نص فهد العتيق، في عمله القصصي (أظافر صغيرة.. وناعمة) ملتبس، والالتباس هنا يطاول المضمون كما الأسلوب حاملاً المجموعة القصصية إلى مرتبة تلامس عتبة الأدب الرفيع، بل أخالها تطأ هذه العتبة. في بعض مقطوعاته استخدام العتيق ضمير الغائب في سرده مشفوعاً بتداع دافق للأفكار جعل العمل يذكرنا بأسلوب جيمس جويس، وجعلنا نتذكر عمل الأخير المعنون (سكان دبلن)، والعتيق قد يرمي أساساً إلى أن يرتفع بالمعيش إلى جو شبه ملحمي، سواء بوصفه البانورامي أو باستخدامه المتكرر لكمات "الأسطوري" و"الأسطورة" و"القدر". ومن هنا فإن جواً واحداً من الانكسار القدري يلف كامل العم ويجمعه إلى بعضه حتى يكاد يقربه ككل من (الرواية القصيرة)، وهو لو ملك الجرأة لأسماه رواية، وماذا يمنع ذلك؟ فالرواية الحديثة باتت كائناً حراً ينمو سواء بالحدث أو بالشخصية أو الجو أو التداعي، وهي ابنة الأزمة الحديثة، تتغير وتتحرر بتبدلها، ومع انفتاح النصوص والأنواع الأدبية وتجاور عناصرها المختلفة، في ما بعد الحداثة، قد يمكن لهذا العمل الانتماء إلى الرواية، سيما وأنه، في الرواية الحديثة، لم يبق خيط السرد المتصاعد معيارً أساسياً للحكم على انتساب العمل إلى عالم الرواية. ثمة جوّ أصيل وخاص يلف العمل من أوله إلى نهايته.
فهد العتيق كاتب سعودي يكتب في مجلة الفيصل وأخبار الأدب وجريدة الرياض والحياة يعيش في العاصمة الرياض. كتب أغلب قصصه ورواياته عن حارات الرياض القديمة والحديثة والتحولات التي عاشتها هذه المدينة العريقة خلال الخمسين عاما الماضية. صدر له عدة كتب في القصة والرواية من أهمها: إذعان صغير وكائن مؤجل. نشرت الصحف السعودية والعربية العديد من المراجعات والدراسات النقدية عن كتبه في القصة والرواية. وترجمت الجامعة الامريكية بالقاهرة روايته كائن مؤجل وصدرت بعنوان: life on hold عام 2012 . وصلت روايته الملك الجاهلي يتقاعد الى القائمة الطويلة في جائزة الشيخ زايد للكتاب عام 2015.
مرفق رابط لكتابات ونصوص الكاتب. وأيضا المقالات النقدية عن كتب المؤلف في موقع فيس بوك باسم : فهد العتيق كائن موجل وصحيفة الحياة.
نصوص لذيذة وخفيفة الظل, يبحث فيها "العتيق" عن حدث يستحق في كماليات الحياة, ويعيد من خلالها صياغة الروتين اليومي, وكتابة سيرة الهم والضجر, أحببت بعضها, والبعض الآخر كان لا بأس به.
الكاتب السعودي فهد العتيق يوقعنا في كمين الجاذبية نحن أمام كتابة سردية نوعية، وأمام كاتب- أيضاً- نوعي، بمعنى أن القصص، أو النصوص، أو الحالات المسرودة- كما يقرر الكاتب في صدر المجموعة- هي كتابة ليست تتجلبب في أشكال سردية تقليدية، أو قديمة، رغم توسل بعض النصوص ببعض المجاز.. وأظن أن هذه الكتابة على انتشار ما في الأدب الحديث، وعلى ترامي كتابها في أنحاء الوطن العربي، مازالت- حتى الآن- غير تقليدية، وربما غير مستوعبة عند فريق كبير من النقاد. فهذه المجموعة للكاتب السعودي فهد العتيق، نشرتها المؤسسة العربية للدراسات والنشر.. تحت عنوان كمين الجاذبية .. ويشي العنوان بهذه الروح الشعرية، التي ألمت بكتاب النصوص السردية في العقود الأخيرة.. ويقسم الكاتب نصوصه إلى قسمين الأول: حالات مسرودة ، والثاني كتابة أخرى .. ويدلنا ذلك على ولع كاتبنا بالعناوين الموحية، وليست الواقعية، إنه يدخل ساحة الأحداث محللاً بقدر كبير من التورية والخيالات والمجازات والتأملات، تستقر جمله على هرم من التعبيرات اللغوية المبذول فيها جهد، يكاد أن يكون مضنياً للكاتب والقارىء على السواء، ولكنه يرفع الكاتب- أحياناً- إلى سماوات الكاتب الذي يعيش فيها.. وفي بعض الأحيان نجد الكاتب ينزل معنا ليعيش على سطح الأرض، متخذاً أحداثنا وأحداث حياتنا.. بعض أفكار لقصصه.. يكتب في قصته الأولى: ذات مساء، تركت رأسي بكل أسئلته الضالة عند باب بيت لا أعرفه وخرجت، كنت أشعر أني خفيف إلى درجة الطيران.. وفي البيت شعرت أن الكلام يهرب مني، فكلما أنطق كلمة تخرج معكوسة، أو تطير في الهواء بلا صوت، أحسست أن أعضاء جسدي تتساقط الواحد بعد الآخر في معركة يبدو أنها محسومة، وحين قررت الهروب والنوم، صحوت فجأة.. كنت أحاول أن أترجم تلك الكلمات التي خرجت معكوسة، حين قفز السؤال مثل عمود النار: هل أنا الذي كنت نائماً.. أم أن الذي كان يقظاً سواي؟ .. وبعيداً عن التأثر الحاد في الفقرة الأخيرة بقصيدة أمل دنقل الجنوبي .. ويقول: هل أنا كنت طفلاً؟ أم أن الذي كان طفلاً سواي .. لكن هذا التأثر يعني أن العالم السردي لفهد العتيق مشحون بلغة شعرية، ليست لغة أحداث أو مواقف أو سرد.. إلا أن هذه الشعرية- أحياناً- تدخل عالم السرد دون أن تتخلى عن هذه المجازات التي تسم الشعر، وأريد أن أتوقف عند هذه اللغة التي يكتب بها بعض قصاصينا، ولذلك ينتج - عندنا- نص مجيد، ليس هو بقصة، وليس بقصيدة، ويستريح بعض النقاد ويطلقون عليه: نص دون تحديد هوية.. وأتساءل هل هناك هوية أبدية لأي نوع من الكتابة؟ وهل لابد من هوية؟.. هذا سؤال ليس استنكارياً - وليس استهجانياً، بقدر ما هو سؤال استفهامي، يريد أن يجد إجابة شبه قاطعة، أو إجابة مقنعة- علي الأقل. وتختلط اللغة الشعرية بالسردية في قصة تعارف .. ونلاحظ أن السرد هناك كثيف، وسريع: استيقظ فجأة، مبكراً، وبشكل مزعج، حتى أن تفكيره كان متوقفاً عند نقطة ما، تقاطع في شارع مثلاً ، أي شارع، كان يتمشى وحيداً على الرصيف الممتد، حتى ابتسمت في وجهه فجأة وسألته: ما الذي جاء بك إلى هنا؟.. تأمل وجهها وسأل نفسه: أين رأيت هذا الوجه من قبل؟ شعبان يوسف / القاهرة