نبذة رفوف: بابنوس تتحدث رواية بابنوس للروائية الأردنية سميحة خريس عن الصراع السّياسي القائم في إقليم دارفور السوداني، فتتحدث عن أسبابه وبعض ملامحه، لتبرز الوجه البشع للحضارة الغربية التي ترتدي قناعًا إنسانيًا لإعادة عملية الرق مرة أخرى. كتبت سميحة خريس هذه الرواية التي أهدتها لروح الأديب السوداني المعروف الطيب صالح، لتكشف عن تكالب الفصائل المتمردة والظروف والجهات المختلفة ضد إنسان المنطقة الضعيف البريء المسحوق، ويبدأ النص في دارفور وينتهي في باريس مستندًا على واقعة حقيقية حدثت قبل أعوام عندما كشف السودان وتشاد عن عصابة تقوم بتهريب الأطفال من المنطقة ثم يقومون ببيعهم في باريس. بابنوس الفتاة الزرقاء أو السوداء كخشب الأبانوس الثمين، وآدم الفتى أزرق العينين، والحكامة وأبطال آخرون الذين يعيشون في مكان نسيه العالم والحضارة. تقول الحكامة أول الرواة في هذه الرواية متعددة الأصوات: «لا التباس في كوني امرأة، ولست في عداد الإناث، فأنا حكّامة؛ والحكّامة عادة مخلوق مغاير، فوق البشري، أعلى من المرأة قليلا، تصطف قريبًا من موقع الذكورة ولكنها تتجاوزه، وهي بعد تلك المواصفات، ليست ملاكًا ولا خنثى، تجمع في كفيها فراشات ملونة، وتفيض على محيطها أمومة لا حدود لها» ويرى الناقد والشاعر الراحل عبد الله رضوان: «أن القيمة الحقيقية لرواية بابنوس تكمن في أنها تعيد إنتاج مقولة أن الرّواية لم تعد مجرّد أحداث وشخصيّات، لكنها خطاب معرفي فنّي يقدم تأريخاً لمكان ما خلال فترة زمنية ما، وهو في الغالب تاريخ الشعوب المقهورة وليس تاريخ السادة، "أي أن الرواية تقدم التاريخ المسكوت عنه«
درست المرحلة الابتدائية في قطر، ثم انتقلت إلى السودان وهناك أتمّت دراستها الثانوية. تخرجت في جامعة القاهرة ومنها حصلت على درجة الليسانس في الآداب 1978. عملت في مجال الصحافة والإعلام منذ العام 1978 حتى العام 2012. إذ عملت في صحيفة "الاتحاد" الظبيانيّة، ثم انتقلت إلى صحيفة "الدستور" الأردنية، ثم استقر بها المقام في صحيفة "الرأي"، فعملت في القسم الثقافي، ثم مديرة للدائرة الثقافية، ثم رئيسة تحرير مجلة "حاتم" الموجهة للأطفال. نالت: جائزة الدّولة التشجيعيّة في الآداب عن روايتها "شجرة الفهود/ تقاسيم الحياة" في العام 1997؛ الجائزة الذهبية في مهرجان القاهرة للدراما عن السيناريو المعد عن رواية "شجرة الفهود"، 2002؛ جائزة أبو القاسم الشابي من تونس عن رواية "دفاتر الطوفان"، 2005؛ جائزة منتدى الفكر العربي عن الإبداع الأدبي لمجمل الإنتاج، 2008؛ الجائزة الفضية لمهرجان القاهرة للدراما للمسلسل الإذاعي "الليل والبيداء" المعد عن رواية "القرمية"، 2009. اختيرت قصة قصيرة لها بعنوان "سميرة" في منهج المدارس السويسرية الثانوية. عضو في رابطة الكتاب الأردنيين، ورابطة كتاب وأدباء الإمارات، ونقابة الصحفيين الأردنيين. كتبت سيناريو النص والسيناريو الإذاعي، والقصص، والرواية، كما ترجمت مختارات قصصية أردنية إلى الإنجليزية. حُوِّلت رواياتها "شجرة الفهود" و"خشخاش" و"دفاتر الطوفان" و"القرمية" إلى أعمال درامية قُدِّمت من خلال الإذاعة الأردنية، بعد أن كتبت هي السيناريو لهذه الأعمال. كتبت السيناريو المسرحي لروايتها "خشخاش". كتبت السيناريو التلفزيوني لكل من روايتيها "دفاتر الطوفان" و"شجرة الفهود". شغلت عضوية مجلس إدارة وكالة الأنباء الأردنية (بترا)، ومجلس إدارة مؤسسة الإذاعة والتلفزيون، واللجنة العليا لإربد مدينة الثقافة الأردنية 2007، واللجنة الاستشارية لمجلة "عمان"، وهيئة تحرير لمجلة "أفكار" الصادرة عن وزارة الثقافة، وهيئة تحرير مجلة "الشباب" الصادرة عن المجلس الأعلى للرياضة والشباب، واللجنة العليا لمشروع مكتبة الأسرة (وزارة الثقافة)، ونادي القلم العالمي.
