تعد الرواية اجتماعية نفسية، وتدور الرواية حول الصدمات في حياتنا، التي قد تكون سببًا في شعورنا بالأسى والتأثير علينا بالسلب إذا قررنا التساهل والاستسلام.. ولكن الأسوأ أن تعكس آثار عقدتك بسبب هذه الصدمة على من حولك..
تقول آين راند "أنت تحب فقط أولئك الذين يستحقون ذلك".. بالعودة إلى حديث السيدة آين في ذاك اللقاء وجدتُ نفسي ضبابيُّ الفكْر؛ حول الحب وقيمته وما يمثّله للمرء ! حيثُ أن الحبّ كفكرة يبدو كالوطن، لا شكلَ له وكثيرًا ما يجد المرءُ منّا أوطانه في الأماكن وفي الأرصفةِ أيضًا، وقد نرى الوطن متمثلًا على هيئة إنسان. وعند قرائتي لرواية نركسوس بدأتُ أرسمُ عدةَ أوجُه للحب وأبعدُه عن الحب المتعارف عليه بيننا، لم يكن الحب في هذه الرواية يتشكّل بين شخصين كزوج وزوجة أو حبيبيْن وهذا ما جعل فكرة الحبّ بداخلي تتغير من الخيال أو الترقّب إلى حالة خاصة وهي أن الحبّ يختلف، هكذا ببساطة.. إنه يختلف.
تقع رواية نركسوس عند ١٨٤ صفحة، مقسمة إلى عشر فصول، تراوحت الفصول ما بين الحاضر والماضي وهذا في رأي ما جعل سرد الرواية متزن مما يساعد القارئ في استحضار الزمكان دون أيّ اختلاف في الأحداث. تبدأ الرواية بالأستاذ (حسين) وزوجته (سميحة) التي ستبدأ معها أحداث الرواية، وعن وصف السيدة سميحة تقول إبنتها (نور) "أمي للأسف لم تتعلم ما هو الحب مع الأشياء أو حتى الحب مع الأشخاص" - صفحة ٣٧/٣٨ - وهذا هو ما بنيتْ عليه حديثي السابق عن فكرة الحب.. لغويًا ستبقى الرواية جيدة جدًا بحكم أنها خالية من أي مفردة لا تعكس مجريات العمل، الحديث عن الحب صادق وواقعي، ولم تفضّل الكاتبة وصف جانبٍ واحدٍ له بل بعثرتهُ على حقيقته، وهذا ما لفتَ إنتباهي منذُ أن بدأتُ قراءة الرواية إلى أن أكّدتْ الكاتبة فكرتي حينما كتبتْ "كانت (لين) من النوع الذي يشبه الصلصال الذي يتشكل على حسب من حولها أو على حسب من تتأثر بهم" - صفحة ٦٩ - وهنا طرحتُ على ذاتي عدةُ أسئلة أهمها هل المرءْ يفقدُ نفسه حينما يُحب أم أنه يتعرّف على نفسه ؟
أُعجبتُ بطبيعة العلاقة ما بين أمل - شخصية في الرواية - ووالدتها (فاطمة)، فكانت تنعكس على حياة أمل ولين وضوح الحياة التي منحتها لهم والدتهم فاطمة عكس ما ظهرَ عليه (سمير) - الأخ الأصغر لنور - ووالدته سميحة، فكما قالت نور "نشأتُ في أسرة ترفض الحب" - صفحة ٢٢ - فلم يعرف أيّ منهما ما معنى أن تحبّ الأمُّ أبنائها، وترتّب على ذلك التكوين النفسي لشخصية سمير وطبيعة التحولات الذاتية التي انعكستْ عليه منذُ نعومة أظافره.
فحينما أبدأ في قراءة أيّ رواية أهتمُّ لعدة جوانب أهمها الحبكة، والحبكة في الرواية هي بُنية الرواية من أحداث وأعمال، فهل تمكّنتْ الكاتبة من جعل الحبكة جيدة ؟ جوابي نعم.
الشخصيات.. لا يمكن أن يُخفي القارئ مدى إعجابه بالرسم الجيد لشخصية سميحة وكيف أن لها أكثرُ من جانب وكيف أنها تُظهر ما تريد قوله أو ترغبُ بفعله دون أن تجبر أحدًا بذلك، كما أن الإبن سمير ظهرَ ما بين ماضيه وحاضره الذي ترتبَ عليه صفات كالخوف والخضوع، فيمكن القول أن الكاتبة امتازتْ في هذا الجانب من الرواية.
فكرة الحب وتناوله من منظور مختلف هو ما جعلني أُعيد قراءة هذا العمل أكثر من مرة، ربما لأن البحث عن الحب ليس بتلك البساطة التي نراها وعند الوصول للحب فهل سنجد تلك النظرة التي نبتتْ بداخل أدمغتنا الناعمة !، كما أن الكاتبة لم تجعل الشخصيات خائفة من الحب بل بما يمكن أن يحدثُه الحب إن وُجد.
البيئة التي تحدث فيها الرواية يمكن تجزئتها لجزئين، الجزء الأول وهو البيئة المجتمعية من ناحية الشخصيات، بمعنى أن مترتبات الأحداث تحدث نظرًا للطبيعة الإنسانية بداخل المرء والتي إما أن يكتسبها أثناء سير الحياة أو من خلال العائلة كالتربية وجذورها، ومن هذه الجزئية كانت الكتابة عن البيئة ممتازة. أما الجزء الثاني فهو مدينة (الإسكندرية)، وللأسف شعرت أن الشخصيات دون أعمدة وكذلك الأحداث، فلم تنعكس عليّ طبيعة الوطن الذي هم على أرضه سوى أسطر معينة، وقلّما أشعر بطبيعة الحياة على تلك المدينة، لكن بالنظر لما قلته في بدء الحديث سابقًا أن الوطن لا شكل له وبالتالي كان وطن الشخصيات بالنسبةِ لي موجود في أعماقهم.
نركسوس.. ما الذي يعنيه هذا الإسم الذي اختارته الكاتبة رانيا رمضان إسمًا للعمل !
قبل أن أبدأ قراءة الرواية أجبرتُ نفسي على الصبر وأن لا أبحث أو أسال عن خلفية هذا الإسم على أن ألقى جوابًا داخل الرواية، وبالفعل وجدتُ ما يعنيه الإسم ولكن أروع وصف للإسم هو ما جاء في -الصفحة ١٨٣ - "هم يموتون لأنهم يحبون ذاتهم"، أما في أصل الإسم فهو يرجع للأسطورة اليونانية عن شاب وسيم يدعى نركسوس عشق ذاته حتى الموت.
الغلافة.. مقبول رغم أنه لا يعكس محتوى الرواية غالبًا ولكن بطريقةٍ ما يُناسب الأسطورة اليونانية.