ينطلق هذا الكتاب من فرضية مفادها أنَّ رسالة يسوع كانتْ بمثابة تكملة لنضال أنبياء بني إسرائيل في سعيهم إلى تخليص الدين من التلاعب والتحوير الذي طاله. وهي بهذا المعنى لا تختلف عن الصورة التي قدَّمها القرآن عن عيسى (يسوع) بكونه واحداً من أولي العزم من الرسل. لا نعني بذلك أن النص القرآني سيُهيمن على هذه الدراسة أو سنجعل هدفنا الوصول إلى صورة يسوع كما وردتْ في الإسلام؛ على العكس من ذلك تماماً، سندع إنجيل الأقوال يُحدثنا وحده عن يسوع، وسنترك الجماعة المسيحية الأولى تُخبرنا عن رسالته التي آمنوا بها. إنَّ وضع الصيغة النهائية لإنجيل الأقوال لم يكن بالأمر الهين عند الباحثين المشتغلين على تاريخ المسيحية المُبكرة؛ فقد مرَّتْ الدراسات حول فرضية المصدر Q بالعديد من المراحل، إلى أنْ تمَّ وضع النص المعياري، وتحديد الطبقات الثلاثة التي يتكون منها المصدر. لقد كشفتْ كل طبقة عن استعمالات خاصة للأقوال المنسوبة ليسوع من جهة؛ ولشخص يسوع من جهة ثانية، وذلك تماشياً مع السياق السوسيو-تاريخي واستجابة لرهانات الجماعة المسيحية المُبكرة.