاب الذي يفقد بصره في مقتبل العمر، فيغدو رمزا للإنسان المغربي الذي يُحرم من أبسط مقومات الحياة الكريمة. بجانبه يقف أخوه العسكري الأعرج، المصاب في سبيل الوطن، حاملا جرحه الجسدي كعلامة على تضحية لم تُكافَأ بما يليق بها. الرواية تغوص في قضايا الهوية والسلطة والمجتمع، حيث كل شخصية تحمل جزءًا من صورة المغرب. فالمغرب عند جويطي ليس مجرد جغرافيا، بل هو كيان متشعب بين صفية الجميلة التي تختزن الأمل والحب والصفاء، وبين المغاربة الذين قسمهم الكاتب إلى فئات متباينة: الظالم، المظلوم، الخائن، والمناضل. محمد الغافقي المسالم هو رمز البراءة، "ناوي المعقول" لكنه ضعيف وعاجز أمام عالم قاسٍ. في المقابل، أخوه العسكري يجسد المثقف و الثائر الذي يصر على الدفاع عن الحق والكرامة، حتى وهو مثقل بجراحه. أما حسن فيمثل الحقيقة المرة للخيانة والغدر، فتجد نفسك أمام مفارقة عميقة بين التضحية والخيانة، وبين الحب والطمع. أسلوب الكاتب يجمع بين السرد الواقعي والتحليق الشعري. رغم أن كثرة النصوص والاقتباسات داخل الرواية أزعجتني قليلا وأبطأت قراءتي.
المغاربة رواية قاسية بقدر ما هي جميلة، تضعك أمام مرآة قد لا تطيق النظر إليها طويلا، لكنها تظل صادقة وصادمة. مما يجعل منها عملاً إبداعياً يستحق أن يُقرأ.
تنتهي الرواية وهي تترك في النفس سؤالاً مزلزلاً: أي كرامة تُرجى لذوي الاحتياجات الخاصة في وطنٍ لم يحفظ الكرامة لأصحائه؟ كيف يمكن لمن يعاني من ضعف جسدي أو إعاقة أن ينجو من الاستغلال في واقع يسوده الظلم؟ هذه الأسئلة ليست مجرد ترف فكري، بل صرخة تدفعنا للتأمل في واقع اجتماعي وسياسي معقد، حيث الإنسان هو الضحية الأولى.
" إنه زمن الجنون الكبير والعمى الهائل، يا صديقي.. " ص 399
نحن عميان يا صدقي الصغير، عميان، اتعرف معنى ذلك ؟ أعرف لذا يفعلون بنا الأفاعيل ويتسلون بنا"
في كل مرة أقرأ فيها عملا مغربية جليلا! أهنئ نفسي وأقول الأدب المغربي لا زال بخير. ما أبلغ عبد الكريم حين يقول:
"وكل نصيبي من اللغة يقف مبهوتا إزاء لحظة واحدة بكثافة أبدية عشتها حين أفقت ووجدتني أعمى. ما أحكيه هو طعم فاكهة مرة في الحلق لا الفاكهة نفسها، هو اثر ورجع صدى فقط"
إن كل ما حكاه عبد الكريم هنا عن ما هو مغيّب من تاريخ المغرب، وعن ما نعانيه على مستوى الوعي والمجتمع، هو مجرد أثر ورجع صدى، أما أللحظات كلها بكثافتها فتشيب الولدان لها.
عبد الكريم الجويطي، كاتب مولوع بالتاريخ المغربي، وله كتاب من ثلاثة اجزاء عن تاريخ بلاد تادلا، وتتضح موسوعية اطلاعه بالتاريخ المغربي من خلال تركيزه على احداث تاريخية مطموسة ، تمسّ مدنا صغيرة كبني ملال وتادلا ونواحيهما، وتتضح أيضا باقتباساته الهائلة التي تبيّن بأن الرجل قرأ امهات الكتب التي تعنى بتاريخ المغرب السياسي والصوفي وحتى المجتمعي، مثل المعسول، والإبريز، وغيرها من الكتب التي تعنى بأخبار السلاطين والأولياء.
