من أنت أيها الملاك؟ رواية إبراهيم الكوني الجديدة... ترتحل بنا عبر الصحراء إلى أسئلة الهوية، الأمل واليأس، التصوف، القتل، الحب والكره، التضحية.... بين الصحراء والمدينة. شخصيات قوية يحتويها السرد المميز.
Ibrahim al-Koni (Arabic: إبراهيم الكوني) is a Libyan writer and one of the most prolific Arabic novelists. Born in 1948 in Fezzan Region, Ibrahim al-Koni was brought up on the tradition of the Tuareg, popularly known as "the veiled men" or "the blue men." Mythological elements, spiritual quest and existential questions mingle in the writings of al-Koni who has been hailed as magical realist, Sufi fabulist and poetic novelist. He spent his childhood in the desert and learned to read and write Arabic when he was twelve. Al-Koni studied comparative literature at the Maxim Gorky Literature Institute in Moscow and then worked as a journalist in Moscow and Warsaw. By 2007, al-Koni had published more than 80 books and received numerous awards. All written in Arabic, his books have been translated into 35 languages. His novel Gold Dust appeared in English in 2008.
روايات الكونى هى روايات مكان واحد دائما وهو الصحراء بواقعها العدمى, يرها الجميع خواء وفراغ لكن للكونى رأى أخر فهى مجتمع مستقل بذاته ..الصحراء هى فردوسه المسكونة فى قلبه .. وهو الوحيد الذى يستنطقها ويخرج منها كل هذة الحياة على صفحات بلغة عذبة أنيقة و أسلوب شاعرى جدا وحوار فلسفى عميق عن الوجود والروح ... هى رحلة معاناة "مسى " بطل الرواية للاعتراف به وبابنه "يوجرتن"..و"مسى " تعنى فى لغة أهل الطوارق (مولاى) وهى الكلمة التى اشتق منها كلمة (المسيح) أما "يوجرتن" فتعنى (بطل الأبطال)..على مدارتتابع الأحداث..نجد العنصرية وسوء معاملة موظفى السجل المدنى الذى ذهب اليه الأب فى المدينة لتسجيل اسم مؤلوده الأول أو خليفته فى الأرض ..فيفاجأ الأب بانتزاع إسمه أيضا بدعوى انه من الأغيار عن الوطن ..بالرغم من تاريخ قبيلته العظيمة(الطوارق) التى ينتمى اليها "مسى" ......الحبكة متقنة جدا والنهاية أسطورية ... تناقش الرواية الهوية وفقدها / ما معنى الوطن ؟ وهل فقد الاسم هو فقد للهوية؟/صراع مجتمعات الصحراء والمدينة /هل ترضى بقوانين المدينة المتحضرة والعمران والامن الزائف مع فقدان الحرية ؟ أم ترضى بالصحراء البدوية مع الحرية المطلقة ؟
قراءة في رواية -من أنت أيها الملاك؟- لابراهيم الكوني كلّ شيء يبدأ بالإسم .. أو قد ينتهي به كل شيء ! »خاطبَ رفيقَ منفاه في جوف السّجلّ المدنيّ قائلا : - خرجتُ في غزوة لاسترداد الاسم المُغتصب، فإذا بي أجد نفسي وقد أضعتُ طريق العودة، اسمي أيضا إلى جانب الإسم المُغتصب ! اغتصبَ ضحكة مريرةً قبلَ أن يضيف : - أنا الآن أيضاً بلا اسم «(ص. 111 ) هكذا وصَفَ بطل الرواية "مسّي" بليّته لرفيقه في الإنتظار "موسى" داخل مبنى سلطات التسجيل المدني للمواليد الجُدد الذي انتظر فيه طويلاً جدّا لتسجيل اسم لنجله "يوجرتن" الذي رُفض بحجة عدم وجوده في "اللائحة المنزلة" للأسماء القانونية التي تعتبر لائحة مقدسة يستحيل مخالفة ما تمّ تدوينه فيها من أسماء. فيستغرب "موسى" من طريقة كلام "مسّي" ليشرح له هذا الأخير كيف أن اليأس عزاءه الوحيد : » - يُدهشني أن أسمعك تتحدث عن البلية بمثل هذه الرّوح. - لا أفعل ذلك من باب ادعاء البطولة، ولكن اليأس أيضاً خلاص. «(ص.112 ) ليس هذا فقط، فإن الحكم بعدم قبول الاسم كان يعني للأب والطفل معاً الحكم بالاعدام على قيد الحياة، وفعلاً، فقدَ "مسّي" اسمه أيضاً أثناء رحلة الصّراع لأجل "يوجرتن" بداخل المبنى نفسه بحجّة مفادها أنه لا يوجد دليل على أن بطاقة هويته قانونية لأن الإسم المسجّل ليس أيضاً من الأسماء "المنزلة"، فكيف يُعقل أن دائرة سجّلات مدنية قد سمحت به؟ تبدأ الرواية بلحظات انتظار.. يليه انتظار ثم انتظار آخر إلى نهاية ظلت مجهولة في نظر "مسّي" على الأقل قبل أن يبدأ مُسلسل الإستدعاءات، ولا فرق بين انتظار وآخر سوى في حجم القلق واليأس الذي يتزايد كل يوم بنفس عدد الأيام التي كان يكبر بها "يوجرتن". لكن ما سرّ هذا الإسم الذي تسبب بعدّة كوارث للأب الذي لم يكن يطمع من وراء كل القصّة سوى أن يسجّل اسماً اختاره هوَ لخليفته من بعده للحفاظ على تراث الأسلاف؟ "يوجرتن" اسم يعني في لغة الأسلاف بطل الأبطال. ولكن المشكلة أن القانون لا يرغب، بل يرفض رفضاً قاطعاً كل رمز –والإسم هنا أحد هذه الرموز- يحيي التاريخ بأحداثه أو شخصياته أو نواميسه. وهذا ما يبينه الحوار بين "مسّي" وأحد الذين استجوبوه : » - أليسَ خطيئة في حقّ الوطن أن نمنع من التداول تلك الأسماء التي افتدى أصحابها حرية الوطن بأرواحهم يوماً؟ - نحن نضع وحدة الهوية فوق كل اعتبار، لأننا لا نحيا بناموس التاريخ ولكننا نحيا بقوانين الواقع الحاضر. - اللهفة على وحدة الهوية لا تجيز لنا أن نطلق النار على التاريخ ! يسكتُ صاحب الإستجواب، فأضاف "مسّي" : - إكبار الأسلاف لا يهدد وحدة الهوية لأن شروط أي وحدة هوية إنما تكمن في لمّ شمل الأجزاء، لا بِـدقّ الإسفين في الكيان ليتفتت إلى أجزاء! « إن المشكلة إذن لم تكن مشكلة اسم غير مرغوب فيه وحسب كما اعتقد "مسّي" في البداية، ولكنها في الواقع كانت مشكلة صراع عميق بين التاريخ بما هو ماضي والهوية بما هي حاضر ومستقبل. لقد كان فقدان "مسّي" لبطاقة هويته مصدره فكرة "الإغتراب" التي كانت السلطات تؤمن بها، فبالرغم من أنه ابن الوطن بما هو مدينة وصحراء إلا أن القانون كان يعتبره مغترباً، وقد أخبره أحد المستجوبين أنه ما كان عليه أن يهجر الصحراء نحوَ المدينة "لأن الإغتراب في عرف الوطن خيانة للوطن". وأي اغتراب في أن يهجر "مسّي" الصحراء نحو المدينة بحثا عن لقمة العيش بعد أن انتهك الإنسان كل خيراتها ! لهذا السبب يحاول "مسّي" أن يشرح دوماً أنه ابن الصحراء، وأنه بالرغم من أنه لا يحمل شهادات إلا أنه تعلم في جامعة الصحراء ما لا يمكن تعلمه في أي مؤسسة مدنية، وهذا ما يجعله متمسكا باسم لا يعرف دلالته إلا هو وأسلافه الذين عاشوا في الصحراء التي خربها الإنسان. ومع الإستجوابات المتتالية كان "مسّي" يتحدث بخطاب الواثق مما يفعله، وأحيانا كانت عباراته الجريئة تستفز الآخرين غير أنه لم يكن يبالي، وليس أمرا غريباً أن يدافع عن قناعاته هذا الدفاع المستميتَ وهو الذي انتظر سبعة أعوام أو يزيد في مبنى السّجل المدني لا لشيء سوى لكي يحظى ابنه باسم تركه الأسلاف بعد أن ضحوا بالغالي والنفيس لأجل حرّيتهم وحرية القادمين من بعدهم. لقد كانت نواميسُ السلطات تقضي بأن يُمسحَ كل أثر لتاريخ الأسلاف، وأن يُعدَم كل من فكّر في الحفاظ على آثاره، وهل من إعدام أقسى من الحرمان من الهوية في دولة مدنية فيصبح كل تحركٍ بدون هوية بمثابة تهديد للحياة؟ ربما كانت قصّة الإسم هنا تذكرنا بقصّة "كلّ شيء Alles " لـ إنجيبور رايخمان حيث وصل الأب إلى خلاصة مفادها أن كل شيء يبدأ بالإسم الذي سيختاره لولده، وأن المرء عموماً يولد من اللغة وفيها وبأنه يحقق ذاته فيها ويتعذب بها وبداخلها وأنها السبب الأساسي لصداماتنا المتكرر مع الواقع وثوراتنا. وربما تشابهت القصّتان في هذه النقطة بالتحديد كما سيظهر لاحقاً حينَ سيفقد الأب في رواية ابراهيم الكوني "يوجرتن" الإبن بسبب "يوجرتن " الإسم الذي هو مجرد لغة و رمز لكنه سبب التراجيديا التي ظلت تلازم كل الأحداث. بعد مُسلسل الإنتظار تبدأ الأحداث بالتسارع بوتيرة مرتفعة، فبعد وفاة زوجته بسبب هموم حرمان ابنها من الإسم، ها هو "مسّي" يلجأ هذه المرة لورقة ضغط هي القانون، فهل فعلاً للقانون سلطة ستعيد إليه الاسمين الضائعين؟ يذهب "مسّي" إلى "الداهية" الذي هو المحامي الشهير بكسبه للقضايا المعقدة، ويشرح له الورطة التي وقع فيها منتظراً شعاع أمل واحد في كسب المعركة، غير أنه يتلقى صدمة أخرى من المحامي بعد أن عرف بأن المعركة هي ضد لجنة تملك سلطة أقوى من القانون : »- الحق أقول لك : لا أمل لمظلوم في نيل حقّ مغتصب ما لم تتنازل البشرية عن كبريائها الزائفة، لتقي بالقوانين الوضعية في صناديق القمامة، لتذهب لاعتماد القانون الأخلاقي وحده ! « (ص. 124) يبدو أن لهذه العبارة دلالة فلسفية عميقة، ففي الوقت الذي تدّعي فيه أجهزة الدولة أنها تتبنى القانون لحماية الأفراد والمظلومين نجد أنها لا تخدم سوى أصحاب النفوذ والصّيت الذي لم يكن لـ "مسّي" نصيب منه. يعود الكاتب ليتحدث من جديد عن الجانب المُظلم من القانون الوضعي في صفحات أخرى من الرواية وذلك في اللحظة التي ذهب فيها "مسّي" لمخفر الشرطة قاصداً تقديم شكوى بعد اكتشافه بقضية سرقة "الحجر المقدس" الذي يعدّ كنزاً من كنوز الصّحراء : »- الحجَر الذي يحمل بصمة الأسلاف ليس كنز الدنيا، ولكنه وصيّة روح. - أفهم أن يكون الحجر الذي تتحدث عنه وصيّة روح، ولكن كيف السبيل إلى إقناع أبناء هذا الزمان بهذه الحجة؟ - ظننت أن الحيلة إذا أعجزت سلطان العُرف فلا يجب أن تُعجز الحيلة سلطان القانون الذي يملك الحق في أن يضرب بيدٍ من حديد. ابتسمَ رئيس المخفر بمرارة. توقف عن سعيه وقال : - يدهشني وجود المخلوق الذي يعول على سلطان القوانين. « (ص. 243) في هذا المقطع من الحوار يبدو "مسّي" مجرد مغفل دخل مركز الشرطة وهو يجهل الحجم الحقيقي لهذا السّلطان الذي يريد الإستعانة به. ويالها من خيبة أمل ! لكن "مسّي" وكما عوّدنا دائماً، يواصل السّجالَ رغم نظرات السخرية التي يتلقاها واليأس الذي يحيط به، فيجد له في الضمير آخر ملجأ للدفاع عن قناعته : » - يجب أن نعوّل على سلطان الضمير لا على سلطان القوانين. - الضمير فارس حقّا ولكن البلية أنه فارس أعزل ! - قد يفلح فارس الضمير وهو أعزل، في ما يفشل في عمله سلطان القوانين وهو مُدجج بألف سلاح.. « (ص. 243 ) هنا يتجلى الصراع بينَ القانون والضمير الأخلاقي وقد بلغ ذروته، فـ "مسّي" لم يعد يعقد الكثير من الأمل على القانون الوضعي الذي هو من صنع إرادة الإنسان الطامع في الجاه والسلطان، خصوصاً بعد الحقيقة القاسية التي واجهه بها "الداهية" و مسؤول قسم الشرطة وحتى المستجوبون، فيتجه بنظره نحو الضمير الذي نفهم أنه أصبح آخر حلقة يمكن التعلق بها، ولو كان "مسّي" يخفي وراء قوة جداله الكثير من الضعف. خلالَ مُجريات الأحداث نلاحظ تصاعداً غيرَ مألوف في حدّة المشاكل التي تواجه "مسّي" في كل مرحلة، فما بدأ بصراع لأجل الحصول على هوية للإبن "يوجرتن" انتقل إلى مشكلة فقدان هوية "مسّي" الذي حافظ رغم ذلك على إصراره وروحه العالية في التحدي، ولم تقف المشاكل هنا، فبعد مدّة قصيرة يحدث خصام بين "يوجرتن" وأحد أطفال الحي يؤدي بكليهما إلى قسم الشرطة حيث ينجو الخصم لا لشيء سوى لأنه قال للشرطي أثناء طلب بطاقة الهوية إنه نسيها وحسب، في الوقت الذي يثور فيه "يوجرتن" ويدافع بشراسة عن قناعة ورثها من أبيه : »إن المواطن الحقيقي ليس في حاجة إلى امتلاك هوية إثبات لا لأنه لا يشك في انتمائه إلى الوطن وحسب، ولكن لأنه يحتقر كفالة يثبتها ذلك القرطاس التافه الذي لا يتسابق للحصول عليه إلا أولئك الذين يشكّون في انتمائهم إلى الوطن لأنهم لم يعترفوا به وطناً أصلاً إلا يوم ضاقت به الثروات ! « (ص.129) » البريء وحده لا يحتاج لشهادة براءة. « (ص. 131) بعد خبر اعتقال الإبن، يأتي إلى "مسّي" رفيقه في قاعة الإنتظار "موسى" ليعرض عليه صفقة مغرية بالعمل في شركة التنقيب عن المعادن في الصّحراء لحساب "الباي" الذي هو مديرها، مقابل أن يستعمل هذا الأخير نفوذه لاسترجاع الهوية الضائعة وتغيير الإسم لحساب "يوجرتن" وأيضاً إخر��جه من السجن . وكما يبدو فإن العرض كان بمثابة أملٍ أخير يمكن البطل من ضرب عصفورين بحجر واحد لولاً أن الثمن كان غالياً، لأن العمل في هذه الشركة كان يعني للبطل خيانة الأرض بمساعدة أهل المدينة على اغتصاب خيرات الصحراء من نفط ومعادن وأسرار تختبئ في جوفها. ولكن بعد تفكير طويل، لجأ البطل "مسّي" إلى القبول وتوقيع الصفقة على حساب القناعات والمبادئ لا لشيء سوى لأنه كان يرى أنه في سبيل الإبن يهون كل شيء ! وفعلاً يذهب الأب رفقة ابنه في رحلة العمل في الصحراء آملاً أن يتحقق ما وعده به "الباي" بعد العودة، ثم يقضي جلّ وقته خلال الرحلة رفقة "يوجرتن" ليكشف له خبايا الأسلاف وأسرار الصّحراء معتقداً أن خليفته الوحيد يجب أن يحفظ السّر من بعده، وخلال الرحلة يلتقي "مسّي" بالرجل الأول الذي أخذ منه ملفّ تسجيل اسم الإبن والذي طُرد من الدائرة مباشرة بعد قبوله الملف من "مسّي"، وسيروي له ما حدث بعد تلك الحادثة، وسيكون له دور مهم في كشف بعض ما يخفى على "مسّي" لاحقاً. أثناء العودة للمدينة يقرر الأب بيع المنزل وأخذ الابن معه إلى الصحراء من جديد، في الوقت الذي كان يرفض فيه الإبن الفكرة تماماً كما سبق وقال له أثناء حوارهما في الصّحراء : " أن أحيا في المدينة باسم مفترض أهون عندي من أن أحيا في هذا العَدم باسم مُكتسب." (ص. 163) بعد أيام قليلة يكتشف الأب كارثة جديدة وهي أن "يوجرتن" الذي لم يرضَ بهذا الإسم الذي جلب له الويلات منذ ميلاده، قد غير اسمه إلى "جريء" ولحق بصبيان يعانون من نفس مشكلته – بلا هوية – و يخططون في مكان سرّي لنَسف دائرة السجّلات المدنية، ثم يترك الإبن البيتَ خوفا من العودة إلى الصحراء. يحاول جار "مسّي" أن يفسر له سرّ هروب الإبن قائلاَ : »الأبناء في سن الطيش لا يهجرون مأوى الآباء إن لم يضمنوا وجود مأوى آخر أكثر إغواء من مأوى الآباء. إنهم كالنساء اللائي لا يهجرن رجلاً إن لم يضمنّ وجود رجل آخر بالإنتظار. « (ص.212) وربما كانت هذه المقولة تعني الكثير، فهذا الأب ربما لم يكن يشعر في قرارة نفسه بأنه السبب في ما يجري بسبب عناده وعدم محاولته تغيير الإسم قبل فوات الأوان، وهذا ليس غريباً جداّ ما دام يعيش في زمن الماضي، ويريد إحياء التاريخ ولو على حساب حياته. يستعين الأب بحفيد الجار ليجد ابنه في منزل رفقة الصبيان المغتربين فيحذّره من خطر الانتقام والتخطيط لنسف الدائرة : " وصية الأسلاف تقول : إياك أن تفعل شيئا على سبيل الإنتقام." (ص.225) يرد الإبن بثقة كاملة وكأنه اكتشف خدعة ما تكمن في وصايا الأسلاف المقدسة : " وعلى الرغم من ذلك لم تكن حياة هؤلاء الأسلاف سوى انتقام في انتقام ! " (ص. 225) وهذا امتداد لما قاله من قبل : " إن من فقد كلّ شيء ليس عليه أن يخاف أي شيء ! " (ص.249) فما هو "كل شيء" يا ترى؟ إنه الإسم. ولا شيء غير الإسم الذي هو هويّة وتاريخ الإنسان، خصوصاً في عصر المدنية، حيث لا يمكن، بل ويستحيل في عرف القانون أن يعتبر إنسانا حيّاً ذاك الذي يتحرك بدون هوية منذ الميلاد، هذا إن تجاوز عنه المجتمع واعتبره "مغتربا" وحسب، أما إذا صادف وجوده في مجتمع من يحسبون أنهم أرباب على النّاس فإن وصف "اللقيط" لا يفارقه مهما حدث، فيضيف على شرّ انعدام الهوية شرّا آخر يزج به في سجن الحقارة والبذاءة بسبب جريمة لم تحدث يوماً. إن كل ما بدأ بالاسم سينتهي حالاً به ! فحتى ذاك الإبن الذي كان يظن "مسّي" أنه صارع لأجله القلق والإنتظار والخوف وحتى التهديد بالموتِ ها هو في النهاية يزيل القناع عنه ليبدو مجرد خائن لوصايا الأسلاف بعد أن اكتشُف أمره بأنه من دلّ "الباي" على مكان الحجر السّري الذي كشف والده سره له أثناء خلوتهما في الصحراء، فيصدم بأن وريثه الوحيد كان يخطط لنفس ما يخطط له هؤلاء الذي قضى عمره منتظراً في دائرتهم. لكن هل للإبن مبرر لفعلته التي تعدّ خيانة عظمى ؟ لو نظرنا للرواية في مجملها لوجدنا أن الإبن كان يبرر فعلته في كل كلمة ونظرة يواجه بها أباه حين يتحدث له عن الأسلاف حتى ضاق ذرعاً بهذه الأسطوانة التي لم يكن أبوه يتقن ترديد سواها. أن تولد محروماً من الإسم، وتحرم بعده من الأمّ، ثم من حنان الأب والمدرسة، فهذا يعني أن لعنة ما قد أصابتك. ولا يمكنك أن تفكّر في طريقة فهم الأب للأحداث إلا وتكتشف أنه رجل أناني جدّا لا يريد في الحقيقة لابنه إسماً بطولياً بقدر ما يريد إسما يخلّد خليفته من بعده، ما يعني خلوده هوَ كأب سينتمي فيما بعد للأسلاف. ولكن يبدو أن الإبن في النهاية فقد كلّ أمل في الحياة بالطريقة التي يريد، فاستسلم ورحلَ رفقة أبيه باتجاه الصّحراء هناكَ حيثُ انتهى كل شيء.. نعم، فقد نحَر "مسّي" خليفته "يوجرتن" بـطل الأبطال، كما حدثَ في قصّة إبراهيم وإسماعيل، غيرَ أن السماء هذه المرة لم تُنزل أضحية تفدي "يوجرتن"، فقد تقبّل المصيرَ بدون مقاومة. " استقرّ النّصل المغسول بروح الإله الأبدي في نحر السّليل فَخرّ الإبن أرضاًـ انبثق الدم غزيراً من النحر ليسيل عبرَ الحضيض. تسلّل عبر الأرض الظمأى ليروي شجرة الرّتم فحشرجت الضّحية : - كأني أضحية العيد ! في البعد البعيد لفظَ معبود الأسلاف السماوي أنفاسه الأخيرة أيضاً، ليسلط على النسل المخضب بالدم شعاعاً مخضباً بالدم أيضاً، كأن الشعاع كانَ تلويحاً بتحية وداع." (ص. 255 والأخيرة.) بهذه الكلمات الدّامية ينهي "ابراهيم الكوني" روايته الدّامية أيضاً، ويكون مصير سؤاله "من أنتَ أيها الملاك؟" أن الملاكَ يموتُ قبلَ أن يعرف أحدُ من يكون.. وهنا نتذكر رمزية لوحة رآها "مسّي" ذات يومٍ في مكتب رئيس الدائرة المدنية حيثُ كان الملائكة يحلّقون بأرواحهم كأنهم طيورٌ سماوية، وكان القاسم الوحيد بينهم أنهم لم يحظوا باسم ككل البشر، فولدوا ولم يولدوا، ثم ماتوا ولم يموتوا فعلاً.. ذلكَ ان هناك من البشر من يلعب دورَ الآلهة التي تحيي، فيـمنع الحياة عمّن يريد ببساطة لا تتجاوز رفض توقيع واحد على قبول اسم ما، ظنّا منه أن مقدار الحبر الذي سيوقّع به أغلى وأنفس من حياة كائن ينتظر خلف جدران الدائرة بشغف إسماً يؤسس به تاريخه ويعلق عليه آماله البسيطة في الحياة كالآخرين. هكذا إذن يكون ابراهيم الكوني قد نسجَ بعبقرية الفيلسوف خيوطاً ميتافيزيقية لفلسفة ما وراء السطور، وعبّر بإبداع الروائي عن عدّة قضايا كـ الهوية، التاريخ، السلطة، القانون، الأخلاق، اللغة، المصلحة.. وغيرها، ورصَد ما بينها وبين الواقع من علاقة جدليةٍ ليكشف المستور بتعرية واقعٍ مرير. حينَ انهيت الرواية شعرت بارتجاج أصاب دماغي ويدي التي كنت أعوّل عليها أن تكتب شيئاً عن الرواية، فما كان بيدي سوى أن أهجر قاعة المكتبة الضخمة تاركة الملاكَ فوق أحد الرّفوف والذهول لا يفارقني.. ومنذ ذاك الحين لم أتوقف عن ترديد : " لو كانت هذه هي الرّواية، فـهذا بالضبط ما أريد أن أكتب مثله ! "
أول قراءاتي للأستاذ إبراهيم الكوني. . اسلوبه جميل. . يبدع في رسم شخصيات الرواية ،شخصيات تسحبك إلى أعماقها. . ذات طابع فلسفي تجده بين سطور اﻷحداث و الحوارات.
