يبحث هذا الكتاب في الصيرورة التاريخية للعلمنة وصولاً إلى الأيديولوجيا العلمانية، وفي علاقة الدين بالدولة كما ظهرت عيانًا في أوروبا، ثم يقارن ذلك بالأنموذج الأميركي، مبينًا وجود نماذج مختلفة من العلمانية. ويركز المؤلف على فكرة “توليد العلمنة لنقيضها” أكان ذلك على مستوى عودة الديانات التقليدية إلى القيام بدور في المجال العام، أو بنشوء الديانات السياسية وأشباه الديانات البديلة. ويتضمن الكتاب نقدًا لنظريات العَلمنة ومساهمة معمقة في تطوير صيغة مركبة وجديدة لنظرية العلمنة. ويشير الكاتب إلى عملية التأريخ كتحد للرواية الدينية، فالتأريخ مهمة علمانية. ويبيّن أن الحداثة قد تؤدي في بداياتها قبل علمنة الوعي إلى انتشار التدين مع انتشار القراءة والطباعة، ولا سيما حين يص&
عزمي بشارة، المدير العام للمركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، ورئيس مجلس أمناء معهد الدوحة للدراسات العليا. مفكر وباحث عربي معروف، نشر الدكتور عزمي بشارة مئات الأوراق والدراسات والبحوث في دوريات علمية بلغات مختلفة في الفكر السياسي والنظرية الاجتماعية والفلسفة، ومن أبرز مؤلفاته: المجتمع المدني: دراسة نقدية (1996)؛ في المسألة العربية: مقدمة لبيان ديمقراطي عربي (2007)؛ الدين والعلمانية في سياق تاريخي (جزآن في ثلاثة مجلدات 2011-2013)؛ في الثورة والقابلية للثورة (2012)؛ الجيش والسياسة: إشكاليات نظرية ونماذج عربية (2017)؛ مقالة في الحرية (2016)؛ الطائفة، الطائفية، الطوائف المتخيلة (2017)؛ في الإجابة عن سؤال: ما السلفية؟ (2018)؛ تنظيم الدولة المكنى ’داعش‘: إطار عام ومساهمة نقدية في فهم الظاهرة (2018)؛ في الإجابة عن سؤال ما الشعبوية؟ (2019)؛ والانتقال الديمقراطي وإشكالياته: دراسة نظرية وتطبيقية مقارنة (2020)، ومنها كتبٌ أصبحت مرجعيةً في مجالها.
كما أنجز بشارة عملًا تأريخيًا تحليليًا وتوثيقيًا للثورات العربية التي اندلعت في عام 2011، ونشره في ثلاثة كتب هي: الثورة التونسية المجيدة (2011)؛ سورية درب الآلام نحو الحرية: محاولة في التاريخ الراهن (2013)؛ ثورة مصر (في مجلدين 2014). تناولت هذه المؤلفات أسباب الثورة ومراحلها في تلك البلدان، وتعد مادةً مرجعيةً ضمن ما يُعرف بالتاريخ الراهن، لما احتوته من توثيق وسرد للتفاصيل اليومية لهذه الثورات مع بعدٍ تحليلي يربط السياقات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية لكل ثورة في ما بينها.
Azmi Bishara is the General Director of the Arab Center for Research and Policy Studies (ACRPS). He is also the Chair of the Board of Trustees of the Doha Institute for Graduate Studies. A prominent Arab writer and scholar, Bishara has published numerous books and academic papers in political thought, social theory, and philosophy, in addition to several literary works, including: Civil Society: A Critical Study (1996); On the Arab Question: An Introduction to an Arab Democratic Statement (2007); Religion and Secularism in Historical Context (3 volumes 2011-2013); On Revolution and Susceptibility to Revolution (2012); The Army and Political Power in the Arab Context: Theoretical Problems (2017); Essay on Freedom (2016); Sect, Sectarianism, and Imagined Sects (2017); What is Salafism? (2018); The Islamic State of Iraq and the Levant (Daesh): A General Framework and Critical Contribution to Understanding the Phenomenon (2018); What is Populism? (2019) and Democratic Transition and its Problems: Theoretical Lessons from Arab Experiences (2020). Some of these works have become key references within their respective field.
As part of a wider project chronicling, documenting, and analyzing the Arab revolutions of 2011, Bishara has also published three key volumes: The Glorious Tunisian Revolution (2011); Syria's Via Dolorosa to Freedom: An Attempt at Contemporary History (2013) and The Great Egyptian Revolution (in two volumes) (2014). Each book deals with the revolution’s background, path, and different stages. In their narration and detail of the revolutions’ daily events, these volumes constitute a key reference in what is known as contemporary history along with an analytical component that interlinks the social, economic and political contexts of each revolution.