إضافة الى لغته النثرية الفصيحة التي تجعل من رواياته لذيذة جدا، وبمجرد أن تبدأ القراءة فإنك تقرر ألا تتوقف حتى تنتهي من قطعة أدبية لذيذة.
يحكي عن بلد غريب بنخب جديدة غريبة، يشق طرقا، ويبني موانئ ومطارات ويغوي الاستثمارات، ولكنه ترك الانسان يتعفّن في المجاري الٱسنة للجهل واللامبالاة والتشدد الديني الاخرق.
الشخصيات الرئيسية في القصة، هو محمد وأخوه العسكري ثم صفية. جسّد بها جانبا من المغاربة، محمد فقد بصره بشكل تدريجي، لتزحف المصائب مع زحف الظلام في عينيه وهكذا كان يعاني. ثم اخوه العسكري صاحب العاهة في رجله، العدمي الساخط، المثقف السكير. ثم صفية الأمازيغية التي تعيش في الجبل.
من المؤاخذات على الكاتب أنه لم يمنح مساحة كافية لصفية، لم يعطها حق الكلام، لقد كانت مثل الصنم، الصوت الوحيد الذي سمعناه منها هو غناؤها وهي في حمامها الساخن، ومن غير هذا صمت مطبق وتسليم مطلق، ولا حركة، ولا كلمة، استأنسنا بصوتها الذي اخترق قلب محمد، وبخصلات شعرها التي رافقت محمد طيلة عذابه.
هذه الشخصيات هي رسم كاريكاتوري لما نحن عليه، نحن مصابون بعاهات كثيرة، على رأسها العمى، عمى البصيرة، لا نستطيع رؤية حقيقة الواقع من حولنا، لا نستطيع إدراكه. إنه ابلغ تعبير..العمى! وحتى إن منحنا النور، فلا بد ان نكون مصابين في أحد الاعضاء الحيوية التي تجعل من صراخنا مجرد صدى لا تأثير فيه. وحتى إن لم نكن مصابين بأي عاهة فإن الاستسلام والتبلد والانقياد التام دون أي حركة أو فعل هو الشيء الوحيد الذي يميزنا. لا نفَس احتجاجي، ولا بناء للوعي، ولا مقاومة ولا اي شيء.
وبين ثنايا حكايات الصراع بين شخصيات الرواية، تجد نفسك في خليط سردي منسجم وبديع يمتح من التراث المغربي، والعربي، من الادب والغناء والكلاسيكيات وطبقات الأولياء والفقهاء وأحيانا حتى من التراث الشفهي الذي يميّز تامغرابيت، ثم رصيد مهم من الطرب الأصيل. هي ملحمة بحق، تجد لمحة عن قصة المخزن في المغرب، ولمحة عن الاولياء، ولمحة عن الشيخات، عن خوف الشعب وتردده، إنها قصص وخطوط متشابكة تذكرني الى حد ما بالواقعية السحرية المكثفة في روايات الأدب اللاتيني. قراءة هذه الرواية متعة لا تضاهى.
نسمع دائما ان التاريخ يكتبه المنتصر، والكاتب بإقحامه للتاريخ كمادة روائية فإنه يسعى لإظهار ما هو مغيّب من التاريخ، يلقي الضوء على الهوامش المظلمة، يلتقط الحالات والصراعات النفسية التي تهملها كتب التاريخ الجافة، هو ينتصر للمنهزم في معركة التاريخ.
ولان ما لا يحصى من مدعين للإصلاح مرو أمام هذا الشعب، ورٱهم وهم يتحولون الى مفسدين كبار، فقد صارت هذه الكلمة داعرة، وصار من يزعم أنه مصلح يبدو للناس الذين صارو متشككين في كل شيء، كمهرج جدير بضحكة مرة ساخرة.
"كم نخاف الحرية كم نكره النوافذ ربما كما قال كافافيس "ربما سيأتي الضوء بطغيان ٱخر من يدري أي أشياء سيكشفها".
