يهتم هذا الكتاب بواقع الفكر والتيارات الفكرية الفاعلة في الخليج العربي منذ نشوء الحركات الإصلاحية في الثلث الأول من القرن العشرين حتى مرحلة الاستقلال في السبعينات. لقد عرف النفط في هذه المنطقة بأنه ظاهرة جديدة في سياق تكوينها التاريخي تميزت بالثروة الهائلة، وبالنمو الكبير في الداخل، والرفاهية والتغير الاجتماعي، إلا أن ذلك لا يعني أن تاريخ منطقة الخليج العربي ارتبط فقط بظهور النفط، وبتفاعلاته وبآثاره وحدها.
يسلط هذا الكتاب الضوء على ستة أقطار خليجية هي العربية السعودية والكويت والبحرين وقطر والإمارات العربية المتحدة وعمان، التي تشترك بسمات وخصائص متشابهة عبر التاريخ، وذلك في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية، والتي تحولت في عصر النفط إلى حالة جديدة في ظل التحول الاقتصادي، والتغير الاجتماعي الذي رافق ازدياد مكانتها اقتصادياً واستراتيجياً لدى الغرب بخاصة، ويخلص إلى أن الوقائع التاريخية قد أثبتت أن مطلب النخب الاجتماعية والسياسية في هذه المنطقة هو الديموقرايطة، باعتبارها المخرج الوحيد لأزمة المجتمع، والقاسم المشترك لجميع التيارات بمختلف انتماءاتها ومنطلقاتها، بحيث يمكن من خلالها بناء مؤسسات المجتمع المدني وتجسيد الحياة البرلمانية على أسس دستورية حقيقية.
الكتاب هو رسالة دكتوراه، وجهد جميل لفترة تاريخية مهمة وهي مرحلة ماقبل النفط ومابعده، في خمسة فصول تحدث المؤلف عن أبرز التيارات الفكرية التي ظهرت في تلك الفترة محللاً أسباب ظهورها وانتشارها أو فشلها وكذلك اضمحلالها إن وجد الفصل الأول تحدث فيه بإيجاز عن البنى الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية في الخليج العربي حتى السبعينات تحدث فيها عن التحولات الاقتصادية في المنطقة والتحولات السياسية والاجتماعية والثقافية اللي تبعت وتأثرت بهذا التحول، تحدث بعدها عن الفئات الاجتماعية في المجتمعات الخليجية وقسمها لفئات الأسر الحاكمة والعلماء الدينيين والبرجوازية والتجار والفئة الوسطى والعمال، تحدث بعدها عن النمو السكاني الرهيب في تلك الفترة وتضاعف عدد السكان في المنطقة، تحدث أيضا عن الهجرة الأجنبية وارتفاع أعدادها والجنسيات الموجودة، فيما يلي تحدث عن النظم السياسية عن الأسر الحاكمة والقبائل وعلاقة النخب الاجتماعية بالسياسة بعد تبدل السلطة القبلية التقليدية للدولة التسلطية الحديثة ومؤسساتها، بعدها تحول للحديث عن البنية الثقافية في المنطقة وعوامل تكوين الوعي الثقافي الذي بدأ في القرن العشرين متأخراً، ثم انتقل للحديث عن النفط والثقافة الجديدة على المنطقة والتعليم الحديث بعد الكتاتيب والأندية الثقافية والطباعة وغيرها من النشاطات الثقافية التي تواجدت وتأثير التحولات الاقتصادية عليها لينتهي بعده الفصل الأول والذي كان نبذة موجزة عن الخليج ليمهد للفصول التالية وهي التي تحدث فيها عن التيارات الفكرية التيار الأول كان التيار الليبرالي وخصص له الفصل الثاني من الكتاب وتحدث فيه عن ظهور التيار الليبرالي في الخليج بداية في الكويت عندما قدم التجار بعريضة للشيخ أحمد الجابر الصباح سنة ١٩٢١م تضمنت مطالبتهم بدور سياسي في البلاد وماتلاها من تجارب