طه حسين عميد الأدب العربي هو أديب ومفكر مصري تمكن من النبوغ والتفوق في إثبات ذاته على الرغم من الصعوبات الكثيرة التي واجهها في حياته، والتي يأتي في مقدمتها فقدانه لبصره، وهو ما يزال طفلاً صغيراً ولكنه أثبت بمنتهى الصمود، والقوة أن الإنسان لا يجب أن يوقفه عجزه أمام طموحه، بل على العكس من الممكن أن يكون هذا العجز هو عامل دفع وقوة، وليس عامل إحباط، وهو الأمر الذي حدث مع هذا الأديب العظيم الذي على الرغم من رحيله عن هذه الدنيا إلا أن الأجيال الحديثة مازالت تتذكره ومازالت كتبه واقفة لتشهد على عظمة هذا الأديب العظيم.
كان لطه حسين أفكار جديدة متميزة فطالما دعا إلى وجوب النهضة الفكرية والأدبية وضرورة التجديد، والتحرير، والتغيير، والاطلاع على ثقافات جديدة مما أدخله في معارضات شديدة مع محبي الأفكار التقليدية، وكانت من أفكاره أيضاً دعوته للحفاظ على الثقافة الإسلامية العربية مع الاعتماد على الوسائل الغربية في التفكير.
شغل الدكتور طه حسين العديد من المناصب، والمهام، نذكر منها عمله كأستاذ للتاريخ اليوناني، والروماني، وذلك في عام 1919م بالجامعة المصرية بعد عودته من فرنسا، ثم أستاذاً لتاريخ الأدب العربي بكلية الآداب وتدرج فيها في عدد من المناصب، ولقد تم فصله من الجامعة بعد الانتقادات، والهجوم العنيف الذي تعرض له بعد نشر كتابه "الشعر الجاهلي" عام 1926م، ولكن قامت الجامعة الأمريكية بالقاهرة بالتعاقد معه للتدريس فيها.
وفي عام 1942 أصبح مستشاراً لوزير المعارف ثم مديراً لجامعة الإسكندرية حتى أحيل للتقاعد في 16 أكتوبر 1944م، وفي عام 1950 أصبح وزيراً للمعارف، وقاد دعوة من أجل مجانية التعليم وأحقية كل فرد أن يحصل على العلم دون حصره على الأغنياء فقط " وأن العلم كالماء، والهواء حق لكل إنسان"، وهو ما قد كان بالفعل فلقد تحققت مجانية التعليم بالفعل على يديه وأصبح يستفاد منها أبناء الشعب المصري جميعاً، كما قام بتحويل العديد من الكتاتيب إلى مدارس ابتدائية، وكان له الفضل في تأسيس عدد من الجامعات المصرية، وتحويل عدد من المدارس العليا إلى كليات جامعية مثل المدرسة العليا للطب، والزراعة، وغيرهم.
أثرى طه حسين المكتبة العربية بالعديد من الأعمال والمؤلفات، وكانت هذه الأعمال الفكرية تحتضن الكثير من الأفكار التي تدعو إلى النهضة الفكرية، والتنوير، والانفتاح على ثقافات جديدة، هذا بالإضافة لتقديمه عدد من الروايات، والقصة القصيرة، والشعر نذكر من أعماله المتميزة " الأيام" عام 1929م والذي يعد من أشهر أعماله الأدبية، كما يعد من أوائل الأعمال الأدبية التي تناولت السيرة الذاتية.
كتابات لطه حسين بالفرنسية قام بجمعها وترجمتها عبد الرشيد الصادق محمودي الكتابات متنوعة ما بين خواطر ودراسات ومحاضرات ...... فكره وآراؤه في موضوعات مختلفة والقضايا التي شغلت ذهنه على مدار سنين من أجمل الموضوعات مقالات عن الإمام محمد عبده, وتوفيق الحكيم وبدايات الأدب المسرحي المصري الوعي وحرية الفكر والتعبير بين الدين والسياسة والأدب, ودراسة عن الشاعر المتنبي, وأحوال الكاتب ومسئولياته الترجمة موفقة وكانت مهمة صعبة للمترجم لرغبته في الكتابة بلغة تليق بلغة طه حسين العربية المميزة
الكتاب شمل مواضيع عدة في مجالات شتي فهو موجه للجمهور الفرنسي او في مناسبات غربية الا انه وبتناوله لموضوعات شرقيه ويكأن العميد اراد ان يكون وسيطا بين الثقافة العربية والثقافية الاوروبيه ويُعرّف غرب الارض بشرقها وما امتعها معرفه باسلوب طه حسين المميز ... كتاب وجدته بالصدفه واستمتعت به حقاً.
