ليل ضال مثل بلاد ضائعة للقاص والروائي فهد العتيق صدرت عن دار روافد للنشر في القاهرة، المجموعة القصصية «ليل ضال مثل بلاد ضائعة» للكاتب السعودي فهد العتيق. تضمن الكتاب 13 قصة قصيرة نشرها الكاتب خلال السنوات الخمس الأخيرة في بعض الملاحق الأدبية الصحافية العربية، والمواقع الإلكترونية الثقافية المعروفة مثل ملحق آفاق في صحيفة «الحياة» ومجلة الفيصل وموقع الكتابة العربية وغيرها. ومن قصص الكتاب: كمين الحكاية، وقعت الواقعة، ليل ضال مثل بلاد ضائعة، محاولة دفن رطبة، طريق المحطة، محاولة ترميم، سيناريو صغير، مقهى حي الغدير. كما يتضمن الجزء الثاني من الكتاب قصصا مختارة من كتبه القصصية السابقة. أهدى المؤلف مجموعته إلى «القصة» جوهرة الأدب الحديث في العالم، وإلى «الحكاية» ابنة التاريخ والزمان والمكان والسحر والخيال المبدع في الليالي العربية: «ألف ليلة وليلة»... إلى القصة التي تفتح أبواب الذكرى والحلم وتجدّد فينا الحياة، القصة التي قد تتحول هكذا خلسة بين يديك إلى مسرحية أو سيناريو فيلم أو رواية من قصص متنوعة وفصول عدة. القصة التي علّمتنا كيف نقول في عبارة ما كان يقال في صفحات، وكيف نجعل اللحظة مشهداً كاملاً تتخيّله وتحسّه وتسمعه وتراه وتعيشه». تمزج القصص بين عذوبة الشعر ومتعة السرد عبر مجموعة من الحكايات التي تدور بين عالمَي الواقع والأحلام، ومن أبرز عناوينها: «كمين الحكاية»، «وقعت الواقعة»، «ليل ضال مثل بلاد ضائعة»، «محاولة دفن رطبة»، «طريق المحطة»، «محاولة ترميم»، «سيناريو صغير»، و«مقهى حي الغدير». من أجواء المجموعة: «بعد رحلة مشي طويلة، وجدت رأسي راقداً على صخرة كبيرة أعرفها، والأفكار والأحلام والخيالات تسيل منه مثل حليب قديم. فبعد أن دفنته في تلك الليلة الممطرة، مكثت في غرفتي أياماً حتى تعبت ومللت فخرجت أبحث عن الرؤيا وعن روحي. قلت سوف أذهب الى محطتي التي كتبت فيها حكاية «وقعت الواقعة»، في ذلك التقاطع المعتم، ربما أجد بعض الأصدقاء هناك، وكنت قد رأيت الأحلام تتجول في غرفتي مثل دخان، فأيقنت أن حدثاً تسرّب في عملية الدفن. كان الطريق نحو المحطة معتماً وأنا أمشي في وقت رهيب، تصحبني جيوش من الأفكار وألعاب الخيال، التي تشبه أحلاماً تحترق في لحظتها مثل شهب، محطة عربية وطريق ترابي طويل على جنباته جدران مليئة بالذكريات والرسومات الملونة الجميلة، وعبارات غزل وسياسة متكررة». وقد تضمن الغلاف الأخير رؤية نقدية، للناقد جورج جحا قائلاً: «إن الكاتب فهد العتيق يكتب قصصه بشعرية وإيحاء، وفي قصصه أجواء تشبه الأحلام، لكنه ماهر في نقل هذه الأحلام وتطريزها فنياً بما يزيد في تصويريتها وإيحائها ويبعد عنها أجواء ما قد يبدو نوعاً من التصنّع»، في حين كتب الناقد والمترجم اللبناني فوزي محيدلي: «نص فهد العتيق ملتبس، والالتباس يطاول المضمون كما الأسلوب، حاملاً قصصه إلى مرتبة تلامس عتبة الأدب الرفيع، بل أخالها تطأ هذه العتبة. لكن هذا يجب ألا يُنسينا أن العتيق يجود في رفع الواقعي إلى حدود الوهم والخيال اللافت». كتاب «ليل ضال مثل بلاد ضائعة» هو التاسع في مسيرة فهد العتيق السردية، منها سبعة كتب في القصة وكتابان في الرواية. والعتيق من مواليد الرياض، وقد كتب عن حاراتها القديمة والحديثة أغلب قصصه ورواياته، ومن أهمها كتابه القصصي المعروف «إذعان صغير» الذي صدر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب- مختارات فصول في القاهرة عام 1992، وقدّم فيه الكاتب تجربته السردية المختلفة والجديدة للقارئ العربي، وروايته الذائعة «كائن مؤجّل» التي صدرت عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر في بيروت عام 2004.
