حين صدرت طبعته الاولى كان حدثا ثقافيا لا شك فى اهميته ، فللمرة الاولى يحاول باحث وناقد كبير رسم صورة شاملة لواقع المسرح العربى المعاصر. وقد رسم الدكتور على الراعى فى هذا الكتاب "جدارية" هائلة مترامية الابعاد، اعتمد فيها على التقسيم الجغرافى ، فبعد القسم الاول بعنوان الاصول - يصم فصلين : التراث والمسرح الشعبى - جعل القصم الثانى عن المسرح فى المشرق العربى ، مفردا فصولة لمصر وسوريا ولبنان والمسرح الفلسطينى والاردن والسودان، ثم القسم الثالث عن الخليج العربى ويشمل ثلاثة فصول عن العراق والكويت والبحرين، والرابع يضم فصولا عن ليبيا وتونس والجزائر والمغرب . واخيرا ينهى المؤلف كتابه ببحث عن المسرح العربى والمستقبل. ولا شك ان الدكتور على الراعى قد بذل جهدا هائلا فى جمع مادة هذا الكتاب والعكوف على تحليلها، وهو يقول فى تقديمه: "الهدف العلم من هذا الكتاب التعريف بالمسرح فى الوطن العربى ، وقد سلكت كل السبل المتاحة كى يكون هذا التعريف اوسع واشمل ما تسمح به الظروف، مؤقتا - مع ان جهدا اكبر لابد ان يبذل فى المستقبل، كى يكون هذا التعريف كاملا ..."
كتب الراعي للمسرح حوالي 51 كتاباً واتخذ من النقد رسالة وطنية واجتماعية، وانحاز إلي الفن الجميل الذي يحمل الفكرة العميقة دون تجهم، ويحافظ علي الهوية الثقافية دون انغلاق علي الذات، ويفتح الباب للتجريب، والانفتاح علي ثقافات العالم. وفي مجال القصة والرواية ترك حصاداً كبيراً واستطاع أن يشد قارئ "الأهرام" إلي الأعمال الأدبية والمواهب الجديدة التي يكتب عنها، ففي مقالته الأسبوعية بالأهرام كان القارئ يستطيع أن يري النقد، ويري النص، ويضع أصابعه علي مواطن الفرح والجمال فيه، ويسعد بالأضواء الباهرة التي يسلطها الكاتب عل
وُلد في محافظة الإسماعيلية في عام 1920 في بيئة كانت تعيش فيها العديد من الجنسيات المختلفة التي تعايشت مع بعضها البعض، الأمر الذي ساعده في صنع صداقات مع أناس شتى مهما اختلفت أديانهم أو اتجاهاتهم السياسية
انتقل دكتور على الراعى إلى القاهرة والتحق بكلية الآداب جامعة القاهرة قسم اللغة الإنجليزية في عام 1939 ثم تخرج منها عام 1944، وحصل على منحة دراسية في جامعة برمنجهام حيث حصل على درجة الدكتوراه في موضوعه برنارد شو. وطالما أن الهدف الاسمي للمثقف الحقيقي كما جسّده دكتور على الراعى هو تثقيف الشعب وتعميق وعيه وإثراء ذائقته، فإن اختيار الأسلوب الذي يوجه به خطابه لا يقل أهمية عن الهدف ذاته، لهذا اختار علي الراعي في كتاباته طريق البساطة الأثرة والعمق الشديد بعيداً عن التقعر بالمصطلحات والمفاهيم الغامضة واللغة الأنانية المحتفية بنفسها.
