🤔ما الفرق بين ان تقرأ التاريخ؟ و أن تعيشه؟ الفرق يكمن في رواية جيدة. رواية تضعك انت القارئ كشاهد حي لما سيقوله التاريخ.
وهذا ما فعلته ذكري الكشباطي بروايتها الأولى عصا فضة. عصا فضة.. كانت بمثابة العصا السحرية التي ضربت بها ذكرى الزمن فأعادته إلى عام ١٩٤٨ بدء الكفاح الشعبي في تونس ضد اقذر استعمار عرفه التاريخ. الاستعمار الفرنسي.
ما بين أصوات الرصاص القادمة من الجبال وقهقهات المستعمر الفرنسي في البارات. وما بين اصوات الأجراس التي تعلق في رؤوس الأغنام في بلدة عين الدراهم وتلاطم امواج البحر في قرية تازركة . وما بين صخب السوق الشعبي في الحاضرة تونس وصوت الأذان القادم من المساجد العتيقة. وما بين صوت الزغاريط في الافراح والصمت الثقيل خلف زنازن الاعتقال. تخلق ذكرى حكاياتها.
📚رواية عصا فضة رواية اجتماعية تاريخية. من العيار الدسم تقع في ٣٨٦ صفحة مقسمة إلى جزئين وموزعة على واحد واربعين فصلا.
⚔️نبدأ بالسلاح الأقوى الذي تمتلكه هذه الرواية الا وهو اللغة . تمتلك ذكري الكشباطي لغة سردية قوية جدا وتنوع كبير باستخدام مصطلحات ومفردار عربية فصيحة.وتبدو الجمل والمصطلحات لينة كالعجين تصيرها ذكرى كيفما تشاء.. إلى الحد الذي ظننت به أن جميع المفردات العربية التي حوتها بطون المعاجم كتبت في هذه الرواية.
هذه الملكة اللغوية ترفع ذكرى بين الكتاب العرب الجدد وتعطيها قوة في الاستمرارية وانتاج المزيد من الروايات اذا ما توفرت الأفكار.
🔮فكرة الراوية🔮 تقوم فكرة الرواية علي وضع القارئ في ملحمة اجتماعية تمتد بين العاصمة التونسية الحاضرة. وبين قرية عين الدراهم وقريةتازركة الساحلية. حيث تتحدث عن قصة زاهي الفتى الذي يهرب من قريته عين الدراهم ويلجأ إلى الحاضرة ليعمل اجيرا عند الشيخ (الطاهر )حيث يعطيه هذا الشيخ العمل والطعام والمأوى ويتعرف على ابنيه عبدالرحمن ومعتز . وفي نفس الحاضرة تعيش فتاتان هما صفية وغالية مع والدهما المريض. غالية متزوجة من شاب صحفي اسمه سالم. يتعرض سالم بسبب انتقاده الشديد لسياسة الاستعمار عبر مقالاته للاعتقال ثم يجد نفسه في يوم ترحيله إلى السجن يهرب مع مجموعة من المعتقلين فينضم للثوار في الجبل ثم بفضل عقله الثوري وقدرته على التخطيط يصبح قائدا للثوار.
أما صفية فلها الحظ الأكبر من القصة.. تأخذها الصدفة لتقوم بدور مختلف في خدمة الثورة..هي التي تلبس ثوب الراقصة في البار الذي يمتلكه احد الضباط الفرنسيين الذي كان سببا في مقتل والدها..فتتقرب منه لتنتقم.
علي صعيد القرية(تازركة) ..تظهر السيدة(لالا) فضة وحفيدها سعيد ورقية الفتاة التي تبنتها لالا فضة وهي الأخت الضائعة التي يبحث عنها زاهي.في تلك القرية تظهر أشد انواع المقاومة بين الشعب التونسي المتعطش للحرية والكرامة والمستعمر الفرنسي..
هذه الشخصيات بينها خيوط رفيعة..بالكاد تكون. ثم بعد تطور الأحداث تتحول هذه الخيوط الى حبال قوية ومتينة. تجمع القصص المتباعدة في قصة واحدة... ذات حبكة متماسكة.
👀الرمزية لالا فضة؛ العجوز القوية التي يهابها الأعداء والأصدقاء. قدمت زوجها وابنها شهيدين دون ان تذرف دمعة واحدة...وما زالت تعد حفيدها سعيد ليكون شهيدا هو الآخر.. باعتقادي الشخصي لالا فضة هي تونس.... وعصاها هي المقاومة الشعبية .
