Jump to ratings and reviews
Rate this book

الإيمان الحر أو ما بعد الملة : مباحث في فلسفة الدين

Rate this book
يحاول الباحث فتحي المسكيني في هذا الكتاب بلورة مفهوم الإيمان الحر بوصفه ورشة تأويلية وليس عقيدة جاهزة. وأنّه لا تخلو ثقافة من عناصر الإيمان الحر. وأن قرّاء التراث ليسوا جاهزين بعدُ للإيمان الحر، محاولا إبراز فكرة أن علاقتنا بمصادر أنفسنا لم تعد فقهية بل صارت تتعلق بنموذج العيش الذي تقترحه علينا.
حاول الباحث من خلال هذا الكتاب إنكار وجود ملة جاهزة علينا الانتماء إليها بل فقط نحن نتوفر على أفق أخلاقي متميّز علينا إعادة اختراعه بشكل حرّ. مستنتجا فكرة أنه لا فضل لثقافة على أخرى إلاّ بما تسمح به للأفراد من تجارب الإيمان الحرّ مهما كان موضوع الإيمان.

518 pages, Unknown Binding

First published January 1, 2018

9 people are currently reading
188 people want to read

About the author

فتحي المسكيني

39 books195 followers
هو فيلسوف ومترجم تونسي، له العديد من المؤلفات، يشغل كأستاذ تعليم عال في جامعة تونس.

حصل على دكتوراة الدولة في الفلسفة، لكن قبل دخول مجال الفلسفة كان فتحي المسكيني شاعرًا، والذي كتبه منذ وقت مبكّر جدّا، في الثالثة عشرة من عمره. ولا زال يكتب الشعر بشكل مستمر، وإن كان لا يهتمّ بالنشر كثيرا. وجد في هيدغر استجابة إلى تطلّعاته، وتجربة الشعر وضعته في ورشة جبران بشكل مبكّر، فدخل ورشة نيتشه دون أن يدري، حسب تعبيره. فقرأ كتاب هكذا تكلم زرادشت وكتاب النبي في نفس الوقت، في الخامسة عشرة من العمر. وهذه أحداث خاصة وضعته على الطريق نحو هيدغر بشكل لم يستطع مقاومته.

Ratings & Reviews

What do you think?
Rate this book

Friends & Following

Create a free account to discover what your friends think of this book!

Community Reviews

5 stars
11 (45%)
4 stars
7 (29%)
3 stars
5 (20%)
2 stars
0 (0%)
1 star
1 (4%)
Displaying 1 - 6 of 6 reviews
Profile Image for hayatem.
820 reviews163 followers
September 21, 2019
يقول كانط: " كتب على العقل البشري، هذا القدر الخاص في نوع من معارفه: أن يكون مثقلاً بأسئلة ترهقه، وهو لا يستطيع أن يصرف النظر عنها؛ لأنها مفروضة عليه بحكم طبيعة العقل نفسها، لكنه، في الوقت نفسه، لا يستطيع الإجابة عنها؛ لأنها تجاوز كل مايملك العقل البشري من قدرات." نقد العقل المحض، ترجمة غانم هنا، المنظمة العربية للترجمة، بيروت، 2013م، ص17. -ص223

(ما معنى أن نفكر؟ ) أو ( مالذي ندعوه تفكيراً؟) " إن أكثر ما يدعونا إلى التفكير في هذا العصر الذي يدعو إلى التفكير هو أننا لم نفكر بعد." —هايدغر ص233.

يطرح الكتاب عدد من التساؤلات:
كيف صار الله فكرة؟
كيف نفكر في الله ما بعد الملة؟
هل الله ممكن من دون دين؟
ماذا يحق لي أن أرجو؟
(الله من دون الوجود؟/ الله دون أن يوجد ميتافيزيقياً= الله دون حاجة أن يوجد)
هل الدين اسم مناسب للإيمان؟
ما معنى الألوهية في ضوء برادايم اللغة؟
…كيف نخرج بالإنسانية من دين الشعائر إلى دين العقل؟ من دين تاريخي خاص بشعب دون آخر، إلى دين عقلي هو كوني لكل الشعوب؟
…ربما يحمل كل شخص دينين في قلبه، أحدهما عقلي والآخر طقوسي. دين يحكيه وآخر يفكر فيه.ص131
…ولا يكون الله كل شيء لأنه معبود خارجي تقام له الشعائر؛ بل لأنه أنبل فكرة في أفق نفسنا، ومن ثم أكثر الأفكار العقلية حرية بالنسبة لنا. ص145

