يكتب خليفة الخضر، الحائز على جائزة سمير قصير لحرية الصحافة 2017، بعضاً من مشاهد الخوف في تفاصيل تجربته في سجون داعش في مدينة الباب، وهروبه من السجن، ثم عودته إليه بإرادته لاحقاً بعد طرد داعش من المدينة. خليفة لا يحدثنا عن داعش من الخارج، هو أقام في بطن الغول، وخرج ليروي بعضاً مما شاهده وسمعه وعايشه...
يقدم الكتاب مجموعة من شهادات سجناء داعش، فالعيش في ظل هذه الخلافة الدموية شيء، والتحول إلى عدو لها يرزح في سجونها وينتظر عدالتها شيء آخر تماماً، هذه الشهادات لمن فروا أو نجوا من القتل تثبت أن سجون داعش لا تختلف كثيراً عن سجون الأنظمة العربية ووحشيتها، الكتاب كئيب وثقيل على النفس بثقل موضوعه.
#الكناعيص #خليفة_خضر في مئة و خمسين صفحة يسرد الشاب المبدع خليفة خضر كمية هائلة من الوجع عن ذكرياته في سجون تنظيم الدولة . رغم جمال اللغة و سلاسة السرد و بعده عن التكلف أو المبالغة في الوصف ، فلم أكن قادراً على احتمال هذا الكم من الوجع في يوم واحد . فمن قصة أبو رسول النجار ، إلى قصص الإعدامات و المحاكمات الهزلية ، إلى قصة المهاجر الروسي ، و حنّان الشبيح، و أبو مراد خريج السوربون ، إلى قصة الكناعيص الفريدة يطرح خليفة أسئلة قاسية ، لماذا وصلنا إلى هنا ، و كيف اخترع الإنسان التعذيب ، التحقيق، السجن ، و الإعدامات ؟ كيف يمكن للإيمان الأعمى أن يتحول إلى سلاح قاتل .. ؟ و كيف خيمت هذه الغمامة السوداء على المنطقة بأكملها ... الكناعيص هو اسم مستعار لعائلة صغيرة تعيش في قرية منسية ، عائلة لا تهتم بالسياسة ، و تحتقر العلم ، و تنظر بعين الريبة لكل جديد، و لا تعرف شيئاً عن الدين ... تعيش على الرعي و فتات الزراعة ، و عندما تأتي داعش ، فهكذا عائلة هي المرشح المثالي للانضمام لداعش . في الوقت الذي أقرأ فيه عن طريقة إدارة داعش للسجون و التحقيق ، أتذكر بعضاً من أصدقائي الذين كانوا نزلاء لديها ، أتذكر بعض قتلتهم أو اختطفهم بدون تحقيق . كما أتذكر بألم بعضاً من أصدقائي الذين قتلوا و هم في صفوف داعش ، أتذكر دموع والد" عبد الوهاب الملا "و صوت والدة "وائل إبراهيم أبو مريم " و أتساءل .... هل كان علينا أن ندفع كل هذا الثمن ... ؟ و ماذا تعلمنا من هذه التجربة ؟ و أين درس مسؤولوا السجون لدى داعش و باقي الفصائل الاسلامية علم إدارة السجون ، و من أي نص فقهي استخرجوا أحكام التعذيب ؟ قبل أيام ، و أنا أشاهد جثث القتلى في الباغوز ، بعد أن أحرقتهم طائرات العم سام ، خطر ببالي ، كيف يمكن أن تتعاطف مع مظلوم ، و أنت تعرف أنه أسوء من ظالمه ؟ كيف سينظر كل من تضرر من داعش إلى الدين و الفقه الذي تصدرت داعش للحديث باسمه .... و لكن أشد ما يؤلم ، هو أن تجربة داعش تتكرر بحذافيرها في مكان آخر ، و أن كل يوم جديد يطلع علينا بدعاة جدد من مختلف الأديان و الطوائف لإقامة دولة دينية، دون أن يشرحوا لنا بماذا ستختلف دولتهم الدينية عن داعش !!!!!
