كتاب في أصول الفقه الإسلامي، وهو كتاب هام في هذا العلم تكلم فيه عن مقدمات أصول الفقه وأقسام الكلام والأوامر والعموم والخصوص والمجمل والمبين، والأخبار والناسخ والمنسوخ، والإجماع، والقياس والإجتهاد وغيرها من الأبواب الأصولية وهذه الطبعة محققة وعليها تعليقات هامة جدا
أبو المظفر السمعاني (426 هـ - 489 هـ) هو منصور بن محمد بن عبد الجبار بن أحمد التميمي، السمعاني(1)، المروزي(2)، الحنفي كان، ثم الشافعي.
ولد سنة 426 في مرو في بلاد خراسان، ونشا في أسرة عريقة من العلم فوالده وأخوته وأولاده وأولاد أولاده من كبار العلماء، وكان في البداية حنفيا كوالده وتلقى العلم عليه، وبعد وفاة والده رحل إلى بغداد عام 461 هـ، وجرت بينه وبين علماء بغداد المناظرات والمباحثات والتقى في هذه الرحلة أبو إسحاق الشيرازي صاحب المهذب، والإمام أبا نصر بن الصباغ وجرت بينهما مناظرات وسمع من عدد من المحدثين، ثم خرج إلى الحج وصحب بمكة الإمام أبو القاسم الزنجاني ثم عزم على الانتقال إلى مذهب الشافعي وعاد إلى مرو، وبسبب تحوله عن مذهب أبو حنيفة تعرض لمضايقات فرحل إلى طوس ثم نيسابور واستقبله الوزير نظام الملك وعرف له قدره ومكث بها فترة عقد فيها مجلس للتذكير ثم عاد إلى مرو وصلح حاله ودرس بها في مدرسة الشافعية ، وكان إماما في شتى أنواع العلوم الإسلامية والعربية.
أدناه مراجعتي عند القراءة الأولى للكتاب ، والتي كانت قبل سنوات .. يقول القودريدز أنها كانت في عام 2017 وأظنها كانت قبل هذا بأعوام! ، أما هذه القراءة الثانية وستتبعها قريبا القراءة الثالثة بإذن الله تعالى حيث أنني مرتبط بمشروع علمي متعلق بهذا الكتاب
...
حاولت أن تكون قراءتي في المقام الأول قراءة للكتاب في سياقه التاريخي، فمؤلف كهذا المؤلف (عالم حنفي له اطلاع بعلم الحديث ثم انتقل إلي المذهب الشافعي، في وقت لا تزال فيه الحرب الأصولية بين المذهبين في أوجها) وكتاب كهذا الكتاب (ألفه المؤلف لغرضين رئيسيين: الرد على كتاب أصولي ألفه عالم حنفي نصرة للمذهب الحنفي الذي كان قد تعرض لضربة موجعة من الإمام الشافعي انشغل بها الأحناف عدة قرون في محاولة رد أثر هذه الضربة وكان من أميز كتب الأحناف في هذا هو كتاب العالم الحنفي أبو زيد الدبوسي (ت430هـ) ، فشرع صاحبنا -السمعاني- في تأليف هذا الكتاب للرد على كتاب الدبوسي. وأما الغرض الثاني: فهو محاولة انتشال أصول الفقه من تأثره بعلم الكلام والمنطق الذي كان قد بدأ يسري في عروق علم الأصول على طبقة شيوخ المؤلف أو شيوخ شيوخه، خصوصا وأن الكتاب جاء مبكرا نسبيا فهو مكتوب بعد برهان الجويني وقبل مستصفى الغزالي) وعليه حاولت جاهدا التقاط الخلفيات والإشارات المضمرة والظاهرة في تضاعيف هذا الكتاب أكثر من الاهتمام بآراء المؤلف الأصولية مبتورة من سياقها ..