يتحدث المسكيني عن التحولات التي طرأت على فلسفة الدين منذ مئتي عام للآن أو عن ملامح السؤال الفلسفي عن معنى الدين في أفق المعاصرين، ومسائل أخرى؛ لكل من :كانط، نيتشه، فينغشتاين، كيركيغورد، فويرباخ وماركس،وهايدغر وغادامر وريكور،… وآخرين.و ما أثاره سؤال كانط الفلسفي في الفكر( ماذا يحق لي أن أرجو؟)، وكيف غير كانط من النظر إلى المقدس في الخطاب الفلسفي-الديني. وإلى حد طرح هابرماس فكرة " المجتمع ما بعد الميداني" في بعض محاضراته منذ )2001) ثم لا حقاً في كتابه الأخير المنشور في (2007( بين الطبعانية والدين. او تأويل تشارلز تايلور للدلالة السردية في عبارة " عودة الدين" ضمن كتابه المثير ( عصر علماني.) -(2007) مرورا بمباحث فلسفية أخرى متباينة لكن متواشجة . ك معنى أو ما معنى الوجود في أفق الفلسفة المعاصرة؛ بالأخص السؤال عن معنى الله. إشكالية الدين والهوية ، والدين والحرية، الفلاسفة والعفو،…وأخرى.
المسكيني يدعو القارئ هنا كدعوة تشارلز تايلور إلى إعادة التفكير في "الدين بعد الميتافيزيقا"؛ أي من دون خطاب أنطو-ثيولوجي جاهز حول وجود الله. وفي التفكير في مسألة تعدد إمكانيات الإيمان.
وفي البحث عن إيمان ماوراء المعتقد أو إيمان ماوراء الدين المأسس أو المنظم. إيمان بعيد عن فكر الدين التقليدي أو الموروث؛ أي الذي يخلط ما بين مفهوم الدين / الإسلام والإيمان. فالإيمان أعظم من أن يختصر في بعض الشعائر والطقوس. "الإيمان الحر هو إيمان “الفرادى” الذين تخلو عن أي التزام دعوي تقليدي باسم هذا الدين الرسمي أو ذاك. لكن المؤمن الحر ليس ملحداً أو "لا -دينياً"……، بل هو مؤمن حر، أي لم يعد معنياً بأي مناظرة رسمية مع أو حول الدين التقليدي." ص10/" إن الإيمان الحر هو ضرب- ما -بعد -حديث من التصوف الحر، التصوف بعد نهاية الأديان التقليدية وخروج المؤمنين عامة من أفق الملل." ص 18/" إن الإيمان الحر لا يتخلى عن مصادر أنفسنا لكنه يغير العلاقة معها." ص24 ./ " إن الإيمان الحر موقف أخلاقي باطني خاص بتغيير ما بأنفسنا. ولذلك لا معنى لأي عنف ديني عامة." ص 146


"إن المعرفة إيمان كامل وهو الأصل."— الحديث رواه البخاري في صحيحه برقم:7439. -ص475

كتاب يربك العقل، ويحير النفس، ويثير الكثير من فوضى التساؤلات، كما أنه يخلق تلك النزعة التشكيكية أو الإنكارية للبنى القبلية الموجودة في عقولنا. قراءة هذا الكتاب بمثابة تجربة قلق مرعبة.
Profile Image for Mohamed Ashraf.
200 reviews12 followers
May 31, 2023
كتاب عبقري، كاتب موسوعي وشامل
Profile Image for Helmi Chikaoui.
444 reviews119 followers
May 29, 2020
الإيمان الحر هو إيمان « الفرادى » الذين تخلوا عن أي التزام دعوي تقليدي باسم هذا الدين الرسمي أو ذاك. لكن المؤمن الحر ليس ملحدا أو «لا-دينيا ». فهو مختلف مثلا عن نوع الناس الذين يطلق عليهم في أمريكا اسم (nones)؛ أي أولئك الذين ليس لهم مذهب دیني . المؤمن الحر ليس مجرد «مؤمن غير نشط»، أو مؤمنا يكره الدين المنظم أو المؤسسات الدينية أو لم يحسم أمره بعد، بل هو مؤمن حر؛ أي لم يعد معني بأي مناظرة رسمية مع أو حول الدين التقليدي. ومنذ نيتشه ودعوته إلى أخلاق ما وراء الخير والشر، يقف الإيمان الحر ما وراء الاعتقاد والكفر بالمعنى التقني الذي يضبطه اللاهوت أو الفقه في العصور الوسطى، نعني في عصور دولة الملة. لكته، في المقابل، لم يتخل عن انتمائه العميق إلى مصادر ذاته. هو لا يزال ينتمي إلى نفسه كما ورثها، إذ لا تحتاج المجتمعات ما بعد الدينية إلى الإلحاد؛ بل فقط إلى تحرير الإيمان من الأديان النظامية، وذلك يعني أنه يجب إعادة الإيمان إلى أصحابه الحقيقيين، وحمايته من منطق الملة مهما كانت رواسبها فينا.

