"يقف القارئ من خلال هذا المجلد، على أحوال مصر السياسية والإدارية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ويدرك مدى الضعف الذي أصاب الإدارة العثمانية في مصر، فقد أصبحت الإدارة والنفوذ في يد الفريق الغالب من الأمراء المماليك المتصارعين من أجل الاستحواذ على السيطرة والنفوذ، بدون أن يكون لوالي مصر من قبل الدولة العثمانية صوت مسموع في هذه الصراعات، بل كان يقف موقف الخشية من هؤلاء الأمراء، حتى الحملة التي أرسلتها الدولة لتقوية قبضتها على مصر، والقضاء على الصراع الدائر بين الأمراء المماليك، لم تؤد إلى تقوية نفوذها ولم تقض على صراعات الأمراء، بل زادت المظالم على الشعب المصري."
عبد الرحمن بن حسن برهان الدين الجبرتي (ولد في القاهرة عام 1756 - وتوفي في القاهرة عام 1825). و هو مؤرخ مصري عاصر الحملة الفرنسية على مصر ووصف تلك الفترة بالتفصيل في كتابه «عجائب الآثار في التراجم والأخبار» والمعروف اختصاراً بـ«تاريخ الجبرتي» والذي يعد مرجعاً أساسياً لتلك الفترة الهامة من الحملة الفرنسية. قدم أبو جده من قرية جبرت - والّتي تقع الآن في أرتيريا - إلى القاهرة للدراسة في الأزهر، واستقر بها.
دفع الجبرتي الاشتغال بكتابة تاريخه أن وقف موقف المعارضة لحكم محمد علي باشا منذ بداية حكمه لمصر وانشقاقه على الدولة العثمانية. وظل سنوات يترقب ما ستؤول إليه الأحداث في عهد هذا الرجل وكان خلال ذلك يرصد كل شيء، ويدوّن الحوادث والمتفرقات، ويسند كل ما يقول ويدون إلى مصدر ثقة أو شاهد عيان سماع عاصر الحدث أو سمع عنه. وكان يحرص أن يعاين الأحداث العامة بنفسه ليتوخى الصدق ويتجنب نقل الأخبار الكاذبة، لقد تعرّض الجبرتي في سياق ذلك لكل شيء، فقد ذكر الأحوال الاقتصادية من زراعة وتجارة وفلاحة، وإلى أنواع النقود المتداولة في الدولة وإلى الأسعار وأنواع المقايضات التي كانت تحكم العلاقات التجارية. وتعرض إلى الحياة الاجتماعية بكل ما فيها من أحوال شخصية وعادات أسرية وقيم سائدة في المجتمع آنذاك. كما تعرض إلى الحياة الدينية والثقافية وأخبار الأدباء والعلماء المشهورين والمشايخ البارزين.