الشخصية الرئيسية هي الصحراوي ( مسي ) ،اسمه يعني " ولي المولى " بلغة أجداده اﻷمازيغ ،يعيش في المدينة ،و يرزق بمولود يسميه ( يوجرتن ) و يعني " بطل اﻷبطال " .
يذهب ليسجل ولده و استلام شهادة ميلاده من السجل المدني ،لكنه يفاجئ برفض الموظف لطلبه بحجة إسمه الغريب في العرف المدني!
تتوالى اﻷحداث ،و فيها يكتشف ما حقيقة الوطن الذي أصبح في أيدي الطغاة المستأثرين بخيرات و ثروات لا يسمح بإقتسامها مع المواطن. . و كيف تصبح علاقة مسي مع إبنه و دور مرور السنين عندما يصبح يوجرتن شابا ؟
* عبثا تتعبون أنفسكم و تنفقون اﻷموال الطائلة على حشرنا في المعسكرات ،و أموالا أكثر على ترحيلنا ،ﻷننا سنعبر الحدود على كل اﻷحوال ،و سنعود لنكلفكم ثروات أخرى ﻹيوائنا و الانفاق علينا ما دمتم تصرون على بناء المعسكرات ،و اﻹنفاق على حشد الجيوش لتثبيت أقدام خرافة الترحيل!
* لا جدوى من المجيء باﻷبناء إلى الدنيا ،ﻷن الفلاح في تربيتهم باهظ الثمن ،فإن لم يحالفنا الفلاح ،فإن اﻷلم الذي نجنيه من جراء هذا اﻹخفاق لا يقارن بأية بلية!
* اﻷبناء في سن الطيش لا يهجرون مأوى اﻵباء إن لم يضمنون وجود مأوى آخر أكثر إغواء من مأوى اﻵباء. إنهم كالنساء اللائي لا يهجرن رجلا إن لم يضمن وجود رجل آخر بالانتظار!
"لا جدوى من المجيء بالأبناء إلى الدنيا، لأن الفلاح في تربيتهم باهظ الثمن، فإن لم يحالفنا الفلاح، فإن الألم الذي نجنيه من جرّاء هذا الإخفاق لا يُقارن بأيّة بليّة".
بطريقة فلسفية واسلوب روائى يغوص بنا ابراهيم الكونى فى عالمه الساحر مجتمعه الذى يعشقه (الصجراء) . يتسائل اسئلة تعبر عن صراعه النفسى بين حياة الصحراء وحياة الحضر بين المعنى الحقيقى للوطن وهل انتماء الشخص لوطنه يحتاج لهوية واوراق رسمية ..يعترض على اسلوب الدولة المقيد للحرية مقابل حرية الصحراء والمعنى الحقيقى للانتماء ...من خلال مسى القادم من الصحراء والذى يحمل ابنه على امل الحاقة بالتعليم والذى لابد له من هوية رسمية ليمثل المؤلف الدولة فى كيان مبنى السجل المدنى ورمزيته من انه الحامى لهوية الدولة يصدم مسى بقيود الدولة على المتسللين امثاله القادمين للاستمتاع بما تقدمه الدولة كما يرون .الدولة التى قامت على ثروات تلك الارواح حتى وقفت على اقدامها وبعد ان امتصت خيراتهم لفظتهم ..وتنتهى بان الابن نفسه اصبح ضائع الروح لايعرف لنسه هويه ولا اتنماء .
“العمران يشتري بعملة مزوّرة هي الأمان الزائف ليصادر الحريّة بهذا الثّمن البخس
لا مكان بيننا لمن لم يؤمن بأن القوانين لم توجد إلا لتكون تلك الأحبولة المثيلة لبيت العنكبوت، حيث يتورط الضعفاء في حين يفلت الأقوياء.” ― إبراهيم الكوني, من أنت أيها الملاك؟
فئة اخرى من الأقليات في العالم العربي هم الامازيغ التي تعتبر الطوارق من أشهر هذه القبائل، وكم هو مؤسف ان هذه الأقليات محرومة من ابسط حقوقها ومضطهدة مغتربة في أرضها، فقط لانها لايمكن دمجها في مصطلح العروبة
فالقومية العربية لاتعترف بهؤلاء المختلفين عنها باللغة او بالثقافة او بالدين .... لخوفها على طمس وزعزعة وحدة الهوية
هذا النص يلقي بتلميحات عميقة عن مدى عناء المواطن في مواصلة حياته .. في مدينة شبيهة بمدننا كثيراً يكتم فيها أصحاب السلطة أنفاس ساكنيها . و يتحكمون بهم بطريقة فوقية , و يسلبون منهم حقوقهم البسيطة في العيش المعتدل الزهيد . هذا العمل الروائي ثائر على المدنيّة بصورها الحضارية التي قيدتنا بقيودها الصعبة . جميل في طريقة صياغته , و تركيبته العامة . أسلوب الكوني رشيق و منمق .. و ذو لغة عتيقة محكيه بصورة و شكل جديد . تميز هذا العمل بموضوعه المغاير و الجديد بطريقة صياغته , فلم يسبق ليّ أن قرأت عملاً يتناول مثل هذا الموضوع بهذة الصراحة و العنفوان تجاه الظلال الخفيه التي تسيطر على أنفاس المواطن البسيط . فيه شيء من الرمزية .. الذكية و الموظفة بشكل ممتاز .
برغم التشويق والتصاعد الدرامي في الأحداث لهذه الرواية ورغم أنها أول ما أقرأ لهذا الرجل وربما أدركت طرفًا من جماليات كتابته إلا أن لدي شعور غريب أني لن أعود إليها :) ـــــــــــــــــــــ رواية «منْ أنت أيها الملاك؟» من أعمال ابراهيم الكوني النادرة (ربما الرواية الوحيدة) التي تتعرض لتجربة واقعية وتخوض مباشرة في قضية تؤرق الانسان – الأمازيغي الليبي تحديدا - في اللحظة الراهنة ، فالروائي الليبي الذي عكف على استلهام الموروث الشعبي الصحراوي الموغل في القدم والخرافة وكرر «أسطرته» و«ترميزه» عبر أكثر من ستين عملا روائيا وقصصيا - لجأ في هذه الرواية الى تجربة شديدة الواقعية، أحداثها وشخصياتها تتحرك في مجتمع حضري مديني وتكشف أزمة الإنسان «الأمازيغي» بعد ان غادر حياة الترحال في الصحارى واستقر في المدينة. قضية «من انت ايها الملاك؟» التي صدرت عن «كتاب مجلة دبي الثقافية» ثم عن «المؤسسة العربية للدارسات والنشر» هي قضية التمييز ضد «الأمازيغ» أو «الطوارق» الذين ينتسب اليهم ابراهيم الكوني ويسكنون في منطقة فزان جنوب ليبيا ويعتبرون أنفسهم أصل جنوب الصحراء الغربية من أول الحدود الليبية في الشرق حتى الحدود المغربية في الغرب، بينما السلطات تعاملهم معاملة الاقلية العرقية الإثنية المشكوك فيها طوال الوقت، وتحرمهم من مجرد ممارسة تقاليدهم ولغتهم وأزيائهم، حتى أسمائهم التي توارثوها جيلا بعد جيل باعتبارها «نتاج ثقافة وثنية تهدد النسيج العربي أو قل العروبي» خصوصا بعد ثورة الفاتح.
