يضج العالم اليوم بالأزمات والاضطرابات وأعمال العنف المتفاقم، اقتتالاً أو إرهاباً، خاصة في المنطقة العربية التي تمزقها الصراعات السياسية والفتن الطائفية. إنه تواطؤ الأضداد على صناعة الخراب الذي يتباكى الآن على أنقاضه دعاة ومثقفون وإعلاميون ومنظرون أسهموا في صناعته، بمسلماتهم العمياء وعقولهم المفخخة وتشبيحاتهم الإيديولوجية، فضلاً عن توجهاتهم المعكوسة واستخدامهم طرائق في التفكير قاصرة أو عميقة أو مقلوبة. وتلك هي، بنوع خاص، حصيلة الدعوات والمشاريع الأصولية، من جانب الآلهة والأنبياء الجدد الذين يحتلون واجهة المشهد، بخطاباتهم النرجسية، وتهويماتهم الاصطفائية وشعوذاتهم العقائدية وتصنيفاتهم الضدية ومتاريسهم الثقافية وسيناريوهاتهم الجهنمية، وسواها من
كاتب ومفكر علماني لبناني, له العديد من المؤلفات منها كتاب نقد النص و هكذا أقرأ: ما بعد التفكيك ويعرف عنه أسلوبه الكتابي الرشيق وحلاوة العبارة. كما أنه شديد التأثر بجاك دريدا وخاصة في مذهبة في التفكيك.
وهو يقف موقفاً معادياً من المنطق الصوري القائم على الكليات العقلية التي يعتبرها علي حرب موجودات في الخارج وليست أدوات وآليات فكرية مجردة للنظر والفكر. فهو يتبع منهج كانط في نقد العقل وآلياته وبنيته الفكرية.
هذا هو علي حرب. ببساطة، إنه يحطم أوثان الفكر ويطلق فينا ملكة التفكير والمساءلة. أحب كتبه وأحييه بحرارة.
الكتاب جميل لولا التكرار، يمكن أن تكتفي بقراءة مقالتين لأن المعالجة واحدة رغم اختلافات المواضيع، فالخلل يتمظهر في أكثر من شكل ولكن كل مقالة تنتهي بنا إلى ذات النتيجة، وهي كيف أن البشر ضحايا أفكارهم، وكيف حولنا الأفكار الجميلة إلى أوثان وأحجار، وكيف مارسنا عبادتها عوضا عن تطويرها وإعادة خلقها وإنتاجها.
الكتاب يضم مجموعة مقالات ومحاضرات وندوات فكرية، ألقاها علي حرب في عدة مناسبات ؛ تدور حول أسئلة القيم والمصائر وأثرها في أزمة العالم المعاصر، عمل من خلالها على تشخيص وقراءة الفكر التركيبي والمنطق التحويلي والعقل التداولي، التي سعى من خلالها بالخروج باستيراتيجية فكرية جديدة في إدارة الهويات والقضايا والعلاقات بين البشر، عبر فضاءات ومفاهيم عقلية حديثة ومغايرة بواسطة تفكيك النصوص والأحداث وإعادة بناءها وتركيبها بمنطق الخلق والتحويل ( نقد المفاهيم). هو عمل فكري في بنيته الدلالية ( رهانه الفلسفي)، الذي يكشف عن مأزق الأفكار؛ مبتعداً عن التشبيح الأصولي (عبادة الأصل و خرافة المماهاة وأحادية التفكير ونفي الوقائع واستراتيجية الإقصاء للآخر.) لمصلحة البعد المتعدد، ( بنقد مفهوم المطابقة وكسر منطق المماهاة) لتبيان الفجوة المزدوجة؛ "توتر النصوص بين الأضداد والمتعارضات" . معتبرا ذاته إنساناً ريبي أو مرجئي، وهو فحوى التقى الفكري. هو لا يدعي امتلاك الحقيقة و لا يؤسس أو يدعو لأي شرعية فكرية أو أيديولوجية. كما أنه لا يختزل فكرة أو نظرية أو مفهوم ما في نموذج أو نسق معين.
تمرس بالحسّ النقدي والوعي الضدي. و أعاد إنتاج المعارف تبعاً لمنظور الواقع والوقائع، بحسب تفسيره و تأويله للنصوص والأحداث.
سعى علي حرب من خلال هذا الكتاب إلى خلق هوية و واقع كوني، الذي هو أهم مشاغل علي حرب الفكرية والفلسفية (الكوسموبوليتية).
بالرغم من الغبن الذي شعرت به من وضعنا- نحن العرب- المحزن جدا وجداً, لم ينهِ علي حرب هذا الكتاب إلا بعد أن نقش حروف التشجيع والتفاؤل بمستقبل أحسن يحتاج عقولا مفكرة وأكثر إنفتاحية و" تداولية".. علي حرب جعل عقلي يتواطؤ مع قلبي ضد الشعور بالإحباط.. يستحق القراءة وخمس نجمات
تواطؤ الأضداد كتاب يحتاج إلى صبر وتأنٍ و"عقل تداولي" قادر على تقبل الأفكار المختلفة ويتداولها للوصول إلى الفكرة الأفضل والأنجح. نحتاج إلى الشجعان من أمثال الباحث علي حرب في مواجهة واقعنا المرير. فالقراءة له تساعدنا في تجديد "عدتنا الفكرية" وأن نمارس "التقى الفكري" بعيداً عن اليقين الزائف وتقديس الأفكار.
يحتاج الكتاب إلى تحرير وتنقيح لإزالة الأفكار المكررة.