سميحة خريس هي روائية أردنية من مواليد عام 1956. تمتهن الصحافة وتعمل في جريدة الرأي الأردنية. بدأت الكتابة باصدارها لمجموعتها القصصية الأولى "مع الأرض" عام 1978.. ومن ثم روايتها الأولى "رحلتي" عام 1980.. لها حوالي سبعة عشر كتاباً منشوراً ما بين المجموعة القصصية والرواية. حصلت روايتها الأخيرة "فستق عبيد" على جائزة كتارا لعام 2017.
صدرت هذه الرواية عام 2014 وتتحدث عن مجموعة من البسطاء السودانيين من سكان منطقة دارفور وحكايتهم التي تنتهي تلك النهاية المأساوية. في الواقع، ليس هذا هو الموضوع تماماً، بل هو استغلال الأزمات والفوضى في الدول الفقيرة من قبل أوروبا من أجل شراء العبيد واستغلالهم في الدعارة والجريمة في أوروبا.
تنقسم الرواية إلى تسع فصول على امتداد 275 صفحة.
لدي مع هذه الرواية عدة وقفات: أحد أهم خصائص أسلوب السرد في هذه الرواية هو تعدد الرواة. حيث أننا نجد راوياً تقريباً في كل فصل الذي يحمل بدوره اسم الراوي كعنوان للفصل.
تدور الرواية حول محورين؛ الأول هو محور ثانوي يتغير بتغير الراوي في كل فصل من الفصول السبع الأولى، والثاني هو المحور الجوهري والذي يشكل حبكة الرواية ككل.. وهو حين يتم ربط الفصول السبع الأولى مع الفصلين الأخيرين. وقد أعجبتني هذه الطريقة في السرد حيث يشكل كل فصل وكأنه حكاية قائمة بحد ذاتها.. يكون بطلها هو الراوي. لكن لدي هنا مشكلة ستكمن في الآتي:
أثناء قراءتي لهذه الرواية، تذكرت أسلوب إياس خوري في رواية "كأنها نائمة" والذي كان يعتمد على إعادة سرد الحكاية أكثر من مرة مع إضافة المزيد من التفاصيل في كل مرة.. بما يشبه وجوه الدهان التي نستخدم في طلاء الحائط حيث تقل الثغرات التي تخلو من الطلاء مع كل وجه إضافي. بينما هنا، نجد أن لدينا سبع وجوه من الطلاء، تقريباً.. مع اختلاف في كمية التفاصيل التي نجدها مع كل وجه أو فصل. فهي هنا، أكثر وأشد تمايزاً مما كانت عليه في كأنها نائمة.. وهي أقل مللاً دون شك. صحيح، أنه ما من حكاية أو حبكة طوال الفصول السبع الأولى، أي حوالي ثمانين بالمائة من الرواية. إن الرواية الحقيقية أو لنقل حبكة الرواية تقع في آخر فصلين فقط، أي في آخر خمسين صفحة من الرواية.. وهذا بدوره يذكرنا برواية "غاتسبي العظيم" ولا أستطيع أن أنكر انبهاري بحبكة فيتزجيرالد في تلك الرواية، ولكنني لم أجد ما يبهر في هذه. فكرة الرواية عموماً مثيرة للإهتمام.. لكنني أرى أن تقدم خلفية عن شخوص الرواية بما يشبه مقدمة الحكاية في أول 220 صفحة في رواية لا تتجاوز 275.. ليس إلا ضرباً من المبالغة. ولو أن الرواية بدأت بحكاية بابنوس وعاج في فرنسا وهما في بيوت الدعارة، ثم جاء شرح خلفيات شخوص الرواية على شكل الفلاش باك متوزعاً على امتداد الرواية لكان ذلك أفضل.. وأشد جذباً للقاريء وأكثر اتصالاً بموضوع الرواية. فإن من أكثر ما قد يشعر به القاريء مع هذه الرواية هو الضياع.. فكل تلك التفاصيل في السبع فصول الأولى كانت ستكون أقل وطأة على نفس القاريء لو كانت ضمن سياق يبين أهميتها.. بدلاً من سرد كل هذه الصفحات إلى أن نصل إلى آخر فصلين لنفهم كل شيء.