إن ما يجازف به الإيمان الحر، هو أنه إيمان بلا تملق دنیوي للمؤمن التقليدي، ولا فضول أخروي ترضى عنه الفقهاء ؛ ذلك أن صناعة الآخرة في كل ثقافة توحيدية هي فضول حوله المتفقهون إلى آلة استبداد أخلاقي على الأبرياء، ولذلك، إن أول رهان للإيمان الحر هو تحرير الموت من دلالته الأخروية وإعادته إلى تناهية البشري لدى أي كان. وبهذا المعنى على كل تفكير حر أن يحذر من أي مؤسسة دينية تستعمل واقعة الموت أو فكرة الآخرة بوصفها جهازا استبداديا لابتزاز براءة الكينونة في العالم.

وقد طفق الفلاسفة، منذ كانط خاصة، يبلورون ملامح الإيمان الحر بوصفه أفقا للنقاش الروحي الذي لا يحتوي على أي محتوى ديني محدد. وهو إيمان فلسفي بلا دین رسمي إلا عرضا. وهو لا يحتاج إلى أي طقوس دعوية أو كنسية.

ربما لا يمكن استكشاف طرافة دعوى الإيمان الحر حقا إلا متی نظرنا إليها من زاوية سكان المستقبل. إنه نوع من العناية بالنفس في عصور ما بعد الملة، وليس إلحادا أخلاقيا أو تنويريا أو وجوديا أو إبستمولوجيا. إن الإيمان الحر هو امتیاز أخلاقي للمستقبليين. وكل ذنوب الدين التوحيدي (من خطيئة وزنی وردة وحرام،...) لن يكون لها أي ادعاء صلاحية معيارية بالنسبة إلى سكان المستقبل. ولذلك من الحمق أو من الاضطغان أن نواصل السجالات الدينية للملة في عصور ما بعد التنوير. إن الملة لم تعد حجة مفيدة في النقاش ما بعد العلماني حول «الحياة الكريمة» أو «الحياة الجيدة». ومن ثم علينا أن نكفت عن معاملة حرية الضمير ما بعد الدينية وكأنها خطأ شخصي لهذا الفرد أو ذاك بحسب منطق الملة. فالإيمان الحر ليس شيئا قابلا للتفاوض: إنه شكل الحياة الخاص بذات ما. ومن ثم لا يمكن أن يكون الإيمان الحر أو شكل الحياة أو شکل الذات أو نموذج العيش تهمة لأحد. إن الدين هو دوما مشكلة وراثية؛ أما الإيمان فهو ثروة زمنية تمليها الحياة التي نعيشها في كل مرة.

ولذلك فإن الإيمان متى أراد أن يكون حرا فهو لا يفعل سوى استعادة حقه الميتافيزيقي في الانتماء إلى مصادر ذاته دون وصاية من أحد ولا أي جهة. وبذلك يعبر الإيمان الحر عن حقيقة جدا قديمة في تجارب المقدس عند الإبراهيميين : أن الإيمان، على خلاف الاعتقاد الوثني، هو فن اكتساب مساحة التعالي الموجود في صلب علاقتنا بأنفسنا ؛ هذا التعالي الحر هو الكينونة في العالم بوصفها مشکلا شخصيا .