إنها قصة "مسي" المعذّب الذي يتباهى بتعليمه العالي في جامعة (الصحراء) –أتساءل إلى أي حد يبدو هذا الوصف متكلفا- ورحلته المرهقة والمثيرة في سبيل تسجيل اسم ابنه في دائرة السجل المدني.
( - نفضوا الغبار عن الملف؟ - نفْضُ غبار النسيان عن الملف في لغة السجل، مثيلٌ لإطلاق سراح السجين من الزنزانة الانفرادية، شريطة ألا يطمع الخروج من حدود السجن!)
بقدرة الكوني الفذة، يصنع من هذا الحدث البسيط شرارة البداية لـ ما يشبه الرحلة الملحمية، رحلة مفتوحة على أسئلة فلسفية عميقة ومحيّرة عن الاسم، الهوية، العلاقة النديّة بين (أهل العمران) و(أهل الصحراء)، جدلية الآباء والأبناء..
في الحقيقة أعجبت بالرواية ولكنه إعجاب مشوب ببعض الحذر، ثمة مقاطع كتبت بجانبها "تصلح لمقالة" مثال: (الأبناء إذا وُلدوا فلن يكتفوا بشهادات الميلاد، أو وثائق الهوية، كي يحيّوا، كما أنهم ليسوا دمى بين أيدي الآباء تكفي هدهدتهم أو التلويح بأبدانهم في الهواء، كي يُعترف بهم أعضاء في محفل الجماعة البشرية، ولكنهم قنابل موقوتة قابلة للانفجار وتعريض حياة المجتمع لأكبر الأخطاء إذا أسي استخدامها، أو اقْتُرِفت أبسط الأخطاء في التعامل معها. فماذا فعل هو لتجنيب نفسه، وكذلك مجتمعه، تبعات هذا الخطر؟)
البيروقراطية الإدارية وأهوالها يمكن أن تلهم مؤلف ليقدم لنا رواية عن جحيم مكاتب الدولة، المخصصة أصلا لتيسير أمور المواطن، والتي تحولت إلى مراكز إستنطاق وتعذيب.
الطريقة التي يدين بها إبراهيم الكوني القومية العربية في مسائل الهوية، توحي لي بأنه يقع في فخ القومية الأخرى، وهي الآمازيغية،. والتي يمجدها دون هوادة.
أحب مقولة مالكوم إكس العظيم:
" على الوطنية أن لا تعمي أعيننا من رؤية الحقيقة، فالخطأ خطأ بغض النظر عن من صنعه أو فعله "
وراء الأحداث والشخصيات توجد فلسلفة وروح الصحراء التي يبرع الراوي في وصف سحرها وجمالها وسلطتها وقوانينها وآلهتها
استغرق مني إنهاء الرواية وقت طويل ... لا أعرف السبب هل هو عمق الرسالة التي يوجهها لنا الكاتب لأنها ليست مجرد سرد لقصة بل حوار مع واقعنا وماضينا وأين نحن متجهين
ويستمر الكوني في إبهاري في كل رواية وكل عمل يقوم بكتابته. رواية "من انت أيها الملاك؟" كانت رواية فلسفية مثيرة، تأخذك عبر غياهب السجل المدني ومن ثم كالعادة تأخذك الى الصحراء، الى سحرها ، الى تلك الأم التي تخلى عنها الجميع. هذه الرواية الخامسة التي اقرأها لابراهيم الكوني، واستطيع الان ان أميز أسلوبه ومصطلحاته من بين الف كتاب، تتميز اغلب روايته بالطابع الصحراوي، ووصايا الناموس التي تركها الأسلاف. الكوني يمتلك تلك المفردات الفريدة والتي أراها سحرية، التي تميز كتابته من حيث اللغة والمحتوى.
لغة الكوني مفعمة بالحياة رغم ما تحوية هذه الرواية من جمل مبطنة وغير مباشرة حالها حال القضية التي تناقشها ربما لإنها كتبت في زمن كان محظورا فيه تمام مناقشة أي قضية يرى النظام أنها تهدد وجوده ،الهوية و الانتماء والصراع بين مكونات المجتمع غاص فيها الكوني ببراعة بفلسفته المعتادة
بنى الكوني عالم روايته بناء يشبه ما فعله جورج أورويل في روايته "1984". وعلى حين هيمن الأخ الأكبر على البشر من خلال أجهزة التنصت والقمع والرجال المنبثين في كل ركن في رواية أورويل، فقد اختار الكوني مكانا واحدا رئيسيا يظهر من خلاله هيمنة الدولة على مقدرات البشر: مكتب السجل المدني الذي يتم فيه تسجيل أسماء المواليد، ومن ثم إعطائهم هوية. رحلة الأب "مسي" التي بدأت في السجل المدني ليسجل مولوده "يوجرتن"، وانتهت في صفحة الرواية الأخيرة بقتل الأب لابنه. وما بين البداية والنهاية يظهر تعنت موظفو السجل المدني وسطوتهم في عدم الموافقة على الاسم الذي اختاره الأب بحجة أنه ليس من الأسماء المنزلة في القوائم لديهم، ومن ثم عليه الانتظار، طال هذا الانتظار حتى استوى المولود فأصبح صبيا، ثم شابا يافعا دون أن تتاح له الفرصة للحصول على اسم يدخله عالم الأحياء الذين تعترف بهم الدولة في سجلاتها، وتتعقد أمور الأب فيسحب منه هو أيضا اسمه، وبالتالي تسحب هويته ليعود كابنه شخصا لا وجود له. وفي النهاية يقرر الأب أن يعود من حيث أتى: إلى الصحراء حيث يجبر ابنه على الذهاب معه، وهناك على مشارف الصحراء يستل مدية كانت معه، ويطعن بها ابنه الذي يصيح وهو يموت "كأني أضحية العيد".
