قبل كورونا لم يكن العالم في أحسن أحواله ، بل كان في غاية التأزم والاضطراب . ولم ينقص سوى الجائحة لكي تكتمل الأزمة بعناصرها المختلفة : الوباء مضافاً إلى الفساد والاستبداد والإرهاب .
والوباء ليس مناسبة لممارسة الشعوذات الروحانية ، كما لا يعني اللجوء إلى مافات من الأفكار والأدوات ، أو الرجوع عن المنجزات والمكتسبات
نحن إزاء حدث يختزن إمكاناته ، ليشكل فرصة للمساءلة والمراجعة . ولهذا فهو يضع الإنسان على المحك ، ليكسر نرجسيته بوصفها أصل المشكلة ، ويمتحن قدرته على اجتراح المعالجات والحلول للخروج من أزماته المستعصية والمتلاحقة .
فهل يتمكن البشر من تغيير أنماط تفكيرهم وأساليب عيشهم ونماذجهم في البناء والتقدم ؟ هل هم قادرون على أن يتغيروا ، بحيث يغيرون علاقاتهم فيما بينهم ، كما يغيرون علاقاتهم مع الطبيعة والأرض ، وفقاً لفيم وقواعد جديدة ومختلفة : التوسط والتوازن ، التأليف والتكامل ، التعاون والتضامن ؟
هذا الكتاب يدور حول المأزق العالمي ، الوجودي والحضاري ، وأنا أذهب في مقارباتي للمشكلات المزمنة والمتلاحقة ، إلى أن الإنسان هو مصدر الأزمة المستعصية ، متجاوزاً صراعات العقائد والهويات ، أو المذاهب والمعسكرات .
كاتب ومفكر علماني لبناني, له العديد من المؤلفات منها كتاب نقد النص و هكذا أقرأ: ما بعد التفكيك ويعرف عنه أسلوبه الكتابي الرشيق وحلاوة العبارة. كما أنه شديد التأثر بجاك دريدا وخاصة في مذهبة في التفكيك.
وهو يقف موقفاً معادياً من المنطق الصوري القائم على الكليات العقلية التي يعتبرها علي حرب موجودات في الخارج وليست أدوات وآليات فكرية مجردة للنظر والفكر. فهو يتبع منهج كانط في نقد العقل وآلياته وبنيته الفكرية.
لم يكن لي طموح أكبر، كنت امضي شهر رمضان في شقة صغيرة، يقف خارج النافذة "كورونا" وهو على استعداد تام لكي يقوم بالشيء الوحيد الذي يتقنه؛ السحق، وهكذا أخذ الأمر صيغة صراع مسلح بين طرفين غير متكافئين. كانت خورفكان في الخارج فضاء يستحيل اختراقه، حتى عندما كنت اخرج في الفجر كانت أرصفتها متاهة من خطوات لا نهاية لها، وأياً كان المدى الذي كنت أتجه نحوه، فإنها كانت تتركني دائما بشعور بأنني قد ضللت الطريق. ضللت الطريق لا في المدينة وحدها، وإنما في داخل ذاتي كذلك. حتى تشكل هذه الفترة واحدة من أسوء ما قد حصل من جملة الأشياء السية التي مررت بها طول حياتي.
لا أود أن أقدم عرضا للكتاب الذي يحول حول مآزق الإنسان، بقدر ما هو بوح عما جرى لي في وقت حرج من تاريخ أزمة كورونا التي بالإضافة إلى أنها علقت النشاط الحضاري، ساهمت في رعب البشرية، مضافة إلى الفساد والحروب.