وعلينا دوما أن نأخذ مفهوم الإيمان الحر بوصفه ورشة تأويلية، وليس عقيدة جاهزة. ذلك أنه لا تخلو ثقافة من عناصر الإيمان الحر. يوجد تراث سري وأسلاف صامتون لفكرة الإيمان الحر. من لامية الشنفرى (الصعلوك بلا قبيلة) إلى رسالة الغفران (سردية الآخرة بوصفها مشکلا أدبيا)، إلى الحلاج (حرية الحلول) وابن عربي (التصوف بلا حدود)، ومن خمريات أبي نواس ( الشاعر الحر) إلى فلسفة ابن رشد (كونية الحقيقة فيما أبعد من الملة)... إلخ. كان ثمة دوما عناصر إيمان حر يمكننا ويجدر بنا أن نقتبس منها ، فنحن لم نؤرخ جيدا لفكرة الإيمان الحر في تراثنا.

ومن الواضح أن قراء التراث ليسوا جاهزين بعد للإيمان الحر. وسواء كانت قراءات التراث تحمل توقيع الملة (من نوع الغزاليين الجدد) أو توقيع الحداثة، فهي لا تزال موقفا هووي : والموقف الهووي هو ذاك الذي يضع الإنسانية بين قوسين، وكأن توقيع الملة لا يزال صالحا لطرح أسئلة صحيحة حول أنفسنا أو حول الحداثة. لكن كل من يواصل التفاوض المعياري مع مسلمات الملة، أو يريد فقط إبطالها بوساطة دعوی الإلحاد هو غير جاهز ولا متهيئ بعد للإيمان الحر. إن الإيمان الحر لا يحتاج إلى الإلحاد، وذلك لأن الإلحاد نفسه سلوك تراثي يكتفي بالثأر الميتافيزيقي من إله ميت. إن الإيمان الحر هو تقنية شفاء تأويلية من أمراض الملة بما فيها ظاهرة الإلحاد؛ ذلك أن كل إلحاد لا يمكنه أن يخلو من ضغينة لاهوتية ضد نوع معين من المؤمنين. والحال أنه لا يمكن الأحد أن يتفلسف حقا ؛ أي أن يمارس التفكير الحر من الضغينة وخاصة ضد إله ميت، إلا بقدر ما يستولي على فكرة الإنسانية في شخصه وفي مصادر ذاته العميقة، وأن يتملك علاقتها بنفسها، بكل ما يحمله ذلك من احتمالات بعضها أكثر رعبا من مجرد الإلحاد المنهجي للمحدثين، الذي هو في سره، كما كشف ذلك نيتشه، لا يتعارض مع المثل الأعلى النسكي الذي قامت عليه الأديان التقليدية؛ بل «ما هو على الأرجح سوى واحد من الأطوار الأخيرة من تطوره وأحد أشكاله النهائية واستتباعاته الصميمة».

ومن ثم عليها أن تحترس دوما من المعارك الجاهزة والانتصارات الجاهزة. إن التنوير مثلا معركة جاهزة، مثله مثل أسلمة المجتمع. كلاهما لا يبتكر ماهيته، بل يلتحق بمعركة لم تعد حرة في التأريخ لنفسها. ومن ثم فإن كلا منهما هو سلوك هووي؛ أي يوجد بعد نفسه في سردية لا يسيطر عليها.

إن الإيمان الحر لا يتخلى عن مصادر أنفسنا لكنه يغير العلاقة معها. سيظل القرآن «قدس» (saint)، ولكن ليس «مقدس» (sacre) مفروضا في معنی فقهاء الملة. وهذا التمييز بين المقدس والقدسي افترعه إيمانويل لفيناس بشكل رشيق يدعو إلى التفكير : هو الفرق اللطيف بین ما يعده الوثنيون «مقدس» ؛ لأنه من أعمال السحر، وبين ما يؤمن به الإبراهيميون بوصفه نابعا من معنى أو حديث قدسي» يتعالى على تجارب البشر ويتخطى عقولهم. إن القرآن قدسي؛ أي نابع من نوع من «الوحي» على عاد�� الأنبياء الإبراهيميين، وليس مقدسا بالمعنى الوثني؛ أي لا ينطوي على أعمال السحر.