ومطالبات سياسية مماثلة، تحدث بعدها عن الحركة الإصلاحية في البحرين سنة ١٩٣٨ م وهي أيضا كانت عريضة قدمها التجار ومشايخ القبائل والمثقفين للشيخ عيسى بن علي آل خليفة تتضمن المطالبة بالمشاركة السياسية، في دبي ظهرت حركة الإصلاح كذلك في عام ١٩٣٨م من قبل الأعيان والتجار وأبناء راشد بن مكتوم (حاكم سابق للامارة) وبدأت الحركة بالمظاهرات وليس العرائض حتى تدخل الاستعمار البريطاني واعتقل المتظاهرين، فقدم المعارضون عريضة للشيخ سعيد بن مكتوم تتضمن عدة بنود ليس فيها طلب المشاركة السياسية فرفض الشيخ المطالب لتبدأ الاضطرابات من قبل المعارضين ليتدخل البريطانيون فيها بإنشاء مجلس يشترك فيه الأعيان والتجار مع الشيخ لمراقبة الشؤون الداخلية للأمارة المرحلة التالية كانت مرحلة قيام التنظيمات الليبرالية في الخليج العربي وهي تنظيمات سرية نظراً للحظر الموجود على كافة أشكال العمل السياسي ومنع الأحزاب، وبعضها كان علنياً، وقد عدد بعضها لاحقاً تحدث عن التجربة البرلمانية ومجالس الشورى في الخليج، ثم القضايا التي طرحها الليبراليون في الخليج وهي المشاركة السياسية والإصلاح الإجتماعي وقضية السفور والحجاب الفصل الثالث كان عن التيار القومي وهو ثاني تيار يدرسه وذكر أن فكرة القومية في الخليج نمت متداخلة مع الرابطة الإسلامية، وربط نمو القومية بالحرب العالمية الأولى واندلاع الثورة العربية في الحجاز وماتنشره صحيفة القبلة آنذاك (وهي صحيفة حكم الأشراف في الحجاز والتي كانت تنشر الأفكار القومية مع الربط بينها وبين الإسلام)، الوافدون العرب الذين عملوا في الخليج تلك الفترة إضافة للبعثات الدراسية للدول العربية أسهمت في نشر الفكر القومي في المنطقة، إضافة للأحداث السياسية الكبرى كإحتلال فلسطين، تغلغل هذا الوعي بدرجة عجيبة حتى بلغ الحد لأن يرفع مجموعة من الكويتيين ممن سموا أنفسهم أحرار الكويت مضبطة للحكومة العراقية يعلنون فيها رغبتهم بإلحاق الكويت بمملكة العراق سنة ١٩٨٣م! تحدث بعدها عن أبرز القوى والتنظيمات القومية في الخليج، وهي حركة القوميين العرب في الكويت، وحزب البعث العربي الاشتراكي في السعودية، والناصرية في البحرين وبقية الدول الخليجية، كما ذكر بعض من التنظيمات القومية الأخرى، تحدث بعدها عن القضايا التي اهتم بها القوميون في الخليج وهي التحرر والعروبة والوحدة، وقضايا التحرر العربية من الاستعمار ومن الاحتلال الصهيوني، وعروبة الخليج الفصل الرابع تحدث فيه ثالث تيار فكري في الخليج وهو التيار الإسلامي ذكر فيه بداية ظهور التيار الاسلامي في المنطقة فإضافة إلى حركة أو دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب في السعودية، نما تيار إسلامي في الكويت في الخمسينيات، وذكر الباحث بأن حكومتا البحرين والكويت بدايةً دعمتا بعض المنابر الإسلامية بهدف استغلالهم لمواجهة المعارضة السياسية المتمثلة بالقومية والماركسية، وكيف حاولت دول المنطقة احتواء التيار الإسلامي بعدد من الأساليب والطرق، ذكر بعدها الجمعيات والحركات الإسلامية في الخليج العربي وهي الإخوان المسلمون في الكويت والجمعيات المتأثرة بهم وهم: المنتدى الإسلامي بالبحرين وجمعية الإصلاح البحرينية، وجمعية