طالما كان قدر المهمشين هو الانتفاضة. أو السعي للحرية حتى الخلاص.. الكوني مفكر ترقى رواياته لتكون نبوءة عصر تصاعدت فيه القوميات وساد فيه القوي ضدا على إرادة الحياة . تدور أقدار الرواية حول رجل يكافح لتسجيل ابنه باسم "يوجرتن" الأمازيغي في سجلات الدولة بليبيا . لكنها تقرر سلبه هو الاخر اسمه.ظنا منها انها تسلبه هويته. تدور حوارات فلسفية متداخلة حول الدولة,الدين, ودكتاتوري�� الأنظمة غذاة رحيل المستعمر عن شمال افريقيا وتقسيم أرض الطوارق.. تضع البيروقراطية صاحبنا بين خيار العودة للحرية ومدرسته الأزلية "الصحراء" وبين الصمود. أو التهجير .ليحمل وصم" لاجئ". تصبح الوصية الأخيرة للابن أن يحفظ وصايا الاجداد التي خرجت من كهوف "التاسيلي" لتكون إرثا يحفظ وصايا الطوارق. لكنه يضيعها أيظا بدافع الاغراء واشياء اخرى .. فما نفع الاسماء اذا ضاع التاريخ ؟ سرد متفرد يمزج أساطير الكتب المفقودة في إرث الطوارق .بحكم الانسان الأزلية .عن الحق. الهوية, محنة الانسان في الحياة. ومعنى الاغتراب والحرية . ونهاية صادمة جدا.. من انت ايها الملاك ؟
* "لا جدوى من المجيء باﻷبناء إلى الدنيا ،ﻷن الفلاح في تربيتهم باهظ الثمن ،فإن لم يحالفنا الفلاح ،فإن اﻷلم الذي نجنيه من جراء هذا اﻹخفاق لا "يقارن بأية بلية!
من أنت أيها الملاك رواية للكاتب الليبي إبراهيم الكوني صدرت عام 2009 م، الموضوع الأساسي للرواية إصرار المواطن «مسّي» على استخراج اسم لابنه «يوجرتن»، ولكن هذا الإصرار يصطدم مع سياسة الأسماء المنزلة التي تتبعها دول شمال إفريقيا؛ لمنع الأسماء الأمازيغية قبل غيرها، وما يجره ذلك من متاعب على الأب وابنه. من أنت أيها الملاك رواية للكاتب الليبي إبراهيم الكوني صدرت عام 2009 م، الموضوع الأساسي للرواية إصرار المواطن «مسّي» على استخراج اسم لابنه «يوجرتن»، ولكن هذا الإصرار يصطدم مع سياسة الأسماء المنزلة التي تتبعها دول شمال إفريقيا؛ لمنع الأسماء الأمازيغية قبل غيرها، وما يجره ذلك من متاعب على الأب وابنه
تجربة أولى رائعة مع كاتب متميز ذو قلم و أفكار و بلاغة بديعة استمتعت جداً ب الرواية من بدايتها لنهايتها مع أسلوب سرد رائع و حوارات فلسفية و عميقة عن الوطن و الهوية و القومية و أشياء أخرى.
اقتباس راق لي
المنفى ليس ان يغترب الانسان عن المكان، ولكن المنفى الأكثر جداره بلقب المنفى هو ان يغترب الانسان عن نفسه .
حبي لإبراهيم الكوني يفوق حبي لأي كاتب آخر ، أحب أن أبدأ به وأن أعود إليه وإلي صحرائه ودراويش حضرته . ، ليست أجمل رواياته ، لكن كما كل كرواياته توقظ فيك الحنين و تجعلك ممسوسا بوجد أبدي .
إبراهيم الكوني رواياته أدب حقيقي. يمكن أن يكون مملا للبعض وغير مفهوم، لكنها تجسيد حي للحقيقة لمن انفلت وانسلت من بين يديه لكن صورة سرابها لازالت شاخصة أمامه.
"يومٌ في رحاب الحرية يعلمنا أكثر مما نتعلمه من بطون كتب الدنيا كلها " هذا هو الدرس الرائع الذي خرجت به من رواية جميلة لأديب أول مرة أقرأ له ادهشني اختياره للأسماء بهذه الغرابة ليصيبني الذهول في النهاية عندما أجد أنه اختار أسبانيا مكانا للأحداث ومسي اسما للبطل ! فقد شعرت حتى وأنا لا أعرف جنسية الروائي ابراهيم الكوني أن الأحداث تعبر عن واقعنا وعن واقع المواطن العربي وشعوره بالاغتراب وفقدان الهوية ، حيث تتمحور الرواية حول رحلة البحث في الدهاليز وفي المتاهات عن اسم لابن البطل ليفقد البطل نفسه " مسي " اسمه في منتصف هذه الرحلة المحفوفة بالمخاطر وربما بالمهالك !!وفي النهاية يضيع الابن نفسه كنتيجة لضياع اسمه الذي يؤدي به لضياع مستقبله انتابني شعور قوي بأن الرواية تقع في المغرب العربي ، يتميز اسلوب الروائي الليبي بأنه يمزج الواقع بالأساطير ، وتجده يسخر بين السطور من الإنسان البسيط الذي يتعامل مع صاحب السلطة على أنه كائن اسطوري والحوار يبهرك في بعض أجزاء الرواية حيث يحتوي على تصور الصراع بين الدنيوية والدناءة وغرقاريء هي باختصار : " ور بعض البشر " خاصة المسئولين الذين يظنون أنهم يمتلكون مصائر البشر " إن الرسالة التي يريد إبلاغها للقاريءوالتي تتجلى من خلال السطور التي تفيض دموعا والما ودما على أحوال المواطن الذي يجد نفسه ضحية لمؤامرات تتعاقب عليه وهو عاجز لا يملك سلطة الاحتجاج او اتخاذ رد الفعل الإيجابي ، وتجده يعبر عن خيبته تلك قائلاً :"إن الأبناء إذا ولدوا فلن يكتفوا بشهادات الميلاد أو وثائق الهوية كي يحيوا ، كما أنهم ليسوا دمىً بين أيدي الآباء تكفي لهدهدتهم أو التلويح بأبدانهم في الهواء ، كي يُعترف بهم أعضاء في محفل الجماعة البشرية ، ولكنهم قنابل موقوتة قابلة للانفجار وتعريض حياة المجتمع لأكبر الأخطار إذا اسيء استخدامها او اقترفت أبسط الاخطاء في التعامل معها ، فماذا فعل هو لتجنيب نفسه ، وكذلك مجتمعه تبعات هذا الخطر ؟