إن علاقتنا بمصادر أنفسنا لم تعد فقهية؛ بل صارت تتعلق بنموذج العيش الذي تقترحه علينا. لا توجد ملة جاهزة علينا الانتماء إليها؛ بل فقط نحن على أفق أخلاقي متميز علينا إعادة اختراعه بشكل حر. وعلينا أن نفرق بصرامة كافية بين إعادة اختراع الأفق الروحي لمصادر أنفسنا وبين ما يسمى عودة الدين. لقد تحول الدين في الفضاء العمومي للدولة / الأمة، في فترة أزمة مفهوم السيادة التي تعاني منها راهنا ، إلى مؤسسة ابتزاز أخلاقي عملاقة مسلطة على أجساد الحياة اليومية إلى حد مرعب، حيث إن شباب القرن الحادي والعشرين قد أخذ يعاني لأول مرة ربما أزمة انتماء غير مسبوقة، لعل موجة الإلحاد لدى المراهقين هي أضعف انفعالاتها فحسب، وما يظنه المتعجل نصرة للدين أو المنطق الملة في حقبة ما بعد الحداثة هو الآن قد انقلب إلى ورشة هووية تخريبية تجرد الناس من حس الانتماء إلى مصادر أنفسهم، وتحولهم إلى فردیات مهاجرة ومنبتة في عقر دارها صالحة للاستعمال الكلبي.

ومن فرط حاجة الناس إلى الإيمان بشيء ما هم يمكن أن يؤمنوا بالإلحاد نفسه بوصفه سندا مناسبا للارادة. وهذه الحدة تكشف دوما من جديد عن الحاجة إلى إيمان ما، استقرار ما، عمود فقري ما، دعامة ما. وما أشد ما يكون الإيمان مرغوب فيه حيثما تنعدم إرادة . ومن ثم إن أصل الإيمان التقليدي مهما كان شكله، سواء أكان مسيحيا أم بوذيا، هو ضرب من " مرض الإرادة " وليس أي مصدر آخر.

لا يزال الإيمان الحر مهمة متعسرة من فرط ثرثرة الملحدين العدميين وضجيج المتدينين الهرویین. لا يزال خلط كثير بين نقد الدين والإيمان الحر، بين الإلحاد وحرية الضمير ، بين أجهزة الهوية وتقنيات الذات... إلخ. لا يزال النقاش حول مصادر أنفسنا متشنجا وحزينا.



ومن المفيد أن نميز بدقة بين الإيمان الحر ومجرد حرية الضمير أو حرية المعتقد أو حرية التدين، وإن كان الفرق المعياري بين حرية الضمير (في معنى الإيمان بالقلب) وبين حرية التدين (أي إقامة الشعائر دون إكراه) هو مما يمكن الدفاع عنه أخلاقيا بوصفه خطوة مهمة على طريق التحلي بقيم الإيمان الحر. إن الإيمان الحر موقف فلسفي يفترض صراحة أن الأخلاق أساس الدين وليس العكس (كانط)، وأن الفن يمكن أن يكون بديلا للدين ( نيتشه)، وأن العناية بالنفس هي المعنى الأصلي للروحانية (فوكو)، وأن الديمقراطية هي أفق الصلاحية حيث يمكن للمؤمنين أن يشاركوا في النقاش حول المقدس (هابرماس)... إن الإيمان الحر يظهر حين تفقد الأديان مرکز النقاش حول الله وتتحلل في أفق روحي للعناية بأنفسنا. ولذلك لا يحتاج الإيمان الحر إلى نقد الدين إلا عرضا ؛ إنه ليس مطلبا أساسيا في مهمته ؛ بل هو تمرين إيتيقي على روحانية بلا حدود لاهوتية.

وبعبارة مزعجة : الإيمان الحر هو الفرصة الأخيرة لأي نوع من المؤمنين في أي ثقافة حتى يتم قبولهم كما هم في نادي الإنسانية الجديدة. الإيمان الحر هو ما يحتاج إليه المواطن العالمي بعد إعلان موت الإله الأخلاقي، ودخول الإنسان الأخير في حقبة روحانية غير مسبوقة محكومة بالسؤال المتعدد والعابر للهويات والثقافات والأديان عن قدر الحياة في عصر التقنية. والمواطن العالمي ليس «غربيا» ولا « شرقيا » بالضرورة. إنه نمط جديد من الإنسان الديكولونيالي» (النازع لسلطة الحداثة الغربية على عقله باعتبارها نزعة توحيدية مسيحية معلمنة)، قدره أن يكون حرا في اختيار معني مصيره بحسب شكل الحياة المتاح له في ضوء مصادر ذات؛ إذ لا يمكن أن نتحرر إلا باستعمال مصادر أنفسنا على نحو مغاير.