سرقة عظام الشهداء وتدنيس قبورهم تدليل من الكاتبة إلى ما وصل إليه المستعمر القذر من انحطاط اخلاقي.وصل به إلى سرقة عظام الشهداء وبيعها في فرنسا وهذا يدل على الانخطاط الأخلاقي الذي وصل إليه المستعمر الفرنسي.
🎬علاقة الرواية مع المسلسل السوري باب الحارة🎥 لأني من اشد المتابعين للدراما السورية.فلا يفوتني أن اضع مقارنة بين مسلسل باب الحارة ورواية عصا فضة.. سأقول باختصار اذا كان هناك تفكير بصنع مسلسل تونسي على غرار باب الحارة فعصا فضة هي الرواية التي يمكن الاقتباس عنها. ربما لأن المستعمر الفرنسي واحد.وربما لأن العربي هو واحد سواء كان في تونس او سوريا فهو ثائر بطبعه تواق للحرية والتخلص من المستعمر.
طريقة سرد الحكايات وصنع الأزمات مع الاحتفاظ بالفكرة الرئيسة للرواية تشبه ما حدث في مسلسل باب الحارة.... اجواء العائلة.. والحرفيين بالأسواق.. والنساء اللواتي يمتلكن العفة والفضيلة.. والجهاد ضد المستعمر. ولجوء الثوار للجبل...تصوير الأفراح والعادات والتقاليد.. واجواء التجسس... كل ذلك اجده متشابه إلى حد كبير.... بين العمل الدرامي ورواية عصا فضة. وهذا يدل أن ذكرى الكشباطي لديها قدرة على كتابة سناريو ناضج ومحترف.
🤨 بعض الملاحظات التي لم تعجبني بالرواية
الصدف..... أنا لا أحب أن تبني الروايات واحداثها الحاسمة على الصدف. فما بالك اذا تكررت الصدف ثلاث مرات......على الكاتبة أن تأخذ بعين الاعتبار هذه الملاحظة....فالصدف تقتل الروايات...
☕ بعض الاقتباسات من رواية عصا فضة 🍪
الحقيقة التي اقولها دون مجاملة أن رواية عصا فضة في اي صفحة ستفتحها ستجد اقتباسا يعجبك. فهو كتاب يصلح ان يكتب كله كاقتباس..
لكن سأختار ما اعجبني :
"هناك اقتباس طويل جدا في بداية الفصل ١٣ لذلك ساكتفي بشرح فكرته العبقرية. تصف الكاتبة كيف مر العمر على لالا فضة. فهي تجلس على شاطء البحيرة تشاهد. فتاة جميلة تعبر البحيرة والمياه تغمر قدميها ثم ساقيها فجذعها.. حتى تختفى بأكملها....ثم تخرج من البحيرة. وقد تقوس ظهرها وتغيرت ملامحها وصارت عجوز.. واصبحت هشة لا تستطيع مقاومة تيارات البحيرة حولها.. لم تكن تلك الفتاة حقيقية بل كان تخيل لالا فصة لنفسها..ومرور عمرها... او لنقل تخيلها لتونس وما عانته بسبب الاستعمار. "
*" وكأن الأشخاص الذين نحبهم لا يموتون حين يموتون،وكأنهم فارقوا اجسادهم لا لشيء إلا لتغيير مقر سكنهم من أجسادهم إلى أجسادنا، ولا عجب في ذلك حين نشعر أننا صرنا نحبهم اضعاف ما كنَّا نحبهم في حياتهم. "
*هناك، على مربع الرقص، مسلمة اقدامها للنسيم، لا جاذبية تسحبها إلى تحت فتربكها. قد مياد يراقصه لحن، يطوقها من خصرها يدنيها، يبعدها، يرفع خصلات شعرها، يسدله، يرفع أناملها، ويديرها، تلتف وتلتف، يسحبها فتنحني، فراشة أنيقة، شهية تذيب العقول، وتسحر الألباب، وتخلب العيون!
* من لا أهل له مثل قصبة يتيمة، في أرض بلقع تلاعبها أيادي الوحدة والغربة. لا ينبت داخلها زهر،ولا يستل منها لحن.
💔 الحب والثورة توأمان لا يفترقان.. وفي رواية عصا فضة ستجد الحب هو البطل الحقيقي الذي يترك بصمته في كل فصل بل في كل صفحة.
🧕 ملاحظة جميلة... سنشاهد أن ايدلوجية الشخوص في رواية عصا فضة تميل لطابع التدين والتصوف.... ثم نجد ان هذا الألتزام مصدره الحقيقي طابع الكاتبة الملتزم..الذي انعكس على شخصياتها في الرواية .