"نحن لم نصل بعد لترف التلهي بالتاريخ وبعث خصوماته وجرائمه ومغيباته. إنها ازعاج خالص لحاصر مكتف بذاته يستعاد فيه الماضي حرفيا، لكن بأداء مسرحي متقن ترفع فيه رايات الحداثة ويؤدي فيه الكورس نشيد مباركة لحيث نحن ذاهبون دون الحديث عن من اين اتينا"
".. أنا شاهد فقط على ما جرى لي، حياتي عاشها إنسان آخر غريب عني. حين أتذكر بأني كنت على حافة الانتحار أو الجنون، أستعظم القوة التي جعلتني أفلت من الأمر. تلك القوة غريبة عني، ولا أحسّ أنها وجدت في يوم ما لدي. وبما أن القوة التي جعلتني أجتاز المحنة غريبة، فلا شك أن الضعف الذي أحسه الآن هو ايضا غريب عني. أنا حصيلة حالات غير أصيلة، أنا عاصفة و أنواء، أنا ريح مالت حين لا تميل الحياة.. "
" موت.. موت مَن منا لم يمُت، وأمام عينيه، شيء ما فيه: يد، رجل، عين، حاسة، فرح، شهوة جنسية، أحلام، حب، وطن، إيمان بقضية، أوهام، صداقة. مَن منا لا يسري الموت في عروقه كالسم.. الحياة مقبرة فسيحة بلا حدود ولا شواهد لكلّ ما ينطفئ فينا، ولكل ما هو منذور فينا للانطفاء، فلا شيء يدوم سوى المرارت.. "
"هكذا نحن، شغفنا بالأمور عابر، تجندنا للقضايا عابر، اهتمامنا، تعاطفنا، واستنكارنا وتتبعنا للأمور ظرفي جدا. والمٱلات دوما سيئة وحزينة. كالأطفال سرعان ما ننفض ايدينا من شيء. وننصرف الى شيء ٱخر. يعرف المخزن هذا جيدا فهو من زرع جبلة العابر فينا، وعبر قرون من حملات التطويع والالهاء والمواسم وبناء ما ينبغي ان يتذكر وينسى، لذا فهو وكلما استنفر الناس وألبو على شيء، يدس رأسه في الرمل، ويرقب بضحكة ساخرة المرور الأكيد للعاصفة"
"نعم اكتب عن المغاربة. فضحكت بدوري وقلت له ممازحا : اليس في ذلك ادعاء كبير، من اعطاك هذا الحق ؟ قال باحتداد : ومن اعطى للفنانين والرديئين والعاهرات والقوادين وحثالة السياسيين والصحافيين هذا الحق ؟ ... الكتابة هي فعل المقاومة الوحيد والمتبقي في بلد صمتت طيوره عن الغناء، وصارت ازهاره تتفتح في الصباح، وتوقفت أشجاره عن النمو، بلد اتى عليه حين من الدهر صارت فيه رايته منشفة يجفف به المغنون التافهون عرقهم في السهرات، والعاهرات يحاضرت فيه عن الفضيلة واللصوص يقومون فيه بالدعاية لمحاربة الجريمة".
يقول الجويطي معلقا على روايته : نحن مثقلون بتاريخينا(دولة تتجاوز 1200 سنة)، يجب ان نتحرر منه، ولكي نتحرر منه يجب ان نكتب عنه، يجب ان نطرح اسئلة عنه.. وهو ما فعله هنا بشكل حرفيّ.
أوصي بقراءتها بشدة، رواية ممتعة، مستفزة. تجمع بين الخيال الأدبي، وبين المعلومات الغزيرة التي تغطي فترة معينة من تاريخ المغرب، الجويطي إبن مدينة بني ملال، ولعل أفضل شيء وقع هو أن يكتب عن تاريخ مدينة إبن لها، وعاشق لها.
رواية المغاربة لجويطي، تتتبع حياة محمد، طفل وُلد بمرض في عينيه، وتعكس عبر مأساته ملامح مجتمع يختلط فيه الإيمان بالخرافة بالعجز أمام الواقع. وفاة الجد واغتصاب أراضيه تكشف جانبًا من جبروت مافيا العقار. وعبر التوقف عند محطات من تاريخ المغرب السياسي، تفضح الرواية السرديات الرسمية وتُظهر التاريخ الحقيقي المليء بالعنف والصراع على السلطة. كما تسلط الضوء على كيفية صناعة السلطة للأحزاب، والسيطرة على الرأي العام، وإجبار المواطنين على مواقف لا يفهمونها. في النهاية، تُقدّم الرواية شهادة أدبية عن تاريخ محجوب وواقع اجتماعي وسياسي يخنق الفرد ويعيد تشكيل مصائره.
