يولد جاد الحق في وادي الغزال، من علاقة غير شرعيّة بين رجل دين دجال، وأمّ يقتلُها لحظة ولادته في حقل لزراعة الحشيش، ثم ينتقل إلى دمشق رفقة أمّه البديلة زمرّدة. سنتعرف على تاريخ جاد الحق الشخصي، حيث سيعيش وينمو في قاع الحياة وعشوائياتها، وفي الحانات وبيوت الدعارة، لنكتشف بكثير من الشغف تلك العوالم، التي سيتداعى فيها الحدث السياسي، إلى تفاصيل حياة فرد محاط ببشر محطمين. ينمو مع تاريخه الشخصي تاريخ بلد كامل، من حقل الحشيش في منتصف العشرينيات إلى الحرب الراهنة. شخصيات الرواية كثيرة، وكلّها هامشية في الحياة ولكنها رئيسة هنا، (“جاد الحق” ليس الأهم فيها، فامرأة كـ “فرنسا”، المومس التي انتقلت من كرخانة باب الجابية إلى كرخانة الروبير إبان الوحدة السورية – المصرية، ستكون بلا شك أكثر أهمية من جاد الحق الذي بنيت الرواية على تداعيات حياته. زمرّدة أيضاً ستكون أكثر عمقاً بما لا يقاس من جاد الحق، كذلك جبرا سيكون الشخصية التي ليس بوسعك إلا أن تتأملها.) هكذا يتكلم نبيل الملحم عن شخصياته. هنا نحن أمام رواية ستتطلبنا، بعد أن ننهي قراءتها، الكثير من الزفرات لنمحو آثارها من رئاتنا.
من مواليد السويداء 1953 صحافي تنقل في العديد من الصحف والمجلات العربية، أعد وقدّم بعض البرامج التلفزيونية منها: ظلال شخصية - عام 1996، الملف - عام 1999-2000. له مجموعة من الكتب المطبوعة منها: (بوليساريو – الطريق إلى الغرب العربي، مسرحية أنا وهو والكلب، كتاب سبعة أيام مع آبو)، كتب مسلسلين تلفزيونيين (ليل السرار – عام 2003 ، أرواح منسية – عام 2012). من رواياته المطبوعة: آخر ايام الرقص – بانسيون مريم – سرير بقلاوة الحزين – موت رحيم.
خمارة جبرا نصّ قد يصنّف تحت خانة الوجودية او الإجتماعية او الرمزية، لكنني أراه نصًا واقعيًا في ظاهره شديد الترميز الى درجة شدّ النصّ بكليّته الى الرمزية التي افقدت النص الظاهري الكثير من خصائصه خصوصًا تلك المتعلقة بالإستمتاع به.
يعتمد النص على تقنية المشاهد: مشهدان رئيسيان يحكمان النصّ بينهما: مشهد السقوط في نشوة ادراك الحرية، ومشهد الكرسي المتحرك. وكل ما بينهما هو تداعي حرّ من الذاكرة لفترة تمتد من اربعينيات القرن الماضي الى ما بعد بداية الثورة السورية بقليل. الأسلوب المعتمد بربط الرائحة او الكلمة او النظرة بالذاكرة كان مميزًا ومناسبًا.
الأفكار كثيرة وعظيمة في هذا النص، من الحب الى السياسة الى الفلسفة الى التاريخ، الانقلابات، العبودية، الفقر، الاغتصاب، الاوهام المقدّسة، الواسطة، الإستعباد، الدعارة،.... لكني سأركّز على رمزية النص، العظام الهشّة هي عظام المجتمع السوري الذي اراد التغيير فخانته عظامه، الخمارة ووكر الدعارة هما الأنظمة المتعاقبة في سوريا منذ الاستقلال الى اللحظة، المغامرات السياسية (كالوحدة مع مصر) لا تتجاوز توحيد بيت دعارة وفك الإرتباط لا يتعدى الترحيل وغيرها...
