قدم لنا (ياقوت الحموي) عدة كتب عظيمة وشهيرة منها معجميه (البلدان، والأدباء) وإن كنت أجد المتعة والفائدة العلمية أكثر في معجم البلدان تاريخيًا وجغرافيًا وسياسيًا وحتى من ناحية التطور في علم الطبوغرافيا وهجرات القبائل، وما تبقى من البلدان منذ تاريخ نشأتها وعن تلك المدن التي أندثرت وكذلك تتبع بعض تلك المدن التي تغيرت مسمياتها ومعالمها وحدودها على عصر ياقوت الحموي فتاريخية ومعالم وتحديث الكتاب يقف عند عهد المؤلف في الربع الأول من القرن الثالث عشر الميلادي (ت 1229م) (*) ومع بعد ذلك مرت البلدان الإسلامية والعربية بالكثير من التحولات وضياع معالم الكثير بل وطمس بعضها.
تناول الحموي في كتابه (معجم البلدان) الحديث عن الأرض :
جغرافية الأرض وما نقله من سبقه ومن عاصره كجانب جغرافي وفلكي كذلك في منظومة علمية تبرز لنا مدى سعة علم هذا الرجل الذي مايزال إلى اليوم يرجع الباحثون لكتابه هذا. وهذه المعلومات المتعلقة بطبيعة الكرة الأرضية يبدي فيها قوله بعد طرحه لأراء من سبقه ممن يتفق معهم أو يختلف.
العناية بالمدن والقرى من اسمها ورسمها وحدودها الجغرافي ومعالمها ويذكر حتى تاريخ بناء بعضها وفق ما أهتدى له من مواد.
يكثر الحديث عن البلدان التي دخلت في حيز المساحة الإسلامية قبل وبعد الفتح ويشير إشارات جميلة للفوارق بين الزمنين دون قصد المقارنة ولكنها قراءة ليس أكثر.
يضم الكتاب معلومات تريخية عظيمة فهو مادة غنية للتاريخ ومن أمهات الكتب في هذا الباب. يعرض الكتاب مع ذكره للمدن القرى والهجر الصغيرة والأودية والأنهر حتى أنه يذكر أصنام وأوثان ومعبودات كل مدينةو ويظهر جليًا مدى إستفادته من كتاب (الأصنام – ابن الكلبي) وغيرها من الكتب التي رجع لها ياقوت حسب كل مادة علمية.
من جميل هذا الكتاب عدم إغفال جانب الميثولوجيا وكل ماله علاقة بالأساطير – مع قلتها – فقد وجه لها نقدًا يليق بها وفق ثقافته وهي كثيرة في المناطق الآسيوية أكثر من العربية لإختلاف ثقافات الجانبين.
أهمية مصدر الحموي – وأغلب مصادره من الناحية التاريخية لمعاصرة الحموي لسقوط الخلافة العباسية ودخول التتار ومافعلوه في العراق والشام وخوارزم وغيرها من المناطق وقد فر منهم أثناء دخولهم. وهو بذلك فقذ حفظ لنا الكثير من المواقع التاريخية التي فقط نجد معالمها بارزة في صفحاته وعند غيره بقلة وتواضع.
فعناية الرحالة والجغرافي والأديب الرائع، ياقوت توقفت عند تاريخ معين بعد جهده وعنايته بتحديد المواقع حتى بخطوط الطول والعرض وذكر عادات وتقاليد المجتمع الذي يزوره وآلية الحكم في المنطقة التي يزورها، وأخبارها وكأنه يجمع بين أدب الرحلة والتوثيق الجغرافي والكثير من التاريخ، وقد زار مناطق اليوم هي جل المناطق العربية مثل والعراق، وفلسطين وجل الشام، ومصر، وخراسان وكل فارس – إيران اليوم – وخوارزم ومرو، ومناطق تعرف اليوم بالجمهوريات الإسلامية في روسيا حيث سمرقند وبخارى وغيرها من المناطق الآسيوية الكثيرة من تلك التي وصلها الإسلام في القرون الأولى من العهد الأموي والعباسي.
مثل هذا الكتاب يستحق أن تقف عليه كل دولة وتستل منه مدنها وتستمر في التقصي عنها وتحديد معالمها اليوم وماذا طرأ عليها من تغير المسمى والحدود كجانب طبوغرافي لتتبع معالم السكن. فالمدن التي سجلها ياقوت عن العراق في القرون الماضية تغيرت وبعضها أستبدلها أسمائها وبعضها أبقيت الاسم لكن مر بتحريف أو تصحيف.
جعل المؤرخ (خير الدين الزركلي) صاحب الأعلام وفاته في (1229م) ويبدو أنه أعتمد على صاحب وفيات الأعيان وهي الأرجح. بينما يجعلها البعض في (1225م) وهذا غير مرجح.
قراءات 2005م ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ مصادر لمن أراد التوسع : وفيات الأعيان وأنباءُ أبناءِ الزمان : ابن خلكان رقم الترجمة (761)، جـ 5 / ص 178 – 189)، مكتبة النهضة المصرية، 1949م. معجم البلدان، ياقوت الحموي، دار صادر، بيروت – لبنان، 1977م – 1397هـ. (طبعة دوت تحقيق بعمودين في صفحة واحدة) لكن إخراجها جميل لمن لايرغب في النسخ المحققة وقد تزعجه. شذرات الذهب في أخبار من ذهب، ابن عماد الحنبلي، تحقيق محمود الأرناؤوط، دار ابن كثير، دمشق، 1406هـ / 1986م.