يشكل هذا الكتاب القسم الأول من كتابة التفسير القرآني: فهم القرآن الحكيم - التفسير الواضح حسب ترتيب النزول، وهو مشروع كان قد أنجزه محمد عابد الجابري في ثلاثة أقسام، يعكس، في مجمله، النتيجة العامة والعلمية التي خرج بها المؤلف من مصاحبة التفاسير الموجودة، وهي أن المكتبة العربية – الإسلامية تفتقر إلى تفسير يستفيد في عملية «الفهم» من جميع التفاسير السابقة.
محمد عابد الجابري (1936 بفكيك، الجهة الشرقية - 3 مايو 2010 في الدار البيضاء)، مفكر وفيلسوف عربي من المغرب، له 30 مؤلفاً في قضايا الفكر المعاصر، أبرزها "نقد العقل العربي" الذي تمت ترجمته إلى عدة لغات أوروبية وشرقية. كرّمته اليونسكو لكونه “أحد أكبر المتخصصين في ابن رشد، إضافة إلى تميّزه بطريقة خاصة في الحوار”.
اختتم الجابري كتابه السابق لهذا: مدخل إلى القرآن الكريم بمقولة "أن ما يميّز الإسلام, رسولاً وكتاباً, هو خلوه من ثقل الأسرار التي تجعل المعرفة بالدين تقع خارج تناول العقل. وعليّ أن أعترف الآن أن هناك سراً لم يستطع عقلي اكتناه حقيقته: أنه الذي عبرنا عنه بـ(العلاقة الحميمية) بين الرسول محمد بن عبدالله وبين القرآن الحكيم" كان يكتب الجابري هذه الجملة وهو لم يعزم بعد على كتابة مشروع التفسير, بل كانت الفكرة هي جزء ثاني يحكي موضوعات عن القرآن, ولعلّ ذلك السر دفعه إلى كتابة تفسير كامل للقرآن والذي يقول في بدايته "أننا نشعر بالتوفيق في (قراءة القرآن بالسيرة وقراءة السيرة بالقرآن) وذلك أن هذ النوع من القراءة المزدوجة قد مكنني من التعرف على حقيقة ذلك السر". في هذه البداية كان الجابري يتكلم بحسّ روحاني عالي ذكرني بالظلال
في مستهلّ الكتاب يدور الكلام حول مهمة التفسير والحاجة لها فـ" إن فهم القرآن مهمة مطروحة في كل وقت ومطلوبة في كل زمان. إن اقتناعنا بأن القرآن يخاطب أهل كل زمان ومكان يفرض علينا اكتساب فهم متجدد للقرآن بتجدد الأحوال في كل عصر. وإذاً, فطرح السؤال بصيغة (كيف نفهم القرآن؟) لا ينطوي على أية مغامرة, لكن الإجابة عنه, على ضوء معطيات العصر الذي نعيش فيه, هي المغامرة الكبرى". وبدءاً نرى هنا أن الجابري يحترم النص كوحدة متكاملة ولا يجزءه كغيره, وكأنه يقول أن ما يجب ليس هو أن نقرأ القرآن كما هو ولكن أن نأتي بالقرآن لوقعنا ونرى ماذا يريد أن يقول لنا في ظل هذا العصر, وتأكيداً على ذلك يضيف "القرآن ليس مجرّد كم من الصفحات ينتظمها غلاف المصحف, بل هو نص إجتاز مسار الكون والتكوين خلال مسيرة تجاوزت عشرين سنة, ما بين إبتداء الوحي حتى وفاة متلقّيه ومبلغه صلوات الله وسلامه عليه. وإلى مثل هذا كان طموح ما كنا نفكّر في الكتابة على مستوى الفهم. لقد كنا نطمح إلى أن نوضح كيف أن فهم القرآن ليس هو مجرد نظر في نص ملئت هوامشه وحواشيه بما لا يحصى من التفسيرات والتأويلات, بل هو أيضاً فصل هذا النص عن تلك الهوامش والحواشي, ليس من أجل الإلقاء بها في سلة المهملات, بل من أجل ربطها بزمانها ومكانها, كي يتأتى لنا الوصل بيننا, نحن في عصرنا, وبين النص نفسه كما هو في أصالته الدائمة". وبالنهاية يشير إلى سبب الفجوة التي نواجهها أحياناً بين قراءة النص وإنزاله على الواقع "فقر الكتابة قد عمّق الهوة بين الناس وبين ممارسة عملية الفهم لنصوصهم الدينية, وذلك إلى درجة انتقلت معها قداسة النص الديني إلى ما كتب عليه. وأمام غياب الفهم وانتشار الأمية صار المقدس لي هو النص مستقلاً عن المكتوب فيه, بل هو المكتوب فيه نفسه". هذا القسم الأول من التفسير يتعامل مع جزء من القرآن المكي – حسب ترتيب النزول الذي يراه الجابري – يقسمه على ثلاث مراحل: النبوة والربوبية والألوهية, البعث والجزاء ومشاهد القيامة, إبطال الشرك وتسفيه عبادة الأصنام