مشكلة النص الرئيسية هي اللغة، ومن المثير للغضب ان الكاتب يمتلك لغة راقية واضحة في الكثير من الأماكن داخل النص، فعلى سبيل المثال، كيف يمكن لمن يكتب هكذا جملة "ليس من ضرورة لإنتظار النجاة، الغرق وحده يتكفل بخلاصنا" او يسرد بهكذا تكثيف "ما بك؟ خذ، دخّن، سمعت انك نلت شهادة الرتفيكا.. عظيم بعد ست سنوات تأخذ الباكلوريا وتتطوع في الجيش، لتصبح ضابطًا بنجمة، وسأقول لك سيدي الملازم، وستحرر لنا فلسطين، ونستعيد اللواء السليب ايضًا" أن يكتب التالي:
1- " لم تنس وجه فرنسا وهي تتقلب في فراشها تلك الليلة، وكانت وهي تتأمل وتسمع كلام فرنسا، كانت زمردة تصغي الى صوت فرنسا.." تكرار اسم فرنسا دون مبرر.
2- "حين ارتدا زمردة فستان فرنسا تحت وطأة ضغط فرنسا... وقد تناثرت ورود الفل فوق زمردة ليؤول فستان فرنسا اليها" ذات الشيء
3-"تعال اجلس بجانبي، قال جبرا لجاد الحق جاد الله فور دخول جاد الحق جاد الله الخمارة، لكن جاد الحق جاد الله كان يجهد لإخراج جبرا من المكان.."
4- "دخلت جورجيت الصالة، ببساطة أرنبة، بل كانت ترتدي فستان استراحة طويلاً، ينتهي بقبة من فراء أرنبة، عيناها متحمرتان كما عيني أرنبة... "
5- "هذا ما قاله نجيب لجاد الحق جاد الله صبيحة اليوم الثالث من انتحار مومس الروبير، غير ان الخلود ليس اكثر من زمن لا ينتهي بالنسبة لجاد الحق جاد الله الذي يرغب في ان ينتهي كل شيء، ما يعني ان نبوءة نجيب قد حطّت ثقيلة فوق جاد الحق جاد الله.."
بالإضافة الى عشرات الأخطاء الاخرى كتحوّل اسم القرية من تل الغزال الى دير الغزال الى وادي الغزال الى دير القمر! وأخطاء املائية ومطبعية (حتى باللغة الانكليزية). هذه التكرارات المستفزة شكّلت العائق الأساسي في الإستمتاع بالنص والخوض فيه وأفقدته الكثير من عناصر قوتّه.
لا بدّ من الإشارة الى شخصيتين داخل النص كانتا بحجم النص هما شخصية "فرنسا" وزوجها، القصة المشبوكة بينهما كانت ممتازة ويكفي ان الكاتب قد استطاع خلق معنى جديد للنشيد الوطني ويوم الإستقلال!
رواية تملك امكانيات ضخمة، خانتها اللغة في ان تصلني بشكلٍ روائي.
لطالما احتقرنا تلك العوالم التي ينتمي إليها أولئك الهامشيون والمقصيون في الحياة من (سكارى ولصوص ومومسات وبائعات للهوى ....الخ)، الذين يعيشون على أطراف المدن وانقاضها في احياءها السحيقة الموحلة. رغم هذا الإقصاء والتهميش، لا يمكن إغفال هذه العوالم ودور شخوصها في رسم وكتابة تاريخ البلد سياسياً واجتماعياً وثقافياً، فهم جزء لا يمكن محوُه من الذاكرة.
إبداعٌ سردي يمتد من أيام الانتداب الفرنسي إلى دمشق المفعمة بضجيج القذائف عبر فردٍ لم يكن له يوماً قرار في ما يحصل له سوى إرادته الحرة في مطاردة وهمه لاهثاً.