ومنذ ظهور مبحث «فلسفة الدين»، منذ قرنين تقريبا، مع كتابات كانط وشلايرماخر وهيغل وكيركغور أساسا، وجملة أخرى من المصادر الخفية تارة والصريحة تارة أخرى، انزلق النقاش عن «الإيمان» في أتون عنيدة ومزعجة وعقيمة بين «المؤمنین» و «الملحدين»، بين دعاة «الإيمان» (المتدینین) ودعاة «المعرفة» (العلمانيين)، وكأن علينا أن نواصل جدالات القرون الوسطى. إلا أن هذا الانزلاق الأخلاقي والسجالي قد طمس معالم تجربة معنى أخرى حركت التفكير في الدين، ظلت موازية لذلك النقاش الرسمي أو مطمورة بشكل حاد بسببه : إنها تجربة «الإيمان الحر».

وفي واقع الأمر منذ كتاب سبينوزا (رسالة في اللاهوت والسياسة) إلى اليوم، ما فتئ الفلاسفة يبحثون عن رسم مناسب لملامح الإيمان الحر في أفق الأزمنة الحديثة بعامة. ولم ينتج الإلحاد الأخلاقي أو المنهجي أو العدمي سوی تعبیرات حزينة عن ذلك الإيمان الحر المبحوث عنه. ولذلك لا يمثل الإلحاد غير الصيغة الإجرائية أو المتعجلة أو الغاضبة أو العدمية من دعوى الإيمان الحر. ولقد أخذ الإلحاد وقته. وأتی عصر أخلاقي من نوع جديد لم تعد حتى العلمانية سقفا رمزيا مناسبة له. إنه عصر «المجتمعات ما بعد العلمانية» حيث يمكن للمؤمن أن يأخذ مكانه أو دوره داخل عالم غير دیني بلا رجعة، لأنه قبل بالتحدي المعياري للديمقراطية بوصفها الحل المناسب لتأمین قدر مقبول من العيش المشترك بين الهويات المختلفة. ومن دون حق في الإيمان الحر، نعني الإيمان المستقل بنفسه ولكن أيضا القادر على اختيار ذاته العميقة بلا وصاية أو فرائض جاهزة، فلن يكون هناك أي معنی لاقتراح الديمقراطية على الشعوب ما بعد الدينية.

وعامة، إن الإيمان الحر هو إيمان بلا حدود في دلالات جمة :

1 - بلا حدود ؛ أي في عبارة كانط بلا «قوانين أساسية» ولا « تشريعات» کنسية ولا «معتقدات» طائفية جاهزة، نعني هو إيمان «بلا أحكام» أخلاقية وضعية ولا «دین» نظامي؛ وهي دلالة «عمومية» ابتكرها كانط واستجمع رهاناتها بشكل رشيق في كتابه (الدين في حدود مجرد العقل). كل مؤمن هو أمة على حدة. ولذلك علينا أن نؤكد بصرامة على التمييز بين « الإيمان الحر » (الذي هو مطلب فلسفي يهم العقول الحرة) وبين «حرية الإيمان» أو «حرية المعتقد» (الذي هو مطلب دیني يهم المؤمن المعاصر).

2 - بلا أعمال : كما في عبارة الفقهاء عن إقامة الحدود ، أي بلا «عقوبات» ولا «أوامر أو نواه» ولا «مسؤوليات» ولا «ذاكرة» ولا ضمير «معذب» ولا «ذنوب» ولا «خطيئة»...، كما اخترع ذلك نيتشه في جملة أعماله، ولا سيما ضمن كتابه المثير (جنيالوجيا الأخلاق). لا يمكن تأسيس الإيمان على سرديات الخوف ؛ لأنه لن يكون عندئذ سوى آلة ثأر أو اضطغان عملاقة. الإيمان الحر إيمان بلا جحيم.

3 - بلا «تعريفات» أو «ماهیات» أو «دلالات» أو «مدونات» أو «عقائد» مستقرة بلا رجعة أو «حقائق أخيرة» أو «أركان» عقدية مضبوطة سلفا أو معان روحانية مفروضة؛ فهو «لعبة لغوية» أو تجربة معنى» أو «أشكال من العناية بالنفس»، تتم وفقا لأنواع عديدة ومفتوحة من «أشكال الحياة» ليس لها مضمون معياري جاهز، كما افترع ذلك فتغنشتاین، سواء في الرسالة المنطقية الفلسفية أم ضمن دروس عن الإيمان الدیني ، وكما أرخ لذلك فوكو في دروسه عن «تأويلية الذات».