سأناقش فقط مسألة واحدة منهجية في الكتاب وهي ترتيب النزول, يعتمد الجابري في ترتيب النزول على المرويات وإن غابت اعتمد على نسق الآيات ومنطقها الداخلي, المسألة هنا أن أسباب النزول كما يقول مصطفى الحسن في كتابه "موجز في طبيعة النص القرآني" أنّ نسبة الآيات التي ذكرها الواحدي أقل من 13% وماذكره السيوطي هو أقل من 15%. ولذلك في كثير من السور يكون الترتيب حسب مرويّة ذكرت في آية من داخل السورة, بمعنى أن هناك كثير من الإستنتاجات ستكون مجانبة للصواب إذا قيست على السورة بأكملها. ولذلك حاول الجابري التقليل من نسبة الخطأ, بتوسيع مراحل الترتيب وتقسيمها للقرآن المكي بالكامل إلى ستة مراحل, وهي محاولة لخلق نسق للقرآن في عقليّة المسلم بمحاولة إنشاء منطق داخلي في ترتيب السور, وأتوقع أنه نجح في ذلك
أن يقوم الراحل محمد عابد الجابري بتفسير القرآن بلغة حديثة، مع عقد مقارنات بين شراحه من المتقدمين والمتأخرين، يعدّ سمة مميزة لهذه الثلاثية. فقد ألزم الجابري نفسه بفهم النص بعيدًا عن الإسقاطات الأيديولوجية والتعصب المذهبي، تحت مبدأ "أصالة النص"، حيث يسعى إلى قراءة تتناول الآيات كما هي، قدر المستطاع.
وقد أدركت مدى تميز هذه الثلاثية عند مقارنتها بتفسير أحد المتأخرين، وأعني بذلك الراحل محمد متولي الشعراوي، الذي فسر القرآن في 23 مجلدًا، لكن تفسيره تضمن الكثير من التكرار والإطالة، مما جعله في كثير من الأحيان يخرج عن صلب الموضوع.
منذ فترة وأنا أبحث عن كتاب يتناول تفسير القرآن بترتيب النزول وليس بترتيب المصحف لأن ترتيب النزول يساعدنا على وضع تصور لتطور الدعوة وكيف كانت وكيف تطورت وكيف صارت إلى ما هي عليه خاصة أني كنت ألاحظ دائمًا أن الخطاب القرآني المكي له أهداف غير الخطاب القرآني المدني.. والحمد لله وجدت بغيتي في هذا الكتاب لأنه تناول تفسير القرآن حسب ترتيب التزول وبطريقة مساوقة للسيرة النبوية وهو بالفعل ما نتج عنه (فهم واضح) للقرآن
لم تكن تدخلات الجابري كبيرة في الكتاب فهو اكتفى بتوضيح لبعض الكلمات عن طريق عرضها مباشرة (بين قوسين) في سياق النص وبالتالي يمكننا الفهم بسهولة ويسر دون تشتت وكان يبدأ كل (مرحلة قرآنية) بتعليق عن الفترة وأحداثها والروايات التي نزلت في أسباب النزول لتوضيح الصورة وكان يختم كل سورة وأيضًا مرحلة بتعليق يوضح الترابط القرآني ووحدة السورة ومدى ارتباط بداية السورة ووسطها ونهايتها كما اختص بعض الموضوعات بالحديث مثل الجن والشياطين والأصنام والفرق ما بين الرحمن واللهخ والرب ناقلًا مختلف الآراء ليضيف هو رأيه النهائي في النهاية
أبرز الكتاب ثلاثة محاور ركز عليها القرآن في بداية الفترة المكية وهي