خمس نجوم لهذا الكتاب (بجزأيه) لأنني وجدت فيه شرحا متميزا لمسار العلمانية في السياق الأوروبي وكيف وصلت إلى ما هي عليه اليوم، وذلك بتتبع المفاصل التاريخية التي مرت بها وشرح ما واجهته -قصة تعلمن أوروبا- من تحديات وعقبات وإقبال وإدبار، وفيه تكتشف أن الطريق الذي سلكته أوروبا لم يكن بالسهولة/السذاجة المتوقعة بحسب الفكرة الشائعة عندنا لتاريخ العلمانية عند الغرب، و أن مسار العلمانية كان معقدا للغاية وتنازعته عوامل وأطراف عديدة، ثم من فوائد هذا التتبع التاريخي الكشف عن زيف عدد من "السرديات الكبرى الشائعة" في هذا المجال، ومن فوائده كذلك التعرف على أفكار عشرات المفكرين الأوروبيين وطبيعة مساهمتهم في الفكر الأوروبي في هذا السياق، وأختم بفائدة أخيرة استحق فيها هذا الكتاب النجوم الخمسة؛ أن هذا التتبع لم يكن للنموذج المعتاد فحسب (فرنسا) بل فيه تتبع لنماذج أخرى مختلفة وبعضها صادم بالنسبة للمتلقي العربي ويبين فيه أنواع وتدرجات أخرى للعلمنة واختلاف طبيعتها وطريقة علاقتها مع الدين عن النموذج المشهور (فرنسا) .. كالنموذج الأمريكي والبريطاني والألماني -والأغرب بالنسبة لي وهو الجديد كليا علي- البولندي.
ولكن:
بعد بيان أسباب إعجابي بهذا الجزء من الكتاب (بمجلديه) أحب أن أشير إلى اختلافي مع الكاتب في نقاط عديدة بعضها جوهري ، وأظن أن الاختلاف سيبرز بشكل كبير في الجزء القادم من الكتاب (هو لم يطبع بعد ولكنه كما أشار أنه سيتطرق إلى الدين والعلمانية في سياق تاريخي عند المسلمين والعرب: تركيا والمنطقة العربية) ويمكن تلخيص مكامن اختلافي مع الكاتب في نقاط رئيسية:
- "إن تاريخ الفكر الأوروبي من منطق الدولة إلى الفكر السياسي التعاقدي، والفكر الاشتراكي وغيره من أنماط الفكر العلماني اللاحق؛ لهو أكثر مسيحية في بنيته وأصوله مما نعتقد. فقد نبتت العلمانية الغربية على أرض مسيحية وفي ثقافة مسيحية"، والكاتب يقر بهذه الحقيقة التي لا يسعه إنكارها؛ إلا أنه يحاول الالتفاف عليها ومحاولة تهميش طبيعة الدين الذي نبتت فيه الفكرة العلمانية ويسعى إلى تعميم هذه التجربة، لتكون عابرة لكل الأديان بآليات متعددة؛ سواء كانت بتهميش أثر الدين والتعويل على "أنماط التدين" أو بافتراض مشتركات تجمع كل الأديان..الخ، ولكني شخصيا أتبني الفكرة القائلة بأنه وإن كانت هناك مشتركات تجمع الدينين ولكن في المقابل هنالك من الاختلافات المركزية بين الدينين ما يجعل الإسلام في بنيته عصي بأضعاف عن قبول العلمانية من الدين المسيحي .. وحتى السياق التاريخي الاسلامي القديم (منذ بعثة محمد صلى الله عليه وسلم إلى قبيل سقوط الامبراطورية العثمانية) لن تجد فيه ما يمكن وصفه "بالمسار التاريخي للعلمانية" ويبقى بعد ذلك الحديث عن احتمال وجود مسار تاريخي للعلمانية في الوطن العربي بعد/قبيل سقوط الدولة العثمانية ولكنها ليست تفاعل مكونات من الداخل بقدر ما هو فرض وإملاء من مستعمر خارجي/مستبد داخلي فرض نموذجه وما وصل إليه النموذج الغربي .. وهو بهذا يناقض فكرة أساسية عند عزمي عن ضرورة أن تكون العلمانية مناسبة (بدرجتها ونوعها) لطبيعة المجتمع ونمط تدينه وأنها تكون نتيجة تفاعل داخلي لا إملاء من الأعلى.