من بين كل الروايات التي قرأتها في حياتي, هناك بعض الروايات المتميزة جدا, والتي أسميها ,بيني وبين نفسي أو حين أقترحها على بعض الأصدقاء, بـ"الروايات المفصلية". مفصلية لأنها جدّ متميزة في بنائها الدرامي ورسم شخصياتها, وفي مضمونها وللمواضيع التي تطرحها, مفصلية لأنها بكل مميزاتها أحدثت "هزة" في قراءاتي وفي نظرتي العامة لا تجاه الأدب فقط بل تجاه الحياة بشكل أعم.
رواية المغاربة لعبد الكريم جويطي تنتمي بلا شك لهاته "الروايات المفصلية" (وهي ثلاثية القانوني لأوقاي ترياقي أوغلو, ميرنامه الشاعر والأمير لجان دوست, ثلاثية غرناطة لرضوى عاشور, الفهد لجوزيبي دي لامبيدوزا ويوسف القويوجاقلي لصباح الدين علي).
تتكلم الرواية عن "محمد الغافقي" الذي يصاب بمرض بعينيه سينتهي به إلى العمى التام, وعلاقاته بأخيه العسكري وقصة حبّه لصفيّة الخادمة. وتاريخ جدّه باشا مدينة بني ملال.
تتوسل الرواية من ضمير المتكلم محرّكا للسرد, حيث السارد هو محمد الغافقي الشخصية البطلة, مع فصل قصير كان السارد فيه هو شقيقه العسكري وعن مشاركته في حرب الرمال. وتراوح الرواية بين الحاضر المتمثل في قصة الغافقي والماضي المتمثل في فصول لنصوص مقتطفة من مصادر تاريخية مغربية مختلفة (كمؤلفات عبد العزيز الفشتالي وكتابات الوهراني وغيرهما..)
المغاربة, هي دراسة سيسولوجية لشعب المغرب الأقصى في ظاهرها, الشعب المغربي بتنوعه الإثني بين الأمازيغ والعرب, وتنوعه السياسي بين قبائل متفرقة ومتناحرة وأحزاب سياسية مختلفة المشارب والأيديولوجية. إنها دراسة شاملة, تغطي طيف شاسع جدا من المواضيع وتتحرك داخل الإطار الثلاثي الذي شكّل الشعب المغربيّ وتاريخه : المخزن (السُلطة) - الدين (وهنا نقطة كبيرة فيما يخص الرواية لم أستطع هضمها) المليء بخرافات الصوفية والإعتقاد بالأولياء الصالحين - الجغرافيا طبيعة الأرض المغربية التي أثّرت في طبيعة المغربي وشخصيته.
الرواية تتميز بروح "شوبنهاورية" متشائمة, تتخذ موقفا سوداويا من الحياة : الشخصية الرئيسية عمياء, وكذلك أغلب شخصيات الرواية (صدقي الصغير - الباشا طه ..الخ). لكن العمى في هذه الرواية ليس فقط عمى العيون, بل عمى القلوب وعمى البصائر. الكل في البلاد أعمى بطريقة أو بأخرى ومثل لوحة بيتر بروغل الأكبر الشهيرة " أعمى يقود أعمى" أين يقود أعمى خمسة عميان آخرين ورائه إلى الحفرة, فكأن البلد بتاريخه السياسي, المليء بحروب القبائل وقمع التمردات, عبارة عن سلسلة عميان يقودون أنفسهم إلى حفرة بشكل دوري. أو كلوحة فرانسيسكو غويا (الموجودة في غلاف الرواية) عن رجلين يقتتلان. فـ"ـما أغبى الإنسان" حقا!! وكما قال الشاعر ابن سارّة الأندلسي :
"يا من يصيخ إلى داعي السقاة وقد *** نادى به الناعيان الشيب والكبر إن كنت لا تسمع الذكرى ففيم ثوى *** في رأسك الواعيان السمع والبصر ليس الأصم ولا الأعمى سوى رجل *** لم يهده الهاديان العين والأثر لا الدهر يبقى ولا الدنيا ولا الفلك *** الأعلى ولا النيران الشمس والقمر ليرحلن عن الدنيا وإن كرها *** فراقها الثاويان البدو والحضر"
إنها رواية شاملة, جرئية جدا وقويّة في لغتها, لم أقرأ عمل أدبي بمثل هذا الإبداع في اللغة منذ زمن طويل. الفصل الذي يصف فيه السارد كيفية إصابته بالعمى عظيم لأقصى الدرجة حيث تكاد تشعر بأنك أعمى أيضا. الرواية عظيمة جدا في بناء نسقها الدرامي. وقويّة في نقدها الإجتماعي والسياسي.