يغوص الكتاب في داخل الإنسان الصراع النفسي بين الوجود الانساني و الورق الذي يثبته ! الشهادة والحياة يقودنا ابراهيم الى العمق الداخلي ، إلى الصراع .. دهشتني النهاية حيث أني في كل كلمة أقرأها و اتذكر المشاكل التي سببتها ل والدي أدرك أن الذرية ليس من خلفها الا قصر العمر و التعب و الفناء في محاولة كبح هذا القويلب المندفع الى كل شيء . يجدر بي القول أن الكتاب ما ان افتحه حتى أدخل في جمود فظيع في تبلد , لدرجة اني اشعر احياناً بعجزي عن تحريك عضلاتي و كأنني انا ايضاً أنتظر شيئاً ما , لا بل أرتدي مشهد الانتظار تماما و ابدا باستذكار كل الامور التي استجدي عطف الزمن , ليحققها ثم نعود الى صراع استحقاقيةة الاسم ! وهنا بدأت أجد نفسي ارفض اسمي تماما بل لدرجة ان الاسم الغنّاء دائما و الذي لطالما حاولت ان اصل الى مستوى رقيّه و تسامحه والخ . وجدته بحوزتي اجوف ! كأنني لم أفكر رغم كل تفكيري بـ الانسان من قبل و ب وجوده واثبات هذا الوجود وهنا نبدأ بـ التالي اننا دائما نسعى الى التفكير ب الانسان من الجانب الروحي الجانب الذي يقول ان على الانسان ان يثبت نفسه في مضمار الحياة و لم افكر انا شخصياً قبلا ب الاوراق و تأثيرها ولربما هنا يجدر بي التنويه أنه منذ وصلت إلى السويد و تحولت الى رقم أصبح ذلك يزعجني , عدم اهمية اسمي او الاشياء التي اريد يكفي اني سجل موجود على الالة , بدأت باستحضار كل هذا بل لربما شعرت في كثير من المرات اني من صلب الرواية واننا مجبولتان ببعضنا الآخر دون أن ندرك ! لقد كانت واحد من الروايات التي لربما لن اقوم على تذكر احداثها القليلة ولكن تقاصيلها و المشاعر المرافقة لها هي التي ستبقى إلى الابد خالدة
القصة تحكي عن رجل اسمه "مسّي" أراد أن يسمي ابنه الذي ولد حديثا باسم "يوجرتن"، وهنا تبدأ لعنة الاسم تتبعه حين ترفض لجنة الأنساب أن تعطيه شهادة ميلاد بسبب أن اسمه هذا ليس موجودا في قائمة الأسماء. بسبب هذا يدخل الأب في متاهة لا نهاية لها مع كل القوانين الجائرة ومع أولئك الذين نصّبوا أنفُسهم أربابا، يختارون لك أن لا تحيا بعدم إعطائك وثيقة تُثبت وُجودك. ليفقد حتى الأب فيما بعد اسمه والوثيقة التّي تثبت وُجوده.
كم هومخيف حقا أن تكون موجودا فقط لأن لديك وثيقة تثبت ذلك، أما إن لم تكن لديك فلا معنى لوجودك.... هل فعلا الأسماء كنز؟
موجعة موجعة... مسيّ وابنه ضحايا الاغتراب. اغتراب الروح عن مكانها. النهاية ملحمية ومذهلة... أكثر ما شدني منذ بداية الرواية وحتى نهايتها، تكرار”مسيّ” المستمر لمّا يقوله الآخرون في حواراتهم معه. كأنه يتسهجن زمنه الحاضر ويتساءل في نفسه هل يعقل مايحدث له من تهميش وما يشعر به من اغتراب في أرض يفترض بها أن تكون أرضه.
-- -- -- -- -- -- -- -- --
“الإنسان الذي لايملك أن يصير حيّاً مع الأحياء، ولا ميّتاً مع الأموات، ليس شقيّاً فحسب، ولا طريداً فحسب، ولكنه مغلول باللعنة! -هل تدري لماذا؟ -لأنه بلا وطن! -هل تدري حقّاً ما معنى أن يكون المخلوق بلا وطن؟ -إنه الجحيم!
عبقري بكل ما فى الكلمة من معنى ، يُحول فكرة بسيطة ظاهريًا - عميقة داخلية - إلى رواية ، يأتى الكاتب العظيم من الأفكار المجردة .. الهوية ، هل تكتمل هوية الإنسان بإسمه ، أم أن الإسم هوية ، أم أن الإسم لا يضيف الفرق ل الإنسان إن وجد أم لا ؟! الصحراء هى الأم التى تعلم قاطنيها كل شئ حتى الخلود والخطيئة . يغوص بنا الكونى إلى عالم النفس فيرسم شخصيات رواياته رسمًا متقنًا بلغة عميقة وسلسة فى وقت واحد ..
لم أعط هذه الرواية حقها من الهدوء والتفكير، إنهارواية تحتاج القراءة أكثر من مرة لتتشرب كل المعاني والحكم والفلسفة التي تدور حولها. بطريقة رمزية يسرد الكوني فلسفته عن الوطن والضمير والقانون والمدنية، وبلغة عالية راقية خلّاقة.. أعرف أني أظلم الرواية بهذه المراجعة البسيطة، وسأظلمها إن لم أقرأها ثانية باعتكاف وتجلٍّ.
قراءتي الأولى لابراهيم الكوني جميله وبسيطه اقتبس منها(لامكان بيننا لمن لم يؤمن بأن القوانين تلك الأحبولة المثيله لبيت العنكبوت حيث يتورط الضعفاء في حين يفلت الأقوياء)تذكرني بمعاناة الأقليات في كل مكان.