✌️ تقيمي للراوية هو ⭐⭐⭐⭐ ٤ من ٥
🔚 في الختام..رواية عصا فضة رواية جميلة وممتعة... تشم بين اوراقها عبق يشبه الذي في ثلاثية غرانطة لرضوى عاشور.. وتبشر العالم العربي.. بمولد كاتبة عربية سيكون لها شأن كبير... إن شاء الله.
نعم انا لم ازر تونس بجسدي حين أردت ذلك في ذلك الزمن .. لكني اليوم ازور تونس بعقلي وقلبي بعد أن اكملت هذه الرواية.
من رأيي أن أفضل عمل يقوم به الكاتب هو أن يجعلك تشعر وكأنك أحد شخصيات الرواية ولست مجرد قارئ تُقلب بعض وريقات ، أن يجعلك تشعر أن أبطال الرواية هم عائلتك وأنك أحد أفراد الرواية ، تفرح لفرحهم، تحزن لحزنهم، تقلق لقلقهم، تنتظر لانتظارهم، تُصاب لمصابهم، وتنتصر لانتصارهم. كل ذلك عشته وكأني ولدت بتونس، كأني نشأت بتازركة أو عين دراهم. لم أقرأ رواية .. لقد شاهدت فيلماً ملحمياً، كان السرد بديع والوصف أبدع للدرجة التي تجعل صفحات الرواية وكأنها مشاهد مرئية وليست مجرد حبر على ورق. لقد ضحكت لمزاح رقية وسعيد وضحكت أكثر لما رأيت بمخيلتي لغة جسد صفية في حديثها مع عمتها الحيزبون ، وعبست لعبوس غالية في ليال قلقها على سالم وعبست لقهرة التهامي على ما أصاب عائلته، شعرت بالقلق على صفية وما قد يحدث لها في الحانة وكأنها أختي وعرضي وأصابني الخوف على سالم وجماعته وكأني محاصر في الجبل معهم. رأيت كيف تكون الهيبة والشجاعة والأصل الطيب في حضرة " للا فضة "، ورأيت كيف تكون الحقارة والنذالة في كل مرة يحضر فيها عزيز أو المقص بين السطور. استبشرت أحيانًا وكأن حبيبتي أخبرتني أنها تبادلني نفس المشاعر و تطيرت أحيانًا أخرى وكأني استيقظت من نوم بعد العصر على نعيق بومة سوداء. لقد أحببت تونس أكثر وأكثر، وزاد كرهي لفرنسا أكثر وأكثر وأكثر. الكثير والكثير عشته من المشاعر والأحاسيس بين سطور هذة الرواية . لا أريد حرق الأحداث لك .. سأترك لك فرصة كي تعيش نفس المشاعر التي عشتها وصدقني سوف تشكرني على ذلك . رغم كثرة الأشخاص والأحداث في الرواية إلا أن الحبكة كانت مُحكمة، وترابط الأحداث كان فائق الوصف. المفاجآت كثيرة، صحيح بعضها متوقع، لكن أيضاً هناك ما يصدم بقوة. أقسم أنه بعد انتهائي من قراءة الرواية تمنيت لو كانت لدي المهارة لأكتب مثل هكذا حبكة، تمنيت لو زرت تونس ومشيت بضواحيها وأزقتها، تمنيت لو شريت " شاشية " وتوجت بها رأسي، تمنيت لو تناولت الكسكس والعصيدة والسلطات المشوية، تمنيت لو سمعت من أهل تونس" حرف القاف " الذي يسحر مسامعي ما أن أسمعه باللهجة التونسية، وإن لم أكن طماعاً أتمنى لو نادتني إحداهن باسمي تسبقه لفظة " سي". أخيراً : كل ما هو تونسي جميل .. العم بيرم جميل .. أبو القاسم الشابي جميل .. وكأهلاوي صميم أقول أيضاً : علي معلول جميل وجميل وجميل و عصا فضة جميلة و ذكرى الكشباطي بلا شك جميلة. في انتظار روايتك القادمة على أحر من الجمر.
رواية #عصا_فضة للكاتبة المتألقة ذكرى الكشباطي والتي أتنبأ لها عن قريب بجائزة كبرى فاللغة التي تكتب بها هي لغة روايات كتارا والبوكر ، على صعيد المراجعة فكانت شخصية غالية هي الشخصية الثرية بالنسبة لي و التي غاب عنها زوجها وفقدت جنينها ثم فقدانها لأبيها أمامها وصدمتها فى طريقة تضحية أختها وأخيرا تهجيرها فكانت لها تلك الكلمات.... مزيدا من التألق والنجاح يارب أست��ذة ذكرى الكشباطي