هي تحفة ادبية من الكاتب نبيل الملحم المبدع رواية جميلة مضحكة و مبكية بنفس الوقت فترة زمنية من تاريخ سورية. بشخصيات مختلفة لها حياتها و ظروفها و مشاكلها و همومها هل يوجد حب مثل حب جاد الله ل آنا بزماننا هذا 😔
تتناول الرواية تاريخ دمشق الاجتماعي والسياسي من استقلال سوريا حتى الثورة. تتحدّث الرواية عن شخصية جاد الحق جاد الله الذي يشهد العنف في سوريا عبر شاشة التلفزيون ويصرخ "الشعب يريد إسقاط النظام!" قبل أن ينهار. ترمز تراجع الشخصية الهشة لجاد الحق إلى ضعف الدولة السورية وتفككها بسبب الفساد والقمع. تتناول الرواية حياة جاد الحق وزوجته ياسمينة وهما يعانيان في مدينة دمشق المختلطة بالفوضى، وتسلط الضوء على انتظارهما الطويل لسيارة أجرة ليعودوا إلى منزلهما، بينما يتوافد الجرحى والقتلى من جميع أنحاء المدينة. تعكس الرواية مشهد الانكسار هذا وتحذر من مستقبل سوريا المظلم.
لا يسمح الملحم بوجود شخصيات هامشية في سرده، فكل شخصية مهما بدت تافهة تحمل حضورًا فريدًا ومقنعًا، من العجوز المومس في فرنسا التي تتوق إلى عودة الحكم الاستعماري الفرنسي، إلى زوجها الذي ينشد النشيد الوطني السوري بحس وطني أجوف. تستخدم الرواية تقنيات متنوعة من السرد، وتمزج بين المقالة والشعر والخطاب السياسي والتأمل الفلسفي والتوثيق التاريخي. تتسم لغة الملحم بالخشونة والتكثيف والسينمائية، وتصفح القارئ بصور حية ووحشية في كثير من الأحيان. تدور أحداث الرواية حول تدمير السلالة، في السياق البيولوجي والسياسي والوطني. تصور سوريا نفسها كأمة تتأرجح على حافة النسيان.
يتجلى هذا التجريد من الإنسانية بشكل صارخ عندما يشير موظفو المستشفى إلى جاد الحق، المشلول والعاجز، على أنه قمامة يجب إزالتها لإفساح المجال للمصابين القادمين. ومثلما تعكس براءة جاد الحق براءة جاد الحق التفاؤل الساذج لاستقلال سوريا، فإن تشوّهه المتزايد يوازي انحدار البلاد نفسها إلى التشويه. على الرغم من الإيحاءات السياسية التي تحملها الرواية، إلا أنها ليست سياسية بحتة، بل تستخدم السياسة كخلفية لاستفسارات وجودية عن الحب والذاكرة والنسيان والفناء. الشخصيات تتصارع في صراع لا هوادة فيه وتتلقى خيبة أمل وتأسي بواقع معاناتهم. خمارة جبرا هي تجسيد صغير لسوريا، حيث تغرق الشخصيات حزنها في الخمر وتعيش في عالم يخدر المشاعر.
تعالج الرواية الأماكن ودورها في تأثير التجارب الشخصية والجماعية. كما تسلط الضوء على تدمير الحرب لهذه الأماكن، وتحويلها إلى أطلال فيزيائية واجتماعية. فالدمار الذي حل بسوريا لم يؤثر فقط على البنى المعمارية، ولكنه وصل إلى الوطنية، متركًا البلاد في حالة من الركود. تتجلّى هذه الثباتيّة في شخصية جاد الحق وانتظاره الأعجوبي لسيارة أجرة تعود. تمثل هذه الرواية المجتمع المجمّد في الزمن، الذي يعاني تحت الحكم العسكري والانحطاط الأخلاقي. تستند الرواية بشكل كبير إلى العناصر الشخصية وتصوّر شخصياتها كنتاج لأحداث تاريخية. على الرغم من النتائج غير المؤكدة للثورة، فإن الرواية تؤكد أن التاريخ لا يمكن أن يتغير، وأن سوريا لن تستمر كإقطاعية لسلالة الأسد (وهذا ما حدث فعلًا). وبهذا المعنى، فإنها رواية للمهمشين الذين يتحدون سلطة الحكم.