- من المآخذ الرئيسية كذلك النزعة البرجماتية التي تجدها تبرز وتختفي في هذه السلسلة، ولا أدري أهي لطبيعة الكاتب السياسية أساسا وأنه صاحب مشروع /خطاب سياسي وليس مثقفا مهتما بالجانب الفكري النظري فحسب، أجد هذه النزعة في تبني أفكار لا يبدو أنها بِنت قناعة فكرية بقدر أنها ما يمكن أن يكون مقبولا في المجتمع العربي المسلم بأغلبيته أو يمكن استخدامها للوصول إلى الديمقراطية بالفهم الغربي وإن لم يكن الكاتب مقتنع بها، أو أحيانا التغاضي عن تقييم فكرة أو نقدها ومحاولة القفز عليها أو تجاوزها عمليا دون مناقشتها، فالحديث عن أهمية نمط التدين في المجتمع لعملية العلمنة ومحاولة تهميش طبيعة الدين ومدى قبوله للعلمانية من عدمها** مع إقراره في أماكن أخرى أن نمط الدين للمجتمعات أمر غير ثابت بل التجربة التاريخية تشير إلى تبدل نمط الدين ووجود موجات تدين في أوروبا بين الحين والآخر فالتعويل على نمط/مدى تدين مجتمع ما أمر غير ثابت وعدم معالجة طبيعة الدين نفسه أراه هروبا من إشكالية كبيرة تواجه العلمانية، أو الطبطبة على الموضوع وإغلاق الموضوع سريعا^^ [انظر مثلا الجزء الثاني - المجلد الأول : ٨٣، ٩٢، ٨٠٦] .... بل حتى في تبني الفكرة الرئيسية في الكتاب ككل؛ كمعطى ثابت لا يحتاج إلى استدلال وبرهنة، و هي: أن العلمانية صيرورة تاريخية لا نقاش حول تطور المجتمعات لها وإنما النقاش في نوعها وطبيعة علاقتها بالدين ..الخ وفي تقديري أيضا أن مراوغة الكاتب في تعريف العلمانية هي الأخرى إحدى تجليات هذه النزعة البرجماتية عنده وأفرد الحديث عنها في النقطة القادمة .. والأخيرة
- لعزمي تعريف خاص للعلمانية، أجده تعريفا مراوغا ولا يحدد مكون متجانس يمكن ملاحظته ونقده، بل يدخل في مفهوم العلمانية عدد من العناصر غير المترابطة وعليه حين تطلق كلمة العلمانية لا تعرف ما المراد بالتحديد.. فالعلمانية عنده لها عدة مظاهر ومعاني منها :(هيمنة العلم والفكر العقلاني على مجالات أوسع من مجالات النشاط الإنساني، وهي كذلك تحييد الدولة في المجال الديني، وهي أيضا تراجع أهمية الدين في حياة الناس)؛ وهذه السيولة في تحديد مفهوم العلمانية ومحاولة الالتفاف على المفهوم الشائع والسلبي لها هو بوجه من الأوجه "هروبا من مواجهة فكرية إلى تغيير معنى المفهوم".
باختصار وكخلاصة: الكتاب ممتاز في معرفة تاريخ تعلمن أوروبا .. والأجزاء القادمة التي من المفترض أن تكون عن العلمانية في العالم الاسلامي/العربي، سيكون محك لاختبار بعض الفرضيات والأفكار الركيكة التي كانت مبثوثة في أرجاء هذه السلسلة ولم تبرز ركاكتها لعدم تأثيرها في السياق الأوروبي.
** أقام مايك كوك في كتابه أديان قديمة وسياسة حديثة : الحالة الإسلامية من منظور مقارن مقارنة بين أديان ثلاثة (الإسلام - الهندوسية - المسيحية) حاول فيها دراسة طبيعة كل دين من زوايا متعددة وخلص فيها إلى وجود عوامل ومقومات في الإسلام تحديدا عصية على تقبل العلمنة أكثر من الديانات الأخرى.
خلصت اءخر جزء للكتاب الدين والعلمانية في سياق التاريخي.. وبهذا خلصت هذا العمل الكبير. هذا الكتاب هو كتاب يحتاج فعلا الي قراءة مرة وتاني وتالتة لأنو فيها كمية معلومات وتاريخ وفلسفة ومدارس فلسفية لن تقدر تستوعبها بقراءة وحدة. فهو مرجع تاريخي كبير ومهم لفهم الدين والعلمانية في أروبا وأمريكا.. وننتظر المجلد الرابع لهذا الكتاب الذي سيناقش الكاتب انماط العلمانية والعلمنة في تركيا والعالم العربي.