الإرشاد الإسلامية في الكويت، وجمعية الإصلاح الاجتماعي في الكويت، ثاني الحركات الإسلامية جمعية الدعوة إلى الله في الكويت، وبعدها حزب التحرير الإسلامي في الكويت، والحركة السلفية في الكويت وبقية الحركات بين البحرين أو الكويت، وفي السعودية ظهرت جماعة التبليغ رسمياً ثم حظرت بفتوى من المفتي، بعدها وتحت عنوان التيار الإسلامي في العربية تحدث عن السعودية والتيارات الدينية داخلها، وسياستها الخارجية في التعامل معها من حيث توظيف بعض التيارات لصالحها أو مواجهة بعضها الآخر، في موضوع آخر تناول القضايا الفكرية للإسلاميين وهي إصلاح المجتمع، والديمقراطية والشورى، وتطبيق الشريعة التيار الرابع كان التيار الماركسي وقد خصص له الفصل الخامس والأخير من الكتاب، تحدث فيه عن ظهور الماركسية في العالم العربي، ومن ثم محاولات تغلغلها في الخليج العربي، ثم ذكر التنظيمات الماركسية في المنطقة وهي توزعت بين الكويت والسعودية (بين عمال النفط في الشرقية غالباً)، والبحرين، وقطر، ثم تحدث تحت عنوان مستقل عن تجربة ظفار والماركسية اللينينة، وختمها بالحديث عن الاهتمامات الفكرية للماركسيين في الخليج وهي الاشتراكية العلمية، والامبريالية والاستعمار، واتحاد امارات الخليج، والأطماع الإيرانية، وأخيرا القضية الفلسطينية ملاحظاتي: تسميته لتواجد العمالة المقيمة في الخليج بفترات زمنية محدودة لمهاجرين كانت غريبة، لأن شروط التجنيس في المنطقة صعبة، وتواجد تلك العمالة مشروط ومؤقت ارتباط الليبرالية بالقومية كان واضحاً في بداياته في الخليج، ولم يوجد تيار ليبرالي إلا ربما بعد السبعينات، وهي فترة غير موجودة في الكتاب (للمؤلف جزء ثاني يدرس فترة السبعينات حتى ٢٠٠٣م ) المطالب الليبرالية بدايةً في الخليج كانت فقط مطالب سياسية ليبرالية، للمشاركة السياسية، وبقية المفاهيم الليبرالية مثل: فصل السلطات، وسيادة القانون، وحقوق الإنسان، والحرية الفردية، وحرية التعبير، والعدالة الاجتماعية تبدو غائبة أو بالأصح حضورها جاء متأخراً، ويبرر المؤلف بأن القبلية ونخبوية هذه المطالب هي ما تسبب بفشل هذه المطالب تقدم مجتمع الكويت والبحرين وبعض مناطق السعودية مثل الحجاز والشرقية بشكل نسبي على بقية المناطق أمر ملفت، أقصد تقدم حراكهم ونشاطاتهم الفكرية ومطالباتهم، بينما كان حراك بقية المناطق في الخليج مابين خافت وضعيف إلى منعدم يحتاج الأمر لقراءة موسعة وربطه بانتشار التعليم فقط غير مقنع، أعتقد الموضوع يحتاج تحليل إجتماعي/سياسي/إقتصادي للموضوع، وربما هو موجود ولم أصل له بعد لفتني استعماله للمراجع فبالنسبة للبحرين والكويت يرجع لمراجع عربية كويتية أو بحرينية، وإذا وصل الأمر للسعودية احتاج لمرجع أجنبي أو لمؤلف مجهول الاسم؟!
اخترت هذا الكتاب بداية ضمن مراجع بحث أقوم به ، الميزة الأساسية له هو أنه رسالة دكتوراة ، أي مكتوب بطريقة بحثية تزوّد
القارئ بالكثير الكثير من المراجع التي يمر عليه عبر وساطة هذا الكتاب ، بالإضافة إلى أنه مكتوب بمنهجية د.مفيد الزيدي الثمينة
علمياً. حيث يميل أسلوبه للتأريخ أكثر منه لنقد هذه التيارات وإن كان الكتاب لا يخلو من تسجيله لبعض آرائه الخاصة ( السديدة
) في نظري.