هناك ملاحظة أخرى، مهمة؛ الروائية أردنية، بينما تتحدث الرواية عن السودان وأهله.. وهذا ما قد يبدو مشكلة قد تقدح في أصالة العمل الأدبي. ولكنه ليس كذلك في حقيقة الأمر. فنستطيع أن نجد في الأدب العالمي الكثير من الروايات التي كتبها كتاب عن بلاد لا ينتمون إليها.. فنجد على سبيل المثال لا الحصر؛ رواية "الزانية" لباولو كويلهو تتحدث عن سويسرا بينما الكاتب برازيلي.. ونجد رواية حرب نهاية العالم لماريو بارغاس تتحدث عن البرازيل بينما يكون الكاتب بيروفياً.. ولمَ نذهب بعيداً ؟ فهذا نجيب الكيلاني كان قد كتب "عمالقة الشمال" عن نيجيريا بينما هو مصري. حسناً جداً.. ما هو معيار قبول عمل كهذا ؟ إنه الإقناع بكل تأكيد. فما دام الكاتب ناجحاً في الحديث عن هذه البلاد دون أي مشكلة قد تقلل من عامل الإقناع فما من مشكلة أبدا. ويمكن للقاريء الكريم هنا، أن يلاحظ بأن هذه الرواية مغرقة تماماً في الثقافة السودانية. فقد استخدمت اللهجة السودانية العامية كثيراً.. وهناك وصف للأماكن يوحي للقاريء بمعرفة الكاتب التامة للمكان.. والحديث عن الخلفية السياسية والإجتماعية.. وليس ذلك وحسب، حتى عندما كان الفصل الذي جاء فيه باسالم الشخصية اليمنية في الرواية، تحول السرد وبشكل كامل إلى الثقافة اليمنية واللهجة اليمنية وما إلى ذلك. كل ذلك يعزز حتماً من عامل الإقناع. ولكن، لدي هنا مشكلة: لماذا كل هذا الإغراق في استخدام ألفاظ عامية والتي قد تكون مجهولة المعنى لدى القاريء، واستخدام الغريب من الألفاظ في اللغة الفصحى ؟ صحيح، أن الكاتبة قد استخدمت الهامش لتفسير بعض الألفاظ التي قد لا يعرفها القاريء. ولكن هذا الهامش لم يكن كافياً. فيبدو أن الكاتبة قد توقعت من القاريء معرفة أكبر رغم أنني لا أعلم الأساس الذي بني عليه مثل هذا التوقع.