أولًا: الربوبية والألوهية والنبوة من خلال قصار السور والتي كان هدفها تعريف النبي بمهمته والدور الصعب الذي سيقوم به وبنعم الله التي لا تحصى عليه كما عرفته بربه الذي خلقه ورباه وعلمه
ثانيًا: المعاد والجنة والنار مؤكدًا على وحدانية الله المطلقة وأن البعث لا شك فيه
ثالثًا: التعرض لأصنام قريش والمواجهة وذلك من خلال الرد على اعتراضات قريش وتساؤلاتهم والتسفيه لأصنامهم وعقولهم التي أدت إلى عبادتهم للحجاة وهذه الفترة كانت الدعوة تتعرض لمرحلة حرجة وتكالب كبير عليها وهو ما استدعي تثبيت الرسول ودعوته للصبر وقص القصص عليه وعلى المؤمنين لتثبيت فؤاده وأيضًا ليتعلم الكفار من دروس التاريخ ويعلموا أن نهايتهم الحتمية إذا لم يتوبوا هي الهلاك
آخر ما كتب الجابري من مؤلفات وأبسطها. فيه هذا التفسير الجابري قسم المصحف إلى قسمين على حسب مكان النزول: مكي (الكتابين الأول والثاني) ومدني (الكتاب الثالث). ثم قسم القرآن الممكن إلى مراحل على حسب أحداث السيرة النبوية. الأولى مرحلة التوحيد والألوهية والروبوبية، والسور التي نزلت في هذه المرحلة ركزت على هذه الثلاث مواضيع حصراً. ثم المرحلة الثانية نزل سُوَر تتكلم علاوة على التوحيد عن البعث ويوم القيامة، ثم المرحلة الثالثة بدأ القرآن يتعرض لأصنام قريش، ثم تواصل المراحل تباعًا إلى ما قبل الهجرة. في هذه المراحل الجابري ينطلق معتمد على قاعدتين: الأولى أن السورة وحدة متكاملة ومترابطة الموضوعات والثاني أن موضوعات السورة تدور حول القضية الأساسية التي تحكم المرحلة التي نزلت بها هذه السورة. لذلك تجد الجابري يقسم كل سورة إلى مجموعة من الموضوعات المترابطة، فالسورة تبدأ بمقدمة وتنتهي بخاتمة تأكد ما قيل بالمقدمة.باستخدام المؤلف لهذه الطريقة وجدتني أملك فهم للصورة الكلية للمصحف وأستطيع ان أفهم كثير من الآيات بسياقاتها، فهذه الطريقة مفيدة للقراء بالوقت الحاضر الذين تعودوا على طريقة الكتابة الحديثة. ملاحظتي على الكتاب أن المؤلف يميل للفهم المعتزلي للقرآن، وهو لا ينكر هذا، ولا يعيبه.
يتبع الكتاب آلية معينه ، هي أن يضع إطاراً عامً لكل سورة ، كأن الهدف ان تفهم الفكرة العامة منها و ولماذا نزلت وفقاً للفترة التي نزلت فيها. كتاب بسيط، أغلبه آيات القرآن الكريم ، لو نزعت عن الكتاب لما بقي اكثر من ثمانين صفحة مثلاً.
على أمل أن يكون الجزء الثاني من السلسلة أكثر عمقاً.
لغة بسيطة وعرض موجز جدا يبحث في تاريخ نزول السور وترتيبها بالدرجة الاولى وليس تفسير الآيات كما يوحي العنوان .... الاطناب في ذكر الروايات المتعلقة بترتيب النزول هو السمة الأساسية للكتاب
لمن يرغب في فهم معاني القرآن ، وتفسيره بالأسلوب المنطقي عليه بهذا الكتاب
محمد عابد رحمه الله جمع في هذا الكتاب أهم ما قاله علماء التفسير بالرأي والتفسير المأثور ، متبعاً بذلك في ترتيب السور الترتيب الذي نزل على محمد صلى الله عليه وسلم ، متخذاً أسلوباً متزامناً مع ما يحدث من تطورات في الدعوة المحمدية لكفار قريش ..
الكتاب تفسيري من النوع الفكري فهو لا يقدم التفسير بالكامل لكل الآيات لكنه يقدم اراء حولها وافكار حول الرسول وكيف أنه كان يقرأ ويكتب وعن تجسيم الله واعتبار المهدي المنتظر خرافة مثله مثل علي عزت بيجوفيتش في آخر نقطة ، انصح بقراءته فهو رؤية جديدة.