يناقش الباب الأول من الكتاب فكرة تميز الشعر العربي من عدمه، وهو نقاش ينطلق من منظور الصنعة، أو الخصائص العلمية للشعر، بمعنى التقنية المتّبعة في صناعة الشعر، وهي استخدام الوزن والقافية، استنادًا إلى تعريف الشريف الجرجاني للشِّعر العربي بأنّه "كلام مقفًى موزون على سبيل القصد"، فلا يتطرق الكتاب للخصائص الفنية أو اللغوية للشعر العربي، مثل؛ التصوير والخيال والأغراض والموضوعات والألفاظ والتراكيب والبلاغة ...الخ. وقد كان النقاش في الباب الأول مبنيًا على المقارنة؛ مقارنة عناصر الشعر العربي من وزن وقافية مع أشعار الأمم الأخرى، وهي مناقشة موضوعية تبرز تفوق الشعر العربي على الأشعار الأخرى من حيث التعقيد الجميل لأوزانه وقوافيه، في حين أن الأشعار الأخرى بسيطة وساذجة، ولم يبلغ المعقد منها -والتعقيد الذي أعنيه هو التعقيد الإيجابي العلمي- مبلغ الشعر العربي. ويناقش الباب الثاني هذا التفوق، ويحاول البحث عن أسبابه، ويفرض فرضيتين له، الأولى لغوية تنطلق من خصائص اللغة العربية، بمعنى أن يكون تفوق الشعر العربي ناتجًا عن خصائص لغوية ما، والثانية اجتماعية تعزي تطور الشعر لحضارة عربية ما، ويدرس الفرضتين محاولًا ترجيح كفة إحداهما على الأخرى. أمّا الباب الثالث فيقوم على النتيجة التي توصلنا إليها في الباب الثاني، وسنمر على أشعار الأمم القديمة وندرسها محاولين إيجاد تأثّر لصنعة الشعر العربي بها، ثمّ ننتقل إلى الداخل العربي، ونستعرض رأي المؤرخين، وندرس النقوش العربية القديمة التي خلص الخبراء أنّها أعمال أدبية، ونقدم فرضية في نشوء الشعر العربي. يتتبع الباب الرابع المراحل المختلفة للشعر، ويدرس العناصر العلمية بها -الوزن والقافية- ويرصد التغيرات التي حدثت لها، ويناقش الأسباب الحضارية والثقافية لهذه التغيرات، ويتنبأ بمستقبل الشعر العربي اعتمادًا على البيانات السابقة. هذا الكتاب دراسة في علم اجتماع الشعر العربي، يتتبع تقنية صناعة الشعر العربي منذ نشأتها، وتأثير الأمم الأخرى عليها، ومراحل تطورها، والحقيقة أن المكتبة العربية في حاجة ماسة إلى هذا النوع من الدراسات، فهي تكاد تكون خالية منها، فالنظرة العربية للشعر نظرة لغوية بحتة، تدرس العناصر اللغوية للقصيدة، وقلّما نجد دراسة اجتماعية أو أنثروبولوجية للشعر العربي، وهذا ليس عيبًا، ولكنه غير كافٍ، وغير مواكب للعلوم الحديثة، وتنقصه النظرة الشمولية.