18 يناير 1999 هو يوم الختام للدكتور على الراعي الشخصية المصرية العريقة في مجال المسرح، الذي اثري التراث الثقافي والأدبي المصري بكتاباته التي لا تقدر بمال في مجال السياسة والمسرح والنقد، فكان له فكره بان للأدب دوراً اجتماعي
بحث عن المسرح في الوطن العربية من الاقطاع للاستعمار للثورات والحياة الاجتماعية بمختلف أشكال المسرح من مصر لبنان سوريا فلسطين الأردن السودان العراق الكويت البحرين ليبيا الجزائر تونس المغرب عمل شامل من المحيط للمحيط من الخليج للمغرب العربي أسماء كتيرة جديدة بالنسبة لي كتاب كويس جدا
من الواضح أن الكتاب أول محاولة توثيقية للمسرح العربي في مجمله. و من الواضح أيضا أن الكاتب عليّ الراعي دارس كبير للمسرح، و أحد المساهمين في النهضة المسرحية المصرية في فترة الستينات. على أن ذلك كل لم يشفع للكتاب في نظري ضعف مؤلّفه من مضمونه و في طريقة توثيقه. فعلاوة على تجاهله لبعض الدول العربية كاليمن، و السعودية و موريطانيا و عُمان و كأن المسرح لم يطرق أبوابها قط طيلة تاريخها، (بتعلة عدم توفر المصادر الكافية، و هو أمر غير معقول في نظري بالنسبة لمن أراد اقتحام تجربة توثيقية ضخمة) فهو أيضا اكتفى بالنسبة لمعظم الدول المشمولة بالدراسة بمصادر أحادية الجانب لا يمكن أن تقدم نظرة حقيقية عن المسرح العربي. فكل ما ذكره في خصوص التجربة السودانية مأخوذ من دراسة وحيدة اكتفى بتلخيصها و ذكر بعض الاستنتاجات الشخصية بشأنها. الضعف الثاني يكمن في مضمون الدراسة نفسها، اذ أن نحو 70 بالمائة من الكتاب ـ و ربما أكثر ـ هي مجموعة ملخصات طويلة لقصص المسرحيات التي "درسها" الدكتور. و هو أمر في نظري لا يهم القارئ ـ الذي يريد أن يعرف تطور المسرح العربي ـ كثيرا، و ربما كان أجدى أن يطلعنا على التقنيات المعتمدة، في الاضاءة و الاخراج و التمثيل، و السينوغرافيا و غيرها. و هي أمور اهتم بها أكثر مع المسرح المغاربي ربما لتركيز المسرح المغاربيّ نفسه على الشكل عكس المسرح المشرقيّ الكلاسيكي النزعة مثلا... و بحكم معرفتي المتواضعة بالمسرح التونسي، فيمكنني الحكم أكثر على الكتاب من خلال هذا الجزء. يقول الدكتور ان المسرح العربي انطلق فعليا في تونس سنة 1909 و هو بالفعل ما تعترف به وزارة الثقافة و ما جعلها تحتفل بمائوية المسرح التونسي سنة 2009. لكن ربما كان من المفيد الاشارة الى ان تاريخ المسرح في تونس قديم جدا و يتجاوز الحضور العربي في البلاد، و أن ذلك ربما هيّأ في ما بعد بقرون إلى تقبل التونسيين للمسرح بطريقة ربما تفوق غيرها من البلدان. و مسرح الجم الروماني الذي يتوسط البلاد، يوحي بحركة مسرحية عالمية كانت تنشط هناك. فضلا عن ما لم يبلغنا عن المسرح البونيّ. و حتى بعد الفتح الاسلامي، فالنشاط الصوفي في تونس لم يكن له مثيل و كانت الحضرة ضربا من العروض المسرحية التي أحياها الفاضل الجزيري في تاريخ لم يبلغه المؤلف بدراسته. لنعد إلى تاريخ المسرح المشمول بالدراسة، فقد اقتصر الدكتور على مسرح عز الدين المدني، ناسيا أو متناسيا ربما أنه لم يكن الرجل الاهم في المسرح التونسي، و ان عليّ بن عياد الذي اكتفى بذكر اسمه كان بمثابة أبي المسرح التونسي. و كانت مسرحية مراد الثالث التي شملها بالدراسة من اخراجه. كما أنه أغفل مساهمات الفرق المسرحية الجهوية و هي التي كان لها الدور الابرز في اشعاع المسرح التونسي، و أخص بالذكر فرقة الكاف التي تخرج منها لمين النهدي، و فرقة قفصة التي تخرج منها رجال كثر كلطيفة القفصي و عبد القادر مقداد، و تركت أعمال خالدة في تاريخ المسرح التونسي كحمة الجريدي و عمر بوزور. و لعل اقتصار الدراسة على أواخر السبعينات، ساهم أكثر في جعلها اكثر قصورا، لما تحمله فترة الثمانينات في تونس و ربما ايضا في باقي الوطن العربي من نهضة مسرحية لافتة للانتباه. أذكر كل هذا الكلام دون أنفي استفادتي من الكتاب و تعرفي على دور جورج الابيض و الريحاني في تاسيس المسرح العربي، كذلك قيمة بعض الاسماء العربية كتوفيق الحكيم الذي لم اظن ان اعماله المسرحية لها مثل ذلك الحضور في المسارح العربية، و ايضا سعد الله ونوس و غيرهم...
كخلاصة، ربما من المفيد تحيين الكتاب، أو تقديم تجربة توثيقية جديدة