ادعى المستشرقون ان القواعد القانونيه للشريعه الإسلاميه مستقاه من القانون الرومانى القديم وفى ذلك الكتاب يتطرق الدكتور صوفى ابو طالب لذلك الموضوع بالبحث والتحليل الموضوعى
اقتبس الأستاذ صوفي أبو طالب، بسعادة بالغة هذه المقولة لمؤلف حقوقي فرنسي: إنني أشعر حينما أقرأ في كتب الفقه الإسلامي بإني قد نسيت كل ما أعرفه عن القانون الروماني، ..، وأصبحت أعتقد أن الصلة منقطعة بين الشريعة الإسلامية وبين هذين القانونين، فبينما يعتمد قانوننا على العقل البشري تقوم الشريعة على الوحي الإلهي، فكيف يتصوّر التوفيق بين نظامين قانونيين وصلا إلى هذه الدرجة من الاختلاف
فهي تلخص أكثر ما يريد أن يقوله عبر جزئيْ هذا الكتاب، من أن الشريعة الإسلامية لم تقتبس (وخاصة في دور تكوينها بطبيعة الحال) من القانون الروماني شيئًا، ولا من التراث اليهودي ولا النصراني ولا من الفرس ولا من مراكزها المتآخمة لحدود العرب كالحيرة والغساسنة ولا من مكتبة الإسكندرية عندما فتح العرب مصر، وإنما الشريعة الإسلامية أصيلة في قواعدها ومناهجها وأدلّتها، وإن أيّ من رجال الفقه الإسلامي الأوليين لم يتأثر بالنظم القانونية الرومانية أو بأي شيءٍ آخر سوى بالقرآن والسنة وصحة النظر
وهذا هو مدار الكتاب مع مقارنة بين عدد من القواعد العامة في القانون الروماني واليهودي من جهة وفي الشريعة الإسلامية من الجهة الأخرى، أما براهينه على عدم التأثر فمنها أن حتى الأفراد الذين تلقوا تعليمهم في المدارس الرومانية القديمة بالقسطنطينية وبيروت والإسكندرية، ثم اتجهوا إلى جزيرة العرب وقيل إنهم أثّروا في تكوين الشريعة الإسلامية وتطورها ونضوجها، يقول المؤلف عنهم: إني أشك كثيرًا في أن أمثال هؤلاء قادرون على نقل ثقافة قانونية من بلد إلى بلد آخر، وإلا فلماذا لم تنتقل الأفكار القانونية البيزنطية بحالتها التي كانت عليها حينذاك إلى الفقه الإسلامي، فالفقهاء البيزنطيون عرفوا بطريقتهم الخاصة في البحث، من الاهتمام بالمسائل النظرية ووضع القواعد العامة دون الحلول الجزئية التطبيقية، بينما الفقهاء المسلمون وبصفة خاصة فقهاء القرنين الأول والثاني للهجرة، لم يهتموا إطلاقًا بالنظريات العامة وانصرفوا إلى وضع الحلول المناسبة للمشاكل التي تعرض عليهم، فلماذا إذًا لم نعثر على أي أثر لتلك الصياغة البيزنطية في الفقه الإسلامي
ثم يقول إنه حتى لو افترض جدًلا إنهم قادرون على ذلك، فالأمر ما يزال من المستحيل حدوثه، لأن السلطة التشريعية في عهد الرسول عليه السلام كانت مركزة في يديه، وانتقلت بعد وفاته إلى جماعة مصطفاه من الصحابة ثم التابعين ثم تابعي التابعين، وتاريخ الأعلام من هؤلاء الرجال معروف مشتهر وليس به شبهة تلقى ودراسة الثقافة الإغريقية أو التأثر بها، أو حتى معرفة لغة أخرى غير العربية كالسريانية
.
.
الكتاب جميل والمحاضرة الأخيرة عن المصالح المرسلة فاتنة كثيرًا وتنعش النفس، ولكن المقتطفات الأخرى تقبضها، فهي مقتطفات من أقواله ومحاضراته في الثمانينيات، لما كان يقول فيها إنه يشرف على اللجان الفنية التي تعمل ضمن مجلس الشعب على تقنين القوانين وفقًا للشريعة الإسلامية، وإنها أنجزت 90% من أعمالها ولم يتبق إلا القليل، وإن هذا عندما يتم سيعني صفحة غير مسبوقة في العصر الحاضر لمعنى القوانين على مستوى العالم الإسلامي، لأن هذا المشروع العظيم سيغير النظام القضائي من نظام لاتيني وفرنسي إلى نظام إسلامي كان يطبق وحده دون منازع في القرن قبل الماضي إلى أن جاء الاستعمار بقوانينه الخاصة، أو يقول إنه الآن في الإجراءات الأخيرة من حيث عرض أعمال هذه اللجان الفنية على الخبراء في الأزهر وكليات الحقوق والقضاء، ثم بعد هذه الخطوة يتم عرض المشروع على مجلس الشعب لإقراره (المؤلف كان يشغل منصب رئيس مجلس الشعب :) ) ويقول في محاضرة: ولسوف نكون قدوة لباقي الدول العربية للأخذ به، وسوف ننتهي منه في القريب حسب ما نحب جميعًا ونبغي وحسب ما يوجهنا إليه الله ابتغاء وجه الله، والله يوفقنا جميعًا لما فيه رضاه
أو يقول في محاضرة أخرى عند حديثه عن المرحلة الأخيرة التي تتنظر هذا المشروع: وبمجرد الانتهاء من هذه المرحلة سيدخل (هذا العمل الفني العظيم) إلى اللجنة التشريعية، ويناقش مادة مادة في مجلس الشعب، تمهيدًا لإصداره والعمل به، وعندئذ سوف أشعر بسعادة منقطعة النظير