لا بد للكاتب أن يتفهم، بأن لغة الرواية تتعلق بالجمهور الذي يحاول الكاتب مخاطبتهم من خلال هذه الرواية، فهل يمكنني مثلاً الإفتراض بأن الجمهور هنا مقتصر على السودان ؟ لقد شاهدنا سابقاً، رواية فئران أمي حصة للكاتب الكويتي سعود السنعوسي.. وقد كانت مغرقة كذلك بالثقافة الكويتية واللهجة الكويتية.. ولكنها تميزت بالبساطة التي لم يضطر الكاتب معها أن يستخدم الهوامش لشرح الألفاظ الصعبة. وإن كنت قد علقت على الإغراق بالثقافة الكويتية إلا أنها حتماً لا تصل إلى مستوى هذه الرواية دون شك. مما قد يجعل البعض يذهب إلى حقيقة أن الكاتبة ليست سودانية ! وبالتالي، فقد اضطرت للمبالغة بإغراق الرواية بالألفاظ السودانية العامية الغريبة.. والأغاني الشعبية والتي لم يكن لها أي وظيفة سردية عدا العامل الثقافي السوداني والذي يلعب دور الخلفية التي تسرد عليها الرواية. إن الكاتبة وكأنها تقول: أترون ؟ أستطيع أنا الأردنية أن أكتب عن السودان وكأني من أهله تماماً. في واقع الحال، إن هذا برأيي، لعب كعامل معاكس عن الغاية التي استخدم من أجلها. فعن نفسي، وجدته أمراً مزعجاً للغاية.. وغير مبرر إطلاقاً.. وكنت أتساءل حين يمر عليّ مصطلح كـ :مركوب جلدي، وما بال لفظ حذاء، أو نعل ؟ ممَ تشكو ألفاظ كهذه للتعبير عن نفس المعنى ؟ لمَ كل هذا الإصرار على الغريب من الألفاظ ؟ لقد قرأت للطيب صالح وهو سوداني ولكن رواياته لم تكن بكل هذا الإغراق بالثقافة السودانية أو الألفاظ الغريبة. على العكس تماماً، لم أشعر بأي انزعاج من لغة أو أسلوب الطيب صالح.
يمكن أيضاً للقاريء، أن يلاحظ التلوّن في اللهجة العامية المستخدمة، فنجدها ما بين السودانيين عامية سودانية، وبين اليمنيين يمنياً، وحتى الدكتورة المصرية كانت لهجتها رغم قلة عباراتها مصرية.. والألفاظ العامية المستخدمة في فرنسا كانت فرنسية. قد لا يكون ذلك أمراً سيئاً، ولكن، وبرأيي أيضاً، أرى أن هذه مبالغة كذلك.. لو أن لغة الرواية تميزت بالحياد فغلبت عليها الفصحى لما قلل ذلك من عامل الإقناع على الإطلاق.
من الواضح تماماً، أن بابنوس وآدمو هما الأكثر أهمية من كل شخوص الرواية.. وقد يكونا أساساً لرواية قادمة.. استكمالاً لما بدأته الكاتبة في هذه الرواية من حكايتهما في فرنسا.
إن موضوع الرواية في غاية الأهمية دون شك، وقد أعجبني توظيف باسالم كي يسرد الخلفية السياسية للأحداث في دارفور.. بصفته شخصية ليست سودانية ولا تنتمي لطرفي النزاع؛ فلا هي سودانية عربية، ولا سودانية من السود الزرق. وهذا ما يعطيها من الحياد ما يكفي بأن يسمح لها أن تسرد الأمور كما يراها طرف ثالث. إنما استوقفني بعض الأمور فيما يخص اليمن؛ فقد ورد في الرواية حلم توحيد اليمن بين اليمنيين. ولكن، لدي هنا مشكلة أيضاً، ففكرة توحيد اليمن هي فكرة لها جذور قومية عربية لا شأن لها بالوضع الحقيقي في اليمن. فاليمن الشمالي كان معروفاً باسم المملكة المتوكلة منذ مئات السنين.. بينما كان اليمن الجنوبي متفرقاً تارة، ومتحداً تارة أخرى مع ظفار وغيرها من التشكيلات السياسية الصغيرة إلى أن جاء الإنجليز واحتلوها.. وما بدأت أفكار الوحدة مع الشمال إلا بعد بدء الثورة في اليمن الجنوبي وقدوم الجيش المصري إلى اليمن الشمالي للمشاركة في الثورة ضد الملك الإمام.
دور الحكامة في الرواية كان جوهرياً، وكما لاحظنا في تشكيل قرية الخربقة بأنها أقرب للبدائية، حين كانت الزعامة الروحية والإجتماعية في القبيلة لامرأة تصل إلى درجة القداسة في علاقتها مع أعضاء القبيلة. ولكنها لم تتصف بالحكمة بقرارها الأخير، ولا أدري إن كان من الممكن أن يكون هناك أي قرار حكيم من أحد فيما كان ينتظرهم في اليوم التالي. وما أثار انتباهي بذلك الحدث، لماذا لم تتعرض أي امرأة أخرى للإغتصاب عدا تاجوج ؟ ولماذا هي بالذات ؟ هل هي أجملهن ؟ لا أظن ذلك، فكما ورد في وصفها من سياق الرواية أنها لم تكن بذلك الجمال الذي يستحق أن يجن السر من أجله. فلماذا هي إذن ؟ ولماذا من اثنين فقط من الجنجويد ؟ لنفكر في الأمر سوية، هناك كتيبة عسكرية من عشر سيارات عسكرية مدججة بالرجال المسلحين، ولا تتعرض إلا امرأة واحدة فقط في القرية المنكوبة للإغتصاب ومن رجلين فقط من الكتيبة ؟ في أحداث مماثلة، تتعرض الكثيرات للإغتصاب، ويشترك بالعادة معظم الجنود في أحداث الإغتصاب فلمَ يحدث هنا مثل هذا على شاكلة الحدث الفريد ؟ وكأنه عقاب أخلاقي لتاجوج لسلوكها مع السر ومن ثم تفضيلها للبخيت عليه في نهاية المطاف ؟ لم يبدُ ذلك لي طبيعياً أبداً.
