وأخيراً هذا الكتاب الفكاهي المرِح قرأت منه كثيراً على مدار السنين ورجعت له كثيراً لكن دون أن أنهيه من قبل، فهو من الكتب التي لا تكون الغاية فيها أن تنهيها ...
حملت الكتاب عن طريق الكندل من باب الفضول وظل قابعا فيه لعدة أشهر، إلى قررت الاطلاع عليه من باب الضحك... لم أتوقع أن أنتهي من قراءة صفحاته التي لا تنتهي... ولكني انتهيت... بسرور.
عنوان الكتاب خادع نوعا ما، ربما يعطي انطباعا بالسطحية، لكن الكتاب أشمل وأعمق من عنوانه. كمحتوى، نعم يحوي الكتاب وصفا للأنبذة والخمور على شكل قصص وأشعار وأخبار متنوعة، وممتعة بصراحة. تتناول فصوله مواضيع متعددة كوصف جلسات الأنس، أهمية الموسيقى فيها، صفات الجلساء والندماء والسقاة، التعامل مع الخُمرة (الهانق أوفر)، الاصطباح، الإدمان ، ويحوي المعلومات الطبية التي كان متعارف عليها حتى وقتها (القرن الحادي عشر ميلادي تقريبا) والتي تتكلم عن فوائد النبيذ ومضاره، وحتى المعلومات الفقهية المتعلقة فيه ما بين الإباحة والكراهة والتحريم، وغيرها من المواضيع. يختم الكتاب بديوان مصنف أبجديا بأبرز الأشعار المتعلقة بالشراب.
نعم الكتاب ممتع ومضحك في بعض أجزائه، لكنه أيضا مفيد جدا، ليس بالضرورة بمعلوماته التي تميل نحو الأخطاء العلمية التي قد لا تنفعنا اليوم، ولكن برأيي أبرز ما يفيدنا فيه هو الاطلاع على الحياة الاجتماعية في فترات مضت في العالم العربي والإسلامي.
كتب التاريخ العربية كثيرة ومتنوعة، لكن قليل منها يتناول موضوعا مشابها لهذا الكتاب، وهو تاريخ المتعة.
يعطينا الكتاب مدخلا إلى موضوع: كيف كان الأقدمون يستمتعون بوقتهم؟ من اطلاعي على هذا الكتاب رأيت أن الخمور والأنبذة كانت تستخدم كأداة تثري جلسات المتعة، ليست غاية بحد ذاتها... في أغلب الأحيان. في أغلب الأشعار والأدبيات الواردة بالكتاب نرى أن السكر ليس الهدف الأساسي لوجود الخمر، بل الجلسة ذاتها وما يدور فيها وما يقال ويسمع هو الأساس، ولذلك هناك تركيز على مسألة أهمية حسن اختيار الجلاس والندماء ممن يثرون تلك الجلسات ولا يخربونها. نلاحظ أيضا أنه حتى في تلك الأوقات كان السكر وفقدان العقل مذموما، وينظر لأصحابه نظرة دونية.
يتضح لنا كذلك أن العرب حتى في تلك الأوقات من قرون مضت كانوا على وعي ودراية. نعم بعض معلوماتهم قد تتعارض مع ما نعرفه اليوم من علوم حديثة، لكن اجتماعيا كان تقدمهم واضحا... ربما يتفوق على تطورنا الاجتماعي في زماننا هذا بالكثير من النواحي!