"تمثّل دراسة الفكر في المجتمعات أهمية خاصة من أجل فهم أعمق ووسع لطبيعة القوى الاجتماعية والبنى الاقتصادية ، والتركيبة
الأساسية لهذه المجتمعات ولكي تكتمل الصورة الحقيقية لمراحل موها وتطورها فيمسيرة تكويناتها التاريخية فلا يمكن للفكر أن ينعزل
عن حركة المجتمع...وتأسيساً على ذلك تهتم هذه الدراسة بواقع الفكر في الخليج العربي وتياراته الفاعلة منذ نشوء الحركات
الإصلاحية في الثلث الأول من القرن العشرين حتى مرحلة الاستقلال في مطلع السبعينات..."
إن اختيار د.مفيد للفترة الزمنية للبحث هو اختيار ذهبي فعلاً ، ففي تلك الفترة شهدت دول الخليج العربي الكثير من التطورات التي
ساهمت في تشكيل التيارات الفكرية مثل توسّع اكتشاف النفط ، الوجود الأجنبي (البريطاني والأمريكي) ، احتلال فلسطين ، نكسة
67 ، بدايات الاستقلال من الوجود الأجنبي في دول الخليج ، حركات التبشير ، انتشار التعليم.. وغيرها من الأحدات التي لم نزل
نتلمّس آثارها في التوجّهات الفكرية المعاصرة ، تناول في نحو 389 صفحة البحث هذه التيارات: التيار الليبرالي ، التيار القومي ، التيار الإسلامي ، التيار الماركسي ، متحدثاً عن نشأة كل تيار وتطوره وتنظيماته وقضاياه، مسبقاً كل
ذلك بالحديث عن الجو الاقتصادي والاجتماعي والسياسي والثقافي الذي تولّدت فيه أو عنه هذه التيارات.
الكتاب تأسيسي يفترض أن يكون من أوائل الكتب التي يقرأها أي مهتم بالتيارات الفكرية ، وإن تأخرتم - مثلي - في قراءته
فيسيكون مفيداً جداً في تنظيم المعلومات التي قرأتموها في مصادر مختلفة تنظيماً تاريخياً .
يكاد تاريخ الوطن العربي أن يعيد نفسه حتى يقتله التكرار والملل دون أن تستفيد الشعوب من دروسه ومن أخطائها!
لهذا الكتاب أهمية كبيرة تنبع من موضوعه الذي قلما توفرت كتب تناولته بهذا التفصيل والشمول. وهو يثبت أن المجتمع الخليجي تفاعل مع محيطه العربي وقضاياه ورسم خياراته الفكرية رغماً عن التضييق المفروض عليه عبر المؤسسة الرسمية. وأنه ضم على الدوام تيارات فكرية مختلفة، يمينية ويسارية، ولم يكن مواطنوه يوماً نسخاً كربونية لبعضهم البعض.
ولكنني أعيب على الكاتب جملة من الأمور والنواقص التي اشتمل عليها بحثه. منها تجاهله الكبير للحالة الفكرية في قطر وعمان وتركيزه أكثر على بقية الدول الخليجية الأربع. فالمطلع على بعض المؤلفات الحديثة ككتاب (العوسج) للدكتور علي خليفة الكواري و(عمان والسلطة) للباحث سعيد الهاشمي، يجد تنوعاً فكرياً في المجتمعين العماني والقطري في منتصف القرن الفائت لم يجهد د. مفيد الزيدي نفسه لسبر أغواره.
كما التزم الكاتب منهجية سلمية في تناول التيارات المختلفة، إذ يبدأ كل فصل بالمرور على الخطوط العامة المعبرة عن هذا التيار ثم يعرج على نشأته وتطوره عربياً ثم نموه وانتشاره في الخليج العربي (وهذا لب الموضوع) وينتهي الى أهم القضايا التي اهتم بها هذا التيار خليجياً. ولكنه في أحايين كثيرة تناول الأفكار العامة لهذه التيارات ومواقفها السياسية بشيء من الضحالة وعدم الدقة.