كخلاصة، الرواية ليست سيئة، ولكنها في ذات الوقت، كان من الممكن أن تكون أفضل بكثير. الموضوع مهم للغاية، لكنه لم يتلقَ تسليطاً مناسباً من الضوء عليه. هذا الأسلوب قد يكون مناسباً مع رواية قصيرة وموضوع أقل أهمية تماماً كما هو الحال مع رواية غاتسبي العظيم، بينما نجد الأمر مغايراً تماماً مع موضوع كموضوع هذه الرواية. كنت سأفضل، أسلوباً مغايراً.. مع المزيد من التركيز على جوهر الموضوع.
" لكل مخلوق أم وأب ، وخالق . لا شيء يبعث من فراغ ، حتى الفكرة في رأسي الأبيض المكلل بالشيب ، تولد من أم تلدها . لسنا آلهة منقطعة عن جذورها ، ولكن الرياح تذرونا بعيداً عنها غالباً ، وتجذرنا في أماكن غريبة ، تصير لنا أباً وأماً ووطناً ". *
" بابنوس" هي رواية المهمشين والمقهورين والمحرومين في دارفور تلك البقعة التي مهما اتسعت وكثرة خيراتها إلا أنها ضيقة ، ضيقة لدرجة إنها لا تستطيع سد جوع أبناءها ولا حتى الدفاع عنهم من بطشهم بأنفسهم ومكر الغرباء وذلهم .
" ثم في المحل تموت الأصوات ، وليس في الأفق إلا صمت الترقب ". *
يبدأ النص في دارفور وتحديداً في بقعة مهمشة أسماها سكانها بـ " الخربقة "، هل للإسم دلالة على وقوع الخراب في أي لحظة؟ جميعنا نجهل ذلك أو نتجاهله !
" لكل شيء عين ترى ". * ، ويحدث أن تغير هذه العين نظرتها أو تلغيها مجبوره .
" الإنسان " هو حجر الأساس في هذه الرواية ، حدثتنا خريس من خلال روايتها عن شخصيات ربما كانت تفاصيلها هنا من وحي الخيال لكنني متأكدة بأنها حقيقية قد تكون شاهدتها أو سمعتها من قبل وأنت تشاهد أو تقرأ عن المآسي التي تحدث في العالم بشكل عام وعن السودان بشكل خاص .
" أيقنت أني أموت يومياً ؛ ". *
الموت ذلك الشبح الحاضر في تلك الرقعة المتربص بأهلها والذي لا يفرق بين صغير أو كبير ، نبات أو حيوان ، ما ان تحل المجاعة وينضب الماء حتى تغدو الحياة مستحيلة .
" سوء التغذية ، الجهل ، تفشي العادات الغريبة ، سرقة الأطفال الصراعات السياسية والعسكرية ، ظاهرة بيع الأطفال لبيوت الدعارة ، السؤال عن ما هي الحرية وكيف يمكن الحصول عليها " ؛ كل هذه الأمور تطرقت لها الكاتبة في هذه الرواية أو هذه الـ " مأساة "، ففي هذه الصفحات بعض من ذلك التاريخ القاسي المسكوت عنه والذي لا نعرف عنه إلا القليل . طريقة السرد في هذه الرواية راقت لي فهي عبارة عن وجهات نظر أبطال الرواية فكل واحد منهم يخبرنا جزء من القصة حسب رؤيته وخبرته في الحياة . تنتهي الرواية في باريس تلك المدينة التي تعج بالتلوث الأخلاقي والتي مهما بدت لامعة ساحره إلا أنها تخفي تحت جمالها الكثير من القبح .
