هل هناك حداثة منفصلة عن الثقافة؟ وهل تصل الثقافة إلى حداثتها من غير التورط الأقصى للذات الكاتبة في كتابتها وزمنها؟ وكيف يمكن أن نواصل الكلام عن الحداثة ونحن ننسى ولا نفكر في السلطة والمؤسسة ومن أين لنا أن نطأ أرض الحداثة ونحن نحتقر وظائف الأدب والفن والفكر في فكرة الحداثة والمجتمع الحديث؟ وهل الإصرار على التمركز حول الذات المشرقية مفيد في الكشف عن الدلالة الوطنية في نسق و سياق جديدين للثقافة و العروبة والحداثة؟ أسئلة تبدو، اليوم، مهينة. وللمأساوي,الذي نعيشه، في المغرب،, المشرق، ما يدلنا على الجواب.إنه زمن انتصار حداثة معطوبة، متعددة الرؤوس. حداثة معطوبة تواصل المؤسسة السياسية (الرسمية وشبه الرسمية) اختيارها، في السلطة والثقافة؛ وحداثة معطوبة تعتمدها النخبة الثقافية، بعد أن ندمت على مشروعها النقدي وعلى الانخراط الأقصى للذات في كتابتها وزمنها؛ وحداثة معطوبة تضاعف بها مؤسسات ثقافية وإعلامية موانع الاستقلالية والمبادرة والإرادة، في السياسة والمجتمع والأدب والفكر.ولا تتوقف الحداثة المعطوبة عن السيادة في ثقافة ومجتمع. ولك احتراق الكلمات في الحلق. والدخان. و الشواظ .
تابع دراسته العليا بكلية الآداب والعلوم الانسانية بفاس حيث حصل على شهادة الاجازة في الأدب العرب سنة 1978. وفي سنة 1978 دبلوم الدراسات العليا من كلية الأداب والعلوم الانسانية بالرباط، ومن نفس الكلية حصل على دكتوراه الدولة سنة 1988. يعمل حالياً أستاذاً للشعر العربي الحديث بنفس الكلية. أسس مجلة الثقافة الجديدة سنة 1974 وهو أحد مؤسسي (بيت الشعر في المغرب) إلى جوار محمد بنطلحة، صلاح بوسريف وحسن نجمي. يتحمل حالياً مسؤولية رئاسة (بيت الشعر في المغرب). حصل على جائزة المغرب عن ديوانه (ورقة البهاء). تلازمت كتاباته الشعرية مع اهتماماته الثقافية والتنظيرية للشعر العربي.
بعد مضي قرنين من ظهور مشروع سماه الأوّلون نهضة، و سماه البعض الآخر بعثًا، يجلس محمد بنيس و قد راودته حيرة لم تفارقه،ليكتب تأملات في صيغة مذكرات حول حداثة وصفها بالمعطوبة،كتابات نقدية حول الثقافة و الحداثة و الهوية و السلطة.
ألم يكن السؤال شريعة نخبة اقتنعت بأن الطريق إلى الحرية و المواطنة و الديمقراطية هي طريق السؤال قبل كل شيء؟ إنه الآن آلة معطوبة، ولا أحد يبالي بالعطب
كعادة محمد بنيس، يكتب في مواضيع عدة مختلفة، و رغم الإختلاف و التباين بينها، إلا أن هنالك خيوطا تربط بينها، يقودنا الكاتب بتؤدة لكشف هذه الروابط، في عالم مليئ بالثنائيات المتباينة، فعند كتابته عن العزلة وجد نفسه يقترب من العالم أكثر.
للتقليد أثر بالغ في ثقافتنا، و كلما اتسع التقليد، تراجع الوعي النقدي، و إذا انسحب الوعي النقدي تبطل المعرفة، سادت القناعة و الاطمئنان و ركن المثققون إلى سلم ظاهري مع هذا التقليد، بل هو تراجع إلى الخلف خطوات بالنسبة إلى الحداثة، و فئة التقليد ازدادت شراسة و قوة،وضعت الأغلالو القيود في معصم كل منادي للحرية و الإبداع و التغيير.
على الطريق : ذهابا و إيابا.... للبحث عن اللانهائي، يواجه محمد بنيس إنشقاقات عدة لابد منها في الثقافة، كذاكرة ليست لنا، و ثقافة كأنها لم تكن يوما،ليتوقف برهة في لحظة الأدب، لحظة هي سفر في طريق اللغة، الوجود، الكينونة، قد تحولت إلى مشروع تحديثي لم نسائله بعد، في زمن كأنه لم يجئ بعد، منذ قرن من الزمن لم ننتج فكرة واحدة فقط، كأن الزمن توقف، أو كأن الماضي لا يمضي، نحن نستدعي الماضي، نحاصر به أية فكرة جديدة يمكن أن يكون لها حضور في عصرنا، باسم الماضي عذبنا الماضي و عذبنا أنفسنا
تحتاج إلى تركيز كبير، و إعادة قراءة للعبارة، أو صفحة كاملة أحيانا حتى تستدرك ما فاتك و تربط بين الأفكار لتستوعب ما أراد الكاتب إيصاله إلى القارئ. أَتعبَ وضع الثقافة العربية الكاتبَ، فقرر أن يُحمل القارئ البعض مما أثقل كاهله،وكأنه يشير بأننا جميعا تسببنا في هذا الوضع المزري للثقافة، ونشترك جميعا في الانحطاط الذي أصاب ثقافتنا.
بعض الاقتباسات :
فاللغة تخفي أكثر مما تصرّح، هي لغة فقط،فيها تتم اللعبة التي نكررها، نحاول امتلاكها، من لغة إلى لغة. تعابير تمرّ أمامنا ونحن غافلون عنها. نقرأ ما تسمح لنا به معرفتنا بالقراءة. ذلك هو حُكم التأمل، فنُّ القراءة. ص56
إذا كانت الايديولوجيا تعبير الجماعة، فإن الأدب خطاب الذات. و ما يرفضه الضجيج الأصولي هو بالضبط بروز الذّات، فالأدب لم يكن ليُضيف إلى مؤسسة الجماعة ما ترفع به مقصلة استبدادها، بل هو نقيض ذلك تماما، إنه صوت الذات التي لا تتكرر ولا تتشابه.
لطالما كنت أجد النظرة للحداثة في المغرب مختلفة بعض الشيء عن حداثة المشرق رغم أن مصدر الثقافة - الغرب عادة - واحد إلا أن تجاوب الأطراف مع معطيات الحداثة مختلف ربما لمتانة المغرب العربي وعلاقته بدول الجوار - أوروبا - دون دول المشرق العربي
مقالات ومذكرات عن الثقافة والأدب والعروبة وخصوصيات الأدب المغربي وخصوصا "الحداثة المعطوبة"، هاته الحداثة التي أغفلت الجانب العربي والإنساني، المتمسكة بالبشري مقابل المقدس أو العكس، أو تلك القائمة على مبادئ الإسلام السياسي. يكالعنا محمد بنيس بروح الغيور على الأدب واللغة العربية من وجهة العقل والفكر والمطارحة بالحجج والدلائل لا من منطق الرغبة والإرادة.