هذا الكتاب في الأصل هو أطروحة دكتوراه للباحث العراقي مفيد الزيدي، والتي انتهى منها –ربما- عام 1997م في جامعة بغداد، وتدور حول واقع وتاريخ التيارات الفكرية السياسية في منطقة الخليج العربي منذ حقبة الثلاثينات وحتى أوائل السبعينات من القرن العشرين، ومن الملاحظ أن الحقبة الزمنية للدراسة هذه تبدأ في الفترة ما بين الحربَين العالميتَين، وتنتهي مع مستهل السبعينات حيث نالت الدول الخليجية استقلالها عن بريطانيا، وهي حقبة حافلة بالأحداث التاريخية في كافة المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، مما كان له عميق الأثر في مستقبل الخليج العربي.
ومن الملاحَظ أن أغلب الخُلاصات والنتائج التي توصل إليها الباحث تكاد تكون متشابهة، حيث أن التيارات الفكرية في الخليج العربي لم تتجذر أيديولوجياتها ومبادِؤها في ذهن وعقل المواطن الخليجي، ولم تُعبر القضايا التي تبنتها عن تطلعات الشعوب، وانحصرت في النخب من المثقفين والتجار المتعلمين، وهذا الأمر تكرر في تجربة التيارات الليبرالية والقومية والماركسية، بل وحتى الإسلامية، التي تبنت-بحسب الباحث- قضايا لم تأخذ بُعدًا فكريًا وسياسيًا مقارنة ببقية التيارات.
والخُلاصة النهائية للبحث، هي أن هذه التيارات برغم التباين في منطلقاتها ودعواتها إلا أنها لم تصل إلى مرحلة الصراع الايديولوجي والفكري، وبناء على الوقائع التاريخية والواردة في البحث، فقد ثبت أن مطلب النخب الاجتماعية والسياسية في الخليج العربي هو الديمقراطية، وهو بحسب الباحث، المخرج الوحيد لأزمة المجتمع، والقاسم المشترك لجميع التيارات على اختلافها.
وقد لاحظت على الكتاب، تعدد المصادر والمراجع، وحداثتها بالنسبة إلى زمن تأليف البحث، فكان هناك العديد من الهوامش التي تشير إلى دوريات وفصليات وأبحاث ماجستير تتناول المنطقة الخليجية سواء باللغة العربية أو الإنجليزية، ويبدو أن الباحث كان نشيطًا ومثابرًا في متابعة أحدث ما يصدر من الدوريات والمؤتمرات العلمية، رغم قرب فترة القطيعة مع العراق من قبل أغلب دول الخليج، ورغم الحصار الأمريكي الذي فُرض على العراق في أعقاب احتلاله للكويت، الأمر الذي يجعل الحصول على مستجدات البحث العلمي أكثر صعوبة.
البحث/الكتاب أيضًا يقدم إضاءات تاريخية على المنطقة، وعلى أسماء لم نعتد سماعها عبر الإعلام الرسمي، كالمعارض السعودي ناصر السعيد، والشيخ صقر بن سلطان القاسمي أمير الشارقة، والكويتي محمد البراك، والبحريني عبدالرحمن الباكر، وغيرهم من الأعلام والهيئات والحركات السياسية المُغَيبَة عن أسماع وأنظار أبناء الخليج العربي، وكأن لا وجود تاريخي لها، وهناك كم من الأحداث السياسية والتاريخية التي يشير إليها الباحث سواء في متن الكتاب أو في هامشه، مما تتطلب مزيدًا من إلقاء الضوء عليها وعلى تفاصيلها.
يستعرض شيئًا من تاريخ الخليج العربي ؛ تحديدًا حقبة الخمسينات والستينات .. فرغم تصوّري أن تلك الفترة معبأة بالجهل وقلة التعليم .. إلا أنها شهدت حـراك سياسي و ثقافي جـميل، حيث كانت المملكة تشهد تنظيمات قوميّة أثارتها عدة عوامل من أهمها بروز إذاعة صوت العرب و دور الصحافة المحلية في مساندة سياسة عبدالناصر كصحيفة أخبار الظهران .