نجح الكاتب في جعل مؤلفه صوتاً لمعتقلين تنظيم الدولة , صوتاً لمشاعرهم المعتقلة التي لم يستطع حتى الاعلام توجيه الصوب نحوها , من خلال قصص مختلفة النهايات , منها ما انتهى بالهجرة بعيداً عن ذلك الوطن الذي لم يجدوا فيه الحرية والسلام والحب ومنها ما انتهى بالموت باعدامات تنظيم الدولة التي تدعي الاسلام الكناعيص الاسم الذي اختاره الكاتب ليكون عنواناً لكتاب يحمل نمط أدب السجون من ناحية و مصادر على الحقائق المستخدمة من المركز الاعلامي التابع لتنظيم الدولة . تجربة جميلة أتاحت الى الاطلاع على جانب مختلف عن ما نراه في النشرات الاخبارية , جانب منسي بعض الشيئ .
قهر، ظلم، وحشية مخيفة. وإنني أؤمن أن أصدق الأنباء تخرج من الضحايا ومن بسطاء الشعب أصدق من الإعلام بكل أشكاله. وهنا في كتاب الكناعيص تُروى شهادات سجناء كانوا في سجون تنظيم الدولة! تنظيم الدولة الحقيقي من الداخل ليس من منابره ولا من منابر الإعلام العربي أو الغربي أو منابر أي سلطة كانت! شهادات من ضحايا نجوا من متعلمين ومن عاملين بسطاء من مقاتلين في الجيش الحر ومن أناس وجدوا نفسهم في سجونهم ظلمًا وبهتانًا أكثر القصص مؤثرة فصة " خلية فراس" وهي قصة أثارت ضجة وقتها! أوضحت الفساد والنفاق داخل تنظيم الدولة،
هؤلاء لم يخرجوا لأجل ثورة أو لأجل الدين كل ما يفعلونه مخالف للفطرة وللدين وللعقل وللقلب وللانسانية، ولا يتقبله أي شخص يتفكر ولو قليلًا ! شيء لا يحتمل مهما يحاولون تغليفه وتحويره! يخدمون وحشيتهم فقط! مثلهم مثل النظام مثل أساليبه وتعذيبه!مثل سجون الطاغية الذي يدّعون أنهم خرجوا عليه!
المؤلم هم الأطفال الذين يصبحون سجانين وجلادين! بعمر الثالثة عشر والسادسة عشر! هم أطفال فقط أطفال! كيف يجعلونهم يستسيغون مشهد الرؤوس المقطعة ! من أول ظهورهم عرفت أنهم كسروا الثورة وكسروا الشعب وأن الحلم والحرية انتهى بوجودهم، وسيجعلون سوريا جحيمًا أكثر من جحيمها! وأنهم مجرد منتقمين، منافقين، مخادعين، مجرمين، وأنهم يتكررون على مر التاريخ ولهم بصمة في كل فترة تاريخية "مراهقون، خوارج، مخابرات، سفهاء الأحلام"
أكثر قصة أوجعتني قصة يامن الأحمد رحمه الله كان مقاتلا في الجيش الحر رفض أن يقاتل الدواعش وكان ينتقل إلى جبهات قتال النظام لكن وقع بأيديهم وأصروا على إذلاله وقتاله وهو بريء منهم يامن استشهد تحت التعذيب ابو زينب الذي عذّب يامن ماذا يفرق عن جلادي النظام؟! سوى أنهم ينادونه بالشيخ قبل اسمه! الشخص السادي الجلاد في أي نظام يلفتني وأتعجب كيف أصبح هكذا! يثيرون فضولي دائمًا وأخيرا كثيرا ما لفتني المنتمين والمتعاطفين مع داعش"سفهاء الاحلام" أحاول فهمهم او استيعابهم وأبحث من أين أتوا ولماذا! وأجد غالبًا سبب تعاطفهم وقبولهم لهؤلاء الخوارج أو حتى عندما يصلون لمرحلة الانتماء، لسبب نفسي أكثر مما هو ديني حقًا.. هناك أسباب نفسية أبصم بذلك..لأن الدين الذي فطرنا عليه ليس بهذه الوحشية أبدًا .. أشفق عليهم وأحسبهم أعداء محتملين . "عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يَخْرُجُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ قَوْمٌ أَحْدَاثُ الأَسْنَانِ سُفَهَاءُ الأَحْلاَمِ يَقُولُونَ مِنْ خَيْرِ قَوْلِ النَّاسِ يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لاَ يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ يَمْرُقُونَ مِنَ الإِسْلاَمِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ "
لعنهم الله دنيا وآخرة العالم منهم والجاهل! الله ينتقم منهم ويكسرهم مثلما كسروا قلوب أمهات وزوجات وأطفال وشيوخ
عندما تم تفجير سجن تدمر الصحراوي سئل الكاتب مصطفى خليفة عن رأيه في مقابلة معه فقال: آسف أن يهدم السجن على يد هؤلاء الظلاميين بدلاً أن يبقى شاهداً على المآسي والفظاعات المرتكبة داخله ونحوله نحن الثوار إلى متحف يروي حكايات سجنائه. في هذا الكتاب ستقرئين عزيزتي القارئة عن شعب قرر الثورة حالماً بمستقبل أفضل ليجد نفسه محاصراً بين مطرقة النظام الاستبدادي وسندان الجماعات التكفيرية كداعش واخواتها. للأسف من قاسى الظلم والاضطهاد في سجون النظام السوري يعود ليقاسي أشد أنواع الظلم في سجون "التوبة" على يد مخلوقات مشوهة العقل والروح أشبه ما تكون بالمسوخ التي نسمع عنها في الروايات والأفلام الخيالية.
مزعج بحق ذلك الشعور عندما تسمع عن قصص ومشاهدات أبناء بلدك مع وحوش داعش وتتذكر أنك ربما كنت ستكون مكانهم لولا أن القدر اختار إعفاءك لسبب ما من الخوض في هذه التجربة المريرة، تجربة يفصلك عنها بضع عشرات من الكيلومترات فقط لا غير. كمية الألم والحزن للمعتقلين السابقين لا تعقل ولكن يجب علينا أن نسمع لهم كي يعرف العالم أجمع ماذا يحدث داخل مناطق داعش "المحررة" على حد زعمهم كي لا نسمح لهم بالعودة مرة أخرى.
قد تستغرب عزيزي القارئ ما معنى كناعيص من أصله؟
على حد زعم الكاتب والاعلامي خليفة خضر فالكناعيص هو اسم وهمي يقصد به إحدى العائلات المتعاونة مع تنظيم داعش الإرهابي وهذا مما وجدته غريباً فالأولى بالكاتب أن يفضحهم لا أن يراعي مشاعرهم ويخفي اسمهم. برأيي لم يوفق خضر في اختيار عنوان مناسب لكتابه.
تقييمي ليس على محتوى الكتاب الثقافي أو الأدبي لأن المكتوب هنا لا يخضع لآلية تحسس الكلمات ومدى أناقتها ولا لخصوبة الخيال، لا... تقييمي هو لشجاعة خليفة ومن يشبهه وللمعنى الحقيقي لما قاله درويش يوماً "أن على هذه الأرض ما يستحق الحياة" وللرفض الجامح لاستبدال الظلامية مكان الحياة الملونة. كنت اتمنى لو أن مؤلف إدارة التوحش يحصل على نسخة من الكتاب ليقارن مافعل به جنون التطرف والوهم بأحقية الظلاميين بحكم الأرض ومن عليها، من و جرأتهم على توزيع الأحكام على الناس بما يناسب بغيهم وهواهم بشكل أساسي... اتمنى السلامة والنصر لكل محاربي التطرف والجهل والظلم بكل مكان من هذا العالم
يتميّز الشاب الصحفي خليفة الخضر عن الكثير من الكُتاب الذين عملوا على نقل قصص وتجارب آخرين وتوثيقها بأنه ابن الأرض وقريب من الناس، ينتقل من مكان إلى آخر ويتجوّل بين المدن والقرى المنسية ليحتك بالناس ويسمع همومهم وآرائهم وقصصهم. الكتاب جيد ويستحق القراءة رغم كل الألم الذي يرافقه، أستطيع تقييم الكتاب بـ 4 من 5 وإن كان يحتاج لشيء فهو شرح بسيط للسياق والغوض في مشاعر السجين ومايُحس به من مشاعر أثناء اعتقاله أو اخفاءه قسرياً. الحمد لله عالسلامة يا خليفة !
This entire review has been hidden because of spoilers.