لا شيء يبعث على الخوف سوى تذكر ملامح الفناء لجسد ظل يعبث بالفوضى في حالة استسلام، نلوم أنفسنا أكثر من أن نمتدحها في رحلة الثنائيات المرعبة، لا شيء يبقى حينها أو هي أشياء شتّى ستنقل سيرتنا الطيبة بعد مماتنا في ألسنة البشر، ولن يتجرأ أحد حينها على نسف كائن غير حي..
لا شيء يبقى في الذاكرة سوى تلك الأفكار المزعجة والتي لا تنفك عن زياراتها المتكررة حتى وإن كانت أفكارنا في الواقع تنتشي بفعل اللذة جراء حادثة ما فنصاب بلوثة التفكير في المرض أو الموت.
كاتب من المملكة العربية السعودية من مدينة الرياض، الأعمال المنشورة هي رواية "طوبائي حالم" في العام 2011 لصالح دار الفكر العربي، ورواية "دوار الأرض" لصالح دار الفارابي اللبنانية في العام 2016، ورواية "دادا جينوم" لصالح دار أثر للنشر في العام 2021
حوار خاص بالأعمال الفنية الروائية لصالح موقع الرواية نت
إبراهيم الثابت بحيرته بين متضادين بالغ كل منهما في طريقه، حتى إن الأخر في بقي متشبث في زاويته ، متجاهل احتمالية ألا يكون تصرفه على صواب؟
هل هي التركيبة الجسدية لخلق الانسان تؤثر على سعيه الدائم لمحاولة اقناع الاخر؟ من جهة أخذ شاكر صمت إبراهيم حد إسهابه في واقعه، وعلى النقيض أخذ سفيان الكلام دون قناعه، وظل مقيد لمواقفه.
والحقيقة اتفق مع إبراهيم كون هؤلاء المتضادون متشابهون لحد كبير، وبالحق أشمله معهم.. في نهاية الأمر البشر بتركيبتهم يمتلكو نفس الصفات ولكن تجاربهم وأرواحهم تظهر شيء وتقمع أخر. نتشابه في الطريقة برغم اختلاف المبدأ، كل منهم يحاول جاهدًا سد ثغرة الشقاء ليطمئن نفسه أنه على صواب.
.. أحببت جدا وصف مرحلة كورونا ولو كانت قبل ذلك لظننتها خيالًا لن نعيشه أبدًا
الأب (دادا) جينوم بهذا العنوان الجاذب الذي يؤكد لنا الكاتب من خلاله تداخل العلم في تركيب الصفات النفسية للإنسان، بما أن لكل كائن حي صحيفة، وحالة وراثية مدوناً بها ترتيب معرفاته الوراثية (كروموسوم)، أو ما يسمى صحيفة المحتوى (جينوم) (Genome)، بهذا أحب الكاتب أن يصل بك إلى المآلات الحتمية لشخصية الإنسان مهما تأثر بمصادر التغيير "ميادين أنتجت لي زماناً بكل ما فيه من الصور الذهنية والتي قد نشأت بفعل الاتصال والتفاعل وإن كانت الغلبة دائماً لصالح ميدان الطفولة، لا يمكن لشيء أن يكون أجمل من أن تكون الحياة في البدء إدراكاً مباشراً للعالم والأشياء".
الرواية تحفة فنية للروائي السعودي ماجد الشيباني.
استطاع أن يخلق عالماً تفاعلياً (كيميائياً) من الصداقة الملتبسة بالأدب وعلم النفس، الشخوص المميزة بصفاتها وحيواتها المتباينة، ومزاجها المتناقض "وأي مناخ مر بي، فمرة أمام عقل ناقم ومرة تجدني أمام عقل متقد محموم بالأفكار والتي لا يقف في طريقها سوى ما كان يفعله من التظاهر بأن كل شيء يسير باتجاه طبيعي، ذوات تفكر بالاستمتاع بجملة الأشياء الجميلة، عوضاً عما كان يقلقها من أفعال من شأنها أن تضر بأجيال قادمة"، وشأن كل العلاقات الإنسانية خصوصاً عند ارتفاع التراكم المعرفي عن الطرف الآخر تصبح درجة المخاطر مرتفعة بنفس الدرجة "كل العلاقات الثنائية مهددة بالخطر" وأسبابها يعود في الأصل إلى معرفاته الجينية وما تشكل عليها على طول العمر وكيف تشكلت وخصوصاً في مرحلة الشباب "ميدان مرحلة الشباب، مرحلة التعلق بذات تبحث لها عن مساحة للفهم والتصور ومن حقها الشك والنفي والتخيل في محاولة دؤوبة لتجنب متاعب الحياة ومخاطرها، لكن اللجوء إلى الداخل خطر وقد يصل الأمر لأن يكون جريمة، فمن عزف عن الحياة بصفة مؤقتة كمن عزف عنها بصفة كاملة"، كما وصف الكاتب مهارة الاستماع التي يجيدها، بأنها تخلق مساحات مشتركة مع طرفين متناقضين لا يوجد أي مساحة مشتركة بينهما، وهنا يريد الكاتب إثبات أبوية الجينوم في صنع الشخصية وتشكلها وخلق الخصائص النفسية التي تسمح للبعض بالتشارك والتقاطع ولا تسمح لآخرين بذلك.
شدني في الرواية أسلوب الكاتب المميز بالطرح الفلسفي الممتع، والتحليل النفسي الباهر، بلغة سردية راقية.
مقتطفات من الرواية:
الزمان ليس إلا ذلك الإيقاع الذي صنع لنا جملة من الأحداث من أجل أن تسهم الذاكرة بخلق نوع جديد من التأمل في الهوية السردية الفردية ومنها إلى المجموعات الإنسانية. وأي إيقاع خارج هذا النسق يبقى في مرحلة الشك..".
إن كل إنسان يستطيع الدفاع عن مصالحه الخاصة بقوة الكلمات.. عاش معهم فترات طويلة يرى فيها أن الحكمة والمعرفة تسيران جنباً إلى جنب، فبات لا يتحدث إلا عن الحكمة الإنسانية..".
مهارة الاستماع التي أجيدها سلاح ذو حدين؛ لأنها مسألة تتعلق بالآخرين فقد تأتي بالأفكار النيرة لتحتل مكانها بثبات في الذاكرة وكأنها عطر متطاير في الهواء يبعث على الراحة لحظة عمل مستقبلات الرائحة في أنوفنا، وقد تأتي الرائحة بما هو عكس فتكون الغشاوة التي تفصل بيننا والعالم بأكمله، وحينها؛ ترتطم بالحقيقة رؤوسنا..".