أيضًا كان هناك تنظيمات ماركسية وأخذ النشاط الشيوعي يتغلغل في صفوف العمّال خاصة في المنطقة الشرقيّة؛ وبلغ حد تأثرهم بالأفكار الشيوعية أن وضعوا صور "ستالين" في منازلهم . تلك الحركات هي وطنية بامتياز مع التحفظ على توجهها أيًا يكن ..
كان ذلك الزمن سلف صالح للجيل التنويري رغم عدم وجود النفط فقد تهيأت لنا ظروف أسهمت في نمو الوعي الثقافي والسياسي إلا أن كل تلك التنظيمات لم تكن عميقة الجذور على الصعيد الإيدلوجي .
جهد ممتاز لتوثيق فترة تاريخية مهمة في تاريخ الجزيرة العربية (مرحلة ماقبل النفط ومابعده) يتحدث فيه المؤلف عن أبرز التيارات الفكرية التي ظهرت منذ اواخر الثلاثينات حتى بداية السبعينات محللاً أسباب ظهورها وشعبيتها وأهم الأفكار التي تنادي بها ومدى تأثيرها وتأثرها بالأحداث في تلك الفترة. من الملاحَظ أنه رغم التباين في الافكار المنطلقات بين هذه التيارات الفكرية الرئيسية إلا أنها تشترك في مطالبها "الحد من الهيمنة الأجنبة والمطالبة بالحرية والديموقراطية والمشاركة في السلطة. ومنها يُستنتج أن (الديموقراطية) تبدو هي المخرج الوحيد لأزمة المجتمع والقاسم المشترك لجميع التيارات باختلاف انتمائاتها التي يمكن من خلالها بناء مؤسسات المجتمع المدني وتجسيد الحياة البرلمانية على أسس دستورية حقيقي. تحفظي الوحيد هو أن أسلوب الكاتب يميل للتأريخ أكثر منه لنقد هذه التيارات وذكر آرائه حولها، وتجده في بعض الأحيان يتحدث بشكل عام جداً (وبالتالي غير دقيق) حول بعض التيارات.
الكتاب فريد في بابه ولا أظن أحداً سبقه إليه بمثل هذا التوسع والبسط، ولا غنى لكل من يكتب عن التيارات السياسية و الفكرية في أي قطر خليجي من الرجوع إليه والانتفاع به، لقد قرأت فيه أسماء سعوديين أجهلهم رغم أنهم كانوا ذوي شوكة في حياتهم ونشاطهم من شيوعيين وقوميين وغيرهم، ومن إيجابيات الكتاب أنه تناول جميع التيارات الفكرية من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار من إسلاميين وليبراليين وقوميين وشيوعيين بقلم فيه من الإنصاف والاعتدال والترسل الشيء الكثير.
الكتاب - وهو في رسالة دكتوراه - لطيف وسلس جدا، يعني فكرة شاملة عن ابرز التيارات التي عرفها الخليج خلال الفترة المحددة، وابرز اهتماماتها والجماعات المرتبطة بها. كتاب جميل وغني بالمعلومات.
الجزء الأول من سلسلة تحدث فيها المؤلف عن الوضع السياسي في الخليج وهي اطروحته للدكتوراة..بأخذ ذلك بعين الاعتبار فهيا مزعجة بالحواشي الكثيرة و الطويلة لكنها فيها خيوط لدراسة تاريخ المنطقة و زاخرة بالمراجع مملة؟ نوعاً ما إن لم تعتد قراءة الرسائل العلمية و تغض الطرف عن الاضافات غير المفيدة في غير قاعة البحث العلمي
كتاب ضمن سلسلة اطروحات الدكتورة شيق يحكي البنية الفكرية والاجتماعية والسياسية للتيارات الفكرية في منطقة الخليج وتمنيت لو أن هناك جزء ثاني يغطي الفترة من 1971 إلى يومنا هذا تتحدث عن هذه التيارات التي تطرق اليها هذه الرسالة العلمية التوثيقية القيمة.