رغم تحفظي على بعض النقاط في الرواية - لجرأتها - إلا أنني أعطيها العلامة الكاملة فهي تستحق بلا شك
🍀 أكاد أحس بالفخر الشديد لأنني أنتمي لبلد استطاع أن يثبت دائما روعة شعبه و قدرتهم على الإبداع المتواصل .. رواية المغاربة لعبد الكريم جويطي, تحفة فنية بامتياز .. رواية جعلتني أقع أسيرة لأحداثها.. لتعابيرها الخطيرة .. للغتها الاحترافية .. لأبطالها المتميزين جداً.. لحبكة سلسة و متقنة .. 🍀 القصة تدور أحداثها بين الماضي و الحاضر.. بين تاريخ انطوت عليه الأزمنة.. وبين حاضر يرغب من يعيشوه أن يطوى عليه الزمن أيضا.. رواية تضع لك بين كفيك حقيقة بلدنا التي تزداد وضوحا يوما بعد يوم.. حقيقة الظلم و الفساد الذي تشبع به أصحاب النفوذ و خاف منه أصحاب الحاجة.. حقيقة ما آل إليه الوطن نتيجة تاريخ يدمي القلوب وحاضر يزيد في حمرة تلك الدماء.. قصة محمد الذي ستثبت له الحياة منذ صغره أنها مليئة دائما بالمفاجآت.. و أنها لم تكن يوما سوى درب مليئ بالاشواك و المخاطر.. ينشأ محمد داخل أسرة مغربية .. و ينشأ معه الرعب من أن يستيقظ يوما ليجد نفسه أعمى جراء عاهة خلقت معه و لم تشئ المضي و التخلي عنه.. ليصل الى سن الواحد و العشرين و يصطدم بتلك الحقيقة التي لطالما أخبرته بقدومها و بوجوب الإستعداد لها.. حكاية الباشا و قوانينه الغريبة و علاقته بالعميان اللذين تم اختيارهم بعناية.. علاقة محمد بأخيه بالعسكري .. علاقة الحب الجارفة التي جمعته مع صفية.. كلها كانت متجانسة جدا.. رائعة جدا.. و مذهلة جداً.. لأول مرة سأصادف رواية تسلط الضوء على علاقة الأخ بأخيه و حاجته الملحة له و إن أصبح الشيب يغطي رأسه.. يراودك إحساس و أنت تقرأ الكتاب أنك بصدد قراءة كتابين في الآن نفسه.. واحد لعبد الكريم جويطي و الآخر لطه حسين.. لطالما أضفت هذا الأخير الى قائمة الكتب التي أرغب بشدة لقراءتها .. كانت هذه الرواية مدخلا جميلا للغوص قريبا في تلك السيرة الذاتية ..
🌷 اقتباس " مثلما أن ما عشته ليس إطلاقا ما احكيه هنا.. كل نصيبي من اللغة يقف مبهوتا إزاء لحظة واحدة بكثافة أبدية عشتها حين أفقت و وجدتني أعمى. ما احكيه هو طعم فاكهة مرة في الحلق لا الفاكهة نفسها, هو أثر, ورجع صدى فقط.. "
رواية مغربية هي محاولة لتشريح ما يعيشه المغاربة من انفصامات و تناقضات فيها اقحام لتاريخ و الواقع و قراءة في الوضع السياسي الماضي و الحالة. و اختيار الأعمى بطل الرواية الذي يتجسد فيه عمى المغاربة عن تاريخهم و عن واقعهم و مستقبلهم رواية تستحق أكثر من قراءة وأحذية