فمثلا إلي أي حد كان تأثير المنطق باديا في هذا الكتاب وهل نجح المؤلف في مسعاه أن يتخلص من آثار علم المنطق؟ ، ومن جهة أخرى أحاول أن أتبين وجهة نظر من هو مطلع على مدرسة المحدثين بالمباحث التي تتقاطع مع علم الحديث والتي دخل فيها المتكلمون تنظيرا دون اطلاع كافٍ على الجانب التطبيقي الذي اشتغل به المحدثون، أو في محاولة معرفة أين وصل السجال في ذلك العصر بين مدرسة الأحناف والشافعية (خصوصا أن الكاتب ملم جيدا بمدرسة الأحناف) وألف هذا الكتاب ليرد به على كتاب حنفي يعد حلقة رئيسية من حلقات السجال الذي أوقد شرارته الشافعي ، ولفت انتباهي أمور أخرى ككثرة تعقب السمعاني لما يذكره الجويني في البرهان في أصول الفقه ج١ -دون إشارة في أحيان كثيرة- أو اعتماده في مادة كتابه على كتب أبو الحسين البصري وأبو إسحاق الشيرازي ، هذه الملاحظات وأخواتها هي التي كنت أحاول رصدها.. وقد كانت رحلة ممتعة ، وزاد من متعتها تعليقات المحقق صالح سهيل علي حمودة فقد كانت مثرية للقارئ؛ مرة بدراسةٍ لسند حديث أو تنبيهه على نكتة علمية أو بيان الخلاف الأصولي والإشارة إلى أفضل من بحث هذه المسألة ..إلخ
أراد به السمعاني أن يكون على طريقة الفقهاء؛ ممازجًا الفروع، ومؤثرًا به، ومفيدًا فيه، وكذا أراد به الرد على الدبوسي كما قال في مقدمته، وهو يورد نصوص الدبوسي باختصار أو دون اختصار، وربما نقل الصفحات العديدة من نص الدبوسي ثم يشرع في الرد، وفي آخر الكتاب صار يجرد كلام الدبوسي المتبقّي ويبين أنه إما ضعيف أو سبق الرد عليه أو لا إشكال فيه. وقد تصدى فيه كثييييرًا للرد على الجويني دون ذكرٍ لاسمه أو قصدٍ لمباحثته، وكثيرًا ما يكني عنه بـ (قال بعض المتأخرين من أصحابنا) أو (قال بعض أصحابنا)، وإنما صرّح به وسمّاه (أبا المعالي) في موضعين أو موضعٍ لكن في غير سياق الرد عليه؛ ولذا فلا غناية عن الاهتمام بالقواطع للمهتم بالجويني، وكان أكثر ما أغلظ عليه فيه إجمالًا: متابعته للباقلاني ولو على حساب مخالفة الشافعي، وقد شدّد النكير عليه لصنيعه هذا، وتعجّب كيف يترك كلام إمامه لكلام مخالفٍ لإمامه، وقرر أن حقّ المتبع لإمام ألا ينتقل عنه حينما يعرض الإشكال، وإنما يفوّض الكلام لمن يأتي بالرد من بعد. والسمعاني يستعين كثيرًا بأبي الحسين البصري في المعتمد دون أن يسمّيه إلا في موضع ربما، وعامّة نقله عن المعتمد يكون في الاستدلالات. وفي مباحث السنة أطال النفس قليلًا وزاد فوائد حديثية وهذا متوقَّع؛ لتخصصه الحديثي. الكتاب كذلك مرجع لمن أراد فهم كلام الحنفية خاصة لمن لم يرتض كتب الحنفية؛ فالسمعاني منتقلٌ عنهم وخبير بهم، ولهذا يصحّح مرارًا أقوالًا منسوبة للحنفية ليست صحيحة، أو فهومًا عنهم ليست صائبة. والكتاب من المطوّلات السهلة في الأصول، وفيه مواعظ متناثرة في اتباع الوحي ونبذ كلام المتكلمين حلّت جيد الكتاب، وهو مع ذلك في العموم لم يعْدُ الأشاعرة، وإظهاره مظهر المباين لهم غير وجيه، وسينصدم المتوهِّم هذا حينما يقرأ الكتاب ولا يجد فيه فرقًا عن غيره من كتب الأشاعرة في الأقوال. وفي الكتاب بعض المسائل الزائدة عن المسائل التي يذكرها الأصوليون، وهي قليلة.
قراءة هذا الكتاب حتى النهاية كان تحدٍ كبير بالنسبة لي، فهو من المتون الأصولية التي يعوّل عليها يتسم بصعوبة اللغة بالنسبة لمبتدئ أصولي فلقد واجهت الكثير حتى افهم مُراد السمعاني -رحمه الله- ومقصوده ظننت انه يستحيل علي الفهم في بعض المواضع فقرأتها بغير هدى رغم محاولات تكرار القراءة لأعيها، لكني مؤمنة بأني سافتح هذا الكتاب يوما ما، واقرأه بكل سهولة وسلاسة وأفكك عباراته وافهمها بمجرد النظر إلى السطر!
عموما هذا الكتاب الأصولي قائم على تتبع كلام الدبوسي -رحمه الله- في كتابه تقويم الأدلة، فيأتي السمعاني بكلامه وأدلته ثم يبدأ بالرد عليها، وبعد الانتهاء من الابواب الأصولية أورد بعض المسائل والتطبيقات الفقهية التي اوردها الدبوسي في كتابه أيضا وقام السمعاني بتوضيحها تبعًا لرأيه في المسائل الاصولية.