فهد العتيق كاتب سعودي يكتب في مجلة الفيصل وأخبار الأدب وجريدة الرياض والحياة يعيش في العاصمة الرياض. كتب أغلب قصصه ورواياته عن حارات الرياض القديمة والحديثة والتحولات التي عاشتها هذه المدينة العريقة خلال الخمسين عاما الماضية. صدر له عدة كتب في القصة والرواية من أهمها: إذعان صغير وكائن مؤجل. نشرت الصحف السعودية والعربية العديد من المراجعات والدراسات النقدية عن كتبه في القصة والرواية. وترجمت الجامعة الامريكية بالقاهرة روايته كائن مؤجل وصدرت بعنوان: life on hold عام 2012 . وصلت روايته الملك الجاهلي يتقاعد الى القائمة الطويلة في جائزة الشيخ زايد للكتاب عام 2015.
مرفق رابط لكتابات ونصوص الكاتب. وأيضا المقالات النقدية عن كتب المؤلف في موقع فيس بوك باسم : فهد العتيق كائن موجل وصحيفة الحياة.
"لكن الحياة نفسها حكاية، الذين يذهبون للكتابة من أجل أن يكونوا أدباء, هم الذين اخترعوا المواقف والمشاعر المفتلعة، هم الذين يضعون أيديهم على خدودهم يبحثون عن موضوعات، هم الذين يقولون نحن نبكي حين نكتب.. كأن البكاء دليل إبداع".
أعود مرة أخرى إلى "العتيق" في مجموعة قصصية جديدة، تلعب بها الأمكنة دور البطولة المطلقة، وشريط الذكريات يغزو كل مشهد وواقعة، وتحيط بالتفاصيل الصغيرة ضبابية من زمن غابر، من وقت كانت فيه الحياة أسهل وأبسط في طبيعتها، وبين كل تلك الحكايا تقف أنت متسمراً على المشهد، متأملاً تعرجاته، مبتهجاً ساعات ومتكدراً ساعاتٍ أخرى حسب تغير المشهد العام وظروف الحكاية، مستمتعاً بأسلوب "العتيق" اللطيف في رسم التعابير وترك المسار للغة لرسم خلفية كل حكاية وما يدور فيها، ويتنقل في مشاهده بين تفاصيل الحارة القديمة والبيت العتيق وتقاطعات الشوارع التي مر عليها و"فيديو الموعد" و"البقالة" و"الفوال"، وفي أحيان أخرى يأخذنا في جوله من الخيال في مشاهد وحكايا منغمسة في الرمزية تاركاً لك فرصة تفكيك المشهد وتحليله، وفي حكايا أخرى يأخذك في أحداث تسجيلية عن زيارته لـ "دمشق" وإلتقاءه بالكردي "كمال" وجولاته في شوارعها وريفها والوجوة التي إلتقى فيها في عارضة الطريق، ومرات يمطرنا بألعاب الخيال وجيوش الأفكار والأوقات الرمادية الغامضة.
تأتي الحكايات في تتابعها على هيئة مشاهد متصله/منفصله تجد في كل منحى منها صورة تذكرك بالحكاية التي سبقتها، مما يجعل عقلك في حراك مستمر لإكتشاف روابط الصلة بين كل قصة والقصة التي سبقتها، محاولاً إكتشاف وجوه الشبه والمقاربات العجيبة بين كل نص وآخر، وكأن الحكايا كلها مكتوبة على هيئة رواية طويلة لا يمكن فهمها إلا من خلال إعادة ترتيبها في ذهنك.
كل نص من نصوص المجموعة القصصية مكتوب في فترة زمنية مختلفة حيث يمكنك إدراك ذلك من خلال التفاصيل والصبغة العامة للنص، بين ما قبل عام 2008م وبين سنوات الصحوة وبين ما قبل وما بعد ثورات الربيع العربي، وبين النصوص التي تأخذ تفاصيلها من أزمنة قديمة يستحضرها الكاتب من ذاكرته، مما يدفع بك كقارئ لقراءة النصوص بطريقة تحثك على إكتشاف كل فترة زمنية والبحث عن تفاصيلها داخل تعرجات كل نص على حدى. القراءة في المجموعة بالمجمل كانت قراءة لطيفة وسلسة، لكن يعيب بعض النصوص إنغماسها في الرمزية أو تكرار الأحداث أو عدم وجود تفاصيل جديدة تجعلك تفرق بين كل نص وآخر.