" من السهل تجاهل النور والاستغناء عن قلقه ، فليست كل المعرفة ضرورة ، كثير منها شقاء أزيحه عن كاهلي بشقاء العمل ، هكذا أرى الأشياء على حقيقتها ". *
( ملاحظة الجمل المختومة بـ * هي اقتباسات من الرواية ). #بابنوس #سميحة_خريس #مروه
' افريقيا حيثُ الصحراء القاحلّة.. بابَنوس.. والتي تعني شجرة الأبنوس بلهجة سكان دارفور، نَشُدُ الرحّال معًا .. لإقليم دارفور بالسودان، موقعُ الصراع في الرواية و تحديدًا منطقة الخربقة.. أهلّ 'الخربقة' أنقلبوا.. أرادوا أن يختلفوا، إنعزلوا عن كُل ما بِشأنه أن يُشكل عدوان أو طرفًا في الدخول لصراعات.. إدراك القيمة الحقيقية للتمسك ببعضهّم البعض حيثُ تملكَهم الجوع و نفذت آخر قطرة ماء هُنّاك، لِحين هُطول المطر .. هُنّاك.. كان العالمُ بأسره مدينٌ على التآمر الذي نفى أحلامًا بريئة، شرد اطفالًا.. لِيلوذَ بِطمعه وصراعاته التي لا نهاية لها .. صراعٌٌ كان جُلَّ هدفه المصالح المادية.. تصنيفاتٌ متعلقة باللون ابيض واسود، و التمايزات السلالية العريقة.. وليس هذا فقط!، بل تخوضُ الكاتبة أخيرًا في الواقع المُرّ.. مُتاجرة الإنسان بأخيه الإنسان، تعود بيَّ الذاكرة ل'خرائط التيه' بالرغم أن 'بابَنوس' تناولت هذا الواقع بشيء بسيط، بِصورة سلسة جدًا لا يسعُني تشبيه الإثنيّن ببعضهما .. تحومُ حول مواضع الألم والخلل الذي يعيشهما العالم اليوم.. محاولة جديرة بالذكر لا بأس بها لـ سميحة خريس .. رواية مُوفقة..
الجزء الثاني من رواية " فستق عبيد" سلطت رواية عن نهب اقليم دارفور و استمرار العبودية بأشكال مختلفة وتجارة الرق باسم جمعيات انسانية وحرب الميليشيات وظلمهم ..شخصيات الرواية في منتهى الابداع بدءا من الحكّامة صاحبة ذاكرة الوطن و آدمو صاحب العيون الزرقاء والبشرة السوداء و حوا وست النفر .. بابنوس" هي شجرة الأبنوس بلهجة أهل دارفور. و هي سوداء اللون و انتهت بعرضها بجانب "سابرينا" البيضاء كالعاج ..كثنائي لبيع جسديها واستغلالهما في باريس كعبودية حديثة.. حيث الظلم والأسر والرق حدث في البوسنة أيضا ولم يقتصر على افريقيا ..الظلم في كل مكان و قد يكون الانسان قبيحا أي كان لونه..
This entire review has been hidden because of spoilers.
رواية كانت جميلة ومميزة وانسانية وروتنية في اغلب صفحاتها تحكي عن حياة افراد قرية من قري افريقيا ونزاع من نزاعاتها ....تم تتحول الي الواقع المر والاليم والمتوحش ...لقد احسست بالالم وانا اري الي اين انتهي شخوص الرواية لكن للاسف مهما كانت النهاية مؤلمة فهي في النهاية شريحة بسيطة من واقعنا الذي نحياه ...وشكرا للكاتبة سميحة خريس علي هذا العمل المميز والرائع ...
كتاب مفجع وآلمني كثيرا .. كتب بحب وانسانية واحترام كبير للسودان من كاتبة أردنية مما أعطى الكتاب بالنسبة لي بريقا خاصا ... أتمنى ان يحظى هذا الكتاب بالتقدير الذي يستحقه. هذا الكتاب هو من تلك الفئة من الكتب التي تبقى معك وتعود الى ذاكرتك بين الحين والآخر مثل كتاب اله الأشياء الصغيرة .