4 - بلا «نهايات» معطاة سلفا ولا «أقدار» مرسومة مسبقا ولا «مدى أقصى» ولا «تعيين» ولا «حصر» ولا «مهلة» ولا «أجل» ؛ بل هو مفتوح على «نزاعات تأويلية» أصيلة ومتعددة ومشروعة، كما أكد ذلك ريكور في كل ما كتبه عن فلسفة الدين.



5 - هو «إيمان بلا إيمان» أو إيمان بلا دین نظامي . الإيمان الحر شکل من الشعور بأن حياتنا لغز أو سر أو غموض لا يمكن تفاديه، لأنه جزء لا يتجزأ من هوية أنفسنا العميقة، وهو انفعال روحاني لكنه ليس دينيا. ولذلك ينبغي أن نميز الإيمان الحر عما يسمى في الإصلاح البروتستانتي «sola fide»/ «سولا فيدي»؛ أي «مجرد الإيمان» أو «بوساطة الإيمان فقط» أو التبرير. لا يطمع الإيمان الحر في أي تبرير أو غفران بالمعنی الأخروي؛ إنه مجرد ثقة محضة في قدرة الإنسان على أن يصفح عن نفسه وعن الآخرين في حدود طبيعته الإنسانية.

يقول كانط : «إن المبدأ الوحيد للأخلاقية يقوم في الاستقلال عن كل مادة (أي عن موضوع مرغوب فيه)

Profile Image for Ayman.
21 reviews10 followers
October 24, 2019
اذا قرأت الكتاب كسلسلة من المقالات الفلسفية التي لا يربطها بالضرورة خيط ناظم قويم فسوف يعجبك الكتاب
أما اذا توقعت أن تقرأ كتابا مباحثه الفلسفية تدور حول نطاق مركزي واحد ولا تخرج عنه فمن الصعب ان تخرج سعيدا بنتيجة الكتاب. هذا مع ان الكاتب حاول وضع اطار يربط به مباحث الكتاب الفلسفية التي تتناول فلاسفة حديثين اشتغلوا علىفلسفة الدين. هذا النطاق يدور حول مفهوم الملة وآلياتها للسيطرة... برأي الكاتب أن عصر سيطرة الملة من خلال مؤسساتها و أفكارها الدينية على ايمان الأشخاص قد ولى الا ان البعض لا يزال متشبتا به وهذا احد اسباب انتاج أسئلة كالتي طرحها الأمير أرسلان " لماذا تأخر المسلمون وتقدم غيرهم؟". المباحث الفلسفية تدور حول فلسفة الدين لكانط ونيتشه وكيركغورد وريتشارد رورتي وماركس وهيغل الخ... على كل من الواضح ان المسكيني فيلسوف متمكن مما يطرح الا انه بحاجة الى كتابة طرحه الفلسفي من دون هذا الاتكاء القوي على شرح فلسفات الآخرين.
Profile Image for Omar Kassem.
608 reviews190 followers
March 25, 2022
الإيمان الحر هو ايمان الافراد الذين تخلوا عن أي التزام تجاه اي دعوة او تقليد، ولكن مع ذلك فهو ليسوا ملحدين او لا دينيين، ببساطة إنهم أفراد بدون اي تملق دنيوي مثل ذلك الذي ينتشر عند المؤمنين التقليديين..
وهو نوع من الإيمان منتشر منذ كانط تقريبًا، الذي أخذ يبلور ملامحه بوصفه أُفقًا روحية جديدة..أي ببساطة هو إيمان فلسفي بلا اي ارتباط آخر مع أي دين..

أمثل وصف لهذا الكتاب بأنّه قوي،يضم موضوعات مكثفة ومتشعبة، وافكار جديدة..استعمت به جدًا، وأُرشحه للمهتمين بهكذا نوعية من الكتب
Profile Image for Neveen Sorour.
25 reviews13 followers
May 19, 2021
مستوى من التفلسف عالي جدا جدا، وروعة في عرض الايمان وأنواعه والربط الغير مسبوق لي والذي أدهشني بين مصطلحات قديمة ومحدثة
إنت برنس أوي وحاجة فوق العظمة
Displaying 1 - 6 of 6 reviews

Can't find what you're looking for?

Get help and learn more about the design.