هذه المرة لن أكتب مراجعة خاصة بالكتاب و لكنني سأحاول نقل أهم ما ورد في الكتاب و هى الدراسة التي يتحدث فيها العميد عن دور الأديب..
• مع ظهور وسائل معلوماتية جديدة أصبحت القراءة أقل جذبا من السابق و بالتالي أصبح الأدباء مطالبين بجعل كتاباتهم أكثر جودة لتقاوم أغراء وسائل الاتصال الأخرى التي تلفت انتباه القارئ
• الكتابة عملية من طرفين .. الكاتب و القارئ.. لا انفصال بينهما.. و القارئ يجب أن يشارك الكاتب في هذه العملية.. الكاتب يجب عليه أن يكتب بإخلاص و برغبة حقيقية في إحداث التغيير للأفضل .. و القراءة تفرض على القارئ التفكر و الاجتهاد في فهم أفكار الكاتب
• الكاتب لا يكتب لنفسه.. و كاذب من يدعي هذا.. الكاتب يكتب و في جزء من مخيلته وجود جمهور ما من الفراء سيقرأون أعماله تلك..
• الكاتب مسئول تماما عما يكتب .. أولا أمام ضميره و ثانيا أما المجتمع.. و يجب ان يضع الكاتب في حسبانه مدى تأثير ما يكتبه على من سيقرأه.. أما ان يقول الكاتب أنني غير مسئول عما ستتركه كتاباتي من آثار فهو كذب وهروب من المسئولية.
• يجب أن يتحرر الكاتب من سطوة أي قوة خارجية عنه.. حزب سياسي ينتمي إليه.. او رجل أعمال يموله.. حكومة تدعمه.. لأن معنى خضوع الكاتب لأي قوة خارجية أنه سيتحول إلى اداة في يدها لخدمة أغراضها.
• تحرر الكاتب لا يأتي إلا بمصدر دخل مستقل.. و طه حسين يجد من الصعوبة أن يتكسب الأديب من الأدب و كذلك الفنان من الفن.. فيؤيد فكرة الحرفة الثانية للأديب أو الفنان.. بحيث يكون هناك حرفة أساسية هى مصدر للدخل و تكون الفنون مجرد حرفة ثانوية او هواية ..
• يجب ان تكون حرفة المبدع الأساسية بعيدة كل البعد عن مجال إبداعه و إلا فأنها قد تؤثر على أسلوبه و طريقته بشكل سلبي.
• الحرفة الأساسية للمبدع ستكون وسيلة لمعرفة خبرات حياتية أكثر بكثير من تفرغه للأدب في برج عاجي بعيدا عن قلب الحياة.. وهو ما ينعكس بالطبع على حيوية و واقعية أعماله.
تلك تقريبا الأفكار الأساسية التي احتوت عليها تلك الدراسة الرائعة! و الآن أتساءل إن كان كل شخص رفع قلمه و قرر الكتابة إذا ما كان قد فكر في كل هذا أم لا؟ العديد أصبح دافعه المال.. و البعض الشهرة.. و أصبحت قيمة الأدب كوسيلة للرقي بالمجتمع و الناس قيمة مختفية تماما.. حلت محلها ثقافة "التيك اواي"..
بعيدا عن تلك الدراسة .. تأتي دراسة اخرى تزيد في الأهمية عن الدراسة السابقة و هى عن استخدام الضمائر في سياق الآيات القرآنية.. و هى المعركة التي اصطدم فيها الدكتور مرة أخرى بالتيارات الإسلامية المحافظة... و هذه المرة بالفعل لا أجد أي مبرر لتلك الحملة الشعواء التي شنها الإسلاميون و منهم الرافعي على طه حسين.. العميد فقط يحاول التفكير و إعمال العقل و محاولة إقامة قواعد نحو جديدة من واقع القرآن.. ما المشكلة في هذا؟!!!!!!!! المشكلة أن هذا معناه أن "السلف" كانوا مخطئين في تفسيراتهم و قواعدهم! و كيف يكون السلف مخطئين؟! لا مستحيل! لا يمكن ان نتخيل مثل هذه الفرية الظالمة التي يقولها الزنديق طه حسين! و مرة أخرى يثبت التيار الإسلامي مدى الغباء و الجهل اللامتناهي الذي يغرق فيه! في نفس الوقت الذي لا يزال طه حسين الأديب يبهرني دائئما بفكره ووعيه ..