الكاتب والناقد عبدالله السفر يكتب عن ليل ضال .. اصطفاء - عبد الله السفر/ مجلة اليمامة كمين الحكاية في ليل ضال مثل بلاد ضائعة للقاص والروائي فهد العتيق شجنٌ ضاربٌ حتى أقصى الجذور. يمسك بصاحبه وقتَ حلمه ويقظته وما بينهما، فيما الذكريات أبلغُ محرّك ليهجمَ الحنينُ بضراوة. فهد العتيق، في كتابه «ليل ضال مثل بلاد ضائعة»، هو هذا الممسوس بالماضي قريبه وبعيده ويجذبه سحرُ المكان ووقائعه؛ الحارة المكنونة في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، تفدحُ به وتأخذه إليها عبر دروبٍ لا تكون سالكةً كل مرة. ثمة تيهٌ واقفٌ بثقبه الأسود يلتهمُ ويلتهم؛ تيهٌ يراقب وبيدِهِ صكُّ قصاصٍ لا يحتمل التأجيل. وكأنما هناك وجهٌ للانتقام يستوفي ثمن الغياب والترك والارتحال عن مكانٍ لا يزول وإنْ درسَ وإن نأى.. وعن زمنٍ يظلُّ محفورًا بعلاماته الخفيّة على جلد الروح. زمن لا يُطمَر. بئرٌ مموّهةٌ تفور لأقلّ الوطء، ومكانٌ يمثُلُ كلّما سرَى الخدرُ في الجهات وغامَ الوقتُ وتلفّعَتْ مزولته بالظلال العميقة. إن الانفراجةَ، التي تتيح الإطلالة على الماضي بأمكنته وشخصياته وما يموج هناك من أحداثٍ مضت ولكن أثرها لم يمضِ، تُعطِي انطباعًا أن العينَ الذاهبة تستقصي وتستعيد إنما هي عينُ الشخص الحاضر في ثيابه الآن وفي حضوره الزمني الآن. هي رحلةٌ مختومةٌ بـ «الآن»، لا تجعل الجلد غضًّا ولا تريق السواد على شعرٍ أبيض. وربما هذا مكمن الحسرة التي تتردّد في أكثر من نصٍّ سواءٌ في تلك النصوص المكتوبة قبل سنة أو قبل ثلاثةِ عقودٍ ويزيد. ثمة وعيٌ لا يسمح بالالتحام. ثمة مسافة تستعصي على الحلم ولا تقدر الذكريات على تذويبها. تلك المعاينة، بهذا الوعي المنتبه الصارم، يفسّر الحرقة والألم وغشية الشجن التي تمتدّ على مدار النصوص. وهنا يمكن أن نفتح نافذةً سينمائية على فيلم «الأبدية ويوم واحد» للمخرج اليوناني الراحل «ثيو أنجيلوبولوس» - لتأكيد المسافة والوعي وانعكاساتهما شعوريًّا - حيث الشخصية الرئيسية تسترجع الماضي «فلاش باك» بهيئتها التي هي عليها دون حذف الزمن ولا أثره. مع أغلب الحكايات التي تمضي إليها الذات الإبداعية في «ليلٍ ضال...» يبرز السردُ المشغول شعريًّا («كمين الحكاية»، «ليل ضال مثل بلاد ضائعة»، «يمضي مثل عابر سبيل»، «الأناشيد والناس»، «أنفاس الليل»، «أبواب وطرقات حائرة»،...) والذي يستمد شعريّته لا من مناخ اللغة وبلاغتها - وإنْ كان العتيق ينجح في اصطيادِ بعض الصور عبر التشبيه وتوظيفها في نصه - إنما من الحالة التي يعمل عليها مشهديّاً ويقتنص زوايا التعبير عنها واستخدام التكرار، لكلماتٍ أو جمل، بما يمثّل إيقاعًا وعودّةً وعنصرَ تبئيرٍ يجذب حركة النص ويدفع بها إلى ما هو أرحب رؤيةً وإلى ما هو أغنى جماليّاً..